والذي يدلّ على أصالة الميم في معدّ أنّهم يقولون : «تمعدد الرّجل» إذا تكلّم بكلام معدّ ، وقيل : إذا كان على خلق معدّ.
والميم في «تمعدد» أصليّة ، لأنّ «تمفعل» قليل ، نحو ما ذكرنا من قولهم «تمسكن» و «تمدرع» ، والأحسن «تسكّن» و «تدرّع».
و «معدّ» هذا ـ أعني اسم القبيلة ـ منقول من «معدّ» الذي يراد به موضع رجل الرّاكب ، لأنّ الأعلام إذا علم لها أصل في النكرات ، فينبغي أن تجعل منقولة منه. وإذا ثبت النّقل تبيّن أنّ الميم في «معدّ» هذا ـ أعني اسم القبيلة ـ أصليّة أيضا ، لأنّ موضع رجل الراكب فيه أصل ، لذلك قال :
وخاربين ، خربا فمعدا |
|
لا يحسبان الله إلّا رقدا (١) |
فإن قيل : جعلك الميم أيضا أصليّة في أوّل الكلام ، وبعدها ثلاثة أحرف. قليل ، و «تمفعل» قليل ، فهلّا اعتدل الأمر عندك فيهما ، فأجزت في «معدّ» الوجهين ، أعني زيادة الميم وأصالتها! فالجواب أنّه لمّا كان جعلها أصلا وجعلها زائدة يؤدّيان إلى قليل كانت الأصالة ، وما يعضده الاشتقاق ، أولى.
والذي يدلّ على أصالة الميم في «مأجج» و «مهدد» أنّ الميم لو كانت زائدة لوجب الإدغام ، فتقول «مهدّ» و «مأجّ» ، كما تقول «مقرّ» و «مكرّ» و «مفرّ» و «مردّ». فدلّ ذلك على أنّ الميم أصل ، وأنّهما ملحقان بـ «جعفر» نحو «قردد» (٢) ولذلك لم يدغم.
فإن قلت : أجعل الميم زائدة فيهما ، ويكون فكّ الإدغام شاذّا ، فيكون من باب «لححت (٣) عينه» و «ألل السّقاء» (٤) و «ضبب البلد» (٥) ، إذ جعل الميم أصليّة أيضا ، في أوّل وبعدها ثلاثة أحرف ، قليل! فالجواب ما تقدّم في «معدّ» ، من أنّه لمّا كانت الأصالة والزيادة تفضيان إلى قليل كانت الأصالة أولى.
فإن قيل : فهلّا جعلتم الميم أصليّة في «محبب» (٦) ، بدليل فكّ الإدغام ، كما فعلتم ذلك في «مهدد»! فالجواب أنّه لمّا كان جعل الميم فيها أصليّة يؤدّي إلى الحمل على القليل ، وجعلها زائدة يؤدّي أيضا إلى ذلك ، كانت الأولى الزيادة هنا ، لأنّ الميم إذا كانت زائدة كانت الكلمة من تركيب «ح ب ب» وهو موجود ، وإذا كانت الميم أصليّة كانت الكلمة من تركيب «م ح ب» وهو غير موجود. فكان الحمل على الموجود أولى.
والذي يدلّ على أنّ الميم في «منجنيق»
__________________
(١) الرجز بلا نسبة في المنصف ٣ / ١٩ ؛ ولسان العرب (خرب) ، وتاج العروس (خرب) ؛ وسمط اللآلي ص ٧٧٩.
(٢) القردد : الأرض المستوية.
(٣) لححت : لصقت.
(٤) أي : تغيّرت رائحته.
(٥) أي : كثرت ضبابه.
(٦) محبب : اسم رجل.