الطلوع. قال رحمهالله : ( اعلم أن ضوء النهار من ضياء الشمس ، وإنما يستضيء بها ما كان كمداً في نفسه كثيفاً في جوهرة كالأرض والقمر وأجزاء الأرض المتّصلة والمنفصلة. وكلّ ما يستضيء من جهة الشمس فإنه يقع له ظلّ.
وقد قدّر الله بلطيف حكمته دوران الشمس حول الأرض (١) ، فإذا كانت تحتها وقع ظلّها فوق الأرض على شكل مخروط ، ويكون الهواء المستضيء بضياء الشمس محيطاً بجوانب ذلك المخروط ، فتستضيء نهايات الظلّ بذلك الهواء المضيء. لكن ضوء الهواء ضعيف ؛ إذ هو مستعار ، فلا ينفذ كثيراً في أجزاء المخروط ، بل كلّما ازداد بعداً ازداد ضعفاً ، فإذا كان في وسط المخروط يكون أشدّ الظلام ، فإذا قربت الشمس من الأُفق الشرقيّ ، مال المخروط عن سَمتِ الرأس وقربت الأجزاء المستضيئة من حواشي الظلّ بضياء الهواء من البصر ، وفيه أدنى قوّة ، فيدركه البصر عند قرب الصباح.
وعلى هذا كلّما ازدادت الشمس قرباً من الأُفق ازداد ضوء نهايات الظلّ قرباً من البصر إلى أن تطلع الشمس ، وأوّل ما يظهر الضوء عند قرب الصباح يظهر مستدقّاً مستطيلاً كالعمود ، ويسمّى الصبح الكاذب والأوّل. ويشبّه بذنب السرحان ؛ لدقّته واستطالته. ويسمّى الأوّل ؛ لسبقه على الثاني ، والكاذب لكون الأُفق مظلماً أي لو كان يصدق أنه نور الشمس لكان المنير ممّا يلي الشمس دون ما يبعد منه ضعيفاً دقيقاً ، ويبقى وجه الأرض على ظلامه بظلّ الأرض ثم يزداد هذا الضوء إلى أن يأخذ طولاً وعرضاً فينبسط في عرض الأُفق كنصف دائرة وهو الفجر الثاني الصادق ، لأنه صدقك عن الصبح وبيّنه لك ، والصبح ما جمع بياضاً وحمرةً ، ثم يزداد الضوء إلى أن يحمرّ الأُفق ، ثم تطلع الشمس ) (٢) ، انتهى كلام العلّامة.
__________________
(١) هذا وفق ما كان معتقداً في زمان العلّامة : رحمهالله وبعده ، أمّا ما ثبت من عهد كوبرنيكوس : وغاليليو غاليلي : فهو خلاف هذا ؛ إذ ثبت بما لا مجال للشك فيه أن الأرض تدور حول الشمس لا العكس.
(٢) منتهى المطلب ١ : ٢٠٦.