شرح الرواية
إذا عرفت هذا ، فلنرجع إلى الكلام على الخبر المبحوث عنه ، فنقول : قوله عليهالسلام إن الله تبارك وتعالى جعل أي منّ بفضل رحمته التي وسعت كلّ شيء ، وأنعم ، ووهب لآدم : ؛ لأنه كتب على نفسه الرحمة. والمراد بآدم : هو أبو البشر ، أو آدم الأوّل : الذي هو أب لألف ألف آدم : وما نسلوا. كلّ منهما معنى مراد ، وعلى كلّ منهما فهذا التفصيل والمنّ عامّ لجميع البشر.
ويدلّ على إرادة الثاني (١) ما رواه القمّيّ : في تفسيره من خبر المعراج عن أبي عبد الله عليهالسلام : وفيه إن الله أوحى لحبيبه محمد صلىاللهعليهوآله : أن مَن هَمّ من أُمّتك بحسنة يعملها فعملها كتبتُ له عشراً ، وإن لم يعملها كتبتُ له واحدة ، ومَن هَمّ مِن أُمّتك بسيّئة فعملها كتبتُ له واحدة وإن لم يعملها لم أكتب عليه شيئاً (٢). والخبر طويل أخذنا منه موضع الحاجة بمعناه وأكثر ألفاظه.
وليس بين الخبرين منافاة ؛ فإن امّة محمّد : من ذرّيّة آدم : البشريّ ، ومحمَّد صلىاللهعليهوآله : باب كلّ جود يفيض من المعبود ، فقد منّ على الأبوين بأن جعل لكلّ منهما في ذرِّيَّته أي ما ولد وتناسل منه بلا واسطة أو بواسطة أو وسائط ، حسّا أو عقلاً ، فكلّ منهما ذرّيّته بحسبه ، مَنْ هَمَّ بحسنة أي عزم على فعلها عزماً مستقرّاً ونواه ؛ فإن كانت واجبة وعملها أُثيب على نيّته وعمله ، وإن لم يعملها ؛ فإن كان تركه لحائل قهريّ
__________________
(١) أي آدم أبي البشر ؛ فهو الثاني زمناً.
(٢) انظر تفسير القميّ ٢ : ١٢.