إذن التفرقة من الأرض ، ومن الطين ، ومن الجغرافيا ، ومن الإنسان نفسه الذي يكبّل نفسه بأنواع من القيود والتفرقات ، والنزوع نحو التوحّد والوحدة كامن في أصل خلق الروح الواحدة التي خلقها الله تعالى.
القرآن الكريم يشير إلى نزعتين في حياة الإنسان
قال تعالى : ( فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْض عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الاَْرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِين ) (١).
وقال تعالى : ( قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَاىَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) (٢).
فالقرآن الكريم يشير إلى أنّ الإنسان يحمل نزعتين : النزعة الأُولى تتمثّل في نزعة العداوة المصاحبة للهبوط إلى الأرض ، وقال المفسّرون : إنّ العداوة مترتبة على التعب والنصب والكدح التي تحتاج إليها الحياة الدنيا ، فيحتاج الإنسان إلى القوّة الغضبية لكي يحمي نفسه ، ويحتاج إلى القوّة الشهوية لكي يأكل ويشرب وينكح ويتكاثر.
وهذه القوّة عندما تُنظَّم تخدم الإنسان ، ولكن عندما تتفلت تسبّب الكوارث والحروب والاعتداءات وانتهاك الأعراض وسفك الدماء والفساد في الأرض وغصب الأموال ونشر الظلم.
وتشير الآية إلى أنّ هدى الله هو الضمان وصمّام الأمان للإنسان ، لكي يحافظ على السلام والحب والعدل وخدمة البشر ، والاستقرار النفسي والروحي والسيطرة على الغرائز والشهوات وتشير إلى وجود هذه النزعة التابعة لهداية
__________________
١ ـ البقرة (٢) : ٣٦.
٢ ـ البقرة (٢) : ٣٨.