الفصل الأول
في بيان معنى التوحيد والدليل عليه
وفيه [ مسألتان (١) ] :
الاولى : اعلم أنه أوّل ما يجب عليك أن تعرف أن لك ولهذا الخلق كلّه خالقاً غير مخلوق. والدليل على ذلك أنك كنت بعد أن لم تكن ، وكذلك أبوك وجميع مَن تشاهده مِن الخلق ، فدلّك ذلك على أنك مخلوق ، وكلّ مخلوق له خالق غير مخلوق ، بل هو واجب الوجود لذاته أي لم يخلقه غيره ، ولا كان بعد العدم ؛ إذ لو كان كذلك لكان مخلوقاً ، فاحتاج إلى خالق فهو إذن خالق غير مخلوق.
المسألة الثانية : اعلم أنه يجب على كلّ مكلّف أن يعتقد أن خالق هذا الخلق كلّه واحد لا شريك له. ومعنى أنه واحد : أنه ليس كمثله شيء ، لا يشبه شيئاً ولا يشبهه شيء. والدليل عليه أن ما سواه خلقه ، ولو أشبهه شيء من خلقه لم يُعرف الخالق من المخلوق ، فيحتاج إلى مميّز يميّز أحدهما عن الآخر ، والمميّز لا يكون إلّا قاهراً للمميّز حاكماً عليه ، والمقهور المحكوم عليه لا يكون خالقاً غير مخلوق ؛ وقد بيّنّا أنه خالق غير مخلوق.
وأيضاً إذا كان الخالق مثل المخلوق في شيء من ذاته أو صفاته ، احتاج إلى
__________________
(١) في المخطوط : ( مسلتان ).