المستأنفة ، وهي قوله : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ) كأنّه قيل : لم خصّ المؤمنين بالنصرة والدفع. فأجيب : إنّ الله لا يحبّ كلّ خوّان ـ أي : كثير الخيانة ـ في أمانة الله. (كَفُورٍ) كثير الكفران لنعمه. وهم الكفرة الّذين يخونون الله بالإشراك ، والرسول بالإنكار والجحود والكفران ، ويتقرّبون إلى الأصنام بذبيحتهم ويعظّمونها ، ويكفرون نعم الله ، فلا يرتضي فعلهم ولا ينصرهم.
ثمّ بيّن إذنه لهم في قتال الكفّار بعد تقدّم بشارتهم بالدفع عنهم ، فقال : (أُذِنَ) أي : رخّص. وقرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي على البناء للفاعل ، أي : أذن الله.
(لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ) المشركين. حذف المأذون فيه ـ وهو القتال ـ لدلالة «يقاتلون» عليه.
وقرأ نافع وابن عامر وحفص بفتح التاء ، أي : للّذين يقاتلهم المشركون. (بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) بسبب كونهم مظلومين.
وهم أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. كان المشركون يؤذونهم ، ولا يزال يجيء مشجوج ومضروب إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ويتظلّم إليه ، فيقول لهم : اصبروا فإنّي لم أؤمر بالقتال حتّى هاجر ، فأنزلت.
وفي أوّل آية نزلت في القتال بعد ما نهي عنه في نيّف (١) وسبعين آية.
ثمّ صرّح بالوعد لهم بالنصر ، كما وعد بدفع أذى الكفّار عنهم ، فقال : (وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) سيغلبهم ويقهرهم على أعدائهم.
ثمّ بيّن علّة إذن القتال ، فقال : (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) يعني : مكّة (بِغَيْرِ حَقٍ) بغير موجب استحقّوه به. وعن أبي جعفر عليهالسلام : «نزلت في المهاجرين ، وجرت في آل محمّد الّذين أخرجوا من ديارهم وأخيفوا».
(إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ) في محلّ الجرّ على الإبدال من «حقّ» أي : بغير موجب سوى التوحيد الّذي ينبغي أن يكون موجب الإقرار والتمكين ، لا موجب الإخراج.
__________________
(١) في هامش النسخة الخطّية : «النيّف مثقّل ، في قولهم : مائة ونيّف. قال أبو زيد : كلّ ما بين عقدين نيّف. منه».