جيوبها بدم الحتوف ، وفرساناً وجبت جنوبها بغروب السيوف (١) ، لرأيت منهم وجوهاً كالبدور في ظُلًم النقع مشرقة ، واُسداً في غاب (٢) الرماح مطرقة ، يرون الموت في طاعة ربهم راحة أرواحهم ، وبذلوا الوسع في إعلاء كلمة خالقهم مجلية أفراحهم.
ليوث إذا ضربت الحرب جمرها ، غيوث إذا السماء منعت درّها ، رهبان إذا الليل أرخى ستوره ، أعلام إذا النهار أشاع نوره ، مصابيح الظلام إذا الغسق غَمّت سُدفُته ، مجاديح (٣) الانعام إذا الزمان عمّت أزمّته ، سادة الاُمّة ، وقادة الأئمّة ، ومعدة الحكمة ، ومنبع العصمة ، وبحار العلم ، وبحار الحلم ، إن سئلوا أوضحوا ، وإن نطقوا أفصحوا ، وإن استسمحوا جادوا ، وإن استرفدوا عادوا ، أصلهم معرق ، وفرعهم معذق ، وحوضهم مورود ، ومجدهم محسود ، وفخرهم ... (٤) ، النبوة اصلهم ، والامامة نسلهم ، لا شرف إلا وهم أصله ، ... (٥).
واُمروا بالجهاد في سبيل الله فأتمروا ، لبسوا القلوب على الدروع عند مكافحة الكفاح ، وتلقّوا بالخدود والصدور حدود الصفاح ورؤوس الرماح ، يرون طعم الموت في طاعة ربهم أحلى من العسل المشار (٦) ، وارتكاب
__________________
١ ـ أي سَقَطَت جُنوبها إلى الأرض بحدود السيوف.
٢ ـ الغابة من الرماح : ما طال منها ، وكان لها أطراف تُرى كأطراف الأجمَة ؛ وقيل : هي المضطربة من الرماح في الريح ؛ وقيل : هي الرماح إذا اجتمعت. « لسان العرب : ١ / ٦٥٦ ـ غيب ـ ».
٣ ـ مِجدّحٌ : نجم من النجوم كانت العرب تزعم أنها تُمطَرُ به ، وهو المُجدَحُ أيضاً : وقيل : هو الدبَران لأنه يطلع آخراً ويسمّى حاديَ النجوم. « لسان العرب : ٢ / ٤٢١ ـ جدح ـ ».
٤ و ٥ ـ كانت هناك آثار ترميم على الصفحة الاُولى من الأل ، ومن جرّاء ذلك فقد هنا مقدار ٣ سطور.
٦ ـ يقال : رجلٌ مِشرٌ : شديد الحُمرة. « القاموس المحيط : ٢ / ١٣٤ ـ مشر ـ ».
وقال في حياة الحيوان الكبرى : ٢ / ٣٥٠ : وأجوده ـ أي العسل ـ الخريفي الصادق