تفسير البغوي - ج ٥

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي

تفسير البغوي - ج ٥

المؤلف:

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي


المحقق: عبدالرزاق المهدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٣

بعد قيام الأدلة.

(كَلَّا) ، حقا ، (إِنَّهُ) ، يعني القرآن ، (تَذْكِرَةٌ) ، موعظة.

(فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) (٥٥) ، اتعظ به.

(وَما يَذْكُرُونَ) ، قرأ نافع ويعقوب تذكرون بالتاء والآخرون بالياء ، (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) ، قال مقاتل : إلا أن يشاء الله لهم الهدى. (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) ، أي أهل أن يتقى محارمه وأهل أن يغفر لمن اتقاه.

[٢٢٩٥] أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا ابن فنجويه ثنا عمر بن الخطاب ثنا عبد الله بن الفضل ثنا هدبة (١) بن خالد ثنا سهيل بن أبي حزم عن ثابت عن أنس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في هذه الآية : (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) قال : قال ربكم عزوجل : «أنا أهل أن أتقى ولا يشرك بي غيري ، وأنا أهل لمن اتقى أن يشرك بي أن أغفر له».

وسهيل هو ابن عبد الرحمن القطعي (٢) أخو حزم القطعي (٣).

سورة القيامة

مكية [وهي أربعون آية](٤)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ (١) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (٢) أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ (٣))

__________________

[٢٢٩٥] ـ إسناده ضعيف لضعف سهيل بن أبي حزم.

ـ قال الحافظ في «التهذيب» قال أحمد : روى أحاديث منكرة ، وقال ابن معين : صالح ، وقال البخاري : لا يتابع في حديثه ، وقال أبو حاتم : يكتب حديثه ، ولا يحتج به ، وقال ابن حبان : ينفرد عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات.

ـ وأخرجه ابن ماجه ٤٢٩٩ وأبو يعلى ٣٣١٧ من طريق هدبة بن خالد بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الترمذي ٣٣٢٥ وأحمد ٣ / ١٤٢ و ٢٤٣ والدارمي ٢ / ٣٠٢ ـ ٣٠٣ والحاكم ٢ / ٥٠٨ والواحدي في «الوسيط» ٤ / ٣٨٨ ـ ٣٨٩ من طرق عن سهيل بن أبي حزم به.

ـ وصححه الحاكم! ووافقه الذهبي! ـ وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب ، وسهيل ليس بالقوي في الحديث ، وقد تفرد سهيل بهذا الحديث عن ثابت.

ـ الخلاصة : هو حديث ضعيف.

ـ وانظر «الكشاف» ١٢٥٢ و «فتح القدير» ٢٦١٢ و «الجامع لأحكام القرآن» ٦١٨٠ ، وهي بتخريجنا ، ولله الحمد والمنة.

(١) تصحف في المطبوع «هدية».

(٢) في المطبوع «القطيعي» وهو خطأ.

(٣) في المطبوع «القطيعي» وهو خطأ.

(٤) زيد في المطبوع.

١٨١

(لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) (١) ، قرأ القواس عن ابن كثير لأقسم الحرف الأول بلا ألف قبل الهمزة.

(وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) (٢) ، بالألف وكذلك قرأ عبد الرحمن الأعرج ، على معنى أنه أقسم بيوم القيامة ، ولم يقسم بالنفس اللوامة والصحيح ، أنه أقسم بهما جميعا و (لا) صلة فيهما أي أقسم بيوم القيامة وبالنفس اللوامة. وقال أبو بكر بن عياش : هو تأكيد للقسم كقولك لا والله. وقال الفراء : لا رد لكلام المشركين المنكرين ، ثم ابتدأ فقال أقسم بيوم القيامة وأقسم بالنفس اللوامة. وقال المغيرة بن شعبة : يقولون القيامة وقيامة أحدهم موته ، وشهد علقمة جنازة فلما دفنت قال : أما هذا فقد قامت قيامته. (وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) (٢) قال سعيد بن جبير وعكرمة : تلوم على الخير والشر ولا تصبر على السراء والضراء. وقال قتادة : اللوامة الفاجرة. وقال مجاهد (١) : تندم على ما فات وتقول لو فعلت ولو لم أفعل. قال الفراء : ليس من نفس برّة ولا فاجرة إلا وهي تلوم نفسها ، إن كانت عملت خيرا قالت : هلا ازددت ، وإن عملت شرا قالت : ليتني لم أفعل. قال الحسن : هي النفس المؤمنة قال : إن المؤمن والله ما تراه إلا يلوم نفسه ما أردت بكلامي ما أردت بأكلتي وإن الفاجر يمضي قدما لا يحاسب نفسه ولا يعاتبها. قال مقاتل : هي النفس الكافرة تلوم نفسها في الآخرة على ما فرطت في أمر الله في الدنيا.

(أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) (٣).

[٢٢٩٦] نزلت في عدي بن ربيعة حليف بني زهرة ختن الأخنس بن شريق الثقفي ، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «اللهم اكفني جاري السوء يعني عديا والأخنس» وذلك أن عدي بن ربيعة أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا محمد حدثني عن القيامة منى تكون وكيف أمرها وحالها؟ فأخبره النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك ولم أؤمن بك أو يجمع الله العظام ، فأنزل الله عزوجل : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ) يعني الكافر (أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) بعد التفرق والبلى فنحييه ، قيل : ذكر العظام وأراد نفسه لأن العظام قالب النفس لا يستوي الخلق إلا باستوائها. وقيل : هو خارج على قول المنكر أو يجمع الله العظام كقوله : (قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) [يس : ٧٨].

(بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ (٤) بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ (٥))

(بَلى قادِرِينَ) ، أي نقدر استقبال صرف إلى الحال ، قال الفراء (قادِرِينَ) نصب على الخروج من نجمع كما تقول في الكلام أتحسب أن لا نقدر عليك؟ بلى قادرين على أقوى منك ، يريد بل قادرين على أكثر من ذا ، مجاز الآية : بلى نقدر على جمع عظامه وعلى ما هو أعظم من ذلك ، وهو : (عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) ،

__________________

[٢٢٩٦] ـ لا أصل له.

ـ ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٨٤٣ بدون إسناد ، وليس فيه اللفظ المرفوع «اللهم اكفني ....».

ـ وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» ٤ / ٦٥٩ : ذكره الثعلبي والبغوي والواحدي بغير إسناد.

ـ فالخبر باطل لا أصل له ، ولم ينسبه هؤلاء إلى قائل ، ولم يذكره السيوطي في «الدر» ولا في «الأسباب» ولا ذكره الطبري ، وكل ذلك دليل على وضعه ، والله أعلم ، وانظر «الكشاف» ١٢٥٤ و «الجامع لأحكام القرآن» ٦١٨١ بتخريجي.

(١) تصحف في المخطوط «قتادة».

١٨٢

أنامله فنجعل أصابع يديه ورجليه شيئا واحدا كخف البعير وحافر الحمار فلا يرتفق بها بالقبض والبسط والأعمال اللطيفة كالكتابة والخياطة وغيرها ، هذا قول أكثر المفسرين. وقال الزجاج وابن قتيبة : معناه ظن الكافر أنا لا نقدر على جمع عظامه بلى نقدر على أن نعيد السلاميات على صغرها فنؤلف بينها حتى نسوي البنان ، فمن قدر على جمع صغار العظام فهو على جمع كبارها أقدر.

(بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ) (٥) ، يقول لا يجهل ابن آدم أن ربه قادر على جمع عظامه لكنه يريد أن يفجر أمامه أي يمضي قدما على معاصي الله ما عاش راكبا رأسه لا ينزع عنها ولا يتوب ، هذا قول مجاهد والحسن وعكرمة والسدي. وقال سعيد بن جبير : ليفجر أمامه يقدم على الذنب ويؤخر التوبة فيقول سوف أتوب سوف أعمل حتى يأتيه الموت على شر أحواله وأسوأ أعماله. وقال الضحاك : هو الأمل يقول أعيش فأصيب من الدنيا كذا وكذا ولا يذكر الموت. وقال ابن عباس وابن زيد : يكذب بما أمامه من البعث والحساب. وأصل الفجور الميل وسمي الفاسق والكافر فاجرا لميله عن الحق.

(يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ (٦) فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ (٧) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (٨) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (٩) يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (١٠) كَلاَّ لا وَزَرَ (١١) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (١٢) يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ (١٣))

(يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ) (٦) ، أي متى يكون ذلك تكذيبا به.

قال الله تعالى : (فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ) (٧) ، قرأ أهل المدينة (بَرِقَ) بفتح الراء وقرأ الآخرون بكسرها وهما لغتان. قال قتادة ومقاتل : شخص البصر فلا يطرف مما يرى من العجائب التي كان يكذب بها في الدنيا. قيل : وذلك عند الموت. وقال الكلبي : عند رؤية جهنم تبرق أبصار الكفار. وقال الفراء والخليل برق بالكسر أي فزع وتحير لما يرى من العجائب ، وبرق بالفتح أي شق عينه وفتحها من البريق وهو التلألؤ.

(وَخَسَفَ الْقَمَرُ) (٨) ، أظلم وذهب نوره وضوؤه.

(وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) (٩) ، أي صارا أسودين مكورين كأنهما ثوران عقيران. وقيل : يجمع بينهما في ذهاب الضياء. وقال عطاء بن يسار يجمعان يوم القيامة ثم يقذفان في البحر فيكون (١) نار الله الكبرى. [وقيل : يجمعان ثم يقذفان في النار. وقيل يجمعان فيطلعان من المغرب](٢).

(يَقُولُ الْإِنْسانُ) ، أي الكافر المكذب (يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ) ، أي المهرب وهو موضع الفرار. وقيل : هو مصدر أي أين الفرار.

قال الله تعالى : (كَلَّا لا وَزَرَ) (١١) ، لا حصن ولا حرز ولا ملجأ. وقال السدي : لا جبل ، وكانوا إذا فزعوا لجئوا إلى الجبل فتحصنوا به [فقال : قل](٣) لا جبل يومئذ يمنعهم.

(إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) (١٢) ، أي مستقر الخلق. وقال عبد الله بن مسعود : المصير والمرجع نظيره قوله تعالى : (إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى) [العلق : ٨] (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) [آل عمران : ٢٨ ، النور : ٤٢ ، فاطر : ١٨] وقال السدي : المنتهى ، نظيره : (وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى) (٤٢) [النجم : ٤٢].

(يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ) (١٣) ، قال ابن مسعود وابن عباس بما قدم قبل الموت من عمل صالح

__________________

(١) في المطبوع «فيكونان» وفي المخطوط «فيكونا» والمثبت عن المخطوط (١) والطبري ٣٥٥٦٩.

(٢) زيد في المطبوع.

(٣) في المطبوع «وقال تعالى» والمثبت عن المخطوط (أ)

١٨٣

وسيئ ، وما أخر بعد موته من سنة حسنة أو سيئة بعمل بها. وقال عطية عن ابن عباس بما قدم من المعصية وأخر من الطاعة. وقال قتادة : بما قدم من طاعة الله وأخر من حق الله فضيعه. وقال مجاهد : بأول عمله وآخره. وقال عطاء بما قدم في أول عمره وما أخر في آخر عمره. وقال زيد بن أسلم بما قدم من أمواله لنفسه وما أخر خلفه للورثة.

(بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤) وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ (١٥) لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (١٩) كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ (٢٠) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (٢١))

(بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) (١٤) ، قال عكرمة ومقاتل والكلبي : معناه بل الإنسان على نفسه من نفسه رقباء يرقبونه ويشهدون عليه [بما عمله](١) وهي سمعه وبصره وجوارحه ، ودخل الهاء في البصيرة لأن المراد بالإنسان هاهنا جوارحه ويحتمل أن يكون معناه بل الإنسان على نفسه بصيرة ، يعني لجوارحه ، فحذف حرف الجر كقوله : (وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ) [البقرة : ٢٣٣] أي لأولادكم ، ويجوز أن يكون نعتا لاسم مؤنث أي بل الإنسان على نفسه عين بصيرة. وقال أبو العالية وعطاء : بل الإنسان على نفسه شاهد وهي رواية العوفي عن ابن عباس والهاء في بصيرة للمبالغة دليل هذا التأويل قوله عزوجل : (كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) [الإسراء : ١٤].

(وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) (١٥) ، يعني يشهد عليه الشاهد ولو اعتذر وجادل عن نفسه لم ينفعه ، كما قال : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ) [غافر : ٥٢] ، وهذا قول مجاهد وقتادة وسعيد بن جبير وابن زيد وعطاء قال الفراء : ولو اعتذر فعليه [من نفسه من يكذب عذره ومعنى](٢) الإلقاء القول كما قال : (فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ) [النحل : ٨٦]. وقال الضحاك والسدي : (وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) (١٥) يعني ولو أرخى الستور وأغلق الأبواب وأهل اليمن يسمون الستر معذارا وجمعه معاذير ، ومعناه على هذا القول : وإن أسبل الستر ليخفي ما كان يعمل فإن نفسه شاهدة عليه.

قوله عزوجل : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) (١٦).

[٢٢٩٧] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد](٣) المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا قتيبة بن سعيد ثنا جرير عن موسى بن أبي عائشة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عزوجل : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) (١٦) قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا نزل جبريل عليه بالوحي كان مما يحرك لسانه وشفتيه فيشتد عليه ، وكان يعرف منه فأنزل الله عزوجل الآية التي في (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) (١) ، (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) (١٦).

__________________

[٢٢٩٧] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ جرير هو ابن عبد الحميد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٤٩٢٩ عن قتيبة بن سعيد بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري (٥) و ٤٩٢٧ و ٤٩٢٨ و ٥٠٤٤ و ٧٥٢٤ ومسلم ٤٤٨ والترمذي ٣٣٢٩ والنسائي في «التفسير» ٦٥٤ من طريق موسى بن أبي عائشة به.

(١) في المطبوع «بعمله».

(٢) هذه العبارة في المطبوع عقب «وأغلق الأبواب».

(٣) زيادة عن المخطوط.

١٨٤

(إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) (١٧) ، قال علينا أن نجمعه في صدرك ونقرأه.

(فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) (١٨) ، فإذا أنزلناه فاستمع.

(ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) (١٩) ، علينا أن نبينه بلسانك. قال : وكان إذا أتاه جبريل أطرق فإذا ذهب قرأه كما وعده الله عزوجل.

[٢٢٩٨] ورواه محمد بن إسماعيل عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن موسى بن أبي عائشة بهذا الإسناد. وقال : كان يحرك شفتيه إذا نزل عليه يخشى أن ينفلت منه ، فقيل له : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ) ، أن نجمعه في صدرك (وَقُرْآنَهُ) أن تقرأه.

(كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ (٢٠) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ) (٢١). قرأ أهل المدينة والكوفة تحبون وتذرون بالتاء فيهما ، وقرأ الآخرون بالياء أي يختارون الدنيا على العقبى ويعملون لها يعني كفار مكة ، ومن قرأ بالتاء فعلى تقدير قل لهم يا محمد : بل تحبون وتذرون.

(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (٢٣) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ (٢٤) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ (٢٥) كَلاَّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ (٢٦) وَقِيلَ مَنْ راقٍ (٢٧) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ (٢٨) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (٢٩))

(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ) ، يوم القيامة (ناضِرَةٌ) ، قال ابن عباس : حسنة ، وقال مجاهد : مسرورة. وقال ابن زيد : ناعمة. وقال مقاتل : بيض يعلوها النور. وقال السدي : مضيئة. وقال يمان : مسفرة. وقال الفراء : مشرقة بالنعيم. يقال : نضر الله وجهه ينضره نضرا ، ونضره الله وأنضره ونضر وجهه ينضر نضرة ونضارة. قال الله تعالى : (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) (٢٤) [المطففين : ٢٤] ، (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (٢٣) ، قال ابن عباس : وأكثر الناس تنظر إلى ربها عيانا بلا حجاب. قال الحسن : تنظر إلى الخالق وحق لها أن تنضر وهي تنظر إلى الخالق.

[٢٢٩٩] أخبرنا أبو بكر بن أبي الهيثم الترابي أنا عبد الله بن أحمد الحموي أنا إبراهيم بن خزيم الشاشي

__________________

[٢٢٩٨] ـ هذه الرواية عند البخاري برقم ٤٩٢٨.

[٢٢٩٩] ـ إسناده ضعيف لضعف ثوير.

ـ شبابه هو ابن سوّار ، إسرائيل هو ابن يونس ، ثوير هو ابن أبي فاختة.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤٢٩١ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «المنتخب» ٨١٩ عن شبابة بن سوار بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الترمذي ٢٥٥٥ و ٣٣٢٧ من طريق عبد بن حميد به.

ـ وأخرجه أحمد ٢ / ٦٤ والحاكم ٢ / ٥٠٩ والطبري ٣٥٦٦ وأبو يعلى ٥٧١٢ والدارقطني في «الرؤية» ١٨٥ و ١٨٦ و ١٨٧ و ١٨٨ و ١٨٩ و ١٩٠ و ١٩١.

ـ وأخرجه أحمد ٢ / ١٣ من طريق عبد الملك بن أبجر عن ثوير بن أبي فاختة عن ابن عمر به.

ـ وصححه الحاكم ، وتعقبه الذهبي بقوله : بل هو يعني ثويرا ـ واهي الحديث. وقال الترمذي : هذا حديث غريب.

ـ وأخرجه الترمذي بإثر ٢٥٥٦ من طريق سفيان عن ثوير عن مجاهد عن ابن عمر ، وثوير واه.

ـ وقال الترمذي : قد روي هذا الحديث من غير وجه عن إسرائيل عن ثوير عن ابن عمر مرفوعا ، ورواه عبد الملك بن أبجر عن ثوير عن ابن عمر موقوفا ، وروى عبيد الله الأشجعي عن سفيان عن ثوير عن مجاهد عن ابن عمر قوله ، ولم يرفعه.

ـ وهو أصح.

١٨٥

أنا عبد الله بن حميد ثنا شبابة عن إسرائيل عن ثوير قال : سمعت ابن عمر يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة ، وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية» ، ثم قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (٢٣).

(وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ) (٢٤) ، عابسة كالحة مغبرة (١) مسودة.

(تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) (٢٥) ، تستيقن أن يعمل بها عظيم (٢) من العذاب ، والفاقرة : الداهية العظيمة ، والأمر الشديد يكسر فقار الظهر. قال سعيد بن المسيب : قاصمة الظهر. قال ابن زيد (٣) : هي دخول النار وقال الكلبي : هي أن تحجب عن رؤية الرب عزوجل.

(كَلَّا إِذا بَلَغَتِ) ، يعني النفس كناية عن غير مذكور (التَّراقِيَ) ، فحشرج بها عند الموت والتراقي جمع الترقوة ، وهي العظام بين ثغرة النحر والعاتق ويكنى ببلوغ النفس التراقي عن الإشراف على الموت.

(وَقِيلَ مَنْ راقٍ) (٢٧) ، أي قال من حضره الموت هل من طبيب يرقيه ويداويه فيشفيه برقيته أو دوائه ، وقال قتادة : التمسوا له الأطباء فلم يغنوا عنه من قضاء الله شيئا. وقال سليمان التيمي ومقاتل بن سليمان : هذا من قول الملائكة يقول بعضهم لبعض من يرقى بروحه فتصعد بها ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب.

(وَظَنَ) ، أيقن الذي بلغت روحه التراقي ، (أَنَّهُ الْفِراقُ) ، من الدنيا.

(وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) (٢٩) ، قال قتادة الشدة بالشدة. قال عطاء : شدة الموت بشدة الآخرة ، قال سعيد بن جبير : تتابعت عليه الشدائد ، وقال السدي : لا يخرج من كرب إلا جاءه أشد منه قال ابن عباس : أمر الدنيا بأمر الآخرة فكان في آخر يوم من [أيام](٤) الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة ، وقال مجاهد : اجتمع فيه الحياة والموت وقال الضحاك : الناس يجهزون جسده والملائكة يجهزون روحه. وقال الحسن : هما ساقاه إذا التفا في الكفن. وقال الشعبي : هما ساقاه إذا التفا عند الموت.

(إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ (٣٠) فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (٣١) وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٣٢) ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (٣٣) أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٤) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٥) أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (٣٦) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى (٣٧) ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣٩) أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى (٤٠))

(إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ) (٣٠) ، أي مرجع العباد يومئذ إلى الله يساقون إليه.

(فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى) (٣١) ، يعني أبا جهل لم يصدق بالقرآن ولا صلى لله.

(وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) (٣٢) عن الإيمان.

__________________

ـ وقال الهيثمي في «المجمع» ١٠ / ٤٠١ : رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني ، وفي أسانيدهم ثوير بن أبي فاختة ، وهو مجمع على ضعفه.

ـ وانظر «الجامع لأحكام القرآن» ٦١٩١ و «فتح القدير» ٢٦١٦ بتخريجي.

(١) في المخطوط «متغيرة».

(٢) في المطبوع «عظيمة».

(٣) في المخطوط «الأزهر».

(٤) زيادة عن المخطوط.

١٨٦

(ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ) ، رجع إليهم ، (يَتَمَطَّى) ، يتبختر ويختال في مشيته قيل : أصله يتمطط أي يتمدد والمطّ هو المد.

(أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٤) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) (٣٥) ، هذا وعيد على وعيد من الله عزوجل لأبي جهل ، وهي كلمة موضوعة للتهديد والوعيد. وقال بعض العلماء : معناه إنك أجدر بهذا العذاب وأحق وأولى به ، تقال للرجل حيث يصيبه مكروه يستوجبه. وقيل : هي كلمة تقولها العرب لمن قاربه المكروه وأصلها من الولي وهو القرب قال الله تعالى : (قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ) [التوبة : ١٢٣].

[٢٣٠٠] وقال قتادة : ذكر لنا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما نزلت هذه الآية أخذ بمجامع ثوب أبي جهل بالبطحاء وقال له : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٤) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) (٣٥) ، فقال أبو جهل : أتوعدني يا محمد والله ما تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئا وإني لأعز من مشى بين جبليها؟ فلما كان يوم بدر صرعه الله شر مصرع ، وقتله أسوأ قتلة.

[٢٣٠١] وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إن لكل أمة فرعونا وإن فرعون هذه الأمة أبو جهل».

(أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) (٣٦) ، هملا لا يؤمر ولا ينهى ، قال السدي : معناه المهمل وإبل سدى إذا كانت ترعى حيث شاءت بلا راع.

(أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى) (٣٧) ، تصب في الرحم ، قرأ حفص عن عاصم (يُمْنى) بالياء وهي قراءة الحسن ، وقرأ الآخرون بالتاء لأجل النطفة.

(ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى) (٣٨) ، فجعل فيه الروح وسوى خلقه.

(فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) (٣٩) ، خلق من مائه أولادا ذكورا وإناثا.

(أَلَيْسَ ذلِكَ) ، الذي فعل هذا ، (بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى).

[٢٣٠٢] أخبرنا أبو طاهر عمر بن عبد العزيز القاشاني أنا أبو عمرو القاسم بن جعفر الهاشمي أنا أبو

__________________

[٢٣٠٠] ـ ضعيف. أخرجه عبد الرزاق في «تفسيره» ٣٤١٩ والطبري ٣٥٧٣١ و ٣٥٧٤٢ عن قتادة مرسلا. وكرره ٣٥٧٣٣ من مرسل عبد الرحمن بن زيد ، وابن زيد متروك فالخبر ضعيف.

[٢٣٠١] ـ لم أره بهذا اللفظ.

وإنما ورد عند أحمد ١ / ٤٤٤ والبيهقي في «الدلائل» ٣ / ٨٨ من طريق أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن ابن مسعود في أثناء حديث ، وفيه «هذا فرعون هذه الأمة.

ـ وإسناده منقطع.

قال الهيثمي في «المجمع» ٦ / ٧٩ : وهو من رواية أبي عبيدة عن أبيه ، ولم يسمع منه ، وبقية رجاله رجال الصحيح.

ـ وورد أيضا عن الطبراني ٨٤٧٤ من وجه آخر في أثناء حديث بلفظ «هذا فرعون هذه الأمة».

وذكر الهيثمي في «المجمع» ٦ / ٧٩ وقال : رواه الطبراني ، ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن وهب بن أبي كريمة ، وهو ثقة.

ـ وقال عنه الحافظ في «التقريب» : صدوق ، لكن فيه عنعنة أبي إسحاق.

ـ وأخرجه البزار ١ / ٢٨٨ والطبراني ٨٤٧٥ من وجه آخر ورجاله ثقات مشاهير ، ليس فيه إلا عنعنة أبي إسحاق.

ـ الخلاصة : هو حديث حسن باللفظ الذي أوردته بمجموع طرقه ، والله أعلم.

[٢٣٠٢] ـ إسناده ضعيف ، رجاله ثقات ، لكن في الإسناد راو لم يسمّ.

ـ وهو في «شرح السنة» ٦٢٤ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «سنن أبي داود» ٨٨٧ عن عبد الله بن محمد الزهري بهذا الإسناد.

١٨٧

علي محمد بن أحمد بن علي اللؤلؤي ثنا أبو داود سليمان بن أشعث ثنا عبد الله بن محمد الزهري ثنا سفيان حدثني إسماعيل بن أمية قال : سمعت أعرابيا يقول سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قرأ منكم والتين والزيتون فانتهى إلى آخرها : (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) [التين : ٨] فليقل : بلى ، وأنا على ذلك من الشاهدين ، ومن قرأ : (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) (١) [القيامة : ١] فانتهى إلى (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) (٤٠) فليقل : بلى ، ومن قرأ : (وَالْمُرْسَلاتِ) ، فبلغ (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) (٥٠) [الأعراف : ١٨٥] فليقل : (آمَنَّا بِاللهِ).

[٢٣٠٣] أخبرنا عمر بن العزيز أنا أبو القاسم بن جعفر أنا أبو علي اللؤلؤي أنا أبو داود ثنا محمد بن المثنى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن موسى بن أبي عائشة قال : كان رجل يصلي فوق بيته فكان إذا قرأ : (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) (٤٠) قال : سبحانك بلى ، فسألوه عن ذلك فقال : سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

سورة الإنسان

قال عطاء : هي مكية. وقال مجاهد وقتادة : مدنية. وقال الحسن وعكرمة : هي مدنية إلا آية وهي قوله : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) ، (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) [٢٤] وهي إحدى وثلاثون آية.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

__________________

ـ وأخرجه أحمد ٢ / ٢٤٩ والترمذي ٣٣٤٧ مختصرا والبيهقي ٢ / ٣١٠ من طريق إسماعيل بن أمية به.

ـ وقال الترمذي : هذا حديث إنما يروى بهذا الإسناد عن هذا الأعرابي عن أبي هريرة ، ولا يسمى ا ه.

ـ وأخرجه الحاكم ٢ / ٥١٠ من طريق إسماعيل بن أمية عن أبي اليسع عن أبي هريرة به.

ـ وصححه الحاكم! ووافقه الذهبي! في حين قال الذهبي في «الميزان» ٤ / ٥٨٩ : أبو اليسع لا يدرى من هو.

ـ وأخرجه عبد الرزاق ٣٦٥٨ في «التفسير» عن إسماعيل بن أمية مرسلا ، وهو الصحيح.

ـ الخلاصة : الحديث ضعيف بصيغة الأمر ، وأما كونه مستحب كما هو الآتي ، فهو حسن ، وانظر «أحكام القرآن» ٢٣٢٦.

[٢٣٠٣] ـ حديث حسن له شواهد.

ـ إسناده ضعيف ، رجاله ثقات ، لكن موسى كثير الإرسال ، وهو لم يسمعه من الصحابي ، وإنما هو بواسطة ، كما سيأتي.

ـ وهو في «شرح السنة» ٦٢٥ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «سنن أبي داود» ٨٨٤ عن محمد بن المثنى بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البيهقي ٢ / ٣١٠ من طريق أبي داود بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه عبد الرزاق في «التفسير» ٣٤٢٢ عن إسرائيل عن موسى بن أبي عائشة : أن رجلا حدثهم قال : أمّهم رجل يوما فقرأ .... وهذا موصول ، لكن فيه راو لم يسمّ ، وأما جهالة الصحابي ، فلا تضر.

ـ وله شاهد من حديث ابن عباس ، أخرجه البيهقي ٢ / ٣١٠ وإسناده حسن ، وله شواهد أخرى.

ـ الخلاصة : هو حديث حسن بشواهده ، وهو يدل على الاستحباب لأن فيه كان يقول ، والله أعلم.

١٨٨

(هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (١) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (٢))

(هَلْ أَتى) ، قد أتى ، (عَلَى الْإِنْسانِ) ، يعني آدم عليه‌السلام ، (حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) ، أربعون سنة وهو من طين ملقى بين مكة والطائف قبل أن ينفخ فيه الروح ، (لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) ، لا يذكر ولا يعرف ولا يدري ما اسمه ولا ما يراد به ، يريد كان شيئا ولم يكن مذكورا ، وذلك من حين خلقه من طين إلى أن نفخ فيه الروح.

روي أن عمر سمع رجلا يقرأ هذه الآية : (لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) فقال عمر : ليتها تمت يريد ليته بقي على ما كان ، قال ابن عباس : ثم خلقه بعد عشرين ومائة سنة.

(إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) ، يعني ولد آدم ، (مِنْ نُطْفَةٍ) ، يعني مني الرجل ومني المرأة ، (أَمْشاجٍ) ، أخلاط واحدها مشج ومشيج ، مثل خدن وخدين ، قال ابن عباس والحسن ومجاهد والربيع : يعني ماء الرجل وماء المرأة يختلطان في الرحم فيكون منهما الولد ، فماء الرجل أبيض غليظ وماء المرأة أصفر رقيق ، فأيهما علا صاحبه كان الشبه له وما كان من عصب وعظم فهو من نطفة الرجل ، وما كان من لحم ودم وشعر فمن ماء المرأة. وقال الضحاك : أراد بالأمشاج اختلاف ألوان النطفة فنطفة الرجل بيضاء وحمراء وصفراء ونطفة المرأة خضراء وحمراء وصفراء ، وهي رواية الوالبي عن ابن عباس وكذلك قال الكلبي قال : الأمشاج البياض في الحمرة والصفرة. وقال يمان : كل لونين اختلطا فهو أمشاج. وقال ابن مسعود : هي العروق التي تكون في النطفة. وقال الحسن : نطفة مشجت بدم وهو دم الحيضة فإذا حبلت ارتفع الحيض. وقال قتادة : هي أطوار الخلق نطفة ، ثم علقة ثم مضغة ، ثم عظما ثم يكسوه لحما ثم ينشئه خلقا آخر. (نَبْتَلِيهِ) نختبره بالأمر والنهي ، (فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً) قال بعض أهل العربية : وفيه تقديم وتأخير ، مجازه : فجعلناه سميعا بصيرا لنبتليه ، لأن الابتلاء لا يقع إلا بعد تمام الخلقة.

(إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (٣) إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً (٤) إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (٥))

(إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ) ، أي بينا له سبيل الحق والباطل والهدى والضلالة ، وعرفناه طريق الخير والشر. (إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) ، إما مؤمنا سعيدا وإما كافرا شقيا. وقيل : معنى الكلام الجزاء يعني بينا له الطريق إن شكر أو كفر.

ثم بين ما للفريقين فقال : (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ) ، يعني في جهنم ، قرأ أهل المدينة والكسائي وأبو بكر عن عاصم سلسلا وقواريرا قواريرا [النحل : ٤٤ ، الإنسان : ١٥] بالألف في الوقف ، وبالتنوين في الوصل فيهن جميعا ، وقرأ حمزة ويعقوب بلا ألف في الوقف ، ولا تنوين في الوصل فيهن ، وقرأ ابن كثير (قَوارِيرَ) الأولى بالألف في الوقف وبالتنوين في الوصل ، و (سَلاسِلَ) و (قَوارِيرَ) الثانية بلا ألف ولا تنوين وقرأ أبو عمرو وابن عامر وحفص سلاسلا وقواريرا الأولى بالألف في الوقف على الخط وبغير تنوين في الوصل ، و (قَوارِيرَ) الثانية بغير ألف ولا تنوين. قوله (وَأَغْلالاً) يعني في أيديهم تغل إلى أعناقهم (وَسَعِيراً) ، وقودا شديدا.

(إِنَّ الْأَبْرارَ) ، يعني المؤمنين الصادقين في إيمانهم المطيعين لربهم واحدهم بار ، مثل شاهد وأشهاد

١٨٩

وناصر وأنصار ، وبرّ أيضا مثل نهر وأنهار ، (يَشْرَبُونَ) ، في الآخرة ، (مِنْ كَأْسٍ) ، فيه شراب (كانَ مِزاجُها كافُوراً) ، قال قتادة : يمزج لهم بالكافور ويختم بالمسك ، قال عكرمة مزاجها طعمها ، وقال أهل المعاني أراد كالكافور في بياضه وطيب ريحه وبرده لأن الكافور لا يشرب ، وهو كقوله (حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً) [الكهف : ٩٦] أي كنار ، وهذا معنى قول (١) قتادة ، وقال مجاهد : يمازجه ريح الكافور. وقال ابن كيسان : طيبت بالكافور والمسك والزنجبيل. وقال عطاء والكلبي : الكافور اسم لعين ماء في الجنة.

(عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (٦) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (٧) وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (٨) إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً (٩))

(عَيْناً) ، نصب تبعا للكافور. وقيل : نصب على المدح. وقيل : أعني عينا. وقال الزجاج : الأجود أن يكون المعنى من عين ، (يَشْرَبُ بِها) ، قيل : يشربها والباء صلة وقيل بها أي منها ، (عِبادُ اللهِ) ، قال ابن عباس أولياء الله ، (يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً) ، أي يقودونها حيث شاءوا من منازلهم وقصورهم ، كمن يكون له نهر يفجره هاهنا وهاهنا إلى حيث يريد.

(يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) ، هذا من صفاتهم في الدنيا أي كانوا في الدنيا كذلك ، قال قتادة : أراد يوفون بما فرض الله عليهم من الصلاة والزكاة والصوم والحج والعمرة ، وغيره من الواجبات ، ومعنى النذر الإيجاب. وقال مجاهد وعكرمة : إذا نذروا في طاعة الله وفوا به.

[٢٣٠٤] أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن طلحة بن عبد الملك الأيلي عن القاسم بن محمد عن عائشة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه».

(وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) ، فاشيا ممتدا ، يقال : استطار الصبح إذا امتد وانتشر. قال مقاتل : كان

__________________

[٢٣٠٤] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري حيث تفرد عن طلحة ، وباقي الإسناد على شرطهما.

ـ أبو مصعب هو أحمد بن أبي بكر.

ـ وهو في «شرح السنة» ٢٤٣٤ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «الموطأ» ٢ / ٤٧٦ عن طلحة بن عبد الملك به.

ـ وأخرجه البخاري ٦٦٩٦ و ٦٧٠٠ وأبو داود ٣٢٨٩ والترمذي ١٥٢٦ والنسائي ٧ / ١٧ وأحمد ٦ / ٣٦ و ٤١ والشافعي ٢ / ٧٤ ـ ٧٥ والدارمي ٢ / ١٨٤ وابن حبان ٤٣٨٧ والطحاوي في «المعاني» ٣ / ١٣٣ والبيهقي ٩ / ٢٣١ و ١٠ / ٦٨ من طرق عن مالك به.

ـ وأخرجه الترمذي بإثر ١٥٢٦ والنسائي ٧ / ١٧ وابن ماجه ٢١٢٦ وأحمد ٦ / ٢٢٤ والطحاوي في «المعاني» ٣ / ١٣٣ وابن حبان ٤٣٨٩ وابن الجارود ٩٣٤ من طريقين عن طلحة به.

ـ وأخرجه أحمد ٦ / ٢٠٨ من طريق يحيى بن أبي كثير عن القاسم به.

ـ وأخرجه ابن حبان ٤٣٨٨ من طريق أيوب السختياني ويحيى بن أبي كثير عن القاسم به.

ـ وأخرجه أبو يعلى ٤٨٦٣ والطحاوي في «المعاني» ٣ / ١٣٣ وابن حبان ٤٣٩٠ وابن عبد البر ٦ / ٩٤ و ٩٥ من طريق محمد بن أبان عن القاسم به.

(١) في المطبوع «مجاهد ومقاتل».

١٩٠

شره فاشيا في السموات فانشقت وتناثرت الكواكب وكورت الشمس والقمر وفزعت الملائكة ، وفي الأرض فنسفت الجبال وغارت المياه وتكسر كل شيء على الأرض من جبل وبناء.

(وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) ، أي على حب الطعام وقلته وشهوتهم له وحاجتهم إليه. وقيل : على حب الله ، (مِسْكِيناً) ، فقيرا لا مال له ، (وَيَتِيماً) ، صغيرا لا أب له (وَأَسِيراً) ، قال مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء : هو المسجون من أهل القبلة. وقال قتادة : أمر الله بالأسراء أن يحسن إليهم وإن أسراهم يومئذ لأهل الشرك. وقيل : الأسير المملوك. وقيل المرأة.

[٢٣٠٥] بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اتقوا الله في النساء فإنهن عندكم عوان» أي أسراء.

واختلفوا في سبب نزول هذه الآية ، قال مقاتل (١) : نزلت في رجل من الأنصار أطعم في يوم واحد مسكينا ويتيما وأسيرا.

[٢٣٠٦] وروي عن مجاهد وعطاء عن ابن عباس : أنها نزلت في علي بن أبي طالب ، وذلك أنه عمل ليهودي بشيء من شعير ، فقبض الشعير فطحن ثلثه فجعلوه منه شيئا ليأكلوه ، فلما تم إنضاجه أتى مسكين فسأل فأخرجوا إليه الطعام ، ثم عمل الثلث الثاني فلما تمّ إنضاجه أتى يتيم فسأل فأطعموه ، ثم عمل الثلث

__________________

[٢٣٠٥] ـ جيد. أخرجه الترمذي ١١٦٣ وابن ماجه ١٨٥١ والنسائي في «الكبرى» ٩١٦٩ من طرق عن حسين بن علي الجعفي عن زائدة عن شبيب بن غرقدة عن سليمان بن عمرو بن الأحوص قال : حدثني أبي أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فحمد الله وأثنى عليه ، وذكّر ووعظ ثم قال : «ألا واستوصوا بالنساء خيرا ، فإنما هن عوان عندكم ....».

ـ وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.

ـ وإسناده حسن.

ـ وله شاهد من حديث علي بن زيد عن أبي حرة الرقاشي عن عمه عند أحمد ٥ / ٧٢ ـ ٧٣ وإسناده ضعيف لضعف علي ابن زيد ، لكن للحديث شواهد.

[٢٣٠٦] ـ موضوع. ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٨٤٤ عن عطاء عن ابن عباس معلقا بدون إسناد.

ـ وأخرجه الثعلبي من رواية القاسم بن بهرام عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عباس ، ومن رواية الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى : (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ...) الآية فذكره بتمامه ، وزاد في أثناءه أشعارا لعلي وفاطمة.

ـ قاله الحافظ في «تخريج الكشاف» ٤ / ٦٧٠.

ـ وأخرجه ابن الجوزي في «الموضوعات» ١ / ٣٩٠ عن الأصبغ بن نباتة ... فذكره بشعره وزيادة بعض الألفاظ ثم قال : وهذا لا نشك في وضعه.

ـ وكذا قال الحكيم الترمذي في «نوادر الأصول» ١ / ١٥٤ ـ ١٥٥ : ومن الحديث الذي ينكره قلوب المحقين : ما روي عن ابن عباس .... فذكره ثم قال : هذا حديث مزوّق ، وقد تطرف فيه صاحبه حتى يشبّه على المستمعين ، والجاهل يعض على شفتيه تلهفا ألا يكون بهذه الصفة ، ولا يدري أن صاحب هذا الفعل مذموم.

ـ وانظر «الكشاف» ١٢٥٨ و «الجامع لأحكام القرآن» ٦٢٠٨ بتخريجي ، ولله الحمد والمنة.

ـ وعلة الحديث ابن عقيل وحده ، وباقي الإسناد على شرط البخاري.

ـ وقد اضطرب في هذا المتن ، فرواية البغوي «إذا ذهب ربع الليل» ورواية الترمذي «إذا ذهب ثلثا الليل» ، وهو مطول عند الترمذي ، ولفظ أحمد : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «جاءت الراجفة ...» ليس فيه أنه كان يقوله بالليل وليس فيه ذكر الآية أيضا.

ـ وهو عند الطبري : قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم .... فذكره. ليس فيه ذكر الليل ، ولا أنه كان ينادي بالليل ، ولو كان عليه

(١) ذكره عنه تعليقا ، وإسناده إليه أول الكتاب ، وهو معضل ، فهو واه ليس بشيء ، والآية عامة.

١٩١

الباقي فلما تم إنضاجه أتى أسير من المشركين ، فسأل فأطعموه ، وطووا يومهم ذلك.

وهذا قول الحسن وقتادة ، أن الأسير كان من أهل الشرك ، وفي دليل على أن إطعام الأسارى وإن كانوا من أهل الشرك حسن يرجى ثوابه.

(إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً) (٩) ، والشكور مصدر كالعقود والدخول والخروج.

قال مجاهد وسعيد بن جبير. إنهم لم يتكلموا به ولكن علم الله ذلك من قلوبهم ، فأثنى عليهم.

(إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (١٠) فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (١١) وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (١٢) مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً (١٣) وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً (١٤) وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا (١٥) قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً (١٦))

(إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً) ، تعبس فيه الوجوه من هوله وشدته ، ونسب العبوس إلى اليوم ، كما يقال يوم صائم وليل قائم. وقيل : وصف اليوم بالعبوس لما فيه من الشدة ، (قَمْطَرِيراً) ، قال قتادة ومجاهد ومقاتل : القمطرير الذي يقبض الوجوه والجباه بالتعبيس. وقال الكلبي : العبوس الذي لا انبساط فيه ، والقمطرير : الشديد ، قال الأخفش : القمطرير : أشد ما يكون من الأيام وأطوله في البلاء ، يقال : يوم قمطرير وقماطر إذا كان شديدا كريها ، واقمطر اليوم فهو مقمطر.

(فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ) ، الذي يخافون ، (وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً) ، حسنا في وجوههم ، (وَسُرُوراً) ، في قلوبهم.

(وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا) ، على طاعة الله واجتناب معصيته ، وقال الضحاك : على الفقر. وقال عطاء : على الجوع. (جَنَّةً وَحَرِيراً) ، قال الحسن : أدخلهم الله الجنة وألبسهم الحرير.

(مُتَّكِئِينَ) ، نصب على الحال ، (فِيها) ، في الجنة ، (عَلَى الْأَرائِكِ) ، السرر في الحجال ، ولا تكون

__________________

الصلاة والسلام ينادي بالليل لكان أول من سمعه أزواجه ، ولجاء هذا الحديث عن أزواجه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم لفظ «كان إذا ذهب ربع الليل» يدل ذلك على الدوام ، ولو كان كذلك لجاء متواترا ، ولكن كل ذلك لم يكن ، فالإسناد ضعيف لا تقوم به حجة ، وفي المتن اضطراب.

ـ الخلاصة : هو خبر ضعيف ، ولم يصب الألباني إذ أدرجه في «الصحيحة» ٩٥٤ وحكم بحسنه ، حيث قال عقب قول الترمذي : حسن صحيح : قلت : وإسناده حسن من أجل الخلاف المعروف في ابن عقيل.

ثم ذكر تصحيحه الحاكم ، وموافقة الذهبي ، وعجب منهما ، وقال : هو حسن فقط لما ذكرنا.

ـ وقد قدمت بين يديك ترجمة الرجل مع اضطرابه في المتن وملخصه أنه ضعيف بسبب سوء حفظه ، وأنه غير حجة.

ـ وأما ما روي عن أحمد وإسحاق ، وأنهما احتجّا به ، فالجواب أن أحمد أجاب عن مثل هذا بقوله : كنا إذا روينا في الحلال والحرام تشددنا وانتقدنا الرجال ، وإذا روينا في الرّقاق ، تساهلنا. هذا معنى كلامه ، فيكون أحمد وإسحاق رويا عنه في الترغيب والترهيب ، بل ولو ورد في الأحكام ، لا يعني الاحتجاج به عند وجود خبر صحيح آخر ، وإنما المراد كما ورد عن أحمد ، الحديث الضعيف أحب إلينا من رأي الرجال.

ـ خاتمة : الحديث ضعيف من جهة الإسناد والمتن ، ووهم الألباني إذ حسنه ، والله أعلم.

ـ وانظر «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي ٦٢٣٤ بتخريجي ، ولله الحمد والمنة.

١٩٢

أريكة إلا إذا اجتمعا ، (لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً) ، أي صيفا ولا شتاء. قال مقاتل ؛ يعني شمسا يؤذيهم حرها ولا زمهريرا يؤذيهم برده ، لأنهما يؤذيان في الدنيا. والزمهرير : البرد الشديد.

(وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها) ، أي قريبة منهم ظلال أشجارها ، ونصب (دانِيَةً) ، بالعطف على قوله (مُتَّكِئِينَ) ، وقيل : على موضع قوله : (لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً) ، ويرون (وَدانِيَةً) ، وقيل : على المدح ، (وَذُلِّلَتْ) ، سخرت وقربت ، (قُطُوفُها) ، ثمارها ، (تَذْلِيلاً) ، يأكلون من ثمارها قياما وقعودا ومضطجعين ويناولونها كيف شاءوا على أي حال كانوا.

(وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا (١٥) قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ) قال المفسرون : أراد بياض الفضة في صفاء القوارير ، فهي من فضة في صفاء الزجاج ، يرى ما في داخلها من خارجها.

قال الكلبي : إن الله جعل قوارير كل قوم من تراب أرضهم ، وإن أرض الجنة من فضة ، فجعل منها قوارير يشربون فيها ، (قَدَّرُوها تَقْدِيراً) ، قدروا الكأس على قدر ريّهم (١) لا تزيد ولا تنقص ، أي قدرها لهم السقاة والخدم الذين يطوفون عليهم يقدرونها ثم يسقون.

(وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً (١٧) عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً (١٨) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً (١٩) وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (٢٠) عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً (٢١))

(وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً) (١٧) ، يشوق ويطرب ، والزنجبيل : مما كانت العرب تستطيبه جدا ، فوعدهم الله تعالى أنهم يسقون في الجنة الكأس الممزوجة بزنجبيل الجنة. قال مقاتل : لا يشبه زنجبيل الدنيا. قال ابن عباس : كل ما ذكر الله [في] القرآن مما في الجنة وسماه ليس له في الدنيا مثل. وقيل : هو عين في الجنة يوجد منها طعم الزنجبيل. قال قتادة : يشربها المقربون صرفا ، ويمزج لسائر أهل الجنة.

(عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً) (١٨) ، قال قتادة (٢) : سلسة منقادة لهم يصرفونها حيث شاءوا ، قال مجاهد : حديدة الجرية.

قال أبو العالية ومقاتل بن حيان : سميت سلسبيلا لأنها تسيل عليهم في الطرق وفي منازلهم تنبع من أصل العرش من جنة عدن إلى أهل الجنان وشراب الجنة على برد الكافور وطعم الزنجبيل وريح المسك. قال الزجاج : سميت سلسبيلا لأنها في غاية السلاسة تتسلسل في الحلق ، ومعنى قوله : (تُسَمَّى) أي توصف لأن أكثر العلماء على أن سلسبيلا صفة لا اسم.

(وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً) (١٩) ، قال عطاء : يريد في بياض اللؤلؤ وحسنه واللؤلؤ إذا نثر من الخيط على البساط ، كان أحسن منه منظوما. وقال أهل المعاني : إنما شبهوا بالمنثور لانتثارهم في الخدمة ، فلو كانوا صفا لشبهوا بالمنظوم.

__________________

(١) تصحف في المطبوع «ربهم».

(٢) تصحف في المخطوط «مقاتل».

١٩٣

(وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَ) ، أي إذا رأيت ببصرك ونظرت به ثم يعني في الجنة ، (رَأَيْتَ نَعِيماً) ، لا يوصف ، (وَمُلْكاً كَبِيراً) ، وهو أن أدناهم منزلة ينظر إلى ملكه في مسيرة ألف عام يرى أقصاه كما يرى أدناه. وقال مقاتل والكلبي : هو أن رسول رب العزة من الملائكة لا يدخل عليه إلا بإذنه. وقيل : ملكا لا زوال له.

(عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ) ، قرأ أهل المدينة وحمزة (عالِيَهُمْ) ساكنة الياء مكسورة الهاء ، فيكون في موضع رفع بالابتداء ، وخبره ثياب سندس ، وقرأ الآخرون بنصب الياء وضم الهاء على الصفة ، أي فوقهم وهو نصب على الظرف ثياب سندس. (خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ) ، قرأ نافع وحفص (خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ) مرفوعان عطفا على الثياب ، وقرأهما حمزة والكسائي مجرورين ، وقرأ ابن كثير وأبو بكر (خُضْرٌ) بالجر (وَإِسْتَبْرَقٌ) بالرفع ، وقرأ أبو جعفر وأهل البصرة والشام على ضده فالرفع على نعت الثياب والجر على نعت السندس. (وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً) ، قيل : طاهرا من الأقذار والأقذاء لم تدنسه الأيدي والأرجل كخمر الدنيا. وقال أبو قلابة وإبراهيم : إنه لا يصير بولا نجسا ولكنه يصير رشحا في أبدانهم ، ريحه كريح المسك ، وذلك أنهم يؤتون بالطعام فيأكلون ، فإذا كان آخر ذلك أتوا بالشراب الطهور ، فيشربون فتطهر بطونهم ويصير ما أكلوا رشحا يخرج من جلودهم أطيب من المسك الإذفر ، وتضمر بطونهم وتعود شهوتهم. وقال مقاتل : هو عين ماء على باب الجنة من شرب منها نزع الله ما كان في قلبه من غل وغش وحسد.

(إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (٢٢) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً (٢٣) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (٢٤) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٢٥) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً (٢٦) إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً (٢٧) نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً (٢٨))

(إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً) (٢٢) ، أي ما وصف من نعيم الجنة كان لكم جزاء بأعمالكم وكان سعيكم عملكم في الدنيا بطاعة الله مشكورا ، قال عطاء : شكرتكم عليه وأثبتكم أفضل الثواب.

قوله عزوجل : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً) (٢٣) ، قال ابن عباس : متفرقا آية بعد آية ، ولم ينزل جملة واحدة.

(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ) ، يعني من مشركي مكة ، (آثِماً أَوْ كَفُوراً) ، يعني وكفورا ، والألف صلة ، قال قتادة : أراد بالآثم والكفور أبا جهل وذلك أنه لما فرضت الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نهاه أبو جهل عنها ، وقال : لئن رأيت محمدا يصلي لأطأنّ عنقه. وقال مقاتل : أراد بالآثم عتبة بن ربيعة ، وبالكفور الوليد بن المغيرة ، قالا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن كنت صنعت ما صنعت لأجل النساء والمال فارجع عن هذا الأمر ، قال عتبة : فأنا أزوجك ابنتي وأسوقها إليك بغير مهر ، وقال الوليد : أنا أعطيك من المال حتى ترضى ، فارجع عن هذا الأمر ، فأنزل الله هذه الآية (١).

__________________

(١) باطل بهذا اللفظ ، عزاه المصنف لمقاتل ، وإسناده إليه في أول الكتاب ، وهو معضل ، ومقاتل إن كان ابن حيان فذو مناكير ، وإن كان ابن سليمان ، فهو كذاب ، والأشبه هذا الأخير ، والصواب أن الآية عامة في كل آثم ، وتقدم عرض الوليد وعتبة هذا في سورة «ص» بغير هذا السياق!

١٩٤

قوله عزوجل : (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٢٥) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ) ، يعني صلاة المغرب والعشاء ، (وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً) ، يعني التطوع بعد المكتوبة.

(إِنَّ هؤُلاءِ) ، يعني كفار مكة (يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ) ، أي الدار العاجلة وهي الدنيا (وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ) ، يعني أمامهم ، (يَوْماً ثَقِيلاً) ، شديدا وهو يوم القيامة. أي يتركونه فلا يؤمنون به ولا يعملون له.

(نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا) ، قوّينا وأحكمنا ، (أَسْرَهُمْ) ، قال مجاهد وقتادة ومقاتل : أسرهم أي خلقهم ، يقال رجل حسن الأسر أي الخلق ، وقال الحسن : يعني أوصالهم شددنا بعضها إلى بعض بالعروق والعصب.

وروي عن مجاهد في تفسير الأسر قال : الشرج يعني موضع مصرفي البول والغائط إذا خرج الأذى انقبضا (١). (وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً) ، أي إذا شئنا أهلكناهم. وأتينا بأشباههم فجعلناهم بدلا منهم.

(إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (٢٩) وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (٣٠) يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (٣١))

(إِنَّ هذِهِ) ، يعني هذه السورة ، (تَذْكِرَةٌ) ، تذكير وعظة ، (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) ، وسيلة للطاعة.

(وَما تَشاؤُنَ) ، قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو يشاءون بالياء ، وقرأ الآخرون بالتاء ، (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) أي لستم تشاءون إلا بمشيئة الله عزوجل ، لأن الأمر إليه (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ) ، أي المشركين. (أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً).

سورة المرسلات

مكية [وهي خمسون آية](٢)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (١) فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (٢) وَالنَّاشِراتِ نَشْراً (٣) فَالْفارِقاتِ فَرْقاً (٤))

(وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً) (١) ، يعني الرياح أرسلت متتابعة كعرف الفرس. وقيل : عرفا أي كثيرا تقول العرب : الناس إلى فلان عرف واحد ، إذا توجهوا إليه فأكثروا ، هذا معنى قول مجاهد وقتادة وقال مقاتل : يعني الملائكة التي أرسلت بالمعروف من أمر الله ونهيه ، وهي رواية مسروق عن ابن مسعود :

__________________

(١) لا يصح تخصيص ذلك ، بل هو من بدع التأويل.

(٢) زيد في المطبوع.

١٩٥

(فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً) (٢) ، يعني الرياح الشديدة الهبوب.

(وَالنَّاشِراتِ نَشْراً) (٣) ، يعني الرياح اللينة. وقال الحسن : هي الرياح التي يرسلها الله بشرا بين يدي رحمته. وقيل : هي الرياح التي تنشر السحاب وتأتي بالمطر. وقال مقاتل : هم الملائكة ينشرون الكتب.

(فَالْفارِقاتِ فَرْقاً) (٤) ، قال ابن عباس ومجاهد والضحاك : يعني الملائكة تأتي بما يفرق بين الحق والباطل. وقال قتادة والحسن : هي آي القرآن تفرق بين الحلال والحرام. وروي عن مجاهد قال : هي الرياح تفرق السحاب وتبدده.

(فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً (٥) عُذْراً أَوْ نُذْراً (٦) إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ (٧) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (٨) وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ (٩) وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ (١٠) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (١١) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (١٢) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (١٣) وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ (١٤) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٥) أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (١٦) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (١٧) كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (١٨) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٩) أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٢٠) فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ (٢١) إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢٢) فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ (٢٣))

(فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً) (٥) ، يعني الملائكة تلقي الذكر إلى الأنبياء ، نظيرها (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ).

(عُذْراً أَوْ نُذْراً) (٦) ، أي للإعذار والإنذار ، قرأ الحسن (عُذْراً) بضم الذال واختلف فيه عن أبي بكر عن عاصم ، وقراءة العامة بسكونها ، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص [عن عاصم](١) (نُذْراً) ساكنة الذال ، وقرأ الباقون بضمها ، ومن سكن قال لأنهما في موضع مصدرين بمعنى الإنذار والإعذار وليسا بجمع فينقلا إلى هاهنا أقسام ذكرها على قوله :

(إِنَّما تُوعَدُونَ) ، من أمر الساعة والبعث ، (لَواقِعٌ) ، لكائن ثم ذكر متى يقع.

فقال : (فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ) (٨) ، محي نورها.

(وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ) (٩) ، شقت.

(وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ) (١٠) ، قلعت من أماكنها.

(وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) (١١) ، قرأ أهل البصرة وقتت بالواو ، وقرأ أبو جعفر بالواو وتخفيف القاف ، وقرأ الآخرون بالألف وتشديد القاف ، وهما لغتان. والعرب تعاقبت بين الواو والهمزة كقولهم : وكدت وأكدت ، ورخت وأرخت ، ومعناهما جمعا لميقات يوم معلوم ، وهو يوم القيامة ليشهدوا على الأمم.

(لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ) (١٢) ، أي أخرت ، وضرب الأجل لجمعهم فعجّب العباد من ذلك اليوم.

ثم بيّن فقال : (لِيَوْمِ الْفَصْلِ) (١٣) ، قال ابن عباس : يوم فصل الرحمن بين الخلائق.

(وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ (١٤) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٥) أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ) (١٦) ، يعني الأمم الماضية بالعذاب في الدنيا حين كذبوا رسلهم.

(ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ) (١٧) ، السالكين سبيلهم في الكفر والتكذيب يعني كفار مكة بتكذيبهم محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

__________________

(١) زيادة من المخطوط.

١٩٦

(كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (١٨) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٩) أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) (٢٠) ، يعني النطفة.

(فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ) (٢١) ، يعني الرحم.

(إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ) (٢٢) ، وهو وقت الولادة.

(فَقَدَرْنا) ، قرأ أهل المدينة والكسائي (فَقَدَرْنا) بالتشديد من التقدير ، وقرأ الآخرون بالتخفيف من القدرة ، لقوله : (فَنِعْمَ الْقادِرُونَ) ، وقيل : معناهما واحد ، وقوله : (فَنِعْمَ الْقادِرُونَ) ، أي المقدرون.

(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٢٤) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً (٢٥) أَحْياءً وَأَمْواتاً (٢٦) وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً (٢٧) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٢٨) انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٩) انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (٣٠) لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ (٣١) إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (٣٢))

(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٢٤) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً) (٢٥) ، وعاء ، ومعنى الكفت : الضم والجمع ، يقال : كفت الشيء إذا ضمه وجمعه. وقال الفراء يريد تكفتهم أحياء على ظهرها في دورهم ومنازلهم وتكفتهم أمواتا في بطنها أي تحوزهم.

وهو قوله : (أَحْياءً وَأَمْواتاً (٢٦) وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ) ، جبالا (شامِخاتٍ) ، عاليات ، (وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً) ، عذبا.

(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (١٥) ، قال مقاتل : وهذا كله أعجب من البعث ، ثم أخبر أنه يقال لهم يوم القيامة.

(انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) (٢٩) ، في الدنيا.

(انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ) (٣٠) ، يعني دخان جهنم إذا ارتفع انشعب وافترق ثلاث فرق. وقبل : يخرج عنق من النار فيتشعب ثلاث [شعب](١) ، فأما النور فيقف على رءوس المؤمنين ، والدخان يقف على رءوس المنافقين ، واللهب الصافي يقف على رءوس الكافرين.

ثم وصف ذلك الظل فقال : (لا ظَلِيلٍ) [لا](٢) يظل من الحر ، (وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ) ، قال الكلبي : لا يرد لهب جهنم عنكم ، والمعنى أنهم إذا استظلوا بذلك الظل لم يدفع عنهم مر اللهب.

(إِنَّها) ، يعني جهنم ، (تَرْمِي بِشَرَرٍ) ، وهو ما تطاير من النار ، واحدها شررة ، (كَالْقَصْرِ) ، وهو البناء العظيم ، قال ابن مسعود : يعني الحصون. وقال عبد الرحمن [بن عياش سألت](٣) بن عباس عن قوله : (إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ) (٣٢) قال : هي الخشب العظام المقطعة ، وكنا نعمد إلى الخشب فنقطعها ثلاثة أذرع وفوق ذلك ودونه ندخرها للشتاء ، فكنا نسميها القصر. وقال سعيد بن جبير والضحاك : هي أصول النخل والشجر العظام ، واحدتها قصرة ، مثل تمرة وتمر ، وجمرة وجمر ، وقرأ علي وابن عباس (كَالْقَصْرِ) بفتح الصاد ، أي أعناق النخل ، والقصرة العنق ، وجمعها قصر وقصرات.

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) سقط من المخطوط.

(٣) زيادة من المخطوط.

١٩٧

(كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ (٣٣) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٤) هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (٣٥) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (٣٦) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٧) هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (٣٨) فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (٣٩) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٠) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (٤١) وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٤٢) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٤٤) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٥) كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (٤٦) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٧) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ (٤٨) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٩) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (٥٠))

(كَأَنَّهُ) رد الكناية إلى اللفظ ، (جِمالَتٌ) ، قرأ حمزة والكسائي وحفص جمالة على جمع الجمل مثل حجر وحجارة ، وقرأ يعقوب بضم الجيم بلا ألف أراد الأشياء العظام المجموعة ، وقرأ الآخرون جمالات بالألف وكسر الجيم على جمع الجمال ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير : هي جبال السفن يجمع بعضها إلى بعض ، حتى تكون كأوساط الرجال ، (صُفْرٌ) ، جمع الأصفر ، يعني لون النار (١). وقيل : الصفر معناه السود لأنه.

[٢٣٠٦] جاء في الحديث «أن شرر نار جهنم أسود كالقير» ، والعرب تسمى سود الإبل صفرا لأنه يشوب سوادها شيء من صفرة كما يقال لبيض الظباء : أدم لأن بياضها يعلوه كدرة.

(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (٢٨) ، أي في القيامة لأن فيها مواقف ، ففي بعضها يختصمون ويتكلمون وفي بعضها يختم على أفواههم فلا ينطقون.

(وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) (٣٦) ، رفع عطف على قوله : «يؤذن» قال الجنيد : أي لا عذر لمن أعرض عن منعمه وكفر بأياديه ونعمه.

(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٧) هذا يَوْمُ الْفَصْلِ) ، بين أهل الجنة والنار ، (جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ) ، يعني مكذبي هذه الأمة والأولين الذين كذبوا أنبياءهم.

(فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ) (٣٩) ، قال مقاتل : إن كانت لكم حيلة فاحتالوا لأنفسكم.

(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٠) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ) ، جمع ظل أي في ظلال الشجر ، (وَعُيُونٍ) ، الماء.

(وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ) (٤٢).

ويقال لهم : (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٤٣) ، في الدنيا بطاعتي.

(إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٤٤) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (٤٥).

ثم قال لكفار مكة : (كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً) ، في الدنيا ، (إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ) ، مشركون بالله عزوجل مستحقون العقاب (٢).

(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٧) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا) ، يعني صلوا ، (لا يَرْكَعُونَ) ، لا يصلون ، وقال ابن

__________________

[٢٣٠٦] ـ موقوف صحيح. أخرجه مالك في «الموطأ» ٢ / ٩٩٤ عن أبي هريرة بإسناد على شرط البخاري ومسلم.

ـ لكن مثله لا يقال بالرأي ، فله حكم الرفع ، وقد صرح بذلك غير واحد وآخرهم شيخنا الأرناءوط في «جامع الأصول» ١٠ / ٥١٣ ـ ٥١٤.

(١) في المطبوع وحده «قنان».

(٢) في المطبوع «للعذاب».

١٩٨

عباس رضي الله تعالى عنهما : إنما يقال لهم هذا يوم القيامة حين يدعون إلى السجود فلا يستطيعون.

(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٩) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ) ، أي بعد القرآن ، (يُؤْمِنُونَ) ، إذا لم يؤمنوا به.

سورة النبأ

مكية [وهي أربعون آية](١)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(عَمَّ يَتَساءَلُونَ (١) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (٢) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (٣) كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (٤) ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (٥) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً (٦) وَالْجِبالَ أَوْتاداً (٧) وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً (٨))

(عَمَ) ، أصله (عن ما) فأدغمت النون في الميم وحذفت ألف ما كقوله : (فيم) ، و (بم) ، (يَتَساءَلُونَ) ، أي عن أي شيء يتساءل هؤلاء المشركون.

وذلك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما دعاهم إلى التوحيد وأخبرهم بالبعث بعد الموت ، وتلا عليهم القرآن جعلوا يتساءلون بينهم فيقولون : ما ذا جاء به محمد ، قال الزجاج : اللفظ لفظ استفهام ومعناه التفخيم ، كما تقول : أي شيء زيد؟ إذا أعظمت أمره وشأنه.

ثم ذكر أن تساؤلهم عما ذا فقال : (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) (٢) ، قال مجاهد والأكثرون : هو القرآن ، دليله قوله : (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ) (٦٧) [ص : ٦٧] ، وقال قتادة : هو البعث.

(الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) (٣) ، فمصدق ومكذب ، (كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) (٤) ، كلا نفي لقولهم سيعلمون عاقبة تكذيبهم حتى تنكشف الأمور.

(ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) (٥) ، وعيد لهم على أثر وعيد. قال الضحاك : كلا سيعلمون يعني الكافرين ثم كلا سيعلمون يعني المؤمنين ثم ذكر صنائعه ليعلموا توحيده.

فقال : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً) (٦) ، فراشا.

(وَالْجِبالَ أَوْتاداً) (٧) ، للأرض حتى لا تميد.

(وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً) (٨) ، أصنافا ذكورا وإناثا.

(وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً (٩) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً (١٠) وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً (١١) وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً (١٢) وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً (١٣) وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً (١٤) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً (١٥) وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً (١٦) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً (١٧) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً (١٨))

__________________

(١) زيد في المطبوع.

١٩٩

(وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً) (٩) ، أي راحة لأبدانكم. قال الزجاج : السبات أن ينقطع عن الحركة والروح فيه. وقيل : معناه جعلنا نومكم قطعا لأعمالكم لأن أصل السبت القطع.

(وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً) (١٠) ، غطاء وغشاء يستر كل شيء بظلمته.

(وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً) (١١) ، المعاش العيش وكل ما يعاش فيه فهو معاش ، أي جعلنا النهار سببا للمعاش والتصرف في المصالح. قال ابن عباس : يريد تبتغون فيه من فضل الله ، وما قسم لكم من رزقه.

(وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً) (١٢) ، يريد سبع سماوات.

(وَجَعَلْنا سِراجاً) ، يعني الشمس ، (وَهَّاجاً) ، مضيئا منيرا. قال الزجاج : الوهاج الوقاد. وقال مقاتل : جعل فيه نورا وحرارة ، والوهج يجمع النور والحرارة.

(وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ) ، قال مجاهد وقتادة ومقاتل والكلبي : يعني الرياح التي تعصر السحاب ، وهي رواية العوفي عن ابن عباس : قال الأزهري : هي الرياح ذوات الأعاصير ، وعلى هذا التأويل تكون من بمعنى الباء أي بالمعصرات ، وذلك أن الريح تستدر المطر ، وقال أبو العالية والربيع والضحاك : المعصرات هي السحاب وهي رواية الوالبي عن ابن عباس ، وقال الفراء : المعصر السحابة التي تتحلب بالمطر ولا تمطر ، كالمرأة المعصر هي التي دنا حيضها ولم تحض. وقال ابن كيسان : هي المغيثات من قوله : (فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ). وقال الحسن وسعيد بن جبير وزيد بن أسلم ومقاتل بن حيان : من المعصرات أي من السموات. (ماءً ثَجَّاجاً) ، أي صبابا ، وقال مجاهد : مدرارا. وقال قتادة : متتابعا يتلو بعضه بعضا. وقال ابن زيد : كثيرا.

(لِنُخْرِجَ بِهِ) ، أي بذلك الماء ، (حَبًّا) ، وهو ما يأكله الناس ، (وَنَباتاً) ، ما تنبته الأرض مما تأكله الأنعام.

(وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً) (١٦) ، ملتفة بالشجر واحدها لف ولفيف (١) ، وقيل : هو جمع الجمع ، يقال جنة لفا وجمعها لف ، بضم اللام وجمع الجمع ألفاف.

(إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ) ، يوم القضاء بين الخلق ، (كانَ مِيقاتاً) ، لما وعد الله من الثواب والعقاب.

(يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً) (١٨) ، زمرا زمرا من كل مكان للحساب.

(وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً (١٩) وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً (٢٠) إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً (٢١) لِلطَّاغِينَ مَآباً (٢٢) لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً (٢٣) لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً (٢٤) إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً (٢٥))

(وَفُتِحَتِ السَّماءُ) ، قرأ أهل الكوفة فتحت بالتخفيف ، وقرأ الآخرون بالتشديد ، أي شقت لنزول الملائكة ، (فَكانَتْ أَبْواباً) ، أي ذات أبواب. وقيل : تنحل وتتناثر حتى تصير فيها أبواب وطرق.

(وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ) ، عن وجه الأرض ، (فَكانَتْ سَراباً) ، أي هباء منبثا لعين الناظر كالسراب.

(إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً) (٢١) ، طريقا وممرا فلا سبيل لأحد إلى الجنة حتى يقطع النار. وقيل : كانت مرصادا أي معدة لهم ، يقال : أرصدت له الشيء إذا أعددته له. وقيل : هو من رصدت الشيء أرصده إذا

__________________

(١) في المطبوع «وليف».

٢٠٠