وفي الآية دلالة على أنّ الله سبحانه يريد من خلقه خلاف ما يريده الشيطان ، لأنّه إذا ذمّ سبحانه الأمر بالفحشاء والمنكر ، فخالقهما ومريدهما أولى بالذمّ ، تعالى وتقدّس عن ذلك ، وفيها دلالة على أنّ أحدا لا يصلح إلّا بلطفه.
(وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢))
روي : أنّ مسطحا كان ابن خالة أبي بكر ، وكان فقيرا من فقراء المهاجرين ومن جملة البدريّين ، وكان أبو بكر ينفق عليه ، فلمّا خاض في الإفك الى أن لا ينفق عليه بعد ، فنزلت : (وَلا يَأْتَلِ) افتعال من الأليّة بمعنى القسم ، أي : لا يحلف. وقيل : من الألو.
يقال : ما ألوت جهدا ، إذا لم تقصّر. فالمعنى : لا يقصّر. (أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ) أولوا التفضّل والإحسان (وَالسَّعَةِ) في المال (أَنْ يُؤْتُوا) على أن لا يؤتوا ، أو في أن يأتوا (أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ) صفات لموصوف واحد ، أي : ناسا جامعين لها ، لأنّ الكلام فيمن كان كذلك ، وهو مسطح. أو لموصوفات أقيمت مقامها ، فيكون أعمّ.
(وَلْيَعْفُوا) ما فرط منهم (وَلْيَصْفَحُوا) بالإغماض عنه (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) معاصيكم جزاء على عفوكم وصفحكم وإحسانكم إلى من أساء إليكم. وقد أجمعت الأمّة على أنّ المغفرة إنّما تكون متفرّعة على الإيمان المستمرّ إلى حين الموت.
(وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) مع كمال قدرته ، فتخلّقوا بأخلاقه.