تفسير البغوي - ج ٥

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي

تفسير البغوي - ج ٥

المؤلف:

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي


المحقق: عبدالرزاق المهدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٣

ذلك أصلا ثم قالوا :

(وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً (١٠) وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً (١١) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً (١٢) وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً (١٣) وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً (١٤) وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً (١٥) وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً (١٦))

(وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ) ، برمي الشهب ، (أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً).

(وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ) ، دون الصالحين. (كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً) ، أي جماعات متفرقين وأصنافا مختلفة ، والقدة : القطعة من الشيء ، يقال : صار القوم قددا إذا اختلفت حالاتهم ، وأصلها من القد وهو القطع ، قال مجاهد : يعنون مسلمين وكافرين ، وقيل : أهواء مختلفة. وقال الحسن والسدي : الجن أمثالكم فمنهم قدرية ومرجئة ورافضة. وقال ابن كيسان : شيعا وفرقا لكل فرقة هوى كأهواء الناس. وقال سعيد بن جبير : ألوانا شتى. وقال أبو عبيدة : أصنافا.

(وَأَنَّا ظَنَنَّا) ، علمنا وأيقنا ، (أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ فِي الْأَرْضِ) ، أي لن نفوته إن أراد بنا أمرا ، (وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً) ، إن طلبنا.

(وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى) ، القرآن وما أتى به محمد ، (آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً) ، نقصانا من عمله وثوابه ، (وَلا رَهَقاً) ، ظمأ. وقيل : مكروها يغشاه.

(وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ) ، وهم الذين آمنوا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، (وَمِنَّا الْقاسِطُونَ) ، الجائرون العادلون عن الحق. قال ابن عباس : الذين جعلوا لله ندا ، يقال : أقسط الرجل إذا عدل فهو مقسط ، وقسط إذا جار فهو قاسط. (فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً) ، أي قصدوا طريق الحق وتوخوه.

(وَأَمَّا الْقاسِطُونَ) ، الذين كفروا ، (فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) ، كانوا وقود النار يوم القيامة.

ثم رجل إلى كفار مكة فقال : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ) ، اختلفوا في تأويلها ، فقال قوم : لو استقاموا على طريقة الحق والإيمان والهدى فكانوا مؤمنين مطيعين ، (لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً) ، كثيرا ، قال مقاتل : وذلك بعد ما رفع عنهم المطر سبع سنين. وقالوا : معناه لو آمنوا لوسعنا عليهم في الدنيا وأعطيناهم مالا كثيرا وعيشا رغدا ، وضرب الماء الغدق مثلا لأن الخير والرزق كله في المطر ، كما قال : (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ) [المائدة : ٦٦] ، الآية. وقال : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ) [الأعراف : ٩٦].

(لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً (١٧) وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً (١٨) وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (١٩))

وقوله تعالى : (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) ، أي لنختبرهم كيف شكرهم فيما خوّلوا. وهذا قول سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح والضحاك وقتادة ومقاتل والحسن. وقال آخرون : معناها وأن لو استقاموا على طريقة الكفر والضلالة لأعطيناهم مالا كثيرا ولوسعنا عليهم لنفتنهم فيه عقوبة لهم واستدراجا حتى يفتتنوا بها فنعذبهم ، وهذا قول الربيع بن أنس وزيد بن أسلم والكلبي وابن كيسان ، كما قال الله : (فَلَمَّا نَسُوا ما

١٦١

ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ) [الأنعام : ٤٤] الآية. (وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ) ، قرأ أهل الكوفة ويعقوب (يَسْلُكْهُ) بالياء ، وقرأ الآخرون بالنون ، أي ندخله ، (عَذاباً صَعَداً) ، قال ابن عباس : شاقا ، والمعنى ذا صعد أي ذا مشقة. قال قتادة : لا راحة فيه. وقال مقاتل : لا فرج (١) فيه. قال الحسن : لا يزداد إلا شدة. والأصل فيه أن الصعود يشق على الإنسان.

(وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ) ، يعني المواضع التي بنيت للصلاة وذكر الله ، (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) ، قال قتادة : كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا بالله ، فأمر الله المؤمنين أن يخلصوا لله الدعوة إذا دخلوا المساجد وأراد بها المساجد كلها. وقال الحسن : أراد بها البقاع كلها لأن الأرض جعلت كلها مسجدا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

[٢٢٧٤] وقال سعيد بن جبير : قال الجن للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كيف لنا أن نشهد معك الصلاة ونحن ناءون؟ فنزلت : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ). وروي عن سعيد بن جبير أيضا : أن المراد بالمساجد الأعضاء التي يسجد عليها الإنسان وهي سبعة الجبهة واليدان والركبتان والقدمان ، يقول : هذه الأعضاء التي يقع عليها السجود مخلوقة لله فلا تسجدوا عليها لغيره.

[٢٢٧٥] أخبرنا أبو سعد (٢) أحمد بن محمد بن العباس الحميدي أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ أنا [أبو](٣) عبد الله محمد بن يعقوب ثنا علي بن الحسن الهلالي والسري بن خزيمة قالا ثنا معلى (٤) بن أسد ثنا وهيب عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء الجبهة ، وأشار بيده إليها ، واليدين والركبتين وأطراف القدمين ، ولا أكف الثوب ولا الشعر».

فإن جعلت المساجد مواضع الصلاة فواحدها مسجد بكسر الجيم ، وإن جعلتها الأعضاء فواحدها مسجد بفتح الجيم.

__________________

[٢٢٧٤] ـ إسناده ضعيف جدا ، والمتن منكر.

ـ أخرجه الطبري ٣٥١٢٨ من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن محمود عن سعيد بن جبير مرسلا ، فهو ضعيف لإرساله ، وله علة ثانية محمود هو مولى عمارة مجهول لا يعرف كما في «الميزان» ٤ / ٧٩ فالإسناد ضعيف جدا ، والمتن منكر ، شبه موضوع ، وسياق الآية لا يدل على هذا الخبر.

[٢٢٧٥] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ وهيب هو ابن خالد ، طاوس هو ابن كيسان.

ـ وهو في «شرح السنة» ٦٤٥ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٨١٢ عن معلّى بن أسد بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٤٩٠ ح ٢٣٠ والنسائي ٢ / ٢٠٩ وأحمد ١ / ٢٩٢ و ٣٠٥ وابن حبان ١٩٢٥ والدارمي ١ / ٣٠٢ وأبو عوانة ٢ / ١٨٣ والبيهقي ٢ / ١٠٣ من طرق عن وهيب به.

ـ وأخرجه مسلم ٤٩٠ ح ٢٢٩ والنسائي ٢ / ٢٠٩ و ٢١٠ وابن ماجه ٨٨٤ والشافعي ١ / ٨٤ ـ ٨٥ وابن خزيمة ٦٣٥ والحميدي ٤٩٤ والبيهقي ٢ / ١٠٣ والبغوي ١٤٦ من طرق عن سفيان بن عيينة عن ابن طاوس به.

ـ وأخرجه مسلم ٤٩٠ ح ٢٣١ والنسائي ٢ / ٢٠٩ وأبو عوانة ٢ / ١٨٢ وابن خزيمة ٦٣٦ والبيهقي ٢ / ١٠٣ من طريق ابن جريج عن ابن طاوس به.

(١) في المطبوع «فرح».

(٢) تصحف في المطبوع «سعيد».

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) تصحف في المطبوع (يعلى)

١٦٢

(وَأَنَّهُ) ، قرأ نافع وأبو بكر بكسر الهمزة ، وقرأ الباقون بفتحها ، (لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ) ، يعني النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، (يَدْعُوهُ) ، يعني يعبده ويقرأ القرآن وذلك حين كان يصلي ببطن نخلة ويقرأ القرآن ، (كادُوا) ، يعني الجن ، (يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) ، أي يركب بعضهم بعضا ، ويزدحمون حرصا على استماع القرآن ، هذا قول الضحاك ورواية عطية عن ابن عباس. وقال سعيد بن جبير عنه : هذا من قول النفر الذين رجعوا إلى قومهم من الجن أخبروهم بما رأوا من طاعة أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم واقتدائهم به في الصلاة. وقال الحسن وقتادة وابن زيد : يعني لما قام عبد الله بالدعوة تلبدت الإنس والجن ، وتظاهروا عليه ليبطلوا الحق الذي جاءهم به ، ويطفئوا نور الله فأبى الله إلا أن يتم نوره ، ويتم هذا الأمر وينصره على من ناوأه. وقرأ هشام عن ابن عامر (لِبَداً) بضم اللام ، وأصل اللبد الجماعات بعضها فوق بعض ، ومنه سمي اللبد الذي يفرش لتراكمه وتلبد الشعر إذا تراكم.

(قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (٢٠) قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً (٢١) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٢) إِلاَّ بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً (٢٣) حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً (٢٤) قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً (٢٥) عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (٢٦) إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (٢٧))

(قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي) ، قرأ أبو جعفر وعاصم وحمزة (قُلْ) على الأمر ، وقرأ الآخرون قال يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنما أدعو ربي» ، قال مقاتل : وذلك أن كفار مكة قالوا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لقد جئت بأمر عظيم فارجع عنه فنحن نجيرك ، فقال لهم : «إنما أدعو ربي» ، (وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً).

(قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا) ، لا أقدر أن أدفع عنكم ضرا ، (وَلا رَشَداً) ، أي لا أسوق لكم أو إليكم رشدا ، أي خيرا يعني أن الله يملكه.

(قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ) ، لن يمنعني منه أحد إن عصيته. (وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) ، ملجأ أميل إليه. ومعنى الملتحد أي المائل ، قال السدي : حرزا. وقال الكلبي : مدخلا في الأرض مثل السرب.

(إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ) ، ففيه الجوار والأمن والنجاة ، قاله الحسن. قال مقاتل : ذلك الذي يجيرني من عذاب الله ، يعني التبليغ. وقال قتادة : إلا بلاغا من الله فذلك الذي أملكه بعون الله وتوفيقه.

وقيل : لا أملك لكم ضرا ولا رشدا لكن أبلغ بلاغا من الله فإنما أنا مرسل به لا أملك إلا ما ملكت. (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ) ، ولم يؤمن ، (فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً).

(حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ) ، يعني العذاب يوم القيامة ، (فَسَيَعْلَمُونَ) ، عند نزول العذاب ، (مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً) ، أهم أم المؤمنون.

(قُلْ إِنْ أَدْرِي) ، أي ما أدري ، (أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ) ، من العذاب وقيل : القيامة ، (أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً) أجلا وغاية تطول مدتها يعني : أن علم وقت العذاب غيب لا يعلمه إلا الله (عالِمُ الْغَيْبِ) رفع على نعت ، قوله (رَبِّي) ، وقيل : هو عالم الغيب : (فَلا يُظْهِرُ) ، لا يطلع ، (عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) ، إلا من يصطفيه لرسالته فيظهره على ما يشاء من الغيب لأنه يستدل على نبوته بالآية المعجزة التي تخبر عن الغيب ، (فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) ، ذكر بعض الجهات دلالة على

١٦٣

جميعها (رَصَداً) أي يجعل بين يديه وخلفه حفظة من الملائكة يحفظونه من الشياطين أن يسترقوا السمع ، ومن الجن أن يستمعوا الوحي فيلقوا إلى الكهنة. قال مقاتل وغيره : كان الله إذا بعث رسولا أتاه إبليس في صورة ملك يخبره فيبعث الله من بين يديه ومن خلفه رصدا من الملائكة يحرسونه ويطردون الشياطين ، فإذا جاءه شيطان في صورة ملك أخبروه بأنه شيطان ، فاحذره وإذا جاءه ملك قالوا له : هذا رسول ربك.

(لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً (٢٨))

(لِيَعْلَمَ) ، قرأ يعقوب ليعلم بضم الياء أي ليعلم الناس ، (أَنْ) الرسل ، (قَدْ أَبْلَغُوا) ، وقرأ الآخرون بفتح الياء أي ليعلم الرسول أن الملائكة قد أبلغوا ، (رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ) ، أي علم الله ما عند الرسل فلم يخف عليه شيء ، (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) ، قال ابن عباس : أحصى ما خلق وعرف عدد ما خلق فلم يفته علم شيء حتى مثاقيل الذر والخردل ، ونصب (عَدَداً) على الحال ، وإن شئت على المصدر ، أي عدّ عددا.

سورة المزمل

مكية [وهي عشرون آية](١)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (٣))

(يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) (١) ، أي الملتف بثوبه ، وأصله المتزمل أدغمت التاء في الزاي ، ومثله المدثر أدغمت التاء في الدال ، يقال : تزمل وتدثر بثوبه إذا تغطى به. وقال السدي : أراد يا أيها النائم قم فصل. قال العلماء : كان هذا الخطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أول الوحي قبل تبليغ الرسالة ثم خوطب بعد بالنبي والرسول.

(قُمِ اللَّيْلَ) ، أي للصلاة ، (إِلَّا قَلِيلاً) ، وكان قيام الليل فريضة في الابتداء ثم بين قدره فقال : (نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً) (٣) ، إلى الثلث.

(أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (٤))

(أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) ، على النصف إلى الثلثين ، خيره بين هذه المنازل ، فكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه يقومون على هذه المقادير ، وكان الرجل لا يدري متى ثلث الليل ومتى النصف ومتى الثلثان ، فكان يقوم حتى يصبح مخافة أن لا يحفظ القدر الواجب ، واشتد ذلك عليهم حتى انتفخت أقدامهم فرحمهم‌الله وخفف عنهم ونسخها بقوله : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) [المزمل : ٢٠] الآية ، فكان بين أول السورة وآخرها سنة.

__________________

(١) زيد في المطبوع.

١٦٤

[٢٢٧٦] أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الأسفرايني أنا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الحافظ ثنا الحسن بن علي بن عفان ثنا يحيى بن بشر ثنا سعيد يعني ابن أبي عروبة ثنا قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد (١) بن هشام قال : انطلقت إلى عائشة فقلت : يا أم المؤمنين انبئيني عن خلق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالت : ألست تقرأ القرآن؟ قلت : بلى ، قالت : فإن خلق نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان القرآن ، قلت : فقيام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يا أم المؤمنين؟ قالت : ألست تقرأ (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) (١)؟ قلت : بلى قالت : فإن الله افترض القيام في أول هذه السورة ، فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه حولا حتى انتفخت أقدامهم وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرا في السماء ثم أنزل الله التخفيف في آخر هذه السورة ، فصار قيام الليل تطوعا بعد الفريضة.

قال مقاتل وابن كيسان : كان هذا بمكة قبل أن تفرض الصلوات الخمس ، ثم نسخ ذلك بالصلوات الخمس ، (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) ، قال ابن عباس : بينه بيانا. قال الحسن : اقرأه قراءة بينة. قال مجاهد : ترسل فيه ترسلا. قال قتادة : تثبت فيه تثبتا. وعن ابن عباس أيضا : اقرأه على هينتك ثلاث آيات أو أربعا أو خمسا.

[٢٢٧٧] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا عمرو بن عاصم ثنا همام (٢) عن قتادة قال : سئل أنس كيف كانت قراءة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فقال : كانت مدّا مدّا ثم قرأبسم الله الرحمن الرحيم يمدبسم الله ويمد بالرحمن ويمد بالرحيم.

[٢٢٧٨] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد](٣) المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا

__________________

[٢٢٧٦] ـ صحيح. الحسن صدوق ، وقد توبع ومن دونه ، وشيخه يحيى بن بشر ثقة روى له مسلم ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.

ـ قتادة هو ابن دعامة.

ـ وأخرجه مسلم ٧٤٦ م طريق سعيد بن أبي عروبة بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه أبو داود ١٣٤٢ والنسائي ٣ / ١٩٩ وعبد الرزاق ٤٧١٤ وأحمد ٦ / ٥٣ والطحاوي ١ / ٢٨٠ والبيهقي ٢ / ٤٩٩ وابن خزيمة ١٧٨ و ١١٢٧ و ١١٦٩ من طرق عن قتادة به.

[٢٢٧٧] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ همام هو ابن يحيى ، قتادة هو ابن دعامة.

ـ وهو في «شرح السنة» ١٢٠٧ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٥٠٤٦ عن عمرو بن عاصم بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه ابن سعد في «الطبقات» ١ / ٢٨٤ وابن حبان ٦٣١٧ من طريق عمرو بن عاصم عن همام بن يحيى وجرير بن حازم عن قتادة به.

ـ وأخرجه البخاري ٥٠٤٥ وأبو داود ١٤٦٥ والنسائي ٢ / ١٧٩ والترمذي في الشمائل ٣٠٨ وابن ماجه ١٣٥٣ وابن سعد ١ / ٢٨٣ ـ ٢٨٤ وأحمد ٣ / ١١٩ و ٣٣١ و ٣٨٩ وأبو يعلى ٢٩٠٦ وابن حبان ٣١٦ والبيهقي ٢ / ٥٢ من طرق عن جرير بن حازم عن قتادة به دون عجزه «ثم قرأبسم الله ...».

[٢٢٧٨] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ، فقد تفرد عن آدم ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.

ـ آدم هو ابن أبي إياس ، شعبة هو ابن الحجاج ، أبو وائل هو شقيق بن سلمة.

(١) تصحف في المطبوع «سعيد».

(٢) تصحف في المطبوع «هشام».

(٣) زيادة عن المخطوط.

١٦٥

محمد بن إسماعيل ثنا آدم ثنا شعبة ثنا عمرو بن مرة قال : سمعت أبا وائل قال : جاء رجل إلى ابن مسعود ، قال : قرأت المفصل الليلة في ركعة ، فقال : هذّا كهذّ الشعر ،؟ لقد عرفت النظائر التي كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرن بينهن فذكر عشرين سورة من المفصل كل سورتين في ركعة.

[٢٢٧٩] أخبرنا أبو جعفر أحمد بن أبي أحمد متويه أنا الشريف أبو القاسم علي بن محمد بن علي الحسيني الحراني فيما كتبه إليّ ، أنا أبو بكر محمد بن الحسين الآجري أنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن حميد الواسطي ثنا زيد بن أخرم (١) ثنا محمد بن الفضل ثنا سعيد بن زيد عن أبي حمزة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله يعني ابن مسعود قال : لا تنثروه نثر الدقل ولا تهذوه هذّ الشعر ، قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة.

[٢٢٨٠] أخبرنا أبو جعفر أحمد بن أبي أحمد بن متويه (٢) أنا الشريف أبو القاسم علي بن محمد بن علي

__________________

ـ وهو في «شرح السنة» ٩٠٨ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٧٧٥ عن آدم بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٨٢٢ ح ٢٧٩ والنسائي ٢ / ١٧٥ والطيالسي ٤٠٦ والطحاوي في «المعاني» ١ / ٣٤٦ وأحمد ١ / ٤٣٦ وأبو عوانة ٢ / ١٦٣ من طرق عن شعبة به.

ـ وأخرجه البخاري ٥٠٤٣ ومسلم ٨٢٢ ح ٢٧٩ وأحمد ١ / ٤٢٧ و ٤٦٢ والطحاوي ١ / ٣٤٦ وأبو عوانة ٢ / ١٦٢ من طرق عن أبي وائل به.

ـ وأخرجه البخاري ٤٩٩٦ ومسلم ٨٢٢ والترمذي ٦٠٢ وأحمد ١ / ٣٨٠ والنسائي ٢ / ١٧٤ والطيالسي ٤٠٥ وأبو يعلى ٥٢٢٢ وابن خزيمة ٥٣٨ وأبو عوانة ٢ / ١٦٢ من طرق عن الأعمش عن شقيق أبي وائل به.

ـ وأخرجه البخاري ٥٠٤٣ ومسلم ٨٢٢ ح ٢٧٨ وابن حبان ٢٦٠٧ من طريق مهدي بن ميمون عن واصل الأحدب عن أبي وائل به.

ـ وأخرجه أبو داود ١٣٩٦ والطحاوي ١ / ٣٤٦ من طريق علقمة والأسود عن ابن مسعود.

[٢٢٧٩] ـ موقوف ضعيف.

ـ إسناده ضعيف ، سعيد بن زيد ضعفه غير واحد ، ووثقه بعضهم ، وأبو حمزة ضعيف الحديث.

ـ أبو حمزة هو ميمون القصاب مشهور بكنيته ، إبراهيم هو ابن يزيد النخعي ، علقمة هو ابن الأسود.

[٢٢٨٠] ـ حسن صحيح بطرقه وشواهده.

ـ إسناده ضعيف ، موسى بن عبيدة الربذي ضعيف ، وأخوه روى له البخاري ، وهو مختلف فيه ، وثقه يعقوب بن شيبة والدار قطني وابن حبان في رواية ، وقال النسائي لا بأس به ، وضعفه ابن معين وابن عدي وابن حبان في رواية ثانية ، لكن كلاهما قد توبع ، وللحديث شواهد.

ـ وهو في «أخلاق حملة القرآن» للآجري ٣٢ عن أبي محمد يحيى بن محمد بن صاعد بهذا الإسناد.

ـ وهو في «الزهد» ٨١٣ عن موسى بن عبيدة بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الطبراني ٦٠٢١ و ٦٠٢٢ من طريق موسى بن عبيدة به.

ـ أخرجه أبو داود ٨٣١ والطبراني ٦٠٢٤ وابن حبان ٧٦٠ من طريق ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن بكر بن سوادة عن وفاء بن شريح الصدفي عن سهل به.

ـ وإسناده لين لأجل وفاء ، فإنه مقبول ، لكن حديثه حسن بالمتابعة.

ـ وأخرجه أحمد ٥ / ٣٣٨ وأبو داود ٨٣١ من طريق ابن لهيعة عن بكر بن سوادة بالإسناد المذكور.

ـ وأخرجه أحمد ٣ / ١٤٦ و ١٥٥ من طريق ابن لهيعة عن بكر بن سوادة عن وفاء الخولاني عن أنس به.

(١) في المطبوع «أجروم».

(٢) في المطبوع «منويه» والمثبت عن المخطوط وط.

١٦٦

الحسيني الحراني فيما كتب إلي ثنا أبو بكر محمد بن الحسين الآجري ثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد ثنا الحسين بن الحسن المروزي ثنا ابن المبارك أنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث أنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ثنا عبد الله بن المبارك عن موسى بن عبيدة عن عبد الله بن عبيدة وهو أخوه عن سهل بن سعد الساعدي قال : بينا نحن نقرأ إذ خرج علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «الحمد لله كتاب الله واحد وفيكم الأحمر والأسود والأبيض اقرءوا القرآن قبل أن يأتي أقوام يقرءونه يقيمون حروفه كما يقام السهم لا يجاوز تراقيهم ، يتعجلون أجره ولا يتأجلونه».

[٢٢٨١] أخبرنا أبو عثمان الضبي أنا أبو محمد الجراحي ثنا أبو العباس المحبوبي ثنا أبو عيسى الترمذي ثنا أبو بكر محمد بن نافع البصري ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث عن إسماعيل بن مسلم العبدي عن أبي المتوكل الناجي عن عائشة رضي الله عنها قالت : قام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بآية من القرآن ليلة.

[٢٢٨٢] ورواه أبو ذر ، قال : قام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة حتى أصبح بآية من القرآن ، والآية : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١١٨) [المائدة : ١١٨].

(إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (٥) إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (٦))

(إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) (٥) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : شديدا. قال الحسن : إن الرجل ليهذّ السورة ولكن العمل بها ثقيل. وقال قتادة : ثقيلا والله فرائضه وحدوده. قال مقاتل : ثقيل لما فيه من الأمر والنهي والحدود. وقال أبو العالية : ثقيل بالوعد والوعيد والحلال والحرام. وقال محمد بن كعب : ثقيل على المنافقين : وقال الحسين بن الفضل : قولا خفيفا على اللسان ثقيلا في الميزان. قال الفراء : ثقيلا ليس بالخفيف السفساف لأنه كلام ربنا. وقال ابن زيد : هو والله ثقيل مبارك كما ثقل في الدنيا ثقل في

__________________

ـ وإسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة ، ولين وفاء الخولاني ، لكن توبع ابن لهيعة فيما تقدم.

ـ وله شاهد من حديث جابر. أخرجه أبو داود ٨٣٠ وأحمد ٣ / ٣٩٧ بإسناد جيد.

ـ الخلاصة هو حديث حسن صحيح بطرقه وشواهده ، والله أعلم.

[٢٢٨١] ـ إسناده صحيح على شرط مسلم.

ـ محمد بن نافع هو محمد بن أحمد بن نافع ، نسب إلى جده ، أبو المتوكل هو علي بن داود ، ويقال : دؤاد.

ـ وهو في «شرح السنة» ٩٠٩ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «سنن الترمذي» ٤٤٨ و «الشمائل» ٢٧٧ عن أبي بكر محمد بن نافع بهذا الإسناد.

ـ وله شاهد عن أبي سعيد أخرجه أحمد ٣ / ٦٢ عن زيد بن حباب عن إسماعيل بن مسلم الناجي عن أبي نضرة عن أبي سعيد به ، وهذا إسناده قوي.

[٢٢٨٢] ـ أخرجه النسائي ٢ / ١٧٧ وفي «التفسير» ١٨١ وابن ماجه ١٣٥٠ وأحمد ٥ / ١٤٩ والحاكم ١ / ٢٤١ وابن أبي شيبة ٢ / ٤٧٧ والطحاوي في «المعاني» ١ / ٣٤٧ والبيهقي ٣ / ١٣ ـ ١٤ من طرق عن قدامة بن عبد الله عن جسرة عن أبي ذر به ، وإسناده لين ، قدامة عن جسرة كلاهما مقبول.

ـ جسرة ، وثقها ابن حبان والعجلي ، وروى عنها غير واحد ، وقال البخاري : عندها عجائب.

ـ وصححه الحاكم! ووافقه الذهبي! ـ وقال البوصيري في «الزوائد» : هذا إسناد صحيح رجاله ثقات! ـ وتوبع قدامة عند أحمد ٥ / ١٤٩ وابن أبي شيبة ١١ / ٤٩٧ ، فانحصرت الرواية في جسرة ، وقد اختلف فيها كما تقدم ، وحسن الألباني هذا الحديث في «صحيح ابن ماجه» ١٣٥٠ ، ويشهد له ما قبله ، والله أعلم.

١٦٧

الموازين يوم القيامة.

[٢٢٨٣] أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد السرخسي أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس ، وهو أشده عليّ فيفصم عني وقد وعيت ما قال ، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول». قالت عائشة : ولقد رأيته ينزل عليه في اليوم [الشاتي](١) الشديد البرد فيفصم (٢) عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا.

قوله عزوجل : (إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ) ، أي ساعته كلها وكل ساعة منه ناشئة ، سميت بذلك لأنها تنشأ أي تبدو ومنه نشأت السحابة إذا بدت وكل ما حدث بالليل وبدأ فقد نشأ فهو ناشئ ، والجمع ناشئة. وقال ابن أبي مليكة : سألت ابن عباس وابن الزبير عنها ، فقالا : الليل كله ناشئة. وقال سعيد بن جبير وابن زيد : أي ساعة قام من الليل فقد نشأ وهو بلسان الحبش القيام ، يقال : نشأ فلان أي قام. وقالت عائشة : الناشئة القيام بعد النوم. وقال ابن كيسان : هي القيام من آخر الليل. وقال عكرمة : هي القيام من أول الليل. يروى عن علي بن الحسين أنه كان يصلي بين المغرب والعشاء ، ويقول : هذه ناشئة الليل. وقال الحسن : كل صلاة بعد العشاء الآخرة فهي ناشئة من الليل. وقال الأزهري : ناشئة الليل قيام الليل ، مصدر جاء على فاعلة كالعافية بمعنى العفو. (هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً) ، قرأ ابن عامر وأبو عمرو وطاء بكسر الواو ممدودا بمعنى المواطأة والموافقة ، يقال واطأت فلانا مواطأة القلب والسمع والبصر واللسان ، بالليل تكون أكثر مما يكون بالنهار. وقرأ الآخرون وطئا بفتح الواو وسكون الطاء أي أشد على المصلي وأثقل من صلاة النهار ، لأن الليل للنوم والراحة.

[٢٢٨٤] ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم اشدد وطأتك على مضر».

وقال ابن عباس : كانت صلاتهم أول الليل هي أشد وطأ ، يقول هي أجدر أن تحصوا ما فرض الله عليكم من القيام ، وذلك أن الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ. وقال قتادة : أثبت في الخير وأحفظ للقراءة. وقال الفراء : أثبت قياما أي أوطأ للقيام وأسهل للمصلي من ساعات النهار ، لأن النهار خلق لتصرف العباد ، والليل للخلوة فالعبادة فيه أسهل. وقيل : أشد نشاطا. وقال ابن زيد : أفرغ له قلبا من النهار لأنه لا تعرض له حوائج. وقال الحسن : أشد وطأ في الخير وأمنع من الشيطان. (وَأَقْوَمُ قِيلاً) ،

__________________

[٢٢٨٣] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ أبو مصعب هو أحمد بن أبي بكر.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٦٣١ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «الموطأ» ١ / ٢٠٢ ـ ٢٠٣ عن هشام بن عروة به.

ـ وأخرجه البخاري (٢) والترمذي ٣٦٣٨ والنسائي ٢ / ١٤٦ ـ ١٤٧ وأحمد ٦ / ٢٥٧ والبيهقي في «الأسماء والصفات» ٤٣٧ وفي «الدلائل» ٧ / ٥٢ ـ ٥٣ وأبو نعيم في «الدلائل» ١ / ٢٧٩ من طرق عن مالك.

ـ وأخرجه البخاري ٣٢١٥ ومسلم ٢٣٣٣ وأحمد ٦ / ١٥٨ والحميدي ٦ / ٢٥ والبيهقي في «الأسماء» ٤٢٦ من طرق عن هشام بن عروة به.

[٢٢٨٤] ـ تقدم في سورة المؤمنون عند آية : ٦٤.

(١) سقط من المطبوع.

(٢) في المخطوط «فينفصم».

١٦٨

وأصوب قراءة وأصح قولا لهدأة الناس وسكون الأصوات. وقال الكلبي : أبين قولا بالقرآن ، وفي الجملة عبادة الليل أشد نشاطا وأتم إخلاصا وأكثر بركة وأبلغ في الثواب من عبادة النهار.

(إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً (٧) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (٨) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً (٩) وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً (١٠))

(إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً) (٧) ، أي تصرفا وتقلبا وإقبالا وإدبارا في حوائجك وأشغالك ، وأصل السبح سرعة الذهاب ، ومنه السباحة في الماء ، وقيل : سبحا طويلا أي فراغا وسعة لنومك وتصرفك في حوائجك فصلّ من الليل ، وقرأ يحيى بن يعمر «سبخا» بالخاء المعجمة أي استراحة وتخفيفا للبدن.

[٢٢٨٥] منه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعائشة ، وقد دعت على سارق : «لا تسبخي عنه بدعائك عليه» ، أي لا تخففي.

(وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ) ، بالتوحيد والتعظيم ، (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) ، قال ابن عباس وغيره : أخلص إليه إخلاصا. قال الحسن : اجتهد. وقال ابن زيد : تفرغ لعبادته. وقال سفيان : توكل عليه توكلا. وقيل : انقطع إليه في العبادة انقطاعا ، وهو الأصل في الباب ، يقال : بتلت الشيء (١) أي قطعته ، وصدقه بتلة أي مقطوعة عن صاحبها لا سبيل له عليها ، والتبتيل : التقطيع تفعيل ، منه يقال : بتلته فتبتل ، والمعنى : بتل إليه نفسك ، ولذلك قال : تبتيلا. قال ابن زيد : التبتل رفض الدنيا وما فيها ، والتماس ما عند الله تعالى.

(رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) ، قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو وحفص (رَبُ) برفع الباء على الابتداء ، وقرأ الآخرون بالجر على نعت الرب في قوله : (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ) ، (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) ، قيّما بأمورك ففوضها إليه.

(وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) (١٠) ، نسختها آية القتال.

(وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً (١١) إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً (١٢) وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً (١٣) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً (١٤) إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (١٥) فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً (١٦) فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً (١٧) السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً (١٨) إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (١٩))

(وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً) (١١) ، نزلت في صناديد قريش المستهزئين. وقال مقاتل بن حيان : نزلت في المطعمين ببدر فلم يكن إلا يسير حتى قتلوا ببدر.

(إِنَّ لَدَيْنا) ، عندنا في الآخرة ، (أَنْكالاً) ، قيودا عظاما لا تنفك أبدا واحدها نكل. قال الكلبي : أغلالا من حديد ، (وَجَحِيماً).

__________________

[٢٢٨٥] ـ ضعيف. أخرجه أبو داود ١٤٩٧ وأحمد ٦ / ٤٥ من حديث عائشة ، وفي إسناده حبيب بن أبي ثابت مدلس ، وقد عنعن.

ـ وتقدم الكلام عليه ، وانظر «أحكام القرآن» ٢٢١٠ بتخريجي.

(١) في المطبوع «تبتلت».

١٦٩

(وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ) ، غير سائغة تأخذ بالحلق لا ينزل ولا يخرج وهو الزقوم والضريع. (وَعَذاباً أَلِيماً).

(يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ) ، أي تتزلزل وتتحرك ، (وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً) ، رملا سائلا. قال الكلبي : هو الرمل الذي [إذا](١) أخذت منه شيئا تبعك ما بعده ، يقال : أهلت الرمل أهيله هيلا إذا حركت أسفله حتى انهال من أعلاه.

(إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً) (١٥).

(فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً) (١٦) ، شديدا ثقيلا ، يعني عاقبناه عقوبة غليظة يخوف كفار مكة.

(فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ) ، أي كيف لكم بالتقوى يوم القيامة إذ كفرتم في الدنيا يعني لا سبيل لكم إلى التقوى إذا وافيتم يوم القيامة؟ وقيل : معناه كيف تتقون العذاب يوم القيامة وبأي شيء تتحصنون منه إذا كفرتم؟ (يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً) ، شمطا من هوله وشدته ، وذلك حين يقال لآدم قم فابعث بعث النار من ذريتك.

ثم وصف هول ذلك اليوم فقال : (السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ) ، متشقق لنزول الملائكة به أي بذلك المكان. وقيل : الهاء ترجع إلى الرب أي بأمره وهيبته ، (كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً) ، كائنا.

(إِنَّ هذِهِ) ، أي آيات القرآن (تَذْكِرَةٌ) ، تذكير وموعظة (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) ، بالإيمان والطاعة.

(إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٠))

(إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى) ، أقل من ، (ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ) ، قرأ أهل مكة والكوفة (وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ) ، بنصب الفاء والثاء وإشباع الهاءين ضما ، أي وتقوم نصفه وثلثه وقرأ الآخرون بجر الفاء والثاء وإشباع الهاءين كسرا عطفا على ثلثي ، (وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ) يعني المؤمنين وكانوا يقومون معه ، (وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) ، قال عطاء : لا يفوته علم ما تفعلون ، أي أنه يعلم مقادير الليل والنهار فيعلم القدر الذي تقومون من الليل ، (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) ، قال الحسن : قاموا حتى انتفخت أقدامهم ، فنزل : (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) [أي](٢) ، لن تطيقوه. وقال مقاتل : كان الرجل يصلي الليل كله ، مخافة أن لا يصيب ما أمر به من القيام ، فقال (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) لن تطيقوا معرفة ذلك. (فَتابَ عَلَيْكُمْ) ، فعاد عليكم بالعفو والتخفيف ، (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) ، يعني في الصلاة ، قال الحسن : يعني في صلاة المغرب والعشاء. قال قيس بن أبي حازم : صليت خلف ابن عباس بالبصرة فقرأ في أول ركعة بالحمد وأول آية من البقرة ، ثم قام في الثانية فقرأ بالحمد والآية الثانية من البقرة ، ثم ركع ، فلما انصرف أقبل علينا بوجهه (٣) فقال : إن الله

__________________

(١) سقط من المطبوع.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيد في المطبوع «بوجهه».

١٧٠

عزوجل يقول : فاقرءوا ما تيسر منه.

[٢٢٨٦] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد](١) المليحي أنا أبو منصور السمعاني ثنا أبو جعفر الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا عثمان بن صالح ثنا ابن لهيعة حدثني حميد بن مخراق عن أنس بن مالك أنه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من قرأ خمسين آية في يوم أو في ليلة لم يكتب من الغافلين ، ومن قرأ مائة آية كتب من القانتين ، ومن قرأ مائتي آية لم يحاجه القرآن يوم القيامة ، ومن قرأ خمسمائة آية كتب له قنطار من الأجر».

[٢٢٨٧] أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى ثنا إبراهيم بن محمد ثنا مسلم بن الحجاج حدثني القاسم بن زكريا عن (٢) عبيد الله بن موسى عن شيبان عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن مولى بني زهرة عن أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو قال : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اقرأ القرآن في كل شهر» ، قال قلت : إني أجد قوة ، قال : «فاقرأه في عشرين ليلة» ، قال قلت : إني أجد قوة ، قال : «فاقرأه في

__________________

[٢٢٨٦] ـ إسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة ، وشيخه مجهول ، وثقه ابن حبان وحده على قاعدته في توثيق المجاهيل ، لكن توبع ، ولمعناه شواهد.

ـ ابن لهيعة هو عبد الله.

ـ وأخرجه ابن السني في «عمل اليوم والليلة» ٦٧١ من طريق علي بن عبد الرحمن بن المغيرة عن عثمان بن صالح به.

ـ وأخرجه ابن السني ٦٧٢ و ٦٩٩ والبيهقي في «الشعب» ٢١٩٩ من طريق يزيد الرقاشي عن أنس قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من قرأ أربعين آية في ليلة لم يكتب من الغافلين ، ومن قرأ مائة آية كتب من القانتين ، ومن قرأ مائتي آية لم يحاجه القرآن يوم القيامة ، ومن قرأ خمسمائة آية كتب له قنطارا من الأجر».

ـ وإسناده ضعيف لضعف يزيد الرقاشي.

ـ وفي الباب من حديث ابن عباس :

ـ أخرجه البيهقي في «الشعب» ٢١٩٧ والخطيب في «تاريخ بغداد ٨ / ٢٠٢ بلفظ : «من قرأ في ليلة مائة آية لم يكتب من الغافلين ، ومن قرأ مائتي آية كتب من العابدين ، ومن قرأ ثلاثمائة آية كتب من القانتين ، ومن قرأ أربعمائة آية أصبح له قنطارا من الأجر ، والقنطار مائة وعشرون قيراطا والقيراط مثل أحد».

ـ وإسناده ضعيف.

ـ وله شاهد من حديث أبي الدرداء ، أخرجه الدارمي ٢ / ٤٦٤ وإسناده ضعيف.

ـ وفي الباب من حديث فضالة بن عبيدة ، وأبي هريرة ، وعمرو بن العاص انظر «الشعب» ٢ / ٤٠٠ ـ ٤٠٢ و «المجمع» ٢ / ٢٦٨ ـ ٢٧٠ و «الصحيحة» ٦٤٢ و ٦٤٣ ، و «مسند الدارمي» ٢ / ٤٦٥ ـ ٤٦٧.

[٢٢٨٧] ـ إسناده صحيح على شرط مسلم ، فقد تفرد عن القاسم ، وقد توبع ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.

ـ شيبان هو ابن عبد الرحمن النحوي ، يحيى هو ابن أبي كثير ، أبو سلمة هو ابن عبد الرحمن.

ـ وهو في «صحيح مسلم» ١١٥٩ ح ١٨٤ عن القاسم بن زكريا بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٥٠٥٤ من طريق عبيد الله بن موسى به.

ـ وأخرجه البيهقي في «الشعب» ٢١٦٢ من طريق شيبان به.

ـ وأخرجه أحمد ٢ / ١٦٢ من طريق عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو مختصرا.

ـ وأخرجه البخاري ٥٠٥٢ ومسلم ١١٥٩ ح ٨٢ والنسائي ٤ / ٢١٠ وأحمد ٢ / ١٥٨ والبيهقي ٢ / ٣٩٦ من طرق عن عبد الله بن عمرو مطوّلا.

ـ وأخرجه ابن ماجه ١٣٤٦ وعبد الرزاق ٥٩٥٦ وأحمد ٢ / ١٦٣ و ١٩٩ وابن حبان ١٥٦ من طريق ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن يحيى بن حكيم بن صفوان عن عبد الله بن عمرو به.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) تصحف في المطبوع «بن».

١٧١

سبع ولا تزد على ذلك».

قوله عزوجل : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ) ، يعني المسافرين للتجارة يطلبون من رزق الله ، (وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) ، لا يطيقون قيام الليل ، روى إبراهيم عن ابن مسعود قال : أيما رجل جلب شيئا ما إلى مدينة من مدائن المسلمين صابرا محتسبا فباعه بسعر يومه كان عند الله بمنزلة الشهداء ، ثم قرأ عبد الله : (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ). (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) ، أي ما تيسر عليكم من القرآن. قال أهل التفسير كان هذا في صدر الإسلام ثم نسخ بالصلوات الخمس ، وذلك قوله (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) ، [قال ابن عباس](١) : يريد سوى الزكاة من صلة الرحم ، وقري الضيف. (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً) ، تجدوا ثوابه في الآخرة أفضل مما أعطيتم ، (وَأَعْظَمَ أَجْراً) ، من الذي أخرتم ، ولم تقدموه ، ونصب (خَيْراً وَأَعْظَمَ) على المفعول الثاني ، فإن الوجود إذا كان بمعنى الرؤية يتعدى إلى مفعولين ، وهو فصل في قول البصريين ، وعماد في قول الكوفيين ، لا محل له في الإعراب.

[٢٢٨٨] أخبرنا أبو القاسم يحيى بن علي الكشميهني أنا أبو نصر أحمد بن علي البخاري بالكوفة أنا أبو القاسم نصر بن أحمد الفقيه بالموصل ثنا أبو يعلى الموصلي ثنا أبو خيثمة ثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد قال : قال عبد الله قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أيكم ماله أحب إليه من مال وارثه»؟ قالوا : يا رسول الله ما منا من أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه ، قال : اعلموا ما تقولون ، قالوا : ما نعلم إلا ذلك يا رسول الله ، قال : «ما منكم رجل إلا مال وارثه أحب إليه من ماله» ، قالوا : كيف يا رسول الله؟ قال : «إنما مال أحدكم ما قدم ومال وارثه ما أخر». (وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ) ، لذنوبكم ، (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

سورة المدثر

مكية [وهي ست وخمسون آية](٢)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥))

__________________

[٢٢٨٨] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ أبو خيثمة هو زهير بن حرب ، جرير بن عبد الحميد ، الأعمش سليمان بن مهران ، إبراهيم بن يزيد.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٩٥٢ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «مسند أبي يعلى» ٥١٦٣ عن أبي خيثمة بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه ابن حبان ٣٣٣٠ من طريق أبي يعلى أحمد بن علي بن المثنى به.

ـ وأخرجه البخاري ٦٤٤٢ من طريق حفص بن غياث عن الأعمش به.

(١) زيد في المطبوع والمخطوط (أ)

(٢) زيد في المطبوع.

١٧٢

[٢٢٨٩] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد](١) المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا يحيى ثنا وكيع عن علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير قال : سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن؟ قال : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) (١) ، قلت : يقولون : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) [العلق : ١]؟ فقال أبو سلمة : سألت جابر بن عبد الله عن ذلك ، وقلت له مثل الذي قلت ، فقال لي جابر : لا أحدثك إلا بما حدثنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «جاورت بحرا ، شهرا فلما قضيت جواري هبطت فنوديت فنظرت عن يميني فلم أر شيئا ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا ونظرت أمامي فلم أر شيئا ونظرت خلفي فلم أر شيئا ، فرفعت رأسي فرأيت شيئا فأتيت خديجة فقلت : دثروني وصبوا علي ماء باردا ، قال : فدثروني وصبوا علي ماء باردا ، قال فنزلت : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) (٣).

[٢٢٩٠] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد](٢) المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا عبد الله بن يوسف ثنا الليث عن عقيل قال ابن شهاب : سمعت أبا سلمة قال أخبرني جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحدث عن فترة الوحي قال : «فبينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري [قبل السماء](٣) فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض ، فجئثت منه (٤) رعبا حتى هويت إلى الأرض ، فجئت أهلي فقلت : زملوني زملوني ، فزملوني» ، فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ) (٢) إلى قوله : (فَاهْجُرْ) ، قال أبو سلمة : والرجز الأوثان ، ثم حمى الوحي بعد وتتابع.

قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢)) ، أي أنذر كفار مكة.

(وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) (٣) ، أي عظمه عمّا يقوله عبدة الأوثان.

(وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) (٤) ، قال قتادة ومجاهد : نفسك فطهر من الذنب ، فكنى عن النفس بالثوب ، وهو

__________________

ـ وأخرجه النسائي ٦ / ٢٣٧ ـ ٢٣٨ وأحمد ١ / ٣٨٢ والبيهقي ٣ / ٣٦٨ وأبو نعيم في «الحلية» ٤ / ١٢٩ من طريق أبي معاوية عن الأعمش به.

[٢٢٨٩] ـ إسناده صحيح ، يحيى قال ابن حجر في «الفتح» ٨ / ٦٧٧ : هو ابن موسى ، أو ابن جعفر. قلت : إن كان ابن موسى فالإسناد على شرط الشيخين ، وإن كان ابن جعفر ، فإنه على شرط البخاري لتفرده منه ، وكلاهما يروي عن وكيع ، فلم يتميز.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٤٩٢٢ عن يحيى حدثنا وكيع بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٤٩٢٣ و ٤٩٢٤ ومسلم ١٦١ ح ٢٥٧ و ٢٥٨ وأحمد ٣ / ٣٠٦ و ٣٩٢ والطبري ٣٥٣٠٩ وابن حبان ٣٤ و ٣٥ وأبو عوانة ١ / ١١٢ و ١١٤ و ١١٥ والبيهقي في «الدلائل» ٢ / ١٥٥ ـ ١٥٦ من طرق عن يحيى بن أبي كثير به.

[٢٢٩٠] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري فقد تفرد عن ابن يوسف ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.

ـ الليث هو ابن سعد عقيل ، هو ابن خالد ، ابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٤٩٢٦ عن عبد الله بن يوسف بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٤ و ٣٢٣٨ و ٤٩٢٥ و ٤٩٥٤ و ٦٢١٤ ومسلم ١٦١ ح ٢٥٥ و ٢٥٦ والترمذي ٣٣٢٥ والطبري ٣٥٣٧ والبيهقي في «الدلائل» ٢ / ١٣٨ و ١٥٦ وأبو نعيم في «الدلائل» ١ / ٢٧٨ من طرق عن الزهري به.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) في المخطوط «فجثثت».

١٧٣

قول إبراهيم والضحاك والشعبي والزهري. وقال عكرمة : سئل ابن عباس عن قوله : (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) (٤) ، فقال : لا تلبسها على معصية ولا على غدر ، ثم قال : أما سمعت قول غيلان بن سلمة الثقفي : «وإني بحمد الله لا ثوب فاجر لبست ولا من غدرة أتقنع» والعرب تقول في وصف الرجل بالصدق والوفاء إنه طاهر الثياب ، وتقول لمن غدر إنه لدنس الثياب ، وقال أبي بن كعب : لا تلبسها على غدر ولا على ظلم ولا على إثم ، البسها وأنت برّ طاهر. وروى أبو روق عن الضحاك معناه : وعملك فأصلح. قال السدي : يقال للرجل إذا كان صالحا إنه لطاهر الثياب ، وإذا كان فاجرا إنه لخبيث الثياب. وقال سعيد بن جبير : وقلبك ونيتك فطهر. وقال الحسن والقرظي : وخلقك فحسّن. وقال ابن سيرين وابن زيد : أمر بتطهير الثياب من النجاسات التي لا تجوز الصلاة معها ، وذلك أن المشركين كانوا لا يتطهرون ولا يطهرون ثيابهم. وقال طاوس : وثيابك فقصر لأن تقصير الثياب طهرة لها.

(وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) (٥) ، قرأ أبو جعفر وحفص عن عاصم ويعقوب والرجز بضم الراء ، وقرأ الآخرون بكسرهما وهما لغتان ومعناهما واحد. قال مجاهد وعكرمة وقتادة والزهري وابن زيد وأبو سلمة : المراد بالرجز الأوثان ، قال : فاهجرها ولا تقربها. وقيل : الزاي فيه منقلبة عن السين ، والعرب تعاقب بين السين والزاي لقرب مخرجهما ، ودليل هذا التأويل قوله : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) [الحج : ٣٠] ، وروي عن ابن عباس أن معناه : اترك المآثم. وقال أبو العالية والربيع : الرجز بضم الراء الصنم ، وبالكسر النجاسة والمعصية. قال الضحاك : يعني الشرك. وقال الكلبي : يعني العذاب ، ومجاز الآية اهجر ما أوجب لك العذاب من الأعمال.

(وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (٧) فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩) عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (١٠) ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (١١) وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً (١٢) وَبَنِينَ شُهُوداً (١٣) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (١٤))

(وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) (٦) ، أي لا تعط مالك مصانعة لتعطى أكثر منه ، وهذا قول أكثر المفسرين ، قال الضحاك ومجاهد : كان هذا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خاصة. قال الضحاك : هما رباءان من حلال وحرام ، فأما الحلال فالهدايا ، وأما الحرام فالربا. قال قتادة : لا تعط شيئا طمعا لمجازاة الدنيا ، يعني أعط لربك وأرد به الله. وقال الحسن : معناه لا تمنن على الله بعملك فستكثره ، قال الربيع : لا يكثرن عملك في عينك فإنه فيما أنعم الله عليك وأعطاك قليل. وروى خصيف عن مجاهد : ولا تضعف أن تستكثر من الخير ، من قولهم : حبل متين إذا كان ضعيفا دليله قراءة ابن مسعود ولا تمنن أن تستكثر من الخير ، وقال ابن زيد معناه : لا تمنن بالنبوة على الناس فتأخذ عليها أجرا أو عرضا من الدنيا.

(وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) (٧) ، قيل : فاصبر على طاعته وأوامره ونواهيه لأجل ثواب الله. وقال مجاهد : فاصبر لله على ما أوذيت فيه. وقال ابن زيد : معناه حملت أمرا عظيما فيه محاربة العرب والعجم فاصبر عليه لله عزوجل. وقيل : فاصبر تحت موارد القضاء لأجل الله.

(فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ) (٨) ، أي نفخ في الصور ، وهو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل يعني النفخة الثانية.

(فَذلِكَ) ، أي النفخ في الصور ، (عَسِيرٌ) ، يعني يوم القيامة ، (يَوْمٌ عَسِيرٌ) ، شديد.

(عَلَى الْكافِرِينَ) ، يعسر فيه الأمر عليهم ، (غَيْرُ يَسِيرٍ) ، غير هين.

١٧٤

قوله عزوجل : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) (١١) ، [أي خلقته في بطن أمه وحيدا](١) فريدا لا مال له ولا ولد ، نزلت في الوليد بن المغيرة المخزومي كان يسمى الوحيد في قومه.

(وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً) (١٢). أي كثيرا. قيل : هو ما يمد بالنماء كالزرع والضرع والتجارة. واختلفوا في مبلغه ، قال مجاهد وسعيد بن جبير : مائة ألف دينار. وقال قتادة : أربعة آلاف دينار. وقال سفيان الثوري : ألف ألف دينار. وقال ابن عباس : تسعة آلاف مثقال فضة. وقال مقاتل : كان له بستان بالطائف لا تنقطع ثماره شتاء ولا صيفا. وقال عطاء عن ابن عباس : كان له بين مكة والطائف إبل وخيل ونعم ، وكان له عير كثيرة وعبيد وجوار. وقيل مالا ممدودا غلة شهر بشهر.

(وَبَنِينَ شُهُوداً) (١٣) حضورا بمكة لا يغيبون عنه وكانوا عشرة ، قاله مجاهد وقتادة وقال مقاتل : كانوا سبعة وهم الوليد بن الوليد وخالد وعمارة وهشام والعاص وقيس وعبد شمس ، أسلم منهم ثلاثة خالد وهشام والوليد (٢).

(وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً) (١٤) ، أي بسطت له في العيش وطول العمر بسطا. وقال الكلبي : يعني المال بعضه على بعض كما يمهد الفرش.

(ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥) كَلاَّ إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (١٦) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (١٧) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩))

(ثُمَّ يَطْمَعُ) ، يرجو ، (أَنْ أَزِيدَ) ، أي أن أزيده مالا وولدا ، وتمهيدا.

(كَلَّا) ، لا أفعل ولا أزيده ، قالوا : فما زال الوليد بعد نزول هذه الآية في نقصان من ماله وولده حتى هلك. (إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً) ، معاندا.

(سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً) (١٧) ، سأكلفه مشقة من العذاب لا راحة له فيها.

[٢٢٩١] وروينا عن أبي سعيد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «الصّعود جبل من نار يتصعد فيه الكافر سبعين خريفا ، ثم يهوي».

[٢٢٩٢] أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني ابن فنجويه ثنا عمر بن الخطاب ثنا عبد الله بن الفضل أنا منجاب بن الحارث أنا شريك عن عمار الدّهني عن عطية عن أبي سعيد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قوله : (سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً) (١٧) ، قال : «هو جبل في النار من نار يكلف أن يصعده فإذا وضع يده ذابت ، فإذا رفعها عادت فإذا وضع رجله ذابت ، وإذا رفعها عادت».

وقال الكلبي : الصعود صخرة ملساء في النار يكلف أن يصعدها لا يترك أن يتنفس في صعوده

__________________

[٢٢٩١] ـ تقدم في سورة البقرة عند آية : ٧٩ ، وهو ضعيف.

[٢٢٩٢] ـ ضعيف. إسناده ضعيف لضعف عطية العوفي.

ـ شريك هو ابن عبد الله القاضي ، عمار هو ابن معاوية ، عطية هو ابن سعد العوفي.

ـ وأخرجه الواحدي في «الوسيط» ٤ / ٣٨٢ من طريق عبد الله بن سليمان عن منجاب بن الحارث بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الطبري ٣٥٤١٢ من طريق شريك به.

ـ وقال الهيثمي في «المجمع» ٧ / ١٣١ : أخرجه الطبراني في «الأوسط» ، وفيه عطية ، وهو ضعيف.

ـ وانظر «الكشاف» ١٢٤٨ و ١٢٤٩ و «فتح القدير» ٢٦٠٧ بتخريجي ، والله الموفق.

(١) سقط من المخطوط.

(٢) في المطبوع «عمارة».

١٧٥

ويجذب من أمامه بسلاسل من حديد ويضرب من خلفه بمقامع من حديد ، فيصعدها في أربعين عاما فإذا بلغ ذروتها أحدر إلى أسفلها ، ثم يكلف أن يصعدها ويجذب من أمامه ويضرب من خلفه فذلك دأبه أبدا.

(إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ) (١٨) الآيات.

[٢٢٩٣] وذلك أن الله تعالى لما أنزل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) ، إلى قوله : (الْمَصِيرُ) [غافر : ١ ـ ٣] قام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المسجد والوليد بن المغيرة قريب منه يسمع قراءته فلما فطن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لاستماعه لقراءته أعاد قراءة الآية ، فانطلق الوليد حتى أتى مجلس قومه بني مخزوم ، فقال : والله لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن ، وإن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق ، وأنه يعلو وما يعلى ، ثم انصرف إلى منزله فقالت قريش : سحره محمد ، صبأ والله الوليد ، والله لتصبون قريش كلهم ، وكان يقال للوليد : ريحانة قريش ، فقال لهم أبو جهل : أنا أكفيكموه فانطلق فقعد إلى جنب الوليد حزينا ، فقال له الوليد : ما لي أراك حزينا يا ابن أخي؟ قال : وما يمنعني أن لا أحزن وهذه قريش يجمعون لك النفقة يعينونك على كبر سنك ويزعمون أنك زيّنت كلام محمد وأنك تدخل على ابن أبي كبشة ، وابن أبي قحافة لتنال من فضل طعامهم ، فغضب الوليد ، فقال : ألم تعلم قريش أني من أكثرهم مالا وولدا ، وهل شبع محمد وأصحابه من الطعام فيكون لهم فضل من الطعام ، ثم قام مع أبي جهل حتى أتى مجلس قومه ، فقال لهم : تزعمون أن محمدا مجنون فهل رأيتموه يخنق (١) قط؟ قالوا : اللهم لا ، قال : تزعمون أنه كاهن فهل رأيتموه قط تكهن؟ قالوا : اللهم لا ، قال : تزعمون أنه شاعر فهل رأيتموه ينطق بشعر قط؟ قالوا : اللهم لا ، قال : تزعمون أنه كذاب فهل جربتم عليه شيء من الكذب؟ قالوا : لا ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يسمى الأمين قبل النبوة من صدقه ، فقالت قريش للوليد : فما هو؟ فتفكر في نفسه ثم نظر وعبس ، فقال : ما هو إلا ساحر ، أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه؟ فهو ساحر وما يقوله سحر يؤثر ، فذلك قوله عزوجل : (إِنَّهُ فَكَّرَ) في محمد والقرآن (وَقَدَّرَ) في نفسه ما ذا يمكنه أن يقول في محمد والقرآن.

__________________

[٢٢٩٣] ـ لم أقف عليه مطوّلا بهذا السياق.

ـ وأخرجه نحوه الواحدي في «أسباب النزول» ٨٤٢ والحاكم ٢ / ٥٠٦ والبيهقي في «الدلائل» ٢ / ١٩٨ ـ ١٩٩ من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن عكرمة عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقرأ عليه القرآن فكأنه رقّ له ، فبلغ ذلك أبو جهل ، فأتاه فقال : .... فذكره بنحوه.

ـ وصححه الحاكم على شرط البخاري ، ووافقه الذهبي ، ورجاله رجال الصحيح.

ـ وأخرج عجزه البيهقي في «الدلائل» ٢ / ١٩٩ ـ ٢٠٠ من طريق محمد بن أبي محمد عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس بنحوه ، وإسناده ضعيف لجهالة محمد بن أبي محمد.

ـ وورد بنحوه من مرسل عكرمة عند عبد الرزاق في «التفسير» ٣٣٨٤ وفي إسناده راو مجهول.

ـ وأخرجه الطبري ٣٥٤١٩ من طريق معمر عن عباد بن منصور عن عكرمة نحوه.

ـ وورد من مرسل ابن زيد ، أخرجه الطبري ٣٥٤٢٤.

ـ وورد من مرسل قتادة مختصرا ، أخرجه الطبري ٣٥٤٢١.

ـ وورد من مرسل الضحاك ، أخرجه الطبري ٣٥٤٢٣.

ـ رووه بألفاظ متقاربة مختصرا ومطولا ، فالخبر صحيح الأصل ، بطرقه وشواهده.

ـ وانظر «الكشاف» ١٢٥٠ و «فتح القدير» ٢٦٠٦ بتخريجي ، ولله الحمد والمنة.

(١) كذا في المطبوع وط. والمخطوط (أ) وفي (ب) تجنن.

١٧٦

(فَقُتِلَ) ، لعن ، وقال الزهري : عذّب ، (كَيْفَ قَدَّرَ) ، على طريق التعجب والإنكار والتوبيخ.

(ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (٢٠) ثُمَّ نَظَرَ (٢١) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (٢٣) فَقالَ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤) إِنْ هذا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (٢٦) وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ (٢٧) لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (٢٨) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (٢٩))

(ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) (٢٠) ، كرره للتأكيد ، وقيل : معناه لعن على أي حال قدر من الكلام ، كما يقال : لأضربنه كيف صنع أي على أي حال صنع.

(ثُمَّ نَظَرَ) (٢١) ، في طلب ما يدفع به القرآن ويرده.

(ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ) (٢٢) ، كلح وقطب وجهه فنظر بكراهية شديدة كالمهتم المتفكر في شيء.

(ثُمَّ أَدْبَرَ) ، عن الإيمان ، (وَاسْتَكْبَرَ) ، تكبر حين دعى إليه.

(فَقالَ إِنْ هذا) ، ما هذا الذي يقرؤه محمد ، (إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) ، يروى ويحكى عن السحرة.

(إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) (٢٥) ، يعني يسارا وجبرا فهو يأثره عنهما. وقيل : يرويه عن مسيلمة (١) صاحب اليمامة.

قال الله تعالى : (سَأُصْلِيهِ) ، سأدخله ، (سَقَرَ) ، وسقر اسم من أسماء جهنم.

(وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ (٢٧) لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ) (٢٨) ، أي لا تبقي ولا تذر فيها شيئا إلا أكلته وأهلكته. وقال مجاهد : لا تميت ولا تحيي يعني لا تبقي من فيها حيا ولا تذر من فيها ميتا كلما احترقوا جدّدوا. وقال السدي : لا تبقي لهم لحما ولا تذر لهم عظما. وقال الضحاك : إذا أخذت فيهم لم تبق منهم شيئا وإذا أعيدوا لم تذرهم حتى تفنيهم ، ولكل شيء ملالة وفترة إلا جهنم.

(لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) (٢٩) ، مغيرة للجلد حتى تجعله أسود ، يقال : لاحه السقم والحزن إذا غيره ، وقال مجاهد : تلفح الجلد حتى تدعه أشد سوادا من الليل. وقال ابن عباس : وزيد بن أسلم : محرقة للجلد.

وقال الحسن وابن كيسان : تلوح لهم جهنم حتى يروها عيانا نظيره قوله : (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ) (٩١) [الشعراء : ٩١] ، و (لَوَّاحَةٌ) رفع على نعت ، (سَقَرُ) في قوله : (وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ) (٢٧) ، والبشر جمع بشرة وجمع البشر أبشار.

(عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (٣٠) وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَما هِيَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْبَشَرِ (٣١) كَلاَّ وَالْقَمَرِ (٣٢))

(عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) (٣٠) ، أي على النار تسعة عشر من الملائكة ، وهم خزنتها مالك ومعه ثمانية عشر ، وجاء في الأثر : أعينهم كالبرق الخاطف وأنيابهم كالصياصي يخرج لهب النار من أفواههم ما بين منكبي أحدهم مسيرة سنة ، نزعت منهم الرحمة يرفع أحدهم سبعين ألفا فيرميهم حيث أراد من جهنم (٢).

__________________

(١) تصحف في المطبوع «مسلمة».

(٢) لا أصل له في المرفوع ، قال الحافظ في «تخريج الكشاف» ٤ / ٦٥١ : لم أجده ، ولذا قال المصنف : وفي الأثر ، لم ينسبه للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

١٧٧

قال عمرو بن دينار : إن واحدا منهم يدفع بالدفعة الواحدة في جهنم أكثر من ربيعة ومضر.

قال ابن عباس وقتادة والضحاك : لما نزلت هذه الآية قال أبو جهل لقريش : ثكلتكم أمهاتكم أسمع ابن أبي كبشة يخبر أن خزنة جهنم تسعة عشر وأنتم الدهم أي الشجعان أفيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا بواحد من خزنة جهنم؟ قال أبو الأشد أسيد بن كلدة بن خلف الجمحي : أنا أكفيكم منهم سبعة عشر ، عشرة على ظهري وسبعة على بطني ، فاكفوني أنتم اثنين.

وروي أنه قال : أنا أمشي بين أيديكم على الصراط فأدفع عشرة بمنكبي الأيمن وتسعة (١) بمنكبي الأيسر في النار ونمضي فندخل الجنة.

فأنزل الله عزوجل : (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً) ، لا رجالا آدميين فمن ذا يغلب الملائكة؟ (وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ) ، أي عددهم في القلة ، (إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) ، أي ضلالة لهم حتى قالوا ما قالوا ، (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) ، لأنه مكتوب في التوراة والإنجيل إنهم تسعة عشر ، (وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً) ، يعني من آمن من أهل الكتاب يزدادون تصديقا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا وجدوا ما قاله موافقا لما في كتبهم ، (وَلا يَرْتابَ) ، لا يشك ، (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ) ، في عددهم ، (وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ، شك ونفاق ، (وَالْكافِرُونَ) ، مشركو مكة (ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً) ، أي شيء أراد بهذا الحديث؟ وأراد بالمثل الحديث نفسه. (كَذلِكَ) ، أي كما أضل الله من أنكر عدد الخزنة وهدى من صدق كذلك ، (يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) ، قال مقاتل : هذا جواب أبي جهل حين قال : أما لمحمد أعوان إلا تسعة عشر؟ قال عطاء : (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) يعني من الملائكة الذين خلقهم لتعذيب أهل النار ، لا يعلم عدتهم إلا الله ، والمعنى إن تسعة عشرهم خزنة النار ، ولهم من الأعوان والجنود من الملائكة ما لا يعلمهم إلا الله عزوجل ، ثم رجع إلى ذكر سقر فقال : (وَما هِيَ) ، يعني النار ، (إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ) ، إلا تذكرة وموعظة للناس.

(كَلَّا وَالْقَمَرِ) (٣٢) ، هذا قسم يقول حقا.

(وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (٣٣) وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ (٣٤) إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥) نَذِيراً لِلْبَشَرِ (٣٦) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (٣٧) كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ (٣٩) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١))

(وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ) (٣٣) ، قرأ نافع وحمزة وحفص ويعقوب (إِذْ) بغير ألف ، (أَدْبَرَ) ، بالألف ، وقرأ الآخرون إذا بالألف ، دبر بلا ألف ، لأنه أشد موافقة لما يليه ، وهو قوله : (وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ) (٣٤) ، ولأنه ليس في القرآن قسم بجانبه إذ وإنما بجانب الأقسام إذا وكلاهما لغة ، يقال : دبر الليل وأدبر إذا ولى ذاهبا. قال أبو عمرو : دبر لغة قريش ، وقال قطرب : دبر أي أقبل ، تقول العرب : دبرني فلان أي جاء خلفي ، فالليل يأتي خلف النهار.

(وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ) (٣٤) ، أضاء وتبين.

(إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ) (٣٥) ، يعني أن سقر لإحدى الأمور العظام ، وواحد الكبر كبرى ، قال مقاتل والكلبي : أراد بالكبر دركات جهنم وهي سبعة : جهنم ولظى والحطمة والسعير وسقر والجحيم والهاوية.

(نَذِيراً لِلْبَشَرِ) (٣٦) ، يعني النار نذيرا للبشر. قال الحسن : والله ما أنذر الله بشيء أدهى منها ، وهو

__________________

(١) كذا في المطبوع والمخطوط (أ) وفي (ب) «سبعة».

١٧٨

نصب على القطع من قوله لإحدى الكبر لأنها معرفة ، ونذيرا نكرة ، قال الخليل : النذير مصدر كالنكير ، ولذلك وصف به المؤنث ، وقيل : هو من صفة الله سبحانه وتعالى ، مجازه : وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة نذيرا للبشر أي إنذارا لهم قال أبو رزين يقول أنا لكم منها نذير ، فاتقوها. وقيل : هو صفة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم معناه : يا أيها المدثر قم نذيرا للبشر ، فأنذر ، وهذا معنى قول ابن زيد.

(لِمَنْ شاءَ) ، بدل من قوله للبشر : (مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ) ، في الخير والطاعة ،. (أَوْ يَتَأَخَّرَ) ، عنها في الشر والمعصية ، والمعنى : أن الإنذار قد حصل لكل واحد ممن آمن أو كفر.

(كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) (٣٨) ، مرتهنة في النار بكسبها مأخوذة بعملها.

(إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ) (٣٩) ، فإنهم لا يرتهنون بذنوبهم في النار ولكن يغفرها الله لهم. قال قتادة : علق الناس كلهم إلا أصحاب اليمين.

واختلفوا فيهم ، روي عن علي رضي الله عنه أنهم أطفال المسلمين. وروى أبو ظبيان عن ابن عباس : هم الملائكة. وقال مقاتل : هم أصحاب الجنة الذين كانوا على يمين آدم يوم الميثاق ، حين قال الله لهم : هؤلاء في الجنة ولا أبالي وعنه أيضا : هم الذين أعطوا كتبهم بأيمانهم ، وعنه أيضا : هم الذين كانوا ميامين على أنفسهم. وقال الحسن : هم المسلمون المخلصون. وقال القاسم : كل نفس مأخوذة بكسبها من خير أو شر إلا من اعتمد على الفضل ، وكل من اعتمد على الكسب فهو رهين به ، ومن اعتمد على الفضل فهو غير مأخوذ به.

(فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١)) ، المشركين.

(ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦) حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (٤٧) فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨) فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (٥٠) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (٥١))

(ما سَلَكَكُمْ) ، أدخلكم ، (فِي سَقَرَ) ، فأجابوا.

و (قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) (٤٣) ، لله.

(وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ) ، في الباطل ، (مَعَ الْخائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦) حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (٤٧)) ، وهو الموت.

قال الله عزوجل : (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) (٤٨). قال ابن مسعود : تشفع الملائكة والنبيون والشهداء والصالحون وجميع المؤمنين ، فلا يبقى في النار إلا أربعة ، ثم تلا : (قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) (٤٣) إلى قوله : (بِيَوْمِ الدِّينِ) ، قال عمران بن الحصين : الشفاعة نافعة لكل واحد دون هؤلاء الذين تسمعون.

[٢٢٩٤] أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أحمد بن الحسن (١) الحيري أنا حاجب بن أحمد الطوسي ثنا

__________________

[٢٢٩٤] ـ إسناده ضعيف لضعف يزيد الرقاشي ، وفيه حاجب بن أحمد ، وهو مجهول.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤٢٤٨ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه ابن ماجه ٣٦٨٥ من طريق وكيع عن الأعمش به.

(١) في المطبوع «الحسين» وهو خطأ.

١٧٩

محمد بن حماد ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن يزيد الرقاشي عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يصفّ أهل النار فيعدّلون (١) قال : فيمر بهم الرجل من أهل الجنة فيقول الرجل منهم : يا فلان قال فيقول : ما تريد فيقول : أما تذكر رجلا سقاك شربة ماء يوم كذا وكذا؟ قال فيقول : وإنك لأنت هو؟ فيقول : نعم ، فيشفع له فيشفّع فيه. قال : ثم يمر بهم الرجل من أهل الجنة فيقول : يا فلان ، فيقول : ما تريد؟ فيقول : أما تذكر رجلا وهب لك وضوءا يوم كذا وكذا؟ فيقول : إنك لأنت هو؟ فيقول : نعم ، فيشفع له فيشفّع فيه».

(فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) (٤٩) ، عن مواعظ القرآن معرضين نصب على الحال ، وقيل صاروا معرضين.

(كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ) ، جمع حمار ، (مُسْتَنْفِرَةٌ) ، قرأ أهل المدينة والشام بفتح الفاء ، وقرأ الباقون بكسرها ، فمن قرأ بالفتح فمعناها منفرة مذعورة ، ومن قرأ بالكسر فمعناها نافرة ، يقال : نفر واستنفر بمعنى واحد ، كما يقال عجب واستعجب.

(فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) (٥١) ، قال مجاهد وقتادة والضحاك : القسورة جماعة الرماة لا واحد لها من لفظها ، وهي رواية عطاء عن ابن عباس. وقال سعيد بن جبير : هم القناص وهي رواية عطية عن ابن عباس. قال زيد بن أسلم : من رجال أقوياء وكل ضخم شديد عند العرب قسور وقسورة. وعن أبي المتوكل قال : هي لغط القوم وأصواتهم. وروى عكرمة عن ابن عباس قال : هي حبال الصيادين. وقال أبو هريرة : هي الأسد ، وهو قول عطاء والكلبي ، وذلك أن الحمر الوحشية إذا عاينت الأسد هربت ، كذلك هؤلاء المشركين إذا سمعوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ القرآن هربوا منه. قال عكرمة : هي ظلمة الليل ، ويقال لسواد أول الليل قسورة.

(بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً (٥٢) كَلاَّ بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ (٥٣) كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (٥٤) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (٥٥) وَما يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (٥٦))

(بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً) (٥٢) ، قال المفسرون : إن كفار قريش قالوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ليصبح عند رأس كل رجل منا كتاب منشور من الله أنك لرسوله نؤمر فيه باتباعك. قال الكلبي : إن المشركين قالوا : يا محمد بلغنا أن الرجل من بني إسرائيل كان يصبح مكتوبا عند رأسه ذنبه وكفارته ، فأتنا بمثل ذلك ، والصحف الكتب وهي جمع الصحيفة ومنشرة منشورة.

فقال الله تعالى : (كَلَّا) ، لا يؤتون الصحف. وقيل : حقا وكل ما ورد عليك منه فهذا وجهه (بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ) ، أي لا يخافون عذاب الآخرة ، والمعنى أنهم لو خافوا النار لما اقترحوا هذه الآيات

__________________

ـ قال البوصيري في «الزوائد» : في إسناده يزيد بن أبان الرقاشي ، وهو ضعيف.

ـ وأخرجه أبو يعلى ٤٠٠٦ والطبراني في «الأوسط» ٦٥٠٧ من طريق يوسف بن خالد السمتي عن الأعمش عن أنس به.

ـ وإسناده ساقط.

ـ قال الهيثمي في «المجمع» ١٠ / ٣٨٢ : وفيه يوسف بن خالد السمتي ، وهو كذاب.

ـ وفيه أيضا انقطاع بين الأعمش وأنس.

(١) في المطبوع وط «فيعذبون» والمثبت عن «شرح السنة» والمخطوط.

١٨٠