معجم حفّاظ القرآن عبر التّاريخ - ج ٢

الدكتور محمّد سالم محيسن

معجم حفّاظ القرآن عبر التّاريخ - ج ٢

المؤلف:

الدكتور محمّد سالم محيسن


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٦
الجزء ١ الجزء ٢

وقال « تاج الدين السبكي » : كان « الجعبري » فقيها مقرئا ، متقنا ، له التصانيف المفيدة في القراءات ، والمعرفة بالحديث. اهـ (١).

وقال « جمال الدين الأسنوي » : كان « الجعبري » إماما في القراءات عارفا بالفقه والعربية. اهـ (٢).

وقال « الحافظ ابن كثير » : كان « الجعبري » من المشايخ المشهورين بالفضائل والرئاسة ، والخير والديانة ، والعفة والصيانة. اهـ (٣).

وقال « عبد الرحمن العليمي » : « الجعبري » الشيخ الإمام العالم العلامة القدوة المحقق المقرئ ، شيخ الخليل ، رحل الناس إليه ووليّ مشيخة « الخليل » (٤).

فهذا الثناء العاطر على « الجعبري » يصوّر لنا تصويرا واضحا شخصية هذا العالم المتبحر في العلوم ، فضلا عن علوّ مكانته العلمية ، ومؤلفاته المفيدة ، فقد ترك للمكتبة الإسلامية الكثير من المصنفات في شتى علوم المعرفة : القراءات ، وعلوم القرآن ، وعلوم الحديث ، والفقه وأصوله ، والنحو والصرف ، واللغة ، والبلاغة ، والأدب ، والعروض.

فمؤلفاته في القراءات بلغت ستة عشر مصنفا ، وفي علوم القرآن ثلاثة وثلاثين ، وفي علوم الحديث سبعة عشر ، وفي الفقه أربعة عشر.

توفي « الجعبري » « بالخليل » سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة من الهجرة. رحمه الله رحمة واسعة ، إنه سميع مجيب.

__________________

(١) انظر : طبقات الشافعية للسبكي ، ج ٦ ، ص ٨٢.

(٢) انظر : طبقات الشافعية للاسنوي ج ١ ، ص ٣٨٥.

(٣) انظر : البداية والنهاية لابن كثير ، ج ١٤ ، ص ١٦٠.

(٤) انظر : الأنس الجليل ، ج ٢ ، ص ١٥٣.

٢١

رقم الترجمة / ٤

« إبراهيم بن حسن » (١) ت ١٢٢٣ هـ

هو : إبراهيم بن حسن بن أحمد بن محمد اليعمري. وهو من خيرة حفاظ القرآن ، ومن الفقهاء العاملين ، المشهورين بالزهد ، والتقوى ، والعمل بكتاب الله تعالى وسنة النبي عليه الصلاة والسلام.

ولد « إبراهيم بن حسن » سنة أربع وستين ومائة وألف ، وقرأ القرآن الكريم على خيرة العلماء وفي مقدمتهم : « صالح الجرادي » كما أخذ علومه على عدد من العلماء ، فأخذ الفقه ، والفرائض على « السيد علي بن حسن الصعدي » وأخذ علم السنة على العلامة « الحسين بن عبد الله الكبسي ».

وانتفع بعلمه فعمل به ، وعكف على العبادة ، وتحلّى بالزهد ، وانتهى إليه الورع ، وحسن السمت ، والتواضع ، والاشتغال بخاصة النفس واتفق الناس على الثناء عليه ، والمدح لشمائله. توفي « إبراهيم بن حسن » لعشرين خلت من شهر شوال سنة ثلاث وعشرين ومائتين وألف.

رحمه الله رحمة واسعة ، وجزاه الله أفضل الجزاء.

__________________

(١) انظر ترجمته في البدر الطالع ج ١ ، ص ١١ ، ورقم الترجمة / ٥.

٢٢

رقم الترجمة / ٥

« إبراهيم الطّبري » (١) ت ٣٩٣ هـ

هو : إبراهيم بن أحمد أبو إسحاق الطبري المالكي البغدادي. ولد سنة أربع وعشرين وثلاثمائة.

ذكره « الذهبي » ت ٧٤٨ ه‍ ضمن علماء الطبقة التاسعة من حفاظ القرآن ، كما ذكره « ابن الجزري » ت ٨٣٣ ه‍ ضمن علماء القراءات.

أخذ « إبراهيم الطبري » القراءة عن عدد كبير من خيرة حفاظ القرآن يقول « ابن الجزري » : قرأ « إبراهيم الطبري » على أحمد بن عثمان بن بويان ، وأحمد بن عبد الرحمن الولي ، وأبي بكر النقاش ، وأبي بكر بن مقسم ، ومحمد بن علي بن الهيثم ، وأبي عيسى بكار ، ومحمد بن الحسن بن الفرج الأنصاري ، وعبد الواحد بن عمر بن أبي هاشم ، ومحمد بن عبد الله بن محمد بن مرة بن أبي عمر الطوسي النقاش ، وعبد الوهاب بن العباسي.

وقرأ الحروف على أحمد بن عبد الله بن محمد المكي عن العنزي صاحب البزّي ، وإبراهيم بن أحمد بن الحسن القرماسيني عن أبي بكر الأصبهاني وغيره ، وأبي سليمان محمد بن عبد الله بن سلميان بن الطيب بن يوسف السعدي ، الدمشقي عن أحمد بن عبد الله بن ذكوان وعثمان بن أحمد بن عبد الله الدقيقي عن صاحب خلف ، وأبي بكر أحمد جعفر بن أحمد الشعيري عن صاحب أبي حمدون ، وغير هؤلاء كثير (٢).

__________________

(١) انظر ترجمته في المراجع الآتية :

تاريخ بغداد ج ٦ ، ص ١٩ ، ومعرفة القراء ج ١ ص ٣٥٨. وطبقات القراء ، ج ١ ص ٥.

والنجوم الزاهرة ج ٤ ص ٢٠٩. وشذرات الذهب ج ٣ ص ١٤٢.

(٢) انظر طبقات القراء ج ١ ص ٥.

٢٣

وقد رحل « أبو إسحاق الطبري » في سبيل العلم إلى كثير من الأمصار يأخذ عن علمائها ، وفي هذا المعنى يقول « الخطيب البغدادي » : كان « إبراهيم الطبري » أحد الشهود ببغداد ، وذكرني « أبو القاسم التنوخي » أنه شهد أيضا بالبصرة ، وواسط ، والأهواز ، والكوفة ، ومكة ، والمدينة المنورة ، قال : وأم بالناس في المسجد الحرام أيام الموسم وما تقدم فيه من ليس بقرشي غيره.

ثم يقول « الخطيب البغدادي » : وسكن « إبراهيم الطبري » بغداد وحدث بها عن « إسماعيل بن محمد الصفار ، وأبي عمرو بن السمّاك ، وأحمد بن سليمان العباداني ، وعلي بن إدريس الستوري » ومن في طبقتهم وبعدهم. اهـ.

ثم يقول : وكان « أبو الحسن الدار قطني » خرج له خمسمائة جزء ، وكان كريما سخيا مفضلا على أهل العلم ، حسن المعاشرة ، جميل الأخلاق ، وداره مجمع أهل القرآن ، والحديث ، وكان ثقة. اهـ (١).

تصدر « إبراهيم الطبري » لتعليم القرآن ، وتتلمذ عليه الكثيرون وفي مقدمتهم : الحسين بن علي العطار ، والحسن بن أبي الفضل الشرمقاني وأبو علي الأهوازي ، وأبو علي البغدادي صاحب كتاب « الروضة » وأبو نصر أحمد بن مسرور ، وأحمد بن رضوان ، وأبو عبد الله محمد بن يوسف الأفشيني ، روى عنه الحروف (٢).

احتل « إبراهيم الطبري » مكانة سامية مما استوجب ثناء العلماء عليه ، يقول « الإمام ابن الجزري » : كان « الطبري » ثقة ، مشهورا ، أستاذا (٣).

توفي سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة ، رحمه الله رحمة واسعة ، وجزاه الله أفضل الجزاء.

__________________

(١) انظر : تاريخ بغداد ج ٦ ، ص ١٩.

(٢) انظر : طبقات القراء ج ١ ، ص ٥.

(٣) انظر : طبقات القراء ج ١ ، ص ٥.

٢٤

رقم الترجمة / ٦

« إبراهيم بن عمر » (١) ت ٨٨٥ هـ

هو : إبراهيم بن عمر بن حسن بن الربا : بضم الراء بعدها باء موحدة خفيفة ، ابن أبي بكر البقاعي. نزيل القاهرة ثم دمشق.

وهو أستاذ ثقة ضابط حجة ، قارئ ، محدث ، مفسّر ، مؤلف.

ولد تقريبا سنة تسع وثمان مائة بقرية من عمل « البقاع » ثم تحوّل إلى « دمشق » ثم فارقها ودخل بيت المقدس ، ثم رحل إلى « القاهرة » ، وفي القاهرة اتصل بعلمائها وأخذ عنهم القراءات القرآنية ، والفقه ، والنحو ، وغير ذلك من العلوم.

فقد قرأ القراءات على « الجزري » جمعا بالعشرة ، إلى سورة « البقرة ».

وقرأ على « التاج بن بهادر » الفقه ، والنحو.

وأخذ عن « الحافظ ابن حجر ، وأبي الفضل المغربي » وغيرهما وبرع في جميع العلوم وفاق الأقران.

ثم صنف الكثير من الكتب في شتى العلوم ، وفي هذا يقول « محمد بن علي الشوكاني » ت ١٢٥٠ ه‍ :

ومن أمعن النظر في كتاب « إبراهيم بن عمر » الذي جعله في المناسبات بين الآي والسور علم أنه من أوعية العلم المفرطين في الذكاء الجامعين بين علمي المعقول ، والمنقول.

__________________

(١) انظر : ترجمته في البدر الطالع ج ١ ، ص ١٩ ورقم الترجمة / ١٢.

٢٥

ثم يستطرد « الشوكاني » قائلا : وكثيرا ما يشكل عليّ شيء في الكتاب العزيز فأرجع إلى مطولات التفسير ، ومختصراتها ، فلا أجد ما يشفي ، وأرجع الى هذا الكتاب فأجد ما يفيد في الغالب (١).

وقد رحل « إبراهيم بن عمر » إلى الحجاز فأدّى فريضة الحج ، ثم عاد إلى « القاهرة » وجلس للتعليم ، وأقبل عليه الطلاب يأخذون عنه ، ويتتلمذون عليه في شتى الفنون. ثم عاد إلى « دمشق » بعد حياة حافلة بطلب العلم ، والتعليم والتصنيف فوافاه الأجل المحتوم وتوفي ليلة السبت ثامن عشر رجب سنة خمس وثمانين وثمانمائة ، ودفن خارج « دمشق » من جهة قبر عاتكة.

وتذكر لنا كتب التاريخ أن « إبراهيم بن عمر » رثى نفسه في حياته فقال :

نعم انني عما قريب لميت

ومن ذا الذي يبقى على الحدثان

كأنك بي أنعى عليك وعندها

ترى خيرا صمّت له الأذنان

فلا حسد يبقى لديك ولا قلى

فينطق في مدحي بأيّ معان

وتنظر أوصافي فتعلم أنها

علت عن مدان في أعزّ مكان

فكم من عزيز بي بذل جماحه

ويطمع فيه ذو شقا وهوان

فيا ربّ من تفجأ بهول يودّه

ولو كنت موجودا لديه دعاني

رحم الله « إبراهيم بن عمر » وجزاه الله أفضل الجزاء.

__________________

(١) انظر البدر الطالع ج ١ ، ص ٢٠.

٢٦

رقم الترجمة / ٧

« إبراهيم بن محمّد » (١) ت ٨٤١ هـ

هو : إبراهيم بن محمّد بن خليل البرهان الطرابلسي الأصل الشاميّ المولد ، الشافعي.

وهو من خيرة العلماء والقراء ، والمحدثين ، والفقهاء ، ولد في ثاني عشر رجب سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة بالجلّوم : بفتح الجيم ، وتشديد اللام المضمومة ، توفي والده وهو صغير ، فكفلته أمه وانتقلت به إلى « دمشق » فحفظ بها بعض القرآن ، ثم رجعت إلى « حلب » فنشأ بها وأدخلته أمه مكتب الأيتام فأكمل به حفظ القرآن ، وصلى به التراويح في رمضان.

ثم قرأ تجويد القرآن على خيرة العلماء وفي مقدمتهم : « الحسن السائس المصري ، والشهاب بن أبي الرضى ».

وأخذ الفقه عن جماعة من خيرة الفقهاء منهم : « ابن العجمي » وأخذ الحديث عن مشاهير علماء الحديث ، أمثال : « الزين العراقي ، والبلقيني ، وابن الملقّن » كما أخذ اللغة عن « مجد الدين » صاحب « القاموس المحيط ».

رحل « إبراهيم بن محمد » إلى كثير من الأقطار من أجل العلم والأخذ عن العلماء الثقات. فرحل إلى « مصر » مرتين ، والاسكندرية ، ودمشق ، وبيت المقدس ، وغزة ، والرملة ، ونابلس ، وحماه ، وحمص ، وطرابلس ، وبعلبك.

روي عنه أنه قال : مشايخي في الحديث نحو المائتين ، ومن رويت عنه شيئا

__________________

(١) انظر ترجمته في البدر الطالع ورقم الترجمة / ١٦ ج ١ ، ص ٢٨.

٢٧

من الشعر دون الحديث بضع وثلاثون ، وفي العلوم غير الحديث نحو الثلاثين.

وقد جمع كل أساتذته كل من « النجم بن فهد ، والحافظ بن حجر ». واستقرّ بحلب ، ولما هاجمها « تيمور لنك » طلع بكتبه إلى القلعة ، فلما دخل البلد وسلبوا الناس كان فيمن سلب حتى لم يبق معه شيء ، ثم أسروه وبقي معهم ، إلى أن رحلوا إلى « دمشق » فأطلق سراحه ، ورجع إلى بلده.

وقد اجتهد « إبراهيم بن محمد » في الحديث اجتهادا كبيرا ، وسمع العالي ، والنازل ، وقرأ البخاري أكثر من ستين مرّة ، ومسلما نحو العشرين.

واشتغل بالتصنيف : فكتب تعليقا لطيفا على سنن « ابن ماجة » وشرحا مختصرا على البخاري سماه : « التلقيح لفهم قارئ الصحيح » وهو في أربعة مجلدات. و « المقتضى في ضبط ألفاظ الشفا » في مجلّد. و « نور النبراس على سيرة ابن سيّد الناس » في مجلدين. وكتاب « التيسير على ألفية العراقي » وشرحها مع زيادة أبيات غير مستغنى عنها. وكتاب « نهاية السول في رواة الستة الأصول » في مجلد ضخم ، وكتاب « الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث » في مجلد. وكتاب « التبيين لأسماء المدلسين » في كراستين.

قال « السخاوي » : كان « إبراهيم بن محمد » إماما ، علامة ، حافظا خيّرا ، ديّنا ، ورعا ، متواضعا ، وافر العقل ، حسن الأخلاق ، متخلقا بجميل الصفات ، جميل العشرة ، محبّا للحديث وأهله ، كثير النصح والمحبة لأصحابه ، ساكنا متعففا عن التردد إلى بني الدنيا ، قانعا باليسير ، طارحا للتكلف ، رأسا في العبادة والزهد والورع ، مديم الصيام والقيام ، سهلا في التحدث ، كثير الانصاف والبشر لمن يقصده للأخذ عنه خصوصا الغرباء ، مواظبا على الاشتغال ، والاقبال على القراءة بنفسه ، حافظا لكتاب الله ، كثير التلاوة له ، صبورا على الإسماع ، ربما أسمع اليوم كاملا من غير ملل ولا ضجر ، عرض

٢٨

عليه قضاء الشافعية ببلده فامتنع (١).

لم يزل « إبراهيم بن محمد » على جلالته وعلوّ قدره حتى توفّاه الله تعالى يوم الاثنين سادس عشر شوال سنة إحدى وأربعين وثمانمائة ، وهو يتلو القرآن ، ولم يغب له عقل ، ودفن بالجبل عند أقاربه.

رحمه الله رحمة واسعة وجزاه الله أفضل الجزاء.

__________________

(١) انظر : البدر الطالع ج ١ ، ص ١٦.

٢٩

رقم الترجمة / ٨

« إبراهيم بن محمد » (١) ت ٩٢٣ هـ

هو : إبراهيم بن محمد بن أبي بكر بن علي بن مسعود بن رضوان المقدسي ثم القاهري الشافعي. وهو من خيرة القراء ، والفقهاء ، المشهود لهم بالثقة والإتقان.

ولد ليلة الثلاثاء ثامن عشر ذي القعدة سنة ست وثلاثين وثمان مائة ببيت المقدس ونشأ به.

وحفظ « القرآن » وهو ابن سبع سنين ، ثم جوّده « لابن كثير المكي وأبي عمرو البصري ».

أخذ « إبراهيم بن محمد » علومه عن خيرة العلماء : فأخذ عن « سراج الرومي » العربية ، والأصول ، والمنطق. وعن « يعقوب الرومي » العربية ، والمعاني ، والبيان في البلاغة.

ثم رحل « إبراهيم بن محمد » إلى « القاهرة » ، من أجل الاستزادة من العلم والتقى بالعلماء وأخذ عنهم : فقرأ على « الجلال المحلى » شرحه لجمع الجوامع في أصول الفقه. وقرأ على غيره الكثير من العلوم المتعددة.

ثم رحل إلى « مكة المكرمة » سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة ، وأدى فريضة الحج ، والتقى بعلماء « مكة » وأخذ عنهم ، ومن شيوخه بمكة المكرمة « التقي بن فهد ، وأبو الفتح المراغي ، والمحب الطبري » وغير هؤلاء.

وبعد أن كملت مواهب « إبراهيم بن محمد » ولي قضاء الشافعية بالقاهرة

__________________

(١) انظر ترجمته في البدر الطالع ج ١ ، ص ٢٦ ، ورقم الترجمة / ١٥.

٣٠

في ذي الحجة سنة ست وتسعمائة.

وجلس للتدريس واشتهر بين الناس بالثقة ، والضبط ، وأقبل عليه الطلاب واستقر في تدريس تفسير القرآن الكريم بجامع « ابن طولون » وغيره من الجوامع ، والمدارس ، ودرّس عدة فنون.

وعرف عن « إبراهيم بن محمد » قول الشعر ، ومن ذلك قوله :

دموعي قد نمت بسرّ غرامي

وباح بوجدي للوشاة سقامي

فأضحى حديثي بالصبابة مسندا

بمرسل دمعي من جفون دوامي

احتل « إبراهيم بن محمد » مكانة سامية بين الناس مما جعل العلماء يثنون عليه ، وفي هذا يقول العلامة الشوكاني : برع « إبراهيم بن محمد » في الفنون ، وأذن له غير واحد بالإقراء والإفتاء وصنّف التصانيف منها :

« شرح الحاوي » في مجلّد ضخم ، و « شرح قواعد الإعراب » في نحو عشرة كراريس ، و « شرح العقائد » لابن دقيق العيد ، و « شرح المنهاج الفرعي ».

وله مختصرات كثيرة منها : « تهذيب المنطق للتفتازاني ، والورقات في أصول الفقه ، لإمام الحرمين ، وشذور الذهب في النحو ، وعقائد النسفي ، واختصر الرسالة القشيرية » وله مصنفات غير هذه (١).

ظلّ « إبراهيم بن محمد » يعلّم ، ويصنف ، حتى توفاه الله تعالى يوم الجمعة ثاني شهر المحرم سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة ، وصلى عليه الخليفة « المتوكل على الله » العباسي عقب صلاة الجمعة.

__________________

(١) انظر البدر الطالع للشوكاني ج ١ ، ص ٢٦.

٣١

رقم الترجمة / ٩

« أحمد بن إبراهيم » (١) ت ٧٠٨ هـ

هو : أحمد بن إبراهيم بن الزبير بن عاصم بن مسلم بن كعب ، أبو جعفر ، الأندلسي ، النحوي ، القارئ ، المحدث ، الفقيه. وهو من خيرة العلماء الثقات المشهود لهم بالأمانة والثقة.

ولد سنة سبع وعشرين وستمائة.

أخذ « أحمد بن إبراهيم » علومه عن خيرة العلماء : فقد قرأ بالقراءات السبع ، على « أبي الحسن الساوي ». وأخذ الكثير من العلوم عن « إسحاق بن إبراهيم الطوسي » بفتح الطاء ، وإبراهيم بن محمد بن الكمال » وغيرهما.

وبعد أن كملت مواهبه جلس للتعليم ، واشتهر بالثقة ، وأقبل عليه الطلاب يأخذون عنه ، وفي مقدمة من أخذ عنه « العلامة أبو حيان الأندلسي » وعليه تخرج وصار علاّمة عصره في القراءة ، والحديث.

صنف « أحمد بن إبراهيم » للمكتبة الإسلامية الكتب النافعة المفيدة ، ومن مصنفاته : كتاب في التفسير سمّاه : « ملاك التأويل » وكتاب « تاريخ علماء الأندلس » وغيرهما.

احتلّ « أحمد بن إبراهيم » مكانة سامية بين العلماء مما جعلهم يثنون عليه ، وفي هذا يقول تلميذه العلاّمة « أبو حيان الأندلسي » : كان « أحمد بن إبراهيم » يحرّر اللغة ، وكان أفصح عالم رأيته ، وتفقه عليه خلق (٢).

وقال غيره : « إنه انفرد بالإفادة ، ونشر العلم ، وحفظ الحديث وتمييز

__________________

(١) انظر : ترجمته في البدر الطالع ج ١ ، ص ٣٣ ، ورقم الترجمة / ٢٠.

(٢) انظر البدر الطالع للشوكاني ج ١ ، ص ٣٤.

٣٢

صحيحه من سقيمه ».

وقال بعض من ترجم له : « كان ثقة قائما بالمعروف ، والنهي عن المفكر ، دافعا لأهل البدع ، وكان معظّما عند الخاصة ، والعامة » (١).

وبعد حياة حافلة بطلب العلم وتعليمه ، وتصنيف الكتب ، توفي « أحمد بن إبراهيم » سنة ثمان وسبعمائة ، من ثاني عشر شهر ربيع الأول.

رحمه الله رحمة واسعة ، وجزاه إليه أفضل الجزاء.

__________________

(١) انظر البدر الطالع للشوكاني ج ١ ، ص ٣٤.

٣٣

رقم الترجمة / ١٠

« أحمد بن إسماعيل » (١) ت ٧٨٣ هـ

وأحمد بن إسماعيل بن أبي بكر بن عمر بن بريدة ، بالتصغير ، الشهاب الإبشيطي ، القاهري الأزهري الشافعي.

كان رحمه‌الله تعالى من خيرة القراء ، والفقهاء ، والمحدثين ، والمؤلفين. ولد سنة اثنتين وثمان مائة بإبشيط : بكسر الهمزة ثم موحدة ساكنة بعدها شين معجمة ، ثم ياء تحتية ، وطاء مهملة : قرية من قرى المحلة الكبرى من الغربية إحدى مدن مصر ، ونشأ ببلدته ، وحفظ القرآن ، وكذا العمدة ، والتبريزي ، وأخذ الفقه عن « ابن الصواف ، وابن حميد » وتلا القرآن على الشيخ « الرمسيسي ».

ثم انتقل إلى القاهرة في سنة عشرين وثمان مائة ، وقطن بالجامع الأزهر مدّة من الزمن لتلقي العلم عن العلماء ، فأخذ الفقه عن « البرهان البيجوري » والشمس البرماوي » وغيرهما. وأخذ المنطق عن « العز بن عبد السلام » والنحو عن « الشهاب أحمد الصنهاجي » وغيره ، وسمع الحديث عن جماعة منهم : الحافظ ابن حجر ».

وبرع في كثير من العلوم منها : الفقه ، وأصوله ، وعلوم العربية ، والفرائض والحساب ، والعروض ، والمنطق ، وغير ذلك.

تصدّر « أحمد بن إسماعيل » للإقراء ، واشتهر بين الناس بالثقة وكثرة العلم ، وجودة القراءة ، وأقبل عليه الطلاب يأخذون عنه. وممن أخذ عنه « البكري ، والجوهري » وغيرهما.

__________________

(١) انظر ترجمته في البدر الطالع ج ١ ، ص ٣٧. ورقم الترجمة ٢٣.

٣٤

عرف « أحمد بن إسماعيل » بقول النظم ، ومن نظمه في السبع المنجيات :

المنجيات السبع منها الواقعة

وقبلها ياسين تلك الجامعة

والخمس الانشراح والدخان

والملك والبروج والإنسان

احتلّ « أحمد بن إسماعيل » مكانة سامية ، ومنزلة رفيعة بين الخاص والعام مما جعل العلماء يثنون عليه ، وفي هذا يقول « الإمام الشوكاني » : عرف « أحمد ابن اسماعيل » بالزهد ، والعبادة ، ومزيد التقشف ، والإيثار ، والانعزال ، والإقبال على الخير مع قلة ذات يده ، بحيث لم يكن في بيته شيء يفرشه ، لا حصير ولا غيره ، بل كان ينام على « باب ». ثم حج في سنة سبع وخمسين وسبعمائة ، وزار المسجد النبوي الشريف ، وسلم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وانقطع بالمدينة المنورة ، وعظم انتفاع أهلها به ، وكان ذلك كلمة إجماع ، وصار في غالب السنين يحج من المدينة المنورة ، ثم جاور بمكة ، في سنة إحدى وسبعين وسبعمائة (١).

ترك « أحمد بن إسماعيل » للمكتبة الإسلامية بعض التصانيف منها : « ناسخ القرآن ومنسوخه » ونظم « أبي شجاع » في الفقه الشافعي ، ونظم « الناسخ والمنسوخ » للبارزي ، وشرح « الرحبية » و « المنهج » ، و « مختصر ابن الحاجب » و « تصريف ابن مالك » وإيساغوجي ، والخزرجية ، وغير ذلك.

وبعد هذه الحياة المزهرة بالعلم ، والتصنيف ، والتعليم ، توفي « أحمد بن إسماعيل » بالمدينة المنورة بعد عصر يوم الجمعة تاسع رمضان سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة. ودفن بالبقيع بالقرب من قبر الإمام مالك رحمهما الله تعالى.

__________________

(١) انظر البدر الطالع ج ١ ، ص ٣٨.

٣٥

رقم الترجمة / ١١

« أحمد بن إسماعيل » (١) ت ٧٩٣ هـ

هو : أحمد بن إسماعيل بن عثمان التبريزي القاهري ، ثم الرومي الشافعي عالم بلاد الروم. وهو من خيرة العلماء في القراءات ، والفقه ، والحديث ، والنحو.

ولد سنة ثلاث عشرة وثمان مائة بقرية من « كوران » ثم حفظ « القرآن الكريم » وقرأ بالسبعة على « القزويني البغدادي » وقرأ عليه « الكشاف » وحاشيته « للتفتازاني ».

كما أخذ عن « القزويني البغدادي » الكثير من العلوم مثل : النحو ، والبيان ، والمعاني ، والعروض ، والفقه ، وغير ذلك. كما أخذ عن « الجلال الحلواني » علوم العربية ، وهكذا اشتغل بتحصيل العلوم حتى برع في علوم العربية ، والبلاغة وغير ذلك من العلوم العقلية.

ثم جال في « بغداد ، وديار بكر » وبعد ذلك رحل إلى « دمشق » في حدود الثلاثين وثمان مائة فلازم « العلاء البخاري » وانتفع به.

ثم قدم مع شيخه « الجلال الحلواني » بيت المقدس ، وقرأ عليه في كتاب « الكشاف » للتفتازاني.

ثم قدم « القاهرة » في حدود سنة خمس وثلاثين وثمان مائة ، وهو فقير جدّا ، فأخذ عن « ابن حجر » « البخاري » وشرح الألفية للعراقي ، ولازمه. وسمع صحيح مسلم عن « ابن الزركشي » ولازم الشيخ « الشرواني » كثيرا وقرأ عليه « صحيح مسلم والشاطبية ». ولازم حضور مجالس العلماء كمجلس قراءة البخاري بحضرة « السلطان » وغيره. واتصل بالكمال البازري فنوّه به

__________________

(١) انظر ترجمته في البدر الطالع ج ١ ، ص ٣٩. ورقم الترجمة ٢٤.

٣٦

حتى اشتهر ، وناظر الأماثل.

واشتهر بالطلاقة ، والبراعة حتى ذاع صيته فانثالت عليه الدنيا وأتته طائعة.

جلس « أحمد بن إسماعيل » للتعليم واشتهر بين الناس بالثقة وكثرة العلم وأقبل عليه الطلاب ، يأخذون عنه ، وانتفع به الكثيرون.

ثم خرج من « القاهرة » وعاد إلى « الروم » وعظم أمره عند ملك « الروم » وحسنت حاله بحيث لم يكن عند السلطان « محمد مراد » أحظى منه ، وما زال يترقى في المناصب حتى استقر في قضاء العسكر ، ثم انتقل من قضاء العسكر إلى منصب الفتوى ، وتردد إليه الأكابر.

وقد مدح « السلطان محمد مراد » بعدة قصائد ، ومما جاء فيها :

هو الشمس إلا أنه الليث باسلا

هو البحر إلا أنه مالك البرّ

صنّف « أحمد بن إسماعيل » بعض الكتب النافعة المفيدة منها : شرح على البخاري ، وعمل تفسيرا للقرآن الكريم.

ثم أنشأ « باسطنبول » جامعا ومدرسة سمّاها « دار الحديث » وانثالت عليه الدنيا ، وعمّر الدور ، وانتشر علمه.

ولم يزل على جلالته حتى مات في أواخر سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة وصلى عليه السلطان.

رحمه الله رحمة واسعة ، وجزاه الله أفضل الجزاء.

٣٧

رقم الترجمة / ١٢

« أحمد التّستري » (١)

هو : أحمد بن محمد بن عبيد الله بن إسماعيل أبو العباس العجلي التستري نزيل الأهواز.

ذكره « الذهبي » ت ٧٤٨ هـ. ضمن علماء الطبقة التاسعة من حفاظ القرآن كما ذكره « ابن الجزري » ت ٨٣٣ ه‍ ، ضمن علماء القراءات.

أخذ « التستري » القراءة عن خيرة العلماء ، وفي مقدمتهم : « أحمد بن محمد ابن عبد الصمد الرازي ، والخضر بن الهيثم الطوسي ، ومحمد بن موسى الزينبي ، وأحمد بن شبيب » (٢).

تصدر « التستري » لتعليم القرآن ، واشتهر بالثقة وصحة القراءة وأقبل عليه حفاظ القرآن ، وفي مقدمة من أخذ عنه القراءة : « أبو علي الأهوازي » (٣).

لم يذكر المؤرخون تاريخ وفاة « التستري » إلا أن « الحافظ الذهبي » قال : بقي إلى قريب الثمانين وثلاثمائة من الهجرة.

رحم الله « التستري » رحمة واسعة ، وجزاه الله أفضل الجزاء.

__________________

(١) انظر ترجمته في : معرفة القراء ج ١ ص ٣٣٨ وطبقات القراء ج ١ ، ص ١٢٣.

(٢) انظر طبقات القراء ج ١ ، ص ١٢٣.

(٣) انظر القراء الكبار ج ١ ، ص ٣٣٨.

٣٨

رقم الترجمة / ١٣

« أحمد بن حجر العسقلانيّ » (١) ت ٨٥٢ هـ

هو : أحمد بن علي بن محمد بن أحمد أبو الفضل العسقلاني القاهري الشافعي ، المعروف بابن حجر ، وهو لقب لبعض آبائه ، الحافظ الكبير الإمام الشهير المنفرد بمعرفة الحديث وعلله في الأزمنة المتأخّرة.

ولد بمصر على ضفاف النيل في ثاني عشر شعبان سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة ، وماتت أمه قبل ذلك ، فنشأ يتيما محروما من حنان الأب ، وعطف الأم ، فربّي في كنف أحد أوصيائه « الزكيّ الخروبيّ » ودخل الكتّاب وله خمس سنين ، وحفظ القرآن وله تسع سنين ، وحباه الله بفضله ، فكان له ذكاء نادر ، وسرعة بديهة ، فيحكى أنه حفظ « سورة مريم » في يوم واحد ، وكان يحفظ الصحيفة من « كتاب الحاوي » من مرتين : الأولى تصحيحا ، والثانية قراءة في نفسه ، ثم يعرضها حفظا في المرّة الثالثة ، كما حفظ ألفية الحديث للعراقي ، ومختصر ابن الحاجب في أصول الفقه.

أخذ « أحمد بن حجر العسقلاني » سائر علومه عن مشاهير علماء عصره ، إذ أدرك من الشيوخ جماعة كل واحد رأس في فنّه الذي اشتهر به. فالشيخ « التنوخي » في علم القراءات ، و « العراقي » في الحديث ، و « البلقيني » في سعة الحفظ وكثرة الاطلاع ، و « ابن الملقّن » في كثرة التصانيف و « المجد » صاحب القاموس في حفظ اللغة ، و « العزّ بن جماعة » في تفننه في علوم كثيرة ، بحيث كان يقول : أنا أقرأ في خمسة عشر علما لا يعرف علماء عصري أسماءها.

وقد منّ الله تعالى على « ابن حجر » فحجّ في أواخر سنة أربع وثمانين وسبعمائة ، وجاور بمكة المكرمة في السنة التي بعدها ، وكان وصيّه « الزكيّ

__________________

(١) انظر ترجمته في البدر الطالع ج ١ ، ص ٨٧ ، ورقم الترجمة ٥١.

٣٩

الخروبي » كبير تجار مصر قد جاور في تلك السنة ، استصحبه معه ، وسمع في تلك السنة « صحيح البخاري » على « مسند الحجار : الشيخ عفيف الدين عبد الله النشاوري » خاتمة أصحاب الإمام رضي الدين الطبري.

ثم حبّب الله « لابن حجر » فن الحديث فأقبل عليه بكليته ، من سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة ، فما بعدها ، فعكف على الشيخ « الزين العراقي » وحمل عنه جملة نافعة من علم الحديث سندا ، ومتنا ، وعللا ، واصطلاحا ، وارتحل إلى بلاد الشام ، والحجاز ، واليمن ، ومكة المكرمة ، وما بين هذه النواحي ، وأكثر جدّا من المسموع ، فسمع العالي والنازل ، واجتمع له من ذلك ما لم يجتمع لغيره.

وكان « ابن حجر » رحمه‌الله تعالى تفقه على الشيخ « البلقيني ، والبرماوي ، وابن الملقّن ، والعزّ بن جماعة » وعليه أخذ غالب العلوم الآلية ، والأصولية مثل : « المنهاج ، وجمع الجوامع ، وشرح المختصر ، والمطوّل ». احتل « ابن حجر » مكانة سامية بين الجميع ، وقد أثنى عليه الكثيرون. وفي هذا يقول « الإمام الشوكاني » :

درّس « ابن حجر » بمواطن متعددة ، واشتهر ذكره ، وبعد صيته ، وارتحل إليه العلماء ، وأخذ عنه الناس طبقة بعد طبقة ، وألحق الأصاغر بالأكابر ، وامتدحه الكبار ، وتسابق فحول الشعراء بمطارحته ، إذ كان له يد طولى في الشعر.

وقد أورد منه جماعة من الأدباء المصنفين أشياء حسنة جدّا ، وكلهم بعلوّ درجته في ذلك ، ومن شعره قوله :

خليليّ ولّى العمر منا ولم نتب

وننوي فعال الصالحات ولكنّا

فحتى متى نبني البيوت مشيّدة

وأعمارنا منا تهدّ وما تبنى

٤٠