ثمّ بيّن حكم من لا يجد أسباب النكاح من المهر والنفقة ، فقال : (وَلْيَسْتَعْفِفِ) وليجتهد في العفّة ومنع النفس ، كأنّ المستعفف طالب من نفسه العفاف وحاملها عليه (الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً) أسبابه. ويجوز أن يراد بالنكاح ما ينكح به من المال ، أو بالوجدان التمكّن منه. (حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) فيجدوا ما يتزوّجون به.
وفيه ترجية للمستعفّين ، وتقدمة وعد بالتفضّل عليهم بالغنى ، ليكون انتظار ذلك وتأميله لطفا لهم في استعفافهم ، وربطا على قلوبهم.
ولا يرد : لزوم التناقض بين هذه الآية والّتي قبلها ، فإنّه أمر في الأولى بالتزويج مع الفقر ، وفي الثانية أمر بالصبر عنه مع الفقر.
لأنّا نقول : إنّ الأولى وردت للنهي عن ردّ المؤمن لأجل فقره ، وترك تزويج المرأة لأجل فقرها. والثانية وردت لأمر الفقير بالصبر على ترك النكاح حذرا من تعبه حالة الزواج. فلا تناقض حينئذ. على أنّا نقول : إنّهما مهملتان فلا تتناقضان.
وما أحسن ما رتّب هذه الأوامر! حيث أمر أوّلا بما يعصم من الفتنة ، ويبعّد من مواقعة المعصية ، وهو غضّ البصر. ثمّ بالنكاح الّذي يحصّن به الدين ، ويقع به الاستغناء بالحلال عن الحرام. ثمّ بالحمل على النفس الأمّارة بالسوء. ثمّ تزهيدها عن الطموح إلى الشهوة عند العجز عن النكاح إلى أن يرزق القدرة عليه.