تفسير البغوي - ج ٥

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي

تفسير البغوي - ج ٥

المؤلف:

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي


المحقق: عبدالرزاق المهدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٣

سعيد الهيثم بن كليب الشاشي أنا أبو عيسى الترمذي أنا محمد بن إسماعيل ثنا آدم بن أبي إياس ثنا شيبان أبو معاوية ثنا عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ساعة لا يخرج فيها ولا يلقاه فيها أحد ، فأتاه أبو بكر فقال : «ما جاء بك يا أبا بكر»؟ فقال : خرجت لألقى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وانظر إلى وجهه وللتسليم عليه ، فلم يلبث أن جاء عمر ، فقال : «ما جاء بك يا عمر»؟ قال : الجوع يا رسول الله ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وأنا قد وجدت بعض ذلك» ، فانطلقوا إلى منزل أبي الهيثم بن التيهان الأنصاري ، وكان رجلا كثير النخل والشاء ، ولم يكن له خدم فلم يجدوه فقالوا لامرأته : أين صاحبك؟ فقالت : انطلق ليستعذب لنا الماء ، فلم يلبثوا أن جاء أبو الهيثم بقربة زعبها ماء فوضعها ، ثم جاء يلتزم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويفديه بأبيه وأمه ، ثم انطلق بهم إلى حديقته فبسط لهم بساطا (١) ، ثم انطلق إلى نخلة فجاء بقنو فوضعه ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أفلا تنقيت لنا من رطبه وبسره» ، فقال : يا رسول الله إني أردت أن تتخيروا من رطبه وبسره ، فأكلوا وشربوا من ذلك الماء ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هذا والذي نفسي بيده من النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة ، ظل بارد ورطب طيب وماء بارد» ، فانطلق أبو الهيثم ليصنع لهم طعاما فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تذبحن ذات در» ، فذبح لهم عناقا أو جديا فأتاهم بها ، فأكلوا ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هل لك خادم؟ قال : لا ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فإذا أتانا صبي فأتنا» ، فأتي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم برأسين ليس معهما ثالث ، فأتاه أبو الهيثم فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اختر منهما» ، فقال : يا نبي الله اختر لي ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن المستشار مؤتمن ، خذ هذا فإني رأيته يصلي واستوص به معروفا» فانطلق به أبو الهيثم إلى امرأته فأخبرها بقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالت امرأته : ما أنت ببالغ فيه ما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا أن تعتقه ، قال : فهو عتيق ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله تبارك وتعالى لم يبعث نبيا ولا خليفة إلا وله بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر ، وبطانة لا تألوه إلا خبالا ، ومن يوق بطانة السوء فقد وقي».

وروي عن ابن عباس قال : النعيم صحة الأبدان والأسماع والأبصار يسأل الله العبيد فيم استعملوها ، وهو أعلم بذلك منهم ، وذلك قوله : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) (٣٦) [الإسراء : ٣٦] ، وقال عكرمة : عن الصحة والفراغ. وقال سعيد بن جبير : عن الصحة والفراغ والمال.

[٢٣٩٩] أخبرنا الإمام أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودي ثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى بن الصلت ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي ثنا الحسين بن الحسن بمكة ثنا عبد الله بن المبارك والفضل بن موسى قالا : ثنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن أبيه عن ابن عباس قال : قال رسول

__________________

[٢٣٩٩] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٩١٥ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «الزهد» (١) عن عبد الله بن سعيد بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الترمذي ٢٣٠٤ وأبو نعيم في «الحلية» ٨ / ١٧٤ والقضاعي ٢٩٥ من طرق ابن المبارك به.

ـ وأخرجه البخاري ٦٤١٢ وأحمد ١ / ٢٥٨ والحاكم ٤ / ٣٠٦ من طريق مكي بن إبراهيم عن عبد الله بن سعيد به.

ـ وأخرجه الترمذي بإثر ٢٣٠٤ من طريق يحيى بن سعيد وابن ماجه ٤١٧٠ من طريق صفوان بن عيسى وأحمد ١ / ٣٤٥ من طريق وكيع ثلاثتهم عن عبد الله بن سعيد به.

(١) في المطبوع «بطالها».

٣٠١

الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ».

قال محمد بن كعب : يعني عمّا أنعم عليكم بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقال أبو العالية : عن الإسلام والسنن. وقال الحسين بن الفضل : تخفيف الشرائع وتيسير القرآن.

سورة العصر

مكية [وقيل مدنية وهي ثلاث آيات](١)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (٣))

(وَالْعَصْرِ) ، قال ابن عباس : والدهر. وقيل : أقسم به لأن فيه عبرة للناظر. وقيل : معناه ورب العصر ، وكذلك في أمثاله. وقال ابن كيسان : أراد بالعصر الليل والنهار ، يقال لهما العصران. وقال الحسن : من بعد زوال الشمس إلى غروبها. وقال قتادة : آخر ساعة من ساعات النهار. وقال مقاتل : أقسم بصلاة العصر وهي الصلاة الوسطى.

(إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) (٢) ، أي خسران ونقصان ، قيل : أراد به الكافر بدليل أنه استثنى المؤمنين ، والخسران ذهاب رأس مال الإنسان في هلاك نفسه وعمره بالمعاصي ، وهما أكبر رأس ماله.

(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) ، فإنهم ليسوا في خسران ، (وَتَواصَوْا) ، أوصى بعضهم بعضا ، (بِالصَّبْرِ) ، بالقرآن قاله الحسن وقتادة ، وقال مقاتل : بالإيمان والتوحيد. (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) ، على أداء الفرائض وإقامة أمر الله. وروى ابن عون عن إبراهيم قال : أراد أن الإنسان إذا عمر في الدنيا وهرم لفي نقص وتراجع إلا المؤمنين فإنهم يكتب لهم أجورهم ومحاسن أعمالهم التي كانوا يعملونها في شبابهم وصحتهم ، وهي مثل قوله : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤) ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (٥) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [التين : ٤ و ٥ و ٦].

__________________

(١) زيد في المطبوع.

٣٠٢

سورة الهمزة

مكية [وهي تسع آيات](١)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (١))

(وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) (١) ، قال ابن عباس : هم المشاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون للبرآء العيب (٢) ، ومعناهما واحد وهو العياب.

وقال مقاتل : الهمزة الذي يعيبك في الغيب واللمزة الذي يعيبك في الوجه. وقال أبو العالية والحسن بضده.

وقال سعيد بن جبير وقتادة : الهمزة الذي يأكل لحوم الناس ويغتابهم ، واللمزة الطعان عليهم.

وقال ابن زيد : الهمزة الذي يهمز الناس بيده ويضربهم ، واللمزة الذي يلمزهم بلسانه ويعيبهم.

وقال سفيان الثوري : ويهمز بلسانه ويلمز بعينيه.

ومثله قال ابن كيسان الهمزة الذي يؤذي جليسه بسوء اللفظ واللمزة الذي يومض بعينه ويشير برأسه ، ويرمز بحاجبه وهما لغتان للفاعل نحو سخرة وضحكة للذي يسخر ويضحك من الناس ، والهمزة واللمزة ساكنة الميم الذي يفعل ذلك به وأصل الهمز الكسر والعض على الشيء بالعنف.

واختلفوا فيمن نزلت هذه الآية.

قال الكلبي : نزلت في الأخنس بن شريق بن وهب الثقفي كان يقع في الناس ويغتابهم.

وقال محمد بن إسحاق : ما زلنا نسمع أن سورة الهمزة نزلت في أمية بن خلف الجمحي.

وقال مقاتل : نزلت في الوليد بن المغيرة ، كان يغتاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من ورائه ويطعن عليه في وجهه.

وقال مجاهد : هي عامة في حق كل من هذه صفته.

(الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ (٢) يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (٣) كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (٤) وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ (٥) نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ (٦) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (٧) إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (٨) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (٩))

ثم وصفه فقال : (الَّذِي جَمَعَ مالاً) ، قرأ أبو جعفر وابن عامر وحمزة والكسائي (جَمَعَ) بتشديد الميم على التكثير ، وقرأ الآخرون بالتخفيف. (وَعَدَّدَهُ) ، أحصاه ، وقال مقاتل : استعده وادخره وجعله عتادا له ، يقال : أعددت الشيء وعددته إذا أمسكته.

__________________

(١) زيد في المطبوع.

(٢) في المطبوع «العنت» والمثبت عن المخطوط وط والطبري.

٣٠٣

(يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) (٣) ، في الدنيا يظن أنه لا يموت مع يساره.

(كَلَّا) ، رد عليه أن لا يخلده ماله ، (لَيُنْبَذَنَ) ، ليطرحن ، (فِي الْحُطَمَةِ) ، في جهنم والحطمة من أسماء النار مثل سقر ولظى سميت حطمة لأنها تحطم العظام وتكسرها.

(وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ (٥) نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ (٦) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) (٧) ، أي التي يبلغ ألمها ووجعها إلى القلوب ، والاطلاع والبلوغ التطلع بمعنى واحد ، يحكى عن العرب متى طلعت أرضنا أي بلغت ، ومعنى الآية : أنها تأكل كل شيء منه حتى تنتهي إلى فؤاده ، قاله القرظي والكلبي.

(إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ) (٨) ، مطبقة مغلقة.

(فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) (٩) ، قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر (فِي عَمَدٍ) بضم العين والميم ، وقرأ الآخرون بفتحهما كقوله تعالى : (رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) [الرعد : ٢] ، وهما جميعا جمع عمود مثل أديم وأدم وأدم ، قاله الفراء ، وقال أبو عبيدة : جمع عماد مثل إهاب وأهب وأهب.

قال ابن عباس : أدخلهم في عمد فمدت عليهم بعماد ، وفي أعناقهم السلاسل سدت عليهم بها الأبواب ، وقال قتادة : بلغنا أنها عمد يعذبون بها في النار.

وقيل : هي أوتاد الأطباق التي تطبق على أهل النار ، أي أنها مطبقة عليهم بأوتاد ممددة وهي في قراءة عبد الله «بعمد» بالباء.

قال مقاتل : أطبقت الأبواب عليهم ثم سدت بأوتاد من حديد من نار حتى يرجع عليهم غمها وحرّها فلا يفتح عليهم باب ولا يدخل عليهم ريح ، والممددة من صفة العمد ، أي مطولة فتكون أرسخ من القصيرة.

سورة الفيل

مكية [وهي خمس آيات](١)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ (١))

(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ) (١)؟

[٢٤٠٠] وكانت قصة أصحاب الفيل على ما ذكره محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم عن سعيد بن

__________________

[٢٤٠٠] ـ انظر قصة أصحاب الفيل في «دلائل النبوة» للبيهقي ١ / ٨٥ و «السيرة النبوية» لابن هشام ١ / ٤٣ و «تفسير السمرقندي» ٣ / ٥١٢ ـ ٥١٥ و «تفسير ابن كثير» ٤ / ٥٨٧ ـ ٥٩١.

(١) زيد في المطبوع.

٣٠٤

جبير وعكرمة عن ابن عباس وذكره الواقدي :

إن النجاشي ملك الحبشة كان قد بعث أرياطا إلى أرض اليمن فغلب عليها ، فقام رجل من الحبشة يقال له أبرهة بن الصباح أبو يكسوم (١) ، فساخط أرياط في أمر الحبشة حتى انصدعوا صدعين وكانت طائفة مع أرياط وطائفة مع أبرهة فتزاحفا فقتل أبرهة أرياط.

واجتمعت الحبشة لأبرهة وغلب على اليمن وأقره النجاشي على عمله ، ثم إن أبرهة رأى الناس يتجهزون أيام الموسم إلى مكة لحج بيت الله ، فبنى كنيسة بصنعاء وكتب إلى النجاشي : إني قد بنيت لك بصنعاء كنيسة لم يبن لملك مثلها ، ولست منتهيا حتى أصرف إليها حج العرب ، فسمع به رجل من بني مالك بن كنانة فخرج إليها مستخفيا فدخلها ليلا فقعد فيها وتغوط بها ولطخ بالعذرة قبلتها ، فبلغ ذلك أبرهة فقال : من اجترأ عليّ ولطخ كنيستي بالعذرة؟ فقيل له : صنع ذلك رجل من العرب من أهل ذلك البيت سمع بالذي قلت فحلف أبرهة عند ذلك ليسيرن إلى الكعبة حتى يهدمها.

فكتب إلى النجاشي يخبره بذلك وسأله أن يبعث إليه بفيله ، وكان له فيل يقال له محمود وكان فيلا لم ير مثله عظما ، وجسما وقوة ، فبعث به إليه فخرج أبرهة من الحبشة سائرا إلى مكة ، وأخرج معه الفيل ، فسمعت العرب بذلك فاستعظموه ورأوا جهاده حقا عليهم ، فخرج ملك من ملوك اليمن يقال له ذو نفر بمن أطاعه من قومه ، فقاتله فهزمه أبرهة وأخذ ذا نفر ، فقال : أيها الملك لا تقتلني فإن استبقائي خيرا لك من قتلي فاستحياه وأوثقه ، وكان أبرهة رجلا حليما ثم سار حتى إذا دنا من بلاد خثعم ، خرج نفيل بن حبيب الخثعمي في خثعم ومن اجتمع إليه من قبائل اليمن ، فقاتلوه فهزمهم وأخذ نفيل ، فقال نفيل : أيها الملك إني دليل بأرض العرب وهاتان يداي على قومي بالسمع والطاعة فاستبقاه ، وخرج معه يدله حتى إذا مرّ بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب في رجال من ثقيف فقال : أيها الملك نحن عبيدك ليس لك عندنا خلاف وقد علمنا أنك تريد البيت الذي بمكة نحن نبعث معك من يدلك عليه.

فبعثوا معه أبا رغال مولى لهم فخرج حتى إذا كان بالمغمس مات أبو رغال وهو الذي يرجم قبره ، وبعث أبرهة من المغمس رجلا من الحبشة يقال له الأسود بن مسعود على مقدمة خيله وأمره بالغارة على نعم الناس ، فجمع الأسود إليه أموال الحرم ، وأصاب لعبد المطلب مائتي بعير.

ثم إن أبرهة بعث حناطة الحميري إلى أهل مكة ، فقال : سل عن شريفها ثم أبلغه ما أرسلك به إليه ، أخبره أني لم آت لقتال إنما جئت لأهدم هذا البيت ، فانطلق حتى دخل مكة فلقي عبد المطلب بن هاشم ، فقال : إن الملك أرسلني إليك لأخبرك أنه لم يأت لقتال إلا أن تقاتلوه ، إنما جاء لهدم هذا البيت ثم الانصراف عنكم ، فقال عبد المطلب : ما له عندنا قتال ولا له عندنا إلا أن نخلي بينه وبين ما جاء له ، فإن هذا بيت الله الحرام وبيت خليله إبراهيم عليه‌السلام ، فإن يمنعه فهو بيته وحرمه ، وإن يخل بينه وبين ذلك فو الله ما لنا [به](٢) قوة إلا به ، قال : فانطلق معي إلى الملك ، فزعم بعض العلماء أنه أردفه على بغلة كان عليها وركب معه بعض بنيه حتى قدم المعسكر ، وكان ذو نفر (٣) صديقا لعبد المطلب فأتاه فقال : يا ذا نفير هل عندك من غناء فيما نزل بنا؟ فقال : ما غناء رجل أسير لا يأمن أن يقتل بكرة أو عشيا ، ولكن سأبعث إلى أنيس سائس الفيل فإنه لي صديق فأسأله أن يصنع لك عند الملك ما استطاع من خير ويعظم خطرك ومنزلتك عنده.

__________________

(١) في المطبوع «مكتوم».

(٢) في المطبوع عقب «إلا».

(٣) في المطبوع «نفير».

٣٠٥

قال : فأرسل إلى أنيس فأتاه فقال له : إن هذا سيد قريش صاحب عير مكة الذي يطعم الناس في السهل والوحوش في رءوس الجبال ، وقد أصاب له الملك مائتي بعير فإن استطعت أن تنفعه عنده فانفعه فإنه صديق لي أحب ما وصل إليه من الخير ، فدخل أنيس على أبرهة فقال : أيها الملك هذا سيد قريش وصاحب عير مكة الذي يطعم الناس في السهل والوحوش في رءوس الجبال ، يستأذن إليك وأحب أن تأذن له فيكلمك وقد جاء غير ناصب لك ولا مخالف عليك ، فأذن له وكان عبد المطلب رجلا جسيما وسيما فلما رآه أبرهة أعظمه وأكرمه ، وكره أن يجلس معه على سريره وأن يجلس تحته فهبط إلى البساط فجلس عليه ثم دعاه فأجلسه معه.

ثم قال لترجمانه قل له : ما حاجتك إلى الملك؟ فقال له الترجمان ذلك ، فقال عبد المطلب : حاجتي إلى الملك أن يرد إلي مائتي بعير أصابها لي ، فقال أبرهة لترجمانه قل له : لقد كنت أعجبتني حين رأيتك ، ولقد زهدت فيك ، قال عبد المطلب : لم؟ قال : جئت إلى بيت هو دينك ودين آبائك وهو شرفكم وعصمتكم لأهدمه لم تكلمني فيه وتكلمني في مائتي بعير أصبتها؟ قال عبد المطلب : أنا رب هذه الإبل وإن لهذا البيت ربا سيمنع عنه من يقصده بسوء ، قال : ما كان ليمنعه مني ، قال : فأنت وذاك ، فأمر بإبله فردّت عليه ، فلما ردّت الإبل إلى عبد المطلب خرج فأخبر قريشا الخبر الذي وقع بينه وبين أبرهة ، وأمرهم أن يتفرقوا في الشعاب ويتحرزوا في رءوس الجبال تخوفا عليهم من معرة الجيش (١) فيهم ، ففعلوا وأتى عبد المطلب الكعبة وأخذ بحلقة الباب وجعل يقول :

يا رب لا أرجو لهم سواكا

يا رب فامنع منهم حماكا

إن عدو البيت من عاداكا

امنعهم أن يخربوا قراكا

وقال أيضا :

لا همّ إن العبد يم

نع رحله فامنع حلالك

وانصر على آل الصل

يب وعابديه اليوم آلك

لا يغلبن صليبهم

ومحالهم عدوا محالك

جروا جموع بلادهم

والفيل كي يسبوا عيالك

عمدوا حماك بكيدهم

جهلوا وما رقبوا جلالك

إن كنت تاركهم وكع

بتنا فأمر ما بدا لك

ثم ترك عبد المطلب الحلقة وتوجه في بعض تلك الوجوه مع قومه ، وأصبح بأبرهة بالمغمس قد تهيأ للدخول وهيأ جيشه وهيأ فيله وكان فيلا عظيما لم ير مثله في العظم والقوة ، ويقال كان معه اثنا عشر فيلا ، فأقبل نفيل إلى الفيل الأعظم ثم أخذ بأذنه فقال : أبرك محمود وارجع راشدا من حيث جئت فإنك في بلد الله الحرام ، فبرك الفيل فبعثوه فأبى فضربوه بالمعول في رأسه فأبى.

فأدخلوا محاجنهم تحت مراقه ومرافقه فنزعوه ليقوم فأبى ، فوجهوه راجعا إلى اليمن فقام يهرول ، ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك ، ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك ، فصرفوه إلى الحرم فبرك وأبى أن يقوم ، وخرج نفيل يشتد حتى صعد في أعلى [الجبل](٢) وأرسل الله عليهم طيرا من البحر أمثال

__________________

(١) في المطبوع «الحبش».

(٢) سقط من المطبوع.

٣٠٦

الخطاطيف مع كل طائر منها ثلاثة أحجار حجران في رجليه وحجر في منقاره أمثال الحمص والعدس.

فلما غشيت القوم أرسلنها عليهم فلم تصب تلك الحجارة أحدا إلا هلك ، وليس كل القوم أصابت وخرجوا هاربين لا يهتدون إلى الطريق الذي جاءوا منه ، وهم يتساءلون عن نفيل بن حبيب ليدلهم على الطريق إلى اليمن ، ونفيل ينظر إليهم من بعض تلك الجبال ، فصرخ القوم وماج بعضهم في بعض يتساقطون بكل طريق ويهلكون على كل منهل.

وبعث الله على أبرهة داء في جسده فجعل تتساقط منه أنامله كلما سقطت أنملة اتبعتها مدة من قيح ودم ، فانتهى إلى صنعاء وهو مثل فرخ الطائر فيمن بقي من أصحابه ، وما مات حتى انصدع صدره من قلبه ثم هلك.

قال الواقدي : وأما محمود فيل النجاشي فربض ولم يشجع على الحرم فنجا والفيل الآخر شجع فحصب (١).

وزعم مقاتل بن سليمان أن السبب الذي جرأ أصحاب الفيل : أن فتية من قريش خرجوا تجارا إلى أرض النجاشي فدنوا من ساحل البحر وثم بيعة للنصارى تسميها قريش الهيكل ، فنزلوا فأججوا نارا فاصطلوا فلما ارتحلوا تركوا النار كما هي في يوم عاصف فهاجت الريح فاضطرم الهيكل نارا فانطلق الصريخ إلى النجاشي فأسف ، واغتاظ غيظا شديدا ، فبعث أبرهة لهدم الكعبة.

وقال فيه : إنه كان بمكة يومئذ أبو مسعود الثقفي وكان مكفوف البصر يصيف بالطائف ويشتو بمكة ، وكان رجلا نبيها تستقيم الأمور برأيه ، وكان خليلا لعبد المطلب ، فقال له عبد المطلب : ما ذا عندك هذا يوم لا يستغني فيه عن رأيك؟ فقال أبو مسعود : اصعد بنا إلى حراء فصعد الجبل ، فقال أبو مسعود لعبد المطلب : اعمد إلى مائة من الإبل فاجعلها لله وقلدها نعلا ثم أرسلها في الحرم لعل بعض هذه السودان يعقر منها شيئا ، فيغضب رب هذا البيت فيأخذهم ، ففعل ذلك عبد المطلب فعمد القوم إلى تلك الإبل فحملوا عليها وعقروا بعضها وجعل عبد المطلب يدعو ، فقال أبو مسعود : إن لهذا البيت ربا يمنعه ، فقد نزل تبّع ملك اليمن صحن هذا البيت وأراد هدمه فمنعه الله وابتلاه ، وأظلم عليه ثلاثة أيام ، فلما رأى تبع ذلك كساه القباطي البيض ، وعظّمه ونحر له جزورا. ثم قال أبو مسعود : انظر نحو البحر ، فنظر عبد المطلب فقال : أرى طيرا بيضا نشأت من شاطئ البحر ، فقال : ارمقها ببصرك أين قرارها (٢) ، قال : أراها قد دارت على رءوسنا ، قال : فهل تعرفها؟ قال : فو الله ما أعرفها ما هي بنجدية ولا تهامية ولا غربية ولا شامية ، قال : ما قدرها؟ قال أشباه اليعاسيب في منقارها حصى كأنها حصى الخذف ، قد أقبلت كالليل يكسع بعضها بعضا أمام كل رفقة طير يقودها أحمر المنقار أسود الرأس طويل العنق ، فجاءت (٣) حتى إذا حازت بعسكر القوم ركدت فوق رءوسهم ، فلما توافت (٤) الرجال كلها أهالت الطير ما في مناقرها على من تحتها ، مكتوب في كل حجر اسم صاحبه ، ثم إنها انصاعت راجعة من حيث جاءت ، فلما أصبحا انحطا من ذروة الجبل ، فمشيا ربوة فلم يؤنسا أحدا ثم دنوا ربوة فلم يسمعا حسّا ، فقالا : بات القوم سامرين (٥) ، فأصبحوا نياما فلما دنوا من عسكر القوم فإذا هم خامدون ، وكان يقع الحجر على

__________________

(١) في المطبوع «سجعوا فحصبوا».

(٢) تصحف في المخطوط «فرارها».

(٣) في المطبوع «فجاءه».

(٤) في المطبوع «توفت».

(٥) في المخطوط «سامدين».

٣٠٧

بيضة أحدهم فيخرقها حتى يقع في دماغه ويخرق الفيل والدابة ويغيب الحجر في الأرض من شدة وقعه.

فعمد عبد المطلب فأخذ فأسا من فئوسهم فحفر حتى أعمق في الأرض حفرة فملاها من أموالهم من الذهب الأحمر والجوهر ، وحفر لصاحبه حفرة فملأها كذلك ، ثم قال لأبي مسعود : هات فاختر إن شئت حفرتي وإن شئت حفرتك ، وإن شئت فهما لك معا ، قال أبو مسعود : اختر لي على نفسك ، فقال عبد المطلب : إني لم آل أن أجعل أجود المتاع في حفرتي فهو لك ، وجلس كل واحد منهما على حفرته ، ونادى عبد المطلب في الناس فتراجعوا وأصابوا من فضلهما حتى ضاقوا به ذرعا ، وساد عبد المطلب بذلك قريشا وأعطته القيادة ، فلم يزل عبد المطلب وأبو مسعود في أهليهما في غنى من ذلك المال ، ودفع الله عن كعبته وبيته.

واختلفوا في تاريخ عام الفيل.

فقال مقاتل : كان قبل مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأربعين سنة.

وقال الكلبي : بثلاث وعشرين سنة.

والأكثرون على أنه كان في العام الذي ولد فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قوله عزوجل : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ) (١)؟ قال مقاتل : كان معهم فيل واحد.

وقال الضحاك : كانت الفيلة ثمانية. وقيل : اثنى عشر سوى الفيل الأعظم ، وإنما وحد لأنه نسبهم إلى الفيل الأعظم. وقيل : لوفاق رءوس الآي.

(أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (٢) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ (٣) تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (٤) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (٥))

(أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ) (٢) ، كيدهم يعني مكرهم وسعيهم في تخريب الكعبة. وقوله (فِي تَضْلِيلٍ) عماء أراد وأضلل كيدهم حتى لم يصلوا إلى الكعبة ، وإلى ما أرادوه بكيدهم. قال مقاتل : في خسارة. وقيل : في بطلان (١).

(وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ) (٣) ، كثيرة متفرقة يتبع بعضها بعضا. وقيل : أقاطيع كالإبل المؤبلة.

قال أبو عبيد (٢) : أبابيل جماعات في تفرقة ، يقال : جاءت الخيل أبابيل من هاهنا وهاهنا. وقال الفراء : لا واحد لها من لفظها. وقيل : واحدها إبالة. وقال الكسائي : إني كنت أسمع النحويين يقولون واحدها أبول ، مثل عجول وعجاجيل. وقيل : واحدها من لفظها إبّيل.

قال ابن عباس : كانت طيرا لها خراطيم كخراطيم الطير وأكف كأكف الكلاب.

وقال عكرمة : لها رءوس كرءوس السباع. قال الربيع : لها أنياب كأنياب السباع. وقال سعيد بن جبير : [طير](٣) خضر لها مناقير صفر. وقال قتادة : طير سود جاءت من قبل البحر فوجا فوجا مع كل طائر ثلاثة أحجار حجران في رجليه وحجر في منقاره لا تصيب شيئا إلا هشمته.

(تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ) (٤) ، قال ابن عباس وابن مسعود : صاحت الطير ورمتهم بالحجارة

__________________

(١) تصحف في المطبوع «بلاطن».

(٢) في المطبوع «عبيده».

(٣) سقط من المطبوع.

٣٠٨

فبعث الله ريحا فضربت الحجارة فزادتها شدة فما وقع منها حجر على رجل إلا خرج من الجانب الآخر ، وإن وقع على رأسه خرج من دبره.

(فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) (٥) ، كزرع وتبن أكلته الدواب فراثته فيبس وتفرقت أجزاؤه ، شبه تقطع أوصالهم بتفرق أجزاء الروث. قال مجاهد : العصف ورق الحنطة. وقال قتادة : هو التبن. وقال عكرمة : كالحب إذا أكل فصار أجوف. وقال ابن عباس : هو القشر الخارج الذي يكون على حب الحنطة كهيئة الغلاف له.

سورة قريش

مكية [وهي أربع آيات](١)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (١))

(لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) (١) ، قرأ أبو جعفر ليلاف بغير همز إلافهم طلبا للخفة ، وقرأ ابن عامر لالاف بهمزة مختلسة من غير ياء بعدها ، وقرأ الآخرون بهمزة مشبعة وياء بعدها ، واتفقوا غير أبي جعفر في إلفهم أنها بياء بعد الهمزة إلا عبد الوهاب بن فليج عن ابن كثير فإنه قرأ إلفهم ساكنة اللام بغير ياء وعد بعضهم سورة الفيل وهذه السورة واحدة منهم أبي بن كعب لا فصل بينهما في مصحفه ، وقالوا : اللام في (لِإِيلافِ) تتعلق بالسورة التي قبلها ، وذلك أن الله تعالى ذكر أهل مكة عظيم نعمته عليهم فيما صنع بالحبشة ، وقال : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) (١) ، وقال الزجاج : المعنى جعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش ، أي أهلك أصحاب الفيل لتبقى قريش ، وما ألفوا من رحلة الشتاء والصيف.

وقال مجاهد : ألفوا ذلك فلا يشق عليهم في الشتاء والصيف. والعامة على أنهما سورتان.

واختلفوا في العلة الجالبة للام في قوله : (لِإِيلافِ) قال الكسائي والأخفش : هي لام التعجب ، يقول : اعجبوا لإيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف ، وتركهم عبادة رب هذا البيت ، ثم أمرهم بعبادته كما تقول في الكلام لزيد وإكرامنا إياه على وجه التعجب ، أي اعجبوا لذلك ، والعرب إذا جاءت بهذه اللام اكتفوا بها دليلا على التعجب من إظهار الفعل منه.

وقال الزجاج : هي مردودة إلى ما بعدها تقديره : فليعبدوا رب هذا البيت لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف. وقال أبو عبيد (٢) : لنعمتي على قريش ، وقريش هم ولد النضر بن كنانة ، وكل من ولده النضر فهو قرشي ، ومن لم يلده النضر فليس بقرشي.

__________________

(١) زيد في المطبوع.

(٢) في المطبوع «ابن عيينة».

٣٠٩

[٢٤٠١] أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني أنا أبو محمد محمد بن علي بن محمد بن شريك الشافعي أنا عبد الله بن [محمد بن](١) مسلم أبو بكر الجوربذي ثنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي أنا بشر بن بكر عن الأوزاعي حدثني شداد أبو عمار ثنا واثلة بن الأسقع قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى من [بني](٢) كنانة قريشا ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم».

وسموا قريشا من القرش والتقرش وهو التكسب والجمع ، يقال : فلان يقرش لعياله ويقترش أي يكتسب وهم كانوا تجارا حراصا (٣) على جمع المال والإفضال. وقال أبو ريحانة : سأل معاوية عبد الله بن عباس لم سميت قريش قريشا؟ قال : لدابة تكون في البحر من أعظم دوابه يقال لها القرش لا تمر بشيء من الغث والسمين إلا أكلته ، وهي تأكل ولا تؤكل ، وتعلو ولا تعلى ، قال : وهل تعرف العرب ذلك في أشعارها؟ قال : نعم ، فأنشده شعر الجمحي :

وقريش هي التي تسكن البح

ر سميت قرى قريشا

سلطت بالعلو في لجة البح

ر على سائر البحور جيوشا

تأكل الغث والسمين ولا تت

رك فيه لذي الجناحين ريشا

هكذا في الكتاب (٤) حي قريش

يأكلون البلاد أكلا كميشا

ولهم في آخر الزمان نبي

يكثر القتل فيهم والخموشا

(إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (٢) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (٣) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (٤))

قوله تعالى : (إِيلافِهِمْ) ، بدل من الإيلاف الأول ، (رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ) ، (رِحْلَةَ) ، نصب على المصدر ، أي ارتحالهم رحلة الشتاء والصيف.

روى عكرمة وسعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانوا يشتون بمكة ويصيفون بالطائف فأمرهم الله تعالى أن يقيموا بالحرم ويعبدوا ربّ هذا البيت.

وقال الآخرون : كانت لهم رحلتان في كل عام للتجارة إحداهما في الشتاء إلى اليمن لأنها أدفأ ، والأخرى في الصيف إلى الشام. وكان الحرم واديا جدبا لا زرع فيه ولا ضرع ، وكانت قريش تعيش بتجارتهم ورحلتهم ، وكان لا يتعرض لهم أحد بسوء ، كانوا يقولون : قريش سكان حرم الله وولاة بيته

__________________

[٢٤٠١] ـ صحيح. إسناده على شرط مسلم.

ـ الأوزاعي هو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو ، شداد هو ابن عبد الله.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٥٠٧ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٢٢٧٦ والترمذي ٣٦٠٥ و ٣٦٠٦ وأحمد ٤ / ١٠٧ وابن حبان ٦٢٤٢ و ٦٣٣٣ والطبراني ٢٢ / ١٦١ من طرق عن الأوزاعي به.

(١) سقط من المطبوع.

(٢) سقط من المطبوع.

(٣) في المطبوع «حرصا».

(٤) في المخطوط «البلاد».

٣١٠

فلولا الرحلتان لم يكن لهم مقام بمكة ، ولو لا الأمن بجوار البيت لم يقدروا على التصرف ، وشق عليهم الاختلاف إلى اليمن والشام فأخضبت تبالة وجرش من بلاد اليمن ، فحملوا الطعام إلى مكة أهل الساحل من البحر على السفن وأهل البر على الإبل والحمير فألقى أهل الساحل بجدة ، وأهل البر بالمحصب ، وأخصب الشام فحملوا الطعام إلى مكة فألقوا بالأبطح ، فامتاروا (١) من قريب وكفاهم الله مئونة الرحلتين ، وأمرهم بعبادة رب البيت.

فقال : (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ) (٣). أي الكعبة.

(الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ) ، أي من بعد جوع بحمل الميرة إلى مكة ، (وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) ، بالحرم وكونهم من أهل مكة حتى لم يتعرض لهم في رحلتهم.

وقال عطاء عن ابن عباس : إنهم كانوا في ضر ومجاعة حتى جمعهم هاشم على الرحلتين ، وكانوا يقسمون ربحهم بين الفقير والغني حتى كان فقيرهم كغنيهم.

قال الكلبي : وكان أول من حمل السمراء من الشام ورحل إليها الإبل هاشم بن عبد مناف وفيه يقول الشاعر :

قل للذي طلب السماحة والندى

هلا مررت بآل عبد مناف

هلّا مررت بهم تريد قراهم

منعوك من ضر ومن أكفاف

الرائشين وليس يوجد رائش

والقائلين هلمّ للأضياف

والخالطين فقيرهم بغنيهم

حتى يكون فقيره كالكافي

والقائمين بكل وعد صادق

والراحلين برحلة الإيلاف

عمرو العلاء هشم الثريد لقومه

ورجال مكة مسنتون عجاف

سفرين سنهما له ولقومه

سفر الشتاء ورحلة الأصياف

وقال الضحاك والربيع وسفيان : (وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) من خوف الجذام ، فلا يصيبهم ببلدهم الجذام.

سورة الماعون

مكية [وهي سبع آيات](٢)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (١))

(أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) (١) ، قال مقاتل : نزلت في العاص بن وائل السهمي. وقال

__________________

(١) تصحف في المخطوط «امتازها».

(٢) زيد في المطبوع ..

٣١١

السدي ومقاتل بن حيان وابن كيسان : في الوليد بن المغيرة. قال الضحاك : نزلت في عمرو بن عائد المخزومي. وقال عطاء عن ابن عباس : في رجل من المنافقين. ومعنى يكذّب بالدين أي بالجزاء والحساب.

(فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (٢) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (٥) الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ (٦) وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ (٧))

(فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) (٢) ، يقهره ويدفعه عن حقه ، والدع : الدفع بالعنف والجفوة.

(وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) (٣) ، لا يطعمه ولا يأمر بإطعامه لأنه يكذب بالجزاء.

(فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) (٥) أي عن مواقيتها غافلون.

[٢٤٠٢] أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار أنا أبو جعفر محمد بن غالب بن التمتام (١) الضبي ثنا حرمي بن حفص القسملي ثنا عكرمة بن إبراهيم الأزدي ثنا عبد الملك (٢) بن عمير عن مصعب بن سعد عن أبيه أنه قال : سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) (٥) ، قال : «إضاعة الوقت».

قال ابن عباس : هم المنافقون يتركون الصلاة إذا غابوا عن الناس ، ويصلونها في العلانية إذا حضروا.

لقوله تعالى : (الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ) (٦) ، وقال في وصف المنافقين : (وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ) [النساء : ١٤٢] ، وقال قتادة : ساه عنها لا يبالي صلى أم لم يصل. قيل : لا يرجون لها ثوابا إن صلوا ولا يخافون عقابا إن تركوا. وقال مجاهد : غافلون عنها يتهاونون بها. وقال الحسن : هو الذي إن صلاها صلّاها رياء ، وإن فاتته لم يندم ، وقال أبو العالية : لا يصلونها لمواقيتها ولا يتمون ركوعها وسجودها.

(وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) (٧) ، روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : هي الزكاة ، وهو قول ابن عمر

__________________

[٢٤٠٢] ـ ضعيف جدا ، والصحيح موقوف.

ـ إسناده ضعيف جدا لأجل عكرمة بن إبراهيم الأزدي ، وقد وهم في رفعه ، وخالفه عاصم بن أبي النجود والأعمش وغيرهما فرووه موقوفا.

ـ انظر «الميزان» ٣ / ٨٩.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٩٨ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الطبري ٣٨٠٥٤ والبزار ٣٩٢ والطبراني ١٨٥٣ والبيهقي ٢ / ٢١٤ من طريق عكرمة بن إبراهيم بهذا الإسناد.

ـ وقال الهيثمي في «المجمع» ١ / ٣٢٥ : وفيه عكرمة بن إبراهيم ضعفه ابن حبان وغيره.

ـ وأخرجه الطبري ٣٨٠٣٧ و ٣٨٠٣٨ وأبو يعلى ٧٠٤ و ٧٠٥ والبيهقي ٢ / ٢١٤ عن مصعب بن سعد عن أبيه موقوفا ، وهو أصح.

ـ وذكره الهيثمي في «المجمع» ١ / ٣٢٥ وقال : رواه أبو يعلى ، وإسناده حسن. أي الموقوف.

ـ وقال الحافظ ابن كثير ٤ / ٦٦٨ : رواه أبو يعلى موقوفا ، وهو أصح ، وقد ضعف البيهقي رفعه وكذا الحاكم.

(١) في المطبوع «تمام».

(٢) تصحف في المطبوع «الكريم».

٣١٢

والحسن وقتادة والضحاك.

وقال عبد الله بن مسعود : الماعون الفأس والدلو والقدر وأشباه ذلك ، وهي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس.

قال مجاهد : الماعون العارية. وقال عكرمة : أعلاها الزكاة المعروفة ، وأدناها عارية المتاع.

وقال محمد بن كعب والكلبي : الماعون المعروف الذي يتعاطاه الناس فيما بينهم.

قال قطرب : أصل الماعون من القلة ، تقول العرب : ما له سعة ولا منعة ، أي شيء قليل ، فسمى الزكاة والصدقة والمعروف ماعونا لأنه قليل من كثير.

وقيل : الماعون ما لا يحل منعه مثل الماء والملح والنار.

سورة الكوثر

مكية [وهي ثلاث آيات](١)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣))

(إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) (١).

[٢٤٠٣] أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا علي بن مسهر عن المختار يعني ابن فلفل عن أنس قال : بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذا أغفي إغفاءة ثم رفع رأسه متبسما ، فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله؟ قال : نزلت علي آنفا سورة ، فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) (٣). ثم قال : «تدرون ما الكوثر»؟ قلنا : الله ورسوله أعلم ، قال : «فإنه نهر وعدنيه ربي فيه خير كثير هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد

__________________

[٢٤٠٣] ـ إسناده صحيح على شرط مسلم ، حيث تفرد عن المختار ، وباقي الإسناد على شرطهما.

ـ أبو بكر هو عبد الله بن محمد.

ـ وهو في «صحيح مسلم» ٤٠٠ عن أبي بكر بن أبي شيبة بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه أبو يعلى ٣٩٥١ وأبو نعيم في «صفة الجنة» ٣٢٥ والواحدي في «الوسيط» ٤ / ٥٦٠ ـ ٥٦١ من طريق ابن أبي شيبة به.

ـ وأخرجه النسائي ٢ / ١٣٣ ـ ١٣٤ وأبو عوانة ٢ / ١٢١ من طريق علي بن مسهر به.

ـ وأخرجه مسلم بإثر ٤٠٠ وأبو داود ٤٧٤٧ و ٧٨٤ ومن طريق ابن فضيل وأبو عوانة ٢ / ١٢١ من طريق سفيان كلاهما عن مختار بن فلفل به.

(١) زيد في المطبوع.

٣١٣

نجوم [السماء](١) فيختلج العبد منهم ، فأقول : رب إنه مني ، فيقول : ما تدري ما أحدث بعدك».

[٢٤٠٤] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا عمرو بن محمد ثنا هشيم ثنا أبو بشر وعطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : قال الكوثر الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه. قال أبو بشر قلت لسعيد بن جبير : إن أناسا يزعمون أنه نهر في الجنة؟ فقال سعيد : النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه.

قال الحسن : هو القرآن [العظيم](٢) قال عكرمة : النبوة والكتاب. وقال أهل اللغة : الكوثر فوعل من الكثرة ، كنوفل فوعل من النفل ، والعرب تسمي كل شيء كثير في العدد أو كثير في القدر والخطر : كوثرا. والمعروف : أنه نهر في الجنة أعطاه الله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما جاء في الحديث :

[٢٤٠٥] أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي أنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني أنا عبد الله بن عمر الجوهري ثنا أحمد بن علي الكشميهني ثنا علي بن حجر ثنا إسماعيل بن جعفر ثنا حميد عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «دخلت الجنة فإذا أنا بنهر يجري بياضه بياض اللبن ، وأحلى من العسل ، وحافتاه خيام اللؤلؤ ، فضربت بيدي فإذا الثرى مسك أذفر ، فقلت لجبريل : ما هذا؟ قال : الكوثر الذي أعطاكه الله عزوجل».

[٢٤٠٦] أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الداوديّ أنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى [بن](٣) الصلت

__________________

[٢٤٠٤] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ، عطاء روى له البخاري متابعة ، وقد توبع هاهنا ، تابعه أبو بشر ، وهو ثقة روى له الستة ، وهو من أثبت الناس في سعيد بن جبير.

ـ هشيم هو ابن بشير ، أبو بشر ، هو جعفر بن إياس.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٦٥٧٨ عن عمرو بن محمد بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٤٩٦٦ والنسائي في «التفسير» ٧٢٤ والبيهقي في «البعث» ١٣٩ من طريق هشيم به.

ـ وأخرجه الطبري ٣٨١٨١ من طريق عطاء بن السائب قال : قال لي محارب بن دثار ، ما قال سعيد بن جبير : حدثنا ابن عباس .... فذكره. وكذا أخرجه أحمد ٢ / ١١٢ من هذا الوجه.

[٢٤٠٥] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ حميد هو الطويل ، اختلف في اسم أبيه على عشرة أقوال.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤٢٣٩ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه ابن حبان ٦٤٧٣ من طريق إسماعيل بن جعفر به.

ـ وأخرجه أحمد ٣ / ١٠٣ وابن المبارك في «الزهد» ١٦١٢ والطبري ٣٨١٧٢ من طريق ابن أبي عدي عن حميد به.

ـ وأخرجه النسائي في «التفسير» ٧٢٦ وأحمد ٣ / ١١٥ و ٢٦٣ والآجري في «الشريعة» ٩٤٩ و ٩٥٠ وابن أبي شيبة ١١ / ٤٣٧ و ١٣ / ١٤٧ وابن حبان ٦٤٧٢ وأبو نعيم في «صفة الجنة» من طرق عن حميد به.

ـ وأخرجه البخاري ٦٥٨١ وأحمد ٣ / ١٩١ و ٢٨٩ وأبو يعلى ٢٨٧٦ والطبري ٣٨١٧٣ والطيالسي ٢٨١٣ من طرق عن همام عن قتادة عن أنس به.

ـ وأخرجه البخاري ٤٩٦٤ وأبو داود ٤٧٤٨ والترمذي ٣٣٥٦ و ٣٣٥٧ وأحمد ٣ / ١٦٤ و ٢٠٧ وابن ماجه ٤٣٠٥ والطبري ٣٨١٧٠ و ٣٨١٧١ من طرق عن قتادة به.

[٢٤٠٦] ـ حسن ، رجاله ثقات سوى عطاء بن السائب ، فإنه صدوق ، وقد اختلط ، لكن هو عند أحمد من رواية حماد بن زيد ،

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) سقط من المطبوع.

(٣) زيادة عن المخطوط.

٣١٤

ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي أنا أبو سعيد الأشج ثنا محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب عن محارب بن دثار عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الكوثر نهر في الجنة حافتاه الذهب مجراه على الدرّ والياقوت تربته أطيب من المسك وأشد بياضا من الثلج».

[٢٤٠٧] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا سعيد بن أبي مريم ثنا نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة قال : قال عبد الله بن عمرو قال :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «حوضي مسيرة شهر ، ماؤه أبيض من اللبن ، وريحه أطيب من المسك ، وكيزانه كنجوم السماء ، من يشرب منها لم يظمأ أبدا».

[٢٤٠٨] أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري أنا جدي عبد الصمد بن عبد الرحمن البزاز أنا

__________________

وقد سمع منه قبل الاختلاط ، وللحديث شواهد.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤٢٣٧ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الترمذي ٣٣٥٨ وابن ماجه ٤٣٣٤ وأبو نعيم في «صفة الجنة» ٣٢٦ من طرق عن محمد بن فضيل بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الطيالسي ١٩٣٣ والدارمي ٢ / ٣٣٧ والبيهقي في «البعث» ١٤١ ـ ١٤٢ من طريق أبي عوانة عن عطاء بن السائب به وذكر فيه خبر ابن عباس المتقدم قبل حديث واحد.

ـ وأخرجه أحمد ٢ / ١١٢ والبيهقي في «البعث» ١٤٠ من طريق مؤمل بن إسماعيل عن حماد بن زيد عطاء بن السائب به.

ـ الخلاصة هو حديث حسن ، وله شواهد تقويه ، انظر «الكشاف» ١٣٥٢.

[٢٤٠٧] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ أبو مريم اسمه الحكم ، ابن أبي مليكة ، هو عبد الله بن عبد الله.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤٢٣٦ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٦٥٧٩ عن سعيد بن أبي مريم بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٢٢٩٢ وابن أبي عاصم في «السنة» ٧٢٨ وابن حبان ٦٤٥٢ وابن مندة في «الإيمان» ١٠٦٧ و ١٠٧٦ والبيهقي في «البعث» ١٥٤ من طرق عن نافع بن عمر به.

[٢٤٠٨] ـ إسناده صحيح ، إسحاق الدبري ثقة ، وقد توبع ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم سوى معدان ، فإنه من رجال مسلم.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤٢٣٨ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «مصنف عبد الرزاق» ٢٠٨٥٣ عن معمر بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٢٣٠١ وأحمد ٥ / ٢٨٠ و ٢٨١ و ٢٨٢ و ٢٨٣ وابن أبي عاصم في «السنة» ٧٠٨ و ٧٠٩ والآجري في «الشريعة» ٨٣٦ وابن حبان ٦٤٥٥ و ٦٤٥٦ وابن مندة في «الإيمان» ١٠٧٥ والبيهقي في «البعث» ١٤٤ و ١٤٥ من طرق عن قتادة به.

ـ وأخرجه ابن أبي عاصم ٧٠٦ والطبراني ١٤٣٧ من طريق عن أبي سلام عن ثوبان بنحوه.

ـ وأخرجه الترمذي ٢٤٤٤ وابن ماجه ٤٣٠٣ وأحمد ٥ / ٢٧٥ ـ ٢٧٦ والحاكم ٤ / ١٨٤ وابن أبي عاصم ٧٠٧ والطيالسي ٩٩٥ والبيهقي في «البعث» ١٤٨ و ١٤٩ من طرق عن محمد بن مهاجر عن العباس بن سالم الدمشقي أن عمر بن عبد العزيز بعث إلى ابن سلام الحبشي فحمل إليه على البريد ليسأله عن الحوض ، فقدم عليه فسأله ، فقال : سمعت ثوبان يقول : .... فذكره.

ـ وأخرجه الآجري في «الشريعة» ٨٣٧ من طريق عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن ثوبان مرفوعا دون ذكر «معدان» وهذا إسناد منقطع.

ـ الخلاصة : الحديث صحيح.

٣١٥

محمد بن زكريا العذافري أنا إسحاق بن إبراهيم الدبري ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنا عند عقر حوضي أذود الناس عنه لأهل اليمن ، إني لأضربهم بعصاي حتى يرفضوا عنه ، وإنه ليغتّ فيه ميزابان من الجنة أحدهما من ورق والآخر من ذهب ، طوله ما بين بصرى وصنعاء ، أو ما بين أيلة ومكة ، أو من مقامي هذا إلى عمان».

قوله عزوجل : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (٢) ، قال محمد بن كعب : إن أناسا كانوا يصلون لغير الله وينحرون لغير الله ، فأمر الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يصلي وينحر لله عزوجل. وقال عكرمة وعطاء وقتادة : فصل لربك صلاة العيد يوم النحر وانحر نسكك. [وقال سعيد بن جبير ومجاهد : فصل الصلوات المفروضة بجمع وانحر البدن بمنى وروي](١) عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (٢) قال وضع اليمين على الشمال في الصلاة عند النحر.

قوله تعالى : (إِنَّ شانِئَكَ) ، عدوك ومبغضك ، (هُوَ الْأَبْتَرُ) ، هو الأقل الأذل المنقطع دابره.

[٢٤٠٩] نزلت في العاص بن وائل السهمي ، وذلك أنه رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخرج من المسجد وهو يدخل فالتقيا عند باب بني سهم وتحدثا ، وأناس من صناديد قريش جلوس في المسجد فلما دخل العاص قالوا له : من [ذا](٢) الذي كنت تتحدث معه؟ قال ذلك الأبتر يعني النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان قد توفي ابن لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من خديجة رضي الله عنها.

[٢٤١٠] وذكر محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان قال : كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال دعوه لنا فإنه رجل أبتر ، لا عقب له فإذا هلك انقطع ذكره ، فأنزل الله تعالى هذه السورة.

[٢٤١١] وقال عكرمة عن ابن عباس : نزلت في كعب بن الأشرف وجماعة من قريش ، وذلك أنه لما

__________________

[٢٤٠٩] ـ لم أره مسندا. وذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٨٧٢ عن ابن عباس بدون إسناد. وورد بنحوه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس. ذكره الشوكاني في «فتح القدير» ٤ / ٦١٧ وهذا إسناد ساقط. وكون الآية نزلت في العاص بدون هذه القصة.

ـ أخرجه الطبري ٣٨٢١٦ من مرسل سعيد بن جبير ، و ٣٨٢١٧ من مرسل مجاهد و ٣٨٢١٨ من مرسل قتادة.

ـ وهو الراجح ، وانظر ما بعده.

[٢٤١٠] ـ مرسل. أخرجه الواحدي في «أسباب النزول» ٨٧٣ وفي «الوسيط» ٤ / ٥٦٣ من طريق يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان مرسلا.

ـ وهذا مرسل ، وإذا انضم إلى ما قبله ترجح كون الآية نزلت في العاص.

[٢٤١١] ـ حسن. أخرجه النسائي في «التفسير» ٧٢٧ والطبري ٣٨٢٢٤ وابن حبان ٦٥٧٢ من طرق عن ابن أبي عدي عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس به ، ورجاله ثقات.

ـ وأخرجه البزار ٢٢٩٣ من طريق يحيى بن راشد عن داود بن أبي هند عن عكرمة به.

ـ وصحح ابن كثير ٤ / ٦٧٤ إسناد البزار.

وأخرجه الطبراني ١١٦٤٥ من طريق يونس بن سليمان الحمال عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة به.

ـ وذكره الهيثمي في «المجمع» ٧ / ٥ ـ ٦ وقال : فيه يونس بن سليمان الحمال ، ولم أعرفه ، وبقية رجاله رجال الصحيح. ـ

(١) سقط من المخطوط.

(٢) زيادة من المخطوط.

٣١٦

قدم كعب مكة قالت له قريش : نحن أهل السقاية والسدانة ، وأنت سيد أهل المدينة فنحن خير أم هذا الصنبور المنبتر من قومه؟ فقال : بل أنتم خير منه ، فنزلت : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) [النساء : ٥١] الآية ، ونزل في الذين قالوا إنه أبتر : (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) (٣) أي المنقطع من كل خير.

سورة الكافرون

مكية [وهي ست آيات](١)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١) لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (٢) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٣) وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (٤) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٥) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (٦))

(قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) (١) ، إلى آخر السورة.

[٢٤١٢] نزلت في رهط من قريش منهم : الحارث بن قيس السهمي ، والعاص بن وائل والوليد بن المغيرة ، والأسود بن عبد يغوث ، والأسود بن المطلب بن أسد ، وأمية بن خلف ، قالوا : يا محمد هلم فاتبع ديننا ونتبع دينك ونشركك في أمرنا كله ، تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة ، فإن كان الذي جئت به خيرا كنا قد شركناك فيه وأخذنا حظنا منه ، وإن كان الذي بأيدينا خيرا كنت قد شركتنا في أمرنا وأخذت بحظك منه ، فقال : معاذ الله أن أشرك به غيره ، قالوا : فاستلم بعض آلهتنا نصدقك ونعبد إلهك ، فقال : حتى انظر ما يأتي من عند ربي ، فأنزل الله عزوجل : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) (١) إلى آخر السورة ، فغدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المسجد الحرام وفيه الملأ (٢) من قريش ، فقام على رءوسهم ثم قرأها عليهم حتى فرغ من السورة ، فأيسوا منه عند ذلك وآذوه وأصحابه.

ومعنى الآية : (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) (٢) ، في الحال.

(وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) (٣) ، في الحال ، (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ) (٤) ، في الاستقبال ،(وَلا

__________________

ـ قلت : قد توبع ، فهذا خبر قوي ، ورد من وجوه عن عكرمة عن ابن عباس ، ويمكن الجمع بينه وبين المتقدم ، بأن يكون العاص هو رأس قريش في تلك الحادثة ، والله أعلم.

[٢٤١٢] ـ هكذا ذكره بدون إسناد ومن غير عزو ، وكذا صنع الواحدي في «الأسباب» ٨٧٤ ، وذكره ابن هشام في «السيرة» ١ / ٣٤٨ عن ابن إسحاق به.

ـ وورد بنحوه عن ابن عباس ، أخرجه الطبري ٣٨٢٢٥ ، وإسناده ضعيف ، فيه أبو خلف ، وهو مجهول.

ـ وورد من مرسل سعيد بن ميناء أخرجه الطبري ٣٨٢٢٥ فذكر بعضه.

(١) زيد في المطبوع.

(٢) في المطبوع «الملا».

٣١٧

أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) (٣) في الاستقبال ، وهذا خطاب لمن سبق في علم الله أنهم لا يؤمنون ، وقوله : (ما أَعْبُدُ) أي من أعبد ، لكنه ذكره لمقابلة (ما تَعْبُدُونَ).

ووجه التكرار.

قال أكثر أهل المعاني : هو أن القرآن نزل بلسان العرب ، وعلى مجازي خطابهم ، ومن مذاهبهم التكرار إرادة التوكيد والإفهام (١) ، كما أن من مذاهبهم الاختصار إرادة التخفيف والإيجاز. وقال القتيبي : تكرار الكلام لتكرار الوقت ، وذلك أنهم قالوا : إن سرك أن ندخل في دينك عاما فادخل في ديننا عاما ، فنزلت هذه السورة.

(لَكُمْ دِينُكُمْ) ، الشرك ، (وَلِيَ دِينِ). الإسلام ، قرأ ابن كثير ونافع وحفص : (وَلِيَ) بفتح الياء ، والآخرون بإسكانها. وهذه الآية منسوخة بآية السيف.

سورة النصر

مدنية وهي ثلاث آيات

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (٣))

(إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) (١) ، أراد فتح مكة.

[٢٤١٣] وكانت قصته على ما ذكر محمد بن إسحاق وأصحاب الأخبار أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما صالح قريشا عام الحديبية ، واصطلحوا على وضع الحرب بين الناس عشر سنين يأمن فيهن الناس ويكف بعضهم عن بعض ، وأنه من أحب أن يدخل في عقد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعهده دخل فيه ، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه ، فدخلت بنو بكر في عقد قريش ، ودخلت خزاعة في عقد (٢) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان بينهما شر قديم ، ثم إن بني بكر عدت على خزاعة ، وهم على ماء لهم بأسفل مكة ، يقال له الوتير ، فخرج نوفل بن معاوية الدؤلي في بني الدئل من بني بكر حتى بيت خزاعة ، فأصابوا منهم رجلا وتحاربوا (٣) واقتتلوا ، ورفدت

__________________

[٢٤١٣] ـ انظر «دلائل النبوة» للبيهقي ٥ / ٥ ـ ٦٤ و «سيرة ابن هشام» ٤ / ٢٦ ـ ٤٢ «المغازي» للواقدي ٢ / ٧٨٠ و «الطبقات» لابن سعد ٢ / ١٣٤ و «البداية والنهاية» لابن كثير ٤ / ٢٧٨.

ـ الخلاصة : لأكثره شواهد في الصحيحين ، وتقدم تخريجها ، في سورة الفتح وغيرها ، وبعضه غريب.

(١) في المخطوط «الإبهام».

(٢) في المطبوع «عهد».

(٣) في المخطوط «تجاولوا».

٣١٨

قرش بني بكر بالسلاح وقاتل معهم من قريش من قاتل مستخفيا بالليل ، حتى حازوا خزاعة إلى الحرم.

وكان ممن أعان بني بكر من قريش على خزاعة ليلتئذ بأنفسهم متنكرين : صفوان بن أمية ، وعكرمة بن أبي جهل ، وسهيل بن عمرو ، مع عبيدهم فلما انتهوا إلى الحرم قالت بنو بكر : يا نوفل إنا دخلنا الحرم إلى إلهك فقال كلمة عظيمة إنه لا إله لي اليوم ، أصيبوا ثأركم فيه ، فلما تظاهرت قريش على خزاعة وأصابوا منهم ونقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من العهد بما استحلوا من خزاعة ، وكانوا في عقده خرج عمرو بن سالم الخزاعي حتى قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة ، وكان ذلك مما هاج فتح مكة ، فوقف عليه وهو في المسجد جالس بين ظهراني الناس ، فقال :

«لا همّ إني ناشد محمدا

حلف أبينا وأبيه الأتلدا

إن قريشا أخلفوك الموعدا

ونقضوا ميثاقك المؤكدا»

الأبيات كما ذكرنا في سورة التوبة.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قد نصرت يا عمرو بن سالم» ، ثم عرض لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عنان بين السماء ، فقال : «إن هذه السحابة لتستهل (١) بنصر بني كعب» ، وهم رهط عمرو بن سالم ، ثم خرج بديل بن ورقاء في نفر من خزاعة حتى قدموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبروه بما أصيب منهم ومظاهرة قريش بني بكر عليهم ، ثم انصرفوا راجعين إلى مكة.

وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال للناس : كأنكم بأبي سفيان قد جاء ليشدد العقد ويزيد في المدة ، ومضى بديل بن ورقاء فلقي أبا سفيان بعسفان ، قد بعثته قريش إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ليشدد العقد ويزيد في المدة ، وقد رهبوا الذي صنعوا فلما لقي أبو سفيان بديلا قال : من أين أقبلت يا بديل؟ وظن أنه قد أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : سرت إلى خزاعة في هذا الساحل وفي بطن هذا الوادي ، قال : أو ما أتيت محمدا؟ قال : لا ، فلما راح بديل إلى مكة قال أبو سفيان : لئن كان جاء المدينة لقد علف ناقته بها النوى فعمد إلى مبرك ناقته فأخذ من بعرها ففته فرأى فيه النوى ، فقال : أحلف بالله لقد جاء بديل محمدا.

ثم خرج أبو سفيان حتى قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة ، فدخل على ابنته أم حبيبة بنت أبي سفيان ، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم طوته عنه ، فقال : يا بنية أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني؟ قالت : بلى هو فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأنت رجل مشرك نجس ، فلم أحب أن تجلس على فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : والله لقد أصابك يا بنية بعدي شيء ، ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكلمه فلم يرد عليه شيئا. [غير أنه قال : نقض أهل مكة العهد].

ثم ذهب إلى أبي بكر فكلمه أن يكلم له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال ما أنا بفاعل.

ثم أتى عمر بن الخطاب فكلمه فقال أنا لا أشفع لكم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فو الله لو لم أجد إلا الدر لجاهدتكم به.

ثم خرج فدخل على علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعنده فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعندها الحسن بن علي رضي الله عنهما غلام يدب بين يديها ، فقال : يا علي إنك أمسّ القوم بي رحما وأقربهم مني قرابة ، وقد جئت في حاجة فلا أرجعن كما جئت خائبا ، اشفع لنا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : ويحك يا أبا سفيان لقد عزم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه.

__________________

(١) في المخطوط «لتسهل».

٣١٩

فالتفت إلى فاطمة فقال : يا بنت محمد هل لك أن تأمري بنيك هذا فيجير بين الناس فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر؟ قالت : والله ما بلغ بنيّ أن يجير بين الناس ، وما يجير على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحد ، فقال : يا أبا الحسن أرى الأمور قد اشتدت عليّ فانصحني ، قال : والله ما أعلم شيئا يغني عنك ، ولكنك سيد بني كنانة ، فقم فأجر بين الناس ، ثم الحق بأرضك ، قال : أوتر ذلك مغنيا عني [شيئا](١)؟ قال : لا والله ما أظن ولكن لا أجد لك غير ذلك.

فقام أبو سفيان في المسجد فقال : يا أيها الناس إني قد أجرت بين الناس ، ثم ركب بعيره فانطلق فلما قدم على قريش قالوا : ما وراءك؟ قال : جئت محمدا فكلمته والله ما رد علي شيئا ثم جئت ابن أبي قحافة ، فلم أجد عنده خيرا ، فجئت ابن الخطاب فوجدته أعدى القوم ، ثم أتيت عليّ بن أبي طالب فوجدته ألين القوم ، وقد أشار علي بشيء صنعته فو الله ما أدري هل يغنيني شيئا أم لا؟ قالوا : وما ذا أمرك؟ قال : أمرني أن أجير بين الناس ففعلت ، قالوا : فهل أجاز لك ذلك محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال : لا ، قالوا : والله إن زاد علي على أن لعب بك فلا يغني عنّا ما قلت ، قال : لا والله ما وجدت غير ذلك ، قال.

وأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الناس بالجهاز ، وأمر أهله أن يجهزوه ، فدخل أبو بكر على ابنته عائشة رضي الله عنها وهي تصلح بعض جهاز رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : أي بنيّة أمركم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأن تجهزوه؟ قالت : نعم فتجهز ، قال : فأين ترينه يريد؟ قالت : ما أدري. ثم إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعلم الناس أنه سائر إلى مكة ، وأمرهم بالجد والتهيؤ ، وقال : «اللهم خذ العيون والأخبار عن قرش حتى نبغتها في بلادها» فتجهز الناس.

وكتب حاطب بن أبي بلتعة كتابا إلى قريش وفيه قصة ذكرناها في سورة الممتحنة.

ثم استخلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على المدينة أبا رهم كلثوم بن حصين بن خلف الغفاري ، وخرج عامدا إلى مكة لعشر مضين من رمضان سنة ثمان ، فصام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصام الناس معه ، حتى إذا كان بالكديد ما بين عسفان وأمج أفطر ، ثم مضى حتى نزل بمر الظهران في عشرة آلاف من المسلمين ، ولم يتخلف من المهاجرين والأنصار عنه أحد ، فلما نزل بمر الظهران وقد عميت الأخبار عن قريش ، فلا يأتيهم خبر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا يدرون ما هو فاعل ، فخرج في تلك [الليلة](٢) أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يتحسسون الأخبار هل يجدون خبرا.

وقد قال العباس بن عبد المطلب ليلتئذ : وا صباح قريش ، والله لئن بغتها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بلادها (٣) فدخل مكة عنوة إنها لهلاك قرشي إلى آخر الدهر ، فخرج العباس على بغلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال أخرج إلى الأراك لعلي أرى حطابا أو صاحب لبن أو داخلا يدخل مكة فيخبرهم بمكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيأتونه فيستأمنونه قبل أن يدخلها عليهم عنوة.

قال العباس فخرجت وإني لأطوف في الأراك ألتمس ما خرجت له إذ سمعت صوت أبي سفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء ، وقد خرجوا يتجسسون الخبر ، فسمعت أبا سفيان يقول : والله ما رأيت كالليلة قط نيرانا ، وقال بديل : هذه والله نيران خزاعة حمشتها (٤) الحرب ، فقال أبو سفيان خزاعة

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) في المخطوط «بأفلاذها».

(٤) في المخطوط «جشمتها».

٣٢٠