تفسير البغوي - ج ٥

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي

تفسير البغوي - ج ٥

المؤلف:

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي


المحقق: عبدالرزاق المهدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٣

(خَلَقَ الْإِنْسانَ) يعني ابن آدم ، (مِنْ عَلَقٍ) ، جمع علقة.

(اقْرَأْ) ، كرره تأكيدا ثم استأنف فقال : (وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) ، فقال الكلبي : الحليم عن جهل العباد لا يعجل عليهم بالعقوبة.

(الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) (٤) ، يعني الخط والكتابة.

(عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) (٥) ، من أنواع الهدى والبيان. وقيل : علم آدم الأسماء كلها. وقيل : الإنسان هاهنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بيانه : (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) [النساء : ١١٣].

(كَلَّا) ، حقا ، (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى) ، ليتجاوز حده ويستكبر على ربه.

(أَنْ) ، لأن ، (رَآهُ اسْتَغْنى) ، أن رأى نفسه غنيا ، قال الكلبي : يرتفع عن منزلة إلى منزلة في اللباس والطعام وغيرهما.

وقال مقاتل : نزلت في أبي جهل كان إذا أصاب مالا زاد في ثيابه ومركبه وطعامه فذلك طغيانه.

(إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى) (٨) ، أي المرجع في الآخرة.

(أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (٩) عَبْداً إِذا صَلَّى) (١٠) ، نزلت في أبي جهل نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الصلاة.

[٢٣٧٢] أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عبيد (١) الله بن معاذ ومحمد بن عبد الأعلى القيسي قالا ثنا المعتمر عن أبيه حدثني نعيم بن أبي هند عن أبي حازم عن أبي هريرة قال : قال أبو جهل : هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ فقيل : نعم ، فقال : واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأنّ على رقبته ولأعفرنّ وجهه في التراب ، قال : فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يصلي ، زعم ليطأ على رقبته ، فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ، ويتقي بيديه ، قال فقيل له : ما لك يا أبا الحكم؟ قال : إن بيني وبينه لخندقا من نار ، وهولا وأجنحة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا» ، قال : فأنزل الله ـ لا ندري في حديث أبي هريرة أو شيء بلغه ـ (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (٧) إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى (٨) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (٩) عَبْداً إِذا صَلَّى) (١٠) الآيات. ومعنى أرأيت هاهنا تعجيب للمخاطب ، وكرر هذه اللفظة للتأكيد.

(أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (١١) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى (١٢) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٣) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى (١٤) كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (١٥) ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ (١٦) فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (١٨) كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (١٩))

__________________

[٢٣٧٢] ـ إسناده على شرط مسلم.

ـ معتمر هو ابن سليمان بن طرخان التيمي ، أبو حازم هو سلمة بن دينار.

ـ وهو في «صحيح مسلم» ٢٧٩٧ عن عبيد الله بن معاذ ومحمد بن الأعلى القيسي بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه النسائي في «الكبرى» ١١٦٨٣ وأحمد ٢ / ٣٧٠ وابن حبان ٦٥٧١ والبيهقي ٢ / ٨٩ وأبو نعيم في «الدلائل» ١٥٨ والواحدي في «الوسيط» ٤ / ٥٢٩ من طرق عن معتمر بن سليمان به.

ـ وأخرجه الطبري ٣٧٦٨٧ من طريق ابن ثور عن أبيه عن نعيم بن أبي هند به.

(١) في المطبوع «عبد» وهو خطأ.

٢٨١

(أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى) (١١) ، يعني العبد المنهي وهو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى) (١٢) ، يعني بالإخلاص والتوحيد.

(أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ) ، يعني أبا جهل ، (وَتَوَلَّى) ، عن الإيمان ، وتقدير نظم الآية أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى وهو على الهدى ، أمر بالتقوى ، والناهي مكذب متول عن الإيمان ، فما أعجب من هذا.

(أَلَمْ يَعْلَمْ) ، يعني أبا جهل ، (بِأَنَّ اللهَ يَرى) ، ذلك فيجازيه به.

(كَلَّا) ، لا يعلم ذلك ، (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ) ، عن إيذاء محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتكذيبه ، (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ) ، لنأخذن بناصيته فلنجزنه إلى النار ، كما قال (فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ) [الرحمن : ٤١] ، يقال : سعفت بالشيء إذا أخذته وجذبته جذبا شديدا ، والناصية : شعر مقدم الرأس.

ثم قال على البدل : (ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ) (١٦) ، أي صاحبها كاذب خاطئ.

[٢٣٧٢] قال ابن عباس : لما نهى أبو جهل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الصلاة انتهره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال أبو جهل أتنتهرني؟ فو الله لأملأن عليك هذا الوادي إن شئت خيلا جردا ورجالا مردا.

قال الله عزوجل : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) (١٧) ، أي قومه وعشيرته ، أي فليستنصر بهم.

(سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) (١٨) ، جمع زبنى مأخوذ من الزبن ، وهو الدفع ، قال ابن عباس : يريد زبانية جهنم سموا بها لأنهم يدفعون أهل النار إليها ، قال الزجاج : هم الملائكة الغلاظ الشداد ، قال ابن عباس : لو دعا ناديه لأخذته زبانية الله.

ثم قال : (كَلَّا) ، ليس الأمر على ما عليه أبو جهل ، (لا تُطِعْهُ) ، في ترك الصلاة ، (وَاسْجُدْ) ، صل لله ، (وَاقْتَرِبْ) ، من الله.

[٢٣٧٣] أخبرنا أبو طاهر (١) عمر بن عبد العزيز القاشاني أنا أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشمي ثنا أبو علي محمد بن أحمد اللؤلؤي ثنا أبو داود سليمان بن الأشعث ثنا أحمد بن صالح وأحمد بن عمرو بن السرح (٢) ومحمد بن سلمة قالوا : أخبرنا [ابن](٣) وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن عمارة بن غزية عن سميّ مولى أبي بكر أنه سمع أبا صالح ذكوان يحدّث عن أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ، فأكثروا الدعاء».

__________________

[٢٣٧٢] ـ صحيح. أخرجه الترمذي ٣٣٤٩ والنسائي ١١٦٨٤ وأحمد ١ / ٢٥٦ والطبري ٣٧٦٨٥ و ٣٧٦٨٦ من طرق عن عكرمة عن ابن عباس ، وإسناده صحيح على شرطهما ، ووافقه الذهبي.

[٢٣٧٣] ـ إسناده صحيح على شرط مسلم.

ـ ابن وهب هو عبد الله ، سميّ هو مولى أبي بن بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ، أبو صالح اسمه ذكوان مشهور بكنيته.

ـ وهو في «شرح السنة» ٦٥٩.

ـ وهو في «سنن أبي داود» ٨٧٥ عن أحمد بن صالح وأحمد بن عمرو ، ومحمد بن سلمة بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٤٨٢ والنسائي ٢ / ٢٢٦ وأحمد ٢ / ٤٢١ وأبو يعلى ٦٦٥٨ وابن حبان ١٩٢٨ وأبو عوانة ٢ / ١٨٠ والبيهقي ٢ / ١١٠ من طرق عن ابن وهب به.

(١) تصحف في المطبوع «ظاهر».

(٢) تصحف في المطبوع «السراج».

(٣) سقط من المطبوع.

٢٨٢

سورة القدر

مكية [وهي خمس آيات](١)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢))

(إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (١) ، يعني القرآن كناية عن غير مذكور ، أنزله جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ، فوضعه في بيت العزة ، ثم كان ينزل به جبريل عليه‌السلام نجوما في عشرين سنة.

ثم عجب نبيه فقال : (وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ) (٢) ، سميت ليلة القدر لأنها ليلة تقدير الأمور والأحكام ، يقدر الله فيها أمر السنة في عباده وبلاده إلى السنة المقبلة ، كقوله تعالى : (فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِ) ، وهو مصدر قولهم : قدر الله الشيء بالتخفيف قدرا وقدرا ، كالنهر والنهر والشعر والشعر ، وقدّره بالتشديد تقديرا بمعنى واحد ، قيل للحسين بن الفضل : أليس قد قدر الله المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض؟ قال : نعم ، قيل : فما معنى ليلة القدر؟ قال : سوق المقادير التي خلقها إلى المواقيت ، وتنفيذ القضاء المقدور. وقال الأزهري : وليلة العظمة والشرف من قول الناس : لفلان عند الأمير قدر ، أي جاه ومنزلة ، يقال : قدرت فلانا أي عظمته. قال الله تعالى : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) [الأنعام : ٩١ ، الزمر : ٦٧ ، الحج : ٧٤] ، أي : ما عظموه حق تعظيمه. وقيل : لأن العمل الصالح فيه يكون ذا قدر عند الله لكونه مقبولا.

واختلفوا في وقتها فقال بعضهم : إنها كانت على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم رفعت ، وعامة الصحابة والعلماء على أنها باقية إلى يوم القيامة. وروي عن عبد الله بن مكانس مولى معاوية قال : قلت لأبي هريرة : زعموا أن ليلة القدر قد رفعت؟ قال : كذب من قال ذلك ، قلت : هي في كل شهر؟ قال : لا بل في شهر رمضان ، فاستقبله وقال بعضهم : هي ليلة من ليالي السنة حتى لو علق رجل طلاق امرأته وعتق عبده بليلة القدر لا يقع ما لم تمض سنة من حين حلف ، يروى ذلك عن ابن مسعود ، قال : من يقم الحول يصبها فبلغ ذلك عبد الله بن عمر فقال : يرحم الله أبا عبد الرحمن أما إنه علم أنها في شهر رمضان ، ولكن أراد أن لا يتكل الناس. والجمهور من أهل العلم على أنها في شهر رمضان ، واختلفوا في تلك الليلة ، قال أبو رزين العقيلي : هي أول ليلة من شهر رمضان. وقال الحسن : ليلة سبع عشرة ، وهي الليلة التي كانت صبيحتها وقعة بدر. والصحيح والذي عليه الأكثرون : أنها في العشر الأواخر من شهر رمضان.

__________________

(١) زيد في المطبوع.

٢٨٣

[٢٣٧٤] أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي أنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي ثنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي ثنا أبو عيسى الترمذي ثنا هارون بن إسحاق الهمداني ثنا عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يجاور في العشر الأواخر من رمضان ، ويقول : «تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان».

[٢٣٧٥] أخبرنا أبو عثمان الضبي أن أبو محمد الجراحي ثنا أبو العباس المحبوبي ثنا أبو عيسى ثنا قتيبة ثنا عبد الواحد بن زياد عن الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها.

[٢٣٧٦] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا علي بن عبد الله ثنا سفيان عن أبي يعفور (١) عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا دخل العشر الأواخر من رمضان شدّ مئزره وأحيا ليله ، وأيقظ أهله.

واختلفوا في أنها في أي ليلة من العشر.

[٢٣٧٧] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا

__________________

[٢٣٧٤] ـ صحيح. هارون الهمداني ، ثقة ، وقد توبع ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.

ـ عبدة بن سليمان هو الكلابي ، عروة هو ابن الزبير بن العوام.

ـ وهو في «شرح السنة» ١٨١٦ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «سنن الترمذي» ٧٩٢ عن هارون بن إسحاق به.

ـ وأخرجه البخاري ٢٠١٩ و ٢٠٢٠ ومسلم ١١٦٩ وأحمد ٦ / ٥٦ و ٢٠٤ وابن أبي شيبة ١٢ / ٥١١ و ٣ / ٧٥ و ٥ / ٧٥ وابن عدي في «الكامل» ٤ / ٢٠١ والطحاوي في «المشكل» ٥٤٧٩ والبيهقي ٤ / ٣٠٧ من طرق هشام بن عروة به.

[٢٣٧٥] ـ إسناده صحيح على شرط مسلم لتفرده عن الحسن وباقي الإسناد على شرطهما.

ـ قتيبة هو ابن سعيد ، إبراهيم هو ابن يزيد النخعي ، الأسود هو ابن يزيد.

ـ وهو في «شرح السنة» ١٨٢٤ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «سنن الترمذي» ٧٩٦ عن قتيبة بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ١١٧٥ ح ٨ عن قتيبة عن سعيد به.

ـ وأخرجه أحمد ٦ / ٨٢ و ١٢٣ و ٢٥٦ من طريقين عن عبد الواحد بن زياد به.

[٢٣٧٦] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري حيث تفرد عن علي المديني ، وقد توبع ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.

ـ سفيان هو ابن عيينة ، أبو يعفور هو عبد الرحمن بن عبيد ، أبو الضحى هو مسلم بن صبيح ، مسروق هو ابن الأجدع.

ـ وهو في «شرح السنة» ١٨٢٣ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٢٠٢٤ عن علي بن عبد الله بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ١١٧٤ وأبو داود ١٣٧٦ والنسائي ٣ / ٢١٧ و ٢١٨ وابن ماجه ١٧٦٨ وأحمد ٦ / ٤٠ و ٤١ وابن حبان ٣٢١ والبيهقي ٤ / ٣١٣ من طرق عن سفيان بن عيينة به.

[٢٣٧٧] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ أبو سهل هو نافع بن مالك بن أبي عامر.

(١) تصحف في المطبوع «يعقوب».

٢٨٤

محمد بن إسماعيل ثنا قتيبة بن سعيد ثنا إسماعيل بن جعفر ثنا أبو سهل (١) عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان».

[٢٣٧٨] أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا عبد الله بن حامد الوزان أنا مكي بن عبدان ثنا عبد الله بن هاشم بن حيان ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا عيينة بن عبد الرحمن حدثني أبي قال : ذكرت ليلة القدر عند أبي بكرة ، فقال : ما أنا بطالبها بعد شيء سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا في العشر الأواخر ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «التمسوها في العشر الأواخر من تسع يبقين أو سبع يبقين أو خمس يبقين أو ثلاث يبقين أو آخر ليلة».

وكان أبو بكرة إذا دخل رمضان يصلي كما يصلي في سائر السنة ، فإذا دخل العشر الأواخر اجتهد.

[٢٣٧٩] وأخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا محمد بن المثنى حدثني خالد بن الحارث ثنا حميد الطويل (٢) ثنا أنس عن عبادة بن الصامت قال : خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين ، فقال : «خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت ، وعسى أن يكون خيرا لكم ، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة».

[٢٣٨٠] أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن

__________________

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٢٠١٧ عن قتيبة بن سعيد بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البغوي في «شرح السنة» ١٨١٨ من وجه آخر عن طريق علي بن حجر عن إسماعيل بن جعفر به.

ـ وأخرجه أحمد ٦ / ٨٣ من طريق سليمان عن إسماعيل به.

[٢٣٧٨] ـ صحيح. إسناده حسن لأجل عيينة ، فإنه صدوق ، وباقي الإسناد ثقات.

ـ وأخرجه الواحدي في «الوسيط» ٤ / ٥٣٥ ـ ٥٣٦ من طريق عبد الله بن حامد بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الترمذي ٧٩٤ والحاكم ١ / ٤٣٨ وأحمد ٥ / ٣٦ و ٣٩ و ٤٠ وابن خزيمة ٢١٧٥ والطيالسي ٨٨١ والبيهقي في «الشعب» ٣٦٨١ من طرق عن عيينة بن عبد الرحمن به.

ـ وللحديث شواهد ، فهو صحيح.

[٢٣٧٩] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ حميد هو ابن أبي حميد ، اختلف في اسم أبيه على عشرة أقوال ، وتقدم.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٢٠٢٣ عن محمد بن المثنى بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٤٩ و ٦٠٤٩ وأحمد ٥ / ٣١٣ و ٣١٩ والطيالسي ٥٧٦ وابن أبي شيبة ٣ / ٧٣ والدارمي ٢ / ٢٧ ـ ٢٨ وابن خزيمة ٢١٩٨ وابن حبان ٣٦٧٩ والبيهقي ٤ / ٣١١ والبغوي ١٨١٥ من طرق عن حميد به.

ـ وأخرجه أحمد ٥ / ٣١٣ والطيالسي ٥٧٦ من طريق ثابت عن أنس به.

ـ وأخرجه ٥ / ٣٢٤ من طريق عمر بن عبد الرحمن عن عبادة بن الصامت.

[٢٣٨٠] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ أبو مصعب هو أحمد بن أبي بكر.

ـ وهو في «شرح السنة» ١٨١٧ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «الموطأ» ١ / ٣٣١ عن نافع به.

ـ وأخرجه البخاري ٢٠١٥ ومسلم ١١٦٥ ح ٢٠٥ وابن حبان ٣٦٧٥ والبيهقي ٤ / ٣١٠ و ٣١١ من طرق عن مالك

(١) تصحف في المطبوع «سهيل».

(٢) زيادة عن المخطوط.

٢٨٥

مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رجالا من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر من رمضان فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إني أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر». وروي عن أبي سعيد الخدري : أنها ليلة إحدى وعشرين.

[٢٣٨١] أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري أنه قال : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعتكف العشر الوسطى من رمضان ، واعتكف عاما حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج صبحها من اعتكافه ، قال : من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر ، وقد رأيت هذه الليلة ثم أنسيتها ، وقد رأيتني أسجد في صبيحتها في ماء وطين ، فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر ، فقال أبو سعيد الخدري : فمطرت السماء تلك الليلة ، وكان المسجد على عريش فوكف المسجد ، قال أبو سعيد : فبصرت عيناي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد انصرف علينا وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين من صبيحة إحدى وعشرين. وقال بعضهم : هي ليلة ثلاث وعشرين.

[٢٣٨٢] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أبو منصور السمعاني ثنا أبو جعفر الرياني ثنا حميد بن

__________________

به.

ـ وأخرجه البخاري ١١٥٨ وأحمد ٢ / ١٧ وعبد الرزاق ٧٦٨٨ وابن خزيمة ٢١٨٢ والبيهقي ٤ / ٣١٠ ـ ٣١١ من طرق عن نافع به.

ـ وأخرجه البخاري ٦٩٩١ ومسلم ١١٦٥ ح ٢٠٧ وأحمد ٢ / ٣٧ والدارمي ٢ / ٢٨ والبيهقي ٤ / ٣١١ من طريق الزهري عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر به.

ـ وأخرجه ابن خزيمة ٢٢٢٢ من طريق حنظلة بن أبي سفيان عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر به.

ـ وأخرجه مسلم ١١٦٥ ح ٢٠٨ وأحمد ٢ / ٨ و ٣٦ وعبد الرزاق ٧٦٨١ من طرق عن الزهري عن سالم عن ابن عمر.

[٢٣٨١] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ وهو في «شرح السنة» ١٨١٩ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «الموطأ» ١ / ٣١٩ عن يزيد بن عبد الله بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٢٠٢٧ وأبو داود ١٣٨٢ وابن خزيمة ٢٢٤٣ وابن حبان ٣٦٧٣ والبيهقي ٤ / ٣٠٩ من طرق عن مالك به.

ـ وأخرجه البخاري ٢٠١٨ من طريق ابن أبي حازم والدراوردي عن يزيد به.

وأخرجه مسلم ١١٦٧ ح ٢١٥ وابن خزيمة ٢١٧١ وابن حبان ٣٦٨٤ والبيهقي ٤ / ٣١٤ ـ ٣١٥ من طريق عمارة بن غزية عن محمد بن إبراهيم به.

ـ وأخرجه البخاري ٢٠٤٠ وأحمد ٣ / ٧ و ٢٤ والحميدي ٧٥٦ من طرق عن أبي سلمة به.

ـ وأخرجه البخاري ٦٦٩ و ٨١٣ و ٢٠١٦ ومسلم ١١٦٧ ح ٢١٦ وأحمد ٣ / ٦٠ و ٧٤ و ٩٤ والطيالسي ٣١٨٧ وعبد الرزاق ٨٦٨٥ وابن أبي شيبة ٣ / ٧٦ ـ ٧٧ وابن حبان ٣٦٨٥ من طرق عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة به.

[٢٣٨٢] ـ صحيح. إسناده حسن ، رجاله ثقات ، وابن إسحاق صرح بالتحديث عند ابن حبان وغيره.

ـ وهو في «شرح السنة» ١٨٢٠ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه أبو داود ١٣٨٠ وابن نصر في «قيام رمضان» ٣٩ وابن خزيمة ٢٢٠٠ والبيهقي ٤ / ٣٠٩ من طريق محمد بن إسحاق بهذا الإسناد.

ـ وأصله عند مسلم ١١٦٨ وأبي داود ١٣٧٩ ومالك ١ / ٣٢٠ من حديث عبد الله بن أنيس.

ـ وانظر «أحكام القرآن» ٢٣٤١ بتخريجي.

٢٨٦

زنجويه ثنا أحمد بن خالد الحمصي ثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم حدثني [ابن](١) عبد الله بن أنيس (٢) عن أبيه أنه قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إني أكون ببادية يقال لها الوطأة ، وإني بحمد الله أصلي بهم فمرني بليلة من هذا الشهر أنزلها إلى المسجد فأصليها فيه ، فقال : «انزل ليلة ثلاث وعشرين فصلها فيه ، وإن أحببت أن تستتم آخر الشهر فافعل ، وإن أحببت فكف». قال : فكان إذا صلى العصر دخل المسجد فلم يخرج إلا من حاجة حتى يصلي الصبح ، فإذا صلى الصبح كانت دابته بباب المسجد.

[٢٣٨٣] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا بو منصور السمعاني ثنا أبو جعفر الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا يعلى بن عبيد ثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال تذاكرنا ليلة القدر فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كم مضى من الشهر»؟ فقلنا : اثنان وعشرون وبقي ثمان ، فقال : «مضى اثنتان وعشرون وبقي سبع ، اطلبوها الليلة الشهر تسع وعشرون».

وقال قوم : هي ليلة سبع وعشرين ، وهو قول علي وأبيّ وعائشة.

[٢٣٨٤] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أبو منصور السمعاني ثنا أبو جعفر الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا يعلى بن عبيد ثنا سفيان عن عاصم عن زر بن حبيش قال قلت لأبي بن كعب : يا أبا المنذر أخبرنا عن ليلة القدر ، فإن [ابن أم عبد](٣) يقول : من يقم الحول يصبها ، فقال : رحم الله أبا عبد الرحمن ، أما إنه قد علم أنها في رمضان ولكن كره أن يخبركم فتتكلوا ، هي والذي أنزل القرآن على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة سبع وعشرين ، فقلنا : يا أبا المنذر أنى علمت هذا؟ قال : بالآية التي أخبرنا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فحفظناها وعددناها هي والله لا تنسى ، قال قلنا : وما الآية؟ قال : «تطلع الشمس كأنها طاس ليس لها شعاع». ومن علاماتها.

__________________

[٢٣٨٣] ـ إسناده صحيح ، حميد بن زنجويه ثقة ، وقد توبع ومن دونه ، ومن فوقه رجال الشيخين.

ـ الأعمش هو سليمان بن مهران ، أبو صالح هو ذكوان ، مشهور بكنيته.

ـ وهو في «شرح السنة» ١٨٢١ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه ابن ماجه ١٦٥٦ وأحمد ٢ / ٢٥١ وابن حبان ٢٥٤٨ والبيهقي ٤ / ٣١٠ والواحدي في «الوسيط» ٤ / ٥٣٤ من طرق عن الأعمش به.

[٢٣٨٤] ـ صحيح. إسناده حسن من أجل عاصم ، وهو ابن أبي النجود واسمه : بهدلة ، لكن توبع كما سيأتي.

ـ سفيان هو ابن سعيد الثوري.

ـ وهو في «شرح السنة» ١٨٢٢ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٢ / ٨٢٨ (٢٢٠) والحميدي ٣٧٥ وابن خزيمة ٢١٩١ وابن حبان ٣٦٨٩ والبيهقي ٤ / ٣١٢ من طرق عن سفيان بن عيينة عن عبدة بن أبي لبابة ، وعاصم عن زر بن حبيش به.

ـ وأخرجه مسلم ٧٦٢ ح ١٨٠ والواحدي في «الوسيط» ٤ / ٥٣٥ من طرق شعبة عن عبدة بن أبي لبابة عن زر به مختصرا.

ـ وأخرجه أبو داود ١٣٧٨ والترمذي ٧٩٣ وعبد الرزاق ٧٧٠٠ وابن خزيمة ٢١٩٣ وابن حبان ٣٦٩١ والواحدي في «الوسيط» ٤ / ٥٣٣.

ـ وأخرجه ابن أبي شيبة ٣ / ٧٦ من طريق أبي خالد وعامر الشعبي عن زر به.

ـ وأخرجه مسلم ٧٦٢ ح ١٧٩ وابن حبان ٣٦٩٠ من طريق الأوزاعي عن عبدة عن زر به.

(١) سقط من المطبوع.

(٢) تصحف في المطبوع «أنس».

(٣) العبارة في المطبوع «ابن مسعود عبد الله».

٢٨٧

[٢٣٨٥] ما روي عن الحسن رفعه «إنها ليلة بلجة سمحة لا حارة ولا باردة ، تطلع الشمس صبيحتها لا شعاع لها».

وفي الجملة أبهم الله هذه الليلة على هذه الأمة ليجتهدوا في العبادة ليالي رمضان طمعا في إدراكها ، كما أخفي ساعة الإجابة في يوم الجمعة وأخفى الصلاة الوسطى في الصلوات الخمس ، واسمه الأعظم في الأسماء ورضاه في الطاعات ليرغبوا في جميعها ، وسخطه في المعاصي لينتهوا عن جميعها ، وأخفى قيام الساعة ليجتهدوا في الطاعات حذرا من قيامها.

(لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (٤) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (٥))

قوله عزوجل : (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (٣).

[٢٣٨٦] قال عطاء عن ابن عباس : ذكر لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رجل من بني إسرائيل حمل السلاح على عاتقه في سبيل الله ألف شهر ، فعجب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لذلك وتمنى ذلك لأمته ، فقال : «يا رب جعلت أمتي أقصر الأمم أعمارا وأقلها أعمالا؟ فأعطاه الله ليلة القدر». فقال : (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (٣) التي حمل فيها الإسرائيلي السلاح في سبيل الله لك ولأمتك إلى يوم القيامة.

قال المفسرون : (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (٣) : معناه عمل صالح في ليلة القدر خير من عمل ألف شهر ليس فيها ليلة القدر.

[٢٣٨٧] حدثنا أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري إملاء ثنا أبو نعيم الأسفرايني أنا أبو عوانة ثنا أبو إسماعيل ثنا الحميدي ثنا سفيان ثنا الزهري أخبرني أبو سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه».

__________________

[٢٣٨٥] ـ حسن. أخرجه ابن أبي شيبة ٣ / ٥١٤ عن الحسن مرسلا.

ـ ولقوله «أنها ليلة بلجة سمحة لا حارة ولا باردة» شاهد من حديث جابر.

ـ أخرجه ابن خزيمة ٢١٩٠ ومن طريق ابن حبان ٣٦٨٨ وفي إسناده الفضيل بن سليمان وفيه كلام ، وحديثه حسن في الشواهد.

ـ وله شاهد من حديث ابن عباس :

ـ أخرجه ابن خزيمة ٢١٩٢ والبزار ١٠٣٤ بلفظ «ليلة القدر ليلة طلقة لا حارة ولا باردة ، تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة».

ـ ولعجزه شاهد من حديث أبي بن كعب ، وهو الحديث الذي قبله.

ـ الخلاصة : هو حديث حسن بشواهده.

[٢٣٨٦] ـ ضعيف جدا. ذكره المصنف عن عطاء عن ابن عباس معلقا ، ولم أره عنه مسندا.

ـ وأخرجه الواحدي في «أسباب النزول» ٨٦٤ والبيهقي في «الشعب» ٣٦٦٨ وابن أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير ٤ / ٥٦٧ ، وهذا مرسل ، فهو واه.

ـ وأخرجه الطبري ٣٧٧١٣ عن مجاهد موقوفا عليه ، وهو أصح.

ـ الخلاصة : المرفوع واه ، والصواب عن أهل التفسير.

ـ وانظر «أحكام القرآن» ٢٣٣٧ بتخريجي.

[٢٣٨٧] ـ تقدم في سورة البقرة عند آية : ١٨٥.

٢٨٨

وقال سعيد بن المسيب : من شهد المغرب والعشاء في جماعة فقد أخذ بحظه من ليلة القدر.

[٢٣٨٨] أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا أبو بكر بن عبدوس المزكي ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الحسن بن مكرم ثنا يزيد بن هارون أنا كهمس عن عبد الله بن بريدة أن عائشة قالت للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن وافيت ليلة القدر فما أقول؟ قال : «قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني».

قوله عزوجل : (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ) ، يعني جبريل عليه‌السلام معهم ، (فِيها) ، أي في ليلة القدر ، (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) ، أي بكل أمر من الخير والبركة ، كقوله : (يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) [الرعد : ١١] أي بأمر الله.

(سَلامٌ) ، قال عطاء يريد سلام على أولياء الله وأهل طاعته.

قال الشعبي : هو تسليم الملائكة ليلة القدر على أهل المساجد من حين تغيب الشمس إلى أن يطلع الفجر.

قال الكلبي : الملائكة ينزلون فيها كلما لقوا مؤمنا أو مؤمنة سلموا عليه من ربه حتى يطلع الفجر.

وقيل : تم الكلام عند قوله : (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) ثم ابتدأ فقال : (سَلامٌ هِيَ) ، أي ليلة القدر سلام وخير كلها ، ليس فيها شر. قال الضحاك : لا يقدّر الله في تلك الليلة ولا يقضي إلا السلامة.

وقال مجاهد : يعني أن ليلة القدر سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءا ، ولا أن يحدث فيها أذى.

(حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) ، أي إلى مطلع الفجر ، قرأ الكسائي مطلع بكسر اللام ، والآخرون بفتحها وهو الاختيار بمعنى الطلوع على المصدر ، يقال : طلع الفجر طلوعا ومطلعا ، والكسر موضع الطلوع.

__________________

[٢٣٨٨] ـ صحيح. الحسن بن مكرم ، وثقه ابن حبان ، وروى عنه غير واحد ، فهو مقبول ، وقد توبع ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم ، إن كان سمعه عبد الله بن عائشة ، فقد نفى الدارقطني سماعه منها ، لكن لم أجد للدارقطني متابعا ، وقد تابعه أخوه سليمان كما سيأتي ، وهو سمع منها باتفاق.

ـ وأخرجه الترمذي ٣٥١٣ والنسائي في «عمل اليوم والليلة» ٨٧٨ و ٨٧٩ و ٨٨٠ وفي «التفسير» ٧٠٨ وابن ماجه ٣٨٥٠ وأحمد ٦ / ١٧١ و ١٨٣ من طرق عن كهمس به.

ـ وقال الترمذي : حسن صحيح.

ـ وأخرجه النسائي في «عمل اليوم والليلة» ٨٨٢ وأحمد ٦ / ١٨٢ من طريق الجريري عن ابن بريدة به.

ـ وأخرجه النسائي ٨٨٣ والحاكم ١ / ٥٣٠ من طريق الأشجعي عن سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن عائشة به.

ـ وصححه الحاكم على شرطهما ، ووافقه الذهبي ، وهو صحيح. وكذا صححه النووي في «الأذكار» ٤٨٧.

ـ وأخرجه النسائي ٨٨٤ من طريق عبد الله بن جبير عن مسروق عن عائشة موقوفا.

ـ الخلاصة : هو حديث صحيح ، والموقوف لا يعلل المرفوع ، والله أعلم.

٢٨٩

سورة البينة

مكية [وهي ثمان آيات](١)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (١) رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً (٢) فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (٣) وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (٤))

(لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) ، وهم اليهود النصارى ، (وَالْمُشْرِكِينَ) ، وهم عبدة الأوثان ، (مُنْفَكِّينَ) [منتهين عن كفرهم وشركهم وقال أهل اللغة](٢) زائلين منفصلين ، يقال : فككت الشيء فانفك أي انفصل ، (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) ، لفظه مستقبل ومعناه الماضي أي حتى أتتهم الحجة الواضحة ، يعني محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتاهم بالقرآن فبيّن لهم ضلالتهم وجهالتهم ودعاهم إلى الإسلام والإيمان ، فهذه الآية فيمن آمن من الفريقين ، أخبر أنهم لم ينتهوا عن الكفر حتى أتاهم الرسول فدعاهم إلى الإيمان فآمنوا فأنقذهم الله من الجهل والضلالة.

ثم فسر البينة فقال : (رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُوا) ، يقرأ ، (صُحُفاً) ، كتبا (٣) ، يريد ما يتضمنه الصحف من المكتوب فيها ، وهو القرآن لأنه كان يتلو عن ظهر قلبه لا عن كتاب ، قوله : (مُطَهَّرَةً) ، من الباطل والكذب والزور.

(فِيها) ، أي في الصحف ، (كُتُبٌ) ، يعني الآيات والأحكام المكتوبة فيها ، (قَيِّمَةٌ) ، عادلة مستقيمة غير ذات عوج.

ثم ذكر من لم يؤمن من أهل الكتاب فقال : (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) ، في أمر محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) ، أي البيان في كتبهم أنه نبي مرسل. قال المفسرون : لم يزل أهل الكتاب مجتمعين في تصديق محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى بعثه الله ، فلما بعث تفرقوا في أمره واختلفوا ، فآمن به بعضهم وكفر آخرون. وقال بعض أئمة اللغة : معنى قوله (مُنْفَكِّينَ) أي هالكين ، من قولهم : انفك صلاء المرأة عند الولادة ، وهو أن ينفصل فلا يلتئم فتهلك. ومعنى الآية : لم يكونوا هالكين معذبين إلا من بعد قيام الحجة عليهم بإرسال الرسول وإنزال الكتاب ، والأول أصح ، ثم ذكر ما أمروا به في كتبهم فقال :

(وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (٧) جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ

__________________

(١) زيد في المطبوع.

(٢) زيادة عن المخطوط وط.

(٣) في المطبوع «كتابا».

٢٩٠

عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (٨))

(وَما أُمِرُوا) ، يعني هؤلاء الكفار ، (إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ) يعني إلا أن يعبدوا الله (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) ، قال ابن عباس : ما أمروا في التوراة والإنجيل إلا بإخلاص العبادة لله موحدين ، (حُنَفاءَ) ، مائلين عن الأديان كلها إلى دين الإسلام ، (وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ) ، المكتوبة في أوقاتها ، (وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ) ، عند محلها ، (وَذلِكَ) ، الذي أمروا به ، (دِينُ الْقَيِّمَةِ) [أي الملة والشريعة المستقيمة ، أضاف الدين إلى القيمة وهي نعته لاختلاف اللفظين ، وأنث القيمة ردا بها إلى الملة ، وقيل : الهاء فيه للمبالغة ، وقيل : القيمة هي الكتب التي جرى ذكرها ، أي وذلك دين الكتب القيمة فيما تدعو إليه وتأمر به ، كما قال : (وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) [البقرة : ٢١٣]. قال النضر بن شميل : سألت الخليل بن أحمد عن قوله (وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)](١) فقال : القيمة جمع القيم ، والقيم والقائم واحد ، مجاز الآية : وذلك دين القائمين لله بالتوحيد.

ثم ذكر ما للفريقين فقال : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) (٦) ، قرأ نافع وابن عامر البريئة بالهمزة في الحرفين لأنه من قولهم : برأ الله الخلق ، وقرأ الآخرون مشددا بغير همز كالذرية ، ترك همزها في الاستعمال.

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (٧) جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) (٨) ، وتناهى عن المعاصي ، وقيل : الرضا ينقسم إلى قسمين رضا به ورضا عنه ، فالرضا به : ربا ومدبرا ، والرضا عنه : فيما يقضي ويقدّر. قال السري (٢) رحمه‌الله : إذا كنت لا ترضى عن الله فكيف تسأله الرضا عنك؟

[٢٣٨٩] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا محمد بن بشار ثنا غندر (٣) ثنا شعبة قال : سمعت قتادة عن أنس بن مالك قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأبيّ : «إن الله تعالى أمرني أن أقرأ عليك : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، قال : وسماني ربي؟ قال : نعم» فبكى.

[٢٣٩٠] وقال همام عن قتادة : «أمرني أن أقرأ عليك القرآن».

__________________

[٢٣٨٩] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ غندر لقب ، واسمه محمد بن جعفر ، شعبة هو ابن الحجاج ، قتادة هو ابن دعامة.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٣٨٠٩ عن محمد بن بشار بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٤٩٥٩ ومسلم ٧٩٩ ح ٢٤٦ والترمذي ٣٧٩٢ والنسائي في «التفسير» ٧١١ وأحمد ٣ / ١٣٠ و ٢٧٣ وأبو يعلى ٢٩٩٥ و ٣٢٤٦ من طرق عن شعبة به.

[٢٣٩٠] ـ صحيح. أخرجه البخاري ٤٩٦٠ ومسلم ٧٩٩ ح ٢٤٥ وأحمد ٣ / ١٨٥ و ٢٨٤ وأبو يعلى ٢٨٤٣ وابن حبان ٧١٤٤ وأبو نعيم في «الحلية» ١ / ٢٥١ من رواية همام عن قتادة عن أنس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لأبي بن كعب : «إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن ...».

(١) سقط من المخطوط.

(٢) تصحف في المخطوط «السدي».

(٣) تصحف في المخطوط «عبدان».

٢٩١

سورة الزلزلة

مكية [وهي ثمان آيات](١)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (١) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (٢) وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها (٣) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (٤))

(بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (٥) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ (٦))

(إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ) ، حركت الأرض حركة شديدة لقيام الساعة ، (زِلْزالَها) ، تحريكها.

(وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها) (٢) ، موتاها وكنوزها فتلقيها على ظهرها.

[٢٣٩١] أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ثنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان حدثنا مسلم بن الحجاج حدثنا واصل بن عبد الأعلى ثنا محمد بن فضيل عن أبيه عن أبي حازم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوانة من الذهب والفضة ، فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت ، ويجيء القاطع فيقول : في هذا قطعت رحمي ، ويجيء السارق فيقول : في هذا قطعت يدي ، ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئا».

(وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها) (٣)؟ قيل : في الآية تقديم وتأخير تقديره :

(يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (٤)) ، فيقول الإنسان : ما لها ، أي تخبر الأرض بما عمل عليها.

[٢٣٩٢] أخبرنا أبو بكر محمد [بن] عبد الله بن أبي توبة أنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث أنا

__________________

[٢٣٩١] ـ إسناده صحيح على شرط مسلم.

ـ فضيل هو ابن مرزوق ، أبو حازم هو سلمة بن دينار.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤١٣٦ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح مسلم» ١٠١٣ عن واصل بن عبد الأعلى بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الترمذي ٢٢٠٨ وابن حبان ٦٦٩٧ وأبو يعلى ٦١٧١ من طريق واصل بن عبد الأعلى به.

[٢٣٩٢] ـ يشبه الحسن. إسناده لين ، رجاله ثقات سوى يحيى بن أبي سليمان.

ـ قال البخاري : منكر الحديث ، وقال أبو حاتم : مضطرب الحديث ، ليس بالقوي ، يكتب حديثه ، ووثقه ابن حبان والحاكم ، وقال ابن عدي : هو ممن تكتب أحاديثه ، وإن كان بعضها غير محفوظ. وذكر له ابن عدي أحاديث فيها غرابة ، وليس هذا منها ، وقد روى عنه غير واحد من الثقات كشعبة وابن أبي ذئب وغيرهما ، فالرجل ليس متفق على ضعفه كما ترى.

ـ وقال الحافظ في «التقريب» : لين الحديث ، ولحديثه شواهد بمعناه.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤٢٠٣ بهذا الإسناد.

(١) زيد في المطبوع.

٢٩٢

محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ثنا عبد الله بن المبارك عن سعيد بن أبي أيوب ثنا يحيى بن أبي سليمان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال : قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذه الآية (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها) (٤) قال : «أتدرون ما أخبارها»؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : «فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها ، تقول : عمل عليّ يوم كذا وكذا وكذا كذا ، قال : فهذه أخبارها».

(بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها) (٥) ، أي أمرها بالكلام وأذن لها بأن تخبر بما عمل عليها. قال ابن عباس والقرظي : أوحى إليها ، ومجاز الآية : يوحى إليها ، يقال : أوحى لها وأوحى إليها ووحى لها ووحي إليها واحد.

قوله تعالى : (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ) ، يرجع الناس عن موقف الحساب بعد العرض ، (أَشْتاتاً) ، متفرقين فأخذ ذات اليمين إلى الجنة وأخذ ذات الشمال إلى النار ، كقوله : (يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ) [الروم : ١٤] (يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ) [الروم : ٤٣]. (لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ) ، قال ابن عباس : ليروا جزاء أعمالهم ، والمعنى أنهم يرجعون عن الموقف فرقا لينزلوا منازلهم من الجنة والنار.

(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨))

(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) ، وزن نملة صغيرة أصغر ما يكون من النمل. (خَيْراً يَرَهُ).

(وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (٨) ، قال ابن عباس : ليس مؤمن ولا كافر عمل خيرا أو شرا في الدنيا إلا أراه الله إياه يوم القيامة ، فأما المؤمن فيرى حسناته وسيئاته فيغفر الله سيّئاته ويثيبه بحسناته ، وأما الكافر فيرد حسناته ويعذب بسيئاته.

قال محمد بن كعب : في هذه الآية : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) (٧) ، من كافر يرى

__________________

ـ وأخرجه الترمذي ٢٤٢٩ و ٣٣٥٣ والنسائي في «التفسير» ٧١٣ وأحمد ٢ / ٣٧٤ وابن حبان ٧٣٦٠ من طرق عن ابن المبارك بهذا الإسناد.

ـ قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب صحيح.

ـ وأخرجه الحاكم ٢ / ٥٣٢ من طريق عبد الله بن يزيد المقرئ عن سعيد بن أبي أيوب به.

ـ وأخرجه الواحدي في «الوسيط» ٤ / ٥٤٢ من طريق شعبة عن يحيى به.

ـ وصححه الحاكم ، وقال الذهبي : يحيى هذا منكر الحديث قاله البخاري.

قلت : أخذ الذهبي رحمه‌الله بالأشد ، فقد تفرد البخاري بجرحه في حين خالفه أبو حاتم فلينه ، وابن حبان والحاكم فوثقاه».

ـ وله شاهد من حديث أنس ، أخرجه البيهقي في الشعب ٧٢٩٦ لكنه من طريق رشدين بن سعد عن يحيى بن أبي سليمان ، ورشدين واه ، وهذا من أوهامه كونه عن أنس ، والمحفوظ عن سليمان عن سعيد عن أبي هريرة.

ـ فهذا شاهد لا يفرح به.

ـ وله شاهد من حديث ربيعة الجرشي ، أخرجه الطبراني ٤٥٩٦ ، وفيه ابن لهيعة ضعيف ، وربيعة مختلف في صحبته ، والجمهور على أن له صحبة.

ـ ويشهد لأصول معناه حديث مسلم المتقدم عند البغوي.

ـ وبهذا يتبين أن إدراج الألباني له في «ضعيف الترمذي» ٦٦٤ والجزم بضعفه فيه نظر ، والصواب أن الحديث يدور بين الضعف والحسن إن لم يكن حسنا بشواهده ، والله أعلم.

٢٩٣

ثوابه في الدنيا في نفسه وماله وأهل وولده ، حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله خير ، (وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (٨) من مؤمن يرى عقوبته في الدنيا في نفسه وماله وأهله وولده ، حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله شر (١).

قال مقاتل : نزلت هذه الآية في رجلين وذلك أنه لما نزل (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) [الإنسان : ٨] كان أحدهما يأتيه السائل فيستقل أن تعطيه التمرة والكسرة والجوزة ونحوها ، يقول : ما هذا بشيء إنما تؤجر على ما تعطي ونحن نحبه ، وكان الآخر يتهاون بالذنب اليسير كالكذبة والغيبة والنظرة وأشباه ذلك ، ويقول : إنما وعد الله النار على الكبائر ، وليس في هذا إثم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية يرغبهم في القليل من الخير أن يعطوه ، فإنه يوشك أن يكثر ، ويحذرهم اليسير من الذنب فإنه يوشك أن يكثر ، فالإثم الصغير في عين صاحبه أعظم من الجبال يوم القيامة ، وجميع محاسنه أقل من كل شيء.

قال ابن مسعود : أحكم آية في القرآن (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (٨).

[٢٣٩٣] وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يسميها الجامعة الفاذة حين سئل عن زكاة الحمر فقال : «ما أنزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (٨).

وتصدق عمر بن الخطاب وعائشة بحبة عنب ، وقالا : فيها مثاقيل كثيرة. وقال الربيع بن خيثم : مرّ رجل بالحسن وهو يقرأ هذه السورة فلما بلغ آخرها قال : حسبي قد انتهت الموعظة.

[٢٣٩٤] أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرنا محمد بن القاسم ثنا أبو بكر

__________________

[٢٣٩٣] ـ هو بعض حديث ، وتقدم مسندا في الأنفال ، آية : ٦٠.

[٢٣٩٤] ـ صدره ضعيف ، وأثناؤه صحيح ، وعجزه حسن.

ـ إسناده واه ، يمان بن مغيرة ، ضعيف متروك ، وباقي الإسناد على شرط البخاري ومسلم.

ـ وأخرجه الترمذي ٢٨٩٤ من طريق علي بن حجر بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه أبو عبيد بن سلّام في «فضائل القرآن» ص ١٤٢ و ١٤٣ و ١٤٤ مفرقا وابن الضريس في «فضائل القرآن» ٢٩٨ والحاكم ١ / ٥٦٦ والبيهقي في «الشعب» ٢٥١٤ من طريق يزيد بن هارون بهذا الإسناد.

ـ وصححه الحاكم ، وتعقبه الذهبي بقوله : بل يمان ضعفوه.

ـ وقال الترمذي : هذا حديث غريب ، لا نعرفه إلا من حديث يمان بن المغيرة.

ـ وورد من حديث أنس أخرجه الترمذي ٢٨٩٣ والواحدي في «الوسيط» ٤ / ٥٤١ والبيهقي ٢٥١٦.

ـ وفي إسناده : الحسن بن سالم العجلي ، وهو مجهول.

ـ وقال البيهقي : هذا العجلي مجهول.

ـ وقال الترمذي : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث هذا الشيخ الحسن بن سلم.

ـ وورد من وجه آخر عن أنس عند الترمذي ٢٨٩٥ وابن الضريس ٢٩٧ وفيه «إذا زلزلت ربع القرآن» وهذا اضطراب.

ـ وحسنه الترمذي ، مع أن في إسناده سلمة بن وردان ، وهو واه ، قال عنه أبو حاتم : عامة حديثه عن أنس منكر.

ـ أخرجه ابن السني في «اليوم والليلة» ٦٨٦ وإسناده ضعيف جدا.

ـ فالحديث ضعيف من كافة طرقه ، وبعضها أشد ضعفا من بعض ، والمنكر فيه ذكر «إذا زلزلت» أما بقية السور فقد ورد

(١) في المخطوط «شيء».

٢٩٤

محمد [بن] عبد الله ثنا الحسن بن سفيان ثنا علي بن حجر ثنا يزيد بن هارون ثنا اليمان بن المغيرة ثنا عطاء عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «(إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ) تعدل نصف القرآن ، و (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (١) تعدل ثلث القرآن ، و (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) (١) [الإخلاص : ١] تعدل ربع القرآن».

سورة العاديات

مكية وهي إحدى عشرة آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(وَالْعادِياتِ ضَبْحاً (١) فَالْمُورِياتِ قَدْحاً (٢) فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً (٣) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (٤))

(وَالْعادِياتِ ضَبْحاً) (١) ، قال ابن عباس وعطاء ومجاهد وعكرمة والحسن والكلبي وقتادة ومقاتل وأبو العالية وغيرهم : هي الخيل العادية في سبيل الله تضبح ، والضبح صوت أجوافها إذا عدت.

قال ابن عباس : وليس شيء من الحيوانات يضبح غير الفرس والكلب والثعلب ، وإنما تضبح هذه الحيوانات إذا تغير حالها من تعب أو فزع وهو من قول العرب : ضبحته النار إذا غيرت لونه. وقوله : (ضَبْحاً) نصب على المصدر ، مجازه : والعاديات تضبح ضبحا.

وقال علي : هي الإبل في الحج تعدو من عرفة إلى المزدلفة ومن المزدلفة إلى منى ، وقال : كانت أول غزوة في الإسلام بدرا ، وما كان معنا إلا فرسان فرس للزبير وفرس للمقداد بن الأسود ، فكيف تكون الخيل العاديات؟ (١) وإلى هذا ذهب ابن مسعود ومحمد بن كعب والسدي. وقال بعض من قال : هي الإبل قوله : (ضَبْحاً) يعني ضباحا تمد أعناقها في السير.

(فَالْمُورِياتِ قَدْحاً) (٢) ، قال عكرمة وعطاء والضحاك ومقاتل والكلبي : هي الخيل تواري النار بحوافرها إذا سارت في الحجارة ، يعني والقادحات قدحا يقدحن بحوافرهن. وقال قتادة : هي الخيل تهيج الحرب ونار العداوة بين فرسانها.

وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : هي الخيل تغزو في سبيل الله ثم تأوي بالليل فيورون نارهم ويصنعون طعامهم.

وقال مجاهد وزيد بن أسلم : هي مكر الرجال ، يعني رجال الحرب ، والعرب تقول إذا أراد الرجل أن يمكر بصاحبه : أما والله لأقدحن لك ثم لأورين لك. وقال محمد بن كعب : هي النيران بجمع (٢).

__________________

فيها أحاديث أخرى ، وبخاصة سورة الإخلاص ، فقد ورد في فضلها أحاديث متفق عليها ، وستأتي إن شاء الله ، والله أعلم. وانظر «الجامع لأحكام القرآن» ٦٤٣٤ بتخريجي.

(١) قد اختصر المصنّف هذا الأثر أخلّ بمعناه ، فقول علي : «كانت أول غزوة ...» رد فيها على ابن عباس. انظر «الدر» ٦ /

(٢) في المخطوط وط «تجتمع» والمثبت أقرب ، وأن مراد القرظي ما يوقده الحجيج يوم المزدلفة من النار.

٢٩٥

(فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً) (٣) ، هي الخيل تغير بفرسانها على العدو عند الصباح ، هذا قول أكثر المفسرين. وقال القرظي : هي الإبل تدفع بركبانها يوم النحر من جمع إلى منى ، والسنة أن لا تدفع حتى تصبح ، والإغارة سرعة السير ، ومنه قولهم : أشرق ثبير كيما نغير.

(فَأَثَرْنَ بِهِ) ، أي هيجن بمكان سيرها كناية عن غير مذكور لأن المعنى مفهوم ، (نَقْعاً) ، غبارا والنقع الغبار.

(فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً (٥) إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦) وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ (٧) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨) أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ (٩) وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ (١٠) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (١١))

(فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً) (٥) ، أي دخلن به وسط جمع العدو ، وهم الكتيبة يقال : وسطت القوم بالتخفيف ، ووسطتهم بالتشديد وتوسطهم بالتشديد كلها بمعنى واحد. قال القرظي : هي الإبل توسط بالقوم يعني : جمع منى ، أقسم الله بهذه الأشياء.

(إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) (٦). قال ابن عباس ومجاهد وقتادة : لكنود لكفور جحود لنعم الله تعالى. قال الكلبي : هو بلسان مضر وربيعة الكفور ، وبلسان كندة وحضرموت العاصي.

وقال الحسن : هو الذي يعد المصائب وينسى النعم. وقال عطاء : هو الذي لا يعطي في النائبه مع قومه. وقال أبو عبيدة هو قليل الخير ، والأرض الكنود التي لا تنبت شيئا.

وقال الفضيل بن عياض : الكنود الذي أنسته الخصلة الواحدة من الإساءة الخصال الكثيرة من الإحسان [والشكور الذي أنسته الخصلة الواحدة من الإحسان الخصال الكثيرة من الإساءة](١).

(وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ) (٧) ، قال أكثر المفسرين : وإن الله على كونه كنودا لشاهد. وقال ابن كيسان : الهاء راجعة إلى الإنسان أي إنه شاهد على نفسه بما يصنع.

(وَإِنَّهُ) ، يعني الإنسان ، (لِحُبِّ الْخَيْرِ) ، أي لحب المال ، (لَشَدِيدٌ) أي لبخيل ، أي إنه من أجل حب المال لبخيل. يقال للبخيل : شديد ومتشدد. وقيل : معناه وإنه لحب الخير لقوي أي شديد الحب للخير ، أي المال.

(أَفَلا يَعْلَمُ) ، هذا الإنسان ، (إِذا بُعْثِرَ) ، أثير وأخرج ، (ما فِي الْقُبُورِ) من الموتى.

(وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ) (١٠) ، أي ميز وأبرز ما فيها من خير أو شر.

(إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ) ، جمع الكناية لأن الإنسان اسم الجنس ، (يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ) ، عالم ، قال الزجاج : الله خبير بهم في ذلك اليوم وفي غيره ولكن المعنى أنه يجازيهم على كفرهم في ذلك اليوم.

__________________

٦٥٢ والقرطبي ٢٠ / ١٤٥.

(١) سقط من المخطوط.

٢٩٦

سورة القارعة

مكية [وقيل مدنية وهي إحدى عشرة آية](١)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(الْقارِعَةُ (١) مَا الْقارِعَةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ (٣) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (٤) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (٥) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ (٦) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٧) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (٨) فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (٩) وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ (١٠) نارٌ حامِيَةٌ (١١))

(الْقارِعَةُ) (١) ، اسم من أسماء القيامة لأنها تقرع القلوب بالفزع.

(مَا الْقارِعَةُ) (٢) ، تهويل وتعظيم.

(وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ (٣) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ) (٤) ، الفراش الطير التي تراها تتهافت في النار والمبثوث المفرق.

وقال الفراء : كغوغاء الجراد شبه الناس عند البعث بها يموج بعضهم في بعض ويركب بعضهم بعضا من الهول كما قال : (كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ) [القمر : ٧].

(وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) (٥) ، كالصوف المندوف.

(فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) (٦) ، رجحت حسناته ، (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) (٧) ، مرضية في الجنة. قال الزجاج ذات رضا يرضاها صاحبها.

(وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) (٨) ، رجحت سيئاته على حسناته.

(فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) (٩) ، مسكنه النار سمي المسكن أمّا لأن الأصل في السكون إلى الأمهات ، والهاوية اسم من أسماء جهنم ، وهو المهواة لا يدرك قعرها ، وقال قتادة : هي كلمة عربية كان الرجل إذا وقع في أمر شديد ، قالوا : هوت أمه. وقيل : أراد أم رأسه يعني أنهم يهوون في النار على رءوسهم ، وإلى هذا التأويل ذهب قتادة وأبو صالح.

(وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ) (١٠) ، يعني الهاوية وأصلها ما هي ، أدخل الهاء فيها للوقف ثم فسرها.

فقال : (نارٌ حامِيَةٌ) (١١) ، أي حارة قد انتهى حرها.

__________________

(١) زيد في المطبوع.

٢٩٧

سورة التكاثر

مكية [وهي ثمان آيات](١)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (٢) كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٤))

(أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ) (١) ، شغلتكم المباهاة والمفاخرة بكثرة المال والعدد عن طاعة ربكم وما ينجيكم من سخطه.

(حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) (٢) ، حتى متم ودفنتم في المقابر.

قال قتادة : نزلت في اليهود قالوا نحن أكثر من بني فلان وبنو فلان أكثر من بني فلان ، شغلهم ذلك حتى ماتوا ضلالا.

وقال مقاتل والكلبي : نزلت في حيين من قريش بني عبد مناف بن قصي وبني سهم بن عمرو كان بينهم تفاخر ، فتعادوا السادة والأشراف أيهم أكثر عددا ، فقال بنو عبد مناف : نحن أكثر سيدا وأعز عزيزا وأعظم نفرا وأكثر عددا ، وقال بنو سهم مثل ذلك ، فكثرهم بنو عبد مناف ، ثم قالوا : نعد موتانا حتى زاروا القبور فعدوهم ، فقالوا : أهذا قبر فلان وهذا قبر فلان فكثرهم بنو سهم بثلاثة أبيات لأنهم كانوا في الجاهلية أكثر عددا ، فأنزل الله هذه الآية.

[٢٣٩٥] أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري أنا حاجب بن أحمد الطوسي ثنا عبد الرحيم بن منيب ثنا النضر بن شميل [أنا شعبة](٢) عن قتادة عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال : انتهيت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يقرأ هذه الآية : (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ) (١) ، قال : «يقول ابن آدم : مالي مالي وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت»؟

__________________

[٢٣٩٥] ـ صحيح. عبد الرحيم مجهول ، لكن توبع ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.

ـ شعبة هو ابن الحجاج ، قتادة هو ابن دعامة.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٩٥٠ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٢٩٥٨ والترمذي ٢٣٤٢ و ٣٣٥٤ والنسائي ٦ / ٢٣٨ وأحمد ٤ / ٢٤ وابن المبارك في «الزهد» ٤٩٧ وابن حبان ٧٠١ والبيهقي ٤ / ٦١ والقضاعي ١٢١٧ وأبو نعيم في «الحلية» ٦ / ٢٨١ من طرق عن شعبة به.

ـ وأخرجه مسلم ٢٩٥٨ وأحمد ٤ / ٢٢ والطيالسي ١١٤٨ وأحمد ٤ / ٢٤ وأبو نعيم في «الحلية» ٦ / ٢٨١ والخطيب في «تاريخ بغداد» ١ / ٣٥٩ من طريق هشام الدستوائي عن قتادة.

ـ وأخرجه مسلم ٢٩٥٨ وأحمد ٤ / ٢٦ والحاكم ٢ / ٥٣٣ و ٥٣٤ و ٤ / ٣٢٢ و ٣٢٣ وأبو نعيم في «الحلية» ٦ / ٢٨١ من طرق عن قتادة به.

(١) زيد في المطبوع.

(٢) سقط من المطبوع.

٢٩٨

[٢٣٩٦] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا الحميدي ثنا سفيان ثنا عبد الله [بن](١) أبي بكر بن عمرو بن حزم سمع أنس بن مالك يقول : قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يتبع الميت ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى معه واحد ، يتبعه أهله وماله وعمله فيرجع أهله وماله ، ويبقى عمله».

ثم رد الله عليهم فقال :

(كَلَّا) ليس الأمر بالتكاثر ، (سَوْفَ تَعْلَمُونَ) ، وعيد لهم ثم تكرره تأكيدا فقال :

(ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) (٤) ، قال الحسن ومقاتل هو وعيد بعد وعيد والمعنى سوف تعلمون عاقبة تكاثركم وتفاخركم إذا نزل بكم الموت. وقال الضحاك (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) (٣) يعني الكفار ، (ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) (٤) يعني المؤمنين وكان يقرأ الأولى بالياء والثانية بالتاء.

(كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (٥) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (٦) ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ (٧) ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (٨))

(كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) (٥) ، أي علما يقينا فأضاف العلم إلى اليقين كقوله : (لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) [الواقعة : ٩٥] ، وجواب (لو) محذوف أي لو تعلمون علما يقينا لشغلكم ما تعلمون عن التكاثر والتفاخر. قال قتادة : كنا نتحدث أن علم اليقين أن يعلم أن الله باعثه بعد الموت.

(لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) (٦) ، قرأ ابن عامر والكسائي (لَتَرَوُنَ) بضم التاء من أريته الشيء ، وقرأ الآخرون بفتح التاء أي ترونها بأبصاركم من بعد (٢).

(ثُمَّ لَتَرَوُنَّها) ، مشاهدة ، (عَيْنَ الْيَقِينِ).

(ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) (٨) ، قال مقاتل : يعني كفار مكة كانوا في الدنيا في الخير والنعمة ، فيسألون يوم القيامة عن شكر ما كانوا فيه ، ولم يشكروا رب النعيم حيث عبدوا غيره ، ثم يعذبون على ترك الشكر ، هذا قول الحسن.

وعن ابن مسعود رفعه قال : (لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) قال : «الأمن والصحة».

وقال قتادة : إن الله يسأل كل ذي نعمة عما أنعم عليه.

__________________

[٢٣٩٦] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ الحميدي هو عبد الله بن الزبير ، سفيان هو ابن عيينة.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٩٥١ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٦٥١٤ عن الحميدي بهذا الإسناد.

ـ وهو في «مسند الحميدي» ١١٨٦ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٢٩٦٠ والترمذي ٢٣٧٩ والنسائي ٤ / ٥٣ وابن المبارك ٦٣٦ وابن حبان ٣١٠٧ من طريق سفيان بن عيينة به.

[٢٣٩٦ م] ـ ضعيف. أخرجه ابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» ٤ / ٦٥٦ وفيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ضعيف ، والشعبي لم يسمع من ابن مسعود.

(١) سقط من المطبوع.

(٢) في المخطوط «عن بعيد».

٢٩٩

[٢٣٩٧] أخبرنا أبو بكر بن [أبي](١) الهيثم الترابي أنا عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي ثنا إبراهيم بن خزيم الشاشي ثنا عبد الله بن حميد ثنا شبابة عن عبد الله بن العلاء عن الضحاك بن عرزم الأشعري قال سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن أول ما يسأل العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال له : ألم نصحّ جسمك؟ ونروك من الماء البارد».

[٢٣٩٨] أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني أنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي أنا أبو

__________________

[٢٣٩٧] ـ إسناده حسن ، رجاله رجال البخاري ومسلم سوى الضحاك فقد وثقه العجلي وابن حبان فقط ، وذكره البخاري في «التاريخ» ٢ / ٢ / ٣٣٣ وكذا ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» ٤ / ٤٥٩ من غير جرح أو تعديل.

ـ نعم روى عنه غير واحد ، وبذلك تثبت عدالة الرجل ، لكن لا يوصف بالإتقان ما لم ينص على ذلك الحفاظ ، والراوي عنه وهو ابن العلاء نقل ابن حزم عن يحيى تضعيفه.

ـ وأخرجه الترمذي ٣٣٥٨ عن عبد بن حميد بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الطبري ٣٧٨٩٩ والخرائطي في «فضيلة الشكر» ٥٤ والحاكم ٤ / ١٣٨ من طرق عن شبابة بن سوار به.

ـ وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي.

ـ وقال الترمذي : هذا حديث غريب.

ـ والضحاك : هو ابن عبد الرحمن بن عرزب ، ويقال ابن عرزم ، وابن عرزم أصح.

ـ وأخرجه ابن حبان ٧٣٦٤ والرامهرمزي في «المحدث الفاصل» ٥٦٦ من طريق الوليد بن مسلم عن عبد الله بن العلاء به.

ـ قلت : وفي المتن بعض الغرابة ، وهو كون أول ما يسأل عنه العبد عن صحة جسمه ، وإروائه من الماء البارد ، ولعل الصواب في المتن ، إن مما يسأل عنه ، فإن عبد الله بن العلاء وشيخه ليسا غاية في الإتقان ، والله أعلم. بل الضحاك لم يوصف أصلا بالإتقان ، والصواب في ذلك أن ذلك مما يسأل عنه ابن آدم ، والله أعلم.

[٢٣٩٨] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري.

ـ شيبان هو ابن عبد الرحمن.

ـ وهو في «سنن الترمذي» ٢٣٦٩ عن محمد بن إسماعيل بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري في «الأدب المفرد» ٢٥٦ عن آدم بهذا الإسناد مختصرا.

ـ وأخرجه الحاكم ٤ / ١٣١ من طريق الحسين ويزيل عن آدم بن أبي إياس به.

ـ وأخرجه الطبري ٣٧٨٩٣ من طريق يحيى بن أبي بكير عن شيبان به مختصرا.

ـ وأخرجه النسائي في «التفسير» ٧١٧ من طريق أبي حمزة عن عبد الملك بن عمير به مختصرا جدا.

ـ وصححه الحاكم على شرطهما وقال : وقد رواه يونس بن عبيد ، وعبد الله بن كيسان عن عكرمة عن ابن عباس أتم وأطول ووافقه الذهبي.

ـ وأخرجه مسلم ٢٠٣٨ والطبري ٣٧٩٢ من طريق يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة دون عجزه ولم يذكر فيه اسم الرجل «أبو الهيثم بن التيهان».

ـ وله شاهد من حديث أبي عسيب.

ـ أخرجه أحمد ٥ / ٨١ والطبري ٣٧٨٩٥ والطحاوي في «المشكل» ٤٦٨ والواحدي في «الوسيط» ٤ / ٥٥٠.

ـ وله شاهد من حديث ابن عباس.

ـ أخرجه ابن حبان ٥٢١٦ والطبراني في «الصغير» ١٨٥ وفيه أن الذي قدم لهم الطعام هو «أبو أيوب الأنصاري».

ـ وأخرجه أبو يعلى ٢٥٠ وجه آخر من حديث ابن عباس وفيه أن الذي قدم لهم الطعام هو «أبو الهيثم بن التيهان».

ـ وفي إسناده عبد الله بن عيسى ، وهو ضعيف.

ـ الخلاصة : هو حديث صحيح.

(١) سقط من المخطوط.

٣٠٠