وأما المباحث ، فالأول منها ـ في بيان معنى العبارة التي تضمنتها أخبار الفريقين ، واستفاض نقلها بينهم ، وهي : (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) :
فنقول : ما يحرم من النسب من العناوين السبعة النسبية إذا وجد نظيره في الرضاع أوجب الحرمة بإرادة العنوان من الموصول ، والا فنفس من يحرم من النسب لا معنى لكونه يحرم من الرضاع ، كما هو ظاهر العبارة فلا بد من انتزاع عنوان يكون وجوده مناطا للحكم ، وانما وقع التعبير بذلك لبيان اعتبار اتحاد العنوان الحاصل منهما ، فيكون حاصل المعنى ، ان الرضاع يوجب ربطا على حد ربط النسب ، وعلاقة نحو علاقته ، كما يعرب عنه تشبيه لحمته بلحمته ، فالعلائق السبعة الرضاعية تحرم كما تحرم العلائق السبعة النسبية. وبعبارة أخرى : ان الرضاع يحدث ما يحدثه النسب من العناوين السبعة ، ويفعل فعله في تحققها بعد تنزيل الرضاع منزلة الولادة في ذلك ، فيجري مجراه في التحريم ، سواء كان الحكم به بسبب النسب أو بسبب المصاهرة كأم الزوجة الرضاعية ، فإنها محرمة على زوج بنتها من الرضاع ، ولكنها بالمصاهرة لا بالرضاع ـ كما ستعرف.
الثاني : هو ان الثابت من نصوص التحريم بالرضاع ، انما هو ما يحدث به أحد تلك العناوين المحرمة من النسب دون لوازمها. فلو أرضعت أجنبية أخاك فبنتها ، وان كانت أخت أخيك ، الا أن أخت الأخ في النسب انما تحرم لكونها أختا ، لا لكونها أخت أخ ، فلو تجرد عن عنوان الأخت في الرضاع لم تكن محرمة ، بل ربما تنفك أخت الأخ عن عنوان الأخت في النسب أيضا ، فيجوز له نكاحها كما لو كانت امرأة لها بنت ثم تزوجها أبوك ، فأولدها ولدا هو أخوك من أبيك ، وأخته من أمه أخت أخيك نسبا من أمه ، وليست بأختك أصلا ، فلا مانع عن تزويجك إياها