الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً (٤) وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٥) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٦))
ولمّا تضمّن الكلام إثبات التوحيد والنبوّة ، أخذ في الرّد على المخالفين فيهما ، فقال : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) من الأوثان (لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) لأنّ عبدتهم ينحتونهم ويصوّرونهم (وَلا يَمْلِكُونَ) ولا يستطيعون (لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا) دفع ضرّ عنها (وَلا نَفْعاً) ولا جلب نفع (وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً) أي : لا يقدرون على إماتة أحد وإحيائه أوّلا ، ولا بعثه ثانيا.
والحاصل : أنّهم آثروا على عبادة الله عبادة آلهة ، لا عجز أبين من عجزهم ، فإنّهم لا يقدرون على شيء من أفعال العباد ، فضلا عن أفعال الله سبحانه. ومن كان كذلك فبمعزل عن الألوهيّة ، لعرائه عن لوازمها ، واتّصافه بما ينافيها. فكيف يعبدون من لا يقدر على شيء من ذلك ، ويتركون عبادة ربّهم الّذي يملك ذلك كلّه؟! ثمّ أخبر عن تكذيبهم بالقرآن ، فقال : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا) هذا القرآن (إِلَّا إِفْكٌ) كذب مصروف عن وجهه (افْتَراهُ) اختلقه (وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ) أي : اليهود ، فإنّهم يلقون إليه أخبار الأمم ، وهو يعبّر عنها بعبارته. وقيل : جبر مولى عامر ، ويسار غلام العلاء بن الحضرمي ، وعداس مولى حويطب بن عبد العزّى ، قاله النضر بن الحارث بن عبد الدار. وقيل : أبو فكيهة الرومي. وقد سبق ذلك في قوله تعالى : (إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) (١).
__________________
(١) النحل : ١٠٣.