تفسير البغوي - ج ٥

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي

تفسير البغوي - ج ٥

المؤلف:

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي


المحقق: عبدالرزاق المهدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٣

عليهم وأعطوا من الدنيا وهم لا يعبدون الله تعالى ، فجلس النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان متكئا فقال : «أو في هذا أنت يا ابن الخطاب؟ إن أولئك قوم عجلوا طيباتهم في الحياة الدنيا» ، فقلت : يا رسول الله استغفر لي فاعتزل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وسلم نساءه من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة تسعا وعشرين ليلة ، وكان يقول : ما أنا بداخل عليهن شهرا من شدة موجدته عليهن حين عاتبه الله تعالى ، فلما مضت تسعا وعشرون ليلة ، دخل على عائشة رضي الله عنها فبدأ بها ، فقالت له عائشة : يا رسول الله إنك كنت أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا فإنما أصبحت من تسع وعشرين ليلة أعدها عدا؟ فقال : الشهر تسعا وعشرون ، وكان ذلك الشهر تسعا وعشرين ليلة. قالت عائشة : ثم أنزل الله آية التخيير فبدأ بي أول امرأة من نسائه ، فاخترته ثم خير نساءه كلهن فقلن مثل ما قالت عائشة.

[٢٢٤٤] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا أبو اليمان أنا شعيب عن الزهري أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن عائشة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبرته أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جاءها حين أمره الله تعالى أن يخير أزواجه فبدأ بي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : «إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك» وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه ، ثم قال : إن الله قال : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ) [الأحزاب : ٢٨ و ٥٩] إلى تمام الآيتين ، فقلت : أو في هذا أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة.

[٢٢٤٥] أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج حدثني زهير بن حرب ثنا عمر بن يونس الحنفي ثنا عكرمة بن عمار عن سماك أبي (١) زميل حدثنا عبد الله بن عباس حدثني عمر بن الخطاب قال : لما اعتزل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نساءه وذكر الحديث. وقال : دخلت عليه فقلت : يا رسول الله ما يشق عليك من شأن النساء فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك. وقلما تكلمت وأحمد الله تعالى بكلام إلا رجوت أن يكون الله يصدق قولي الذي أقول ، ونزلت هذه الآية : (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَ) [التحريم : ٥].

(وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ). قوله : (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ) ، أي تتظاهرا وتتعاونا على أذى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قرأ أهل الكوفة بتخفيف الظاء ، والآخرون

__________________

[٢٢٤٤] ـ إسناده صحيح على شرطهما ، وانظر ما قبله.

ـ وهو في «شرح السنة» ٢٣٤٧ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٤٧٨٥ عن أبي اليمان بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ١٤٧٥ من طريق يونس بن يزيد عن الزهري به.

[٢٢٤٥] ـ إسناده على شرط مسلم.

ـ سماك هو ابن الوليد.

ـ وهو في «صحيح مسلم» ١٤٧٩ عن زهير بن حرب بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه أبو يعلى ١٦٤ من طريق عكرمة بن عمار به.

ـ وانظر ما تقدم في سورة الأحزاب عند آية : ٢٩.

(١) تصحف في المطبوع «بن».

١٢١

بتشديدها ، (فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ) ، أي وليه وناصره قوله : (وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) ، روي عن ابن مسعود وأبي بن كعب : (وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ، وقال الكلبي : هم المخلصون الذين ليسوا بمنافقين. قوله : (وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) ، قال مقاتل : بعد الله وجبريل وصالح المؤمنين (ظَهِيرٌ) ، أي : أعوان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهذا من الواحد الذي يؤدي عن الجمع ، كقوله : (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) [النساء : ٦٩].

(عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً (٥))

(عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَ) ، أي واجب من الله إن طلقكن رسوله ، (أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ) ، خاضعات لله بالطاعة ، (مُؤْمِناتٍ) ، مصدقات بتوحيد الله ، (قانِتاتٍ) ، طائعات ، وقيل : داعيات وقيل مصليات ، (تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ) ، صائمات ، وقال زيد بن أسلم : مهاجرات وقيل : يسحن معه حيث ما ساح (ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) ، وهذا في الإخبار عن القدرة لا عن الكون لأنه قال : (إِنْ طَلَّقَكُنَ) وقد علم أنه لا يطلقهن وهذا كقوله : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) [محمد : ٣٨] ، وهذا إخبار عن القدرة لأن [ليس](١) في الوجود أمة هي (٢) خير من أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٨) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٩))

قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ) ، قال عطاء عن ابن عباس : أي بالانتهاء عما نهاكم الله تعالى عنه والعمل بطاعته ، (وَأَهْلِيكُمْ ناراً) ، يعني مروهم بالخير وانهوهم عن الشر ، وعلموهم وأدبوهم تقوهم بذلك نارا ، (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ) ، يعني خزنة النار ، (غِلاظٌ) ، فظاظ على أهل النار ، (شِدادٌ) ، أقوياء يدفع الواحد منهم بالدفعة الواحدة سبعين ألفا في النار وهم الزبانية لم يخلق الله فيهم الرحمة ، (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ).

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٧) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً) ، قرأ الحسن وأبو بكر عن عاصم (نَصُوحاً) بضم النون ، وقرأ العامة بفتحها أي توبة ذات نصح تنصح صاحبها بترك العود إلى ما تاب منه.

واختلفوا في معناه قال عمر وأبيّ ومعاذ : التوبة النصوح أن يتوب ثم لا يعود إلى الذنب ، كما لا

__________________

(١) سقط من المطبوع.

(٢) في المطبوع «هم».

١٢٢

يعود اللبن إلى الضرع. قال الحسن : هي أن يكون العبد نادما على ما مضى مجمعا على ألا يعود فيه. قال الكلبي أن يستغفر باللسان ويندم بالقلب ويمسك بالبدن. قال سعيد بن المسيب : توبة تنصحون بها أنفسكم قال القرظي : يجمعها أربعة أشياء الاستغفار باللسان والإقلاع (١) بالأبدان وإضمار ترك العود بالجنان ومهاجرة سيئ الإخوان. (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) ، أي لا يعذبهم الله بدخول النار ، (نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) ، على الصراط ، (يَقُولُونَ) ، إذ طفئ نور المنافقين ، (رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٩)) ، ثم ضرب الله مثلا للصالحين والصالحات من النساء.

(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (١٠) وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١١) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ (١٢))

فقال جلّ ذكره : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ) ، واسمها واعلة ، (وَامْرَأَتَ لُوطٍ) ، واسمها واهلة. وقال مقاتل : والعة ووالهة ، (كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ) ، وهما نوح ولوط عليهما‌السلام ، (فَخانَتاهُما) ، قال ابن عباس : ما بغت امرأة نبي قط وإنما كانت خيانتهما أنهما كانتا على غير دينهما ، فكانت امرأة نوح تقول للناس : إنه مجنون وإذا آمن به أحد أخبرت به الجبابرة ، وأما امرأة لوط فإنها كانت تدل (٢) قومه على أضيافه إذا نزل به ضيف بالليل أوقدت النار ، وإذا نزل بالنهار دخنت ليعلم قومه أنه نزل به ضيف. وقال الكلبي : أسرتا النفاق وأظهرتا الإيمان ، (فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً) لم يدفعا عنهما مع نبوتهما عذاب الله ، (وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) ، قطع الله بهذه الآية طمع كل من يركب المعصية أن ينفعه صلاح غيره ، ثم أخبر أن معصية غيره لا تضره إذا كان مطيعا.

فقال : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ) ، وهي آسية بنت مزاحم ، قال المفسرون : لما غلب موسى السحرة آمنت امرأة فرعون ولما تبين لفرعون إسلامها أوتد يديها ورجليها بأربعة أوتاد وألقاها في الشمس. قال سلمان : كانت امرأة فرعون تعذب بالشمس فإذا انصرفوا عنها ظلتها الملائكة (إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ) ، فكشف الله لها عن بيتها في الجنة حتى رأته وفي القصة أن فرعون أمر بصخرة عظيمة لتلقى عليها ، فلما أتوها بالصخرة قالت : رب ابن لي عندك بيتا في الجنة فأبصرت بيتها في الجنة من درة بيضاء ، وانتزع روحها فألقيت الصخرة على جسد لا روح فيه ، ولم تجد ألما. وقال الحسن وابن كيسان : رفع الله امرأة فرعون إلى الجنة فهي فيها تأكل وتشرب. (وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ) ، قال مقاتل (وَعَمَلِهِ) يعني الشرك. وقال أبو صالح عن ابن عباس : وعمله ، قال : جماعة. (وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ، الكافرين.

__________________

(١) تصحف في المطبوع «الأقلام».

(٢) زيد في المطبوع «على».

١٢٣

(وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ) ، أي في جيب درعها ، ولذلك ذكر الكناية ، (مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها) ، يعني الشرائع التي شرعها الله للعباد بكلماته المنزلة ، (وَكُتُبِهِ) ، قرأ أهل البصرة وحفص (وَكُتُبِهِ) على الجمع ، وقرأ الآخرون وكتابه على التوحيد ، والمراد منه الكثرة أيضا. وأراد الكتب التي أنزلت على إبراهيم وموسى وداود وعيسى عليهم‌السلام. (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) ، أي من القوم القانتين المطيعين لربها ولذلك لم يقل من القانتات. وقال عطاء : من القانتين أي من المصلين ويجوز أن يريد بالقانتين رهطها وعشيرتها فإنهم كانوا أهل صلاح مطيعين لله.

[٢٢٤٦] وروينا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «حسبك من نساء العالمين : مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون».

سورة الملك

مكية [وهي ثلاثون آية](١)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (٢))

(تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ) ، قال عطاء عن ابن عباس : يريد الموت في الدنيا والحياة في الآخرة. وقال قتادة : أراد موت الإنسان وحياته في الدنيا ، جعل الله الدنيا دار حياة وفناء ، وجعل الآخرة دار جزاء وبقاء. قيل : إنما قدم الموت لأنه إلى القهر أقرب. وقيل قدمه لأنه أقدم لأن الأشياء في الابتداء كانت في حكم الموت كالنطفة والتراب ونحوهما ، ثم طرأت عليها الحياة. وقال ابن عباس : خلق الموت على صورة كبش أملح لا يمر شيء ولا يجد ريحه شيء إلا مات وخلق الحياة على صورة فرس بلقاء أنثى وهي التي كان جبريل والأنبياء يركبونها لا تمر بشيء ولا يجد ريحها بشيء إلا حيي ، وهي التي أخذ السامري قبضة من أثرها فألقى على العجل فحيي (لِيَبْلُوَكُمْ) ، فيما بين الحياة إلى الموت ، (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً).

[٢٢٤٧] روي عن ابن عمر مرفوعا وأحسن عملا : أحسن عقلا ، وأورع عن محارم الله ، وأسرع في طاعة الله». وقال الفضيل بن عياض : أحسن عملا أخلصه وأصوبه. وقال : العمل لا يقبل حتى يكون

__________________

[٢٢٤٦] ـ تقدم في سورة آل عمران عند آية : ٣٢.

(١) زيد في المطبوع.

١٢٤

خالصا صوابا فالخالص إذا كان الله والصواب إذا كان على السنّة. وقال الحسن : أيكم أزهد في الدنيا وأترك لها. وقال الفراء : لم تقع البلوى على أي إلا وبينهما إضمار كما تقول بلوتكم لأنظر أيكم أطوع ومثله (سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ) [القلم : ٤٠] أي سلهم وانظر أيهم ، ف «أي» رفع على الابتداء وأحسن خبره ، (وَهُوَ الْعَزِيزُ) ، في انتقامه ممن عصاه ، (الْغَفُورُ) ، لمن تاب إليه.

(الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ (٣) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (٤) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ (٥) وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٦) إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (٧) تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨))

(الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) ، طبقا على طبق بعضها فوق بعض ، (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) ، قرأ حمزة والكسائي من تفوت بتشديد الواو بلا ألف ، وقرأ الآخرون بتخفيف الواو وألف قبلها ، وهما لغتان كالتحمل والتحامل والتظهر والتظاهر ، ومعناه : ما ترى يا ابن آدم في خلق الرحمن من اعوجاج واختلاف وتناقض ، بل هي مستقيمة مستوية وأصله من الفوت وهو أن يفوت بعضها بعضا لقلة استوائها ، (فَارْجِعِ الْبَصَرَ) ، كرر النظر ، معناه : انظر ثم ارجع ، (هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) ، شقوق وصدوع.

(ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) ، قال ابن عباس مرة بعد مرة ، (يَنْقَلِبْ) ، ينصرف ويرجع (إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً) ، صاغرا ذليلا مبعدا لم ير ما يهوي ، (وَهُوَ حَسِيرٌ) ، كليل منقطع لم يدرك ما طلب. وروي عن كعب أنه قال : السماء الدنيا موج مكفوف ، والثانية مرمرة بيضاء ، والثالثة حديد ، والرابعة صفراء ، وقال نحاس ، والخامسة فضة ، والسادسة ذهب ، والسابعة ياقوتة حمراء ، ومن السماء السابعة إلى الحجب السبعة صحارى [من](١) نور.

(وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) ، أراد الأدنى من الأرض وهي التي يراها الناس. وقوله (بِمَصابِيحَ) أي الكواكب ، واحدها مصباح ، وهو السراج سمي الكوكب مصباحا لإضاءته ، (وَجَعَلْناها رُجُوماً) ، مرامي ، (لِلشَّياطِينِ) ، إذا استرقوا السمع ، (وَأَعْتَدْنا لَهُمْ) ، في الآخرة ، (عَذابَ السَّعِيرِ) ، النار الموقدة.

(وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٦) إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً) ، وهو أول نهيق الحمار وذلك أقبح الأصوات ، (وَهِيَ تَفُورُ) ، تغلي بهم كغلي المرجل. وقال مجاهد : تفور بهم كما يفور الماء الكثير بالحب القليل.

__________________

[٢٢٤٧] ـ باطل. أخرجه الطبري ١٨٠٠٣ والحارث بن أبي أسامة كما في «تخريج الكشاف» ٢ / ٣٨٠ من حديث ابن عمر ، وأعله الحافظ ابن حجر بداود بن المحبر ، وقال : داود ساقط ، وذكر الذهبي داود هذا في «الميزان» ٢ / ٢٠ ونقل عن الدارقطني قوله «كتاب العقل» وصنعه ميسرة بن عبد ربه ، ثم سرقه داود ، فركبه على أسانيد ا ه ملخصا ، وهذا الحديث يذكر العقل ، فهو من ذاك الكتاب المصنوع ، وانظر «الكشاف» ٥٢٤ بتخريجي.

(١) زيادة عن المطبوع.

١٢٥

(تَكادُ تَمَيَّزُ) ، تتقطع ، (مِنَ الْغَيْظِ) ، من تغيظها عليهم ، قال ابن قتيبة : تكاد تنشق غيظا على الكفار ، (كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ) ، جماعة منهم ، (سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها) ، سؤال توبيخ ، (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) ، رسول ينذركم.

(قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (٩) وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ (١٠) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ (١١) إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١٢) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٣) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (١٥) أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ (١٦))

(قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا) ، للرسل ، (ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ).

(وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ) ، من الرسل ما جاءونا به ، (أَوْ نَعْقِلُ) ، منهم ، وقال ابن عباس : لو كنا نسمع الهدى أو نعقله فنعمل به. (ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) ، قال الزجاج : لو كنا نسمع سمع من يعي ويتفكر أو نعقل عقل من يميز وينظر ما كنا في (١) أهل النار.

(فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً) ، بعدا ، (لِأَصْحابِ السَّعِيرِ) ، قرأ أبو جعفر والكسائي (فَسُحْقاً) بضم الحاء ، وقرأ الباقون بسكونها ، وهما لغتان مثل الرعب والرعب والسحت والسحت.

(إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١٢) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (١٣) ، قال ابن عباس : نزلت في المشركين كانوا ينالون من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيخبره جبريل عليه‌السلام بما قالوا ، فقال بعضهم لبعض : أسرّوا قولكم كيلا يسمع إله محمد.

فقال الله جلّ ذكره : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ) ، ألا يعلم ما في الصدور من خلقها ، (وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) ، لطيف علمه في القلوب الخبير بما فيها من السر والوسوسة. وقيل : (مَنْ) يرجع إلى المخلوق ، أي ألا يعلم الله مخلوقه.

(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً) ، سهلا لا يمتنع المشي فيها بالحزونة ، (فَامْشُوا فِي مَناكِبِها) ، قال ابن عباس وقتادة : في جبالها. وقال الضحاك : في آكامها. وقال مجاهد : في طرقها وفجاجها. قال الحسن : في سبلها. وقال الكلبي : في أطرافها. وقال مقاتل : في نواحيها. قال الفراء : في جوانبها.

والأصل في الكلمة الجانب ، ومنه منكب الرجل ، والريح النكباء وتنكب فلان. أي جانب (وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) ، مما خلقه رزقا لكم في الأرض ، (وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) ، أي وإليه تبعثون من قبوركم.

ثم خوّف الكفار فقال : (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ) ، قال ابن عباس : أي عقاب (٢) من في السماء إن عصيتموه ، (أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ) ، قال الحسن : تتحرك بأهلها. وقيل : تهوي بهم ، والمعنى : أن الله تعالى يحرك الأرض عند الخسف بهم حتى تلقيهم إلى أسفل [والأرض](٣) تعلو عليهم وتمر

__________________

(١) في المطبوع «من».

(٢) في المطبوع «عذاب».

(٣) زيادة عن المخطوط.

١٢٦

فوقهم. يقال : مار يمور إذا جاء وذهب.

(أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (١٧) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (١٨) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (١٩) أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ (٢٠) أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (٢١) أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٢) قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٢٣) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٦) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (٢٧))

(أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً) ، ريحا ذات حجارة كما فعل بقوم لوط. (فَسَتَعْلَمُونَ) ، في الآخرة وعند الموت ، (كَيْفَ نَذِيرِ) ، أي إنذاري إذا عاينتم العذاب.

(وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ، يعني كفار الأمم الماضية ، (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) ، أي إنكاري عليهم بالعذاب.

(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ) ، تصف أجنحتها في الهواء ، (وَيَقْبِضْنَ) ، أجنحتهن بعد البسط ، (ما يُمْسِكُهُنَ) ، في حال القبض والبسط أن يسقطن ، (إِلَّا الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ).

(أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ) ، استفهام إنكار. قال ابن عباس : أي منعة لكم ، (يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ) ، يمنعكم من عذابه ويدفع عنكم ما أراد بكم. (إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ) ، أي في غرور من الشيطان يغرهم بأن العذاب لا ينزل بهم.

(أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ) ، أي من الذي يرزقكم المطر إن أمسك الله عنكم ، (بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ) ، تمادوا في الضلال ، (وَنُفُورٍ) ، تباعد من الحق. [وقال مجاهد : كفور].

ثم ضرب مثلا فقال : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ) ، راكبا رأسه في الضلالة والجهالة أعمى العين والقلب لا يبصر يمينا ولا شمالا وهو الكافر. قال قتادة : أكب على المعاصي في الدنيا فحشره الله على وجهه يوم القيامة ، (أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا) ، معتدلا يبصر الطريق وهو ، (عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ، وهو المؤمن (١). قال قتادة : يمشي يوم القيامة سويا.

(قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) (٢٣) ، قال مقاتل : يعني أنهم لا يشكرون رب هذه النعم.

(قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٦) فَلَمَّا رَأَوْهُ) ، يعني العذاب في الآخرة على قول أكثر المفسرين. وقال مجاهد : يعني العذاب ببدر ، (زُلْفَةً) ، أي قريبا وهو اسم يوصف به المصدر يستوي فيه المذكر والمؤنث والواحد والاثنان والجمع ، (سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، اسودت وعلتها الكآبة ، فالمعنى قبحت وجوههم بالسواد

__________________

(١) في المطبوع «مؤمن».

١٢٧

يقال ساء الشيء يسوء فهو سيئ إذا قبح ، وسيئ يساء إذا قبح ، (وَقِيلَ) لها أي قال لهم الخزنة ، (هذَا) ، أي هذا العذاب ، (الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ) ، تفتعلون ، من الدعاء [أي : تدعون تتمنون أن يعجل لكم](١) ، وقرأ يعقوب تدعون بالتخفيف ، وهي قراءة قتادة ومعناهما واحد مثل تذكرون وتذكرون.

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٨) قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ (٣٠))

(قُلْ) ، يا محمد لمشركي مكة الذين يتمنون هلاكك ، (أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ) ، من المؤمنين ، (أَوْ رَحِمَنا) ، فأبقانا إلى منتهى آجالنا ، (فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) ، فإنه واقع بهم لا محالة. وقيل : معناه أرأيتم إن أهلكني الله فيعذبني ومن معي أو رحمنا فيغفر لنا ، فنحن مع إيماننا خائفون أن يهلكنا بذنوبنا لأن حكمه نافذ فينا فمن يجير الكافرين ، فمن يجيركم ويمنعكم من عذابه وأنتم كافرون ، وهذا معنى قول ابن عباس.

(قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ) ، الذي نعبده ، (آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ) ، قرأ الكسائي بالياء وقرأ الباقون بالتاء. (مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ، أي ستعلمون عند معاينة العذاب من الضال [منا](٢) نحن أم أنتم.

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً) ، أي غائرا ذاهبا في الأرض لا تناله الأيدي والدلاء. قال الكلبي ومقاتل : يعني ماء زمزم ، (فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) ، ظاهر تراه العيون وتناله الأيدي والدلاء. وقال عطاء عن ابن عباس : معين أي جار.

[٢٢٤٧] أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني الحسن الفارسي ثنا أبو عبد الله محمد بن يزيد ثنا أبو يحيى البزاز ثنا محمد بن يحيى ثنا أبو داود ثنا عمران عن قتادة عن عباس (٣) الجشمي عن

__________________

[٢٢٤٧] ـ صحيح بطرقه وشواهده.

ـ إسناده لين ، عمران هو ابن داور ، فيه لين ، لكن توبع ، وعباس الجشمي ، مقبول أي حيث يتابع ، وقد توبع على هذا المتن.

ـ أبو داود هو سليمان بن داود ، قتادة هو ابن دعامة ، عباس قيل اسم أبيه : عبد الله.

ـ وأخرجه الحاكم ٢ / ٤٩٧ من طريق أبي داود الطيالسي بهذا الإسناد.

ـ وصححه ، ووافقه الذهبي.

ـ وأخرجه أبو داود ١٤٠٠ والترمذي ٢٨٩١ والنسائي في «عمل اليوم والليلة» ٧١٠ وابن ماجه ٣٧٨٦ وأحمد ٢ / ٢٩٩ و ٣٢١ وابن حبان ٧٨٧ والحاكم ١ / ٥٦٥ من طرق عن شعبة به بلفظ «إن سورة من القرآن ـ ثلاثون آية ـ تستغفر لصاحبها حتى يغفر له (تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ).

ـ وله شاهد من حديث أنس أخرجه الطبراني في «الأوسط» ٣٦٦٧ و «الصغير» ٤٩٠ وقال الهيثمي في «المجمع» ٧ / ١٢٧ : ورجاله رجال الصحيح.

ـ وله شاهد آخر من حديث ابن عباس أخرجه الترمذي ٢٨٩٠ وفي إسناده يحيى بن عمرو بن مالك ، النكري ، وهو ضعيف.

ـ وله شاهد موقوف عن ابن مسعود ، أخرجه عبد الرزاق ٦٠٢٥ وإسناده حسن ، وكرره ٦٠٢٤ بإسناد صحيح. وله حكم الرفع.

(١) العبارة في المطبوع «أي أن تدعوه وتتمنوه أنه يجعله لكم» والمثبت عن المخطوطتين وط.

(٢) زيادة عن المخطوطتين.

(٣) تصحف في المخطوط «أ» «عياش».

١٢٨

أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن سورة من كتاب الله ما هي إلا ثلاثون آية شفعت لرجل فأخرجته يوم القيامة [من النار](١) وأدخلته الجنة ، وهي سورة تبارك».

سورة القلم

مكية [وهي اثنتان وخمسون آية](٢)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (١) ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (٣) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤))

(ن) اختلفوا فيه فقال ابن عباس : هو الحوت الذي على ظهره الأرض. وهو قول مجاهد ومقاتل والسدي والكلبي. وروى أبو ظبيان عن ابن عباس قال : أول ما خلق الله القلم ، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة ، ثم خلق النون (٣) فبسط الأرض على ظهره فتحرك النون فمادت الأرض ، فأثبتت بالجبال وإن الجبال لتفخر على الأرض ، ثم قرأ ابن عباس : (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ) (١). واختلفوا في اسمه ، فقال الكلبي ومقاتل : بهموت. وقال الواقدي : ليوثا. وقال كعب : لوثيا. وعن علي : اسمه بلهوث. قالت الرواة : لما خلق الله الأرض وفتقها بعث من تحت العرش ملكا فهبط إلى الأرض حتى دخل تحت الأرضين السبع [فوضعها على عاتقه إحدى يديه بالمشرق الأخرى بالمغرب باسطتين قابضتين على الأرضين السبع](٤) ، حتى ضبطها فلم يكن لقدميه موضع قرار ، فأهبط الله عليه من الفردوس ثورا له أربعون ألف قرن وأربعون ألف قائمة ، وجعل قرار قدمي الملك على سنامه ، فلم تستقر قدماه فأخذ الله ياقوتة خضراء من أعلى درجة في الفردوس غلظها مسيرة خمسمائة عام فوضعها بين سنام الثور إلى أذنه فاستقرت عليها قدماه ، وقرون ذلك الثور خارجة من أقطار الأرض ، ومنخراه في البحر فهو يتنفس كل يوم نفسا فإذا تنفس مدّ البحر وأزبد وإذا رد نفسه جزر البحر فلم يكن لقوائم الثور موضع قرار ، فخلق الله تعالى صخرة كغلظ سبع سماوات وسبع أرضين فاستقرت قوائم الثور عليها وهي الصخرة التي قال لقمان لابنه : (فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ) [لقمان : ١٦] ولم يكن للصخرة مستقر ، فخلق الله نونا وهو الحوت (٥) العظيم ، فوضع الصخرة على ظهره وسائر جسده خال والحوت على البحر ، والبحر على متن الريح ، والريح على القدرة. قيل : فكل الدنيا كلها بما عليها حرفان قال لها الجبار : كوني فكانت. [قال](٦) كعب الأحبار : إن إبليس

__________________

(١) زيادة عن المخطوط ، وط.

(٢) زيد في المطبوع.

(٣) هذه الآثار من الإسرائيليات.

(٤) سقط من المخطوط.

(٥) في المطبوع «الحموت».

(٦) زيادة عن المخطوط.

١٢٩

تغلغل إلى الحوت الذي على ظهره الأرض فوسوس إليه ، فقال له : أتدري ما على ظهرك يا لوثيا من الأمم والدواب والشجر والجبال لو نفضتهم ألقيتهم عن ظهرك ، فهم لوثيا أن يفعل ذلك فبعث الله دابة فدخلت منخره فوصلت إلى دماغه فعج الحوت إلى الله منها فأذن لها فخرجت. قال كعب : فو الذي نفسي بيده إنه لينظر إليها وتنظر إليه إن هم بشيء من ذلك عادت إلى ذلك كما كانت (١). وقال بعضهم : إن نون آخر حروف الرحمن ، وهي رواية عكرمة عن ابن عباس. وقال الحسن وقتادة والضحاك : النون الدواة. وقيل : [هو قسم أقسم الله به. وقيل : فاتحة السورة. وقال عطاء : افتتاح اسمه نور وناصر. وقال محمد بن كعب](٢) أقسم الله بنصرته المؤمنين. (وَالْقَلَمِ) ، هو الذي كتب الله به الذكر وهو قلم من نور طوله ما بين السماء والأرض.

ويقال : أول ما خلق الله القلم ونظر إليه فانشق نصفين ، ثم قال [له](٣) : أجر بما هو كائن إلى يوم القيامة فجرى على اللوح المحفوظ بذلك. (وَما يَسْطُرُونَ) ، يكتبون أي ما تكتب الملائكة الحفظة من أعمال بني آدم.

(ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ) ، بنبوة (رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) ، هذا جواب لقولهم (يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) [الحجر : ٦] فأقسم الله بالنون والقلم وما يكتب من الأعمال فقال : (فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) ، بنبوة ربك (بِمَجْنُونٍ) ، هذا جواب القسم أي : إنك لا تكون مجنونا وقد أنعم الله عليك بالنبوّة والحكمة. وقيل : بعصمة ربك. وقيل : هو كما يقال ما أنت بمجنون والحمد لله. وقيل : معناه : ما أنت بمجنون والنعمة لربك ، كقولهم : سبحانك اللهم وبحمدك أي والحمد لك.

(وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ) (٣) ، أي منقوص ولا مقطوع بصبرك على افترائهم عليك.

(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (٤) ، قال ابن عباس ومجاهد : دين عظيم لا دين أحب إلي ولا أرضى عندي منه ، وهو دين الإسلام. وقال الحسن : هو آداب القرآن.

[٢٢٤٨] سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : كان خلقه القرآن. وقال قتادة : هو ما كان يأتمر به من أمر الله وينتهي عنه من نهي الله ، والمعنى إنك لعلى الخلق الذي أمرك الله به في القرآن. وقيل : سمى الله خلقه عظيما لأنه امتثل تأديب الله إياه بقوله : (خُذِ الْعَفْوَ) [الأعراف : ١٩٩] الآية.

[٢٢٤٩] وروينا عن جابر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن الله بعثني لتمام مكارم الأخلاق ، وتمام محاسن الأفعال».

[٢٢٥٠] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا

__________________

[٢٢٤٨] ـ صحيح. أخرجه مسلم ٧٤٦ وأبو داود ١٣٤٢ والنسائي ٣ / ١٩٩ ـ ٢٠٠ وأحمد ٦ / ٥٣ والبيهقي ٢ / ٤٩٩ من طريق قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام بن عامر عن عائشة مطوّلا.

ـ وأخرجه أبو يعلى ٤٨٦٢ وأحمد ٦ / ٩٧ و ٢٣٥ من طريق الحسن عن سعد بن هشام عن عائشة مطوّلا.

ـ وانظر الحديث الآتي في سورة المزمل عند آية : ٤.

[٢٢٤٩] ـ تقدم في سورة الأعراف عند الآية : ١٩٩.

[٢٢٥٠] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ يوسف هو ابن أبي إسحاق ، أبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله.

(١) هذا الخبر من إسرائيليات كعب الأحبار.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

١٣٠

محمد بن إسماعيل ثنا أحمد بن سعيد أبو عبد الله ثنا إسحاق بن منصور ثنا إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي إسحاق قال سمعت البراء يقول : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحسن الناس وجها وأحسنهم خلقا ليس بالطويل البائن ولا بالقصير.

[٢٢٥١] أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني أنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي أنا أبو سعيد الهيثم بن كليب الشاشي ثنا أبو عيسى الترمذي ثنا قتيبة بن سعيد ثنا جعفر بن سليمان الضبعي عن ثابت عن أنس بن مالك قال : خدمت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عشر سنين فما قال لي أف قطّ ما قال لشيء صنعته لم صنعته ، ولا لشيء تركته [لم تركته](١) ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أحسن الناس خلقا وما مسست خزا قط ولا حريرا ولا شيئا كان ألين من كف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولا شممت مسكا ولا عطرا كان أطيب من عرق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

[٢٢٥٢] أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي أنا [أبو](٢) عبد الله محمد بن عبد الله الصفار ثنا أحمد بن محمد بن عيسى البرتيّ ثنا محمد بن كثير ثنا سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن عبد الله بن عمر قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يكن فاحشا ولا متفحشا وكان يقول : «خياركم أحاسنكم أخلاقا».

__________________

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٥٥٧ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٣٥٤٩ عن أحمد بن سعيد بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٢٣٣٧ ح ٩٣ وابن حبان ٦٢٨٥ من طريق أبي كريب عن إسحاق بن منصور به.

ـ وأخرجه البيهقي في «الدلائل» ١ / ٢٥٠ من طريق أبي غسان عن إبراهيم بن يوسف به.

[٢٢٥١] ـ إسناده صحيح ، رجاله رجال البخاري ومسلم سوى جعفر ، تفرد عليه مسلم.

ـ ثابت هو ابن أسلم البناني.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٥٥٨ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «سنن الترمذي» ٢٠١ وفي «الشمائل» ٣٣٨ عن قتيبة بن سعيد بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٢٣٠٩ والبخاري في «الأدب المفرد» ٢٧٧ وأحمد ٣ / ١٧٤ وأبو الشيخ في «أخلاق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم» ٣٣ من طرق عن حماد بن زيد عن ثابت به.

ـ وأخرجه أبو داود ٤٧٧٤ والبخاري في «الأدب المفرد» ٢٧٧ وأحمد ٣ / ١٩٥ و ٢٦٥ وابن المبارك في «الزهد» ٦١٦ وابن حبان ٢٨٩٤ وعبد الرزاق ١٧٩٤٦ من طرق عن ثابت به.

[٢٢٥٢] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ سفيان هو ابن سعيد ، الأعمش هو سليمان بن مهران ، أبو وائل ، هو شقيق بن سلمة ، مسروق هو ابن الأجدع.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٥٦٠ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري في «الأدب المفرد» ٢٧١ وابن حبان ٤٧٧ و ٦٤٤٢ من طريق محمد بن كثير بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٢٣٢١ وابن أبي شيبة ٨ / ٥١٤ وأحمد ٢ / ١٦١ و ١٩٣ والبيهقي ١٠ / ١٩٢ من طريق أبي معاوية ووكيع عن الأعمش به.

ـ وأخرجه البخاري ٣٥٥٩ و ٣٧٥٩ و ٦٠٢٩ و ٦٠٣٥ والترمذي ١٩٧٥ وأحمد ٢ / ١٨٩ وأحمد ٢ / ١٨٩ والطيالسي ٢٢٤٦ وأبو الشيخ في «أخلاق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم» ٥٦ من طرق عن الأعمش به.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

١٣١

[٢٢٥٣] أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي أنا أبو العباس الأصم ثنا محمد بن هشام بن ملاس ثنا مروان الفزاري ثنا حميد الطويل عن أنس أن امرأة عرضت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في طريق من طرق المدينة فقالت : يا رسول الله إن لي إليك حاجة فقال : يا أم فلان اجلسي في أي سكك المدينة شئت أجلس إليك ، قال : ففعلت فقعد إليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حتى قضت حاجتها.

[٢٢٥٤] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل قال : قال محمد بن عيسى ثنا هشيم (١) أنا حميد الطويل ثنا أنس بن مالك قال : إن كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتنطلق به حيث شاءت.

[٢٢٥٥] وأخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح أنا أبو القاسم

__________________

[٢٢٥٣] ـ صحيح. إسناده حسن ، محمد بن هشام ، صدوق ، وقد توبع ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.

ـ مروان هو ابن معاوية ، حميد هو ابن أبي حميد.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٥٦٦ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه أبو داود ٤٨١٨ والترمذي في «الشمائل» ٣٢٤ من طريق حميد به.

ـ وأخرجه مسلم ٢٣٢٦ وأبو داود ٤٨١٩ وأحمد ٣ / ٢٨٥ وأبو يعلى ٣٥١٨ وأحمد ٣ / ٢٨٥ وابن حبان ٤٥٢٧ وأبو الشيخ ٢٦ والبيهقي في «الدلائل» ١ / ٣٣١ ـ ٣٣٢ من طرق عن حماد بن سلمة عن ثابت به.

ـ ويشهد له ما بعده.

[٢٢٥٤] ـ صحيح. إسناده ضعيف لانقطاعه ، حيث علقه البخاري عن محمد بن عيسى ، ولم يحتج به في الأصول ، لكن وصله أحمد كما سيأتي ، وله طريق أخرى.

ـ هشيم هو ابن بشير ، حميد هو ابن أبي حميد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٦٠٧٢ عن محمد بن عيسى بهذا الإسناد معلقا.

ـ ووصله أحمد ٣ / ٩٨ عن هشيم بهذا الإسناد ، وإسناده على شرطهما.

ـ وأخرجه أحمد ٣ / ١٧٤ و ٢١٥ ـ ٢١٦ وابن ماجه ٤١٧٧ وأبو يعلى ٣٩٨٢ وأبو الشيخ ٢٧ من طرق عن شعبة عن علي بن زيد عن أنس به وإسناده ضعيف ، لضعف علي بن زيد ، لكن يصلح للمتابعة.

ـ قال الحافظ في «الفتح» ١٠ / ٤٩٠ : إنما عدل البخاري عن تخريجه عن أحمد بن حنبل لتصريح حميد في رواية محمد بن عيسى بالتحديث .... والبخاري يخرج لحميد ما صرح فيه بالتحديث ، ولم يصرح عنده. ويشهد له ما قبله.

[٢٢٥٥] ـ ضعيف سوى ذكر المصافحة ، فلها وجوه أخرى تحسن بها ، والله أعلم.

ـ إسناده ضعيف جدا ، عمران بن زيد غير قوي ، وزيد العمي هو ابن الحواري ، ضعيف ، ليس بشيء ، وهو منقطع لم يسمعه زيد من أنس بدليل الرواية الآتية عن زيد عن معاوية بن قرة عن أنس.

ـ وقال أبو حاتم : زيد العمي عن أنس مرسلة. وقال ابن حبان : يروي عن أنس أشياء موضوعة ، لا أصول لها.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٥٧٤ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الترمذي ٢٤٩٠ من طريق ابن المبارك والبيهقي في «الدلائل» ١ / ٣٢٠ من طريق أبي نعيم كلاهما عن عمران ابن زيد به.

ـ وأخرجه ابن ماجه ٣٧١٦ من طريق رجل من أهل الكوفة عن زيد العمي به.

ـ وأخرجه أبو الشيخ ٥٨ من طريق ابن المبارك عن عمران عن زيد العمي عن معاوية بن قرة عن أنس به ، وهذا موصول ، وعلته زيد ، فإنه واه.

ـ وقال البوصيري في «الزوائد» مدار الحديث على زيد العمي ، وهو ضعيف.

(١) تصحف في المطبوع «هشام».

١٣٢

عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ثنا علي بن الجعد أخبرنا عمران بن زيد (١) التغلبي عن زيد [العمّيّ] عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا صافح الرجل لم ينزع يده من يده حتى يكون هو الذي ينزع يده ، ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون هو الذي يصرف وجهه عن وجهه ، ولم ير مقدما ركبتيه بين يدي جليس له.

[٢٢٥٦] أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد أنا أبو القاسم الخزاعي أنا الهيثم بن كليب ثنا أبو عيسى ثنا هارون بن إسحاق الهمداني ثنا عبدة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت ما ضرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيده شيئا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله ، ولا ضرب خادما ولا امرأة.

[٢٢٥٧] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل أنا إسماعيل بن عبد الله حدثني مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال كنت أمشي مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [وعليه](٢) برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة ، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته ، ثم قال : يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم ضحك ثم أمر له بعطاء.

[٢٢٥٨] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان أنا أبو جعفر

__________________

ـ وأخرجه أبو الشيخ ١٩ من طريق أبي جعفر الرازي عن أبي درهم عن يونس بن عبيد عن مولى لآل أنس عن أنس بن مالك بأتم منه.

ـ وإسناده ضعيف فيه «أبو درهم» و «مولى آل أنس» مجهولان ، وفيه أيضا «أبو جعفر الرازي» وهو سيئ الحفظ ، لذا ضعفه غير واحد.

ـ وأخرجه أبو الشيخ ٢٩ من طريق أبي قطن عن مبارك بن فضالة عن ثابت عن أنس مختصرا وفي إسناده ، مبارك ، وهو صدوق مدلس ، وقد عنعن فالإسناد ضعيف ، وليس فيه سوى الفقرة الأولى.

ـ الخلاصة : الحديث ضعيف لكن صدره له شواهد يحسن بها ، انظر : «الصحيحة» ٢٤٨٥.

[٢٢٥٦] ـ صحيح. إسناده حسن ، هارون صدوق ، وقد توبع ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.

ـ عبدة هو ابن سليمان ، عروة هو ابن الزبير ، ابن أخت أم المؤمنين عائشة.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٥٦١ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «الشمائل للترمذي» ٣٤١ عن هارون بن إسحاق بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٢٣٣٨ ح ٧٩ وأحمد ٦ / ٣١ و ٣٢ و ٢٨١ والدارمي ٢ / ١٤٧ وابن حبان ٤٨٨ وأبو الشيخ ٤٥ و ٤٦ والبيهقي ١٠ / ١٩٢ من طرق عن هشام بن عروة به.

ـ وأخرجه البخاري ٣٥٦٠ و ٦١٢٦ وأبو داود ٤٧٨٦ ومالك ٣ / ٩٥ و ٩٦ وأحمد ٦ / ١١٥ و ١١٦ و ١٨١ و ١٨٢ و ٢٦٢ وابن حبان ٦٤٤٤ والبيهقي ٧ / ٤١ من طرق عن الزهري.

[٢٢٥٧] ـ إسناده على شرط البخاري ، وإسماعيل هو الأويسي فيه كلام ، لكن توبع.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٥٦٤ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٥٨٠٩ عن إسماعيل بن عبد الله بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه أبو الشيخ ٦٤ والبيهقي في «الدلائل» ١ / ٣١٨ من طريق مالك به.

ـ وأخرجه البخاري ٣١٤٩ و ٦٠٨٨ ومسلم ١٠٥٧ وابن ماجه ١٥٥٣ وأحمد ٣ / ١٥٣ و ٢١٠ وابن حبان ٦٣٧٥ من طريق إسحاق بن عبد الله به.

[٢٢٥٨] ـ صحيح. إسناده لين ، رجاله ثقات مشاهير سوى يعلى ، فإنه مقبول ، لكن توبع ، وللحديث شواهد.

(١) تصحف في المطبوع «يزيد».

(٢) زيادة عن المخطوط.

١٣٣

محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا علي بن المديني ثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن أبي مليكة عن يعلى بن مملك عن أم الدرداء تحدث عن أبي الدرداء عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن أثقل شيء يوضع في ميزان المؤمن يوم القيامة خلق حسن ، وإن الله تعالى يبغض الفاحش البذيء».

[٢٢٥٩] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أبو منصور السمعاني أنا أبو جعفر الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا أبو نعيم ثنا داود بن يزيد الأودي سمعت أبي يقول سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأصحابه : «أتدرون ما أكثر ما يدخل الناس النار؟» قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : «فإن أكثر ما يدخل الناس النار الأجوفان : الفرج والفم. أتدرون ما أكثر ما يدخل الناس الجنة»؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : «إن أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق».

[٢٢٦٠] أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ثنا أبو العباس الأصم

__________________

ـ علي هو ابن عبد الله المديني ، ابن عيينة هو سفيان ، أم الدرداء اسمها هجيمة بنت حيي.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٣٩٠ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الترمذي ٢٠٠٢ وعبد الرزاق ٢٠١٥٧ وأحمد ٦ / ٤٥١ والبزار ١٩٧٥ وابن حبان ٥٦٩٣ من طرق عن سفيان بن عيينة به.

ـ وأخرجه أبو داود ٤٧٩٩ والبخاري في «الأدب المفرد» ٢٧٠ وابن أبي شيبة ٨ / ٥١٦ وابن حبان ٤٨١ وأحمد ٦ / ٤٤٦ و ٤٤٨ من طرق عن شعبة عن القاسم بن أبي بزّة عن عطاء الكيخاراني عن أم الدرداء عن أبي الدرداء مرفوعا بنحوه.

ـ وهذا إسناد علي.

ـ وأخرجه الترمذي ٢٠٠٣ من طريق مطرف وأحمد ٦ / ٤٤٢ من طريق الحسن بن مسلم كلاهما عن عطاء بالإسناد السابق.

ـ ولصدره شواهد ، وكذا لعجزه شواهد.

ـ وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.

ـ الخلاصة : هو حديث صحيح.

[٢٢٥٩] ـ حسن.

ـ إسناده ضعيف ، داود ضعيف الحديث ، وأبوه مقبول ، وقد توبع داود ، وللحديث شواهد.

ـ أبو نعيم هو الفضل بن دكين ، يزيد هو ابن عبد الرحمن الأودي.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٣٩١ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه أحمد ٢ / ٢٩١ و ٣٩٢ من طريق المسعودي و ٢ / ٤٤٢ من طريق محمد بن عبيد كلاهما عن داود بن يزيد عن أبيه به.

ـ وأخرجه الترمذي ٢٠٠٤ والحاكم ٤ / ٣٢٤ وابن حبان ٤٧٦ من طريق عبد الله بن إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي عن أبيه عن جده.

ـ وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وقال الترمذي : حديث صحيح غريب.

ـ وأخرجه ابن ماجه ٤٢٤٦ والبغوي ٣٣٩٢ من طريقين عن ابن إدريس قال : سمعت أبي وعمي يذكران عن جدي.

ـ وفي الباب أحاديث ، فهو حسن إن شاء الله ، والله أعلم.

[٢٢٦٠] ـ حسن صحيح.

ـ إسناده ضعيف. رجاله ثقات لكنه معلول ، عمرو ، وإن روى له الشيخان فإنه لين الحديث ، ضعفه غير واحد ، وشيخه المطلب ثقة لكنه كثير الإرسال والتدليس ، وقد عنعن هاهنا ، وقد نفى أبو حاتم سماعه من عائشة ، وقال أبو زرعة : نرجو أن يكون سمع منها.

ـ لكن للحديث شواهد.

١٣٤

ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أنا أبيّ [و](١) شعيب قالا ثنا الليث عن ابن الهاد (٢) عن عمرو بن أبي عمرو عن (٣) المطلب بن عبد الله عن عائشة ، قالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار».

(فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (٥) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (٦))

قوله عزوجل : (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ) (٥) ، فسترى يا محمد ويرون يعني أهل مكة إذا نزل بهم العذاب.

(بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) (٦) ، قيل معناه بأيكم المجنون فالمفتون مفعول بمعنى المصدر ، كما يقال ما بفلان مجلود ومعقول ، أي جلادة وعقل ، وهذا معنى قول الضحاك ورواية العوفي عن ابن عباس : وقيل : الباء بمعنى في ، مجازه : فستبصر ويبصرون في أي الفريقين المجنون في فريقك أو في فريقهم. وقيل : بأيكم المفتون وهو الشيطان الذي فتن بالجنون ، وهذا قول مجاهد. وقال آخرون : الباء فيه زائدة معناه : أيكم المفتون؟ أي المجنون الذي فتن بالجنون ، وهذا قول قتادة.

(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٧) فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (٨) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (٩) وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ (١٠))

(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٧) فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ) (٨) ، يعني مشركي مكة فإنهم كانوا يدعونه إلى دين آبائه فنهاه أن يطيعهم.

__________________

ـ شعيب بن الليث بن سعد ، ابن الهاد هو يزيد.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٣٩٤ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الحاكم ١ / ٦٠ عن أبي العباس محمد بن يعقوب عن العباس بن محمد الدوري عن أبي النضر عن الليث بن سعد به.

ـ وأخرجه أبو داود ٤٧٩٨ وأحمد ٦ / ٩٤ و ٩٠ و ١٣٣ و ١٨٧ وابن حبان ٤٨٠ والبغوي ٣٣٩٥ من طرق عن عمرو ابن أبي عمرو به.

ـ وصححه الحاكم على شرطهما! ووافقه الذهبي! ـ وله شاهد من حديث أبي هريرة :

ـ أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» ٢٨٤ والحاكم ١ / ٦٠ من طريقين عنه.

ـ وصححه الحاكم على شرط مسلم ، ووافقه الذهبي.

ـ وورد من وجه آخر عن عطاء الكيرخاني عن أبي هريرة ، وتقدم في الذي قبله.

ـ وله شاهد آخر من حديث عبد الله بن عمرو :

ـ أخرجه أحمد ٢ / ٢٢٠ وإسناده حسن في الشواهد. وفيه ابن لهيعة ، وقد اختلط لكن الراوي عنه عبد الله ابن المبارك ، قد روى عنه قبل الاختلاط.

ـ الخلاصة : هو حديث حسن صحيح بطرقه وشواهده.

(١) سقط من المطبوع.

(٢) تصحف في المطبوع «أبي المهاد».

(٣) زيد في المطبوع «عبد».

١٣٥

(وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) (٩) ، قال الضحاك : لو تكفر فيكفرون. وقال الكلبي : لو تلين لهم فيلينون لك. قال الحسن : لو تصانعهم في دينك فيصانعون في دينهم. قال زيد بن أسلم : لو تنافق وترائي فينافقون ويراءون. قال ابن قتيبة : أرادوا على أن تعبد آلهتهم مدة ويعبدون الله مدة.

(وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ) ، كثير الحلف بالباطل. قال مقاتل : يعني الوليد بن المغيرة. وقيل : الأسود بن عبد يغوث : وقال عطاء : الأخنس بن شريق. قوله : (مَهِينٍ) ، ضعيف حقير. قيل : هو فعيل من المهانة وهي قلة الرأي والتمييز. وقال ابن عباس : كذاب ، وهو قريب من الأول لأن الإنسان إنما يكذب لمهانة نفسه عليه.

(هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ (١٣) أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ (١٤) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٥))

(هَمَّازٍ) ، مغتاب يأكل لحوم الناس بالطعن والغيبة. وقال الحسن هو الذي يغمز بأخيه في المجلس ، كقوله (هُمَزَةٍ) [الهمزة : ١] (مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) ، قتات يسعى بالنميمة بين الناس ليفسد بينهم.

(مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ) ، بخيل بالمال قال ابن عباس مناع للخير أي للإسلام يمنع ولده وعشيرته عن الإسلام ، يقول : لئن دخل واحد منكم في دين محمد لا أنفعه بشيء أبدا. (مُعْتَدٍ) ، ظلوم يتعدى الحق ، (أَثِيمٍ) ، فاجر.

(عُتُلٍ) ، العتل : الغليظ الجافي. وقال الحسن : هو الفاحش الخلق السيئ الخلق. قال الفراء : هو الشديد الخصومة في الباطل. وقال الكلبي : هو الشديد في كفره ، وكل شديد عند العرب عتل ، وأصله من العتل وهو الدفع بالعنف. قال عبيد بن عمير : العتل الأكول الشروب القوي الشديد لا يزن في الميزان شعيرة ، يدفع الملك من أولئك سبعين ألفا في النار دفعة واحدة. (بَعْدَ ذلِكَ) ، أي مع ذلك يريد مع ما وصفناه به (زَنِيمٍ) ، وهو الدّعي الملصق بالقوم ، وليس منهم ، قال عطاء عن ابن عباس : يريد مع هذا هو دعي في قريش وليس منهم. قال مرة الهمداني : إنما ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة سنة. وقيل :الزنيم الذي له زنمة كزنمة الشاة. وروى عكرمة عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية نعت فلم يعرف حتى قيل زنيم فعرف ، وكانت له زنمة في عنقه يعرف بها. وقال سعيد بن جبير : عن ابن عباس قال : [كان] يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها. قال ابن قتيبة : لا نعلم أن الله وصف أحدا ولا ذكر من عيوبه ما ذكر من عيوب الوليد بن المغيرة ، فألحق به عارا لا يفارقه في الدنيا والآخرة.

[٢٢٦١] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان الواعظ حدثني

__________________

[٢٢٦١] ـ صحيح ، عبد الله بن الوليد صدوق ، وقد توبع ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.

ـ سفيان هو ابن عيينة.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٤٨٧ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٤٩١٨ و ٦٠٧١ ومسلم ٢٨٥٣ ح ٤٧ والترمذي ٢٦٠٥ وابن ماجه ٤١١٦ وأحمد ٤ / ٣٠٦ من طرق عن سفيان به.

ـ وأخرجه البخاري ٦٦٥٧ ومسلم ٢٨٥٣ ح ٤٦ والطيالسي ١٢٣٨ وأبو يعلى ١٤٧٧ وابن حبان ٥٦٧٩ والبيهقي ١٠ / ١٩٤ من طرق عن شعبة عن معبد بن خالد به.

١٣٦

أبو محمد بن زنجويه بن محمد ثنا علي بن الحسن الهلالي (١) ثنا عبد الله بن الوليد العدني (٢) عن سفيان حدثني معبد بن خالد القيسي عن حارثة بن وهب الخزاعي قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره ، ألا أخبركم بأهل النار كل عتل جواظ متكبر».

(أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ) (١٤) ، قرأ أبو جعفر وابن عامر وحمزة وأبو بكر ويعقوب أأن بالاستفهام ، ثم حمزة وأبو بكر يخففان الهمزتين بلا مد ، ويمد الهمزة الأولى أبو جعفر وابن عامر ويعقوب ، ويلينون الثانية ، وقرأ الآخرون بلا استفهام على الخبر ، فمن قرأ بالاستفهام فمعناه : ألأن كان ذا مال وبنين.

(إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (١٥) ، أي : جعل مجازاة النعم التي خولها من البنين والمال الكفر بآياتنا. وقيل : معناه ألأن كان ذا مال وبنين يطغيه (٣). ومن قرأ على الخبر فمعناه : لا تطع كل حلاف مهين لأن كان ذا مال وبنين ، أي لا تطعه لماله وبنيه ، (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (١٥).

(سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (١٦) إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (١٧) وَلا يَسْتَثْنُونَ (١٨) فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (٢٠))

ثم أوعده فقال : (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) (١٦) ، والخرطوم الأنف. قال أبو العالية ومجاهد : أي نسود وجهه فنجعل له علما في الآخرة يعرف به وهو سواد الوجه. قال الفراء : خص الخرطوم بالسمة فإنه في مذهب الوجه لأن بعض الشيء يعبر به عن كله. وقال ابن عباس : سنخطمه بالسيف ، وقد فعل ذلك يوم بدر. وقال قتادة : سنلحق به شيئا لا يفارقه. قال القتيبي : تقول العرب للرجل يسب (٤) الرجل سبة قبيحة! قد وسمه ميسم سوء ، يريد ألصق به عارا لا يفارقه ، كما أن السمة لا تنمحي ولا يعفو أثرها ، وقد ألحق الله بما ذكر من عيوبه عارا لا يفارقه في الدنيا والآخرة ، كالوسم على الخرطوم. وقال الضحاك والكسائي : سنكويه على وجهه.

(إِنَّا بَلَوْناهُمْ) ، يعني اختبرنا أهل مكة بالقحط والجوع ، (كَما بَلَوْنا) ، ابتلينا ، (أَصْحابَ الْجَنَّةِ).

روى محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله عزوجل : (إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ) ، قال : كان بستان باليمن يقال له الضروان دون صنعاء بفرسخين يطؤه أهل الطريق كان غرسه قوم من أهل الصلاة وكان لرجل فمات فورثه ثلاثة بنين له وكان يكون للمساكين إذا صرموا نخلهم كل شيء تعداه المنجل [فلم يجزه](٥) فإذا طرح من فوق النخل إلى البساط فكل شيء يسقط عن (٦) البساط فهو أيضا للمساكين ، وإذا حصدوا زرعهم فكل شيء تعداه المنجل فهو للمساكين ، وإذا داسوا كان لهم كل شيء ينتثر أيضا ، فلما مات الأب وورثه هؤلاء الإخوة عن أبيهم ، فقالوا : والله إن المال لقليل وإن العيال لكثير ، وإنما كان هذا الأمر يفعل إذا كان المال كثيرا والعيال قليلا فأما إذ قل المال وكثر العيال فإنا لا نستطيع أن نفعل هذا ، فتحالفوا بينهم يوما ليغدون غدوة قبل خروج الناس فليصرمن نخلهم ولم يستثنوا ، يعني لم يقولوا : إن شاء الله ، فغدا القوم بسدفة من الليل إلى جنتهم ليصرموها قبل أن يخرج

__________________

(١) تصحف في المطبوع «الحسين الهمداني».

(٢) في المطبوع «العوفي» وهو خطأ.

(٣) في المطبوع «تطيعه».

(٤) في المطبوع «سب».

(٥) سقط من المطبوع.

(٦) تصحف في المطبوع «على».

١٣٧

المساكين ، فرأوها مسودة وقد طاف عليها من الليل طائف من العذاب فأحرقها فأصبحت كالصريم فذلك قوله عزوجل : (إِذْ أَقْسَمُوا) ، حلفوا ، (لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ). [ليجذنّها و](١) ليقطعن ثمرها إذا أصبحوا قبل أن يعلم المساكين ، (وَلا يَسْتَثْنُونَ) (١٨) ، لا يقولون إن شاء الله.

(فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ) ، عذاب ، (مِنْ رَبِّكَ) ، ليلا ولا يكون الطائف إلا بالليل وكان ذلك الطائف نارا نزلت من السماء فأحرقتها ، (وَهُمْ نائِمُونَ).

(فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ) (٢٠) ، كالليل المظلم الأسود. وقال الحسن : أي صرم منها الخير فليس فيها شيء. وقال الأخفش كالصبح الصريم من الليل وأصل الصريم المصروم ، مثل قتيل ومقتول وكل شيء قطع فهو صريم فالليل صريم والصبح صريم ، لأن كل واحد منهما ينصرم عن صاحبه. وقال ابن عباس : كالرماد الأسود بلغة خزيمة.

(فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (٢١) أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (٢٢) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (٢٣) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (٢٤) وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ (٢٥) فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (٢٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٢٧) قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ (٢٨) قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٢٩) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (٣٠) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ (٣١))

(فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ) (٢١) ، نادى بعضهم بعضا لما أصبحوا.

(أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ) يعني الثمار والزروع والأعناب ، (إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ) ، قاطعين للنخل.

(فَانْطَلَقُوا) ، مشوا إليها ، (وَهُمْ يَتَخافَتُونَ) ، يتسارون يقول بعضهم لبعض سرا.

(أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (٢٤) وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ) ، الحرد في اللغة يكون بمعنى القصد والمنع والغضب ، قال الحسن وقتادة وأبو العالية : على جد وجهد. وقال القرظي ومجاهد وعكرمة : على أمر مجتمع قد أسسوه بينهم ، وهذا على معنى القصد لأن القاصد إلى الشيء جاد مجمع على الأمر. وقال أبو عبيدة والقتيبي : غدوا من بيتهم على منع المساكين ، يقال : حاردت السنة إذا لم يكن لها مطر ، وحاردت الناقة إذا لم يكن لها لبن. وقال الشعبي وسفيان : على حنق وغضب من المساكين. وعن ابن عباس : على قدرة ، (قادِرِينَ) ، عند أنفسهم على جنتهم وثمارها لا يحول بينها وبينهم أحد.

(فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ) (٢٦) ، أي لما رأوا الجنة محترقة قالوا : إنا لمخطئون الطريق أضللنا مكان جنتنا ليست هذه بجنتنا.

فقال بعضهم : (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) (٢٧) ، حرمنا خيرها ونفعها لمنعنا المساكين وتركنا الاستثناء.

(قالَ أَوْسَطُهُمْ) ، أعدلهم وأعقلهم وأفضلهم ، (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ) ، هلا تستثنون ، أنكر عليهم ترك الاستثناء في قولهم ليصرمنها مصبحين ، وسمي الاستثناء تسبيحا لأنه تعظيم لله وإقرار بأنه لا يقدر أحد على شيء إلا بمشيئته. وقال أبو صالح : كان استثناؤهم سبحان الله ، وقيل : هلا تسبحون الله وتقولوا سبحان الله وتشكرونه على ما أعطاكم. وقيل : هلا تستغفرونه من فعلكم.

(قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا) ، نزهوه عن أن يكون ظالما فيما فعل وأقروا على أنفسهم بالظلم فقالوا : (إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) ، بمنعنا المساكين.

__________________

(١) سقط من المطبوع.

١٣٨

(فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ) (٣٠) ، يلوم بعضهم بعضا في منع المساكين حقوقهم ونادوا على أنفسهم بالويل.

(قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ) (٣١) ، في منعنا حق الفقراء. وقال ابن كيسان : طغينا نعم الله فلم نشكرها ولم نصنع ما صنع آباؤنا من قبل.

(عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ (٣٢) كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٣٣) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦) أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (٣٧) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ (٣٨) أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ (٣٩) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ (٤٠) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (٤١) يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢))

ثم رجعوا إلى أنفسهم فقالوا : (عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ) (٣٢) ، قال عبد الله بن مسعود : بلغني أن القوم أخلصوا وعرف الله منهم الصدق فأبدلهم بها جنة يقال لها : الحيوان ، فيها عنب يحمل البغل منه عنقودا واحدا.

(كَذلِكَ الْعَذابُ) ، أي كفعلنا بهم نفعل بمن تعدى حدودنا وخالف أمرنا ، (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ).

ثم أخبر بما عنده للمتقين فقال : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (٣٤) ، فقال المشركون : إنا نعطي في الآخرة أفضل مما تعطون فقال الله تكذيبا لهم.

(أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ) (٣٥) (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦) أَمْ لَكُمْ كِتابٌ) ، نزل من عند الله ، (فِيهِ) ، في هذا الكتاب ، (تَدْرُسُونَ) ، تقرءون.

(إِنَّ لَكُمْ فِيهِ) ، في ذلك الكتاب ، (لَما تَخَيَّرُونَ) ، تختارون وتشتهون.

(أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ) ، عهود ومواثيق ، (عَلَيْنا بالِغَةٌ) ، مؤكدة عاهدناكم عليها ، فاستوثقتم بها منا فلا تنقطع ، (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ) ، كسر (إِنَ) لدخول اللام في الخبر ذلك العهد ، (لَما تَحْكُمُونَ) لأنفسكم من الخير والكرامة عند الله.

ثم قال لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ) (٤٠) ، كفيل أي : أيهم يكفل لهم بأن لهم في الآخرة ما للمسلمين.

(أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ) ، أي عندهم شركاء الله أرباب تفعل هذا. وقيل : شهداء يشهدون لهم يصدق ما يدعونه. (فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ).

(يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) ، قيل : يوم ظرف لقوله فليأتوا بشركائهم أي فليأتوا بها في ذلك اليوم لتنفعهم وتشفع لهم (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) قيل : عن أمر فظيع شديد ، قال ابن عباس : هو أشد ساعة في القيامة. قال سعيد بن جبير : يوم يكشف عن ساق : عن شدة الأمر (١). وقال ابن قتيبة : تقول العرب للرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج فيه إلى الجد ومقاساة الشدة شمر عن ساقه ، ويقال : إذا اشتد الأمر في الحرب كشفت الحرب عن ساق.

__________________

(١) الصواب في ذلك ما جاء في الحديث الصحيح الآتي برقم ٢٢٦٣.

١٣٩

[٢٢٦٢] أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد ثنا محمد بن عيسى الجلودي أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج حدثني سويد بن سعيد حدثني حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن أناسا في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالوا : يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نعم هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب؟ وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب؟ قالوا : لا يا رسول الله ، قال : ما تضارون في رؤية الله يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما ، إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن لتتبع كل أمة ما كانت تعبد فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار ، حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر وغير أهل الكتاب فتدعى اليهود فيقال لهم : ما كنتم تعبدون؟ قالوا : كنا نعبد عزيرا ابن الله فيقال كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد ، فما ذا تبغون؟ فقالوا : عطشنا يا ربنا فاسقنا فيشار إليهم ألا تردون فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النار ، ثم تدعى النصارى فيقال لهم : ما كنتم تعبدون ، قالوا : كنا نعبد المسيح ابن الله فيقال لهم كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد ، فيقال لهم؟ ما ذا تبغون؟ فيقولون : عطشنا يا ربنا فاسقنا فيشار إليهم ألا تردون فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضا ، فيتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر أتاهم رب العالمين في أدنى صورة من التي رأوه فيها ، قال : فما ذا تنتظرون لتتبع كل أمة ما كانت تعبد ، قالوا يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم فيقول أنا ربكم ، فيقولون نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئا مرتين أو ثلاثا حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب فيقول هل بينكم وبينه آية تعرفونه بها ، فيقولون : نعم فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود ، فلا يبقى من كان يسجد نفاقا ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة كلما أراد أن يسجد خرّ على قفاه ثم يرفعون رءوسهم وقد تحول في الصورة التي رأوه (١) فيها أول مرة فقال : أنا ربكم ، فيقولون أنت ربنا ، ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة ، ويقولون : اللهم سلم سلم ، قيل : يا رسول الله وما الجسر؟ قال : دحض مزلّة فيه خطاطيف وكلاليب وحسكة يكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوس (٢) في نار جهنم.

حتى إذا خلص المؤمنون من النار فو الذي نفسي بيده ما من أحد منكم بأشد مناشدة لله في استيفاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار ، يقولون : ربنا كانوا يصرمون معنا ويصلون

__________________

[٢٢٦٢] ـ صحيح. إسناده ضعيف لضعف سويد بن سعيد ، وهو صدوق في نفسه لكن عمي فصار يتلقن ما ليس من حديثه ، لذا ضعفه غير واحد ، لكن تابعه غير واحد.

ـ وهو في «صحيح مسلم» ١٨٣ عن سويد بن سعيد بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٤٩١٩ و ٧٤٣٩ واللالكائي في «أصول الاعتقاد» ٨١٨ وابن حبان ٧٣٧٧ والآجري في «الشريعة» ٦١٣ مختصرا والبيهقي في «الأسماء والصفات» ٧٤٥ من طرق عن الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم به.

ـ وأخرجه البخاري ٤٥٨١ والترمذي ٢٥٩٨ والنسائي ٨ / ١١٢ وأحمد ٣ / ١٦ وعبد الرزاق ٢٠٨٥٧ وابن أبي عاصم ٤٥٧ و ٤٥٨ وابن خزيمة في «التوحيد» ص ١٧٢ و ١٧٣ من طرق عن زيد بن أسلم به.

ـ وأخرج البغوي في «شرح السنة» ٤٢٤٥ من طريق عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم به عجزه فقط «إذا خلص المؤمنون ...» إلخ.

(١) تصحف في المطبوع «رواه».

(٢) في المطبوع «ومكردس».

١٤٠