وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٨) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (٩) تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً (١٠))
(وَقالُوا) وقال النضر بن الحارث وعبد الله بن أبيّ ونوفل بن خويلد ومن تابعهم استهانة وتهكّما واستهزاء : (ما لِهذَا الرَّسُولِ) الّذي يزعم الرسالة (يَأْكُلُ الطَّعامَ) كما نأكل (وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) لطلب المعاش كما نمشي ، أي : إن صحّ دعواه فما باله لم يخالف حاله حالنا؟ يعنون أنّه كان يجب أن يكون ملكا مستغنيا عن الأكل والتعيّش.
وذلك لعمههم وقصور نظرهم على المحسوسات ، فإنّ تميّز الرسول عمّا عداه ليس بأمور جسمانيّة ، وإنّما هو بأحوال نفسانيّة ، كما أشار إليه بقوله : (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) (١).
ثمّ تحوّلوا عن اقتراحهم أن يكون ملكا إلى اقتراح أن يكون إنسانا معه ملك ، فقالوا : (لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً) حتّى يتساندا في الإنذار والتخويف ، ولنعلم صدقه بتصديق الملك.
ثمّ تنزّلوا عنه فقالوا : (أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ) أي : إن لم يكن مرفودا بملك ، فليكن مرفودا بكنز يلقى إليه من السماء فيستظهر به ، ولا يحتاج إلى تحصيل المعاش.
ثمّ تنزّلوا عنه أيضا فقالوا : (أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها) أي : إن لم يلق إليه كنز فلا أقلّ من أن يكون رجلا له بستان يأكل منه ويرتزق من ريعه ، فيستغني عن طلب المعيشة ، كما للدهاقين. وقرأ حمزة والكسائي بالنون ، والضمير للكفّار ، أي : نأكل معه من ذلك البستان ، فننتفع به في دنيانا ومعاشنا.
(وَقالَ الظَّالِمُونَ) وضع «الظّالمون» موضع ضمير هم تسجيلا عليهم بالظلم فيما
__________________
(١) الكهف : ١١٠.