معجم حفّاظ القرآن عبر التّاريخ - ج ٢

الدكتور محمّد سالم محيسن

معجم حفّاظ القرآن عبر التّاريخ - ج ٢

المؤلف:

الدكتور محمّد سالم محيسن


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٦
الجزء ١ الجزء ٢

ومن شعره أيضا :

ثلاث من الدنيا إذا هي أقبلت

لشخص فلا يخشى من الضرّ والضير

غنى عن بنيها والسلامة منهم

وصحّة جسم ثم خاتمة الخير

وكان رحمه‌الله تعالى مصمما على عدم الدخول في القضاء ، ثم شاء الله تعالى أن ولاه « المؤيّد بالله » الحكم في بعض القضايا ، ثم عرض عليه الاستقلال به ، وألزم من أحبائه بقبوله فقبل ، واستقرّ في القضاء من شهر المحرّم سنة سبع وعشرين وثمان مائة ، بعد أن كان يعرض عليه قبل ذلك وهو يأبى ، ثم ندم على ذلك ، وتزايد ندمه على القبول ، وصرّح بأنه جنى على نفسه بذلك ، ولم يلبث أن صرف عنه ، ثم اعيد إليه ، ولا يزال كذلك إلى أن أقلع عنه في جمادى الآخرة سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة ، ثم زهد في القضاء زهدا كبيرا من كثرة ما توالى عليه من المحن والإنكار بسببه ، وصرح بأنه لم يبق في بدنه شعرة تقبل اسم القضاء.

قال تلميذه « الإمام السخاوي » : « وجميع مدد قضائه إحدى وعشرون سنة ، ثم انقطع للعلم فبرز فيه ، وبعد صيته ، ورحل الأئمة إليه ، ونزح إليه التلامذة من كل قطر للتزوّد منه. فكان رئيس العلماء من كل مذهب ، وبكل قطر ، وانتشرت جملة من تصانيفه في حياته ، وأقرأ الكثير منها ، وتهادتها الملوك ، وكتبها الأكابر ، وسارت في كل قطر مسير الشمس ، ولو لم يكن له إلا شرح البخاري لكان كافيا في علوّ قدره » اهـ (١).

ولما كمّل شرح البخاري تصنيفا ، وقراءة ، عمل رحمه‌الله تعالى وليمة عظيمة بالمكان الذي بناه « المؤيد بالله » خارج القاهرة في يوم السبت ثامن شعبان سنة اثنتين وأربعين وثمان مائة.

__________________

(١) انظر مقدمة الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ج ١ ، ص ١٢.

٤١

وقرأ رحمه‌الله تعالى المجلس الأخير هنالك ، وجلس « ابن حجر » على الكرسي.

قال تلميذه « السخاوي » : « وكان يوما مشهودا لم يعهد أهل العصر مثله بمحضر من العلماء ، والقضاة ، والرؤساء ، والفضلاء ، وقال الشعراء في ذلك فأكثروا ، وفرّق عليهم الذهب » (١).

وقد شهد له شيخه « العراقي » بأنه أعلم أصحابه بالحديث.

وقال كلّ من « التقيّ الفاسي والبرهان الحلبي » : ما رأينا مثله وفيه يقول « التقيّ بن فهد » : هو علامة حافظ محقق ، متين الديانة ، حسن الأخلاق ، لطيف المحاضرة ، جيّد التعبير ، عديم النظير ، لم تر العيون مثله (٢).

وتجمع كتب التراجم على أن « ابن حجر » تصدى لنشر الحديث وقصر نفسه عليه مطالعة ، وإقراء ، وتصنيفا ، وتفرد بذلك ، وشهد له بالحفظ والاتقان القريب والبعيد ، والعدوّ والصديق ، حتى صار إطلاق لفظ الحافظ عليه كلمة إجماع.

وزادت تصانيف « ابن حجر » على مائة وخمسين مصنفا ، وفيها يقول « التقيّ بن فهد » إن أولاها في التقديم « فتح الباري شرح البخاري » في بضعة عشر مجلدا ، ومقدمة في مجلّد ضخم يشتمل على جميع مقاصد الشرح سوى الأسئلة فإنها حذفت منها.

و « فتح الساري لمقدمة فتح الباري » و « تهذيب التهذيب » وهو اختصار « لتهذيب الكمال » للمزّي ، مع زيادات كثيرة عليه تقرب من ثلث المختصر ، ثم لخصه في مجلد سمّاه : « تقريب التهذيب » وكتاب « الإصابة في تمييز

__________________

(١) انظر البدر الطالع ج ١ ، ص ٩٠.

(٢) انظر مقدمة الدرر الكامنة ج ١ ، ص ١٢.

٤٢

الصحابة » و « مسند الشافعي » وأحمد والدارمي ، وابن خزيمة » و « منتقى » ابن الجارود ، وابن حبّان ، و « المستخرج » لأبي عوانة ، و « المستدرك » للحاكم ، و « شرح معاني الآثار » للطحاوي ، و « السنن » للدارقطني و « لسان الميزان » ، و « الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة » و « الأحكام لبيان ما في القرآن » و « الاستدراك على تخريج أحاديث الإحياء » ، و « تحفة أهل الحديث عن شيوخ الحديث » ، و « رفع الإصر عن قضاة مصر » وغير ذلك من الكتب النافعة ، والرسائل المفيدة.

ولم يزل « ابن حجر » على جلالة قدره في العلم ، ومداومته على أنواع الخيرات ، حتى لفظ آخر أنفاسه بمنزله بعد العشاء من ليلة السبت ثامن عشر ذي الحجة سنة اثنتين وخمسين وثمان مائة. وكان من بين من حضر الصلاة عليه السلطان « الملك الظاهر جقمق » وأتباعه.

رحم الله « ابن حجر » رحمة واسعة ، وجزاه الله أفضل الجزاء.

٤٣

رقم الترجمة / ١٤

« أحمد بن حسين » (١) ت ٨٤٤ هـ

هو : أحمد بن حسين بن حسن بن علي بن أرسلان أبو العباس الرملي الشافعي ، نزيل بيت المقدس. القارئ ، المحدث ، المفسّر ، النحوي ، اللغوي ، الثقة ، المؤلف.

ولد سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة ، وقيل سنة خمس وسبعين وسبعمائة ، بالرملة ، ونشأ بها.

وحفظ القرآن وهو ابن عشر سنين ، ثم اشتغل بتحصيل النحو ، واللغة ، والشواهد. فقرأ كتاب « الحاوي » على « القلقشندي ، وابن الهائم » كما أخذ عن « القلقشندي » علم الفرائض.

وبعد أن كملت مواهبه تولى التدريس بالخاصية ، ودرّس بها مدّة ثم تركها ، وأقبل على الله تعالى ، وعلى العمل تبرعا لله تعالى.

كما أخذ « أحمد بن حسين » الحديث ، والفقه ، والتفسير ، وأصول الفقه عن عدد من العلماء ، وهكذا كان كل همّه تحصيل العلم حتى صار إماما في كثير من العلوم ، مع شدة حرصه على سائر أنواع الطاعات لله تعالى آخذا على أيدي الظلمة ، لا يهمّه في الله لومة لائم ، تاركا لقبول ما يعرض عليه من حطام الدنيا ووظائفها.

ومما يدلّ على شدّة عزوفه عن الدنيا أن « الأمير حسام الدين » جدّد بالقدس مدرسة ، وعرض عليه مشيختها فأبى ، بل كان يمتنع من أخذ ما

__________________

(١) انظر ترجمته في البدر الطالع ج ١ ، ص ٤٩. ورقم الترجمة ٣٠.

وانظر الضوء اللامع ج ١ ، ص ٢٨٢.

٤٤

يرسل به « الأمير حسام الدين » وغيره إليه من المال ليفرقه على الفقراء.

لقد كان كل اتجاهه إلى المحافظة على الأمر بالمعروف ، والنهي عند المنكر ، والإعراض عن الدنيا ، وما زال في ازدياد من الخير والعلم حتى صار المشار إليه بالزهد والتقوى.

احتلّ « أحمد بن حسين » مكانة مرموقة بين الناس مما جعلهم يثنون عليه ، ومن هذا يقول « الإمام السخاوي » : هو في الزهد ، والورع ، والتقشف ، وإتباع السنة ، وصحة العقيدة كلمة إجماع ، بحيث لا أعلم في وقته من يدانيه في ذلك ، وانتشر ذكره ، وبعد صيته ، وشهد بخيره كل من رآه. اهـ (١).

وقال عنه « ابن أبي عذيبة » : كان « أحمد بن حسين » شيخا طويلا ، تعلوه صفرة ، حسن المأكل والملبس ، والملتقى ، له دعوات مستجابات. اهـ (٢).

اشتغل « أحمد بن حسين » بالتصنيف ، وترك للمكتبة الإسلامية ، بعض المصنفات منها : كتاب في التفسير ، وشرح لسنن « أبي داود » في أحد عشر مجلدا ، ومختصر « ابن الحاجب » في أصول الفقه. وله منظومة في القراءات الثلاث الزائدة على القراءات السبع.

وما زال على وصفه الجميل حتى توفاه الله تعالى يوم الأربعاء ، رابع عشر شعبان سنة أربع وأربعين وثمان مائة.

حكى « الإمام السخاوي » : أنه لما ألحد في القبر ، سمعه الحفّار يقول : « رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين ».

رحمه الله رحمة واسعة ، وجزاه الله أفضل الجزاء.

__________________

(١) انظر البدر الطالع للشوكاني ج ١ ، ص ٥٠.

(٢) انظر البدر الطالع للشوكاني ج ١ ، ص ٥٠.

٤٥

رقم الترجمة / ١٥

« أحمد بن الحسين » (١)

هو : أحمد بن الحسين بن علي زبارة ؛ بفتح الزاي بعدها باء موحدة وبعد الألف راء مهملة. نسبة إلى محل يقال له : زبار في بلاد حولان.

وهو من علماء القراءات المشهود لهم بالثقة ، ومن الفقهاء وعلماء الأصول. ولد سنة ست وستين ومائة وألف ، وقرأ على مشايخ صنعاء ، ومن جملة مقروءاته « القراءات السبع » تلاها على الشيخ العلاّمة « هادي بن حسين » وقرأ النحو ، والصرف ، والمعاني ، والبيان ، والأصول على عدد من مشايخ صنعاء وفي مقدمتهم : العلامة الحسن بن إسماعيل المغربي ، وقرأ الفقه على الفقيه الشيخ أحمد بن عامر ، والشيخ سعيد بن إسماعيل الرشيدي. وقرأ في الحديث على الشيخ الحسين بن يحيى الديلمي ، وفي التفسير على الشيخ المغربي.

وبرع في أكثر هذه المعارف ، وأفتى ، ودرّس ، وصار من شيوخ العصر يقول « الإمام الشوكاني » عنه : ورافقني في قراءة التفسير على شيخنا المغربي ، وحضر في قراءة الطلبة عليّ في شرحي للمنتقى ، وطلب مني إجازته له ، وقد جاء في طلبه الإجازة النظم الآتي :

قاضي المسلمين جد بالإجازة

في علوم مسموعة مجازه

من كتاب وسنة وأصول

شاملات حقيقة مجازه

عن رءوس في العلم كانوا رواسي

يعجز الطير في التعالي مجازه

ثم يقول « الشيخ الشوكاني » : « وقد كنت في أيام الصغر حضرت عنده وهو يقرأ في شرح « الفاكهي » للملحة ، وهو أكبر مني ، فإنه كان إذ ذاك في

__________________

(١) انظر ترجمته في البدر الطالع ج ١ ، ص ١٣٠ ورقم الترجمة ٨١.

٤٦

نحو ثلاثين سنة ، وهو حسن المحاضرة ، جميل المروءة ، كثير التواضع ، لا يعدّ نفسه شيئا ، يعتريه في بعض الحالات حدّة ثم يرجع سريعا وقد يقهرها بالحلم ، وليس بمتصنع في ملبسه وجميع شئونه ، وبيني وبينه مجالسة ومؤانسة ، ومحبّة أكيدة من قديم الأيام ، ولما كان شهر رجب سنة ١٢١٣ ه‍ صار قاضيا من جملة قضاة الحضرة المنصورية ، وعظمه الإمام تعظيما كبيرا بعد أن أشرت عليه وعرفته بجليل مقداره » (١).

وقد ترجم له « السيد الحافظ عبد الكريم » ، فقال : هو السيد المحقق المدقق المجتهد ، إمام الفروع والأصول ، والحديث ، والتفسير ، والنحو ، والصرف ، واللغة ، بلا منازع ولا مدافع.

أخذ العلم عن أبيه العلامة « يوسف بن الحسين زبارة » وغيره ، وعليه مدار أسانيد كتب أصحابنا ، والبخاري ، ومسلم ، وسائر الأمهات ، والمسانيد ، وكان مواظبا على الدرس والتدريس ، وتعلق بالقضاء ، فلم يمنعه ذلك من نشاطه وعلوّ همّته. وقد أخذ عنه جماعة من علماء « صنعاء » كالإمام الناصر عبد الله ابن الحسن بن أحمد بن المهدي ، وغيره.

وجلّ علماء صنعاء عالة عليه ، وله رسائل ، ومسائل ، وأجوبة مفيدة نافعة ، وأجلّها مؤلفه الذي كمّل به « كتاب الاعتصام » للإمام المنصور بالله القاسم ابن محمد ، لأن الإمام القاسم رحمه‌الله إنما بلغ فيه إلى آخر كتاب الصيام فأكمله من كتاب الحج ، إلى كتاب السّير فجاء كتابا نفيسا ، سلك فيه مسلك الإمام القاسم في نقل الحديث أولا من كتب الأئمة من أهل البيت وشيعتهم ، ثم من كتب المحدثين مع بيان ما يحتاج إلى البيان ، وهو أكبر دليل على شدة اطّلاعه ، وقوة ساعده ، وباعه ، وسمّى هذه التتمة « أنوار التمام المشرقة بضوء الاعتصام ». ولم يزل ملازما للتدريس بجامع « صنعاء » حتى توفاه الله تعالى

__________________

(١) انظر هامش الضوء اللامع ج ١ ، ص ١٣٠.

٤٧

سعيدا حميدا. اهـ (١).

وقد أثنى عليه بعض العلماء بقوله : « السيد أحمد بن يوسف ، اشتغل بعلم القراءات السبع ، ومهر في الفروع ، وحقق فيها تحقيقا شافيا واشتغل بالآلات ، وأصول الديانات ، وحقق في النحو تحقيقا بديعا وشارف على المنطق وأصول الفقه ، ثم مال إلى كتب السنة فراجعها ، وأخذ عن أكبر الشيوخ ، ولزم حضرة الحافظ عبد الله بن محمد الأمير ، رحمه‌الله » (٢).

__________________

(١) انظر هامش الضوء اللامع ج ١ ، ص ١٣٠.

(٢) انظر هامش الضوء اللامع ج ١ ، ص ١٣٠.

٤٨

رقم الترجمة / ١٦

« أحمد بن رجب » (١) ت ٨٥٠ هـ

هو : أحمد بن رجب بن طيبغا المجدي بن الشهاب القاهري ، الشافعي ، وهو من القراء ، والفقهاء ، واللغويين.

ولد سنة سبع وستين وسبعمائة بالقاهرة ، ونشأ بها ، وحفظ القرآن على خيرة العلماء.

ثم اتجه لتحصيل العلم ، فأخذ عن خيرة العلماء الكثير من العلوم. فأخذ عن « التّقي بن عز الدين الحنبلي » الفرائض ، والحساب ، وأخذ علوم العربية عن « الشمس العجيمي ».

ثم جدّ في طلب العلم واجتهد ، وتقدم في الفنون مع ذكاء مفرط ، وصار رأسا في أنواع الحساب ، والهندسة ، والهيئة ، والفرائض وأشير إليه بالتقدم في كثير من العلوم ، وانتفع به الكثيرون ، ولازموه وأخذوا عنه.

ثم عيّن مدرسا بالمدرسة الجانبكية ، واشتهر عنه أنه كان يقدّم الكثير من المساعدات إلى الطلبة الفقراء. واشتهر عنه أيضا التواضع ، والأمانة ، والسمت الحسن ، مع إيراد النكتة النادرة اللطيفة.

وكان رحمه‌الله تعالى يفضل البعد عن الناس ، ويفضل المكث في بيته الذي كان بجوار الأزهر.

وله شعر جيّد ، ومما أثر عنه قوله :

__________________

(١) انظر ترجمته في البدر الطالع ج ١ ، ص ٥٦ ؛ ورقم الترجمة ٣٤. والضوء اللامع ج ١ ، ص ٣٠٠.

٤٩

فقلت للقلب لما ضاق مضطربا

وخانني الصبر والتفريط والجلد

دعها سماوية تجري على قدر

لا تعترضها بأمر منك تنفسد

فخصّني بخفيّ اللطف خالقنا

نعم الوكيل ونعم العون والمدد

اشتغل « أحمد بن رجب » بالتصنيف ، ومن مصنفاته : « إبراز لطائف الغوامض في إحراز صناعة الفرائض » ، « إرشاد الحائر في العمل بربع الدوائر » ، « المنهل العذب الزلال في معرفة حساب الهلال » ، « استخراج التواريخ بعضها من بعض ». إلى غير ذلك من التصانيف المفيدة.

وما زال مستمرا على حاله الحسن الجميل حتى توفاه الله تعالى ليلة السبت حادي عشر ذي القعدة سنة خمسين وثمانمائة.

رحمه الله رحمة واسعة ، وجزاه الله أفضل الجزاء.

٥٠

رقم الترجمة / ١٧

« أحمد بن رضوان » (١) ت ٤٢٣ هـ

هو : أحمد بن رضوان بن محمد بن جالينوس بن إسحاق بن عطية بن عبد الله بن سعد التميمي أبو الحسن الصيدلاني البغدادي.

ذكره « الذهبي » ت ٧٤٨ ه‍ ، ضمن علماء الطبقة العاشرة من حفاظ القرآن. كما ذكره « ابن الجزري » ت ٨٣٣ ه‍ ، ضمن علماء القراءات.

أخذ « أحمد بن رضوان » القراءة عن خيرة العلماء وفي مقدمتهم : « أبو الحسن بن العلاف ، وأبو الفرج النهرواني ، وبكر بن شاذان ، وإبراهيم بن أحمد الطبري ، وأبو الحسن الحمامي ». كما أخذ « أحمد بن رضوان » حديث الهادي البشير صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن عدد من العلماء.

وفي هذا يقول « الخطيب البغدادي » : « سمع أبا طاهر المخلص ، وأبا القاسم الصيدلاني ، ومن بعدهما ، وكان آخر القراء المذكورين بحسن الحفظ ، وإتقان الروايات ، وضبط الحروف ، وله في ذلك تصانيف ». اهـ.

تصدّر « أحمد بن رضوان » لتعليم القرآن ، وأقبل عليه الطلاب ، يأخذون عنه وفي مقدمة هؤلاء : « عبد السيّد بن عتاب » فقد قرأ عليه القراءات بمضمن كتاب الواضح في القراءات العشر ، كما حدث عنه ولده « أبو طاهر ابن أحمد بن رضوان ».

وكان « ابن رضوان » من خيرة علماء القراءات ضبطا وإتقانا. وقد صنف

__________________

(١) انظر ترجمته في المراجع الآتية :

تاريخ بغداد ج ٤ ، ص ١٦١. غاية النهاية في طبقات القراء ج ١ ، ص ٥٤. معرفة القراء الكبار ج ١ ، ص ٣٨٧.

٥١

من ذاك كتاب « الواضح في القراءات العشر ».

احتل « ابن رضوان » مكانة سامية بين العلماء مما استوجب الثناء عليه وفي هذا يقول « الحافظ الذهبي » : « أنبأنا المسلّم بن محمد ، أخبرنا الكندي ، أخبرنا القزّاز ، حدثنا « أبو بكر الخطيب » في تاريخه قال : كان أحمد بن رضوان ، أحد القراء المذكورين بإتقان الروايات ، له في ذلك تصانيف ، توفي وهو شاب ، وقد كان الناس يقرءون عليه حياة « الحمامي » لعلمه ، حضرته ليلة في الجامع فقرأ فيها ختمتين قبل أن يطلع الفجر » اهـ (١).

إنه لعمل جليل يغبط عليه ، إذ كان يقرأ ختمتين كاملتين في ليلة واحدة ، وقد أخبر الصادق الأمين عليه الصلاة والسلام بأن من قرأ شيئا من القرآن كان له بكل حرف عشر حسنات ، من هذا يتبين مدى الأجر العظيم الذي فاز به « ابن رضوان » فهنيئا له بهذا الثواب الجزيل.

كما أثنى عليه « ابن الجزري » حيث قال : « أحمد بن رضوان الأستاذ أبو الحسن الصيدلاني البغدادي حاذق متقن » اهـ (٢).

توفي « ابن رضوان » سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة من الهجرة.

رحمه الله رحمة واسعة إنه سميع مجيب.

__________________

(١) انظر معرفة القراء الكبار ج ١ ، ص ٣٨٧.

(٢) انظر طبقات القراء ج ١ ، ص ٥٤.

٥٢

رقم الترجمة / ١٨

« أحمد بن سليمان الطّنجي » (١) ت ٤٤٦ هـ

هو : أحمد بن سليمان بن أحمد أبو جعفر الكتّاني : بفتح الكاف ، وتشديد التاء المفتوحة ، وهذه النسبة إلى « الكتان » المشهور. الأندلسي الطنجي : بفتح الطاء المهملة ، وسكون النون ، نسبة الى « طنجة » من بلاد المغرب.

رحل إلى كثير من المدن والبلاد. يعرف بابن أبي الربيع ، أحد القراء بالأندلس ، وحجة القراءات بها.

أخذ « أحمد الطنجي » القراءة على خيرة العلماء.

ذكره « الذهبي » ت ٧٤٨ ه‍ ، ضمن علماء الطبقة العاشرة من حفاظ القرآن. كما ذكره « ابن الجزري » ت ٨٣٣ ه‍ ، ضمن علماء القراءات.

وفي مقدمة شيوخ « أحمد الطنجي » الذين أخذ عنهم القراءات : محمد بن علي بن أحمد بن محمد أبو بكر الأذفوي المصري ، وأذفو : بضم الهمزة ، وسكون الذال المعجمة ، وفاء ، مدينة حسنة بالقرب من « أسوان » من مدن « مصر ».

ولد « الأذفوي » سنة أربع وثلاثمائة ، وتوفي سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة. أخذ « أبو بكر الأذفوي » القراءة عرضا عن « المظفر بن أحمد بن حمدان » وسمع الحروف من « أحمد بن إبراهيم بن جامع ، وسعيد بن السكن ، والعباس ابن أحمد ، ولزم « أبا جعفر النحاس » وروى عنه كتبه.

وروى عنه القراءة « محمد بن الحسين بن النعمان ، والحسن بن سليمان ، وعبد

__________________

(١) انظر ترجمته في المراجع الآتية :

معرفة القراء الكبار للذهبي ج ١ ، ص ٣٩٧. طبقات القراء لابن الجزري ج ١ ، ص ٥٨.

٥٣

الجبّار بن أحمد الطرسوسي ، وابنه أبو القاسم ، وعتبة بن عبد الملك ، وأبو الفضل الخزاعي ».

بلغ « أبو بكر الأذفوي » مكانة مرموقة مما استوجب ثناء العلماء عليه ، يقول « الإمام الداني » ت ٤٤٤ ه‍ :

« انفرد « الأذفوي » بالإمامة في دهره في قراءة « نافع » رواية « ورش » مع سعة علمه ، وبراعة فهمه ، وصدق لهجته ، وحسن اطلاعه ، وتمكنه من علم العربية ، وبصره بالمعاني » (١).

وقال « الحافظ الذهبي » ت ٧٤٨ ه‍ : « برع أبو بكر الأذفوي في علوم القرآن ، وكان سيّد أهل عصره بمصر ، له كتاب التفسير في مائة وعشرين مجلدا » (٢) سمّاه « الاستغناء في علوم القرآن » ألفه في اثنتي عشرة سنة ، توفي « الأذفوي » بمصر يوم الخميس لسبع خلون من ربيع الأول سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة من الهجرة.

ومن شيوخ « أحمد الطنجي » : عبد المنعم بن عبيد الله بن غلبون ، أبو الطيب الحلبي نزيل مصر ، وهو أستاذ ماهر ، كبير ، محرر ضابط ، ثقة صالح ، ديّن.

ولد « عبد المنعم بن غلبون » ليلة الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من رجب سنة تسع وثلاثمائة بحلب ، وانتقل إلى « مصر » فسكنها.

روى القراءة عرضا وسماعا عن « إبراهيم بن عبد الرزاق ، وإبراهيم بن محمد ابن مروان ، وأحمد بن محمد بن بلال ، ومحمد بن أحمد بن إبراهيم البغدادي ، وأحمد بن الحسين النحوي ، وأحمد بن موسى ، وجعفر بن سليمان ، والحسين بن

__________________

(١) انظر طبقات القراء لابن الجزري ج ٢ ، ص ١٩٨.

(٢) انظر طبقات القراء لابن الجزري ج ٢ ، ص ١٩٩.

٥٤

خالويه ، والحسن بن حبيب الحصائري ، وصالح بن إدريس ، وعبد الله بن أحمد ابن الصقر ، وعلي بن محمد المكي ، وعمر بن بشران ، ومحمد بن جعفر الفريابي ، ومحمد بن علي العطوفي ، ويحيى بن بذي ، ونجم بن بدر ، وصالح بن إدريس ، ونصر بن يوسف ، ونظيف بن عبد الله ، ومحمد بن سنان ، بواسطة إبراهيم بن عبد الرزاق.

وأخذ القراءات عن « عبد المنعم بن غلبون » عدد كبير ، وفي مقدمتهم : ولده أبو الحسن طاهر ، وأحمد بن علي الرّبعي ، بفتح الباء ، نسبة إلى « ربيعة ابن نزار » وأبو جعفر أحمد بن علي الأزدي ، وأحمد بن عليّ تاج الأئمة ، وأحمد بن نفيس ، والحسن بن عبد الله الصقلي ، وخلف بن غصن ، وأبو عمر الطلمنكي ، وأبو القاسم عبد الرحمن بن الحسن الأستاذ ، وأبو عبد الله محمد بن سفيان ، وأبو الحسين محمد بن قتيبة الصقلي ، وأبو عبد الله مسلم شيخ غالب بن عبد الله ، ومكي بن أبي طالب القيسي ، وأحمد بن الربيع الطنجي.

صنف « طاهر بن غلبون » كتاب « الإرشاد » في القراءات السبع ، وهو الآن تحت التحقيق والإخراج.

احتلّ « طاهر بن غلبون » مكانة سامية مما استوجب ثناء العلماء عليه ، يقول « الحافظ أبو عمرو الداني » ت ٤٤٤ ه‍ :

كان « طاهر بن غلبون » حافظا للقراءة ، ذا عفاف ونسك ، وفضل ، وحسن تصنيف (١).

تصدر « أحمد الطنجي » لتعليم القرآن ، وأقرأ الناس « ببجانة » وهي مدينة بالأندلس من أعمال « كورة البيرة » بينها وبين « المرية » فرسخان ، والمريّة بفتح الميم وكسر الراء ، وتشديد الياء.

__________________

(١) انظر طبقات القراء لابن الجزري ج ١ ، ص ٤٧١.

٥٥

وعمّر دهرا طويلا ، ومن الذين أخذوا عنه القراءة : موسى بن سليمان أبو عمران اللخمي ، المقرئ نزيل « المريّة » وهو مقرئ مشهور له أسانيد في قراءته ، فقد قرأ ايضا على « مكي بن أبي طالب حموش ، وأحمد بن الربيع صاحب السامري » وتتلمذ عليه الكثيرون ، ومن تلاميذه : « أحمد بن عبد الرحمن القصبي ، وو عبد الرحيم بن الفرس الغرناطي ، ومحمد بن الحسن بن غلام الفرس » ، وكان عالي الإسناد.

قال « ابن بشكوال » : توفي « أحمد بن الربيع الطنجي » سنة ستة وأربعين وأربعمائة من الهجرة بالمرية.

رحمه الله رحمة واسعة ، وجزاه الله أفضل الجزاء.

٥٦

رقم الترجمة / ١٩

« أحمد بن عبد الله » (١) ت ٨٢٢ هـ

هو : أحمد بن عبد الله بن بدر بن مفرح الغزّي ثم الدمشقي الشافعي ، وهو من القراء والفقهاء ، والمحدثين ، والمؤلفين.

ولد في ربيع الأول سنة سبعين وسبعمائة بغزّة ، ونشأ بها ، فحفظ القرآن ، ثم أخذ عن قاضيها « العلاء علي بن خلف » وسمع عليه صحيح البخاري.

ثم رحل إلى « دمشق » بعد الثمانين ، فاستقر بها ، وأخذ بها العلم عن جماعة من أهلها. ثم رحل إلى « القدس » فأخذ عن « التقيّ القلقشندي ». وبرع في الفقه ، وأصوله ، وشارك في غيرهما من العلوم ، مع مذاكرة حسنة في الحديث ، ومتعلقاته.

وناب في الحكم عن « الشمس الإخنائي » وولّي إفتاء دار العدل.

كما اشتغل بالتدريس في عدة أماكن ، واشتهر برئاسة الفتوى بدمشق. كما تصدر للإقراء وتعليم القرآن.

احتل « أحمد بن عبد الله » مكانة سامية ، ومنزلة رفيعة ، مما جعل العلماء يثنون عليه ، وفي هذا يقول « الإمام الشوكاني » :

لم يبق في أواخر عمره من يقاربه ، وله تصانيف منها : « شرح الحاوي الصغير » في أربعة مجلدات ، و « شرح جمع الجوامع » في أصول الفقه. وشرح مختصر المهمات للأسنوي في خمسة أسفار ، وحج من دمشق غير مرّة وجاور بمكة ثلاث سنين متفرقة ، وكانت وفاته بها مبطونا في ظهر يوم الخميس

__________________

(١) انظر ترجمته بالبدر الطالع ج ١ ، ص ٧٥ ورقم الترجمة ٤٢.

٥٧

سادس شوال سنة اثنين وعشرين وثمان مائة وصلّي عليه عند « باب الكعبة » ودفن في مقبرة « المعلى » (١).

قال « ابن حجر » (٢) في أنبائه : وبلغني أن صديقه « النجم المرجاني » رآه في النوم فقال له : ما فعل الله بك؟ فتلا عليه قول الله تعالى ( يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ) (٣).

رحم الله « أحمد بن عبد الله » رحمة واسعة ، وجزاه الله أفضل الجزاء.

__________________

(١) انظر البدر الطالع ج ١ ، ص ٧٥.

(٢) انظر البدر الطالع ج ١ ، ص ٧٥.

(٣) سورة يس الآيتان ٢٦ و ٢٧.

٥٨

رقم الترجمة / ٢٠

« أحمد بن عرب شاه » (١) ت ٨٥٤ هـ

هو : أحمد بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن أبي نصر بن عرب شاه الدمشقي الأصل ، الرومي الحنفي ، ويعرف بالعجمي ، وبابن عرب شاه ، وهو الأكثر. وهو من القراء ، والفقهاء ، والأدباء ، والمؤلفين.

ولد ليلة الجمعة منتصف ذي القعدة سنة إحدى وتسعين وسبعمائة بدمشق ، ونشأ بها ، فقرأ « القرآن » على « الزين عمر بن اللبّان المقري ».

ثم تحوّل في سنة ثلاث وثمان مائة في زمن الفتنة مع أمه وإخوته إلى « سمرقند » ثم رحل بمفرده وأقام ببلاد ما وراء النهر ، وأخذ عن الشيخين الجليلين : « السيد محمد الجرجاني ، وابن الجزري » وهما نزيلا « سمرقند ».

واشتهر ذكره وبرع في الفنون.

ثم توجّه إلى « خوارزم » فأخذ بعض العلوم عن « نور الله ، وأحمد بن شمس الأئمة » ثم قطع بحر الروم إلى مملكة « ابن عثمان » فأقام بها نحو عشر سنين ، وفي هذه البلاد لمع نجمه ، وذاع صيته ، فترجم للملك غياث الدين أبي الفتح محمد بن أبي يزيد كتاب « جامع الحكايات ولامع الروايات » من الفارسيّة إلى التركيّة في نحو ستة مجلدات ، وتفسير « أبي الليث السمرقندي » ، وباشر عند « الملك غياث الدين » ، وكتب عنده إلى ملوك الأطراف عربيا ، وشاميّا وتركيّا ، ومغوليّا ، وعجميّا ، كل ذلك مع حرصه على الاستفادة من العلماء والاستزادة من الأخذ عنهم ، فقرأ كتاب « المفتاح » على « البرهان الحوفي » وأخذ عنه أيضا العربية.

__________________

(١) انظر ترجمته في البدر الطالع ج ١ ، ص ١٠٩. ورقم الترجمة ٦٨.

٥٩

ولما مات « الملك غياث الدين » رجع إلى وطنه القديم ، فدخل « حلب » فأقام بها نحو ثلاث سنين ، وكان دخوله إليها في جمادى الآخرة ، سنة خمس وعشرين وثمانمائة ، وأقام في « حانوت مسجد القصب ».

وانتهز هذه الفرصة فقرأ على « القاضي شهاب الدين الحنبلي » صحيح مسلم في سنة ثلاثين وثمانمائة.

ولما قدم « العلاء البخاري » سنة اثنتين وثلاثين وثمان مائة مع الركب الشامي من الحجاز انقطع إليه ولازمه في الفقه ، وعلوم البلاغة المعاني والبيان وغير ذلك حتى مات.

ومع أن « أحمد بن عرب شاه » برع في كثير من العلوم إلا أنه كان مع ذلك يقول الشعر ، ومن نظمه :

قميص من القطن من حلة

وشربة ماء قراح وقوت

ينال بها المرء ما يبتغي

وهذا كثير على من يموت

ومن نظمه أيضا :

فعش ما شئت في الدنيا وأدرك

بها ما شئت من صيت وصوت

فحبل العيش موصول بقطع

وخيط العمر مقصود بموت

ومنه أيضا :

وما الدهر إلا سلم فيقدّر ما

يكون صعود المرء فيه هبوطه

وهيهات ما فيه نزول وإنما

شروط الذي يرقى إليه سقوطه

فمن صار أعلى كان أوفى تهشّما

وفاء بما قامت عليه شروطه

احتل « أحمد بن عرب شاه » مكانة سامية بين الناس مما جعلهم يثنون عليه ويعترفون بفضله ، وفي هذا يقول « الإمام الشوكاني » : « وأشير إليه بالفضيلة ،

٦٠