ذاتها ، والسبب في ذلك أنّ ما حدث في التاريخ يؤثّر في الروح ، فكلّ الأُمور التي مضت حاضرة لدى الروح ومؤثّرة فيها ، والروح هي حصيلة المعلومات فلا يمكن تصوّر الروح بلا معلومات ، فكلّ ما هو حي متعلّق بالروح ، كما قيل : « فالناس موتى وأهل العلم أحياء » (١) ، والعلم هو حياة الروح ، وتمام هويّة الروح ووجودها هي المعلومات ، والجهل هو موت الروح ، ومن الخطأ أن نتحسّس من إحياء ما مضى من التاريخ ; لأنّ الروح هي بطبيعتها حيّة بما مضى وبما سيأتي ، وأنّ ما مضى ماض بلحاظ البدن ، أمّا بالنسبة للروح فما مضى هو حي حاضر لديها ، فيجب على الإنسان أن يكون له وعي وموقف فيما صاحب ماضي الزمان من الأحداث ، والذي لا يعي ما مضى من الأحداث فهذا لا بدّ أنّه يعاني من نقص في هويّته الإنسانية والروحية ، ويكون بمثابة الميّت الذي لا يتمتع بحياة الروح ، وهو شبيه بأجزاء معطّلة من ذاكرة الحاسب الآلي ، فإذا كانت هذه الذاكرة معطّلة فلا فائدة منها ، وكذلك الروح إذا كانت بدون معلومات فلا فائدة منها.
وكلّما ازدادت دائرة علم الروح المدرك للحقيقة اتّضحت لها الحقيقة ، فلا ترى البياض بصورة السواد ، ولا السواد بصورة البياض ، وحينئذ تكون الروح حيّة وناضجة ، إذن نبش التاريخ وتقليب صفحاته سنّة قرآنية ، والروح تتأقلم مع هذا التقليب لصفحات التاريخ وتتكامل به.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر البدني والقلبي
نستطيع أن نفهم جملة من التكاليف الإلهية التي بعضها مفاهيم عقائدية وبعضها مسائل فقهية ، فمثلا : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر القلبي يختلف عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر البدني ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هدفه
__________________
١ ـ العلم والحكمة في الكتاب والسنة : ٣٥٢ ، نقلا عن الديوان المنسوب للإمام علي عليهالسلام.