وبعد النهي عن المنهيّات المذكورة الّتي هي أمّ المناهي ، حثّ عباده على الوفاء بالعهود ، وعلى إتمام الوزن والكيل في المعاملات ، وإيفاء الحقوق الّذي هو سبب انتظام الأمور ، فقال : (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ) بما عاهدكم الله من تكاليفه ، أو ما عاهدتموه وغيره (إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) مطلوبا يطلب من المعاهد أن لا يضيّعه ويفي به. أو مسئولا عنه ، يسأل الناكث ويعاتب عليه. ويجوز أن يكون تخييلا ، كأنّه يسأل العهد لم نكثت؟ وهلّا وفي بك؟ تبكيتا للناكث ، كما يقال للمؤودة : بأيّ ذنب قتل؟ ويجوز أن يراد : أن صاحب العهد كان مسئولا.
(وَأَوْفُوا الْكَيْلَ) ولا تبخسوا فيه (إِذا كِلْتُمْ) يعني : أوفوا الناس حقوقهم إذا كلتم عليهم حقوقهم (وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ) بالميزان السويّ الّذي لا بخس فيه ولا غبن ، صغيرا كان أو كبيرا. وقيل : هو القبّان (١). والقسطاس رومي عرّب. ولا يقدح ذلك في عربيّة القرآن ، لأنّ العجمي إذا استعملته العرب وأجرته مجرى كلامهم في الإعراب والتعريف والتنكير ونحوها صار عربيّا. وقرأ حمزة والكسائي وحفص بكسر القاف هنا وفي الشعراء (٢).
(ذلِكَ خَيْرٌ) نموّا في المال (وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) عاقبة في المآل. وهو ثواب الآخرة. تفعيل من : آل إذا رجع.
(وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً (٣٦))
ثمّ نهى عن اقتفاء شيء لا يتعلّق العلم به ، فقال : (وَلا تَقْفُ) ولا تتّبع
__________________
(١) القبان : آلة توزن بها الأشياء.
(٢) الشعراء : ١٨٢