معجم حفّاظ القرآن عبر التّاريخ - ج ٢

الدكتور محمّد سالم محيسن

معجم حفّاظ القرآن عبر التّاريخ - ج ٢

المؤلف:

الدكتور محمّد سالم محيسن


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٦
الجزء ١ الجزء ٢

القراءة على خيرة العلماء ، وفي مقدمتهم : « أبو بكر محمد بن الحسن النقاش ، وهبة الله بن جعفر » وغيرهما.

وبعد أن اكتملت مواهب « محمد بن نزار » تصدّر لتعليم القرآن ، وذاع صيته بين الناس ، واشتهر بالثقة وجودة القراءة ، وأقبل عليه الطلاب يأخذون عنه ، وفي مقدمة من أخذ عنه القراءة « أبو علي غلام الهرّاس ، والحسن بن القاسم الواسطي ».

كما رحل « أبو علي غلام الهرّاس » إلى « مصر » للأخذ عن قرّائها ، ومن الذين أخذ عنهم القراءة بمصر : « الفضل بن عبد الرزاق ، أبو محمد الأندلسي » ، وهو من خيرة العلماء ومن الثقات ، قرأ القرآن على « أبي أحمد السامري ».

ثم تصدّر لتعليم القرآن ، واشتهر بحسن الأداء وصحّة القراءة ، وأقبل عليه الطلاب ، وفي مقدمة من أخذ عنه القراءة : « أبو علي غلام الهرّاس ، والحسن ابن القاسم الواسطي ».

ومن شيوخ « أبي علي غلام الهراس » بمصر : « أحمد بن سعيد بن أحمد بن عبد الله المعروف بابن نفيس ، أبو العباس الطرابلسي الأصل ثم المصري ».

وهو من القراء الثقات ، انتهى إليه علوّ الإسناد ، وعمّر حتى قارب المائة. أخذ « ابن نفيس » القراءة على خيرة علماء عصره ، وفي مقدمتهم : « أبو أحمد عبد الله السامري ، وعبد المنعم بن غلبون » وغيرهما.

وبعد أن اكتملت مواهب « ابن نفيس » جلس لتعليم القرآن ، وحروف القراءات واشتهر بالثقة ، وتجويد القرآن ، وتزاحم عليه الحفاظ من كل مكان ، ومن الذين أخذوا عنه القراءة : « أبو علي غلام الهرّاس ، ويوسف بن جبارة الهذلي ». توفي « ابن نفيس » في رجب سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة.

٢٨١

رحمه الله رحمة واسعة.

كما رحل « أبو علي غلام الهرّاس » إلى « البصرة » للأخذ عن قرّائها ، ومن الذين أخذوا عنهم القراءة : « علي بن محمد بن علاّن بن الحسن ، أبو الحسين البصري » ، المقرئ ، وهو من مشاهير علماء القراءات ، ومن الثقات ، أخذ القراءة عن « عبد الله بن عبدان ». ثم تصدّر للقراءة ، وأقبل عليه الطلاب يأخذون عنه ، ومن الذين أخذوا عنه القراءة عرضا « أبو علي غلام الهرّاس ».

كما رحل « أبو علي غلام الهرّاس » إلى « مكة المكرمة » للأخذ عن قرّائها ، ومن الذين قرأ عليهم : « محمد بن الحسين بن محمد أبو عبد الله الكارزيني » بفتح الكاف ، والراء ، وكسر الزاي ، وهي نسبة إلى « كارزين » وهي من بلاد فارس ، بنواحيها مما يلي البحر (١).

وهو إمام مقرئ مشهور ، انفرد بعلو الإسناد في وقته.

أخذ حروف القراءات عن مشاهير العلماء ، وفي مقدمتهم : « الحسن بن سعيد المطوعي » يقول « ابن الجزري » : وهو آخر من قرأ عليه. وبعد أن اكتملت مواهبه تصدّر لتعليم القرآن والقراءات ، واشتهر بالثقة ، وصحة القراءة ، وأقبل عليه الطلاب يأخذون عنه ، ومن الذين قرءوا عليه « أبو علي غلام الهرّاس ».

لم يذكر المؤرخون تاريخ وفاته ، إلا أن « الحافظ الذهبي » قال : « أبو عبد الله الكارزيني » مسند القرّاء في زمانه ، تنقّل في البلاد ، وجاور بمكة ، وعاش تسعين سنة ، أو دونها ، لا أعلم متى توفي ، إلا أنه كان حيا في سنة أربعين وأربعمائة ، سألت الإمام « أبا حيان » عنه فكتب إليّ ، إمام مشهور لا يسأل عن مثله (٢).

__________________

(١) انظر : الأنساب للسمعاني ج ٥ ، ص ١٢.

(٢) انظر : غاية النهاية في طبقات القراء ج ٢ ، ص ١٣٣.

٢٨٢

ومن شيوخ « أبي عليّ غلام الهراس » « بمكة المكرمة » : « محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن يعقوب أبو عبد الله » ، ويقال : أبو علي العجلي ، وهو صاحب تلك القصيدة الرائية أولها :

لك الحمد يا ذا المنّ والجود والبرّ

كما أنت أهل للمحامد والشكر

وهو من خيرة القراء المشهورين ، ومن الثقات المعروفين. أخذ القراءة عن خيرة العلماء ، وفي مقدمتهم : « أحمد بن نصر الشذائي ، وأبو الأشعث محمد بن حبيب الجارودي ».

وبعد أن اكتملت مواهبه تصدّر لتعليم القرآن ، واشتهر بالثقة وأقبل الطلاب يأخذون عنه ، ومن الذين قرءوا عليه : « أبو علي غلام الهرّاس ».

ومن شيوخ « أبي علي غلام الهرّاس » بمكة المكرمة : « محمد بن عمر بن إبراهيم أبو الحسن » المقرئ المحدث ، الفقيه البصري ، المعروف بالذهبي ، أحد مشاهير القراء ، أخذ القراءة عرضا عن « الحسن بن محمد بن عبد الرحمن الرصافي ».

ثم تصدّر لتعليم القرآن ، واشتهر بصحة القراءة ، وجودة الأداء ، وأقبل عليه الطلاب من كل مكان ، ومن الذين أخذوا عنه القراءة : « أبو علي غلام الهرّاس ».

ومن شيوخ « أبي عليّ غلام الهرّاس » بمكة المكرمة : « علي بن الحسين بن عبد الله أبو القاسم القاضي البصري » ، وهو من مشاهير القراء المعروفين بالثقة والأمانة ، أخذ القراءة عرضا عن كل من : « محمد بن الحسن النقاش ، وأبي بكر بن مقسم » ثم تصدر لتعليم القرآن ، وعرف بالثقة ، وحسن الأداء ، وتزاحم عليه الطلاب ، ومن الذين أخذوا عنه القراءة عرضا : « أبو علي غلام الهرّاس » فقد روى عنه القراءة عرضا.

٢٨٣

ومن شيوخ « أبي علي غلام الهرّاس » في « مكة المكرمة » : « أحمد بن عبد الكريم بن عبد الله أبو الحسين الشينيزي ، وهو من القراء المشهورين المتصدّرين ، أخذ القراءة عن مشاهير العلماء ، وفي مقدمتهم ، « علي بن محمد بن إبراهيم بن خشنام ».

ثم تصدّر لتعليم القرآن ، واشتهر بالثقة ، وجودة القراءة ، وأقبل عليه الطلاب يقرءون عليه ، ومن الذين أخذوا عنه القراءة « أبو علي غلام الهرّاس ».

ومن شيوخ « أبي علي غلام الهراس » في « مكة المكرمة » : « عبيد الله بن عمر بن محمد بن عيسى أبو الفرج المصاحفي » ، وهو من مشاهير القراء الضابطين ، أخذ القراءة عرضا عن : « ابن بويان ، وزيد بن أبي بلال » وغيرهما.

وبعد أن اكتملت مواهبه جلس لتعليم القرآن ، وأقبل الطلاب عليه ، ومن الذين أخذوا عنه القراءة : « أبو علي غلام الهرّاس ».

توفي « عبيد الله بن عمر » سنة إحدى وأربعمائة.

ومن شيوخ « أبي علي غلام الهرّاس » في القراءة : « محمد بن العباس أبو الفوارس الصّريفيني » ، بفتح الصاد المهملة ، وكسر الراء ، وهذه نسبة إلى « صريفين » وهي قرية عظيمة.

أخذ « محمد بن العباس » قراءة « عاصم الجحدري » عن « عمر بن إبراهيم الكتاني ، وعاش طويلا ، ورحل إليه « أبو العزّ القلانسي » فقرأ عليه وبهذا ينتهي الحديث عن شيوخ « أبي علي غلام الهراس ».

وحينئذ يتبيّن بجلاء ووضوح مدى اهتمام القراء بالرواية ، وصحة السند والأخذ عن الثقات.

٢٨٤

وبعد أن اكتملت مواهب « أبي علي غلام الهرّاس » تصدّر لتعليم القرآن ، وفي هذا يقول « الإمام ابن الجزري » : وأقام بمصر فرحل الناس إليه من كل ناحية ، يأخذون عنه ، ويقرءون عليه ، ومن الذين قرءوا عليه :

« محمد بن الحسين بن بندار ، أبو العزّ الواسطي القلانسي » ، شيخ العراق ، ومقرئ القراء بواسط ، صاحب التصانيف.

ولد سنة خمس وثلاثين وأربعمائة بواسط ، وقرأ بما قرأ به « أبو علي غلام الهرّاس » من الروايات عليه ، ورحل إلى « أبي القاسم الهذلي » فقرأ عليه بكتاب « الكامل » في القراءات ثم دخل بغداد فقرأ بها لعاصم على : « محمد بن العباس الأواني ». ثم تصدّر للإقراء بواسط ، ورحل إليه من الأقطار الطلاب ، يأخذون عنه ، وفي مقدمة من قرأ عليه : « أبو الفتح بن زريق الحدّاد ».

احتلّ « محمد بن الحسين » مكانة سامية مما جعل العلماء يثنون عليه ، وفي هذا يقول « الإمام ابن الجزري » : كان بصيرا بالقراءات وعللها ، وغوامضها ، عارفا بطرقها ، عالي الإسناد ، وحصلت له سعادة بشيخه « أبي علي » وذلك أنه طاف البلاد ، وحصّل الروايات ، وجاء إلى « واسط » فقرأ عليه « أبو العزّ القلانسي » بما قرأ به على شيوخه ، وألف « كتاب الإرشاد » في القراءات العشر ، وهو مختصر كان عند « العراقيين » كالتيسير عندنا ، وكتاب « الكفاية » وهو أكبر من « كتاب الإرشاد » (١).

ومن تلاميذ « أبي علي غلام الهرّاس » في القراءة : « علي بن عليّ بن جعفر ابن شيران : بكسر الشين المعجمة ، أبو القاسم الواسطي الضرير ».

وهو من القراء المشهود لهم بالثقة ، وصحّة الإسناد ، وجودة القراءة.

ولد سنة إحدى وأربعين وأربعمائة ، ونشأ في بيت من البيوت العامرة بنور

__________________

(١) انظر غاية النهاية في طبقات القراء ج ٢ ، ص ١٢٨.

٢٨٥

القرآن ، فقد كان والده رحمه‌الله تعالى من علماء القراءات ، وقد استفاد « عليّ ابن عليّ » من هذه النشأة فقرأ القراءات على والده ببلدة « قيجطة ».

كما أخذ القرآن والقراءات أيضا على غير والده من مشاهير العلماء ، وفي مقدمتهم : « أبو علي غلام الهرّاس ».

وبعد أن اكتملت مواهبه تصدّر لتعليم القرآن ، واشتهر بالثقة وحسن الأداء ، وصحّة السند ، وأقبل عليه الطلاب.

ومن الذين قرءوا عليه : « أبو الفتح نصر الله بن الكيّال ، وأبو بكر عبد الله ابن الباقلاني » وغيرهما كثير.

احتلّ « عليّ بن عليّ » مكانة سامية ، ومنزلة رفيعة مما جعل العلماء يثنون عليه ، يقول « الحافظ الذهبي » : حدّث « عليّ بن شيران » ببغداد بعد الخمسمائة ، وبقي إلى بعد العشرين وخمسمائة.

وقال « ابن الجزري » : توفي سنة أربع وعشرين وخمسمائة. رحمه‌الله رحمة واسعة.

ومن تلاميذ « أبي علي غلام الهرّاس » في القراءة : « المبارك بن الحسين بن أحمد ، أبو الخير ، البغدادي » ، الغسّال الشافعي وهو من مشاهير القرّاء ، ومن المحدثين الثقات.

وكان رحمه‌الله تعالى من الأدباء ، والحذّاق.

احتل « المبارك بن الحسين » مكانة سامية ، ومنزلة رفيعة بين العلماء مما جعلهم يثنون عليه ، وفي هذا يقول « الحافظ الذهبي » : عني « المبارك بن الحسين » بالقراءات عناية كليّة ، وتقدّم فيها ، وطال عمره ، وعلا سنده ،

٢٨٦

وقصده الطلبة لحذقه ، وبصره بالفنّ (١).

أخذ « المبارك بن الحسين » القراءة عن مشاهير علماء عصره ، وفي مقدمتهم : « أبو علي غلام الهرّاس ، وأبو بكر محمد بن الخياط » ، وغيرهما كثير.

وبعد أن اكتملت مواهبه تصدّر لتعليم القرآن ، وذاع صيته بين الناس وأقبل عليه الطلاب ، ينهلون من علمه ، ويأخذون عنه ، ومن الذين قرءوا عليه : « المبارك بن أحمد بن الناعورة ».

توفي « المبارك بن الحسين » سنة عشر وخمسمائة ، رحمه‌الله رحمة واسعة.

وهكذا أدّى « أبو علي غلام الهرّاس » رسالته ، وقضى حياته متجوّلا في المدن ، والقرى ، من أجل الوقوف على قراءات القرآن ، وأخذ عن الشيوخ الكبار ، وعلا سنده ، وبعد صيته ، ثم توج حياته ، وختمها بأفضل ما يكون ، إذ جلس لتعليم كتاب الله تعالى ، فكان ممن قال فيهم الهادي البشير صلى‌الله‌عليه‌وسلم « خيركم من تعلم القرآن وعلّمه ».

وظل رحمه‌الله تعالى على ذلك حتى وافاه الأجل المحتوم يوم الجمعة سابع جمادى الأولى سنة ثمان وستين وأربعمائة على الصحيح. رحمه الله رحمة واسعة ، إنه سميع مجيب.

__________________

(١) انظر : غاية النهاية في طبقات القراء ج ٢ ، ص ٤٠.

٢٨٧

رقم الترجمة / ٧٤

« أبو عمرو الدّاني » (١) ت ٤٤٤ هـ

هو : الإمام العلامة الحافظ شيخ الشيوخ ، عثمان بن سعيد بن عثمان بن عمر أبو عمرو الأموي مولاهم القرطبي الداني بن الصيرفي. ذكره « الذهبي » ت ٧٤٨ ه‍ ، ضمن علماء الطبقة الحادية عشرة من حفاظ القرآن.

كما ذكره « ابن الجزري » ت ٨٣٣ ه‍ ، ضمن علماء القراءات.

نشأ « أبو عمرو الدّاني » تحت رعاية والده رحمه‌الله تعالى في بلد العلم والمعرفة والدين « قرطبة » حاضرة الأندلس ، وأعظم مدنها في ذلك الوقت ، ومستقرّ خلافة الأمويين.

ولد الإمام الداني بقرطبة سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة من الهجرة. وقد نسب الإمام « أبو عمرو الدّاني » إلى « دانية » وهي مدينة عظيمة بالأندلس على ساحل البحر الرومي ، لكونه سكنها آخر حياته وتوفي بها سنة ٤٤٤ هـ.

وقد نشأ الإمام الداني وترعرع في « قرطبة » التي كانت مركزا للعلم والمعرفة حيث كانت عامرة بالعلماء الأجلاء في شتى أنواع العلوم والمعرفة ما بين مقرئ وقارئ ، ومحدث ، ومفسّر ، وأديب ، وواعظ ، وخطيب.

وسط هذا الجوّ الذي يشعّ منه العلم ابتدأ الإمام الداني طلب العلم سنة ست

__________________

(١) انظر ترجمة الداني في المراجع الآتية :

تذكرة الحفاظ للذهبي ج ٣ ، ص ١١٢٠. معرفة القراء الكبار للذهبي ج ١ ، ص ٤٦١.

طبقات القراء لابن الجزري ج ١ ، ص ٥٠٣. معجم البلدان لياقوت ج ٢ ، ص ٥٤٠. نفح الطيب ج ١ ، ص ٤٢٩.

٢٨٨

وثمانين وثلاثمائة ، وهو ابن أربع عشرة سنة بعد أن حفظ القرآن الكريم وجوّده.

وقد انكبّ « الداني » على قراءة الكتب وملازمة الشيوخ ، وقد تتلمذ « الداني » على خيرة علماء عصره ، وفي مقدمتهم « والده » الذي أخذ عنه القراءات القرآنية.

ومن شيوخه الذين أخذ عنهم :

١ ـ خلف بن إبراهيم بن محمد بن جعفر بن حمدان بن خاقان أبو القاسم الخاقاني الاستاذ الضابط في قراءة « ورش ». قرأ عليه « الداني » وعليه اعتمد في قراءة « ورش » وقال عنه : كان شيخي الخاقاني ضابطا لقراءة « ورش » ، متقنا لها مجوّدا ، مشهورا بالفضل والنسك ، واسع الرواية ، صادق اللهجة.

٢ ـ وطاهر بن عبد المنعم بن عبيد الله بن غلبون « أبو الحسن » الحلبي نزيل مصر ، وهو أستاذ عارف ، ثقة ، ضابط ، وحجة محرّر ، مؤلف كتاب « التذكرة في القراءات الثمان ». قال عنه الداني : لم ير في وقته مثله في فهمه ، وعلمه ، وفضله وصدق لهجته.

٣ ـ وعبد العزيز بن جعفر بن محمد بن إسحاق بن محمد بن خواستي ، بضم الخاء المعجمة ، وسكون السين المهملة ، الفارسي ، مقرئ نحوي شيخ ، صدوق ، فاضل ، ضابط قرأ عليه « الداني » القراءات ، وقال عنه : كان شيخي « عبد العزيز » خيّرا ، فاضلا ضابطا ، صدوقا.

٤ ـ وفارس بن أحمد بن موسى بن عمران أبو الفتح الحمصي الضرير ، نزيل مصر قال عنه الداني : لم ألق مثله في حفظه وضبطه ، حسن الأداء ، واسع الرواية ، متنسكا ، فاضلا ، صادق اللهجة.

٥ ـ ومحمد بن عبد الله أبو الفرج النجاد ، روى عنه الداني حروف

٢٨٩

القراءات وكان من القراء الثقات.

وقد رحل الإمام الداني في سبيل طلب العلم إلى كثير من الأقطار فبعد أن حفظ القرآن ، وتلقى القراءات على شيوخ بلده ، وكان عمره حينئذ ستا وعشرين سنة قرر الرحلة إلى المشرق حيث ينابيع العلم الأصيلة التي كانت تجذب أنظار الأندلسيين نحو المشرق ، وذلك للاستكثار من الروايات ، ووجوه القراءات ، فارتحل من « الأندلس » واتجه نحو « القيروان » في « تونس » ومكث بها أربعة أشهر ، ولقي جماعة من العلماء ، وكتب عنهم ، منهم « أبو الحسن القابسي ».

ثم توجه نحو « مصر » ودخلها في اليوم الثاني من عيد الفطر سنة سبع وتسعين وثلاثمائة من الهجرة ، ومكث بها حتى نهاية العام الثاني. وقد تلقى في « مصر » القراءات ، والحديث ، والفقه عن أئمة من المصريين والبغداديين ، والشاميين منهم : « فارس بن أحمد ، وطاهر بن غلبون ».

ثم توجه إلى مكة المكرمة سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة. وحج بيت الله الحرام ، وقرأ القرآن ، والحديث على « أبي العباس أحمد بن البخاري » وغيره.

ثم عاد إلى « مصر » ومكث بها شهرا ، ثم ارتحل إلى المغرب ومكث بالقيروان أشهرا ، ثم عاد إلى الأندلس.

تصدر الإمام الداني لتعليم القرآن الكريم ، وعلومه ، واشتهر بالثقة والضبط ، وصحة الرواية ، وسعة العلم ، فأقبل عليه طلاب العلم من كل مكان ، وتتلمذ عليه الجم الغفير منهم :

١ ـ خلف بن إبراهيم أبو القاسم الطليطلي.

٢ ـ وخلف بن محمد بن خلف أبو القاسم الأنصاري.

٣ ـ ومحمد بن أحمد بن رزق بن الفصيح التجيبي الأندلسي.

٢٩٠

٤ ـ ومحمد بن عيسى بن فرج أبو عبد الله التجيبي الطليطلي.

قال عنه الذهبي : كان أحد الحذّاق بالقراءات.

وقال عنه « ابن بشكوال » : كان عالما بوجوه القراءات ، ضابطا لها ، متقنا لمعانيها ، إماما دينا ، أخبرنا عنه غير واحد من شيوخنا ووصفوه بالتجويد ، والمعرفة.

٥ ـ ومحمد بن يحيى بن مزاحم أبو عبد الله الأنصاري الخزرجي ، الطليطلي مؤلف كتاب « المنهاج في القراءات ».

قال عنه « الذهبي » : كان غاية في العربية ، وله رحلة إلى مصر لقي فيها « القضاعي » وطبقته.

وقد صنف « الإمام الداني » الكثير من كتب القراءات ، وعلوم القرآن بلغت مائة وعشرين مصنفا في القراءات والرسم والتجويد ، وقد أقبل العلماء على تحقيق مصنفات الداني وإظهارها إلى حيّز الوجود ، فمن الكتب التي تمت طباعتها حتى الآن :

١ ـ التيسير في القراءات السبع.

٢ ـ المقنع في رسم المصاحف.

٣ ـ الفرق بين الضاد والظاء.

٤ ـ المحكم في نقط المصاحف.

٥ ـ المكتفي في الوقف والابتداء.

توفي الداني « بدانية » سنة أربع وأربعين وأربعمائة من الهجرة ، رحمه الله رحمة واسعة ، إنه سميع مجيب.

٢٩١

رقم الترجمة / ٧٥

« عمر بن رسلان » (١) ت ٨٠٥ هـ

هو : عمر بن رسلان بن نصير بن صلح بن شهاب ، أبو حفص الكناني ، البلقيني ، ثم القاهري ، الشافعي ، وهو من خيرة العلماء العاملين ، ومن القراء ، والفقهاء ، والمحدثين ، واللغويين ، والأصوليين ، والمجتهدين.

ولد في ليلة الجمعة ثاني عشر شعبان سنة أربع وعشرين وسبعمائة ، ببلقينة ، من الغربية إحدى مدن مصر ، وحفظ بها القرآن ، وصلى به وهو ابن سبع سنين ، وحفظ الشاطبية ، والمحرّر ، والكافية الشافية في النحو ، والمختصر الأصلي ، وأقدمه أبوه القاهرة وهو ابن اثنتي عشرة سنة ، فعرض محافيظه على جماعة من العلماء مثل : « التقيّ السبكي ، والجلال القزويني » وبهرهم بذكائه وكثرة محفوظاته وسرعة فهمه ، ثم رجع به والده إلى بلدته.

ثم عاد به والده إلى القاهرة في سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة ، وقد ناهز الاحتلام فاستوطن القاهرة ، وحضر الدروس على خيرة العلماء : ومن شيوخه في الفقه : « التقيّ السبكي ».

وفي العربية ، والصرف ، والأدب ، الأستاذ « أبو حيان » ، ولازم « البهاء ابن عقيل » ، وانتفع به كثيرا ، وتزوج ابنته.

وسمع الحديث على مشاهير علماء الحديث وفي مقدمتهم : « ابن القمّاح ، وابن غالي » وغيرهما.

__________________

(١) انظر ترجمته في :

الضوء اللامع ج ٢ ، ص ٨٥ ، ورقم الترجمة ٢٨٦. البدر الطالع ج ١ ، ص ٥٠٦ ورقم الترجمة ٢٥٤.

٢٩٢

وأجاز له الحافظان : « المزّي ، والذهبي » وابن نباتة ، وآخرون وحج مع والده سنة أربعين وسبعمائة ، ثم بمفرده بعدها ، وزار بيت المقدس.

وأذن له الأئمة بالافتاء ، والتدريس ، وعظمه أجلاء شيوخه ، مثل « أبي حيان ، والأصبهاني ».

وناب في الحكم عن صهره : « ابن عقيل » واستقرّ بعده في التدريس بجامع « عمرو بن العاص » بالقاهرة.

وكان يدرس التفسير بجامع « ابن طولون ». وولي إفتاء دار العدل رفيقا للبهاء السبكي ، ثم قضاء الشام في سنة تسع وستين ، عوضا عن « التاج السبكي » فباشره دون السنة.

ودخل « حلب » في سنة ثلاث وتسعين صحبة « الظاهر برقوق » واشتغل بها ، وعيّن لقضاء مصر غير مرة ، وشاع ذكره في الممالك قديما وحديثا ، وعظمه الأكابر فمن دونهم.

احتلّ « عمرو بن رسلان » بعلمه مكانة سامية بين الجميع مما جعل العلماء يثنون عليه ، ومما كتبه عنه « أبو حيان » قوله : « صار عمر بن رسلان إماما ينتفع به في الفنّ العربي مع ما منحه الله من علمه بالشريعة المحمدية بحيث نال في الفقه وأصوله الرتبة العليا ، وتأهل للتدريس ، والقضاء ، والفتيا » (١).

وقال « البرهان الحلبي » : « رأيته رجلا فريد دهره ، لم تر عيناي أحفظ منه للفقه ، وأحاديث الأحكام ، وقد حضرت دروسه مرارا وهو يقرئ في مختصر مسلم للقرطبي ، ويقرئه عليه شخص مالكي ، ويحضر عنده فقهاء المذاهب الأربعة ، فيتكلم على الحديث الواحد من بكرة إلى قريب الظهر ، وربما أذّن

__________________

(١) انظر الضوء اللامع ج ٥ ، ص ٨٦.

٢٩٣

الظهر ولم يفرغ من الحديث » (١).

ويعقب العلامة الشوكاني على هذا الخبر بقوله : « وهذا تبحر عظيم ، وتوسع باهر فإن استغراق هذا الوقت الطويل في الكلام على حديث واحد يتحصل منه كراريس ، وقد كان وقع الاتفاق على أنه أحفظ أهل عصره ، وأوسعهم معارف ، وأكثرهم علوما ، ومع هذا فكان يتعانى نظم الشعر فيأتي بما يستحي منه ، بل قد لا يقيم وزنه ، والكمال لله وحده » اهـ (٢).

وقال « الشمس محمد بن عبد الرحمن العثماني » قاضي صفد في طبقاته : « عمر بن رسلان ، شيخ الوقت ، وإمامه ، وحجته ، انتهت إليه مشيخة الفقه في وقته ، وعلمه كالبحر الزاخر ، ولسانه أفحم الأوائل والأواخر » اهـ (٣).

وقال « الإمام الشوكاني » : أثنى عليه أكابر شيوخه ، قال « ابن حجّي » كان احفظ الناس لمذهب الشافعي ، واشتهر بذلك وشيوخه موجودون ، قدم علينا دمشق قاضيا وهو كهل فبهر الناس بحفظه ، وحسن عبارته ، وجودة معرفته ، وخضع له الشيوخ في ذلك الوقت ، واعترفوا بفضله ، ثم بعد ذلك رجع إلى القاهرة ، وتصدر للفتيا ، فكان معول الناس عليه في ذلك ، وكثرت طلبته فنفعوا ، وأفتوا ، ودرّسوا ، وصاروا شيوخ بلادهم ، وهو حيّ ، وله نظم وسط ، وتصانيف كثيرة لم تتمّ. يبتدئ كتابا ، فيصنف منه قطعة ثم يتركه ، وقلمه لا يشبه لسانه » اهـ (٤).

وقال « شمس الدين السخاوي » : وقال شيخنا في مشيخة البرهان : إنه استمرّ مقبلا على الاشتغال متفرغا للتدريس والفتوى إلى أن عمّر وتفرّد ، ولم

__________________

(١) انظر البدر الطالع ج ١ ، ص ٥٠٧.

(٢) انظر البدر الطالع ج ١ ، ص ٥٠٧.

(٣) انظر الضوء اللامع ج ٥ ، ص ٥٦.

(٤) انظر البدر الطالع ج ١ ، ص ٥٠٦.

٢٩٤

يبق من يزاحمه ، وكان كل من اجتمع به يخضع له لكثرة استحضاره ، حتى يكاد يقطع بأنه يحفظ الفقه سردا من أول الأبواب إلى آخرها ، لا يخفى عليه منه كبير أمر ، وكان مع ذلك لا يحبّ أن يدرّس إلا بعد المطالعة. ثم يستطرد قائلا : واشتهر اسمه في الآفاق ، وبعد صيته ، إلى أن صار يضرب به المثل في العلم ، ولا تركن النفس إلا إلى فتواه ، وكان موفقا في الفتوى ، يجلس لها من بعد صلاة العصر إلى الغروب ، ويكتب عليها من رأس القلم غالبا ، ولا يأنف إذا أشكل عليه شيء من مراجعة الكتب ، ولا من تأخير الفتوى عنده إلى أن يحقق أمرها ، وكان فيه من قوّة الحافظة وشدّة الذكاء ما لم يشاهد فيه مثله ، وكان وقورا حليما ، مهيبا سريع البادرة ، سريع الرجوع ، ذا همة عالية في مساعدة أصحابه ، وأتباعه ، وقد أفتى ودرس وهو شاب ، وناظر الأكابر ، وظهرت فضائله ، وبهرت فوائده ، وطار في الآفاق صيته ، وانتهت إليه الرئاسة في الفقه ، والمشاركة في غيره حتى كان لا يجتمع به أحد من العلماء إلا ويعترف بفضله ، ووفور علمه ، وحدّة ذهنه ، وكان معظما عند الأكابر ، عظيم السمعة عند العوام ، إذا ذكر خضعت له الرقاب ، حتى كان « الاسنوي » مع جلالة قدره يتوقّى الإفتاء مهابة له ، وكانت آلة الاجتهاد فيه كاملة ، وكان عظيم المروءة ، جميل المودّة ، كثير الاحتمال ، مهيبا مع كثرة المباسطة لأصحابه ، والشفقة عليهم ، والتنويه بذكرهم » (١).

وقال « الصلاح الأقفهسي » : كان « عمر بن رسلان » أحفظ الناس لمذهب الشافعي ، لا سيما لنصوصه ، مع معرفة تامة بالتفسير ، والحديث والأصول ، والعربية ، مع الذهن السليم ، والذكاء الذي على كبر السنّ لا يتغيّر ، يفزع إليه في حلّ المشكلات فيحلّها ، ويقصد لكشف المعضلات فيكشفها ولا يملّها ، ولو لا أن نوع الإنسان مجبول على النسيان لكان معدوما فيه ، فلم يكن في عصره في الحفظ وقلة النسيان من يماثله بل ولا يدانيه ، ولي قضاء دمشق ،

__________________

(١) انظر الضوء اللامع ج ٥ ، ص ٨٧ ـ ٨٨.

٢٩٥

وهي إذ ذاك غاصة بالفضلاء ، فأقروا له بالتقدم في العلوم ، ولم ينازعه واحد منهم في منطوق ولا مفهوم (١).

وقال « التقي الفاسي » : كان « عمر بن رسلان » واسع المعرفة بالفقه والحديث ، وغيرهما ، موصوفا بالاجتهاد.

وممن ترجمه « ابن خطيب الناصرية ، وابن قاضي شهبة ، والمقريزي ». وحكى العلاء البخاري ، فيما سمعه منه « العز السنباطي » قال : قدم علينا من أخذ عن « البلقيني » فسألناه عنه فقال : هو في الفقه وكذا في الحديث بحر ، وفي التفسير أيضا على طريقة « البغوي » وسألناه عنه في العقليات فقال : يقرئ تفسير « البيضاوي » للمبتدئ ، والمتوسط ، ولا يخرج عن عهدته للمنتهي (٢).

وحكى « البساطي » عن شيخه « قنبر » أنه قال : ما جلست بمصر للإقراء حتى درت على حلق مشايخها كلهم ، حتى « الخولاني » فلم أر فيهم مثل « البلقيني » في الحفظ.

وقال « شمس الدين السخاوي » : وفي كلام « الوليّ العراقي » في أواخر شرحه لجمع الجوامع ما يشير لأن « عمر بن رسلان » مجتهد ، أو كونه هو والتقيّ السبكي طبقة واحدة ، وكان في صفاء الخاطر ، وسلامة الصدر بمكان بحيث يحكى عنه ما يفوق الوصف ، وقيامه في إزالة المنكر شهير ، وردعه لمن يخوض فيما لا يليق مستفيض ، وكان يقول : ما أحد يقرئ الفرائض إلا وهو تلميذي ، أو تلميذ تلميذي وقد أخذ الناس عنه طبقة بعد طبقة ، بل وأخذت عنه طبقة ثالثة.

ولم يزل « عمر بن رسلان » متفردا في جميع العلوم حفظا ، وسردا لها حتى

__________________

(١) انظر الضوء اللامع ج ٥ ، ص ٨٨.

(٢) انظر الضوء اللامع ج ٥ ، ص ٨٨.

٢٩٦

توفاه الله تعالى قبل عصر يوم الجمعة حادي عشر ذي القعدة سنة خمس وثمانمائة بالقاهرة ، وصلى عليه ولده « الجلال » صبيحة الغد بجامع الحاكم ، ودفن بمدرسته التي أنشأها بالقرب من منزله في حارة « بهاء الدين » عند ولده « البدر محمد » ورثاه جماعة ، وأبدع مرثية فيه وهي تزيد على مائة بيت للشيخ « السخاوي » وأولها :

يا عين جودي لفقد البحر بالمطر

واذري الدموع ولا تبقي ولا تذري

رحم الله « عمر بن رسلان » رحمة واسعة ، وجزاه الله أفضل الجزاء.

٢٩٧

رقم الترجمة / ٧٦

« أبو عمر الطلمنكي » (١) ت ٤٢٩ هـ

هو : أحمد بن محمد بن عبد الله المعافري المالكي الطلمنكي من طلمنكة ، بفتح الطاء واللام والميم وسكون النون ، وفتح الكاف من ثغر الأندلس الشرقي ، نزيل قرطبة.

ذكره « الذهبي » ت ٧٤٨ ه‍ ، ضمن علماء الطبقة العاشرة من حفاظ القرآن. كما ذكره « ابن الجزري » ت ٨٣٣ ه‍ ، ضمن علماء القراءات.

ولد « الطلمنكي » سنة أربعين وثلاثمائة ، ورحل إلى المشرق ، فقرأ على : « عليّ بن محمد الأنطاكي ، وعمر بن عراك ، وعبد المنعم بن غلبون ، ومحمد بن علي الأدفوي ، ومحمد بن الحسين بن النعمان ».

ثم رجع إلى الأندلس بعلم كثير وكان أول من أدخل القراءات إليها ، حيث جلس لتعليم القرآن وحروف القراءات ، وتتلمذ عليه الكثيرون ، منهم : « عبد الله بن سهل ، ومحمد بن عيسى المغامي ، ويحيى بن إبراهيم ». وروى عنه بالإجازة محمد بن أحمد بن عبد الله الخولاني ، وهو آخر من روى عنه.

صنف « الطلمنكي » الكثير من الكتب منها : الدليل إلى معرفة الجليل مائة جزء ، وكتاب تفسير القرآن ، نحو مائة جزء أيضا ، وكتاب الوصول إلى معرفة

__________________

(١) انظر ترجمته في المراجع الآتية :

جذوة المقتبس للحميدي ص ١١٤ وفهرست ابن خير ص ٢٥٩ ـ ٢٨٨. الصلة لابن بشكوال ج ١ ، ص ٤٤. بغية الملتمس للضبي ص ١٦٢. تذكرة الحفاظ للذهبي ج ٣ ، ص ١٠٩٨.

الديباج المذهب لابن فرحون ج ١ ، ص ١٧٨. طبقات المفسرين للداودي ج ١ ، ص ٧٩.

القراء الكبار للذهبي ج ١ ، ص ٣٨٥. طبقات القراء لابن الجزري ج ١ ، ص ١٢٠. النجوم الزاهرة ج ٥ ، ٢٨.

٢٩٨

الأصول ، وكتاب البيان في إعراب القرآن ، وغير ذلك كثير.

وقد أثنى عليه الكثيرون من العلماء ، وفي هذا يقول « الذهبي » : كان رأسا في علوم القرآن : قراءاته ، وإعرابه ، وأحكامه ، رأسا في معرفة الحديث وطرقه ، حافظا للسنن ، ذا عناية بالأثر والسنة ، إماما بأصول الديانات ذا هدى وسمت ونسك وصمت » اهـ.

وقال « أبو القاسم بن بشكوال » : كان سيفا مجرّدا على أهل الأهواء والبدع ، قامعا لهم ، غيورا على الشريعة ، شديدا في ذات الله.

ثم قصد بلده في آخر عمره ، فتوفي بها في ذي الحجة سنة تسع وعشرين وأربعمائة.

رحمه الله رحمة واسعة ، إنه سميع مجيب.

٢٩٩

رقم الترجمة / ٧٧

« عمر بن عراك » (١) ت ٣٨٨ هـ

هو : عمر بن محمد بن عراك بن محمد أبو حفص الحضرمي المصري الإمام أستاذ في قراءة ورش.

ذكره « الذهبي » ت ٧٤٨ ه‍ ضمن علماء الطبقة التاسعة من حفاظ القرآن كما ذكره « ابن الجزري » ت ٨٣٣ ه‍ ، ضمن علماء القراءات.

أخذ « ابن عراك » القراءة عن خيرة العلماء ، وفي مقدمتهم : « حمدان بن عون ، وعبد المجيد بن مسكين ، وقسيم بن مطير ، وأبو غانم المظفر بن أحمد ، ومحمد بن جعفر العلاف ». وسمع الحروف من « أحمد بن محمد بن زكريا الصدفي ، وأحمد بن إبراهيم بن جامع ، والحسن بن أبي الحسن العسكري ».

تصدر « ابن عراك » لتعليم القرآن ، واشتهر بالثقة وصحة الضبط ، وأقبل عليه الطلاب يأخذون عنه ، ويتلقون القراءة وحروف القرآن.

ومن الذين قرءوا عنه : « تاج الأئمة أحمد بن علي بن هاشم ، وفارس بن أحمد ، وعتبة بن عبد الملك ، والحسين بن إبراهيم الأنباري ».

وكان يقول : أنا كنت السبب في تأليف « أبي جعفر النحاس » كتاب « اللامات » (٢) توفي ابن عراك بمصر سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة من الهجرة ، رحمه الله رحمة واسعة ، وجزاه الله أفضل الجزاء.

__________________

(١) انظر ترجمة فيما يلي :

معرفة القراء ج ١ ، ص ٣٥٤. وطبقات القراء : ج ١ ص ٥٩٧.

(٢) انظر طبقات القراء ج ١ ، ص ٥٩٧.

٣٠٠