تفسير البغوي - ج ٥

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي

تفسير البغوي - ج ٥

المؤلف:

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي


المحقق: عبدالرزاق المهدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٣

(تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٨٠) ، أي القرآن منزل من عند رب العالمين سمي المنزل تنزيلا على اتساع اللغة كما يقال للمقدور قدر وللمخلوق خلق.

(أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ) ، يعني القرآن (أَنْتُمْ) ، يا أهل مكة ، (مُدْهِنُونَ) ، قال ابن عباس : مكذبون. قال مقاتل بن حيان : كافرون نظيره : (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) (٩) [القلم : ٩] ، والمدهن والمداهن الكذاب والمنافق ، وهو من الإدهان وهو الجري في الباطن على خلاف الظاهر ، هذا أصله ثم قيل للمكذب مدهن وإن صرح بالتكذيب والكفر.

(وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ) ، حظكم ونصيبكم من القرآن ، (أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) ، قال الحسن في هذه الآية : خسر عبد لا يكون حظه من كتاب الله إلا التكذيب به. وقال جماعة من المفسرين : معناه وتجعلون شكركم أنكم تكذبون. وقال الهيثم بن عدي : إن من لغة أزد شنوءة ما رزق فلان بمعنى ما شكر وهذا في الاستسقاء بالأنواء وذلك أنهم كانوا يقولون : إذا مطروا مطرنا بنوء كذا ولا يرون ذلك من فضل الله تعالى ، فقيل لهم : أتجعلون رزقكم أي شكركم بما رزقتم يعني شكر رزقكم التكذيب ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.

[٢١٢١] أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن صالح بن كيسان عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن زيد بن خالد الجهني قال : صلى بنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلاة الصبح بالحديبية في (١) أثر سماء كانت من الليل ، فلما انصرف أقبل على الناس فقال : «هل تدرون ما ذا قال ربكم قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي ، وكافر بالكوكب ، وأما من قال : مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكوكب».

[٢١٢٢] ورواه ابن عباس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وزاد : فنزلت هذه الآية (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) (٧٥) إلى قوله : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) (٨٢).

[٢١٢٣] أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي أنا

__________________

[٢١٢١] ـ تقدم في سورة الفرقان عند آية : ٥٠.

[٢١٢٢] ـ صحيح. أخرجه مسلم ٧٣ ح ١٢٧ والطبراني في «الكبير» ١٢ / ١٩٨ والواحدي في «أسباب النزول» ٧٨٢ من طريق النضر بن محمد عن عكرمة بن عمار عن أبي زميل قال حدثني ابن عباس قال : مطر الناس على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أصبح من الناس شاكر ، ومنهم كافر. قالوا هذه رحمة وضعها الله تعالى ، وقال بعضهم : لقد صدق نوء كذا وكذا فنزلت هذه الآيات ...».

[٢١٢٣] ـ إسناده صحيح على شرط مسلم.

ـ أبو يونس هو سليم بن جبير ، مولى أبي هريرة.

ـ وهو في «صحيح مسلم» بإثر ٧٢ عن محمد بن مسلمة المرادي بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٧٢ والنسائي ٣ / ٦٤ وفي «عمل اليوم والليلة» ٩٢٣ وأحمد ٢ / ٣٦٢ والواحدي في «الوسيط» ٤ / ٢٤١ وفي «أسباب النزول» ٤ / ٢٤٠ ـ ٢٤١ والبيهقي ٣ / ٣٥٨ من طريق عبد الله بن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة بنحوه.

ـ وأخرجه أحمد ٢ / ٣٦٨ من طريق يونس بالإسناد السابق.

(١) في المطبوع «على» والمثبت عن المخطوط.

٢١

إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلّم بن الحجاج حدثني محمد بن سلمة المرادي ثنا عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث أن أبا يونس حدثه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «ما أنزل الله من السماء من بركة إلا أصبح فريق من الناس بها كافرين ، ينزل الله تعالى الغيث فيقولون : مطرنا بكوكب كذا وكذا».

قوله عزوجل : (فَلَوْ لا) ، فهلا ، (إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ) ، أي بلغت النفس الحلقوم عند الموت.

(وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ) (٨٤) ، يريد وأنتم يا أهل الميت تنظرون إليه متى تخرج نفسه. وقيل : معنى قوله تنظرون أي إلى أمري وسلطاني لا يمكنكم الدفع ولا تملكون شيئا.

(وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ (٨٥) فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦) تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٨٧) فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (٨٩) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩٠) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩١) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (٩٢))

(وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ) ، بالعلم والقدرة والرؤية. وقيل : ورسلنا الذين يقبضون روحه أقرب إليه منكم ، (وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ) ، الذين حضروه.

(فَلَوْ لا) ، فهلا (إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ) ، مملوكين ، وقال أكثرهم ، محاسبين ومجزيين.

(تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٨٧) ، أي تردون نفس هذا الميت إلى جسده بعد ما بلغت الحلقوم فأجاب عن قوله : (فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ) (٨٣) ، وعن قوله (فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ) (٨٦) بجواب واحد ، ومثله قوله عزوجل : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) [البقرة : ٣٨] أجيبا بجواب واحد ، معناه إن كان الأمر كما تقولون أنه لا بعث ولا حساب ولا إله يجازي فهلا تردون نفس من يعز عليكم إذا بلغت الحلقوم ، وإذ لم يمكنكم ذلك فاعلموا أن الأمر إلى غيركم وهو الله عزوجل فآمنوا به ، ثم ذكر (١) طبقات الخلق عند الموت وبين درجاتهم فقال.

(فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ) (٨٨) ، وهم السابقون.

(فَرَوْحٌ) قرأ يعقوب (فَرَوْحٌ) ، بضم الراء والباقون بفتحها فمن قرأ بالضم ، قال الحسن معناه : تخرج روحه في الريحان ، وقال قتادة : الروح الرحمة أي له الرحمة ، وقيل : معناه فحياة وبقاء لهم.

ومن قرأ بالفتح معناه فله روح وهو الراحة ، وهو قول مجاهد. وقال سعيد بن جبير : فرح. وقال الضحاك : مغفرة ورحمة. (وَرَيْحانٌ) ، استراحة ، وقال مجاهد وسعيد بن جبير : رزق. وقال مقاتل : هو الرزق بلسان حمير ، يقال خرجت أطلب ريحان الله أي رزق الله. وقال آخرون : هو الريحان الذي يشم قال أبو العالية : لا يفارق أحد من المقربين الدنيا حتى يؤتى بغصن من ريحان الجنة فيشمه ثم تقبض روحه. (وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) ، قال أبو بكر الوراق : الروح النجاة من النار والريحان دخول دار القرار.

(وَأَمَّا إِنْ كانَ) المتوفى ، (مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ) (٩١) ، أي سلامة لك يا محمد منهم فلا تهتم لهم فإنهم سلموا من عذاب الله أو أنك ترى فيهم ما تحب من السلامة. قال مقاتل : هو أن الله تعالى يتجاوز عن سيئاتهم ويقبل حسناتهم.

وقال الفراء وغيره : فسلام لك إنهم من أصحاب اليمين ، أو يقال لصاحب اليمين : سلام لك إنك

__________________

(١) في المطبوع «تذكر» والمثبت عن المخطوط.

٢٢

من أصحاب اليمين وألفيت إن كان الرّجل يقول إني مسافر عن قليل : فتقول له : أنت مصدق مسافر عن قليل ، وقيل : فسلام لك أي عليك من أصحاب اليمين.

(وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ) ، بالبعث ، (الضَّالِّينَ) ، عن الهدى وهم أصحاب المشأمة.

(فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (٩٣) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (٩٤) إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (٩٥) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٩٦))

(فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ) (٩٣) ، فالذي يعدلهم حميم جهنم.

(وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) (٩٤) ، وإدخال نار عظيمة.

(إِنَّ هذا) ، يعني ما ذكر من قصة المحتضرين ، (لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) ، أي الحق اليقين أضافه إلى نفسه.

(فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (٧٤) ، قيل : فصل بذكر ربك وأمره ، وقيل : الباء زائدة ومعناه (١) فسبح اسم ربك العظيم.

[٢١٢٤] أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أنا ابن فنجويه أنا ابن شيبة ثنا حمزة بن محمد الكاتب ثنا نعيم بن حماد ثنا عبد الله بن المبارك عن موسى بن أيوب الغافقي عن عمه وهو إياس بن عامر عن عقبة بن عامر الجهني قال : لما نزلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٧٤)) ، قال : اجعلوها في ركوعكم ، ولما نزلت (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١)) [الأعلى : ١] قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اجعلوها في سجودكم».

[٢١٢٥] أخبرنا أبو عثمان الضبي أنا أبو محمد الجراحي ثنا أبو العباس المحبوبي ثنا أبو عيسى الترمذي

__________________

[٢١٢٤] ـ إسناده ضعيف. نعيم بن حماد غير قوي ، وموسى بن أيوب مختلف فيه ، فقد وثقه ابن معين في رواية ، وابن حبان ، وضعفه ابن معين في رواية أخرى ، فقد ذكره العقيلي في «الضعفاء» ونقل عن ابن معين قوله : منكر الحديث ، وكذا قال الساجي كما في «التهذيب» ، وعمه إياس بن عامر وثقه ابن حبان والعجلي ، ولم يرو عنه سوى موسى ، فهو مجهول ، وقد ذكره ابن أبي حاتم من غير جرح أو تعديل ، وقال الذهبي : ليس بمعروف.

ـ وأخرجه أبو داود ٨٦٩ وابن ماجه ٨٨٧ والطيالسي ١٠٠٠ وابن خزيمة ٦٠١ و ٦٧٠ وابن حبان ١٨٩٨ والحاكم ١ / ٢٢٥ من طرق عن ابن المبارك به.

ـ وأخرجه أحمد ٤ / ١٥٥ والدارمي ١ / ٢٩٩ والطحاوي في «المعاني» ١ / ٢٣٥ والطبراني ١٧ / (٨٨٩) وابن خزيمة ٦٠٠ و ٦٧٠ والحاكم ١ / ٢٢٥ و ٢ / ٤٧٧ والبيهقي ٢ / ٨٦ من طريق عبد الله بن يزيد المقرئ عن موسى بن أيوب به.

ـ صححه الحاكم ، وتعقبه الذهبي في الرواية الأولى بقوله : إياس ليس بمعروف.

ـ الخلاصة : إسناده ضعيف لا يحتج بمثله ، ثم إن السورة مكية ، وقد وقع عند الحاكم وغيره «لما نزلت .. قال لنا» وهذا منكر ، فالسورتان مكيتان ، وعقبة أسلّم بعد الهجرة بزمن.

ـ ومما يدل على جهالة إياس هو أن أبا داود ذكره ٨٧٠ من طريق الليث عن أيوب بن موسى أبو موسى بن أيوب عن رجل من قومه عن عقبة به وأتم. وهذا يدل على جهالة إياس ، والليث مقدم في الرواية على المقرئ وابن المبارك فإنه إمام مصر بلا نزاع ، وهو أسن منهما ، وأعرف بحديث موسى بن أيوب. والله أعلم.

[٢١٢٥] ـ إسناده صحيح على شرط مسلّم ، أبو داود هو سليمان بن داود ، شعبة بن الحجاج ، الأعمش سليمان بن مهران.

ـ وهو في «شرح السنة» ٦٢٣ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «سنن الترمذي» ٢٦٢ عن أبي داود الطيالسي بهذا الإسناد.

(١) في المطبوع «أي» والمثبت عن المخطوط.

٢٣

ثنا محمود بن غيلان ثنا أبو داود قال أنا شعبة عن الأعمش قال : سمعت سعد بن عبيدة يحدث عن المستورد عن صلة بن زفر عن حذيفة أنه صلى مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكان يقول في ركوعه : «سبحان ربي العظيم وفي سجوده سبحان ربي الأعلى ، وما أتى على آية رحمة إلا وقف وسأل ، وما أتى على آية عذاب إلا وقف وتعوذ».

[٢١٢٦] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا قتيبة بن سعيد ثنا محمد بن فضيل أنا عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن : سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم».

[٢١٢٧] أخبرنا أبو نصر محمد بن الحسن الجلفريّ حدثني أبو القاسم تمام بن محمد بن عبد الله الرازي بدمشق ثنا علي بن الحسين البزاز (١) وأحمد بن سليمان بن حذلم (٢) وابن راشد قالوا أخبرنا بكّار بن قتيبة ثنا

__________________

ـ وهو في «مسند الطيالسي» ٤١٥ عن شعبة بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه أبو داود ٨٧١ وأحمد ٥ / ٣٨٢ والدارمي ١ / ٢٩٩ وابن خزيمة ٦٠٣ والطحاوي في «المعاني» ١ / ٢٣٥ من طرق عن شعبة به.

ـ وأخرجه مسلّم ٧٧٢ والنسائي ٢ / ١٩٠ و ٢٢٥ ـ ٢٢٦ وأحمد ٥ / ٣٨٤ وابن خزيمة ٦٠٣ و ٦٦٩ وأبو عوانة ٢ / ١٦٨ وابن حبان ١٨٩٧ من طرق عن عبد الله بن نمير عن الأعمش عن سعد بن عبيدة به.

ـ وأخرجه ابن أبي شيبة ١ / ٢٤٨ والدار قطني ١ / ٣٣٤ وابن خزيمة ٤ / ٦ و ٦٦٨ من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى والطحاوي ١ / ٢٣٥ من طريق مجالد كلاهما عن الشعبي عن صلة به.

ـ ابن أبي ليلى ، ومجالد كلاهما ضعيف.

ـ وأخرجه ابن ماجه ٨٨٨ من وجه آخر من حديث حذيفة وفي إسناده ابن لهيعة ، وهو ضعيف وأبي الأزهر ، وهو مجهول.

[٢١٢٦] ـ تقدم في سورة الروم عند آية : ١٨.

[٢١٢٧] ـ حسن. إسناده ضعيف. رجاله ثقات ، لكن فيه عنعنة أبي الزبير ، وهو مدلس ، ومع ذلك للحديث شواهد ، فهو حسن إن شاء الله.

ـ حجاج هو ابن ميسرة أبو عثمان ، أبو الزبير هو محمد بن مسلّم بن تدرس.

ـ وهو في «شرح السنة» ١٢٥٨ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الترمذي ٣٤٦٤ وابن أبي شيبة ١٠ / ٢٩٠ وابن حبان ٨٢٦ وأبو يعلى ٢٢٣٣ من طريق روح بن عبادة بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه النسائي في «عمل اليوم والليلة» ٨٢٧ والحاكم ١ / ٥٠١ و ٥٠٢ من طريق حماد بن سلمة عن حجاج الصواف به.

وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث أبي الزبير عن جابر.

ـ وله شاهد من حديث أبي هريرة ، أخرجه الحاكم ١ / ٥١٢ وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وإسناده غير قوي لأجلّ سنان بن سعد.

ـ وله شاهد من حديث معاذ بن أنس ، أخرجه أحمد ٣ / ٤٤٠ وسنده ضعيف.

ـ الخلاصة : هو حديث حسن بشواهده ، والله أعلم.

(١) في المخطوط «البزار» والمثبت عن «شرح السنة».

(٢) في المطبوع «حكيم» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة».

٢٤

روح بن عبادة ثنا حجاج الصواف (١) عن أبي الزبير عن جابر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة».

[٢١٢٨] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي قال أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا يونس بن عبد الأعلى أنا ابن وهب أخبرني السري بن يحيى أن شجاعا حدثه عن أبي ظبية (٢) عن عبد الله بن مسعود قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقه أبدا» [قال](٣) وكان أبو ظبية لا يدعها أبدا.

سورة الحديد

مدنية وهي تسع وعشرون آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١) لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢) هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣) هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ

__________________

[٢١٢٨] ـ متن منكر بإسناد ضعيف ، والوقف أشبه.

ـ إسناده ضعيف ، شجاع وأبو ظبية مجهولان.

ـ وأخرجه البيهقي في «الشعب» ٢٤٩٨ من طريق خالد بن خداش عن عبد الله بن وهيب به.

ـ وأخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» ص ١٣٨ وابن البيهقي في «الشعب» ٢٤٩٩ وابن السني ٦٨٠ وابن الجوزي في «العلل» ١٥١ من طرق عن السري بن يحيى بهذا الإسناد ، ووقع عند أبي عبيد «عن أبي شجاع» بدل «شجاع» وسقط «شجاع» من إسناد ابن السني.

ـ قال الذهبي في «تلخيص الواهيات» : شجاع لا يدرى من هو اه نقله ابن عراق في «تنزيه الشريعة» ١ / ٣٠١.

ـ وقال ابن الجوزي : قال أحمد بن حنبل : هذا حديث منكر ، وشجاع والسري لا أعرفهما.

ـ قلت : السري وثقه الجماعة وأحمد ، فلا يصح ذكر السري عن أحمد ، والصواب ما نقله ابن حجر في «الكشاف» ٤ / ٤٧١ عن أحمد قوله : هذا حديث منكر. وشجاع لا أعرفه ا ه.

ـ ولعل صواب العبارة عن أحمد : هذا حديث منكر ، وشجاع وأبو ظبية لا أعرفهما ، لأن كلا منهما مجهول.

ـ وأخرجه البيهقي في «الشعب» ٢٤٩٧ من طريق السري عن شجاع عن أبي فاطمة أن عثمان بن عفان عاد ابن مسعود في مرضه ... فذكره.

ـ وأبو فاطمة هذا مجهول ، والظاهر أن شجاعا قلبه.

ـ الخلاصة : الإسناد ضعيف ، والمتن منكر ، قد أنكره الإمام أحمد وغيره.

ـ وانظر «الكشاف» ١١٣٠ و «الجامع لأحكام القرآن» ٥٧٧٤ بتخريجي.

(١) في المطبوع «الصرّاف» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة».

(٢) في المطبوع «أبي طيبة» والمثبت عن المخطوط وكتب التراجم.

(٣) زيادة عن المخطوط.

٢٥

أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤) لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٥))

(سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١) (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢) هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ) ، يعني هو الأول قبل كل شيء بلا ابتداء بل كان هو ولم يكن شيء موجودا والآخر بعد فناء كل شيء بلا انتهاء ، تفنى الأشياء ويبقى هو والظاهر الغالب العالي على كل شيء ، والباطن العالم بكل شيء ، هذا معنى قول ابن عباس. وقال يمان : هو الأول القديم والآخر الرحيم ، والظاهر الحليم ، والباطن العليم.

وقال السدي : هو الأول ببره إذ عرفك توحيده والآخر بجوده إذ عرفك التوبة على ما جنيت ، والظاهر بتوفيقه إذ وفقك للسجود له ، والباطن بستره إذا عصيته فستر عليك. وقال الجنيد : هو الأول بشرح القلوب ، والآخر بغفران الذنوب ، والظاهر بكشف الكروب ، والباطن بعلم الغيوب. وسأل عمر رضي الله تعالى عنه كعبا عن هذه الآية فقال : معناها إن علمه بالأول كعلمه بالآخر ، وعلمه بالظاهر كعلمه بالباطن. (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).

[٢١٢٩] أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلّم بن الحجاج حدثني زهير بن حرب ثنا جرير عن سهيل قال : كان أبو صالح يأمرنا إذا أراد أحدنا أن ينام أن يضطجع على شقه الأيمن ثم يقول : «اللهم رب السموات ورب الأرض [ورب العرش العظيم ربنا](١) ورب كل شيء فالق الحب والنوى [و] منزل التوراة والإنجيل والفرقان (٢) أعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته ، أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء ، اقض عني الدين واغنني من الفقر» وكان يروى ذلك عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما

__________________

[٢١٢٩] ـ حسن صحيح. إسناده قوي ، رجاله رجال البخاري ومسلم غير سهيل بن أبي صالح ، فقد تفرد عنه مسلّم ، وفيه كلام ينحط حديثه عن درجة الصحيح جزما إلى درجة الجودة ، وهذا لكونه من روايته عن أبيه ، وإلا فحديثه حسبه الحسن.

ـ جرير هو ابن عبد الحميد.

ـ وهو في «صحيح مسلّم» ٢٧١٣ عن أبي خيثمة زهير بن حرب بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه ابن حبان ٥٥٣٧ من طريق أبي خيثمة به.

ـ وأخرجه النسائي في «عمل اليوم والليلة» ٧٩٠ وابن السني ٧٢٠ من طريق إسحاق بن راهوية عن جرير به.

ـ وأخرجه مسلّم ٢٧١٣ ح ٦٢ والترمذي ٢٤٠٠ من خالد الطحان عن سهيل بن أبي صالح عن أبي هريرة قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يأمرنا إذا أخذنا مضاجعنا ... فذكره.

ـ وأخرجه أبو داود ٥٠٥١ وابن ماجه ٣٨٧٣ وابن أبي شيبة ١٠ / ٢٥١ وأحمد ٢ / ٣٨٢ و ٥٣٦ من طرق عن سهيل بن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا.

(١) زيادة عن المخطوط و «صحيح البخاري».

(٢) في المطبوع «القرآن» والمثبت عن المخطوط و «صحيح البخاري».

٢٦

(يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ) ، بالعلم ، (أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).

(لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (٥).

(يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٦) آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (٧) وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٩) وَما لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١٠))

(يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٦) آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) ، يخاطب كفار مكة ، (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) ، مملكين فيه يعني المال الذي كان بيد غيرهم فأهلكهم وأعطاه قريشا فكانوا في ذلك المال خلفاء عمن مضوا. (فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ).

(وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ) ، قرأ أبو عمرو (أَخَذَ) بضم الهمزة وكسر الخاء (مِيثاقَكُمْ) برفع القاف على ما لم يسم فاعله ، وقرأ الآخرون بفتح الهمزة والخاء ونصب القاف ، أي : أخذ الله ميثاقكم حين أخرجكم من ظهر آدم عليه‌السلام ، بأن الله ربكم لا إله لكم سواه ، قال مجاهد : وقيل : أخذ ميثاقكم بإقامة الحجج والدلائل التي تدعو إلى متابعة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم. (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) يوما ، فالآن أحرى الأوقات أن تؤمنوا لقيام الحجج والإعلام ببعثة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونزول القرآن.

(هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ) ، محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، (آياتٍ بَيِّناتٍ) ، يعني القرآن ، (لِيُخْرِجَكُمْ) ، الله بالقرآن ، (مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) ، وقيل : ليخرجكم الرسول بالدعوة من الظلمات إلى النور أي من ظلمات الشرك إلى نور الإيمان ، (وَإِنَّ اللهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ).

(وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، يقول : أي شيء لكم في ترك الإنفاق فيما يقرب من الله وأنتم ميتون تاركون أموالكم ، ثم بين فضل من سبق بالإنفاق [فيما يقرب](١) في سبيل الله وبالجهاد فقال : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ) ، يعني فتح مكة في قول أكثر المفسرين ، وقال الشعبي : هو صلح الحديبية ، (وَقاتَلَ) ، يقول لا يستوي في الفضل من أنفق ماله وقاتل العدو مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل فتح مكة مع من أنفق وقاتل بعده ، (أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا).

وروى محمد بن فضيل عن الكلبي (٢) أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه فإنه أول من أسلّم وأول من أنفق ماله في سبيل الله. وقال عبد الله بن مسعود : أول من أظهر إسلامه بسيفه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو بكر.

__________________

(١) زيادة عن المخطوط (ب)

(٢) في المخطوط (ب) «الكعبي» والمثبت عن المخطوط (أ) وط.

٢٧

[٢١٣٠] أخبرنا أحمد بن إبراهيم [الشريحي حدثنا أبو إسحاق أحمد بن محمد](١) الثعلبي أنا عبد الله بن حامد بن محمد أنا أحمد بن إسحاق بن أيوب أنا محمد بن يونس ثنا العلاء بن عمرو الشيباني ثنا أبو إسحاق الفزاري ثنا سفيان بن سعيد عن آدم بن علي عن ابن عمر قال : كنت عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعنده أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وعليه عباءة قد خلها في صدره بخلال ، فنزل عليه جبريل فقال : ما لي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خلها في صدره بخلال؟ فقال : «أنفق ماله عليّ قبل الفتح» قال : فإن الله عزوجل يقول : اقرأ عليه‌السلام وقل له أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا أبا بكر إن الله عزوجل يقرأ عليك السلام ويقول لك : أراض أنت في فقرك هذا أم ساخط»؟ فقال أبو بكر : أأسخط على ربي إني عن ربي راض إني عن ربي راض.

(وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) ، أي كلا الفريقين وعدهم الله الجنة. قال عطاء : درجات الجنة تتفاضل ، فالذين أنفقوا [من](٢) قبل الفتح في أفضلها. وقرأ ابن عامر «وكل» بالرفع ، (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).

(مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (١١) يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (١٣))

(مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (١١) يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ) ، يعني على الصراط ، (بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) ، يعني عن أيمانهم. قال بعضهم : أراد جميع جوانبهم فعبر بالبعض عن الكل وذلك دليلهم إلى الجنة.

[٢١٣١] وقال قتادة : ذكر لنا أن نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن من المؤمنين من يضيء نوره».

[يعني : على الصراط](٣) ، من المدينة إلى عدن أبين وصنعاء ودون ذلك ، حتى أن من المؤمنين من لا

__________________

[٢١٣٠] ـ باطل. إسناده ساقط. فيه محمد بن يونس ، وهو الكديمي ، متروك متهم ، وشيخه العلاء متروك أيضا.

ـ قال ابن حبان : يروى عن أبي إسحاق العجائب ، لا يجوز الاحتجاج به بحال. وقد توبع الكديمي عند ابن حبان والواحدي وعلة الحديث العلاء.

ـ أبو إسحاق هو إبراهيم بن محمد بن الحارث.

ـ وأخرجه ابن حبان في «المجروحين» ٢ / ١٨٥ والواحدي في «الوسيط» ٤ / ٢٤٦ من طريق عمر بن حفص الشيبان عن العلاء بن عمرو بهذا الإسناد.

ـ وذكره ابن كثير في «التفسير» عند هذه الآية من طريق البغوي وقال : هذا الحديث ضعيف الإسناد من هذا الوجه.

ـ كذا قال رحمه‌الله ، بل إسناده واه بمرة ، وقال الذهبي في «الميزان» ٣ / ١٠٣ : هذا كذب ، وهو كما قال الذهبي رحمه‌الله ، فإن المتن منكر جدا ، ومما يدل على وضعه ، هو أنه ساقه بإسناد على شرط البخاري.

[٢١٣١] ـ ضعيف أخرجه الطبري ٣٣٦١٤ عن قتادة مرسلا ، ومع إرساله هو بصيغة التمريض.

ـ وقد أخرجه الطبري ٣٣٦١٦ عن ابن مسعود موقوفا ، وهو أصح. لكن الآية شاهد بذلك ، والله أعلم.

(١) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) ما بين المعقوفتين زيد في المطبوع ، وهذه الزيادة ليست في المخطوط ولا في «تفسير الطبري» ٣٣٦١٤.

٢٨

يضيء نوره إلا موضع قدميه» (١).

وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما : يؤتون نورهم على قدر أعمالهم فمنهم من يؤتى نوره كالنخلة ، ومنهم من يؤتى نوره كالرجل القائم : وأدناهم نورا من نوره أعلى إبهامه فيطفأ مرة ويقد مرة. وقال الضحاك ومقاتل : يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم كتبهم يريد أن كتبهم التي أعطوها بأيمانهم ونورهم بين أيديهم ، وتقول لهم الملائكة : (بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

(يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا) ، قرأ الأعمش وحمزة : أنظرونا بفتح الهمزة وكسر الظاء يعني أمهلونا. وقيل : انتظرونا. وقرأ الآخرون بحذف الألف في الوصل وضمها في الابتداء وضم الظاء ، تقول العرب : انظرني وأنظرني يعني انتظرني. (نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) ، نستضيء من نوركم ، وذلك أن الله تعالى يعطي المؤمنين نورا على قدر أعمالهم يمشون به على الصراط ، ويعطي المنافقين أيضا نورا خديعة لهم ، وهو قوله عزوجل : (وَهُوَ خادِعُهُمْ) [النساء : ١٤٢] ، فبينما هم يمشون إذ بعث الله عليهم ريحا وظلمة فأطفأ (٢) نور المنافقين ، فذلك قوله : (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا) [التحريم : ٨] مخافة أن يسلبوا نورهم كما سلب نور المنافقين. وقال الكلبي : بل يستضيء المنافقون بنور المؤمنين ولا يعطون النور فإذا سبقهم المؤمنون وبقوا في الظلمة قالوا للمؤمنين انظرونا نقتبس من نوركم ، (قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ) ، قال ابن عباس : يقول لهم المؤمنون ، وقال قتادة : تقول لهم الملائكة ارجعوا وراءكم من حيث جئتم ، (فَالْتَمِسُوا نُوراً) ، فاطلبوا هناك لأنفسكم نورا فإنه لا سبيل لكم إلى الاقتباس من نورنا ، فيرجعون في طلب النور فلا يجدون شيئا فينصرفون إليهم ليلقوهم فيميز بينهم وبين المؤمنين ، وهو قوله : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ) ، أي سور ، والباء صلة يعني بين المؤمنين والمنافقين ، وهو حائط بين الجنة والنار ، (لَهُ) أي لذلك السور ، (بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ) ، أي في باطن ذلك السور الرحمة وهي الجنة ، (وَظاهِرُهُ) ، أي خارج ذلك السور ، (مِنْ قِبَلِهِ) ، أي من قبل ذلك الظاهر ، (الْعَذابُ) ، وهو النار.

(يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (١٤) فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٥))

(يُنادُونَهُمْ) روي عن عبد الله بن عمرو (٣) قال : إن السور الذي ذكر الله تعالى في القرآن (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ) هو سور بيت المقدس الشرقي باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ، وادي جهنم. وقال ابن شريح : كان كعب يقول : في الباب الذي يسمى باب الرحمة في بيت المقدس إنه الباب الذي قال الله عزوجل : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ) الآية ، ينادونهم يعني : ينادي (٤) المنافقون المؤمنين من وراء السور حين حجز (٥) بينهم بالسور وبقوا في الظلمة : (أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) في الدنيا نصلي ونصوم؟ (قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ) ، أهلكتموها بالنفاق والكفر واستعملتموها في المعاصي والشهوات ، وكلها فتنة ،

__________________

(١) ـ وفي المخطوط (ب) «من يضيء نوره ما بين عدن وصنعاء ...».

(٢) في المطبوع «فأطفأت» والمثبت عن المخطوط.

(٣) في المطبوع «عبد الله بن عمر» والمثبت عن المخطوط.

(٤) في المطبوع «ينادون» والمثبت عن المخطوط.

(٥) في المطبوع «حجب» والمثبت عن المخطوط.

٢٩

(وَتَرَبَّصْتُمْ) ، بالإيمان والتوبة. قال مقاتل : وتربصتم بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقلتم يوشك أن يموت فنستريح منه ، (وَارْتَبْتُمْ) ، شككتم في نبوته وفيما أوعدكم به. (وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُ) ، الأباطيل وما كنتم تتمنون من نزول الدوائر بالمؤمنين (حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ) ، يعني الموت ، (وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) ، يعني الشيطان ، قال قتادة : ما زالوا على خدعة من الشيطان حتى قذفهم الله في النار.

(فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ) ، قرأ أبو جعفر وابن عامر ويعقوب تؤخذ بالتاء ، وقرأ الآخرون بالياء ، (فِدْيَةٌ) بدل وعوض بأن تفدوا (١) أنفسكم من العذاب ، (وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، يعني المشركين ، (مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ) ، صاحبكم وأولى بكم لما أسلفتم من الذنوب ، (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).

(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (١٦) اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٧) إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (١٨))

قوله عزوجل : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ) [الحديد : ١٦] ، قال الكلبي ومقاتل : نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة ، وذلك أنهم سألوا سلمان الفارسي ذات يوم فقالوا حدثنا عن التوراة فإن فيها العجائب ، فنزلت : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) [يوسف : ٣] ، فأخبرهم أن القرآن أحسن قصصا من غيره فكفوا عن سؤال سلمان ما شاء الله ، ثم عادوا فسألوا سلمان عن مثل ذلك فنزل : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً) [الزمر : ٢٣] ، فكفوا عن سؤاله ما شاء الله ثم عادوا فقالوا : حدثنا عن التوراة فإن فيها العجائب فنزلت هذه الآية (٢). فعلى هذا تأويل قوله : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ) ، يعني في العلانية وباللسان.

وقال الآخرون : نزلت في المؤمنين.

قال عبد الله بن مسعود : ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ) ، إلا أربع سنين. (٣)

وقال ابن عباس : إن الله استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن.

فقال : (أَلَمْ يَأْنِ) ، ألم يحن للذين آمنوا أن تخشع [قلوبهم] ترق وتلين وتخضع (٤) لذكر الله ، (وَما نَزَلَ) ، قرأ نافع وحفص عن عاصم بتخفيف الزاي ، وقرأ الآخرون بتشديدها ، (مِنَ الْحَقِ) ، وهو القرآن ، (وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ) ، وهم اليهود والنصارى ، (فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ) ، الزمان بينهم وبين أنبيائهم ، (فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ) ، قال ابن عباس : مالوا إلى الدنيا وأعرضوا عن مواعظ الله ،

__________________

(١) في المطبوع «نفذوا» والمثبت عن المخطوط.

(٢) ذكره تعليقا عنهما ، والكلبي متروك كذاب ، ومقاتل إن كان ابن سليمان ، فهو كذاب أيضا ، وإن كان ابن حيان فذو مناكير ، والخبر منكر جدا ، أمارة الوضع لائحة عليه.

(٣) هذا الأثر ، أخرجه مسلم ٣٠٢٧ عن ابن مسعود قوله.

(٤) زيد في المطبوع «قلوبهم».

٣٠

والمعنى : أن الله عزوجل ينهي المؤمنين أن يكونوا في صحبة (١) القرآن كاليهود والنصارى الذين قست قلوبهم لما طال عليهم الدهر. روي أن أبا موسى الأشعري بعث إلى قرّاء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرءوا القرآن فقال لهم : أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم (٢). (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) ، يعني الذين تركوا الإيمان بعيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام.

وقوله عزوجل : (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٧) إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ) ، قرأ ابن كثير وأبو بكر عن عاصم بتخفيف الصاد فيهما من التصديق أي المؤمنين والمؤمنات ، وقرأ الآخرون بتشديدهما أي المتصدقين والمتصدقات أدغمت التاء في الصاد ، (وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) ، بالصدقة والنفقة في سبيل الله عزوجل : (يُضاعَفُ لَهُمْ) ، ذلك القرض (وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ) ، ثواب حسن وهو الجنة.

(وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١٩) اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ (٢٠))

(وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ) ، والصديق الكثير الصدق ، قال مجاهد : كل من آمن بالله ورسله فهو صديق وتلا هذه الآية.

قال الضحاك : هم ثمانية نفر من هذه الأمة سبقوا أهل الأرض في زمانهم إلى الإسلام أبو بكر وعلي وزيد وعثمان وطلحة والزبير وسعد وحمزة ، وتاسعهم عمر بن الخطاب رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ألحقه الله بهم لما عرف من صدق نيته.

(وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ، اختلفوا في نظم هذه الآية منهم من قال : هي متصلة بما قبلها والواو واو النسق ، وأراد بالشهداء المؤمنين المخلصين. وقال الضحاك : هم الذين سميناهم. وقال مجاهد : كل مؤمن صديق شهيد ، وتلا هذه الآية. وقال قوم : تم الكلام عند قوله : (هُمُ الصِّدِّيقُونَ) ثم ابتدأ فقال : (وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ، [قالوا](٣) والواو واو الاستئناف ، وهو قول ابن عباس ومسروق وجماعة ، ثم اختلفوا فيهم فقال قوم هم الأنبياء الذين يشهدون على الأمم يوم القيامة ، يروى ذلك عن ابن عباس وهو قول مقاتل بن حيان. وقال مقاتل بن سليمان : هم الذين استشهدوا في سبيل الله. (لَهُمْ أَجْرُهُمْ) ، بما عملوا من العمل الصالح ، (وَنُورُهُمْ) ، على الصراط (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ).

قوله عزوجل : (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا) ، أي أن الحياة الدنيا ، و (ما) صلة أي إن الحياة في هذه

__________________

(١) في المطبوع «صحة» والمثبت عن المخطوط.

(٢) تقدم هذا الأثر.

(٣) زيادة عن المخطوط.

٣١

الدار ، (لَعِبٌ) ، باطل لا حاصل له ، (وَلَهْوٌ) ، فرح ثم ينقضي ، (وَزِينَةٌ) ، منظر يتزينون به ، (وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ) ، يفخر به بعضكم على بعض.

(وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ) ، أي مباهاة بكثرة الأموال والأولاد ، ثم ضرب لها مثلا فقال (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ) ، أي الزراع ، (نَباتُهُ) ، ما نبت من ذلك الغيث ، (ثُمَّ يَهِيجُ) ، ييبس ، (فَتَراهُ مُصْفَرًّا) ، بعد خضرته ونضرته ، (ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً) ، يتحطم ويتكسر بعد يبسه ويفنى ، (وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ) ، قال مقاتل : لأعداء الله ، (ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً) ، يتحطم ويتكسر بعد يبسه ويفنى ، (وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ) ، قال مقاتل : لأعداء الله (وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ) ، لأوليائه وأهل طاعته.

(وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) ، قال سعيد بن جبير : متاع الغرور لمن يشتغل فيها بطلب الآخرة ومن اشتغل بطلبها فله متاع بلاغ إلى ما هو خير منه.

(سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢١) ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (٢٢) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (٢٣) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٤) لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢٥))

(سابِقُوا) ، سارعوا (إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) ، لو وصل بعضها ببعض ، (أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) ، فبين أن أحدا لا يدخل الجنة إلا بفضل الله.

قوله عزوجل : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ) ، يعني : [من](١) قحط المطر وقلة النبات ونقص الثمار ، (وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ) ، يعني الأمراض وفقد الأولاد ، (إِلَّا فِي كِتابٍ) ، يعني اللوح المحفوظ ، (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) ، من قبل أن نخلق الأرض والأنفس. وقال ابن عباس : من قبل أن نبرأ المصيبة. وقال أبو العالية : يعني النسمة ، (إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) ، أي إثبات ذلك على كثرته هين على الله عزوجل.

(لِكَيْلا تَأْسَوْا) ، تحزنوا ، (عَلى ما فاتَكُمْ) ، من الدنيا ، (وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) [تبطروا بما آتاكم](٢) ، قرأ أبو عمرو بقصر الألف لقوله (فاتَكُمْ) فجعل الفعل له ، وقرأ الآخرون (آتاكُمْ) بمد الألف ، أي : أعطاكم. قال عكرمة : ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن ولكن اجعلوا الفرح شكرا والحزن صبرا. (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ) ، متكبر بما أوتي من الدنيا ، (فَخُورٍ) ، يفخر به على الناس.

قال جعفر بن محمد الصادق : يا ابن آدم ما لك تأسف على مفقود لا يرده إليك الفوت ، ومالك تفرح بموجود لا يتركه في يدك الموت.

(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) ، قيل : هو في محل الخفض على نعت المختال. وقيل : هو رفع بالابتداء وخبره فيما بعده. (وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَ) ، أي يعرض عن الإيمان (فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) ، قرأ

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

٣٢

أهل المدينة والشام : فإن الله الغني ، بإسقاط هو وكذلك هو في مصاحفهم.

قوله عزوجل : (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ) ، بالآيات والحجج ، (وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ) ، يعني العدل. وقال مقاتل بن سليمان : هو ما يوزن به أي ووضعنا الميزان كما قال : (وَالسَّماءَ رَفَعَها) [الرحمن : ٧] بأن وضع (وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) ، ليتعاملوا بينهم بالعدل ، (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ).

[٢١٣٢] روي عن ابن عمر يرفعه : إن الله أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض الحديد والنار والماء والملح ، وقال أهل المعاني معنى قوله : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) ، أنشأنا وأحدثنا ، أي أخرج لهم الحديد من المعادن وعلمهم صنعته بوحيه. وقال قطرب : هذا من النزل كما يقال أنزل الأمير على فلان نزلا حسنا فمعنى الآية أنه جعل ذلك نزلا لهم. ومثله قوله ؛ (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) [الزمر : ٦]. (فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) ، قوة شديدة يعني السلاح للحرب.

قال مجاهد : فيه جنة وسلاح يعني آلة [الدفع](١) وآلة الضرب ، (وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) ، مما ينتفعون به في مصالحهم كالسكين والفأس والإبرة ونحوها إذ هو آلة لكل صنعة ، (وَلِيَعْلَمَ اللهُ) ، أي أرسلنا رسلنا وأنزلنا معهم هذه الأشياء ليتعامل الناس بالحق والعدل وليعلم الله وليرى الله ، (مَنْ يَنْصُرُهُ) ، أي دينه.

(وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ) ، أي قام بنصرة الدين ولم ير الله ولا الآخرة وإنما يحمد ويثاب من أطاع الله بالغيب. (إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) ، قوي في أمره عزيز في ملكه ،

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٦) ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٧))

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٦) ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) ، على دينه ، (رَأْفَةً) ، وهي أشد الرقة ، (وَرَحْمَةً) ، كانوا متوادين بعضهم لبعض ، كما قال الله تعالى في وصف أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) ، (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها) [الفتح : ٢٩] ، من قبل أنفسهم وليس هذا بعطف على ما قبله وانتصابه بفعل مضمر كأنه قال : وابتدعوا رهبانية أي جاءوا بها من قبل أنفسهم ، (ما كَتَبْناها) ، أي ما فرضناها ، (عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ) ، يعني ولكنهم ابتغوا رضوان الله بتلك الرهبانية وتلك الرهبانية ما حملوا أنفسهم من المشاق في الامتناع من المطعم والمشرب والملبس والنكاح والتعبد في الجبال ، (فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها) ، أي لم يرعوا الرهبانية حق رعايتها بل ضيعوها وكفروا بدين عيسى فتهودوا وتنصروا ودخلوا في دين ملوكهم وتركوا الترهب (٢) ، وأقام منهم أناس على دين عيسى عليه الصلاة والسلام حتى أدركوا محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم فآمنوا به ، وذلك قوله تعالى : (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ) ، وهم الذين ثبتوا عليها وهم أهل الرأفة والرحمة ، (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) ، وهم الذين

__________________

[٢١٣٢] ـ لم أقف على ذكره الزمخشري في «الكشاف» ٤ / ٣٨٣ فقال الحافظ : أخرجه الثعلبي ، وفي إسناده من لا أعرفه.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المطبوع «الترهيب» والمثبت عن المخطوط.

٣٣

تركوا الرهبانية وكفروا بدين عيسى عليه الصلاة والسلام.

[٢١٣٣] أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنبأني عبد الله بن حامد أنا أحمد بن عبد الله المزني ثنا محمد بن عبد الله بن سليمان ثنا شيبان بن فروخ ثنا الصعق بن حزن (١) عن عقيل الجعدي عن أبي إسحاق عن سويد بن غفلة عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «يا ابن مسعود اختلف من كان قبلكم على اثنتين وسبعين فرقة نجا منها ثلاث وهلك سائرهن فرقة آزّت (٢) الملوك وقاتلوهم على دين عيسى عليه الصلاة والسلام ، فأخذوهم وقتلوهم وفرقة لم تكن لهم طاقة بمؤزّاة (٣) الملوك ولا بأن يقيموا بين ظهرانيهم يدعونهم إلى دين الله ودين عيسى عليه‌السلام فساحوا في البلاد وترهبوا ، وهم الذين قال الله عزوجل فيهم : (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ) فقال النبي : من آمن بي وصدقني واتبعني فقد رعاها حق رعايتها ، ومن لم يؤمن بي فأولئك هم الهالكون».

[٢١٣٤] وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كنت رديف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على حمار فقال لي : «يا ابن أم عبد أتدري (٤) من أين اتخذت بنو إسرائيل الرهبانية؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسى عليه‌السلام يعملون بالمعاصي فغضب أهل الإيمان فقاتلوهم فهزم أهل الإيمان ثلاث مرات فلم يبق

__________________

[٢١٣٣] ـ ضعيف جدا ، وعلته عقيل بن يحيى الجعدي.

ـ قال الذهبي في «الميزان» ٣ / ٨٨ : قال البخاري : منكر الحديث.

ـ قلت : وقاعدة البخاري : كل من قلت عنه منكر الحديث ، فلا يحل الرواية عنه.

ـ وله علة ثانية ، وهي عنعنة أبي إسحاق.

ـ أبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله.

ـ وأخرجه الطبراني ١٠٥٣١ من طريق محمد بن عبد الله الحضرمي عن شيبان بن فروخ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الحاكم ٢ / ٤٨٠ والطبراني ١٠٥٣١ من طريق عبد الرحمن بن المبارك عن الصعق بن حزن به.

ـ وأخرجه الطبري ٣٣٦٧٧ من طريق داود بن المحبر عن الصعق بن حزن به ، وداود متروك.

ـ وأخرجه الواحدي في «الوسيط» ٤ / ٢٥٤ من طريق الحسن بن سفيان عن شيبان به.

ـ وأخرجه الطبراني ١٠٣٥٧ وابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» عند هذه الآية من طريقين عن بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن جدّه ابن مسعود.

ـ وهذا إسناد واه ، ليس بشيء ، بكير هو معروف ، قال الذهبي عنه في «الميزان» ١ / ٣٥٠ : وثقه بعضهم ، وقال ابن المبارك : ارم به.

ـ وفيه مقاتل بن حيان ، وهو وإن وثقه غير واحد ، فقد روى مناكير ، وقال ابن خزيمة : لا أحتج به. وفيه أيضا عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ، عامة ما يرويه عن أبيه مرسل.

ـ وقال الهيثمي في «المجمع» ٧ / ٢٦٠ ـ ٢٦١ رواه الطبراني بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح غير بكير بن معروف وثقه أحمد وغيره ، وفيه ضعف.

ـ الخلاصة : هو حديث ضعيف جدا كونه مرفوعا ، والأشبه فيه الوقف ، والله أعلم. وانظر «أحكام القرآن» ٢٠٤٣ لابن العربي بتخريجي.

[٢١٣٤] ـ تقدم مع ما قبله ، وهو ضعيف جدا.

(١) في المطبوع «حرب» والمثبت عن المخطوط وكتب التراجم.

(٢) في المطبوع وفي «مستدرك الحاكم» «وارث» وفي المخطوط «أذت» والمثبت عن ط.

(٣) في المطبوع «بموازة والمثبت عن ط والمخطوط.

(٤) في المطبوع «هل تدري» والمثبت عن المخطوط.

٣٤

منهم إلا القليل ، فقالوا : إن ظهرنا لهؤلاء أفتونا ولم يبق للدين أحد يدعو إليه ، فقالوا : تعالوا نتفرق في الأرض إلى أن يبعث الله النبي الذي وعدنا به عيسى عليه‌السلام ، يعنون محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتفرقوا في غيران الجبال ، وأحدثوا رهبانية فمنهم من تمسك بدينه ومنهم من كفر ، ثم تلا هذه الآية : (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها) الآية ، (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ) يعني من ثبتوا عليها أجرهم ، ثم قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا ابن أم عبد أتدري ما رهبانية أمتى»؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : «الهجرة والجهاد والصلاة والصوم والحج والعمرة والتكبير على التلاع» (١).

وروي عن أنس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن لكل أمة رهبانية ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله».

[٢١٣٥] وروي سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانت ملوك بني إسرائيل بعد عيسى عليه‌السلام بدّلوا التوراة والإنجيل ، وكان فيهم مؤمنون يقرءون التوراة والإنجيل ويدعونهم إلى دين الله فقيل لملوكهم لو جمعتهم هؤلاء الذين [تشيعوا](٢) شقوا عليكم فقتلتموهم أو دخلوا فيما نحن فيه ، فجمعهم ملكهم وعرض عليهم القتل أو يتركوا قراءة التوراة والإنجيل إلا ما بدلوا منها ، فقالوا : نحن نكفيكم أنفسنا فقالت طائفة ابنوا لنا اسطوانة ، ثم ارفعونا إليها ثم أعطونا شيئا نرفع به طعامنا وشرابنا ، ولا نرد عليكم ، وقالت طائفة : دعونا نسيح في الأرض ونهيم ونشرب كما يشرب الوحش ، فإن قدرتم علينا بأرض فاقتلونا ، وقالت طائفة : ابنوا لنا دورا في الفيافي نحتفر الآبار ونحترث البقول فلا نرد عليكم ولا نمرّ بكم ، ففعلوا بهم ذلك فمضى أولئك على منهاج عيسى عليه الصلاة والسلام ، وخلف قوم من بعدهم ممن قد غيّر الكتاب ، فجعل الرجل يقول نكون في مكان فلان فنتعبد كما تعبد فلان ونسيح كما ساح فلان ونتخذ دورا كما اتخذ فلان وهم على شركهم لا علم لهم بإيمان الذين اقتدوا بهم فذلك قوله عزوجل : (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها) أي ابتدعها هؤلاء الصالحون فما رعوها حق رعايتها ، يعني الآخرين الذين جاءوا من بعدهم ، فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم ، يعني الذين ابتدعوها ابتغاء رضوان الله (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) [هم] الذين جاءوا من بعدهم ، قال : فلما بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يبق منهم إلّا قليل حتى هبط (٣) رجل من صومعته وجاء سياح من سياحته وصاحب دير من ديره وآمنوا به.

__________________

[٢١٣٥] ـ حسن. وأخرجه أحمد ٣ / ٢٦٦ والواحدي في «الوسيط» ٤ / ٢٥٦ وأبو يعلى ٤٢٠٤ من طريق ابن المبارك عن سفيان عن زيد العمي عن أبي إياس عن أنس به.

ـ وإسناده ضعيف.

ـ قال الهيثمي في «المجمع» ٥ / ٢٧٨ : رواه أبو يعلى وأحمد إلا أنه قال : «لكل نبي رهبانية ...» وفيه زيد العمي وثقه أحمد وغيره ، وضعفه أبو زرعة وغيره ، وبقية رجاله رجال الصحيح.

ـ وله شاهد من حديث أبي أمامة ، أخرجه أبو داود ٢٤٨٦ وفيه القاسم بن عبد الرحمن ضعفه غير واحد.

ـ وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري أخرجه أحمد ٣ / ٨٢ من طريق إسماعيل بن عياش عن الحجاج بن مروان الكلاعي وعقيل بن مدرك السلمي عن أبي سعيد الخدري.

ـ وأخرجه أبو يعلى ١٠٠٠ من طريق يعقوب القمي عن ليث عن مجاهد عن أبي سعيد الخدري.

ـ وإسناده ضعيف ، لضعف ليث بن أبي سليم.

ـ وللحديث شواهد ، فهو حسن إن شاء الله ، والله أعلم.

ـ وانظر : «فتح القدير» ٢٤٦٠ للشوكاني بتخريجي.

(١) في المخطوط «القلاع».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) في المطبوع «انحط» والمثبت عن المخطوط.

٣٥

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٨) لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩))

فقال الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) ، الخطاب لأهل الكتابين من اليهود والنصارى ، يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى اتقوا الله في محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ) ، محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ) ، نصيبين ، (مِنْ رَحْمَتِهِ) ، يعني يؤتكم أجرين لإيمانكم بعيسى عليه الصلاة والسلام ، والإنجيل وبمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن ، وقال قوم : انقطع الكلام عند قوله (وَرَحْمَةً) ثم قال : ورهبانية ابتدعوها وذلك أنهم تركوا الحق فأكلوا الخنزير وشربوا الخمر وتركوا الوضوء والغسل من الجنابة والختان ، فما رعوها يعني الطاعة والملة (حَقَّ رِعايَتِها) كناية عن غير مذكور (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ) ، وهم أهل الرأفة والرحمة وكثير منهم فاسقون ، وهم الذين ابتدعوا الرهبانية ، وإليه ذهب مجاهد ، معنى قوله : (إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ) على هذا التأويل ما أمرناهم وما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله ، وما أمرناهم بالترهب. قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) أي يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى اتقوا الله وآمنوا برسوله محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم يؤتكم كفلين نصيبين من رحمته.

[٢١٣٦] وروينا عن أبي موسى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين : رجل كانت له جارية فأدبها فأحسن أدبها (١) ثم أعتقها وتزوجها ، ورجل من أهل الكتاب آمن بكتابه وآمن بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعبد أحسن عبادة الله ونصح سيده» (وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ) ، قال ابن عباس ومقاتل : يعني على الصراط ، كما قال : (نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) [التحريم : ٨] ويروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النور هو القرآن. وقال مجاهد : هو الهدى والبيان ، أي يجعل لكم سبيلا واضحا في الدين تهتدون به. (وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، وقيل : لما سمع من لم يؤمن من أهل الكتاب قوله عزوجل : (أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ) [القصص : ٥٤] قالوا للمسلمين : أما من آمن منا بكتابكم فله أجره مرتين لإيمانه بكتابكم وبكتابنا وأما من لم يؤمن منا فله أجر كأجوركم فما فضلكم علينا؟ فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ) فجعل (٢) لهم الأجر (٣) إذا آمنوا برسوله محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وزادهم النور والمغفرة.

ثم قال : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) ، قال قتادة : حسد الذين لم يؤمنوا من أهل الكتاب المؤمنين منهم ، فأنزل الله تعالى : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) قال مجاهد : قالت اليهود يوشك أن يخرج منا نبي يقطع الأيدي والأرجل ، فلما خرج من العرب كفروا به ، فأنزل الله تعالى : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) أي ليعلم و (لا) صلة ، (أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ) ، أي ليعلم الذين لم يؤمنوا أنهم لا أجر لهم ولا نصيب لهم في فضل الله ، (وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).

__________________

[٢١٣٦] ـ تقدم في سورة القصص عند آية : ٥٤.

(١) في المطبوع «تأديبها» والمثبت عن المخطوط.

(٢) في المطبوع «فيجعل» عن المخطوط.

(٣) في المطبوع «الأجرين» والمثبت عن المخطوط.

٣٦

[٢١٣٧] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا قتيبة بن سعيد ثنا الليث عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم كما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس وإنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل استعمل عمالا فقال من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط قيراط ، فعملت اليهود إلى نصف النهار على قيراط قيراط ، ثم قال من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط ، فعملت النصارى من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط ، ثم قال من يعمل لي من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين ، ألا فأنتم الذين تعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشمس ألا لكم الأجر مرتين ، فغضبت اليهود والنصارى : وقالوا : نحن أكثر عملا وأقل عطاء؟ قال الله تعالى : «هل ظلمتكم من حقكم شيئا»؟ قالوا : لا قال : «فإنه فضلي أعطيته من شئت».

[٢١٣٨] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل حدثني محمد بن العلاء (١) ثنا أبو أسامة عن بريد (٢) عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل استأجر قوما يعملون له عملا [يوما](٣) إلى الليل على أجر معلوم فعملوا إلى نصف النهار ، فقالوا لا حاجة لنا إلى أجرك الذي شرطت لنا وما عملناه باطل ، فقال لهم لا تفعلوا أكملوا بقية عملكم وخذوا أجركم كاملا ، فأبوا وتركوا واستأجر (٤) آخرين بعدهم ، فقال أكملوا بقية يومكم هذا ، ولكم الذي شرطت لهم من الأجر فعملوا حتى إذا كان حين صلاة (٥) العصر قالوا ما عملنا باطل ولك الأجر الذي جعلت لنا فيه ، فقال أكملوا بقية عملكم فإنما بقي من النهار شيء يسير ، فأبوا

__________________

[٢١٣٧] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ الليث هو ابن سعد ، نافع مولى ابن عمر.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٩١٢.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٣٤٥٩ عن قتيبة بن سعيد بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٢٢٦٨ وأحمد ٢ / ٦ والرامهرمزي في «الأمثال» ص ٥٩ والبيهقي ٦ / ١١٨ من طريقين عن نافع به.

ـ وأخرجه البخاري وأحمد ٢ / ١١١ من طريق سفيان الثوري عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر به.

ـ وأخرجه البخاري ٢٢٦٩ والترمذي ٢٨٧١ من طريق مالك عن ابن دينار عن ابن عمر به.

ـ وأخرجه ابن حبان ٦٦٣٩ و ٧٢١٧ من طريق إسماعيل بن جعفر عن ابن دينار عن ابن عمر به.

ـ وأخرجه البخاري ٥٥٧ و ٧٤٦٧ و ٧٥٣٣ والطيالسي ١٨٢٠ والبيهقي ٨ / ١١٨ ـ ١١٩ من طرق عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه.

[٢١٣٨] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ أبو أسامة هو حماد بن أسامة ، بريد هو ابن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٩١٣ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٨ / ٥٥ عن محمد بن العلاء بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٢٢٧١ وابن حبان ٧٢١٨ والبيهقي ٦ / ١١٩ من طريق محمد بن العلاء بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البيهقي ٦ / ١١٩ من طرق عن أبي أسامة حماد بن أسامة به.

(١) في المطبوع «العلماء» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة».

(٢) في المطبوع «يزيد» والمثبت عن «شرح السنة».

(٣) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة».

(٤) زيد في المطبوع «قوما».

(٥) في المطبوع «الصلاة» والمثبت عن المخطوط.

٣٧

فاستأجر قوما أن يعملوا له بقية يومهم فعملوا بقية يومهم حتى غابت الشمس ، فاستكملوا أجر الفريقين كليهما فذلك مثلهم ومثل ما قبلوا من هذا النور» [أي القرآن](١).

سورة المجادلة

مدنية وهي اثنتان وعشرون آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (١))

(قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها) ، الآية.

[٢١٣٩] نزلت في خولة بنت ثعلبة كانت تحت أوس بن الصامت وكانت حسنة الجسم وكان به لمم فأرادها فأبت فقال لها : أنت عليّ كظهر أمي ، ثم ندم على ما قال وكان الظهار والإيلاء من طلاق أهل الجاهلية ، فقال لها : ما أظنك إلا قد حرمت عليّ فقالت : والله ما ذاك طلاق وأتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعائشة رضي الله عنها تغسل شق رأسه ، فقالت : يا رسول الله إن زوجي أوس بن الصامت تزوجني وأنا شابة غنية ذات مال وأهل حتى إذا أكل مالي وأفنى شبابي وتفرق أهلي وكبر سني ظاهر مني ، وقد ندم فهل من شيء يجمعني وإياه تنعشني به؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : حرمت عليه ، فقالت : يا رسول الله والذي أنزل عليك الكتاب ما ذكر طلاقا وإنه أبو ولدي وأحب الناس إليّ ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : حرمت عليه ، فقالت أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي فقد طالت [معه](٢) صحبتي ونفضت له بطني ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما أراك إلا قد حرمت عليه ولم أومر في شأنك بشيء ، فجعلت تراجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإذا قال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : حرمت عليه هتفت وقالت : أشكوا إلى الله فاقتي وشدة حالي وإن لي صبية (٣) صغارا إن ضممتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إلي جاعوا ، وجعلت ترفع رأسها إلى السماء وتقول : اللهم إني أشكو إليك ، اللهم فأنزل على لسان نبيك فرجي ، وكان هذا أول ظهار في الإسلام ، فقامت عائشة تغسل شق رأسه (٤) الآخر ، فقالت : انظر في أمري جعلني

__________________

[٢١٣٩] ـ أخرجه أحمد ٦ / ٤١٠ وأبو داود ٢٢١٤ والبيهقي ٧ / ٣٨٩ والطبري ٣٣٧٢٤ وابن حبان ٤٢٧٩ والواحدي في «الأسباب» ٧٩١ من طريق محمد بن إسحاق حدثني معمر بن عبد الله بن حنظلة عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن خولة بنت ثعلبة قالت : والله فيّ وفي أوس بن الصامت أنزل الله عزوجل صدر سورة المجادلة .... فذكره بنحوه.

ـ وأخرجه النسائي في «الكبرى» ١١٥٧٠ وابن ماجه ١٨٨ و ٢٠٦٣ وعبد الرزاق في «التفسير» ١١١٨ والحاكم ٢ / ٤٨١ والواحدي في «الأسباب» ٧٨٨ من حديث عائشة مختصرا وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وهو كما قالا.

ـ وانظر «فتح القدير» للشوكاني ٢٤٦٣ و «أحكام القرآن» لابن العربي ٢٠٤٧ بتخريجي.

ـ وانظر ما يأتي.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المطبوع.

(٣) في المطبوع «صيبة» والمثبت عن المخطوط.

(٤) في المخطوط «تفشل شقة».

٣٨

الله فداءك يا نبي الله ، فقالت عائشة : اقصري حديثك ومجادلتك أما ترين وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا أنزل عليه [الوحي](١) أخذه مثل السبات ، فلما قضى الوحي قال لها : ادعي زوجك فدعته ، فتلا عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ) ، الآيات ، قالت عائشة : تبارك الذي وسع سمعه الأصوات كلها إن المرأة لتحاور رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنا في ناحية البيت أسمع بعض كلامها ويخفى عليّ بعضه إذ أنزل الله (قَدْ سَمِعَ اللهُ) الآيات.

ومعنى قوله (قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ) وتخاصمك وتحاورك وتراجعك في زوجها ، (وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما) ، مراجعتكما الكلام ، (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) ، سميع لما تناجيه وتتضرع إليه بصير بمن يشكوا إليه ، ثم ذم الظهار.

(الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٢))

فقال : (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ) ، قرأ عاصم يظهرون فيها بضم الياء وتخفيف الظاء وألف بعدها وكسر الهاء ، وقرأ ابن عامر وأبو جعفر وحمزة والكسائي بفتح الياء والهاء ، وتشديد الظاء وألف بعدها ، وقرأ الآخرون بفتح الياء وتشديد الظاء والهاء من غير ألف. (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ) ، أي ما اللواتي يجعلونهن من زوجاتهم كالأمهات بأمهات وخفض التاء في أمهاتهم على خبر (ما) ومحله نصب كقوله : (ما هذا بَشَراً) [يوسف : ٣١] المعنى ليس هن بأمهاتهم ، (إِنْ أُمَّهاتُهُمْ) أي ما أمهاتهم ، (إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ) ، لا يعرف في شرع (وَزُوراً) ، كذبا ، (وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) ، عفا عنهم وغفر لهم بإيجاب الكفارة عليهم ، وصورة الظهار أن يقول الرجل لامرأته أنت عليّ كظهر أمي ، أو أنت مني أو معي أو عندي كظهر أمي ، وكذلك لو قال : أنت عليّ كبطن أمي أو كرأس أمي أو كيد أمي أو قال بطنك أو رأسك أو يدك علي كظهر أمي أو شبه عضوا منها بعضو آخر من أعضاء أمه فيكون ظهارا.

وعند أبي حنيفة رضي الله عنه : إن شبهها ببطن الأم أو فرجها أو فخذها يكون ظهارا وإن شبهها بعضو آخر لا يكون ظهارا. ولو قال أنت عليّ كأمي أو كروح أمي وأراد به الإعزاز والكرامة فلا يكون ظهارا حتى يريده ، ولو شبهها بجدته فقال أنت علي كظهر جدتي يكون ظهارا وكذلك لو شبهها بامرأة محرمة عليه بالقرابة بأن قال : أنت علي كظهر أختي أو عمتي أو خالتي أو شبهها بامرأة محرمة عليه بالرضاع يكون ظهارا على الأصح من الأقاويل.

(وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٣))

(وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) ، ثم حكم الظهار أنه يحرم على الزوج وطؤها بعد الظهار ما لم يكفر ، والكفارة تجب بالعود بعد الظهار. لقوله تعالى : (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) ، واختلف أهل العلم في العود فقال [جماعة](٢) أهل الظاهر : هو إعادة لفظ الظهار ، وهو قول

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط (أ)

٣٩

أبو العالية ، لقوله تعالى : (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا) أي إلى ما قالوا أي أعادوه مرة أخرى فإن لم يكرر اللفظ فلا كفارة عليه ، وذهب قوم إلى أن الكفارة تجب بنفس الظهار والمراد من العود هو العود إلى ما كانوا عليه في الجاهلية من نفس الظهار ، وهو قول مجاهد والثوري. وقال قوم : المراد من العود الوطء ، وهو قول الحسن وقتادة وطاوس والزهري ، وقالوا لا كفارة عليه ما لم يطأها ، وقال قوم هو العزم على الوطء ، وهو قول مالك وأصحاب الرأي ، وذهب الشافعي إلى أن العود هو أن يمسكها عقيب الظهار زمانا يمكنه أن يفارقها ، فلم يفعل فإن طلقها عقيب الظهار في الحال أو مات أحدهما في الوقت فلا كفارة عليه لأن العود للقول هو المخالفة ، وفسر ابن عباس العود بالندم ، فقال : يندمون فيرجعون إلى الألفة ومعناه [على](١) هذا ، قال الفراء : يقال عاد فلان لما قال أي فيما قال وفي نقض ما قال يعني رجع عما قال ، وهذا يبين ما قال الشافعي وذلك أن قصده بالظهار التحريم فإذا أمسكها على النكاح فقد خالف قوله ورجع عما قاله فتلزمه الكفارة حتى قال لو ظاهر من امرأته الرجعية ينعقد ظهاره ولا كفارة عليه حتى يراجعها فإن راجعها صار عائدا ولزمته الكفارة قوله : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) والمراد بالتماس المجامعة فلا يحل للمظاهر وطء امرأته التي ظاهر منها ما لم يكفر سواء أراد التكفير بالإعتاق أو بالصيام أو بالإطعام ، وعند مالك : إن أراد التكفير بالإطعام يجوز له الوطء قبله لأن الله تعالى قيد العتق والصوم بما قبل المسيس وقال في الإطعام : (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) [المجادلة : ٤] ولم يقل من قبل أن يتماسّا ، وعند الآخرين الإطلاق في الطعام محمول على المقيد في العتق والصيام.

واختلفوا في تحريم ما سوى الوطء من المباشرات قبل التكفير كالقبلة والتلذذ فذهب أكثرهم إلى أنه لا يحرم سوى الوطء وهو قول الحسن وسفيان الثوري وأظهر قولي (٢) الشافعي ، كما أن الحيض يحرم الوطء دون سائر الاستمتاعات وذهب بعضهم إلى أنه يحرم لأن اسم التماس يتناول الكل ولو جامع المظاهر قبل التكفير يعصي الله تعالى ، والكفارة في ذمته ولا يجوز أن يعود ما لم يكفر ولا يجب بالجماع كفارة أخرى ، وقال بعض أهل العلم : إذا واقعها قبل التكفير عليه كفارتان وكفارة الظهار مرتبة عليه يجب عليه عتق رقبة مؤمنة ، فإن لم يجد فعليه صيام شهرين متتابعين ، فإن أفطر يوما متعمدا أو نسي النية يجب عليه استئناف الشهرين ، فإن عجز عن الصوم يجب عليه أن يطعم ستين مسكينا ، وقد ذكرنا في سورة المائدة مقدار ما يطعم كل مسكين ، (ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ) ، تؤمرون به ، (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).

(فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (٤))

(فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) ، يعني الرقبة ، (فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) ، فإن كانت له رقبة إلا أنه محتاج إلى خدمته أوله ثمن رقبة لكنه محتاج إليه لنفقته ونفقة عياله فله أن ينتقل إلى الصوم. وقال مالك والأوزاعي : يلزم الإعتاق إذا كان واجدا للرقبة أو ثمنها وإن كان محتاجا إليه. وقال أبو حنيفة : إن كان واجدا لعين (٣) الرقبة يجب عليه إعتاقها ، وإن كان محتاجا إليها ، فأما إذا كان واجدا لثمن الرقبة وهو محتاج إليه فله أن يصوم فلو شرع المظاهر في صوم شهرين ثم جامع في خلال الشهر بالليل يعصي الله تعالى

__________________

(١) زيادة عن المخطوط (أ)

(٢) في المطبوع «قول» والمثبت عن المخطوط.

(٣) في المطبوع «واجد العين» وفي المخطوط (ب) «واجدا لغير» والمثبت عن المخطوط (أ)

٤٠