معجم حفّاظ القرآن عبر التّاريخ - ج ٢

الدكتور محمّد سالم محيسن

معجم حفّاظ القرآن عبر التّاريخ - ج ٢

المؤلف:

الدكتور محمّد سالم محيسن


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٦
الجزء ١ الجزء ٢

رقم الترجمة / ٥٢

« عبد الباقي بن الحسن » (١) ت ٣٩٣ هـ

هو عبد الباقي بن الحسن بن أحمد بن محمد بن عبد العزيز بن السقا أبو الحسن الخراساني الأصل الدمشقيّ المولد. ولد بدمشق ورحل إلى الأمصار طلبا للعلم والمعرفة.

ذكره « الذهبي » ت ٧٤٨ ه‍ ، ضمن علماء الطبقة التاسعة من حفاظ القرآن. كما ذكره « ابن الجزري » ت ٨٣٣ ه‍ ، ضمن علماء القراءات.

أحب عبد الباقي القرآن والعلم منذ نعومة أظفاره ، ورحل في سبيل ذلك إلى الأمصار ، وأخذ عن الشيوخ وتلقى عن العلماء والمحدثين ، يقول « ابن الجزري » : أخذ « عبد الباقي » القراءة عرضا عن : « إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم ، وإبراهيم بن الحسن ، وإبراهيم بن عمر ، وإبراهيم بن عبد العزيز ، وإبراهيم بن عبد الله بن محمد ، وأحمد بن عبد الله بن الخشف ، وأحمد بن صالح ، وأحمد بن عبد الرحمن ، والحسين بن عبد الله ، وزيد بن أبي بلال ، وصالح بن أحمد ، وعبد الرحمن بن عمر البغدادي ، وعبد الله بن علي ، وعبيد الله بن إبراهيم ، وعلي بن عبد الله بن محمد ، وعلي بن محمد بن جعفر القلانسي ، ونظيف بن عبد الله. ومحمد بن إبراهيم البلخي ، ومحمد بن أحمد بن هارون ، ومحمد بن زريق ، ومحمد بن الحسين الديبلي » (٢).

كما أخذ « عبد الباقي » حديث الهادي البشير صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن عدد من العلماء ،

__________________

(١) انظر ترجمته في المراجع الآتية :

معرفة القراء ج ١ ، ص ٣٥٧ ، وطبقات القراء ، ج ١ ، ص ٣٥٦. وحسن المحاضرة ج ١ ، ص ٤٩١.

(٢) انظر طبقات القراء ج ١ ، ص ٣٥٦.

١٨١

وحدث عنهم ، وفي هذا يقول « الحافظ الذهبي » : وحدث « عبد الباقي » عن « عبد الله بن عتاب الزّفتي ، وأبي علي الحصائري ، وجماعة (١).

تصدر « عبد الباقي » لتعليم القرآن ، واشتهر بالثقة وصحة القراءة ، وأقبل عليه الطلاب يأخذون عنه ، يقول « الإمام ابن الجزري » : « أخذ القراءة عن « عبد الباقي » عرضا : « فارس بن أحمد ، وأكثر عنه وقال : قال لنا « عبد الباقي » : أدركت أبا إسحاق إبراهيم بن عبد الرزاق بأنطاكية ، وجلست معه في مجلسه ، وهو يقرئ سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة ، ولم أقرأ عليه ، ولما حصّل الروايات ورجع إلى دمشق يقرئ بها ، حصل بينه وبين شيوخها اختلاف فتعصب له قوم ، وتعصب آخرون عليه ، حتى تطاول بعضهم إلى بعض فخرج منها إلى « الديار المصرية » (٢).

احتلّ « عبد الباقي مكانة سامية بين العلماء مما استوجب الثناء عليه. يقول « الإمام الداني » : كان « عبد الباقي » خيّرا ، فاضلا ، ثقة ، مأمونا ، إماما في القراءات ، عالما بالعربية ، بصيرا بالمعاني ، قال لي « فارس بن أحمد » أحد تلاميذه عنه : إنه أدرك إبراهيم بن عبد الرزاق بأنطاكية ، وجلس بين يديه في سنة اربع وثلاثين وثلاثمائة ، وسمعت عبد الرحمن بن عبد الله يقول :

كان « عبد الباقي » يسمع معنا ببغداد على أبي بكر الأبهري ، وكتب عنه كتبه في الشرح ، ثم قدم « مصر » فقامت له بها رئاسة عظيمة ، وكنا لا نظنه هناك ، إذ كان ببغداد. اهـ (٣).

وقال « الإمام ابن الجزري » : كان عبد الباقي أستاذا حاذقا ، ضابطا ، ثقة ، رحل إلى الأمصار » (٤).

__________________

(١) انظر القراء الكبار ج ١ ، ص ٣٥٨.

(٢) انظر طبقات القراء ج ١ ، ص ٣٥٦ ـ ٣٥٧.

(٣) انظر القراء الكبار ج ١ ، ص ٣٥٨.

(٤) انظر طبقات القراء ج ١ ، ص ٣٥٦.

١٨٢

توفي « عبد الباقي » بالاسكندرية ، وقيل بمصر ، بعد سنة ثمانين وثلاثمائة ، بعد حياة حافلة بتعليم القرآن الكريم.

رحمه الله رحمة واسعة ، وجزاه الله أفضل الجزاء.

١٨٣

رقم الترجمة / ٥٣

« عبد الباقي بن فارس » (١) ت ٤٥٠ هـ

هو : عبد الباقي بن فارس بن أحمد أبو الحسن الحمصي ، ثم المصري وهو مقرئ مشهور مجوّد ، أخذ القراءة عن خيرة العلماء.

وقد روى القراءات عرضا عن والده فارس بن أحمد ، أبو الفتح الحمصي الضرير نزيل مصر ، وهو أستاذ كبير ضابط ومن الثقات ، ولد بحمص سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة ، ثم رحل ، وأخذ القراءة عن عدد من العلماء ، وفي مقدمتهم : « عمر بن محمد الحضرمي » و « عبد الله بن محمد الرازي » وآخرون.

ثم جلس لتعليم القرآن ، وأقبل عليه الحفاظ ، وفي مقدمتهم : ولده « عبد الباقي » والحافظ أبو عمرو الداني ، وقال عنه : « لم ألق مثله في حفظه وضبطه ، كان حافظا ، ضابطا ، حسن التأدية فهما بعلم صناعته ، واتساع روايته مع ظهور فضله وصدق لهجته ، توفي بمصر سنة إحدى وأربعمائة (٢).

ومن شيوخ « عبد الباقي بن فارس » في القراءة : « قسيم بن أحمد بن مطير أبو القاسم الظهراوي المصري ، من ساكني مدينة « بلبيس » وهو مقرئ ضابط ، مشهور ، قال عنه « الإمام الداني » : كان « قسيم بن أحمد » ضابطا لرواية ورش يقصد فيها ، وتؤخذ عنه وكان خيّرا فاضلا ، سمعت « فارس بن أحمد » يثني عليه ، وكان يقرئ بموضعه إذ كنت بمصر سنة سبع وتسعين وثلاثمائة (٣).

__________________

(١) انظر ترجمته في المراجع الآتية :

معرفة القراء الكبار ج ١ ، ص ٤٢٤ ورقم الترجمة ٣٦٣. غاية النهاية في طبقات القراء ج ١ ، ص ٣٥٧ ورقم الترجمة ١٥٢٩. حسن المحاضرة ج ١ ، ص ٤٩٢.

(٢) انظر غاية النهاية في طبقات القراء ج ٢ ، ص ٦.

(٣) انظر : غاية النهاية في طبقات القراء ج ٢ ، ص ٢٧.

١٨٤

أخذ « قسيم بن أحمد » القراءة عن خيرة العلماء ، وفي مقدمتهم جدّه لأمه « عبد الله بن عبد الرحمن » ويقال : محمد بن عبد الرحمن الظهراوي ، صاحب « أبي بكر بن سيف ».

جلس « قسيم بن أحمد » لتعليم القرآن ، واشتهر بالثقة ، والضبط ، وجودة القراءة ، وأقبل عليه الطلاب ، وفي مقدمة من أخذ عنه القراءة : « عبد الباقي ابن فارس » وأحمد بن محمد الصقلي » ، وآخرون.

توفي « قسيم بن أحمد » سنة ثمان أو تسع وتسعين وثلاثمائة.

ومن شيوخ « عبد الباقي بن فارس » في القراءة : « عمر بن محمد بن عراك ، أبو حفص الحضرمي المصري ». وهو من الأئمة المشهورين ، ومن الثقات المعروفين في قراءة « ورش » وكان إمام جامع مصر.

أخذ « عمر بن عراك » القراءة عن مشاهير العلماء ، وفي مقدّمتهم : « أبو غانم المظفر بن أحمد » وسمع حروف القراءات من « أحمد بن محمد بن زكريا الصدفي » وآخرين.

جلس « عمر بن عراك » لتعليم القرآن ، وذاع صيته ، واشتهر بالثقة ، وحسن القراءة ، وأقبل عليه عدد كبير من حفاظ القرآن ، وفي مقدمة من قرأ عليه : « عبد الباقي بن فارس ، وتاج الأئمة ، أحمد بن عليّ بن هاشم » وآخرون.

توفي « عمر بن عراك » بمصر سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة.

ومن شيوخ « عبد الباقي بن فارس » في القراءة : عبد الله بن الحسين بن حنون أبو أحمد السامري البغدادي ، نزيل مصر ، المقرئ اللغوي ، مسند القراء في زمانه ، قال عنه « الإمام الداني » : هو مشهور ضابط ثقة مأمون (١).

__________________

(١) انظر غاية النهاية في طبقات القراء ج ١ ، ص ٤١٥.

١٨٥

وقال عنه « الحافظ الذهبي » : سألت : « أبا حيان محمد بن يوسف الأندلسي » عن « أبي أحمد السامري » فأثنى عليه ووثقه (١).

ولد « عبد الله بن الحسين » سنة خمس أو ست وتسعين ومائتين ، وأخذ القراءة عن مشاهير علماء عصره ، وفي مقدّمتهم : « أبو بكر بن مجاهد ، وأبو الحسن بن شنبوذ ».

وبعد أن اكتملت مواهب « عبد الله بن الحسين » جلس لتعليم القراءة وحروف القراءات ، واشتهر بالثقة والضبط ، وأقبل عليه الطلاب ، ومن الذين أخذوا عنه القراءة : « أبو الفتح فارس بن أحمد » وهو أضبط من قرأ عليه ، وعبد الباقي بن فارس ، وغيرهما كثير.

توفي « عبد الله بن الحسين » بمصر سنة ست وثمانين وثلاثمائة.

وبعد أن أصبح « عبد الباقي بن فارس » مؤهلا لتعليم القرآن ، وحروف القراءات تصدر لذلك ، وأقبل عليه الطلاب ، وفي مقدّمة من أخذ عنه القراءة : « عبد الله بن سهل بن يوسف أبو محمد الأنصاري الأندلسي المرسي : بضم الميم ، وسكون الراء ، نسبة إلى « مرسيّة » وهي بلدة من بلاد المغرب » (٢).

قال « أبو علي بن سكّرة » : هو إمام وقته في فنّه ، لقيته بالمرّيّة (٣) لازم « أبا عمرو الداني » ثمانية عشر عاما ، ورحل فلقي جماعة ، قال : وجرت بينه وبين شيخه « الداني » عند قدومه منافسة ومقاطعة ، وكان « أبو محمد » شديدا على أهل البدع ، قوّالا بالحق مهيبا جرت له في ذلك أخبار كثيرة ، وامتحن ، ولفظته البلاد ، وغرّب ، وغمزه كثير من الناس ، ودخل « سبتة » وأقرأ بها

__________________

(١) انظر غاية النهاية في طبقات القراء ج ١ ، ص ٤١٧.

(٢) انظر الأنساب للسمعاني ج ٥ ، ص ٢٥٧.

(٣) المرية : بفتح الميم : مدينة عظيمة على ساحل بحر الأندلس في شرقها انظر الأنساب للسمعاني ، ج ٥ ، ص ٢٦٨.

١٨٦

مدّة ، ثم خرج إلى « طنجة » ثم رجع إلى الأندلس فمات برندة (١).

أخذ « عبد الله بن سهل » القراءة عن عدد من العلماء وفي مقدمتهم : « أبو عمرو الداني ، وعبد الباقي بن فارس » وقرأ القراءات على « أبي عمر الطلمنكي ، ومكي بن أبي طالب القيسي ».

ثم جلس لتعليم القرآن ، واشتهر بالثقة والحفظ ، والأمانة ، وأقبل عليه الطلاب ، وفي مقدمة من أخذ عنه القراءة : « عبد العزيز بن عبد الملك بن شفيع ». توفي « عبد الله بن سهل » « برندة » سنة ثمانين وأربعمائة.

ومن تلاميذ « عبد الباقي بن فارس » في القراءة : « محمد بن عبد الله بن مسبّح بن عبد الرحمن أبو عبد الله الفضّي المصري ، وهو من أئمة القراءة المشهورين بالثقة وكثرة الروايات. أخذ القراءة عن مشاهير العلماء وفي مقدمتهم : « عبد الباقي بن فارس » وروى كتاب « الروضة » للمالكي سماعا عن « أبي الحسن علي بن حميد الواعظ ، وإبراهيم بن إسماعيل بن غالب الخياط » وقرأ على « أبي معشر الطبري » بكتابه « سوق العروس ».

ثم جلس « محمد بن المسبّح » لتعليم القراءات ، واشتهر بالثقة والأمانة ، وكثرة الروايات ، وأقبل عليه الطلاب ، يأخذون عنه ، ومن الذين قرءوا عليه : « الشريف أبو الفتوح ناصر بن الحسن ، وزيد بن شافع اللخمي » وآخرون. قال « ابن الجزري » : لا أدري متى توفي « محمد بن المسبّح » إلا أنه لم يصل إلى العشرين وخمسمائة.

وبعد حياة حافلة بتعليم القرآن ، وحروف القراءات توفي « عبد الباقي بن فارس » في حدود الخمسين وأربعمائة.

رحمه الله رحمة واسعة ، وجزاه الله أفضل الجزاء.

__________________

(١) انظر غاية النهاية في طبقات القراء ج ١ ، ص ٤٢٢.

١٨٧

رقم الترجمة / ٥٤

« عبد الرّحمن الخزرجي » (١) ت ٤٤٦ هـ

هو : عبد الرحمن بن الحسن بن سعيد أبو القاسم الخزرجي القرطبي ، من أهل الأندلس وهو أستاذ محقق حجة.

ذكره « الذهبي » ت ٧٤٨ ه‍ ، ضمن علماء الطبقة العاشرة من حفاظ القرآن. كما ذكره « ابن الجزري » ت ٨٣٣ ه‍ ، ضمن علماء القراءات.

رحل سنة ثمانين وثلاثمائة إلى المشرق في سبيل العلم والأخذ عن الشيوخ فحج أربع مرات ، وأخذ عن كبار العلماء ، وألف « كتاب المقاصد ».

وفي مقدمة شيوخه الذين أخذ عنهم : كما قال « أبو علي الغسّاني » : عبد الله ابن الحسين بن حسنون أبو أحمد السامري البغدادي ، نزيل مصر ، المقرئ اللغوي مسند القراء في زمانه.

ولد سنة خمس أو ست وتسعين ومائتين ، وتوفي بمصر ليلة السبت لثمان بقين من المحرم سنة ست وثمانين وثلاثمائة ، وصلى عليه « أبو حفص عمر بن عراك ».

قال « الإمام الداني » : أخذ « أبو أحمد السامري » القراءة عرضا عن « محمد ابن حمدون الحذاء ، وأحمد بن سهل الأشناني ، وأبي بكر بن مجاهد ، وأبي الحسن بن شنبوذ ، وأبي بكر بن مقسم ، والحسن بن صالح ، ومحمد بن الصباح المكي ، وسلامة بن هارون » ، وغيرهم كثير.

__________________

(١) انظر ترجمته في المراجع الآتية :

معرفة القراء الكبار للذهبي ج ١ ، ص ٤١٠. طبقات القراء لابن الجزري ج ١ ، ص ٣٦٧.

الصلة لابن بشكوال ج ٢ ، ص ٣٣٤. تذكرة الحفاظ للذهبي ج ٣ ، ص ١١٢٤.

١٨٨

تصدّر « أبو أحمد السامري » لتعليم القرآن ، وتتلمذ عليه الكثيرون ، وفي مقدمتهم : « أبو الفتح فارس بن أحمد ، وهو أضبط من قرأ عليه ، وأبو الفضل الخزاعي ، ويوسف بن رباح ، وأبو الحسين التّنيسي الخشاب ، وعبد الرحمن بن الحسن ، وعبد الجبار بن أحمد الطرسوسي ، وأبو العباس بن نفيس » ، وغير هؤلاء كثير.

قال « الحافظ الذهبي » : قرأ « عبد الرحمن الخزرجي » بالأندلس على : « عليّ ابن محمد بن إسماعيل بن محمد بن بشر أبو الحسن الأنطاكي التميمي نزيل الأندلس وشيخها ، وهو إمام حاذق مسند ثقة ضابط. ولد بانطاكية سنة تسع وتسعين ومائتين ، وتوفي يوم الجمعة ليومين بقيا من شهر ربيع الأول ، سنة سبع وسبعين وثلاثمائة بقرطبة.

أخذ « أبو الحسن الأنطاكي » القراءة عن خيرة العلماء ، وفي مقدمتهم : « إبراهيم بن عبد الرزاق ، وأحمد بن محمد بن خشيش ، ومحمد بن جعفر بن بيان البغدادي ، ومحمد بن النضر بن الأخرم ، وأحمد بن صالح البغدادي ».

تصدّر « أبو الحسن الأنطاكي » لتعليم القرآن ، ومن الذين أخذوا عنه القراءة ، « أبو الفرج الهيثم بن أحمد الصباغ ، وإبراهيم بن مبشّر ، وعتبة بن عبد الملك ، ومحمد بن عمر الغازي ، وأبو المطرز القنازعي ، ومحمد بن يوسف النجار ، وعبيد الله بن سلمة بن حزم » وغيرهم كثير.

ومن شيوخ « عبد الرحمن الخزرجي » : « محمد بن علي بن أحمد بن محمد أبو بكر الأذفوي المصري ». ولد « أبو بكر الأذفوي » سنة أربع وثلاثمائة ، وتوفي بمصر يوم الخميس لسبع خلون من ربيع الأول سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة.

أخذ « أبو بكر الأذفوي » القراءة عن خيرة العلماء ، فقد أخذ القراءة عرضا عن المظفر بن أحمد بن حمدان ، وسمع حروف القراءات من أحمد بن

١٨٩

إبراهيم بن جامع ، وسعيد بن السكن ، والعباس بن أحمد ، ولزم « أبا جعفر النحّاس ».

تصدر « أبو بكر الأذفوي » لتعليم القرآن. ومن الذين أخذوا عنه القراءة : « محمد بن الحسين بن النعمان ، والحسن بن سليمان وعبد الجبار بن أحمد الطرسوسي ، وابنه أبو القاسم أحمد بن أبي بكر الأذفوي ، وعتبة بن عبد الملك ، وأبو الفضل الخزاعي ».

احتلّ « أبو بكر الأذفوي » مكانة سامية ، ومنزلة رفيعة بين العلماء مما جعلهم يثنون عليه.

وفي هذا يقول « الإمام الداني » : انفرد « أبو بكر الأذفوي » بالإمامة في دهره في قراءة « نافع » رواية « ورش » مع سعة علمه ، وبراعة فهمه ، وصدق لهجته ، وحسن اطلاعه ، وتمكنه من علم العربية ، وبصره بالمعاني.

وقال « الحافظ الذهبي » : برع « أبو بكر الأذفوي » في علوم القرآن ، وكان سيّد أهل عصره بمصره ، له كتاب التفسير في مائة وعشرين مجلّدا ، موجود بالقاهرة. اهـ (١).

قال « ابن الجزري » : سمّاه الاستغناء في علوم القرآن ، ألّفه في اثنتي عشرة سنة. اهـ (٢).

وكما أخذ « عبد الرحمن الخزرجي » القراءة عن خيرة العلماء ، أخذ أيضا حديث الهادي البشير صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن خيرة المحدثين ، وفي هذا يقول « الحافظ الذهبي » : « قال « عبد الرحمن الخزرجي » عن نفسه : ومن شيوخي في الحديث : « أبو بكر المهندس ، وأبو مسلم الكاتب ، والحسن بن إسماعيل الضرّاب وأبو

__________________

(١) انظر طبقات القراء لابن الجزري ج ٢ ، ص ١٩٩.

(٢) انظر طبقات القراء لابن الجزري ج ٢ ، ص ١٩٩.

١٩٠

محمد بن أبي زيد » اهـ (١).

احتل « عبد الرحمن الخزرجي » مكانة سامية ، ومنزلة رفيعة ، مما استوجب ثناء العلماء عليه ، وفي هذا يقول « أبو عمر أحمد بن مهدي » : كان « عبد الرحمن الخزرجي » من أهل العلم بالقراءات ، حافظا للخلاف ، مجوّدا للأداء ، بصيرا بالنحو ، مع الخير ، والحال الحسن. اهـ (٢).

تصدّر « عبد الرحمن الخزرجي » لتعليم القرآن ، واشتهر بالثقة وصحة القراءة وأقبل عليه حفاظ القرآن من كل مكان يأخذون عنه ، وفي هذا يقول « الحافظ الذهبي » : « وأقرأ الناس دهرا في مسجد بقرطبة ، وفي الجامع ، وقرأ عليه « يحيى بن إبراهيم بن أبي زيد ، أبو الحسن اللواتي المرسي المعروف بابن البيّاز ، صاحب كتاب « النبذ النامية » شيخ الأندلس ، وهو إمام كبير. قرأ على « عبد الرحمن الخزرجي » وأبي عمرو الداني ، وأبي عمر أحمد بن محمد الطلمنكي ، ومكي بن أبي طالب ، وعبد الجبار الطرسوسي بمصر ، وقيل : لم يقرأ عليه القرآن ، وإنما سمع الحروف ».

تصدّر « ابن البياز » لتعليم القرآن ، وتتلمذ عليه الكثيرون وفي مقدمتهم : « أبو الحسن عليّ بن أحمد بن الباذش ، ومحمد بن الحسن بن غلام الفرس ، وعليّ بن عبد الله بن ثابت ، وسليمان بن يحيى ، وعيسى بن حزم الغافقي ، وسمع كتاب « التلقين » ، من مؤلفه « القاضي عبد الوهاب ».

توفي « ابن البياز » في ثالث المحرّم سنة ست وتسعين وأربعمائة وله تسعون سنة.

وقال « ابن الجزري » : قرأ على « عبد الرحمن الخزرجي » : « خلف بن

__________________

(١) انظر معرفة القراء الكبار للذهبي ج ١ ، ص ٤١٠.

(٢) انظر معرفة القراء الكبار ج ١ ، ص ٤١٠.

١٩١

إبراهيم » و « أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الحق ، أبو جعفر الخزرجي ».

وقرأ « أحمد بن عبد الرحمن » على « مكي بن أبي طالب » احزابا من القرآن ، ثم قرأ السبع على « عبد الرحمن بن الحسن الخزرجي » وعلى « أبي عبد الله بن الطرفي ».

تصدر « أحمد بن عبد الرحمن » لتعليم القرآن ، ومن الذين قرءوا عليه : « محمد بن سمرة » و « عبد الرحمن بن عليّ الخزرجي ».

توفي « أحمد بن عبد الرحمن » سنة إحدى عشرة وخمسمائة عن تسعين سنة.

ومن تلاميذ « عبد الرحمن الخزرجي » : « عبد الله بن سهل بن يوسف أبو محمد الأنصاري الأندلسي » ، مقرئ الأندلس ، وهو أستاذ ماهر محقق ، ثقة ، مصدّر.

أخذ « عبد الله بن سهل » القراءة عن خيرة العلماء وفي مقدمتهم : « أبو عمر الطلمنكي ، ومكي بن أبي طالب القيسي ، وأبو عمرو الداني ، وعبد الجبار الطرسوسي بمصر ، وخلف بن غصن الطائيّ ، وعبد الباقي بن فارس ، وعبد الرحمن بن الحسن ، ومحمد بن سليمان ، ومحمد بن سفيان صاحب كتاب « الهادي ». يقول « الإمام ابن الجزري » بعد أن ذكر أساتذة « عبد الله بن سهل » قال : « وهؤلاء شيوخ ما نعلم أحدا جميع بينهم سواه » (١).

تصدّر « عبد الله بن سهل » لتعليم القرآن ، وفي مقدمة من قرأ عليه : « عبد العزيز بن عبد الملك بن شفيع ».

احتلّ « عبد الله بن سهل » منزلة رفيعة ، ومكانة سامية بين العلماء مما جعلهم يثنون عليه ، وفي هذا يقول « أبو علي بن سكرة » : « عبد الله بن سهل » إمام

__________________

(١) انظر طبقات القراء لابن الجزري ج ١ ، ص ٤٢٢.

١٩٢

وقته في فنّه ، لقيته بالمريّة ، ولازم « أبا عمرو الداني » ثمانية عشر عاما ، ورحل فلقي جماعة ، ثم يقول : وكان « أبو محمد شديدا على أهل البدع قوّالا بالحق مهيبا ، جرت له في ذلك أخبار كثيرة » اهـ (١).

توفي « عبد الله بن سهل » سنة ثمانين وأربعمائة هـ.

ومن تلاميذ « عبد الرحمن الخزرجي » : « الحسين بن عبيد الله بن سعيد أبو علي الحضرمي » ، وهو شيخ مقرئ ، قرأ على « عبد الرحمن الخزرجي » وقرأ عليه : « علي بن أحمد بن خلف بن الباذش ».

قال « عبد الرحمن الخزرجي » : ومن شيوخي في « القرآن » : « عبد المنعم بن عبيد الله بن غلبون ، أبو الطيب الحلبي نزيل مصر ، وهو : أستاذ كبير ماهر ، محرر ، ضابط ثقة ، صالح ».

ولد ليلة الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من رجب سنة تسع وثلاثمائة بحلب ، وانتقل إلى مصر فسكنها.

أخذ « أبو الطيب بن غلبون » القراءة عن خيرة العلماء ، فقد روى القراءة عرضا وسماعا عن : « إبراهيم بن عبد الرزاق ، وإبراهيم بن محمد بن مروان ، وأحمد بن بلال ، ومحمد بن أحمد بن إبراهيم البغدادي ، وأحمد بن الحسين النحوي ، وأحمد بن موسى ، وجعفر بن سليمان ، والحسين بن خالويه ، والحسن ابن حبيب الحصائري ، وصالح بن إدريس ، وعبد الله بن أحمد بن الصقري ، وعلى بن محمد المكي ، وعمر بن بشران ، ومحمد بن جعفر الفريابي ، ومحمد بن علي العطوفي ، ونجم بن بدر ، وصالح بن إدريس ، وعبد الله بن أحمد بن الصقر ، وعلي بن محمد المكي ، ونصر بن يوسف ».

تصدّر « أبو الطيب بن غلبون » لتعليم القرآن ، واشتهر بين الناس بالثقة ،

__________________

(١) انظر طبقات القراء لابن الجزري ج ١ ، ص ٤٢٢.

١٩٣

وجودة القراءة ، وأقبل عليه الطلاب من كل مكان يأخذون عنه. ومن الذين أخذوا عنه القراءة : ولده « أبو الحسن طاهر » وأحمد بن علي الرّبعي ، وأبو جعفر أحمد بن عليّ الأزدي ، وأحمد بن عليّ تاج الأئمة ، وأحمد بن نفيس ، والحسن بن عبد الله الصقلي ، وخلف بن غصن ، وأبو عمر الطلمنكي ، وأبو القاسم عبد الرحمن بن الحسن الأستاذ ، وعبد الرحمن الخزرجي ، وأبو عبد الله محمد بن سفيان ، وأبو الحسين محمد بن قتيبة الصقلي ، ومكي بن أبي طالب.

احتل « أبو الطيب بن غلبون » مكانة سامية ، ومنزلة رفيعة ، واشتهر بالثقة مما جعل العلماء يثنون عليه ، وفي هذا يقول « الإمام أبو عمرو الداني » : كان « أبو الطيب بن غلبون » حافظا للقراءات ضابطا ، ذا عفاف ، ونسك وفضل ، وحسن تصنيف (١).

توفي « أبو الطيب بن غلبون » بمصر في جمادى الأولى سنة تسع وثمانين وثلاثمائة.

رحمه الله رحمة واسعة وجزاه الله أفضل الجزاء.

وبعد حياة حافلة بتعليم القرآن توفي عبد الرحمن الخزرجي سنة ست وأربعين وأربعمائة للهجرة.

رحمه الله رحمة واسعة ، إنه سميع مجيب.

__________________

(١) انظر طبقات القراء لابن الجزري ج ٢ ، ص ٤٧١.

١٩٤

رقم الترجمة / ٥٥

« عبد السّلام بن الحسين » (١) ت ٤٠٥ هـ

هو : عبد السلام بن الحسين بن محمد بن طيفور أبو أحمد البصري ثم البغدادي شيخ عارف ثقة.

ذكره « الذهبي » ت ٧٤٨ ه‍ ضمن علماء الطبقة التاسعة من حفاظ القرآن كما ذكره « ابن الجزري » ت ٨٣٣ ه‍ ضمن علماء القراءات.

ولد « عبد السلام » سنة تسع وعشرين وثلاثمائة بالبصرة. قرأ القرآن على عدد من العلماء وفي مقدمتهم : « الحسين بن إبراهيم الصائغ ، وعلي بن محمد خشنام ، وعلي بن محمد بن صالح الهاشمي ، وعلي بن أبي رجاء ، وأبو العباس الكيّال » وآخرون. كما أخذ « ابن طيفور » حديث الهادي البشير صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن عدد من العلماء وحدّث به ، في هذا يقول « الخطيب البغدادي » : « سكن ابن طيفور بغداد وحدث بها عن محمد إسحاق بن عبّاد التمّار ، وجماعة من البصريين » اهـ.

تصدر « ابن طيفور » لتعليم القرآن ، واشتهر بالثقة وصحة السند ، وجودة القراءة ، وطيب النفس ، وأقبل عليه الطلاب يأخذون عنه القرآن الكريم ، وسنة الهادي البشير صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومن الذين قرءوا عليه : « أبو علي الشرمقاني ، والحسن بن علي العطار ، والحسن بن محمد بن إبراهيم المالكي ، وأبو الحسن الخياط ، وعبد الواحد بن شيطا ، ونصر بن عبد العزيز الشيرازي ، وعبد الملك بن سابور » وآخرون.

__________________

(١) انظر ترجمته في المراجع الآتية :

تاريخ بغداد ج ١١ ، ص ٥٧. نزهة الألباء ص ٣٤٧. الكامل في التاريخ ج ٩ ، ص ٢٥٢. إنباه الرواة ج ٢ ، ص ١٧٥. طبقات القراء ج ١ ، ص ٣٨٥. النجوم الزاهرة ج ٤ ، ص ٢٣٨. بغية الوعاة ج ٢ ، ص ٩٥. القراء الكبار ج ١ ، ص ٣٧٧.

١٩٥

احتل « ابن طيفور » مكانة سامية ، ومنزلة رفيعة ، وسمعة حسنة ، مما استوجب ثناء العلماء عليه ، حول هذه المعاني يقول « الخطيب البغدادي » : « حدثني عنه « عبد العزيز الأزجي » وغيره ، وكان صدوقا ، عالما ، أديبا ، قارئا للقرآن ، عارفا بالقراءات ، وكان يتولى ببغداد النظر في دار الكتب ، وإليه حفظها والإشراف عليها ».

ثم يقول « البغدادي » : سمعت « أبا القاسم عبيد الله بن علي الرقي الأديب يقول : « كان عبد السلام البصري » من أحسن الناس تلاوة للقرآن ، وإنشادا للشعر ، وكان سمحا سخيا ، وربما جاء السائل وليس معه شيء يعطيه فيدفع إليه بعض كتبه التي لها قيمة كثيرة ، وخطر كبير. اهـ.

وقال « الخطيب البغدادي » : حدثني علي بن الحسن التنوخي أن « عبد السلام البصري » توفي من يوم الثلاثاء التاسع عشر من المحرم سنة خمس وأربعمائة. وقال غيره : ودفن في مقبرة الشونيزي عند قبر « أبي علي الفارسي » رحمه الله رحمة واسعة ، وجزاه الله أفضل الجزاء.

١٩٦

رقم الترجمة / ٥٦

« عبد الله بن سهل » (١) ت ٤٨٠ هـ

هو : عبد الله بن سهل بن يوسف أبو محمد الأنصاري الأندلسي المرسي : بضم الميم ، وسكون الراء ، وهي نسبة إلى « مرسية » ، وهي بلدة من بلاد المغرب ، وقد نسب إليها جماعة من العلماء (٢).

وهو من خيرة القراء المشهورين ، المشهود لهم بالثقة والأمانة ، قال عنه « ابن الجزري » : « عبد الله بن سهل مقرئ الأندلس ، استاذ ، ماهر ، محقق ، مصدّر ، ثقة » (٣).

وقال « أبو الأصبغ بن سهل » : « أشكلت عليّ مسائل من علم القرآن ، لم أجد من يشفيني فيها حتى لقيت « أبا محمد بن سهل » (٤).

أخذ « عبد الله بن سهل » القراءة عن مشاهير العلماء وفي مقدمتهم : « أحمد ابن محمد بن عبد الله ، أبو عمر الطلمنكي » ، الأندلسي ، نزيل قرطبة. وهو من القراء المشهود لهم بالثقة وصحة الإسناد.

ولد سنة أربعين وثلاثمائة ، ورحل إلى المشرق فقرأ على الكثيرين ، وفي مقدمتهم : « عمر بن عراك ، وعبد المنعم بن غلبون ».

__________________

(١) انظر ترجمته في المراجع الآتية :

معرفة القراء الكبار ج ١ ، ص ٤٣٦ ـ ورقم الترجمة ٣٧٢. غاية النهاية في طبقات القراء ، ج ١ ، ص ٤٢١ ـ ورقم الترجمة ١٧٨٢. ميزان الاعتدال ج ٢ ، ص ٤٣٧. شذرات الذهب ج ٣ ، ص ٣٦٤.

(٢) انظر : الأنساب للسمعاني ج ٥ ، ص ٢٥٧.

(٣) انظر : غاية النهاية في طبقات القراء ، ج ١ ، ص ٤٢١.

(٤) انظر : معرفة القراء الكبار ج ١ ، ص ٤٣٧.

١٩٧

وبعد أن اكتملت مواهبه ، تصدر لتعليم القرآن ، وحروف القراءات ، وذاع صيته بين الناس ، وأقبل عليه الطلاب من كل مكان يأخذون عنه ، ومن الذين قرءوا عليه : « عبد الله بن سهل ».

توفي « أبو عمر الطلمنكي » في ذي الحجة سنة تسع وعشرين وأربعمائة.

ومن شيوخ « عبد الله بن سهل » في القراءة : « مكي بن أبي طالب بن حموش أبو محمد القيسي » ، القيرواني ، الأندلسي ، وهو من مشاهير القراء المحققين ، ومن الثقات المجوّدين ، ولد سنة خمس وخمسين وثلاثمائة بالقيروان ، ورحل إلى كثير من المدن من أجل العلم وللأخذ عن الشيوخ ، ومن المدن التي رحل إليها : « مكة المكرمة ، مصر ، وبيت المقدس ».

ألّف : « مكي بن أبي طالب » الكثير من الكتب بلغت أكثر من ثمانين كتابا ، قال رحمه‌الله تعالى : « ألفت كتابي « الموجز في القراءات » بقرطبة ، سنة أربع وتسعين وثلاثمائة ، وألفت كتاب « التبصرة » بالقيروان سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة ، وألفت « مشكل الإعراب » في الشام ببيت المقدس سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة ، وألفت باقي تواليفي بقرطبة سنة خمس وتسعين وثلاثمائة (١).

احتلّ « مكيّ بن أبي طالب » منزلة رفيعة بين الناس مما جعل العلماء يثنون عليه ، وفي هذا يقول صاحبه « أحمد بن مهدي المقري » : « كان مكي بن أبي طالب من أهل التبحّر في علوم القرآن ، والعربية ، حسن الفهم والخلق ، جيّد الدين والعقل ، كثير التأليف في علوم القرآن ، محسنا ، مجوّدا ، عالما بمعاني القراءات » (٢).

أخذ « مكي بن أبي طالب » القراءات عن مشاهير علماء عصره ، وفي

__________________

(١) انظر : غاية النهاية في طبقات القراء ج ٢ ، ص ٣١٠.

(٢) انظر : غاية النهاية في طبقات القراء ج ١ ، ص ٥٠٣.

١٩٨

مقدمتهم : « أبو الطيب عبد المنعم بن غلبون » فقد أخذ عنه القراءات بمصر. وبعد أن اكتملت مواهبه تصدّر لتعليم القرآن ، وحروف القراءات ، وذاع صيته بين الناس ، وأقبل عليه الطلاب يأخذون عنه ، وينهلون من علمه ، ومن الذين قرءوا عليه : « عبد الله بن سهل ».

توفي « مكي بن أبي طالب » في المحرم سنة سبع وثلاثين وأربعمائة.

ومن شيوخ « عبد الله بن سهل » في القراءة : « عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد أبو عمرو الداني الأمويّ مولاهم القرطبي ، المعروف في زمانه بابن الصيرفي » ، ولد سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة. وهو من أشهر العلماء في علوم القرآن الكريم ، وأعلاهم إسنادا.

قال رحمه‌الله تعالى : « وابتدأت بطلب العلم في سنة ستّ وثمانين وثلاثمائة ، ورحلت إلى المشرق في سنة سبع وتسعين ، ودخلت مصر في شوّال فمكثت بها سنة ، وحججت ، ودخلت الأندلس في ذي القعدة سنة تسع وتسعين وثلاثمائة ، وخرجت إلى « الثغر » سنة ثلاث وأربعمائة ، فسكنت « سرقسطة » سبعة أعوام ثم رجعت إلى « قرطبة » قال : وقدمت « دانية » سنة سبع عشر وأربعمائة ».

فاستوطنها حتى توفاه الله تعالى.

احتلّ « أبو عمرو الداني » مكانة سامية ، ومنزلة رفيعة بين الجميع ، ولا زالت ذكراه عطرة حتى الآن ، ومصنفاته انتفع بها آلاف طلاب العلم ، والعلماء ، ولو كتبت مؤلفات عن « أبي عمرو الداني » فلن توفيه حقه ، في هذا المقام يقول « ابن بشكوال » :

كان « أبو عمرو الداني » أحد الأئمة في علم القرآن ، ورواياته ، وتفسيره ،

١٩٩

ومعانيه ، وطرقه ، وإعرابه ، وجمع في ذلك تواليف حسانا يطول تعدادها ، وله معرفة بالحديث ، وطرقه ، وأسماء رجاله ، ونقلته ، وكان حسن الخط ، جيّد الضبط من أهل الحفظ ، والذكاء ، والتفنن ، ديّنا ، فاضلا ، ورعا ، سنيّا (١).

وقال « المغامي » : كان « أبو عمرو الداني » مجاب الدعوة ، مالكيّ المذهب ، قرأت بخط شيخنا « الحافظ عبد الله بن محمد بن خليل » رحمه‌الله ، قال بعض الشيوخ ، لم يكن في عصره ، ولا بعد عصره أحد يضاهيه في حفظه ، وتحقيقه ، وكان يقول : « ما رأيت شيئا إلا كتبته ، ولا كتبته إلا حفظته ، ولا حفظته فنسيته. وكان يسأل عن المسألة مما يتعلق بالآثار ، وكلام السلف فيوردها بجميع ما فيها مسندة من شيوخه إلى قائلها » اهـ (٢).

وقال « الإمام ابن الجزري » : سمع « أبو عمرو الداني » الحديث من جماعة ، وبرّز فيه ، وفي أسماء رجاله ، وفي القراءات علما وعملا ، وفي الفقه ، والتفسير ، وسائر أنواع العلوم. ثم يقول « ابن الجزري » :

ومن نظر كتبه علم مقدار الرجل ، وما وهبه الله تعالى فيه ، فسبحان الفتّاح العليم » (٣).

ترك « أبو عمرو الداني » الكثير من المصنفات النافعة المفيدة ، من هذه المصنفات كتابه « جامع البيان » فيما رواه في القراءات السبع ، وكتاب « التيسير » في القراءات السبع ، وهو مشهور لدى علماء القراءات ، وأقول : قد قرأت بمضمّن هذا الكتاب ، والحمد لله رب العالمين ، وأقرأت به تلاميذي.

ومن مصنفاته « كتاب المقنع في رسم المصاحف ، وكتاب المحكم في نقط المصاحف » ، وأقول : هذان الكتابان يعتبران من المراجع الأصيلة في رسم

__________________

(١) انظر غاية النهاية في طبقات القراء ج ١ ، ص ٥٠٤.

(٢) انظر غاية النهاية في طبقات القراء ج ١ ، ص ٥٠٤.

(٣) انظر غاية النهاية في طبقات القراء ج ١ ، ص ٥٠٤.

٢٠٠