حال السرمد ، فإنّها تشبه الدهر الذي هو صبح نهار السرمد بالنسبة إلى قوس العود. والدهر من حيث هو كذلك ألصق وأشبه بالسرمد من ليل الزمان ؛ فالحق به. أو نقول : صبح الأزل اللائح على هياكل التوحيد (١) نهارٌ ؛ لمساوقة طلوع شمس المعرفة في أُفق الأفئدة له. فبهذا الاعتبار أُلحقت الساعة الفجريّة بالنهار ، وباعتبار أُفق الزمان المحض وأحكامه هي من ليله وإن اختصت بمزايا ليست لعامّة ليله.
وبالجملة ، فممّا ظهر للبصائر أشدّ [ من ظهور (٢) ] الشمس في رابعة النهار للأبصار أن نهار كلّ رتبة من رتب الوجود لا يكون مفتاحه وابتداؤه وأوّله وأساسه ظلمة ، وأن الظلمة لا تكون مبدأ نور من أنوار الوجود على طبقاته ودرجاته. فلو لم نجد محملاً لمثل هذه الأخبار لوجب اطّراحها ، لعدم مقاومتها لشيء ممّا ذكرناه من الأدلّة.
وأمّا ما ورد من مثل قولهم عليهمالسلام إن ابن أُمّ مكتوم يؤذِّن بليل ، وبلال يؤذّن إذا طلع الصبح (٣) ، فليس فيه دلالة على أن ابتداء النهار من طلوع الفجر بوجه من وجوه الدلالة ، فضلاً عن أن يعارض به بعض ما ذكرناه ؛ إذ غاية دلالته أن ابن أُمّ مكتوم : يؤذّن بليل يحلّ فيه الأكل ، وغيره ممّا يمسك عنه الصائم ، فلا تمسكوا ولا تصلّوا بأذانه أي قبل الصبح وبلال : لا يؤذّن إلّا في الصبح ، كما يكشف عنه مثل خبر ( الفقيه ) ، وفيه أن النبيّ صلىاللهعليهوآله : قال إن ابن أُمّ مكتوم : يؤذّن بليل ، فإذا سمعتم أذانه فكلوا واشربوا حتّى تسمعوا أذان بلال (٤).
وممّا يزيدك تنبيهاً على ذلك تنكيره عليه وآله أفضل الصلاة والسلام لفظ الليل ، فلا تغفل.
وأمّا مثل ما في ( الفقيه ) عن جابر : عن أبي جعفر عليهالسلام : أنه قال إن إبليس : إنما يبثُّ جنود الليل من حين تغيب الشمس إلى أن يغيب الشفق ، ويبث جنود النهار من حين يطلع الفجر إلى أن تطلع الشمس (٥) ، فليس فيه دلالة أيضاً على أن الساعة الفجريّة من النهار
__________________
(١) في « ق » : ( التوحد ).
(٢) في المخطوط : ( مما ظهرت ).
(٣) الكافي ٤ : ٩٨ / ٣.
(٤) الفقيه ١ : ١٩٤ / ٩٠٥.
(٥) الفقيه ١ : ٣١٨ / ١٤٤٤.