الدكتور محمّد سالم محيسن
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٦
توفي « أبو حيان » بعد حياة حافلة في تعليم القرآن ، وتفسيره ، وتعليم اللغة العربية وآدابها ، وغير ذلك من العلوم ، وذلك سنة خمس وأربعين وسبعمائة من الهجرة.
رحم الله « أبا حيان » رحمة واسعة وجزاه الله أفضل الجزاء.
رقم الترجمة / ٤٤
« ابن خواستى » (١) ت ٤١٢ هـ.
هو : عبد العزيز بن جعفر بن محمد بن إسحاق بن محمد بن خواستى ـ بضم الخاء المعجمة وسكون العين المهملة وفتح التاء ـ أبو القاسم الفارسي ثم البغدادي يعرف بابن أبي غسان ، مقرئ نحوي شيخ صدوق.
ذكره « الذهبي » ت ٧٤٨ هـ. ضمن علماء الطبقة التاسعة من حفاظ القرآن كما ذكره « ابن الجزري » ت ٨٣٣ هـ. ضمن علماء القراءات. ولد « ابن خواستى » سنة عشرين وثلاثمائة ، وورد عنه قوله : أذكر يوم مات « ابن مجاهد ».
أخذ « ابن خواستى » القراءة القرآنية على عدد من العلماء وفي مقدمتهم : « عبد الواحد بن أبي هاشم ، وأبو بكر النقاش » ، وسمع منهما كثيرا من القراءات.
كما أخذ « ابن خواستى » حديث الهادي البشير صلىاللهعليهوسلم عن عدد من العلماء وفي هذا يقول « الحافظ الذهبي » : « وسمع من أبي بكر بن داسة ، وإسماعيل الصفار ، وأبي بكر النجاد ، وأبي عمر الزاهد ».
ثم يقول : « ورحل سنة ثمان وثلاثين بنفسه ، وسمع بالبصرة سنن « أبي داود » وتفرد بعلوّه ، ودخل الأندلس للتجارة في سنة خمسين وثلاثمائة فسكنها ».
__________________
(١) انظر ترجمته في المراجع الآتية :
الصلة لابن بشكوال ج ٢ ، ص ٣٧٥. تذكرة الحفاظ ج ٣ ، ص ١٠٥٥. طبقات القراء ج ١ ، ص ٣٩٢. القراء الكبار ج ١ ، ص ٣٧٤. بغية الوعاة ج ٢ ، ص ٩٨. شذرات الذهب ج ٣ ، ص ١٩٨.
كما أخذ « ابن خواستى » العربية عن « أبي سعيد السيرافي ». وبعد أن اكتملت مواهبه تصدر لتعليم القرآن ، واشتهر بالثقة وصحة الضبط ، وجودة القراءة ، وأقبل عليه حفاظ القرآن ، وتتلمذ عليه الكثيرون ، وفي مقدمتهم : الإمام أبو عمرو الداني ، وفي هذا المعنى يقول عن شيخه : كان « ابن خواستى » خيرا ، فاضلا ، صدوقا ، ضابطا ، قرأت عليه القرآن بثلاث روايات. اهـ.
كما روى عنه أيضا « أبو الوليد بن الفرضي » ، لقيه بمدينة « التراب ». توفي « ابن خواستى » بأبدة سنة اثنتي عشرة وأربعمائة من الهجرة وهو ابن اثنتين وتسعين سنة على خلاف في ذلك.
رحمه الله رحمة واسعة ، وجزاه الله أفضل الجزاء.
رقم الترجمة / ٤٥
« رشأ بن نظيف » (١) ت ٤٤٤ هـ
هو : رشأ بن نظيف بن ما شاء الله أبو الحسن الدمشقي ، وهو أستاذ في قراءة « ابن عامر » الدمشقي ، وكان من الثقات.
ذكره « الذهبي » ت ٧٤٨ ه ضمن علماء الطبقة العاشرة من حفاظ القرآن.
كما ذكره « ابن الجزري » ت ٨٣٣ ه ضمن علماء القراءات.
رحل « رشأ » في طلب القراءات ، والحديث ، إلى مصر ، والعراق ، وأخذ عن شيوخهما.
ومن شيوخه في القراءات : عليّ بن داود بن عبد الله أبو الحسن الداراني ، وهو إمام مقرئ ضابط متقن ، محرر زاهد ، ثقة ، قرأ على : « صالح بن إدريس ، وأحمد بن عثمان بن السباك ، وأبي الحسن بن الأخرم ، ومحمد بن القاسم بن محرز ، ومحمد بن جعفر الخزاعي. وقرأ عليه : الأهوازيّ ، وتاج الأئمة ، أحمد بن عليّ ، وأحمد بن محمد الأصبهاني ، ورشأ بن نظيف ، وعليّ بن الحسن الرّبعي ، وأحمد بن محمد القنطري ، وعبد الرحمن بن أحمد بن الحسن الرازي ، وأبو عبد الله الكارزيني ، قال عنه « رشأ بن نظيف » : لم ألق مثل « علي ابن داود » حذقا ، وإتقانا ، في رواية « ابن عامر » : وقال عنه « الإمام الداني » كان ثقة ، ضابطا ، متقشفا » (٢).
وقال عنه « الإمام ابن الجزري » : كان يقرئ شرقيّ الرواق الأوسط ، ولا
__________________
(١) انظر ترجمته في المراجع الآتية :
معرفة القراء الكبار ج ١ ، ص ٤٠١. طبقات القراء لابن الجزري ج ١ ، ص ٢٨٤. تهذيب تاريخ دمشق ج ٥ ، ص ٣٢٤. شذرات الذهب ج ٣ ، ص ٢٧١.
(٢) انظر طبقات القراء لابن الجزري ج ١ ، ص ٥٤٢.
يقبل ممن يقرأ عليه برّا ، كما كان لا يأخذ على الإمامة رزقا ، وكان يقتات من أرض له « بداريا » ويحمل ما يحتاج إليه من الحنطة فيخرج بنفسه إلى « الطاحون » ويطحنه ، ويعجنه ، ويخبزه » (١).
وقال عنه « الكتاني » : كان ثقة ، انتهت إليه الرئاسة في قراءة « الشاميين ». توفي في جمادى الأولى سنة اثنين وأربعمائة وهو في عمر التسعين.
ومن شيوخ « رشأ بن نظيف » : محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن هلال ، أبو بكر السلمي الجبني ، شيخ القراء بدمشق ، أخذ القراءة عرضا عن أبيه ، وعليّ بن الحسين ، وابن الأخرم ، وجعفر بن أبي داود ، وأحمد بن عثمان السباك ، والحسين بن محمد بن عليّ بن عتّاب ، ومحمد بن أحمد بن عتاب ».
وأخذ عنه القراءة عرضا : « عليّ بن الحسن الربعي ، ومحمد بن الحسن الشيرازي ، وأحمد بن محمد بن يزده الأصبهاني ، ورشأ بن نظيف ، والكارزيني ، وأبو علي الأهوازي ».
قال عنه تلميذه « أبو علي الأهوازي » : ما رأيت بدمشق مثل « أبي بكر السلمي » إماما في القراءة ، ضابطا للرواية ، قيّما بوجوه القراءات ، يعرف صدرا من التفسير ، ومعاني القراءات ، قرأ على سبعة من أصحاب « الأخفش » له منزلة في الفضل ، والعلم ، والأمانة ، والورع ، والدين ، والتقشف ، والصيانة » (٢) توفي سنة سبع وأربعمائة بدمشق ، وقد جاوز الثمانين.
وأخذ « رشأ بن نظيف » حديث الهادي البشير صلىاللهعليهوسلم عن خيرة العلماء ، وفي مقدمتهم : « عبد الوهاب الكلابي ، وأبو مسلم محمد بن أحمد الكاتب ، وأبو الفتح بن سيبخت ، والحسن بن إسماعيل الضرّاب ، وأبو عمر بن مهدي الفارسي ».
__________________
(١) انظر طبقات القراء لابن الجزري ج ١ ، ص ٥٤٢.
(٢) انظر طبقات القراء لابن الجزري ج ٢ ، ص ٨٥.
تصدر « رشأ بن نظيف » لتعليم القرآن ، ومن الذين أخذوا عنه القراءة : « سبيع بن المسلم بن عليّ بن هارون أبو الوحش المعروف بابن قيراط ، شيخ دمشق ، وكان ضريرا ، من الثقات.
ولد « سبيع » سنة تسع عشرة وأربعمائة من الهجرة ، وقرأ على أبي عليّ الحسن بن عليّ الأهوازي ، ورشأ بن نظيف ، وتصدر لتعليم القرآن ، ومن الذين أخذوا عنه القراءة ، إسماعيل بن عليّ بن بركات الغساني شيخ عبد الوهاب بن برغش.
وروى القراءات عنه ، الخضر بن شبل الحارثي ، وعلي بن الحسن الكلابي. وكان يقرئ الناس تلقينا ورواية من الفجر إلى قريب الظهر بالجامع الأموي. ثم أقعد وكان يحمل إلى الجامع ، يقول « ابن الجزري » : وأظنه هو الذي أشهر قراءة « أبي عمرو بن العلاء البصري » تلقينا بدمشق ، بعد ما كانوا يتلقون « لابن عامر الدمشقي ». توفي « سبيع بن مسلم » في شعبان سنة ثمان وخمسمائة من الهجرة.
وكما تصدر « رشأ بن نظيف » لتعليم القرآن ، تصدر أيضا لرواية حديث الهادي البشير صلىاللهعليهوسلم. يقول « الحافظ الذهبي » : روى عنه ـ أي عند رشأ بن نظيف ـ عبد العزيز الكتاني ، وعلي بن الحسين بن صصرى ، وسهل بن بشر الأسفراييني ، وأبو القاسم عليّ بن إبراهيم النسيب ، وأبو الوحش سبيع بن قيراط ، وآخرون (١).
اشتهر « رشأ بن نظيف » بالثقة ، وصحة القراءة مما استوجب ثناء العلماء عليه وفي هذا يقول « ابن الجزري » : كان « رشأ بن نظيف » محدثا ، مقرئا ، قرأ بمصر ، والشام ، والعراق. اهـ (٢).
__________________
(١) انظر معرفة القراء الكبار للذهبي ج ١ ، ص ٤٠٢.
(٢) انظر طبقات القراء لابن الجزري ج ١ ، ص ٢٨٤.
وقال عنه تلميذه « عبد العزيز الكتّاني » : كان « رشأ » ثقة مأمونا ، انتهت إليه الرئاسة من قراءة « ابن عامر » (١).
توفي « رشأ بن نظيف » بعد حياة حافلة في تعليم القرآن وسنة النبي عليه الصلاة والسلام في المحرم سنة أربع وأربعين وأربعمائة من الهجرة.
__________________
(١) انظر معرفة القراء الكبار ج ١ ، ص ٤٠٢.
رقم الترجمة / ٤٦
« زكريّا بن محمّد الأنصاري » (١) ت ٩٢٦ هـ
هو : زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري القاهري الأزهري الشافعي ، القاضي ، الملقب بشيخ الإسلام ، وهو من خيرة العلماء العاملين ، ومن القراء ، والمفسرين ، والمحدثين ، والفقهاء ، والأصوليين ، والمؤلفين. ولد في سنة ست وعشرين وثمانمائة ببلدة « سنيكة » محافظة الشرقية إحدى محافظات « مصر ».
ونشأ ببلدته وحفظ القرآن عند الشيخين : « محمد بن ربيع » و « البرهان » كما حفظ عليهما « عمدة الأحكام » و « مختصر التبريزي » في الفقه ، وبعد ذلك رحل إلى القاهرة في سنة إحدى وأربعين وثمانمائة ، فقطن الأزهر وحفظ « المنهاج » وألفية بن مالك ، والشاطبية ، ونحو النصف من ألفية الحديث ، وغير ذلك من المتون.
أخذ « زكريا الأنصاري » الكثير من العلوم العربية ، والشرعية ، عن خيرة علماء عصره ، منهم « ابن حجر ، والبلقيني ، والقاياتي ».
وحضر دروس الشرف المناوي ، وغيره وقرأ بالسبع على كل من « النور البلبيسي » إمام الأزهر ، والزين رضوان ، والشهاب القلقيلي السكندري ، وقرأ بالقراءات الثلاث الزائدة على الشاطبية بما تضمنته مصنفات « ابن الجزري » ، « النشر والطيبة » على الشيخ الزين طاهر المالكي. وقرأ بالقراءات العشر إلى
__________________
(١) انظر ترجمته في المراجع الآتية :
الضوء اللامع لأهل القرن التاسع المجلد الثاني رقم ٢٣٤ ـ ورقم الترجمة ١٩٢. البدر الطالع بمحاسن بعد القرن السابع ج ١ ص ٢٥٢. ورقم الترجمة ١٧٥.
« المفلحون » فقط على « الزين بن عياش » وأخذ رسم القرن عن « الزين رضوان ».
وقد بلغ الشيخ زكريا الأنصاري درجة عظيمة في العلم ومكانة مما استوجب الثناء عليه ، وفي هذا يقول « شمس الدين السخاوي » : « ولم ينفك عن الاشتغال على طريقة جميلة من التواضع ، وحسن العشرة ، والأدب ، والعفة ، والانجماع عند بني الدنيا ، مع التقلل ، وشرف النفس ، ومزيد العقل ، وسعة الباطن ، والاحتمال ، والمداراة ، إلى أن أذن له غير واحد من شيوخه في الإفتاء والاقراء ، وتصدّى للتدريس في حياة غير واحد من شيوخه ، وأخذ عنه الفضلاء طبقة بعد طبقة ، مع إعلام متفننيهم بحقيقة شأنه ، وقصد بالفتاوى ، وزاحم كثيرا من شيوخه فيها ، وله تهجّد وصبر ، واحتمال ، وترك للقيل والقال ، وتواضع وعدم تنازل ، بل عمله في التودد يزيد عن الحدّ ، ورويّته أحسن من بديهته ، وكتابته أمتن من عبارته ، وعدم مسارعته إلى الفتاوى مما يعدّ من حسناته ، وبيننا أنسة زائدة ، ومحبة من الجانبين تامة ، ولا زالت المسرّات واصلة إلى من قبله بالدعاء والثناء ، وإن كان ذلك دأبه مع عموم الناس ، فحظي منه أوفر ، ولفظي فيه كذلك أغزر ، وزاد في الترقي وحسن الطلاقة والتلقي مع كثرة حاسديه ، والمعترضين لجانبه وواديه ، وهو لا يلقاهم إلا بالبشر ، إلى ان استقرّ به « الأشرف قايتباي » في مشيخة الدرس المجاور للشافعي ، والنظر عليه ، ولذا كثر تودد الناس إليه » (١).
وأثنى عليه « الإمام الشوكاني » فقال : وقرأ في جميع الفنون ، وأذن له شيوخه بالإفتاء والتدريس ، وتصدر ، وأفتى ، وأقرأ وصنف ، وله شروح ومختصرات في كل فن من الفنون ، انتفع الناس بها ، وتنافسوا فيها ، ودرّس في أمكنة متعددة ، وزاد في الترقي ، وحسن الطلاقة والتلقي ، وارتفعت درجته عند السلطان « قايتباي ».
__________________
(١) انظر الضوء اللامع للسخاوي المجلد الثاني ص ٢٣٦.
وكان السلطان يلهج بتوليته القضاء مع علمه بعدم قبوله له في سلطنة « خشقوم » ثم ولاه « قايتباي » القضاء ، وصمم عليه فأذعن بعد مجيء أكابر الدولة إليه فباشره بعفة ونزاهة ، ثم عزل سنة ستة وتسعمائة ثم عرض عليه بعد ذلك فأعرض عنه لكفّ بصره ، وانجمع في محله ، واشتهرت مصنفاته ، وكثرت تلامذته ، وألحق الأحفاد بالأجداد ، وعمّر حتى جاوز المائة أو قاربها » (١).
ولشيخ الإسلام زكريا الأنصاري الكثير من المصنفات في شتى الفنون ، منها : شرح آداب البحث ، وسمّاه فتح الوهاب بشرح الآداب ، و « غاية الوصول في شرح الفصول » وشرح « شذور الذهب في النحو » ، وشرح مقدمة التجويد لابن الجزري ، ومختصر قرة العين في الفتح والإمالة وبين اللفظين لابن القاصح ، وشرح « إيساغوجي » في المنطق ، وغير ذلك من الكتب النافعة المفيدة. وبعد هذه الحياة الحافلة بالتدريس ، والفتوى ، والتصنيف ، توفي شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في يوم الجمعة رابع ذي الحجة سنة ست وعشرين وتسعمائة ، رحمهالله رحمة واسعة.
وقد حزن الناس عليه كثيرا لمزيد محاسنه ، ورثاه الكثيرون من تلامذته فمن ذلك قول بعضهم :
قضى زكريا نحبه فتفجرت |
|
عليه عيون النيل يوم حمامه |
سقى الله قبرا ضمّه غوث صيّب |
|
عليه مدى الأيام صبح غمامه |
__________________
(١) انظر البدر اللامع للشوكاني ج ١ ، ص ٢٥٢.
رقم الترجمة / ٤٧
« سعيد بن محمد » ت ٨٦٧ هـ
هو : سعيد بن محمد بن عبد الله بن أبي بكر المقدسي الحنفي ، نزيل القاهرة المعروف بابن الديري : نسبة إلى مكان يقال له الدير ، أو إلى دير في بيت المقدس.
ولد في يوم الثلاثاء تاسع عشر رجب سنة ثمان وستين وثمانمائة ، وحفظ القرآن في صغره على خيرة حفاظ القرآن ، كما حفظ مختصر « ابن الحاجب » وكان سريع الحفظ ، مفرط الذكاء ، ثم أكب على تلقي العلم ، فتفقه على والده رحمهالله. وبرع في الفقه حتى صار المرجع إليه فيه ، كما أخذ عدة فنون على كل من « ابن النقيب » و « الشمس بن الخطيب » وغيرهما. وتولى قضاء الحنفية ، وصار معظما عند الملوك والوزراء ، والأمراء.
ومن الأدلّة على علوّ منزلته أنه عرض القضاء على « ابن الهمام » فامتنع وقال : لا يقدر على ذلك مع وجود « سعيد بن محمد ».
ثم تصدّر للتعليم ، واشتهر بالثقة ، والأمانة ، وأقبل عليه الطلاب وكثرت تلامذته ، وانتفع به الناس ، وأخذ عنه أهل كل مذهب. ثم قصد بالفتاوى من سائر الآفاق ، وبعد صيته ، وأحبّه الجميع وأصبح يشار إليه بالبنان ، وله نظم ومنه قصيدة مطلعها :
ما بال سرّك بالهوى قد لاحا |
|
وخفيّ أمرك صار منك بواحا |
ترك « سعيد بن محمد » للمكتبة الاسلامية بعض المصنفات منها : « شرح عقائد النسفي » و « الكواكب النيّرات في وصول ثواب الطاعات إلى الأموات » و « السهام المارقة في كبير الزنادقة » و « رسالة في نوم الملائكة هل هو كائن ام
لا ، وهل منع الشعر مخصوص بنبينا محمد صلىاللهعليهوسلم أم هو عام لكل الأنبياء ».
ولم يزل « سعيد بن محمد » يعمل ويجتهد حتى توفاه الله تعالى ، في تاسع ربيع الآخر سنة سبع وستين وثمان مائة.
رحمه الله رحمة واسعة ، وجزاه الله أفضل الجزاء.
رقم الترجمة / ٤٨
« صالح بن عمر العسقلاني » (١) ت ٨٦٨ هـ
هو : صالح بن عمر بن رسلان بن نصير بن صالح علم الدين العسقلاني ، البلقيني الأصل ، القاهري ، الشافعي. وهو من القراء ، والفقهاء ، والمحدثين ، والمؤلفين.
ولد في ليلة الاثنين ثالث عشر جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين وسبعمائة بالقاهرة ، ونشأ بها في كنف والده فحفظ القرآن ، وصلى به للناس التراويح بمدرسة والده في سنة تسع وتسعين وسبعمائة. كما حفظ كتاب العمدة ، ومنهاج الأصول ، والألفية في النحو.
أخذ « صالح بن عمر » كثيرا من العلوم على مشاهير علماء عصره ، وفي مقدمتهم والده رحمهالله ، والزين العراقي ، والمجد البرماوي ، والبيجوري ، والحافظ ابن حجر ، وغير هؤلاء.
تنقل « صالح بن عمر » في كثير من المناصب من الوعظ إلى التدريس إلى الافتاء حتى قال بعض أهل الأدب مثنيا عليه :
وعظ الأنام إمامنا الحبر الذي |
|
سكب العلوم كبحر فضل طافح |
فشفى القلوب بعلمه وبوعظه |
|
والوعظ لا يشفي سوى من صالح |
احتلّ « صالح بن عمر » مكانة سامية بين الناس مما جعل العلماء يثنون عليه ، وفي هذا يقول « الإمام السخاوي » : وكان مصونا متقلّلا من الدنيا غاية في الذكاء ، وسرعة الحفظ ، فلازم الاشتغال بالفقه وأصوله والعربية ،
__________________
(١) انظر ترجمته في : الضوء اللامع لأهل القرن التاسع رقم الترجمة ١١٩٩ ، ج ٣ ، ص ٣١٢.
البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع ، رقم الترجمة ٢٠١ ، ج ١ ، ص ٢٨٦.
والحديث ، وغيرها من العلوم. وحج في سنة أربع عشرة وثمانمائة ولقي الحافظ الجمال بن ظهيرة ، وغيره ، ودخل « دمياط » فما دونها ، ولم يزل ملازما لأخيه حتى تقدم ، وأذن له في الافتاء ، والتدريس ، وخطب بالمشهد الحسيني بالقاهرة ، وقرأ البخاري عند الأمير ، وألبسه يوم الختم « خلعة ». وكان إماما فقيها ، عالما ، قويّ الحافظة ، سريع الإدراك ، طلق العبارة ، فصيحا ، يتحاشى عدم الإعراب في مخاطبته بحيث لا يضبط عليه في ذلك شاذة ولا فاذّة ، وكان بسّاما ، بشوشا ، طلق المحيا ، فاشيا للسلام ، مهابا ، له جلالة ، فكها ، ذاكرا لكثير من المتون ، والفوائد الحديثية ، والمبهمات التي حصلها مستحضرا لجملة من الرقائق ، والمواعظ والأشعار ، حتى كان بعض الفضلاء يقول : إن الحضور بين يديه من المفرحات ، شهما ، مقداما ، لا يهاب ملكا ، ولا أميرا ، سليم الصدر ، لا يتوقف عن قبول من اعتذر إليه ، معرضا عن تتبع زلات من يناوئه ، غير مشتغل بتنقيصه ، بل ربما يمنع من يشتغل في مجلسه بذلك » (١).
وبعد هذه الحياة الحافلة بالعلم والتصنيف ، توفي « صالح بن عمر » سنة ثمان وستين وثمانمائة ، رحمه الله رحمة واسعة آمين.
__________________
(١) انظر الضوء اللامع ج ٣ ، ص ٣١٢.
رقم الترجمة / ٤٩
« ابن الصّقر » (١) ت ٤٢٩ هـ
هو : الحسن بن علي بن الصقر أبو محمد البغدادي المقرئ الكاتب. ذكره « الذهبي » ت ٧٤٨ ه ، ضمن علماء الطبقة العاشرة من حفاظ القرآن. كما ذكره « ابن الجزري » ت ٨٣٣ ه ، ضمن علماء القراءات.
أخذ « ابن الصقر » القراءة عن خيرة علماء عصره ، وقد قرأ « لأبي عمرو ابن العلاء » البصري على زيد بن علي بن أحمد بن محمد بن عمران بن أبي بلال أبو القاسم العجلي الكوفي ، شيخ العراق ، وهو إمام حاذق ثقة. أخذ القراءة على مشاهير علماء عصره ، وتتلمذ عليه الكثيرون ، منهم : « ابن الصقر » توفي زيد بن علي ببغداد ٣٥٨ هـ.
وكان « ابن الصقر » آخر من قرأ على « زيد بن أبي بلال ».
تصدّر « ابن الصقر » لتعليم القرآن ، وحروف القراءات ، واشتهر بالثقة والضبط ، وجودة القراءة ، وأقبل عليه الكثيرون يأخذون عنه ، ويقرءون عليه.
ومن الذين أخذوا عنه القراءة القرآنية : أحمد بن الحسن بن خيرون ، أبو الفضل البغدادي ، استاذ مقرئ ثقة ، أخذ القراءات عن عدد من العلماء وفي مقدمتهم : الحسن بن أحمد بن شاذان ، والقاضي الحسين الصيمري ، كما أخذ القراءات عن « ابن خيرون » إبراهيم بن محمد الهيثمي ، وابن أخيه محمد بن عبد الملك ، وآخرون. ومن تلاميذ « ابن الصقر » ثابت بن بندار أبو المعالي البقّال
__________________
(١) انظر ترجمته في المراجع الآتية :
القراء الكبار ج ١ ، ص ٣٩٤. طبقات القراء ج ١ ، ص ٢٢٤. تاريخ بغداد ج ٧ ، ص ٣٩٠.
النجوم الزاهرة ج ٥ ، ص ٢٨. تذكرة الحفاظ ، ج ٣ ، ص ١١٠٠.
الدينوري ، ثم البغدادي ، شيخ متقن صالح.
أخذ « ابن الصقر » القراءة عن : عبد الوهاب بن علي اللخمي ، وعليّ بن طلحة البصري ، وعبد الله بن محمد بن مكي ، وأحمد بن محمد بن إسماعيل الظاهري. وأخذ القراءات عن « ابن الصقر » سبط الخياط ، وهبة الله بن الطيري ، وأحمد بن شنيف. ت ٤٩٨ هـ.
ومن تلاميذ « ابن الصقر » : عبد السيّد بن عتاب بن محمد بن جعفر بن عبد الله الحطاب ـ بالحاء المهملة ـ أبو القاسم البغدادي ، الضرير ، وهو مقرئ كبير مسند ثقة ، أخذ « ابن عتّاب » القراءة عن « ابن الصقر » وأحمد بن رضوان ، والحسن بن ملاعب ، والحسن بن أبي الفضل الشرمقاني ، وأبي الحسن الحمامي ، وأبي العلاء الواسطي ، وأبي طاهر محمد بن ياسين الحلبي ، وأبي بكر محمد بن علي بن زلال ، ومحمد بن عبد الله الشمعي ، والحسين بن أحمد الحربي ، وآخرون.
وأخذ القراءة عن « ابن عتاب » أبو علي بن سكرة الصدفي ، ومحمد بن عبد الملك بن خيرون ، وأبو الكرم بن الشهرزوري. ت ٤٨٧ هـ.
ومن تلاميذ « ابن الصقر » محمد بن عبد الله بن يحيى أبو البركات البغدادي الكرجي الشّيرجي الوكيل الخباز الشافعي ، وهو إمام مقرئ ثقة ، ولد سنة ستين وثلاثمائة ، قرأ بالروايات على الحسن بن الصقر ، وأبي العلاء الواسطي ، ومحمد بن بكير النجار ، وعلي بن طلحة ، وسمع عبد الملك بن بشران ، وتفقه على القاضي أبي الطيب.
وقرأ على « أبي البركات » أبو الكرم الشهرزوري ، وأبو طاهر السلفي ختمة ، وسمع منه وحدّث عنه هو وابن ناصر ، وعبد الله بن النقور ، قال عنه « ابن ناصر » : كان « أبو البركات » رجلا صالحا. وقال عنه « الحافظ الذهبي » : كان « أبو البركات أسند من بقي من القراء بالعراق ». ت في ربيع
الأول سنة تسع وتسعين وأربعمائة من الهجرة.
ومن تلاميذ « ابن الصقر » عليّ بن عبد الرحمن بن هارون بن عيسى بن داود بن الجرار أبو الخطاب الوزير البغدادي الشافعي ، وهو إمام مقرئ كامل حسن الكتابة ، مجوّد.
ولد سنة تسع أو عشر وأربعمائة ، وقرأ على « محمد بن عمر بن بكير النجار » وعلى « ابن الصقر » وقرأ عليه : « أبو محمد سبط الخياط ، وأبو الكرم الشهرزوري ، وسعد الله بن الدجاجي » ، ونظم في القراءات كتابا ، وانتهت إليه رئاسة القراءة ، قال عنه « الحافظ أبو طاهر السلفي » : « أبو الخطاب بن الجراح » إمام اللغة ، ونظمه في أعلى درجة ، وخطه من أحسن الخطوط ، وكان يصلي بأمير المؤمنين المستظهر بالله التراويح ، توفي في ذي الحجة سنة سبع وتسعين وأربعمائة.
احتل « ابن الصقر » مكانة سامية بين العلماء مما استوجب الثناء عليه ، وفي هذا يقول « الحافظ الذهبي » : كان « ابن الصقر » رئيسا وافر الحرمة ، عالي الرواية ، أدرك السماع من مثل « إسماعيل الصفار » والكبار ، ولكن لم يوجد له شيء. اهـ.
توفي « ابن الصقر » في جمادى الأولى سنة تسع وعشرين وأربعمائة ه وله اربع وتسعون سنة.
رحم الله « ابن الصقر » رحمة واسعة وجزاه الله أفضل الجزاء.
رقم الترجمة / ٥٠
« أبو طاهر الحلبيّ » (١) ت ٤٢٦ هـ
هو : محمد بن ياسين أبو طاهر البغدادي البزّار المعروف بالحلبي. إمام محقق أحد أعلام القرآن ، وله مصنف في القراءات.
أخذ « أبو طاهر الحلبي » القراءة القرآنية عن عدد من العلماء ، فقد أخذ الروايات عرضا عن : أبي الفرج الشنبوذي ، ومحمد بن العلاف ، وأبي حفص الكتاني.
بعد أن اكتملت مواهب « أبي طاهر الحلبي » تصدر لتعليم القرآن ، وحروف القراءات ، ومن الذين أخذوا عنه القراءات عرضا : « عبد السيّد بن عتاب ، وعليّ بن الحسين الطريثيثي ».
احتلّ « أبو طاهر الحلبي » مكانة سامية بين العلماء مما استوجب الثناء عليه. في هذا المعنى يقول « الحافظ أبو عبد الله » : « أبو طاهر الحلبي » أحد الأعلام له مصنف في القراءات.
توفي في ربيع الأول ببغداد سنة ست وعشرين وأربعمائة. رحمه الله رحمة واسعة وجزاه الله أفضل الجزاء.
__________________
(١) انظر ترجمته في : تاريخ الاسلام الورقة ٢٥٥ [ اياصوفيا ٣٠٠٩ ].
القراء الكبار ج ١ ، ص ٣٨١ ، طبقات القراء ج ٢ ، ص ٢٧٦.
رقم الترجمة / ٥١
« طاهر بن غلبون » (١) ت ٣٩٩ هـ
هو : طاهر بن عبد المنعم بن عبيد الله بن غلبون بن المبارك أبو الحسن الحلبي نزيل مصر. ذكره « الذهبي » ٧٤٨ ه ضمن علماء الطبقة التاسعة من حفاظ القرآن كما ذكره « ابن الجزري » ت ٨٣٣ ه ، ضمن علماء القراءات.
نشأ « طاهر بن غلبون » في بيت العلم والمعرفة ، فوالده الإمام المشهور « عبد المنعم بن عبيد الله » أحد علماء القراءات ، ومؤلف كتاب « الإرشاد » وقد أخذ « طاهر » القراءة وحروف القرآن ، عن عدد كبير من خيرة العلماء ، وفي مقدمة هؤلاء « والده عبد المنعم » و « عبد العزيز بن علي » ثم رحل إلى « العراق » فقرأ بالبصرة على : محمد بن يوسف بن نهار الحرتكي ، وعلي بن محمد الهاشمي ، وعلي بن محمد بن خشنام ، كما سمع حروف القراءات من « والده » ومن « إبراهيم بن محمد بن مروان ، وعتيق بن ما شاء الله ، وعبد الله بن المبارك ، وعبد الله بن محمد بن المفسّر ، وأبي الفتح بن بدهن ، وسمع سبعة « ابن مجاهد » من « أبي الحسن علي بن محمد بن إسحاق الحلبي المعدل » (٢).
تصدر « طاهر بن غلبون » لتعليم القرآن ، وأخذ شهرة عظيمة ورثها عن والده ، وأقبل عليه الطلاب من كل مكان ، فقد روى القراءات عنه عرضا وسماعا « الإمام الكبير الحافظ أبو عمرو الداني ، وإبراهيم بن ثابت الإقليسي وأحمد بن بابشاذ الجوهري ، وأبو الفضل عبد الرحمن الرازي ، وأبو عبد الله
__________________
(١) انظر ترجمته في المراجع الآتية :
تذكرة الحفاظ ج ٣ ، ص ٢١٩. وطبقات الإسنوي ج ٢ ، ص ٤٠١. والبلغة ص ١٠١ والنشر ج ١ ، ص ٧٢. ومعرفة القراء ج ١ ، ص ٣٦٩ وطبقات القراء ج ١ ، ص ٣٣٩. وحسن المحاضرة ج ١ ، ص ٤٩١.
(٢) انظر طبقات القراء ج ١ ، ص ٣٣٩.
محمد بن أحمد القزويني » (١).
احتل « طاهر بن غلبون » مكانة سامية بين العلماء مما استوجب الثناء عليه ، يقول تلميذه « الإمام الداني » : لم ير في وقته مثله في فهمه وعلمه مع فضله ، وصدق لهجته ، كتبنا عنه كثيرا (٢).
وقال « الإمام ابن الجزري » : « طاهر بن غلبون نزيل مصر أستاذ عارف ثقة ضابط حجة محرر شيخ الداني ، مؤلف كتاب « التذكرة » في القراءات الثمان » (٣).
وأقول : لقد استفاد « ابن الجزري » من كتاب « التذكرة » استفادة كبيرة ، وهو أحد مصادره في القراءات ، ولنستمع إلى « ابن الجزري » وهو يقول : « قرأ بمضمنه القرآن كله على « أبي عبد الله محمد بن الصائغ وأبي محمد عبد الرحمن بن أحمد الشافعي ، وإلى أثناء سورة « النحل » على الأستاذ « أبي بكر ابن أيدغدي بالديار المصرية » (٤).
توفي « طاهر بن غلبون » سنة تسع وتسعين وثلاثمائة. رحمه الله رحمة واسعة ، وجزاه الله أفضل الجزاء.
__________________
(١) انظر القراء الكبار ج ١ ، ص ٣٦٩.
(٢) انظر طبقات القراء ج ١ ، ص ٣٣٩.
(٣) انظر طبقات القراء ج ١ ، ص ٣٣٩.
(٤) انظر النشر في القراءات العشر ج ١ ، ص ٧٣.