تصرّم منه شيء أو أنّه سيتحقق منه شيء في المستقبل ـ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ـ لأن الله تعالى كلُّه تَحَقُقْ ، وما كان منه تعالى وما سيأتي هو على نحو الكينونة المنجّزة ، وهذا في صفات الله ، ونحن لا نريد أن نقيس المخلوق بالله تعالى.
التاريخ بالنسبة للروح شيء حاضر
الروح شرّفها الله تعالى بشرف خاص وأضافها إلى ذاته ، وقد أطلق لفظ الروح على الذات الإلهية المقدّسة فقال تعالى : ( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ) (١) ، إنَّ التاريخ بالنسبة للروح ليس تاريخاً ، بل شيء حاضر ، والمستقبل بالنسبة للروح ليس مستقبلا ، بل شيء حاضر ، والإنسان يتفاعل مع الشيء الحاضر بصورة مرنة ، والروح بالنسبة إلى ما مضى وما سيأتي من خلال إدراكاتها ومواقفها شيء حاضر لديها وليس شيئاً ماضياً.
تكاليف الروح تختلف عن تكاليف البدن
تكاليف الروح تختلف عن تكاليف البدن ; لذلك أهّلت الروح لمسؤوليات تختلف عن البدن ، فالبدن لا يكلّف بنشأة البرزخ أو النشأة الآخرة ، وإنّما يكلّف بمسؤوليات بقدر طاقته وقدرته ، ولا يستطيع البدن التعامل مع ما مضى ، فليس بمقدوره اختراق أعماق التاريخ والتعامل مع الماضي ، إذن البدن لا يستطيع أن يفعل فيما مضى شيئاً ، ولا يستطيع أن يفعل فيما سيأتي شيئاً ، وإنّما يستطيع أن يفعل فيما هو كائن بينهما وهو الحاضر ، ومن خلال هذه المقدّمة يتّضح أنّ التكاليف منها ما يتعلّق بالروح ، ومنها ما يتعلّق بالبدن ، وأنّ البدن لضيق أفقه لا يستطيع أن يؤدّي التكاليف التي تختصّ بالروح ، فمن تكاليف الروح العظيمة
__________________
١ ـ الحجر (١٥) : ٢٩.