تفسير البغوي - ج ٥

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي

تفسير البغوي - ج ٥

المؤلف:

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي


المحقق: عبدالرزاق المهدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٣

ترقبته والمرصاد المكان الذي يرصد الراصد فيه العدو. وقوله : (إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً) (٢١) ، أي ترصد الكفار.

وروى مقسم عن ابن عباس : أن على جسر جهنم سبعة محابس يسأل العبد عند أولها عن شهادة أن لا إله إلا الله فإن جاء بها تامة جاز إلى الثاني ، فيسأل عن الصلاة فإن جاء بها تامة جاز إلى الثالث ، فيسأل عن الزكاة فإن جاء بها تامة جاز إلى الرابع ، فيسأل عن الصوم فإن جاء به تاما جاز إلى الخامس ، فيسأل عن الحج فإن جاء به تاما جاز إلى السادس ، فيسأل عن العمرة فإن جاء بها تامة جاز إلى السابع ، فيسأل عن المظالم فإن خرج منها وإلا يقال : انظروا فإن كان له تطوع أكمل به أعماله ، فإذا فرغ انطلق به إلى الجنة.

(لِلطَّاغِينَ) ، للكافرين ، (مَآباً) ، مرجعا يرجعون إليه.

(لابِثِينَ) ، قرأ حمزة ويعقوب لبثين بغير ألف ، وقرأ العامة (لابِثِينَ) بالألف وهما لغتان. (فِيها أَحْقاباً) ، جمع حقب ، والحقب الواحد : ثمانون سنة ، كل سنة اثنا عشر شهرا ، كل شهر ثلاثون يوما ، كل يوم ألف سنة. وروي ذلك عن علي بن أبي طالب ، وقال مجاهد : الأحقاب ثلاثة وأربعون حقبا ، [كل حقب سبعون خريفا ، كل خريف سبعمائة سنة ، كل سنة ثلاثمائة وستون يوما ، وكل يوم ألف سنة](١) قال الحسن : إن الله لم يجعل لأهل النار مدة ، بل قال : (لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً) (٢٣) فو الله ما هو إلا إذا مضى حقب دخل آخر ثم آخر إلى الأبد ، فليس للأحقاب عدة إلا الخلود. وروى السدي عن مرة عن عبد الله قال : لو علم أهل النار أنهم يلبثون في النار عدد حصى الدنيا لفرحوا ، ولو علم أهل الجنة أنهم يلبثون في الجنة عدد حصى الدنيا لحزنوا. وقال مقاتل بن حيان : الحقب الواحد سبع عشرة ألف سنة. قال : وهذه الآية منسوخة نسختها (فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً) [النبأ : ٣٠] يعني أن العدد قد ارتفع والخلود قد حصل.

(لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً) (٢٤) ، روي عن ابن عباس : أن البرد النوم ، ومثله قال الكسائي وأبو عبيدة ، تقول العرب : منع البرد البرد أي أذهب البرد النوم. وقال الحسن وعطاء : لا يذوقون فيها بردا أي روحا وراحة. قال مقاتل : لا يذوقون فيها بردا فينفعهم من حر ولا شرابا ينفعهم من عطش.

(إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً) (٢٥) ، قال [ابن عباس](٢) : الغساق الزمهرير يحرقهم ببرده. وقيل : صديد أهل النار ، وقد ذكرناه في سورة ص.

(جَزاءً وِفاقاً (٢٦) إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً (٢٧) وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً (٢٨) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً (٢٩) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذاباً (٣٠) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً (٣١) حَدائِقَ وَأَعْناباً (٣٢) وَكَواعِبَ أَتْراباً (٣٣) وَكَأْساً دِهاقاً (٣٤) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً (٣٥) جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً (٣٦) رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً (٣٧))

(جَزاءً وِفاقاً) (٢٦) ، أي جازيناهم جزاء وافق أعمالهم. قال مقاتل : وافق العذاب الذنب فلا ذنب أعظم من الشرك ولا عذاب أعظم من النار.

(إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً) (٢٧) ، لا يخافون أن يحاسبوا ، والمعنى : أنهم كانوا لا يؤمنون بالبعث

__________________

(١) سقط من المخطوط.

(٢) سقط من المخطوط.

٢٠١

ولا بأنهم محاسبون.

(وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) ، أي بما جاء به الأنبياء ، (كِذَّاباً) ، يعني تكذيبا ، قال الفراء : هي لغة يمانية فصيحة ، يقولون في مصدر التفعيل فعال قال [و](١) قال لي أعرابي منهم ، على المروة يستفتيني : الحلق أحب إليك أم القصار.

(وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً) (٢٩) ، أي وكل شيء من الأعمال بيناه في اللوح المحفوظ ، كقوله :(وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) [يس : ١٢].

(فَذُوقُوا) ، أي يقال لهم فذوقوا ، (فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً).

قوله عزوجل : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً) (٣١) ، فوز ونجاة من النار ، وقال الضحاك : متنزها.

(حَدائِقَ وَأَعْناباً) (٣٢) ، يريد أشجار الجنة وثمارها.

(وَكَواعِبَ) ، جواري نواهد قد تكعبت ثديهن ، واحدتها كاعب ، (أَتْراباً) ، مستويات في السن.

(وَكَأْساً دِهاقاً) (٣٤) ، قال ابن عباس والحسن وقتادة وابن زيد : مترعة مملوءة. وقال سعيد بن جبير ومجاهد : متتابعة. قال عكرمة : صافية.

(لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً) ، باطلا من الكلام ، (وَلا كِذَّاباً) ، تكذيبا ، لا يكذب بعضهم بعضا. وقرأ الكسائي (كِذَّاباً) ، بالتخفيف [وهو](٢) مصدر المكاذبة ، وقيل : هو الكذب. وقيل : هو بمعنى التكذيب كالمشدد.

(جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً) (٣٦) ، أي جازاهم جزاء وأعطاهم عطاء حسابا أي كافيا وافيا ، يقال : أحسبت فلانا أي أعطيته ما يكفيه حتى قال حسبي. وقال ابن قتيبة : عطاء حسابا أي كثيرا. وقيل : هو جزاء بقدر أعمالهم.

(رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ) ، قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو (رَبِ) رفع على الاستئناف والرحمن خبره وقرأ الآخرون بالجر اتباعا لقوله (من ربك) وقرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب (الرَّحْمنِ) جرا اتباعا لقوله : (رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، وقرأ الآخرون بالرفع ، فحمزة والكسائي يقرآن (رَبِ) بالخفض لقربه من قوله : (جَزاءً مِنْ رَبِّكَ) ويقرآن (الرَّحْمنِ) بالرفع لبعده منه على الاستئناف ، وقوله : (لا يَمْلِكُونَ) في موضع رفع خبره ، ومعنى : (لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً) ، قال مقاتل : لا يقدر الخلق على أن يكلموا الرب إلا بإذنه. وقال الكلبي : لا يملكون شفاعة إلا بإذنه.

(يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً (٣٨) ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً (٣٩) إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً (٤٠))

(يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ) ، أي في ذلك اليوم ، (وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا) ، واختلفوا في هذا الروح ، قال الشعبي والضحاك : هو جبريل. وقال عطاء عن ابن عباس : الروح ملك من الملائكة ما خلق الله مخلوقا أعظم منه ، فإذا كان يوم القيامة قام [هو](٣) وحده صفا وقامت الملائكة كلهم صفا واحدا ، فيكون عظم خلقه مثلهم. وعن ابن مسعود [قال](٤) : الروح ملك أعظم من السموات ومن الجبال ، ومن الملائكة وهو في

__________________

(١) زيادة عن المخطوطتين.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) زيادة عن المخطوط.

٢٠٢

السماء الرابعة ، يسبح كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة ، يخلق الله من كل تسبيحة ملكا يجيء يوم القيامة صفا وحده. وقال مجاهد وقتادة وأبو صالح : الروح خلق على صورة بني آدم وليسوا بناس يقومون صفا والملائكة صفا ، هؤلاء جند وهؤلاء جند.

وروى مجاهد عن ابن عباس قال : هم خلق على صورة بني آدم وما ينزل من السماء ملك إلا معه واحد منهم. وقال الحسن : هو بنو آدم (١). ورواه قتادة عن ابن عباس ، وقال : هذا مما كان يكتمه ابن عباس (وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا) قال الشعبي : هما سماطا رب العالمين ، يوم يقوم سماط من الروح وسماط من الملائكة. (لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً) ، في الدنيا ، أي حقا. وقيل : قال : لا إله إلا الله.

(ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُ) ، الكائن الواقع يعني يوم القيامة ، (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً) ، مرجعا وسبيلا بطاعته ، أي فمن شاء رجع إلى الله بطاعته.

(إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً) ، يعني العذاب في الآخرة ، وكل ما هو آت قريب. (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ) ، أي كل امرئ يرى في ذلك اليوم ما قدم من العمل مثبتا (٢) في صحيفته ، (وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً).

قال عبد الله بن عمرو : إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم ، وحشر الدواب والبهائم والوحوش ، ثم يجعل القصاص بين البهائم حتى يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء تنطحها ، فإذا فرغ من القصاص قيل لها : كوني ترابا ، فعند ذلك يقول الكافر : يا ليتني كنت ترابا. ومثله عن مجاهد ، وقال مقاتل : يجمع الله الوحوش والبهائم والهوام والطير فيقضي بينهم حتى يقتص للجماء من القرناء ، ثم يقول لهم : إنما خلقتكم وسخرتكم لبني آدم وكنتم مطيعين إياهم أيام حياتكم ، فارجعوا إلى الذي كنتم كونوا ترابا فإذا التفت الكافر إلى من صار ترابا يتمنى ، فيقول : يا ليتني كنت في الدنيا في صورة خنزير (٣) وكنت اليوم ترابا.

وعن أبي الزناد عبد الله بن ذكوان قال : إذا قضى الله بين الناس وأمر بأهل الجنة إلى الجنة ، وأهل النار إلى النار ، وقيل لسائر الأمم ولمؤمني الجن عودوا ترابا [فيعودون ترابا](٤) فحينئذ يقول الكافر : يا ليتني كنت ترابا. وبه قال الليث بن أبي سليم (٥) مؤمنو الجن يعودون ترابا.

وقيل : إن الكافر هاهنا إبليس ، وذلك أنه عاب آدم أنه خلق من التراب وافتخر بأنه خلق من النار ، فإذا عاين يوم القيامة ما فيه آدم وبنوه المؤمنون من الثواب والرحمة ، وما هو فيه من الشدة والعذاب ، قال [إبليس] : (٦) يا ليتني كنت ترابا. قال أبو هريرة فيقول : التراب لا ولا كرامة لك من جعلك مثلي؟ (٧)

__________________

(١) في المخطوط «مبينا».

(٢) في المطبوع «شيء».

(٣) هذه الآثار جميعا ليست بشيء ، والصحيح القول الأول عن الشعبي والضحاك ، ويدل عليه قوله تعالى : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) (فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا).

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) تصحف في المطبوع «ثليم».

(٦) زيادة عن المخطوط.

(٧) هذا من غرائب مقاتل ومناكيره ، وليس بشيء.

٢٠٣

سورة النازعات

مكية [وهي ست وأربعون آية](١)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً (١) وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً (٢))

(وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً) (١) ، يعني الملائكة تنزع أرواح الكفار من أجسادهم ، كما يغرق النازع في القوس فيبلغ بها غاية المد ، [بعد ما نزعها حتى إذا كادت أن تخرج ردها في جسده فهذا عمله بالكفار](٢) والغرق اسم أقيم مقام الإغراق ، أي والنازعات إغراقا والمراد بالإغراق المبالغة في المد ، وقال ابن مسعود : ينزعها ملك الموت من تحت كل شعرة ومن الأظافير وأصول القدمين ، ويرددها في جسده بعد ما ينزعها حتى إذا كادت تخرج ردها في جسده بعد ما ينزعها ، فهذا عمله بالكفار. وقال مقاتل ملك الموت وأعوانه ينزعون أرواح الكفار كما ينزع السفود الكثير الشعب من الصوف المبتل ، فتخرج نفسه كالغريق في الماء. وقال مجاهد : هو الموت ينزع النفوس. وقال السدي : هي النفس حين تغرق في الصدر. قال الحسن وقتادة وابن كيسان : هي النجوم تنزع من أفق إلى أفق تطلع ثم تغيب. وقال عطاء وعكرمة : هي القسي. وقيل : هي الغزاة الرماة.

(وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً) (٢) ، هي الملائكة تنشط نفس المؤمن ، أي تحل حلا رفيقا فتقبضها ، كما ينشط العقال من يد البعير ، أي يحل برفق ، حكى الفراء هذا القول ، ثم قال : والذي سمعت من العرب أن يقولوا : أنشطت العقال إذا حللته ونشطته إذا عقدته بأنشوطة.

[٢٣٠٧] وفي الحديث : «كأنما أنشط من عقال».

وعن ابن عباس : هي نفس المؤمن تنشط للخروج عند الموت ، لما يرى من الكرامة لأنه تعرض عليه الجنة قبل أن يموت.

وقال علي بن أبي طالب : هي الملائكة تنشط أرواح الكفار مما بين الجلد والأظفار حتى تخرجها من أفواههم بالكرب والغم ، والنشط : الجذب والنزع ، يقال : نشطت الدلو نشطا إذا نزعتها. قال الخليل : النشط والإنشاط مدك الشيء إلى نفسك ، حتى ينحل. وقال مجاهد : هو الموت ينشط النفوس. وقال السدي : هي النفس تنشط من القدمين أي تجذب. وقال قتادة : هي النجوم تنشط من أفق إلى أفق ، أي تذهب ، يقال : نشط من بلد إلى بلد إذا خرج في سرعة ، ويقال حمار ناشط ينشط من بلد إلى بلد ، وقال

__________________

[٢٣٠٧] ـ يأتي في سورة الفلق إن شاء الله تعالى.

(١) زيد في المطبوع.

(٢) زيادة من المخطوط.

٢٠٤

عطاء وعكرمة : هي الإزهاق.

(وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً (٣) فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً (٤) فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً (٥) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (٦) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (٧))

(وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً (٣)) ، هم الملائكة يقبضون أرواح المؤمنين يسلونها سلا رفيقا ، ثم يدعونها حتى تستريح كالسابح بالشيء في الماء يرفق به. وقال مجاهد وأبو صالح : هي الملائكة ينزلون من السماء مسرعين كالفرس الجواد يقال له سابح إذا أسرع في جريه. وقيل : هي خيل الغزاة. وقال قتادة : هي النجوم والشمس والقمر ، قال الله تعالى : (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [يس : ٤٠] ، وقال عطاء : هي السفن.

(فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً) (٤) ، قال مجاهد : هي الملائكة سبقت ابن آدم بالخير والعمل الصالح. وقال مقاتل : هي الملائكة تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة.

وعن ابن مسعود قال : هي أنفس المؤمنين تتسارع وتسبق إلى الملائكة الذين يقبضونها شوقا إلى لقاء الله وكرامته ، وقد عاينت السرور. وقال قتادة : هي النجوم يسبق بعضها بعضا في السير. وقال عطاء : هي الخيل.

(فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) (٥) ، قال ابن عباس : هم الملائكة وكلوا بأمور عرّفهم الله عزوجل العمل بها. قال عبد الرحمن بن سابط : يدبر الأمر في الدنيا أربعة جبريل وميكائيل وملك الموت وإسرافيل عليهم‌السلام.

[أما جبريل فموكل بالرياح والجنود ، وأما ميكائيل فموكل بالقطر والنبات ، وأما ملك الموت فموكل بقبض الأنفس ، وأما إسرافيل فهو يتنزل بالأمر عليهم](١) ، وجواب هذه الأقسام محذوف على تقديره : لتبعثن ولتحاسبن. وقيل : جوابه قوله : (إن في ذلك لعبرة لمن يخشى). وقيل : فيه تقديم وتأخير تقديره : يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة والنازعات غرقا.

قوله عزوجل : (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ) (٦) ، يعني النفخة الأولى يتزلزل ويتحرك لها كل شيء ، ويموت منها جميع الخلق.

(تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) (٧) ، وهي النفخة الثانية ردفت الأولى وبينهما أربعون سنة. قال قتادة : هما صيحتان فالأولى تميت كل شيء والأخرى تحيي كل شيء بإذن الله عزوجل. وقال مجاهد : ترجف الراجفة تتزلزل الأرض والجبال ، تتبعها الرادفة حين تنشق السماء ، وتحمل الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة. وقال عطاء : الراجفة القيامة ، والرادفة البعث. وأصل الرجفة : الصوت والحركة.

[٢٣٠٨] أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أخبرني ابن فنجويه ثنا

__________________

[٢٣٠٨] ـ ضعيف ، فالمتن غريب ، وفيه اضطراب ، والإسناد لا يحتج به.

ـ إسناده ضعيف ، رجاله ثقات سوى عبد الله بن محمد بن عقيل ، فإنه غير حجة بسبب سوء حفظه.

ـ قال الحافظ في «التهذيب» ٦ / ٣ ما ملخصه : قال ابن سعد : منكر الحديث ، لا يحتجون بحديثه ، وكان كثير العلم.

(١) العبارة في المطبوع «أما جبريل فموكل بالوحي والبطش وهزم الجيوش ، وأما ميكائيل فموكل بالمطر والنبات والأرزاق ، وأما ملك الموت فموكل بقبض الأنفس ، وأما إسرافيل فهو صاحب الصور ، ولا ينزل إلا للأمر العظيم.

والمثبت عن المخطوطتين وط و «الدر المنثور» ٦ / ٥١٠ ، مع أن ما في المطبوع أقرب سياقا وصحة ، وكأنه من تصحيف بعض أهل العلم.

٢٠٥

عبد الله بن يوسف بن أحمد بن مالك ثنا محمد بن هارون الحضرمي ثنا الحسن بن عرفة ثنا قبيصة بن [عقبة] (١) عن سفيان الثوري عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبي بن كعب قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا ذهب ربع الليل قام ، وقال : «يا أيها الناس اذكروا الله ، اذكروا الله ، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة ، جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه».

(قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ (٨) أَبْصارُها خاشِعَةٌ (٩) يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ (١٠) أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً (١١) قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ (١٢) فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ (١٣) فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (١٤))

(قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ) (٨) ، خائفة قلقة مضطربة ، وسمي الوجيف في السير لشدة اضطرابه ، يقال : وجف القلب ووجف وجوفا ووجيفا ووجوبا ووجيبا. وقال مجاهد : وجلة. وقال السدي : زائلة عن أماكنها ، نظيره (إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ) [غافر : ١٨].

(أَبْصارُها خاشِعَةٌ) (٩) ، ذليلة كقوله : (خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِ) [الشورى : ٤٥] الآية.

(يَقُولُونَ) يعني المنكرين للبعث إذا قيل لهم إنكم مبعوثون من بعد الموت : (أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ)؟ أي إلى أول الحال وابتداء الأمر فنصير أحياء بعد الموت كما كنا؟ تقول العرب : رجع فلان في حافرته أي رجع من حيث جاء ، والحافرة عندهم اسم لابتداء الشيء ، وأول الشيء. وقال بعضهم : الحافرة وجه الأرض التي تحفر فيها قبورهم ، سميت الحافرة بمعنى المحفورة ، كقوله : (عِيشَةٍ راضِيَةٍ) [الحاقة : ٢١ ، القارعة : ٧] أي مرضية. وقيل : سميت حافرة لأنها مستقر الحوافر ، أي أإنا لمردودون إلى الأرض فنبعث خلقا جديدا نمشي عليها؟ وقال ابن زيد : الحافرة النار.

(أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً) (١١) ، قرأ نافع وابن عامر والكسائي ويعقوب ا انا مستفهم ، (إِذا) بتركه ، ضده أبو جعفر ، الباقون باستفهامهما ، وقرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو عظاما ناخرة ، والآخرون (نَخِرَةً) وهما لغتان ، مثل الطمع والطامع والحذر والحاذر ، ومعناهما البالية ، وفرّق قوم

__________________

وكان مالك ويحيى بن سعيد لا يرويان عنه ، وقال يعقوب : صدوق ، وفي حديثه ضعف شديد جدا ، وقال ابن عيينة : أربعة من قريش يترك حديثهم ، فذكره منهم.

وقال ابن عيينة : رأيته يحدث نفسه ، فحملته على أنه قد تغير ، وقال الحميدي عن ابن عيينة : في حفظه شيء ، فكرهت أن ألقيه ، وقال حنبل عن أحمد : منكر الحديث ، وقال معاوية بن صالح عن ابن معين : ضعيف الحديث ، وضعفه علي المديني ، وقال العجلي : جائز الحديث ، وقال الجوزجاني : أتوقف عنه عامة ما يرويه غريب ، وقال أبو حاتم : لين الحديث ، لا يحتج به ، وقال النسائي : ضعيف ، وقال ابن خزيمة : لا أحتج به لسوء حفظه ، وقال أبو أحمد الحاكم : كان أحمد وإسحاق يحتجان بحديثه ، وليس بذاك المتين ، وقال الترمذي : صدوق ، تكلم فيه من قبل حفظه ، وقال البخاري : مقارب الحديث ، وقال الحاكم : عمّر ، فساء حفظه ، فحدث على التخمين ، وقال في موضع آخر : مستقيم الحديث ، وقال الخطيب : كان سيئ الحفظ ، وقال ابن حبان : كان رديء الحفظ يحدث على التوهم ، فيجيء بالخبر على غير سننه ، فوجب مجانبة أخباره.

ـ الخلاصة : هو ضعيف بسبب سوء حفظه.

ـ والحديث أخرجه الترمذي ٢٤٥٧ وأحمد ٥ / ١٣٦ وعبد بن حميد في «المنتخب» ١٧٠ والحاكم ٢ / ٥١٣ والطبري ٣٦٢٠٤ والبيهقي في «البعث» ٥١٧ من طريقين عن الثوري به ، صححه الحاكم! ووافقه الذهبي!

(١) ليس في المخطوط.

٢٠٦

بينهما ، فقالوا : النخرة البالية والناخرة المجوفة التي تمر فيها الريح فتنخر أي تصوت.

(قالُوا) ، يعني المنكرين ، (تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ) ، رجعة خائبة ، يعني إن رددنا بعد الموت لنخسرن بما يصيبنا بعد الموت.

قال الله عزوجل : (فَإِنَّما هِيَ) ، يعني النفخة الأخيرة ، (زَجْرَةٌ) ، صيحة ، (واحِدَةٌ) ، يسمعونها.

(فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) (١٤) ، يعني وجه الأرض أي صاروا على وجه الأرض بعد ما كانوا في جوفها. والعرب تسمي الفلاة ووجه الأرض : ساهرة. قال بعض أهل اللغة : تراهم سموها ساهرة لأن فيها نوم الحيوان وسهرهم. قال سفيان : هي أرض الشام. وقال قتادة : هي جهنم.

(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (١٥) إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (١٦) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (١٧) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (١٨) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (١٩) فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى (٢٠) فَكَذَّبَ وَعَصى (٢١) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى (٢٢) فَحَشَرَ فَنادى (٢٣) فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (٢٤) فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى (٢٥) إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى (٢٦) أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها (٢٧))

قوله عزوجل : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى) (١٥) ، يقول قد جاءك يا محمد حديث موسى.

(إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) (١٦).

فقال يا موسى : (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) (١٧) ، علا وتكبر وكفر بالله.

(فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى) (١٨) ، قرأ أهل الحجاز ويعقوب بتشديد الزاي : أي تتزكى وتتطهر من الشرك ، وقرأ الآخرون بالتخفيف أي تسلم وتصلح ، قال ابن عباس : تشهد أن لا إله إلا الله.

(وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى) (١٩) ، أي أدعوك إلى عبادة ربك وتوحيده فتخشى عقابه.

(فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى) (٢٠) ، وهي العصا واليد البيضاء.

(فَكَذَّبَ) ، بأنّهما من الله ، (وَعَصى).

(ثُمَّ أَدْبَرَ) ، تولى وأعرض عن الإيمان (يَسْعى) ، يعمل بالفساد في الأرض.

(فَحَشَرَ) ، فجمع قومه وجنوده ، (فَنادى) ، لما اجتمعوا.

(فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) (٢٤) ، فلا رب فوقي. وقيل : أراد أن الأصنام أرباب وأنا ربكم وربها.

(فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى) (٢٥) ، قال الحسن وقتادة : عاقبه الله فجعله نكال الآخرة والأولى ، أي في الدنيا بالغرق وفي الآخرة بالنار. وقال مجاهد وجماعة من المفسرين : أراد بالآخرة والأولى كلمتي فرعون قوله : (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) [القصص : ٣٨] وقوله : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) ، وكان بينهما أربعون سنة.

(إِنَّ فِي ذلِكَ) ، الذي فعل بفرعون حين كذب وعصى ، (لَعِبْرَةً) ، لعظة ، (لِمَنْ يَخْشى) ، الله عزوجل.

ثم خاطب منكري البعث فقال : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ) ، يعني أخلقكم بعد الموت أشد عندكم وفي تقديركم أم السماء؟ وهما في قدرة الله واحد ، كقوله : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) [غافر : ٥٧] ، ثم وصف خلق السماء فقال : (بَناها).

٢٠٧

(رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها (٢٩) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (٣٠) أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها (٣١) وَالْجِبالَ أَرْساها (٣٢) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (٣٣) فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى (٣٤) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى (٣٥) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى (٣٦) فَأَمَّا مَنْ طَغى (٣٧) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (٣٨) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (٣٩) وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (٤١) يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (٤٢) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (٤٣) إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (٤٤))

(رَفَعَ سَمْكَها) ، سقفها (فَسَوَّاها) ، بلا شقوق (١) ولا فطور.

(وَأَغْطَشَ) ، أظلم ، (لَيْلَها) ، والغطش والغبش الظلمة ، (وَأَخْرَجَ ضُحاها) ، أبرز وأظهر نهارها ونورها ، وأضافهما إلى السماء لأن الظلمة والنور كلاهما ينزل من السماء.

(وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ) ، بعد خلق السماء ، (دَحاها) ، بسطها ، والدحو : البسط. قال ابن عباس : خلق الله الأرض بأقواتها من غير أن يدحوها قبل السماء ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات ، ثم دحا الأرض بعد ذلك. وقيل : معناه إذ الأرض مع ذلك دحاها ، كقوله عزوجل : (عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ) (١٣) [القلم : ١٣] أي مع ذلك.

(أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها (٣١) وَالْجِبالَ أَرْساها (٣٢) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (٣٣) فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى) (٣٤) يعني النفخة الثانية التي فيها البعث وقامت القيامة ، وسميت القيامة طامة لأنها تطم على كل هائلة من الأمور فتعلو فوقها وتغمر ما سواها والطامة عند العرب الداهية التي لا تستطاع.

(يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى) (٣٥) ، ما عمل في الدنيا من خير وشر.

(وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى) (٣٦) ، قال مقاتل يكشف عنها الغطاء فينظر إليها الخلق.

(فَأَمَّا مَنْ طَغى) (٣٧) ، في كفره.

(وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا) (٣٨) ، على الآخرة.

(فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (٣٩) وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى) (٤٠) ، عن المحارم التي تشتهيها ، قال مقاتل : هو الرجل يهم بالمعصية فيذكر مقامه للحساب فيتركها.

(فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (٤١) يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها) (٤٢) ، متى ظهورها وثبوتها.

(فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها) (٤٣) ، لست في شيء من علمها وذكرها ، أي لا تعلمها.

(إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها) (٤٤) ، أي منتهى علمها عند الله.

(إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (٤٥) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها (٤٦))

(إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) (٤٥) ، قرأ أبو جعفر منذر بالتنوين أي أنت مخوف من يخاف قيامها ، أي إنما ينفع إنذارك من يخافها.

(كَأَنَّهُمْ) ، يعني كفار قريش ، (يَوْمَ يَرَوْنَها) ، يعاينون يوم القيامة ، (لَمْ يَلْبَثُوا) ، في الدنيا ، وقيل : في قبورهم ، (إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها) ، قال الفراء : ليس للعشية ضحى إنما الضحى اسم لصدر النهار ،

__________________

(١) في المخطوط «سطور».

٢٠٨

ولكن هذا ظاهر من كلام العرب أن يقولوا : آتيك العشية أو غداتها ، إنما معناه آخر يوم أو أوله ، نظيره قوله ؛ (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ) [الأحقاف : ٣٥].

سورة عبس

مكية [وهي اثنتان وأربعون آية](١)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (٢) وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣))

(عَبَسَ) ، كلح ، (وَتَوَلَّى) ، أعرض بوجهه.

(أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى) (٢) ، [أي لأن جاءه الأعمى](٢) وهو ابن أم مكتوم واسمه عبد الله بن شريح بن مالك بن ربيعة الفهري من بني عامر بني لؤي.

[٢٣٠٩] وذلك أنه أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام ، والعباس بن

__________________

[٢٣٠٩] ـ أصله محفوظ. أخرجه الطبري ٣٦٣١٩ من حديث ابن عباس بنحوه ، وإسناده واه ، عطية العوفي واه ، وعنه مجاهيل.

ـ ابن كثير في «تفسيره» ٤ / ٥٥٦ بقوله : وفيه غرابة ونكارة.

ـ لكن أصل الحديث قوي له شواهد ، ولعجزه شواهد أيضا.

ـ وله شواهد كثيرة ، وأحسن شيء في هذا الباب ما أخرجه الترمذي ٣٣٣١ وابن حبان ٥٣٥ والحاكم ٢ / ٥١٤ والطبري ٣٦٣١٨ والواحدي ٨٤٥ من حديث عائشة قالت :

«أنزل (عَبَسَ وَتَوَلَّى) في ابن أم مكتوم الأعمى ، أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجعل يقول : يا رسول الله أرشدني ، وعند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رجل من عظماء المشركين ، فجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعرض عنه ، ويقبل على الآخر ويقول : أترى بما تقول بأسا ، فيقال : لا. ففي هذا أنزل».

ـ وإسناده صحيح على شرط مسلم ، وصححه الحاكم على شرطهما ، لكن قال : وأرسله جماعة عن هشام بن عروة عن عروة ليس فيه ذكر عائشة.

ـ قلت : والمرسل ، أخرجه مالك ١ / ٢٠٣ ، ومراسيل عروة جياد.

ـ وله شاهد من مرسل قتادة ، وأخرجه الطبري ٣٦٣٢٢.

ـ وله شاهد من مرسل الضحاك ، وأخرجه الطبري ٣٦٣٢٥.

ـ وله شاهد من مرسل عبد الرحمن بن زيد ، أخرجه الطبري ٣٦٣٢٦.

ـ وله شاهد من مرسل مجاهد ، أخرجه الطبري ٣٦٣٢٩.

ـ وله شاهد من مرسل مجاهد والحسن ، أخرجه الطبري ٣٦٣٢٢.

ـ وعجزه «فاستخلفه ....» دون أثر أنس ، أخرجه الطبري ٣٦٣٢٢ من مرسل قتادة.

ـ وقول أنس ، أخرجه الطبري ٣٣٦٢٤ عن قتادة عن أنس ، وإسناده حسن.

ـ الخلاصة : رووه بألفاظ متقاربة ، والمعنى متحد ، وأن الآيات نزلن في شأن ابن أم مكتوم.

(١) زيد في المطبوع.

(٢) زيادة عن «ط».

٢٠٩

عبد المطلب وأبي بن خلف ، وأخاه أمية يدعوهم إلى الله ، يرجو إسلامهم ، فقال ابن أم مكتوم : يا رسول الله أقرئني وعلمني مما علمك الله ، فجعل يناديه ويكرر النداء ولا يدري أنه مقبل على غيره حتى ظهرت الكراهية في وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لقطعه كلامه ، وقال في نفسه : يقول هؤلاء الصناديد إنما أتباعه العميان والعبيد والسفلة ، فعبس وجهه وأعرض عنه. وأقبل على القوم الذين يكلمهم فأنزل الله هذه الآيات ، فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد ذلك يكرمه (١) ، وإذا رآه قال : مرحبا بمن عاتبني فيه ربي ، ويقول له هل لك من حاجة واستخلفه على المدينة مرتين في غزوتين غزاهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال أنس بن مالك : فرأيته يوم القادسية عليه درع ومعه راية سوداء.

(وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) (٣) ، يتطهر من الذنوب بالعمل الصالح وما يتعلمه منك ، وقال ابن زيد : يسلم.

(أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (٤) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (٥) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦) وَما عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى (٧) وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى (٨) وَهُوَ يَخْشى (٩) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (١٠) كَلاَّ إِنَّها تَذْكِرَةٌ (١١) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥))

(أَوْ يَذَّكَّرُ) ، يتعظ ، (فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى) ، الموعظة قرأ عاصم (فتنفعه) بنصب العين على جواب لعل بالفاء وقراءة العامة بالرفع نسقا على قوله : (يَذَّكَّرُ).

(أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى) (٥) ، قال ابن عباس عن الله وعن الإيمان بما له من المال.

(فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى) (٦) ، تتعرض له وتقبل عليه وتصغي إلى كلامه ، قرأ أهل الحجاز (تَصَدَّى) بتشديد الصاد ، على الإدغام أي تتصدى ، وقرأ الآخرون بتخفيف الصاد على الحذف.

(وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى) (٧) ، أن لا يؤمن ولا يهتدي ، إن عليك إلا البلاغ.

(وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى) (٨) ، يمشي يعني ابن أم مكتوم.

(وَهُوَ يَخْشى) (٩) ، الله عزوجل.

(فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) (١٠) ، تتشاغل وتعرض عنه.

(كَلَّا) ، زجر أي لا تفعل بعدها مثلها ، (إِنَّها) ، يعني هذه الموعظة. وقال مقاتل : آيات القرآن. (تَذْكِرَةٌ) ، موعظة وتذكير للخلق.

(فَمَنْ شاءَ) ، من عباد الله (ذَكَرَهُ) ، أي اتعظ به. وقال مقاتل : فمن شاء الله ذكره وفهمه واتعظ بمشيئته وتفهيمه ، والهاء في (ذَكَرَهُ) راجعة إلى القرآن والتنزيل والوعظ. ثم أخبر عن جلالته عنده فقال :

(فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ) (١٣) ، يعني اللوح المحفوظ. وقيل : كتب الأنبياء ، دليله قوله تعالى : (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٨) صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) (١٩) [الأعلى : ١٨ و ١٩].

__________________

ـ فالحديث حسن أو صحيح بمجموع طرقه وشواهده.

ـ وانظر «الكشاف» ١٢٦٨ و «أحكام القرآن» ٢٢٦٣ بتخريجي ، والله الموفق.

(١) تصحف في المطبوع «يكرهه».

٢١٠

(مَرْفُوعَةٍ) ، رفيعة القدر عند الله عزوجل. وقيل : مرفوعة يعني في السماء السابعة. (مُطَهَّرَةٍ) ، لا يمسها إلا المطهرون ، وهم الملائكة.

(بِأَيْدِي سَفَرَةٍ) (١٥) ، قال ابن عباس ومجاهد : كتبة ، وهم الملائكة الكرام الكاتبون ، واحدهم سافر ، يقال : سفرت أي كتبت. ومنه قيل للكتاب (١) : سفر وجمعه أسفار. وقال الآخرون : هم الرسل من الملائكة واحدهم سفير ، وهو الرسول ، وسفير القوم الذي يسعى بينهم بالصلح ، وسفرت بين القوم إذا أصلحت بينهم.

(كِرامٍ بَرَرَةٍ (١٦) قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ (١٧) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (١٨) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (١٩) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (٢٠) ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ (٢١) ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (٢٢) كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ (٢٣) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ (٢٤) أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا (٢٥))

ثم أثنى عليهم فقال : (كِرامٍ بَرَرَةٍ) (١٦) ، أي كرام على الله بررة مطيعين جمع بار.

قوله عزوجل : (قُتِلَ الْإِنْسانُ) ، أي لعن الكافر.

قال مقاتل : نزلت في عتبة بن أبي لهب (ما أَكْفَرَهُ) ، ما أشد كفره مع كثرة إحسانه إليه وأياديه عنده ، على طريق التعجب ، قال الزجاج : معناه اعجبوا أنتم من كفره. قال الكلبي ومقاتل : هو (ما) الاستفهام ، يعني أي شيء حمله على الكفر؟ ثم بين من أمره ما كان ينبغي معه أن يعلم أن الله خالقه.

فقال : (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) (١٨) ، لفظه استفهام ومعناه التقرير.

ثم فسره فقال : (مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) (١٩) ، أطوارا : نطفة ثم علقة إلى آخر خلقه. قال الكلبي : قدر خلقه رأسه وعينيه ويديه ورجليه.

(ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) (٢٠) ، أي طريق خروجه من بطن أمه. قاله السدي ومقاتل ، وقال الحسن ومجاهد : يعني طريق الحق والباطل سهل له العلم به ، كما قال : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ) [الإنسان : ٣] (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) (١٠) [البلد : ١٠] ، وقيل : يسر على كل أحد ما خلقه له وقدره عليه.

(ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ) (٢١) ، جعل له قبرا يوارى فيه. قال الفراء : جعله مقبورا ولم يجعله ممن يلقى كالسباع والطيور. يقال قبرت الميت إذا دفنته ، وأقبره الله أي صيره بحيث يقبر ، وجعله ذا قبر ، كما يقال : طردت فلانا والله أطرده أي صيره طريدا.

(ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ) (٢٢) ، أحياه بعد موته.

(كَلَّا) ، رد عليه أي ليس كما يقول ويظن هذا الكافر وقال الحسن : حقا. (لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ) ، أي لم يفعل ما أمره به ربه ولم يؤد ما فرض عليه ، ولما ذكر خلق ابن آدم ذكر رزقه ليعتبر.

فقال : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ) (٢٤) ، كيف قدره ربه [ودبر له](٢) وجعله سببا لحياته. وقال مجاهد : إلى مدخله ومخرجه.

ثم بين فقال : (أَنَّا) قرأ أهل الكوفة (أَنَّا) بالفتح على تكرير الخافض ، مجازه فلينظر إلى أنا ، وقرأ الآخرون بالكسر على الاستئناف. (صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا) ، يعني المطر.

__________________

(١) في المخطوط «للكاتب».

(٢) زيد في المطبوع وط.

٢١١

(ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (٢٦) فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا (٢٧) وَعِنَباً وَقَضْباً (٢٨) وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً (٢٩) وَحَدائِقَ غُلْباً (٣٠) وَفاكِهَةً وَأَبًّا (٣١) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (٣٢) فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ (٣٣) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (٣٧) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨) ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (٣٩) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (٤٠) تَرْهَقُها قَتَرَةٌ (٤١) أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (٤٢))

(ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا) (٢٦) ، بالنبات.

(فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا) (٢٧) ، يعني الحبوب التي يتغذى بها.

(وَعِنَباً وَقَضْباً) (٢٨) ، وهو القت الرطب ، سمي بذلك لأنه يقضب في كل الأيام أي يقطع. وقال الحسن : القضب العلف للدواب.

(وَزَيْتُوناً) ، وهو ما يعصر منه الزيت ، (وَنَخْلاً) ، جمع نخلة.

(وَحَدائِقَ غُلْباً) (٣٠) ، غلاظ ، الأشجار واحدها أغلب ، ومنه قيل : لغليظ الرقبة أغلب. وقال مجاهد ومقاتل : الغلب الشجر الملتفة بعضها في بعض ، قال ابن عباس : طوالا.

(وَفاكِهَةً) ، يريد ألوان الفواكه ، (وَأَبًّا) ، يعني الكلأ والمرعى الذي لم يزرعه الناس ، مما يأكله الأنعام والدواب. قال عكرمة : الفاكهة ما يأكل الناس ، والأب ما يأكله الدواب.

ومثله عن قتادة قال : الفاكهة لكم والأب لأنعامكم.

وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : ما أنبتت الأرض مما يأكل الناس والأنعام.

وروي عن إبراهيم التيمي أن أبا بكر سئل عن قوله : (وَفاكِهَةً وَأَبًّا) (٣١) ، فقال : أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم.

وروى ابن شهاب عن أنس أنه سمع عمر بن الخطاب قرأ هذه الآية ثم قال : كل هذا قد عرفنا فما الأب؟ ثم رفع عصا كانت بيده وقال : هذا لعمر الله التكلف ، وما عليك يا ابن أم عمر أن لا تدري ما الأب ، ثم قال : اتبعوا ما تبين لكم من هذا الكتاب ، وما لا فدعوه.

(مَتاعاً لَكُمْ) ، منفعة لكم يعني الفاكهة ، (وَلِأَنْعامِكُمْ) ، يعني العشب.

ثم ذكر القيامة فقال : (فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ) (٣٣) ، يعني صيحة القيامة سميت بذلك لأنها تصخ الأسماع ، أي تبالغ في أسماعها حتى تكاد تصمها.

(يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) (٣٦) ، لا يلتفت إلى أحد منهم لشغله بنفسه ، حكي عن قتادة قال في هذه الآية : (يفر المرء من أخيه) ، قال : يفر هابيل من قابيل ، ويفر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أمه ، وإبراهيم عليه‌السلام من أبيه ، ولوط عليه‌السلام من صاحبته ونوح عليه‌السلام من ابنه.

(لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) (٣٧) ، يشغله عن شأن غيره.

[٢٣١٠] أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أخبرني الحسين بن

__________________

[٢٣١٠] ـ إسناده ضعيف ، محمد بن أبي عياش مجهول ، وثقه ابن حبان وحده.

ـ ابن أبي أويس هو إسماعيل بن عبد الله بن عبد الله.

ـ وأخرجه الحاكم ٢ / ٥١٤ ـ ٥١٥ والطبراني في «الكبير» ٢٤ / (٩١) والواحدي في «الوسيط» ٤ / ٤٢٥ من طريق إسماعيل بن أبي أويس بهذا الإسناد.

٢١٢

محمد بن عبد الله أنا عبد الله بن عبد الرحمن ثنا محمد بن عبد العزيز ثنا ابن أبي أويس ثنا أبي عن محمد بن أبي عياش عن عطاء بن يسار عن سودة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يبعث الناس حفاة عراة غرلا ، قد ألجمهم العرق وبلغ شحوم الآذان ، فقلت : يا رسول الله وا سوأتاه ينظر بعضنا إلى بعض؟ فقال : قد شغل الناس لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه».

(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ) (٣٨) ، مشرقة مضيئة.

(ضاحِكَةٌ) ، بالسرور (مُسْتَبْشِرَةٌ) ، فرحة بما نالت من كرامة الله عزوجل.

(وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ) (٤٠) ، سواد وكآبة مما يشاهدونه من الغم والهم.

(تَرْهَقُها قَتَرَةٌ) (٤١) ، تعلوها وتغشاها ظلمة وكسوف. قال ابن عباس : تغشاها ذلة. قال ابن زيد : الفرق بين الغبرة القترة أن القترة ما ارتفع من الغبار فلحق بالسماء ، والغبرة ما كان أسفل في الأرض.

(أُولئِكَ) ، الذين يصنع بهم هذا ، (هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) ، جمع الكافر والفاجر.

سورة التكوير

مكية [وهي تسع وعشرون آية](١)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (٢) وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ (٤) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (٥) وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ (٦))

__________________

ـ وصححه الحاكم على شرط مسلم! ووافقه الذهبي!

ـ وقال الهيثمي في «المجمع» ١٠ / ٣٣٣ : ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن أبي عياش ، وهو ثقة! كذا قال رحمه‌الله ، والصواب أنه مجهول ، وثقه ابن حبان وحده على قاعدته في توثيق المجاهيل ، وقد اضطرب فرواه تارة أخرى عن أم سلمة به.

ـ أخرجه الطبراني في «الأوسط» ١٠ / ٣٣٢ / ١٨٣٢٠.

ـ وأخرجه الواحدي في «الوسيط» ٤ / ٤٢٥ من طريق بريد بن عبد ربه عن بقية عن الزبيدي عن الزهري عن عروة عن عائشة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يبعث الناس يوم حفاة عراة غرلا فقالت عائشة : يا رسول الله فكيف بالعورات؟ فقال : لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه» ، وليس فيه لفظ «وا سوأتاه» ولا إلجام العرق. فاللفظة الأولى منكرة تفرد بها ، وأما ذكر العرق ، فهو مدرج في هذا الحديث ، وإنما صح في روايات أخر بغير هذا السياق.

ـ وورد من حديث عائشة دون ذكر اللفظتين ، أخرجه النسائي في «التفسير» ٦٦٨ والحاكم ٤ / ٥٦٤ وإسناده صحيح ، وصححه الحاكم على شرط مسلم ووافقه الذهبي.

(١) زيد في المطبوع.

٢١٣

[٢٣١١] أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ثنا أبو الحسن علي بن محمد بن سهل الماسرجسي (١) إملاء أنا أبو الوفاء المؤمل بن الحسن بن عيسى الماسرجسي ثنا أحمد بن منصور الرمادي ثنا إبراهيم بن خالد ثنا عبد الله بن بحير القاضي قال سمعت عبد الرحمن بن يزيد (٢) الصنعاني قال سمعت ابن عمر يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أحب أن ينظر في أحوال القيامة فليقرأ : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) (١)».

قوله عزوجل : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) (١) ، قال علي بن أبي طلحة [عن ابن عباس](٣) : أظلمت ، وقال قتادة ومقاتل والكلبي : ذهب ضوؤها. وقال سعيد بن جبير : غوّرت. وقال مجاهد : اضمحلت. وقال الزجاج : لفت كما تلف العمامة ، يقال كورت العمامة على رأسي أكورها كورا وكورتها تكويرا إذا لففتها ، وأصل التكوير جمع بعض الشيء إلى بعض ، فمعناه أن الشمس يجمع بعضها إلى بعض ثم تلف ، فإذا فعل بها ذلك ذهب ضوؤها. قال ابن عباس : يكور الله الشمس والقمر والنجوم يوم القيامة في البحر ، ثم يبعث عليها ريحا دبورا فتضربها فتصير نارا.

[٢٣١٢] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا

__________________

ـ وله شاهد من حديث ابن عباس ، أخرجه النسائي ٦٦٧ والترمذي ٣٣٣٢ وإسناده حسن.

ـ وأصل حديث عائشة عند البخاري ٦٥٢٧ ومسلم ٢٨٥٩ دون ذكر الآية واللفظتين.

ـ الخلاصة : لفظ المصنف بعضه صحيح ، وبعضه منكر ، وهو ذكر «وا سوأتاه» وبعضه صحيح لكن في روايات أخر ، وذكر الآية قوي بطرقه.

[٢٣١١] ـ إسناده غير قوي. عبد الله بن بحير مختلف فيه ، وثقه ابن معين ، وفرق ابن حبان بين عبد الله بن بحير بن ريسان ، وبين أبي وائل القاص ، في حين عدهما ابن حجر والذهبي واحدا ، وشيخه وإن روى عنه غير واحد ، فقد وثقه ابن حبان وحده ، وروى حديثين فقط.

ـ وأخرجه الواحدي في «الوسيط» ٤ / ٤٢٧ من طريق علي بن محمد الفقيه عن المؤمل بن الحسن بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الترمذي ٣٣٣٣ وأحمد ٢ / ٣٧ وابن حبان في «المجروحين» ٢ / ٢٥ من طريق عبد الرزاق والحاكم ٢ / ٥١٥ من طريق هشام بن يوسف الصنعاني كلاهما عن عبد الله بن بحير به.

ـ وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب.

ـ وصححه الألباني في «الصحيحة» ١٠٨١ ، وفي ذلك نظر ، قال ابن حبان.

ـ أبو وائل القاص ، اسمه عبد الله بن بحير الصنعاني ، وليس هو ابن بحير بن ريسان ، ذاك ثقة ، وهذا يروي عن عروة ابن محمد بن عطية وعبد الرحمن بن يزيد العجائب التي كأنها معمولة ، لا يجوز الاحتجاج به ، ثم أسند هذا الحديث ، وحديثا آخر.

ـ وكذا فرق بينهما أبو أحمد الحاكم ، فقال في الكنى في فصل من عرف بكنيته ، ولا يوقف على اسمه ، قلت : وذكره البخاري في «التاريخ» ٨ / ٩ في الكنى ، فقال : أبو وائل القاص الصنعاني ، سمع عروة بن محمد ، روى عنه إبراهيم بن خالد. ولم يذكر البخاري فيه جرحا أو تعديلا.

ـ وذكر الهيثمي في «المجمع» ٧ / ١٣٤ أن الترمذي رواه موقوفا ، وهذا لم أجده في المرفوع ، ولعل الوقف صواب ، فإن في المتن غرابة ، لكن لا أجزم بذلك لأنه إن كان كما قال ابن حبان فهو خبر واه ، وإلا فحسن غريب ، فالله أعلم.

ـ والجزم بصحته من الألباني ، من غير بحث وتمحيص في الإسناد غير جيد ، والله أعلم.

[٢٣١٢] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري.

(١) في المخطوط (ب) «الماسر في».

(٢) تصحف في المطبوع «زيد».

(٣) سقط من المخطوط.

٢١٤

محمد بن إسماعيل ثنا مسدد ثنا عبد العزيز بن المختار ثنا عبد الله الدّاناج حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «الشمس والقمر مكوّران (١) يوم القيامة».

(وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) (٢) ، أي تناثرت من السماء وتساقطت على الأرض ، يقال : انكدر الطائر إذا سقط عن عشه ، قال الكلبي وعطاء : تمطر السماء يومئذ نجوما فلا يبقى نجم إلا وقع.

(وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ) (٣) ، على وجه الأرض فصارت هباء منبثا.

(وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ) (٤) ، وهي النوق الحوامل التي أتى على حملها عشرة أشهر ، واحدتها عشراء ، ثم لا يزال ذلك اسمها حتى تضع لتمام سنة ، وهي أنفس مال عند العرب ، عطّلت تركت هملا بلا راع أهملها أهلها ، وكانوا لازمين لأذنابها ، ولم يكن لهم مال أعجب إليهم منها لما جاءهم من أهوال يوم القيامة.

(وَإِذَا الْوُحُوشُ) ، يعني دواب البر ، (حُشِرَتْ) ، جمعت بعد البعث ليقتص لبعضها من بعض. وروى عكرمة عن ابن عباس قال : حشرها موتها. وقال : حشر كل شيء الموت غير الجن والإنس ، فإنهما يوقفان يوم القيامة. وقال أبي بن كعب : اختلطت.

(وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) (٦) ، قرأ أهل مكة والبصرة بالتخفيف ، وقرأ الباقون بالتشديد ، قال ابن عباس : أوقدت فصارت نارا تضطرم. وقال مجاهد ومقاتل : يعني فجر بعضها في بعض العذب والملح ، فصارت البحور كلها بحرا واحدا. وقال الكلبي : ملئت ، وهذا أيضا معنى قوله : (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) (٦) [الطور : ٦] ، والمسجور : المملوء ، وقيل : صارت مياهها بحرا واحدا من الحميم لأهل النار. وقال الحسن : يبست وهو قول قتادة قال ذهب ماؤها فلم يبق فيها قطرة.

وروى أبو العالية عن أبي بن كعب ، قال : ست آيات قبل يوم القيامة : بينما الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس [فبينما هم كذلك إذ تناثرت النجوم](٢) فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض فتحركت واضطربت ، وفزعت الجن إلى الإنس والإنس إلى الجن ، واختلطت الدواب والطير الوحش والسباع ، وماج بعضهم في بعض ، فذلك قوله : (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) (٥) ، واختلطت ، (وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ (٤) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (٥) وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) (٦) ، قال : قالت الجن للإنس نحن نأتيكم بالخير فانطلقوا إلى البحر فإذا هو نار تأجج ، قال : فبينما هم كذلك إذ تصدعت الأرض صدعة واحدة إلى الأرض السابعة السفلى ، وإلى السماء السابعة العليا ، فبينما هم كذلك إذ جاءتهم الريح فأماتتهم. وعن ابن عباس أيضا قال : هي اثنتا عشرة خصلة ستة في الدنيا وستة في الآخرة.

(وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (٧) وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (٩) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (١٠) وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ

__________________

ـ وهو في «شرح السنة» ٤٢٠٢ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٣٢٠٠ عن مسدد بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الطحاوي في «المشكل» ١٨٣ من طريق معلى بن أسد عن عبد العزيز بن المختار به بلفظ «الشمس والقمر ثوران مكوران يوم القيامة».

(١) في المطبوع «يكوران».

(٢) سقط من المخطوط.

٢١٥

(١١) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (١٢) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (١٣))

وهي [ما ذكر من بعد قوله](١) عزوجل : (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ) (٧).

روى النعمان بن بشير عن عمر بن الخطاب أنه سئل عن هذه الآية فقال : يقرن بين الرجل الصالح مع الرجل الصالح في الجنة ، ويقرن بين الرجل السوء مع الرجل السوء في النار ، وهذا معنى قول عكرمة ، وقال الحسن وقتادة : ألحق كل امرئ بشيعته ، اليهودي باليهودي والنصراني بالنصراني ، قال الربيع بن خيثم : يحشر الرجل مع صاحب عمله. وقيل : زوجت النفوس بأعمالها. وقال عطاء ومقاتل : زوجت نفوس المؤمنين بالحور العين ، وقرنت نفوس الكافرين بالشياطين. وروي عن عكرمة قال : وإذا النفوس زوجت ردت الأرواح في الأجساد.

(وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ) (٨) ، وهي الجارية المدفونة حية سميت بذلك لما يطرح عليها من التراب فيؤدها ، أي يثقلها حتى تموت وكانت العرب تدفن البنات حية مخافة العار والحاجة ، يقال : وأد يئد وأدا ، فهو وائد والمفعول موءود ، روى عكرمة عن ابن عباس : كانت المرأة في الجاهلية إذا حملت وكان أوان ولادتها حفرت حفرة فتمخضت على رأس الحفرة فإن ولدت جارية رمت بها في الحفرة ، وإن ولدت غلاما حبسته (٢).

(بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) (٩) ، قرأ العامة على الفعل المجهول فيهما ، وأبو جعفر يقرأ : (قُتِلَتْ) بالتشديد ، ومعناه تسأل الموؤدة ، فيقال لها (بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) (٩) ، ومعنى سؤالها توبيخ قاتلها لأنها تقول : قتلت بغير ذنب. وروي أن جابر بن زيد كان يقرأ : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) (٩) ، ومثله قرأ أبو الضحى.

(وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ) (١٠) ، قرأ أهل المدينة والشام وعاصم ويعقوب (نُشِرَتْ) بالتخفيف ، وقرأ الآخرون بالتشديد ، كقوله : (يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً) [المدثر : ٥٢] ، يعني صحائف الأعمال تنتشر للحساب.

(وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ) (١١) ، قال الفراء : نزعت فطويت. وقال الزجاج : قلعت كما يقلع السقف.

وقال مقاتل : تكشف عمن فيها. ومعنى الكشط رفعك شيئا عن شيء قد غطاه كما يكشط الجلد عن السنام.

(وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ) (١٢) ، قرأ أهل المدينة والشام وحفص عن عاصم (سُعِّرَتْ) بالتشديد ، وقرأ الباقون بالتخفيف أي أوقدت لأعداء الله.

(وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ) (١٣) ، قربت لأولياء الله.

(عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ (١٤) فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (١٥) الْجَوارِ الْكُنَّسِ (١٦) وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ (١٧) وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ (١٨) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠) مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (٢١) وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (٢٢))

(عَلِمَتْ) ، عند ذلك كل (نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ) ، من خير أو شر ، وهذا جواب لقوله : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) (١) وما بعدها.

قوله عزوجل : (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (١٥) الْجَوارِ الْكُنَّسِ) (١٦) ، ولا زائدة معناه : أقسم بالخنس ، قال

__________________

(١) في المطبوع «ما ذكره بقوله».

(٢) في المخطوط «جبذته».

٢١٦

قتادة : هي النجوم تبدو بالليل تخنس بالنهار ، فتخفى فلا ترى. وعن علي أيضا : أنها الكواكب تخنس بالنهار فلا ترى ، وتكنس بالليل فتأوي إلى مجاريها. وقال قوم : هي النجوم الخمسة زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد ، تخنس في مجراها أي ترجع وراءها وتكنس تستتر وقت اختفائها وغروبها ، كما تكنس الظباء في مغارها. وقال ابن زيد : معنى الخنس أنها تخنس أي تتأخر عن مطالعها في كل عام تأخرا تتأخره عن تعجيل ذلك الطلوع ، تخنس عنه بتأخرها. والكنس أي تكنس بالنهار فلا ترى.

وروى الأعمش عن إبراهيم عن عبد الله أنها هي الوحش ، وقال سعيد بن جبير : هي الظباء. وهي رواية العوفي عن ابن عباس. وأصل الخنوس : الرجوع إلى وراء ، والكنوس أن تأوى إلى مكانسها ، وهي المواضع التي تأوي إليها الوحوش.

(وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ) (١٧) ، قال الحسن : أقبل بظلامه. وقال الآخرون أدبر. تقول العرب : عسعس الليل وسعسع إذا أدبر ولم يبق منه إلا اليسير.

(وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ) (١٨) ، أقبل وبدا أوله وقيل امتد ضوؤه وارتفع.

(إِنَّهُ) ، يعني القرآن ، (لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) ، يعني جبريل أي نزل به جبريل عن الله تعالى.

(ذِي قُوَّةٍ) ، وكان من قوته أنه اقتلع قويات قوم لوط من الماء الأسود وحملها على جناحه فرفعها إلى السماء ثم قلبها ، وأنه أبصر إبليس يكلم عيسى على بعض عقاب الأرض المقدسة فنفخه بجناحه نفخة ألقاه إلى أقصى جبل بالهند ، وأنه صاح صيحة بثمود فأصبحوا جاثمين ، وأنه يهبط من السماء إلى الأرض ويصعد في أسرع من الطرف ، (عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ) ، في المنزلة.

(مُطاعٍ ثَمَ) ، أي في السموات تطيعه الملائكة ومن طاعة الملائكة إياه أنهم فتحوا أبواب السموات ليلة المعراج ، بقوله لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفتح خزنة الجنة أبوابها بقوله ، (أَمِينٍ) ، على وحي الله ورسالته إلى أنبيائه.

(وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ) (٢٢) ، يقول لأهل مكة وما صاحبكم يعني محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمجنون. وهذا أيضا من جواب القسم أقسم على أن القرآن نزل به جبريل ، وأن محمدا ليس كما يقوله أهل مكة ، وذلك أنهم قالوا إنه مجنون ، وما يقول يقوله من عند نفسه.

(وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (٢٣) وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (٢٤) وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (٢٥) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (٢٦) إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٢٧) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٩))

(وَلَقَدْ رَآهُ) ، يعني رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جبريل عليه‌السلام على صورته ، (بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ) ، وهو الأفق الأعلى من ناحية المشرق ، قاله مجاهد وقتادة.

[٢٣١٣] أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أخبرني ابن فنجويه ثنا

__________________

[٢٣١٣] ـ ضعيف جدا. إسناده ساقط ، وعلته إسحاق بن بشر ، كذبه ابن أبي شيبة وهارون بن موسى وأبو زرعة ، وقال الفلاس وغيره : متروك ، وقال الدارقطني : هو في عداد من يضع الحديث. قال الذهبي في «الميزان» ١ / ١٨٦.

ـ وله شاهد من مرسل الزهري :

ـ وأخرجه ابن المبارك في «الزهد» ٢٢١ عن الليث بن سعد عن عقيل عن ابن شهاب مرسلا ، وهذا واه ، مراسيل الزهري واهية ، لأنه حافظ ثبت لا يرسل إلا لعلة ، فالخبر واه بمرة ، شبه موضوع.

٢١٧

مخلد (١) بن جعفر ثنا الحسن بن علوية ثنا إسماعيل بن عيسى ثنا إسحاق بن بشر أنا ابن جريج عن عكرمة بن خالد ومقاتل عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لجبريل : «إني أحب أن أراك في صورتك التي تكون فيها في السماء» ، قال لن تقوى على ذلك ، قال : بلى ، قال : فأين تشاء أن أتخيل لك؟ قال : بالأبطح ، قال : لا يسعني ، قال : فههنا ، قال : لا يسعني ، قال : فبعرفات ، قال : ذلك بالحري أن يسعني فواعده ، فخرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الوقت فإذا هو بجبريل قد أقبل من جبال عرفات بخشخشة وكلكلة ، قد ملأ ما بين المشرق والمغرب ، ورأسه في السماء ورجلاه في الأرض ، فلما رآه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كبّر وخرّ مغشيا عليه. قال : فتحول جبريل في صورته فضمه إلى صدره ، وقال : يا محمد لا تخف فكيف لك لو رأيت إسرافيل ورأسه من تحت العرش ورجلاه في تخوم الأرض السابعة ، وإن العرش لعلى كاهله ، وإنه ليتضاءل أحيانا من مخافة الله عزوجل حتى يصير مثل الوصع (٢) يعني العصفور ، حتى ما يحمل عرش ربك إلا عظمته.

(وَما هُوَ) ، يعني محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، (عَلَى الْغَيْبِ) ، أي الوحي ، وخبر السماء وما أطلع عليه مما كان غائبا عنه من الأنباء والقصص ، (بِضَنِينٍ) ، قرأ أهل مكة والبصرة والكسائي بالظاء أي بمتهم ، يقال : فلان يظن بمال ويزن أن يتهم به والظنة التهمة ، وقرأ الآخرون بالضاد أي يبخل يقول إنه يأتيه علم الغيب فلا يبخل به عليكم بل يعلمكم ويخبركم به ، ولا يكتمه كما يكتم الكاهن ما عنده حتى يأخذ عليه حلوانا ، تقول العرب : ضننت بالشيء بكسر النون أضن به ضنا وضنانة فأنا به ضنين أي بخيل.

(وَما هُوَ) ، يعني القرآن ، (وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ) (٢٥) ، قال الكلبي : يقول إن القرآن ليس بشعر ولا كهانة كما قالت قريش.

(فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) (٢٦) ، أي أين تعدلون عن هذا القرآن ، وفيه الشفاء والبيان قال الزجاج : أي طريق تسلكون أبين من هذه الطريقة التي قد بينت لكم.

ثم بين فقال : (إِنْ هُوَ) ، أي ما القرآن ، (إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) ، موعظة للخلق أجمعين.

(لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) (٢٨) ، أي يتبع الحق ويقيم عليه.

(وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (٢٩) ، أي أعلمهم أن المشيئة في التوفيق إليه وأنهم لا يقدرون على ذلك إلا بمشيئة الله وفيه إعلام أن أحدا لا يعمل خيرا إلا بتوفيق الله ولا شرا إلا بخذلانه.

سورة الانفطار

مكية [وهي تسع عشرة آية](٣)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ (١) وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ (٢) وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (٤) عَلِمَتْ نَفْسٌ ما

__________________

(١) تصحف في المطبوع «محمد».

(٢) تصحف في المطبوع «الصعو».

(٣) زيد في المطبوع.

٢١٨

قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (٥) يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦))

(إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) (١) ، انشقت.

(وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ) (٢) ، تساقطت.

(وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ) (٣) ، فجر بعضها في بعض واختلط العذب بالملح فصارت بحرا واحدا. وقال الربيع : فجرت فاضت.

(وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ) (٤) ، بحثت وقلب ترابها وبعث من فيها من الموتى أحياء ، يقال : بعثرت الحوض وبحثرته إذا قلبته فجعلت أسفله أعلاه.

(عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) (٥) ، قيل : ما قدمت من عمل صالح أو سيئ ، وما أخرت من سنة حسنة أو سيئة. وقيل : ما قدمت من الصدقات وأخرت من التركات ، على ما ذكرنا في قوله : (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ) (١٣) [القيامة : ١٣].

(يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) (٦) ، ما خدعك وسوّل لك الباطل حتى أضعت ما وجب عليك ، والمعنى : ما ذا أمنك من عقابه؟ قال عطاء : نزلت في الوليد بن المغيرة.

وقال الكلبي ومقاتل : نزلت في الأسود بن الشريق ضرب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم يعاقبه الله عزوجل ، فأنزل الله هذه الآية يقول : ما الذي غرك بربك الكريم المتجاوز عنك إذ لم يعاقبك عاجلا بكفرك (١).

قال قتادة : غره عدوه المسلط عليه يعني الشيطان. قال مقاتل : غره عفو الله حين لم يعاقبه في أول أمره. وقال السدي : غره رفق الله به.

وقال ابن مسعود : ما منكم من أحد إلا سيخلو الله به يوم القيامة. فيقول : يا ابن آدم ما غرك بي؟ يا ابن آدم ما ذا عملت فيما علمت؟ يا ابن آدم ما ذا أجبت المرسلين؟ وقيل للفضيل بن عياض : لو أقامك الله يوم القيامة فقال : يا فضيل ما غرك بربك الكريم؟ ما ذا كنت تقول؟ قال : أقول غرني ستورك المرخاة. وقال يحيى بن معاذ : لو أقامني بين يديه فقال : ما غرك بي؟ قلت : غرني بك برك بي سالفا وآنفا. وقال أبو بكر الوراق : لو قال لي : ما غرك بربك الكريم؟ لقلت : غرني بك كرم الكريم. قال بعض أهل الإشارة : إنما قال بربك الكريم دون سائر أسمائه وصفاته كأنه لقنه الإجابة حتى يقول : غرني كرم الكريم.

(الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧) فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (٨) كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (١٠) كِراماً كاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ (١٢) إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (١٤) يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ (١٥))

(الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) (٧) ، قرأ أهل الكوفة وأبو جعفر (فَعَدَلَكَ) بالتخفيف أي فصرفك وأمالك إلى أي صورة شاء حسنا وقبيحا وطويلا وقصيرا. وقرأ الآخرون بالتشديد أي قومك وجعلك معتدل الخلق والأعضاء.

__________________

(١) هذه أقوال واهية ، لا تقوم بها حجة ، والصحيح عموم الآية.

٢١٩

(فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) (٨) ، قال مجاهد والكلبي ومقاتل : في أي شبه من أب أو أم أو خال أو عم.

[٢٣١٣] وجاء في الحديث : «إن النطفة إذا استقرت في الرحم أحضر كل عرق بينه وبين آدم ثم قرأ (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) (٨)» ، وذكر الفراء والزجاج قولا آخر (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) (٨) إما طويلا أو قصيرا أو حسنا أو غير ذلك. قال عكرمة وأبو صالح في أي صورة ما شاء ركبك ، إن شاء في صورة إنسان وإن شاء في صورة دابة ، أو حيوان آخر.

(كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ) ، قرأ أبو جعفر بالياء ، وقرأ الآخرون بالتاء لقوله : (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ) (١٠) ، (بِالدِّينِ) ، بالجزاء والحساب.

(وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ) (١٠) ، رقباء من الملائكة يحفظون عليكم أعمالكم.

(كِراماً) على الله ، (كاتِبِينَ) ، يكتبون أقوالكم وأعمالكم.

(يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ) (١٢) ، من خير أو شر.

قوله عزوجل : (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ) (١٣) ، الأبرار الذين بروا وصدقوا في إيمانهم بأداء فرائض الله عزوجل واجتناب معاصيه.

(وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) (١٤) ، روي أن سليمان بن عبد الملك قال لأبي حازم المدني : ليت شعري ما لنا عند الله؟ قال : اعرض عملك على كتاب الله فإنك تعلم ما لك عند الله؟ فقال : فأين أجده في كتاب الله؟ فقال عند قوله : (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) (١٤). قال سليمان فأين رحمة الله؟

قال : (قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف : ٥٦].

قوله عزوجل : (يَصْلَوْنَها) ، يدخلونها ، (يَوْمَ الدِّينِ) ، يوم القيامة.

(وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ (١٦) وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٨) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (١٩))

(وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ) (١٦).

ثم عظم ذلك اليوم ، فقال : (وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ) (١٧) ، ثم كرر تفخيما لشأنه.

فقال : (ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٨) يَوْمَ لا تَمْلِكُ) ، قرأ أهل الكوفة والبصرة يوم برفع الميم ردا على اليوم الأول ، وقرأ الآخرون بنصبها أي في يوم يعني هذه الأشياء في يوم لا تملك. (نَفْسٌ لِنَفْسٍ

__________________

[٢٣١٣] ـ ضعيف جدا. أخرجه الطبري ٣٦٥٦٧ والواحدي في «الوسيط» ٤ / ٤٣٧ والطبراني ٤٦٢٤ وابن أبي حاتم كما في «تفسير القرآن العظيم» ٤ / ٥٦٩ من طريق الهيثم بن مطهّر عن موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن جده مرفوعا.

ـ وإسناده ساقط ، قال ابن كثير : مطهّر ، قال ابن يونس : كان متروك الحديث ، وقال ابن حبان : يروي عن موسى ، وغيره ، ما لا يشبه حديث الأثبات.

ـ وقال الهيثمي في «المجع» ١١٤٧٣ : مطهر متروك.

ـ قلت : موسى وأبوه من رجال الصحيح ، لكن ليس لهما في الكتاب الستة رواية عن رباح ، وهو ابن قصير ، وهو لم تثبت صحبته.

٢٢٠