« وأمّا بعد ، فلا تطوّلنّ احتجابك عن رعيّتك ، فإنّ احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضّيق ، وقلّة علم بالأُمور ، والاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه ، فيصغر عندهم الكبير ، ويعظم الصغير ، ويقبح الحسن ، ويحسن القبيح ، ويشاب الحقُ بالباطل ، وإنّما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الأُمور ، وليست على الحق سمات تُعرَف بها ضروب الصدق من الكذب ، وإنّما أنت أحد رجلين : إمّا امرو سخت نفسك بالبذل في الحق ، ففيم احتجابك من واجب حق تعطيه ، أو فعل كريم تسديه ، أو مبتلى بالمنع ، فما أسرع كفّ الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك ، مع أنّ أكثر حاجات الناس إليك ممّا لا مؤونة فيه عليك ، من شكاة مظلمة ، أو طلب إنصاف في المعاملة » ، وهذه الشفافية المطلوبة التي تنادي بها البشرية المتمدّنة نادى بها أمير المؤمنين عليهالسلام قبل أربعة عشر قرناً ، ولكن يجب أن لا تتلوّث الشفافية بدجل الإقطاع.
المحور الرابع : ضمانة السلم الدولي والوفاء بالعهد
ويقول عليهالسلام في عهده لمالك الأشتر : « وإن عقدت بينك وبين عدوّك عقدة ، أو ألبسته منك ذمّة فحط عهدك بالوفاء ، وارع ذمّتك بالأمانة ، واجعل نفسك جُنّة دون ما أعطيت ، فإنّه ليس من فرائض الله شيءٌ ، الناس أشدّ عليه اجتماعاً ، مع تفرّق أهوائهم ، وتشتّت آرائهم ، من تعظيم الوفاء بالعهود ، وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين لما استوبلوا من عواقب الغدر ، فلا تغدرنّ بذمّتك ، ولا تخيسنّ بعهدك ، ولا تختلنّ عدوّك ، فإنّه لا يجترىءُ على الله إلاّ جاهلٌ شقي ، وقد جعل الله عهده وذمّته أمناً أفضاه بين العباد برحمته ، وحريماً يسكنون إلى مَنَعَتِه ، ويستفيضون إلى جواره ، فلا إدغالَ ولا مدالسة ولاخداع فيه ، ولا تعقد عقداً تُجوّز فيه العلل ، ولا تعوّلنّ على لحن قول بعد التأكيد والتوثقة ، ولا يدعونّك ضيق