وذلك قبل أن يبني الحسن بن زيد الحائط. (١)
أقول : وإنّما أمر أمير المؤمنين عليهالسلام بإخفاء قبره عن غير أهله وولده لأمرٍ لا نعلم نحن سرّه ، ولتكن المحنة أشدّ ، والبلاء أعظم ، أو لكثرة أعدائه ، وقصدهم إطفاء نوره ، أو غيرهما ؛ كخوف شدّة عداوة أعدائه له في حياته ، كالناكثين والقاسطين والمارقين الذين غرّروا بأنفسهم في حربه ، ورابطوه قاصدين إطفاء نوره واستئصال شأفته ، حتى قتلوه في محرابه راكعاً ، وأعلنوا بسبّه على منابرهم ، وقتلوا ولده وشيعته ، وسبوا نساءه وبناته وولده ، ثمّ تتبّعوا أبرار شيعته بالأذى والقتل ، كما فعل زياد بن أبيه والحجّاج ، وغيرهما ، وكانوا يقتلون على التهمة والظنّة ، حتى روي أنّهم سمعوا برجل يحدّث الناس بفضائل أمير المؤمنين عليهالسلام ببلاد ما وراء النهر فاجتهدوا في قتله وقتلوه غيلة (٢) ، فما ظنّك لو علموا بموضع قبره؟ وهو عليهالسلام أعلم بما قال وأوصى.
ولم يكن قبره عليهالسلام مخفيّاً عند ولده وأهله وأحفاده الأئمّة الطاهرين صلوات الله عليهم ، حتى انّ الإمام المعصوم عليّ بن الحسين سيّد العابدين أتى من المدينة لزيارته وأخفى نفسه في الحياة وزاره ليلاً ورجع من فوره إلى المدينة ، وكذلك الباقر عليهالسلام.
روى جابر بن عبد الله الأنصاري ، عن أبي جعفر الباقر عليهالسلام ، قال : أتى عليّ بن الحسين عليه السالم زائراً أمير المؤمنين فوضع خدّه على القبر ،
____________
١ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٢ / ٣٤٨ ـ ٣٥٠ ، عنه البحار : ٤٢ / ٢٣٤ ـ ٢٣٦ ح ٤٤.
٢ ـ الغيلة : المكر.