تفسير البغوي - ج ٥

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي

تفسير البغوي - ج ٥

المؤلف:

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي


المحقق: عبدالرزاق المهدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٣

[٢٣٤٥] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل أنا موسى بن إسماعيل ثنا وهيب (١) ثنا هشام عن أبيه أنه أخبره عبد الله بن زمعة أنه سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخطب وذكر الناقة والذي عقرها فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «(إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها) ، انبعث لها رجل عزيز عارم منيع في أهله مثل أبي زمعة».

(فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ) ، صالح (ناقَةَ اللهِ) ، [أي احذروا عقر ناقة الله. وقال الزجاج منصوب على معنى ذروا ناقة الله ، (وَسُقْياها) ، شربها](٢) أي ذروا ناقة الله وذروا شربها من الماء ، فلا تعرضوا للماء يوم شربها.

(فَكَذَّبُوهُ) ، يعني صالحا ، (فَعَقَرُوها) ، يعني الناقة.

(وَلا يَخافُ عُقْباها) (١٥) (فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ) ، قال عطاء ومقاتل : فدمر عليهم ربهم فأهلكهم. قال المؤرج (٣) : الدمدمة الهلاك باستئصال. (بِذَنْبِهِمْ) ، بتكذيبهم الرسول وعقرهم الناقة ، (فَسَوَّاها) ، فسوى الدمدمة عليهم جميعا ، وعمهم بها فلم يفلت منهم أحد. وقال الفراء : سوى الأمة وأنزل العذاب بصغيرها وكبيرها ، يعني سوى بينهم ، ولا يخاف عقبها (١٥) ، قرأ أهل المدينة والشام فلا بالفاء وكذلك هو في مصاحفهم ، وقرأ الباقون بالواو وهكذا في مصاحفهم (عُقْباها) عاقبتها. قال الحسن : معناه لا يخاف الله من أحد تبعة في إهلاكهم. وهي رواية [علي بن أبي طلحة](٤) عن ابن عباس : وقال الضحاك والسدي والكلبي : هو راجع إلى العاقر وفي الكلام تقديم وتأخير تقديره : إذا انبعث أشقاها ولا يخاف عقباها.

سورة الليل

مكية وهي إحدى وعشرون آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى (١) وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى (٢) وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (٤) فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (٥))

(وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) (١) ، أي يغشى النهار بظلمة فيذهب بضوئه (وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى) (٢) ، بان وظهر من بين الظلمة.

__________________

[٢٣٤٥] ـ تقدم في سورة الأعراف عند آية : ٧٩.

(١) تصحف في المطبوع «وهب».

(٢) سقط من المطبوع.

(٣) في المطبوع «المدرج» وفي المخطوط «المؤرخ» والمثبت هو الصواب.

(٤) زيادة عن المخطوطتين.

٢٦١

(وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) (٣) ، يعني ومن خلق ، وقيل : هي (ما) المصدرية أي وخلق الذكر والأنثى.

قال مقاتل والكلبي : يعني آدم وحواء وفي قراءة ابن مسعود وأبي الدرداء والذكر والأنثى جواب القسم.

قوله : (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) (٤) ، إن أعمالكم لمختلفة فساع في فكاك نفسه وساع في عطبها.

[٢٣٤٦] روى أبو مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها».

(فَأَمَّا مَنْ أَعْطى) ، ماله في سبيل الله ، (وَاتَّقى) ، ربه.

(وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (١٠))

(وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى) (٦) ، قال أبو عبد الرحمن السلمي والضحاك : وصدّق بلا إله إلا الله ، هي رواية عطية عن ابن عباس. وقال مجاهد : بالجنة دليله قوله تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى) [يونس : ٢٦] يعني الجنة. وقيل : صدّق بالحسنى أي بالخلف ، أي أيقن أن الله تعالى سيخلفه. وهي رواية عكرمة عن ابن عباس. وقال قتادة ومقاتل والكلبي : بموعود الله عزوجل الذي وعده أن يفي به.

(فَسَنُيَسِّرُهُ) ، فسنهيئه في الدنيا ، (لِلْعُسْرى) ، أي للخلة اليسرى وهي العمل بما يرضاه الله عزوجل :

(وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ) ، بالنفقة في الخير ، (وَاسْتَغْنى) ، عن ثواب الله فلم يرغب فيه.

(وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) (١٠) ، سنهيئه للشر بأن نجزيه على يديه حتى يعمل بما لا يرضى الله ، فيستوجب به النار. قال مقاتل : نعسر عليه أن يأتي خيرا.

[٢٣٤٧] وروينا عن علي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ما من نفس منفوسة إلا قد كتب مكانها في الجنة أو النار» ، فقال رجل : أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ قال : «لا ولكن اعملوا فكل ميسر لما خلق له ، أما أهل الشقاء فييسرون لعمل أهل الشقاء ، وأما أهل السعادة فسييسرون لعمل أهل السعادة» ، ثم تلا : (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٥) وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (٦) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٧) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٨).

قيل : نزلت في أبي بكر الصديق اشترى بلالا من أمية بن خلف ببردة وعشر أواق ، فأعتقه فأنزل الله تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) (١) ، إلى قوله : (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) (٤) يعني سعي أبي بكر وأمية.

__________________

[٢٣٤٦] ـ صحيح. وهو قطعة من حديث ، وصدره «الطهور شطر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان ...».

ـ أخرجه مسلم ٢٢٣ والترمذي ٣٥١٧ والنسائي في «عمل اليوم والليلة» ١٦٨ وأحمد ٥ / ٣٤٢ و ٣٤٢ من طرق عن أبان بن يزيد عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن أبي سلام عن أبي مالك الأشعري.

ـ وأخرجه ابن حبان ٨٤٤ من طريق معاوية بن سلّام عن زيد بن سلّام بالإسناد المذكور.

ـ وتقدم مسندا.

[٢٣٤٧] ـ تقدم في سورة هود عند آية : ١٠٥.

٢٦٢

[٢٣٤٨] وروى علي بن حجر عن إسحاق بن نجيح عن عطاء ، قال : كان لرجل من الأنصار نخلة وكان له جار يسقط من بلحها في داره ، وكان صبيانه يتناولون منه فشكا ذلك إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بعنيها بنخلة في الجنة فأبى» ، فخرج فلقيه أبو الدحداح ، فقال له : هل لك أن تبيعها بحش ، يعني حائطا له ، فقال : هي لك فأتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله أتشتريها مني بنخلة في الجنة ، قال : «نعم» قال : هي لك ، فدعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جار الأنصاري فقال : «خذها». فأنزل الله تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) (١) إلى قوله : (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) (٤) [في أبي](١) الدحداح والأنصاري صاحب النخلة (٢) ، (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى) (٥) ، يعني أبا الدحداح ، (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى) (٧) يعني الجنة ، (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى) (٨) يعني الأنصاري ، (وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى) (٩) يعني الثواب ، (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) (١٠) ، يعني النار.

(وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى (١١) إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (١٢) وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (١٣) فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (١٤) لا يَصْلاها إِلاَّ الْأَشْقَى (١٥) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٦) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (١٨) وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (١٩) إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (٢٠) وَلَسَوْفَ يَرْضى (٢١))

(وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ) ، الذي بخل به ، (إِذا تَرَدَّى) ، قال مجاهد : إذا مات. وقال قتادة وأبو صالح هوى في جهنم.

(إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى) (١٢) ، يعني البيان. قال الزجاج : علينا أن نبين طريق الهدى من طريق الضلال ، وهو قول قتادة : قال : على الله بيان حلاله وحرامه. قال الفراء : يعني من سلك الهدى فعلى الله سبيله ، كقوله تعالى : (وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) [النحل : ٩] يقول : من أراد الله فهو على السبيل القاصد. وقيل معناه : إن علينا للهدى والإضلال كقوله : (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) [آل عمران : ٢٦].

(وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى) (١٣) ، فمن طلبهما من غير مالكهما فقد أخطأ الطريق.

(فَأَنْذَرْتُكُمْ) ، يا أهل مكة ، (ناراً تَلَظَّى) ، أي تتلظى يعني تتوقد وتتوهج.

(لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى (١٥) الَّذِي كَذَّبَ) الرسول ، (وَتَوَلَّى) ، عن الإيمان.

(وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) (١٧) ، يريد بالأشقى الشقي ، وبالأتقى التقي.

__________________

[٢٣٤٨] ـ ضعيف جدا بهذا اللفظ. ذكره المصنف من رواية علي بن حجر عن إسحاق بن أبي نجيح عن عطاء مرسلا ، ومعلقا ، وإسحاق هذا كذاب ، فهو لا شيء.

ـ وأخرجه ابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» عند هذه الآية والواحدي في «أسباب النزول» ٨٥٢ وفي «الوسيط» ٤ / ٥٠٢ من طريق حفص بن عمر عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس مطوّلا ، ولم يذكر اسم «أبي الدحداح».

ـ وإسناده واه لأجل حفص بن عمر بن ميمون ، ضعفه الحافظ في «التقريب» وجرحه ابن حبان.

والجمهور على أنها نزلت في أبي بكر والله أعلم. ثم إن السورة مكية ، وذاك أنصاري؟!

ـ وورد بمعناه دون ذكر الآية من حديث جابر أخرجه أحمد ٣ / ٣٢٨ وقال الهيثمي في «المجمع» ٣ / ١٢٧ : رواه أحمد والبزار ، وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل ، وفيه كلام وقد وثق.

ـ قلت : ضعفه غير واحد لسوء حفظه ، وهو غير حجة.

(١) في المطبوع «أبو».

(٢) مثل هذا التأويل لكل رجل آية ، هو باطل من بدع التأويل.

٢٦٣

(الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ) ، يعطي ماله ، (يَتَزَكَّى) ، يطلب أن يكون عند الله زاكيا لا رياء ولا سمعة ، يعني أبا بكر الصديق ، في قول الجميع.

قال ابن الزبير : كان أبو بكر يبتاع الضعفة فيعتقهم ، فقال [له](١) أبوه : أي بني لو كنت تبتاع من يمنع ظهرك؟ قال : منع ظهري أريد ، فنزل : (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) (١٧) إلى آخر السورة.

وذكر محمد بن إسحاق قال : كان بلال لبعض بني جمح (٢) وهو بلال بن رباح واسم أمه حمامة ، وكان صادق الإسلام طاهر القلب ، وكان أمية بن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره ببطحاء مكة ، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ، ثم يقول له لا تزال هكذا حتى تموت ، أو تكفر بمحمد ، فيقول وهو في ذلك البلاء : أحد أحد. وقال محمد بن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه قال : مر به أبو بكر يوما وهم يصنعون به ذلك ، وكانت دار أبي بكر في بني جمح ، فقال لأمية ألا تتقي الله تعالى في هذا المسكين؟ قال : أنت أفسدته فأنقذه مما ترى ، قال أبو بكر : أفعل! عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى ، على دينك ، أعطيكه؟ قال : قد فعلت فأعطاه أبو بكر غلامه وأخذه فأعتقه ، ثم أعتق معه على الإسلام قبل أن يهاجر ست رقاب ، بلال سابعهم ، عامر بن فهيرة شهد بدرا وأحدا ، وقتل يوم بئر معونة شهيدا ، وأم عميس ، وزنيرة (٣) فأصيب بصرها وأعتقها ، فقالت قريش : ما أذهب بصرها إلا اللات والعزى ، فقالت : كذبوا وبيت الله ما تضر اللات والعزى ، وما تنفعان فرد الله إليها بصرها ، وأعتق النهدية وابنتها ، وكانتا لامرأة من بني عبد الدار فمر بهما وقد بعثتهما سيدتهما تحطبان لها وهي تقول والله لا أعتقكما أبدا ، فقال أبو بكر : كلا يا أم فلان ، فقالت : كلا أنت أفسدتهما فأعتقهما ، قال : فبكم؟ قالت : بكذا وكذا ، قال : قد أخذتهما وهما حرتان ، ومر بجارية بني المؤمل وهي تعذب فابتاعها فأعتقها.

وقال سعيد بن المسيب : بلغني أن أمية بن خلف قال لأبي بكر في بلال حين قال : أتبيعه؟ قال : نعم أبيعه بنسطاس ، وكان نسطاس عبدا لأبي بكر صاحب عشرة آلاف دينار ، وغلمان وجوار ومواش ، وكان مشركا حمله أبو بكر على الإسلام على أن يكون ماله له ، فأبى فأبغضه أبو بكر ، فلما قال له أمية : أبيعه بغلامك نسطاس اغتنمه أبو بكر وباعه منه ، فقال المشركون : ما فعل ذلك أبو بكر إلا ليد كانت لبلال عنده. فأنزل الله (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى) (١٩) ، أي يجازيه عليها.

(إِلَّا) ، لكن (ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) ، يعني لا يفعل ذلك مجازاة لأحد بيد له عنده ، ولكنه يفعله ابتغاء وجه ربه الأعلى وطلب رضاه.

(وَلَسَوْفَ يَرْضى) (٢١) ، بما يعطيه الله عزوجل في الآخرة من الجنة والكرامة جزاء على ما فعل.

__________________

(١) زيادة عن المخطوطتين.

(٢) تصحف في المطبوع «جمع».

(٣) في المطبوع «وزهرة».

٢٦٤

سورة الضحى

مكية [وهي إحدى عشرة آية](١)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(وَالضُّحى (١) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (٢) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (٣) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (٤))

[٢٣٤٩] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا أحمد بن يونس ثنا زهير ثنا الأسود بن قيس قال : سمعت جندب بن سفيان قال اشتكى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم يقم ليلتين أو ثلاثا فجاءت امرأة فقالت : يا محمد إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاث ، فأنزل الله عزوجل : (وَالضُّحى (١) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (٢) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) (٣).

وقيل : إن المرأة التي قالت ذلك أم جميل امرأة أبي لهب.

وقال المفسرون : سألت اليهود رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ذي القرنين وأصحاب الكهف (٢) وعن الروح فقال : «سأخبركم غدا» ، ولم يقل : إن شاء الله ، فاحتبس عنه الوحي.

[٢٣٥٠] وقال زيد بن أسلم : كان سبب احتباس جبريل عليه‌السلام عنه كان جروا في بيته ، فلما نزل

__________________

[٢٣٤٩] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ أحمد هو ابن عبد الله بن يونس ، نسبه لجده ، زهير هو ابن معاوية.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٤٩٥٠ عن أحمد بن يونس بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ١١٢٥ و ١١٢٤ و ٤٩٨٣ والترمذي ٣٣٤٥ والطبري ٣٧٥٠٤ وابن حبان ٦٥٦٦ والطبراني ١٧٠٩ والبيهقي ٣ / ١٤ وفي «الدلائل» ٧ / ٥٨ والواحدي في «الوسيط» ٤ / ٥٠٧ وفي «أسباب النزول» ٨٥٨ من طرق عن سفيان عن الأسود بن قيس به.

ـ وأخرجه البخاري ٤٩٥١ ومسلم ١٧٩٧ ح ١١٥ والطبري ٣٧٥١٥ والطبراني ١٧١٠ و ١٧١١ وأحمد ٤ / ٣١٢ والبيهقي ٣ / ١٤ من طريقين عن الأسود بن قيس به.

ـ وفي الباب أحاديث ، وهذا الحديث أصحها إسنادا وأحسنها متنا.

[٢٣٥٠] ـ ذكره عن زيد هاهنا تعليقا ، وإسناده إليه مذكور أول الكتاب ، وهو مرسل ، وله علة ثانية ، وهي كونه من رواية ابنه عبد الرحمن ، وهو واه.

ـ وصح هذا السياق لكن ليس فيه نزول سورة الضحى عقب ذلك.

ـ فقد أخرج مسلم ٢١٠٥ وأبو داود ٤١٥٧ والنسائي ٧ / ١٨٦ وأحمد ٦ / ٣٣٠ وأبو يعلى ٧٠٩٣ و ٧١١٢ من طريق

(١) زيد في المطبوع.

(٢) تقدم في سورة الكهف.

٢٦٥

عاتبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على إبطائه ، فقال : «إنا لا ندخل بيتا فيه كلب أو صورة».

واختلفوا في مدة احتباس الوحي عنه ، فقال ابن جريج : اثنا عشر يوما. وقال ابن عباس : خمسة عشر يوما. وقال مقاتل : أربعون يوما.

[٢٣٥١] قال المفسرون : فقال المشركون : إن محمدا ودّعه ربه وقلاه ، فأنزل الله تعالى هذه السورة ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا جبريل ما جئت حتى اشتقت إليك» ، فقال جبريل : «إني كنت أشد شوقا إليك ، ولكني عبد مأمور» ، فأنزل : (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) [مريم : ٦٤].

قوله عزوجل : (وَالضُّحى) (١) ، أقسم بالضحى وأراد به النهار كله بدليل أنه قابله بالليل إذا سجى ، نظيره قوله (أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى) [الأعراف : ٩٨] ، أي نهارا. وقال قتادة ومقاتل : يعني وقت الضحى ، وهي الساعة التي فيها ارتفاع الشمس ، واعتدال النهار في الحر والبرد والصيف والشتاء.

(وَاللَّيْلِ إِذا سَجى) (٢) ، قال الحسن : أقبل بظلامه ، وهي رواية العوفي عن ابن عباس : وقال الوالبي عنه : إذا ذهب ، قال عطاء والضحاك : غطى كل شيء بالظلمة ، وقال مجاهد : استوى. وقال قتادة وابن زيد : سكن واستقر ظلامه فلا يزداد بعد ذلك. يقال : ليل ساج وبحر ساج إذا كان ساكنا.

قوله تعالى : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) (٣) ، هذا جواب القسم : أي ما تركك منذ اختارك ولا أبغضك منذ أحبك.

(وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى) (٤).

[٢٣٥٢] حدثنا المطهر بن علي الفارسي أنا محمد بن إبراهيم الصالحي أنا عبد الله بن محمد بن جعفر أبو

__________________

الزهري عن ابن السباق عن ابن عباس عن ميمونة : «أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أصبح يوما واجما فقالت ميمونة : يا رسول الله! لقد استنكرت هيئتك منذ اليوم. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن جبريل كان وعدني أن يلقاني الليلة ، فلم يلقني. أم والله ما أخلفني» فظل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يومه ذاك على ذلك ، ثم وقع في نفسه جر وكلب تحت فسطاط لنا ، فأمر به فأخرج ثم أخذ بيده ماء فنضح مكانه ، فلما أمسى لقيه جبريل فقال له : قد كنت وعدتني أن تلقاني البارحة قال : أجل ، ولكنا لا ندخل بيتا فيه كلب ، ولا صورة».

ـ وأخرجه مسلم ٢١٠٤ وأحمد ٦ / ١٤٢ ـ ١٤٣ وأبو يعلى ٤٥٠٨ من حديث عائشة بنحوه.

[٢٣٥١] ـ أخرجه الطبري ٣٧٥١١ من حديث ابن عباس دون عجزه : «فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا جبريل ...» وإسناده ضعيف.

ـ وأخرجه الطبري ٣٥٧١٠ عن الضحاك و ٣٧٥٠٨ عن قتادة و ٣٧٥٠٧ عن عبد الله بن شداد كلهم دون عجز الحديث.

ـ وكذا أخرجه مسلم ١٧٩٧ ح ١١٤ وابن حبان ٦٥٦٥ من حديث جندب البجلي : «أبطأ جبريل على لنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال المشركون : قد ودّع. فأنزل الله (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى).

ـ وعجزه قد ساقه الواحدي في «أسباب النزول» ٦٠٦ عن عكرمة والضحاك وقتادة ومقاتل والكلبي مرسلا بدون إسناد.

ـ وتقدم في سورة مريم ، آية ٦٤.

[٢٣٥٢] ـ ضعيف.

ـ إسناده ضعيف لضعف يزيد بن أبي زياد ، وزاد فيه ابن أبي عاصم زيادة منكرة تدل على وهنه.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٩٤٢ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «السنة» ١٤٩٩ لابن أبي عاصم عن أبي بكر بن أبي شيبة بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه أبو الشيخ في «أخلاق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم» ٨٤٩ عن ابن أبي عاصم بهذا الإسناد.

٢٦٦

الشيخ الحافظ أنا ابن أبي عاصم أنا أبو بكر بن أبي شيبة أنا معاوية بن هشام عن علي بن صالح عن يزيد بن [أبي](١) زياد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا».

(وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (٥))

. قال عطاء عن ابن عباس : هو الشفاعة في أمته حتى يرضى ، وهو قول علي والحسن.

[٢٣٥٣] وروينا عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «اللهم أمتي أمتي وبكى ، فقال الله : يا جبريل اذهب إلى محمد فقل له إنا سنرضيك في أمتك ، ولا نسوءك فيهم». وقال حرب بن شريح : سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقول : إنكم معشر أهل العراق تقولون أرجى آية في القرآن : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) ، وإنا أهل البيت نقول أرجى آية في كتاب الله.

قيل : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ) من الثواب. وقيل : من النصر والتمكين وكثرة المؤمنين ، (فَتَرْضى). ثم أخبره الله عزوجل عن حالته التي كان عليها قبل الوحي ، وذكره نعمه فقال جل ذكره :

(أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (٦) وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى (٧) وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى (٨))

(أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى) (٦).

[٢٣٥٤] أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي فقال : أنبأني عبد الله بن حامد الأصفهاني أنا محمد بن عبد الله النيسابوري ثنا محمد بن عيسى أنا أبو عمرو الحوضي وأبو الربيع الزهراني عن حماد بن زيد عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «سألت ربي مسألة وودت إني لم أكن سألته ، قلت : يا رب إنك آتيت سليمان بن داود ملكا عظيما ، وآتيت فلانا كذا وآتيت فلانا كذا؟ قال : يا محمد ألم أجدك يتيما فآويتك؟ قلت : بلى أي رب ، قال :

__________________

ـ وأخرجه ابن ماجه ٤٠٨٢ من طريق معاوية بن هشام به.

ـ وأخرجه الحاكم ٤ / ٤٦٤ من طريق عمرو بن قيس الملائي عن الحكم عن إبراهيم عن علقمة بن قيس ، وعبيدة السلماني عن ابن مسعود مطوّلا.

ـ وسكت عنه الحاكم وقال الذهبي : موضوع.

ـ وقال البوصيري في «الزوائد» : إسناده ضعيف ، لضعف يزيد بن أبي زياد الكوفي ، لكن لم ينفرد به ، فقد رواه الحاكم في «المستدرك» من طريق عمرو بن قيس عن الحكم عن إبراهيم.

ـ قلت : هو بعض حديث طويل ، وفيه ألفاظ منكرة ، لذا حكم الذهبي بوضعه.

[٢٣٥٣] ـ تقدم في سورة المائدة عند آية : ١١٨ ، أخرجه مسلم ١ / ١٩١ وغيره.

[٢٣٥٤] ـ إسناده حسن ، حماد بن زيد قد سمع من عطاء قبل الاختلاط ، فالإسناد حسن إن شاء الله.

ـ وأخرجه الحاكم ٢ / ٥٢٦ والطبراني في «الكبير» ١١ / ٤٥٥ والبيهقي في «الدلائل» ٧ / ٦٣ والواحدي في «أسباب النزول» ٨٦٢ و «الوسيط» ٤ / ٥١١ من طرق عن حماد بن زيد به.

ـ وصححه الحاكم! ووافقه الذهبي! وحسبه أن يكون حسنا.

ـ وذكره الهيثمي في «المجمع» ٨ / ٢٥٣ وقال : وفيه عطاء بن السائب ، وقد اختلط.

ـ قلت : سمع منه حماد بن زيد قبل اختلاطه كما تقدم.

(١) زيادة عن المخطوط.

٢٦٧

ألم أجدك ضالا فهديتك؟ قلت : بلى أي ربّ ، قال : ألم أجدك عائلا فأغنيتك؟ قلت : بلى أي رب».

وزاد غيره عن حماد قال : «ألم أشرح لك صدرك ووضعت عنك وزرك؟ قلت : بلى أي رب» (١).

ومعنى الآية : ألم يجدك يتيما صغيرا فقيرا حين مات أبواك ولم يخلفا لك مالا ولا مأوى ، فجعل لك مأوى تأوي إليه ، وضمك إلى عمك أبي طالب حتى أحسن تربيتك وكفاك المئونة.

(وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) (٧) ، يعني ضالا عما أنت عليه فهداك للتوحيد والنبوة : قال الحسن والضحاك وابن كيسان : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا) عن معالم النبوة وأحكام الشريعة غافلا عنها ، فهداك إليها ، كما قال : (وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ) [يوسف : ٣] وقال : (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) [الشورى : ٥٢] ، وقيل : ضالا في شعاب مكة فهداك إلى جدك عبد المطلب.

[٢٣٥٥] روى أبو الضحى عن ابن عباس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ضل في شعاب مكة وهو صبي صغير ، فرآه أبو جهل منصرفا من أغنامه فرده إلى عبد المطلب.

[٢٣٥٦] وقال سعيد بن المسيب : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع عمه أبي طالب في قافلة ميسرة غلام خديجة فبينما هو راكب ذات ليلة ظلماء [على](٢) ناقة إذ جاء إبليس فأخذ بزمام الناقة فعدل به عن الطريق ، فجاء جبريل فنفخ إبليس نفخة وقع منها إلى أرض الحبشة ، ورده إلى القافلة فمن الله عليه بذلك.

وقيل : وجدك ضالا نفسك لا تدري من أنت ، فعرّفك نفسك وحالك.

(وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى) (٨) ، أي فقيرا فأغناك بمال خديجة ثم بالغنائم ، وقال مقاتل : فرضّاك بما أعطاك من الرزق. واختاره الفراء. وقال : لم يكن غنيا عن كثرة المال ولكن الله رضاه بما آتاه وذلك حقيقة الغنى.

[٢٣٥٧] أخبرنا حسان بن سعيد المنيعي أنبأنا أبو طاهر محمد بن محمد محمش الزيادي أبا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ثنا أحمد بن يوسف السلمي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه أنه قال أنا أبو

__________________

(١) هذه الرواية عند الواحدي برقم ٨٦٢ من طريق عبد الله بن عبد الله الحجبي عن حماد بن زيد به.

[٢٣٥٥] ـ باطل. ذكره المصنف هكذا عن أبي الضحى بدون إسناد ، وأبو الضحى ثقة ، فلو روى له الأئمة الستة ، فلو كان هذا الخبر عنده ، لرواه الأئمة في كتبهم ، وكل ذلك لم يكن ، وليس للمصنف إسناد في أول الكتاب من طريق أبي الضحى عن ابن عباس.

ـ وقد ذكر ابن كثير ٤ / ٦٢٣ هذا الخبر ، وعزاه للبغوي ، فهذا دليل على أن ابن كثير لم يجد له أصلا.

ـ وانظر ما بعده.

[٢٣٥٦] ـ لم أقف على إسناده ، وهو باطل كسابقه ، وعزاه أيضا ابن كثير ٤ / ٦٢٣ للبغوي ، وهذا وما قبله من بدع التأويل.

ـ والصواب في تأويل الآية ، هو كونه عليه‌السلام ضالا عن أحكام شريعة الإسلام حيث نزل القرآن ، وأوحى الله إليه السنة ، والله أعلم.

[٢٣٥٧] ـ إسناده صحيح ، أحمد السلمي ثقة روى له مسلم ، وقد توبع ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٩٣٥ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه أحمد ٢ / ٣١٥ من طريق عبد الرزاق به.

ـ وأخرجه البخاري ٦٤٤٦ ومسلم ١٠٥١ والترمذي ٢٣٧٣ وابن ماجه ٤١٣٧ وأحمد ٢ / ٢٤٣ و ٩٨٩ و ٣٩٠ و ٤٤٣ وابن حبان ٦٧٩ وأبو نعيم في «الحلية» ٤ / ٩٩ والقضاعي ١٢١٠ و ١٢١١ من طرق عن أبي هريرة به.

(٢) زيادة عن المخطوط.

٢٦٨

هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ليس الغنى عن كثرة العرض ، ولكن الغنى غنى النفس».

[٢٣٥٨] أنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أبو عبد الله محمد بن الحسين الزغرتاني (١) أنا أحمد بن سعيد أنا أبو يحيى محمد بن عبد الله ثنا أبي حدثني شرحبيل بن شريك عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «قد أفلح من أسلم ، ورزق كفافا ، وقنعه الله بما آتاه».

ثم أوصاه باليتامى والفقراء.

فقال : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) (٩) ، قال مجاهد : لا تحتقر اليتيم فقد كنت يتيما. وقال الفراء والزجاج : لا تقهره على ماله فتذهب بحقه لضعفه ، وكذا كانت العرب تفعل في أمر اليتامى ، تأخذ أموالهم وتظلمهم حقوقهم.

[٢٣٥٩] أخبرنا أبو بكر محمد [بن](٢) عبد الله بن أبي توبة أنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث أنا أبو

__________________

[٢٣٥٨] ـ صحيح. أبو يحيى ثقة ، وقد توبع ومن دونه ، ومن فوقه على شرط مسلم.

ـ أبو عبد الرحمن هو عبد الله بن يزيد.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٩٣٨ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ١٠٥٤ والترمذي ٢٣٤٨ وأحمد ٢ / ١٦٨ و ١٧٢ والبيهقي ٤ / ١٩٦ من طريق شرحبيل بن شريك به.

ـ وأخرجه ابن ماجه ٤١٣٨ وأحمد ٢ / ١٧٣ من طريق أبي عبد الرحمن الحبلي به.

ـ وأخرجه ابن حبان ٦٧٠ وأبو نعيم في «الحلية» ٦ / ١٢٩ من طريق سعيد بن عبد العزيز عن عبد الرحمن بن سلمة الجمحي عن عبد الله بن عمرو به.

[٢٣٥٩] ـ صدره ضعيف ، وعجزه صحيح.

ـ إسناده ضعيف لضعف يحيى بن أبي سليمان.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٣٤٩ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «الزهد» ٦٥٤ عن سعيد بن أبي أيوب بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه ابن ماجه ٣٦٧٩ من طريق أبي المبارك بهذا الإسناد دون عجزه.

ـ قال البوصيري في «الزوائد» في إسناده يحيى بن سليمان أبو صالح قال فيه البخاري : منكر الحديث. وقال أبو حاتم :

مضطرب الحديث. وذكره ابن حبان في «الثقات».

ـ وأخرجه البخاري في «الأدب المفرد» ١٣٧ عن عبد الله بن عثمان عن سعيد بن أبي أيوب بهذا الإسناد.

ـ وصح عجزه من وجه آخر.

ـ أخرجه مسلم ٢٩٨٣ من طريق مالك عن ثور بن زيد الديلي عن أبي الغيث عن أبي هريرة مرفوعا.

ـ ولعجزه شاهد من حديث سهل بن سعد :

ـ أخرجه البخاري ٥٣٠٤ و ٦٠٠٥ وأبو داود ٥١٥٠ والترمذي ١٩١٨ وأحمد ٥ / ٣٣٣ وأبو يعلى ٧٥٥٣ وابن حبان ٤٦٠ والبيهقي ٦ / ٢٨٣ والبغوي ٣٣٤٨.

ـ وله شاهد آخر من حديث مرة الفهري :

ـ أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» ١٣٣ والحميدي ٨٣٨ والبيهقي ٦ / ٢٨٣.

ـ ومن حديث عائشة :

أخرجه أبو يعلى ٤٨٦٦ وإسناده ضعيف ، فيه ليث بن أبي سليم.

ـ ومن حديث أبي أمامة :

أخرجه أحمد ٥ / ٢٥٠ و ٢٦٥ والبغوي ٣٣٥٠ وإسناده ضعيف ، فيه علي بن يزيد الألهاني.

(١) تصحف في المطبوع «الزعفراني».

(٢) سقط من المطبوع.

٢٦٩

الحسن محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا أبو إسحاق إبراهيم بن الخلال ثنا عبد الله بن المبارك عن سعيد بن أبي أيوب عن يحيى بن [أبي](١) بن سليمان عن زيد (٢) بن أبي عتاب عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه ، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه» ، ثم قال بأصبعيه : «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وهو يشير بأصبعه السبابة والوسطى».

(فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (٩) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (١٠) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (١١))

(وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) (١٠) ، قال المفسرون : يريد السائل على الباب ، يقول : لا تنهره لا تزجره إذا سألك ، فقد كنت فقيرا فإما أن تطعمه وإما أن ترده ردا لينا ، يقال : نهره وانتهره إذا استقبله بكلام يزجره قال قتادة : رد السائل برحمة ولين [و] قال إبراهيم بن أدهم نعم القوم السؤال يحملون زادنا إلى الآخرة.

وقال إبراهيم النخعي : السائل يريدنا إلى الآخرة يجيء إلى باب أحدكم فيقول : هل توجهون إلى أهليكم بشيء؟ وروي عن الحسن في قوله : (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) (١٠) ، قال طالب العلم.

(وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (١١) ، قال مجاهد يعني النبوة روى عنه أبو بشر واختاره الزجاج وقال : أي بلغ ما أرسلت به ، وحدث بالنبوة التي آتاك الله. وقال الليث عن مجاهد : يعني القرآن وهو قول الكلبي ، أمره أن يقرأه ، وقال مقاتل : اشكر لما ذكر من النعمة عليك في هذه السورة من جبر اليتيم والهدي بعد الضلالة والإغناء بعد العيلة ، والتحدث بنعمة الله شكرا.

[٢٣٦٠] أخبرنا أبو سعيد بكر بن محمد بن محمد بن محمي (٣) البسطامي (٤) ثنا أبو الحسن عبد الرحمن بن

__________________

ـ الخلاصة : صدره ضعيف ، وعجزه صحيح شواهده كثيرة كما ترى وقد صح عند مسلم.

[٢٣٦٠] ـ حديث حسن بطرقه وشواهده ، والفقرة الأخيرة منه في الصحيح.

ـ إسناده ضعيف ، شرحبيل هو ابن سعد ، ضعفه غير واحد.

ـ وقال الحافظ في «التقريب» : صدوق اختلط.

لكن توبع ، وللحديث شواهد.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٥٠٣ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري في «الأدب المفرد» ٢١٥ عن سعيد بن عفير بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه أبو داود ٤٨١٣ والبيهقي ٦ / ١٨٢ من طريق عمارة بن غزية عن شرحبيل رجل من قومه عن جابر.

ـ وأخرجه الترمذي ٢٠٣٤ من طريق عمارة بن غزية عن أبي الزبير عن جابر.

ـ وإسناده ضعيف ، فيه إسماعيل بن عياش ، روايته عن غير أهل بلده ـ الشاميين ـ ضعيفة ، وشيخه حجازي.

ـ وأخرجه القضاعي ٤٨٦ من طريق سعيد بن الحارث عن جابر وإسناده واه.

ـ وأخرجه ابن حبان ٣٤١٥ والقضاعي من طريق زيد بن أبي أنيسة عن شرحبيل عن جابر.

ـ وأخرجه ابن عدي في «الكامل» ١ / ٣٥٦ من طريق أيوب بن سويد عن الأوزاعي عن محمد بن المنكدر عن جابر بنحوه ، وإسناده لا بأس به.

ـ وله شاهد من حديث عائشة أخرجه الطبراني في «الأوسط» ٢٤٨٤ وأحمد ٦ / ٩٠.

ـ وقال الهيثمي في «المجمع» ٨ / ١٨١ : وفيه صالح بن أبي الأخضر ، وقد وثق على ضعفه ، وبقية رجال أحمد ثقات ا ه.

(١) سقط من المطبوع.

(٢) تصحف في المطبوع «يزيد».

(٣) تصحف في المخطوط «محمر».

(٤) في المخطوط البسامي.

٢٧٠

إبراهيم بن محمد بن يحيى بن سختويه أنا عبد الله بن محمد بن الحسين النصرآباذي ثنا علي بن سعيد النسوي أنا سعيد بن عفير ثنا يحيى بن أيوب عن عمارة بن غزية عن شرحبيل مولى الأنصاري ، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من صنع إليه معروف فليجز به ، فإن لم يجد ما يجزي به فليثن عليه فإنه إذا أثنى عليه فقد شكره ، وإن كتمه فقد كفره ، ومن تحلى بما لم يعط كان كلابس ثوبي زور».

[٢٣٦١] أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا الحسين بن محمد بن الحسين ثنا أحمد بن

__________________

ـ ولقوله : «فإن لم يجد ما يجزي به فليثن عليه ، فإنه إذا أثنى عليه فقد شكره» شاهد من حديث ابن عمر أخرجه أبو داود ١٦٧٢ والنسائي ٥ / ٨٢ والبخاري في «الأدب المفرد» ٢١٦ والحاكم ١ / ٤١٢ و ٢ / ٦٣ ـ ٦٤ وابن حبان ٣٤٠٨ والبيهقي ٤ / ١٩٩ والقضاعي ٤٢١ من طرق عن أبي عوانة عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر.

ـ وصححه الحاكم ، وقال الذهبي : لم يخرجاه لاختلاف أصحاب الأعمش فيه.

ـ وله شاهد من حديث يحيى بن صيفي أخرجه ابن أبي الدنيا في «قضاء الحوائج» ٧٥ وإسناده واه.

ـ جاءت عن جماعة من الصحابة تبلغ حد الشهرة ، لا أذكرها خشية التطويل ، لكن انظر «مجمع الزوائد» ٨ / ١٧٩ ـ ١٨١ برقم ١٣٦٣٣ إلى ١٣٦٣٩ و «قضاء الحوائج» ٧١ و ٧٢ و ٧٣ و ٧٤.

ـ ومع ذلك ذكر الألباني هذا الحديث في «الصحيحة» ٦٦٧ وقال : إسناده حسن ، رجاله ثقات ، وفي أبي عبد الرحمن ، واسمه القاسم بن عبد الرحمن كلام ، لا ينزل حديثه من رتبة الحسن ، وكذلك الجراح بن مليح.

ـ كذا قال!! ولم يذكر له شواهد ولا طرق ولا متابعات.

ـ وهذا وهم من وجهين الوجه الأول : أبو عبد الرحمن هو القاسم بن الوليد ، كما هو بيّن عند جميع الرواة ، وكتب التراجم ، وأما القاسم أبو عبد الرحمن ، فذاك شامي ، وهو غير هذا ، وليس من طبقته ، ثم ذاك أيضا ضعفه الجمهور ، وحديثه ينحط عن الحسن.

ـ وأما الثاني : حكم على الإسناد بالحسن ، وتقدم أنه تفرد به الجراح وضعفه الجمهور ، والقول قول أبو حاتم : لا يحتج به ، وتقدم أن المتن مضطرب.

ـ الخلاصة : هو حديث ضعيف.

ـ وقال الحافظ ابن كثير في «التفسير» ٤ إسناده ضعيف.

ـ وكذا ضعفه السيوطي في «الدر المنثور» ٦ / ٦١٢.

ـ الخلاصة : هو حديث حسن بطرقه وشواهده ، والفقرة الأخيرة منه في الصحيح.

[٢٣٦١] ـ ضعيف ، سوى «من لم يشكر الناس لم يشكر الله» فإنه صحيح بشواهده.

ـ إسناده ضعيف ، مداره بهذا اللفظ على أبي وكيع ، وهو الجراح بن مليح ، ضعفه الجمهور ، ووثقه بعضهم كما سيأتي ، وحديثه هذا ضعيف بهذا التمام.

ـ وأخرجه أحمد ٤ / ٢٧٨ و ٤ / ٣٧٥ وابنه في «زوائده» ٤ / ٣٧٥ والقضاعي ١٥ و ٣٧٧ وابن أبي الدنيا في «قضاء الحوائج» ٧٨ وابن أبي عاصم في «السنة» ٩٣ والبيهقي في «الشعب» ٤٤١٩ والخرائطي في «فضيلة الشكر» ٨٣ كلهم من طريق الجراح بن مخلد به.

ـ واللفظ لأحمد ، وهو عند ابن أبي عاصم والقضاعي في الرواية الأولى بلفظ «الجماعة رحمه ، والفرقة عذاب» زاد القضاعي «على المنبر» أي قاله على المنبر.

ـ في حين كرره القضاعي في الرواية الثانية فذكر الفقرة الأولى والثانية فقط ، ومثله رواية ابن أبي الدنيا ، في حين جعل الخرائطي صدره «التحدث بنعمة الله شكر ... والجماعة بركة ....» قال بركة بدل «رحمة».

ـ وتارة فيه أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قاله على المنبر ، وتارة ليس فيه ذلك ، ولكن عند الأكثر قوله : على المنبر.

ـ فهذا اضطراب من الجراح والد وكيع ، والاضطراب في المتن موجب للضعف كما هو مقرر في كتاب المصطلح ، فهذه علة.

ـ وعلة ثانية : لو كان هذا الحديث على المنبر لجاء من وجوه صحيحة عن غير واحد من الصحابة ، وكل ذلك لم يكن ، لم

٢٧١

محمد بن إسحاق ثنا أبو القاسم بن منيع ثنا منصور بن أبي مزاحم ثنا [أبو](١) وكيع عن أبي عبد الرحمن يعني القاسم بن الوليد عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول على المنبر : «من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير ، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله ، والتحدث بنعمة الله شكر ، وتركه كفر ، والجماعة رحمة والفرقة عذاب».

والسنة في قراءة أهل مكة أن يكبر من أول سورة والضحى على رأس كل سورة حتى يختم القرآن فيقول : الله أكبر.

[٢٣٦٢] كذلك قرأته على الإمام المقرئ أبي نصر محمد بن أحمد بن علي الحامدي بمرو ، قال : قرأت على

__________________

يرد إلا من هذا الوجه ، فهذه علة ، وهي عدم الاشتهار.

ـ وعلة ثالثة : وهي الإسناد ، حيث تفرد به الجراح.

ـ قال عنه الذهبي في «الميزان» ١ / ٣٨٩ : كان فيه ضعف ، وعسر الحديث وثقه ابن معين مرة ، وضعفه أخرى ، وقال الدارقطني : ليس بشيء ، كثير الوهم ، وقال النسائي وغيره : لا بأس به ، وقال البرقاني : قلت للدارقطني : يعتبر به؟

قال : لا. وقال أبو داود : ثقة.

ـ وقال الحافظ في «التهذيب» ٢ / ٥٨ ـ ٥٩ ما ملخصه : قال ابن سعد : كان ضعيفا في الحديث عسرا ، وقال ابن معين :

ما كتبت عن وكيع عن أبيه شيئا ، وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين : ضعيف ، وقال الدارمي عنه : ليس به بأس ، وكذا قال ابن أبي مريم عنه ، وقال في موضع آخر : ثقة ، وكذا قال الدوري عنه ، وقال ابن عمار : ضعيف. وقال أبو الوليد : ثقة ، وكذا قال أبو داود ، وقال النسائي : ليس به بأس ، وقال البرقاني : سألت الدارقطني عنه ، فقال : ليس بشيء ، هو كثير الوهم ، قلت : يعتبر به؟ قال : لا ، وقال ابن عدي : له أحاديث صالحة ، وحديثه لا بأس به ، وقال أبو حاتم الرازي : يكتب حديثه ، ولا يحتج به ، وقال الأزدي : يتكلمون فيه ، وقال الهيثم بن كليب : سمعت الدوري يقول : دخل وكيع البصرة فاجتمع عليه الناس ، فحدثهم حتى قال حدثني أبي وسفيان ، فصاح الناس من كل جانب :

لا نريد أباك حدثنا عن الثوري ، فأعاد وأعادوا ، رواها الإدريسي في تاريخ سمرقند ، وحكى فيه أن ابن معين كذبه ، وقال : كان وضاعا للحديث ، وقال ابن حبان : كان يقلب الأسانيد ، ويرفع المراسيل ، وزعم يحيى بن معين أنه كان وضاعا للحديث ا ه.

ـ قلت : ملخص هذا ، أن الرجل غير حجة ، وأنه إلى الضعف أقرب ، وهو الذي أميل إليه ، وخاصة في هذا المتن لأن له علة ثانية ، وهي الاضطراب في المتن كما تقدم ، وعلة ثالثة كون الحديث على المنبر ولم يرد إلا من وجه غريب ، لا يحتج به. وكذلك لو كان وكيع ، وهو أحد أئمة علم الحديث ـ اعتدّ بهذا الحديث لروا عن أبيه ، مع أنه روى عن أبيه أحاديث أخر.

[٢٣٦٢] ـ ضعيف جدا. وله علتان ، ابن أبي بزة ، وهو أحمد بن محمد بن عبد الله ضعيف منكر الحديث ، وشيخه عكرمة مجهول ، لم يرو عنه غيره ، ولم يوثقه أحد ، وذكره ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» ٧ / ١١ من غير جرح أو تعديل ، حتى ابن حبان لم يدخله في الثقات.

ـ وأخرجه الحاكم ٣ / ٣٠٥ والواحدي في «الوسيط» ٤ / ٥١٤ والذهبي في «الميزان» ١ / ١٤٥ / ٥٦٤ كلهم من طريق أحمد البزي به.

ـ صححه الحاكم! وتعقبه الذهبي بقوله : البزي قد تكلم فيه.

ـ وقال الذهبي في «الميزان» في البزي : إمام في القراءة ثبت ، ثم ذكر له حديثا غير هذا فقال : قال أبو حاتم : هذا حديث باطل. وقال العقيلي : منكر الحديث. وقال أبو حاتم : ضعيف الحديث ، لا أحدث عنه. وقال ابن أبي حاتم : روى حديثا منكرا.

ـ ثم أسند الذهبي هذا الحديث ، وقال : هذا حديث غريب ، وهو مما أنكر على البزي ، قال أبو حاتم : هذا حديث

(١) سقط من المطبوع.

٢٧٢

أبي القاسم طاهر بن علي الصيرفي ، قال : قرأت على أبي بكر أحمد بن الحسين بن مهران ، قال : قرأت على أبي علي محمد بن أحمد بن حامد الصفار المقرئ ، قال : قرأت على أبي بكر محمد بن موسى الهاشمي ، قال : قرأت على أبي ربيعة والحسين بن محمد الحداد ، وهما قرأ على أبي الحسن بن أبي بزة وأخبرهما ابن أبي بزة أنه قرأ على عكرمة بن سليمان بن كثير المكي ، وأخبره عكرمة أنه قرأ على شبل بن عباد وإسماعيل بن قسطنطين ، وأخبراه أنهما قرءا على عبد الله بن كثير ، وأخبرهما عبد الله أنه قرأ على مجاهد ، وأخبره مجاهد أنه قرأ على ابن عباس ، وأخبره ابن عباس أنه قرأ على أبي بن كعب.

[٢٣٦٣] وأخبرنا الإمام المقرئ أبو نصر محمد بن أحمد بن علي وقرأت عليه بمرو ، وقال : أنا الشريف أبو القاسم علي بن محمد الزبدي بالتكبير ، وقرأت عليه بثغر حران ، قال ثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن زياد الموصلي المعروف بالنقاش ، وقرأت عليه بمدينة السلام ثنا أبو ربيعة محمد بن إسحاق الريعي ، وقرأت عليه بمكة ثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي بزة ، وقرأت عليه قال لي : قرأت على عكرمة بن سليمان ، وأخبرني أنه قرأ على إسماعيل بن قسطنطين وشبل بن عباد فلما بلغت (وَالضُّحى) قالا لي : كبر حتى تختم ، مع خاتمة كل سورة ، فإنا قرأنا على ابن كثير فأمرنا بذلك. وأخبرنا أنه قرأ على مجاهد فأمره بذلك ، وأخبره مجاهد أنه قرأ على ابن عباس فأمره بذلك ، وأخبره ابن عباس أنه قرأ على أبي بن كعب فأمره بذلك وأخبره أبي أنه قرأ على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأمره بذلك.

وكان سبب التكبير أن الوحي لما احتبس قال المشركون هجره شيطانه ، وودعه ، فاغتم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لذلك ، فلما نزل (وَالضُّحى) كبّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرحا بنزول الوحي ، فاتخذوه سنّة (١).

__________________

منكر.

ـ وقال العقيلي في «الضعفاء» ١ / ١٢٧ : منكر الحديث ، يوصل الأحاديث.

ـ قلت : وعكرمة بن سليمان مجهول كما تقدم ، لم يوثقه أحمد ، ولا روى عنه سوى البزي ، وهو ضعيف ، فيزيد هذا في جهالته.

ـ وقال الحافظ ابن كثير ٤ / ٦٢٠ : أحمد البزي ضعفه أبو حاتم ، لكن ورد عن الشافعي أنه سمع رجلا يكبر هذا التكبير في الصلاة ، فقال : أحسنت ، وأصبت السنة ، حكاه أبو شامة المقدسي في «شرح الشاطبية» وهذا يقتضي صحة هذا الحديث.

ـ كذا قال رحمه‌الله؟! ولعل هذا لا يصح عن الشافعي ، فإن خبرا واهيا ، لا يصلح للاحتجاج به ، وبخاصة إدخال شيء في الصلاة ، ليس منها ، والدليل على عدم صحته عن الشافعي ، أنه ليس في مذهب الشافعية تكبير في الصلاة عند الانتقال من سورة إلى سورة بعد الضحى ، والأشبه أن هذه السنة هي سنة عكرمة بن سليمان ذاك الشيخ المجهول ، فحملها عنه البزي ، ثم حملها عنه آخرون.

ـ ولو ثبت هذا عند الشافعي لرواه في المسند أو السنن أو الأم ، بل لو صح هذا لرواة الأئمة الستة وغيرهم لاشتهاره ، والصواب أن هذا سنة شيخ مجهول ، والله أعلم.

ـ الخلاصة : الإسناد ضعيف جدا ، والمتن منكر كما قال أبو حاتم وغيره ، وهذا مما ينبغي أن يشتهر لو صح ، فلما لم يرو إلا بهذا الطريق علم أنه شبه موضوع.

[٢٣٦٣] ـ إسناده ساقط ، ففي هذا الإسناد علة زائدة على الإسناد الأول وهي أبو بكر النقاش ، فإنه منكر الحديث. قال البرقاني :

كل حديث النقاش منكر ، وقال طلحة بن محمد الشاهد : كان النقاش يكذب في الحديث «الميزان» ٣ / ٥٢٠.

ـ ابن كثير هو عبد الله.

(١) لا أصل له بهذا اللفظ ، وتقدم هذا الحديث صحيحا دون ذكر التكبير.

ـ قال ابن كثير رحمه‌الله ٤ / ٦٢١ : لم يرو ذلك بإسناد.

٢٧٣

سورة الشرح

مكية وهي ثمان آيات

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١) وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢))

(أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) (١) ، ألم نفتح ونوسع ونلين لك قلبك بالإيمان والنبوة والعلم والحكمة؟

(وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ) (٢) ، قال الحسن ومجاهد وقتادة والضحاك : حططنا عنك الذي سلف منك في الجاهلية ، وهو كقوله : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) [الفتح : ٢]. وقال الحسين بن الفضل : يعني الخطأ والسهو. وقيل : ذنوب أمتك فأضافها إليه لاشتغال قلبه بهم.

(الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (٣) وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (٤) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٦))

(الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) (٣) ، أثقل ظهرك فأوهنه حتى سمع له نقيض أي صوت. وقال عبد العزيز بن يحيى وأبو عبيدة : يعني خففنا عنك أعباء النبوة والقيام بأمرها.

(وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) (٤).

[٢٣٦٤] أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أنا أبو القاسم عبد الخالق بن علي المؤذن ثنا أبو بكر بن حبيب ثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل ثنا صفوان يعني ابن صالح أبو عبد الملك ثنا الوليد يعني ابن مسلم (١) حدثني عبد الله بن لهيعة عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه سأل جبريل عليه‌السلام عن هذه الآية (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) (٤) قال : قال الله تعالى : «إذ ذكرت ذكرت معي».

وعن الحسن قال : (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) (٤) إذا ذكرت ذكرت. وقال عطاء عن ابن عباس : يريد الأذان والإقامة والتشهد والخطبة على المنابر ، ولو أن عبدا عبد الله وصدقه في كل شيء ولم يشهد أن محمدا رسول الله لم ينتفع بشيء ، وكان كافرا. وقال قتادة : رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة ، فليس خطيب ولا

__________________

[٢٣٦٤] ـ ضعيف. إسناده واه ، ابن لهيعة ضعيف ، ودراج عن أبي الهيثم ضعيف أيضا.

ـ وأخرجه أبو يعلى ١٣٨٠ والواحدي في «الوسيط» ٤ / ٥١٦ من طريق ابن لهيعة به.

ـ وأخرجه الطبري ٣٧٥٣٢ وابن حبان ٣٣٨٢ من طريق عمرو بن الحارث عن دراج به.

ـ وذكره الهيثمي في «المجمع» ٨ / ٢٥٤ وقال : رواه أبو يعلى وإسناده حسن.

ـ كذا قال؟! مع أن في إسناد أبي يعلى ابن لهيعة ، ودراج.

(١) تصحف في المطبوع «الحسين».

(٢) زيد في المطبوع.

(٣) تصحف في المطبوع «شبل».

٢٧٤

متشهد ولا صاحب صلاة إلا ينادي أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله. وقال الضحاك : لا تقبل صلاة إلا به ولا تجوز خطبة إلا به ، وقال مجاهد : يعني بالتأذين ، وفيه يقول حسان بن ثابت :

ألم تر أن الله أرسل عبده

ببرهانه والله أعلى وأمجد

أغرّ عليه للنبوة خاتم

من الله مشهود يلوح ويشهد

وضم الإله اسم النبي مع اسمه

إذا قال في الخمس المؤذن أشهد

وشق له من اسمه ليجلّه

فذو العرش محمود وهذا محمد

وقيل : [رفع ذكره](١) بأخذ ميثاقه على النبيين وإلزامهم الإيمان به والإقرار بفضله ، ثم وعده اليسر والرخاء بعد الشدة ، وذلك أنه كان بمكة في شدة.

فقال الله عزوجل : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) (٦) ، أي مع الشدة التي أنت فيها من جهاد المشركين يسرا ورخاء بأن يظهرك عليهم حتى ينقادوا للحق الذي جئتهم به إن مع العسر يسرا كرره لتأكيد الوعد وتعظيم الرجاء.

[٢٣٦٥] وقال الحسن : لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أبشروا قد جاءكم اليسر ، لن يغلب عسر يسرين».

قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه : لو كان العسر في حجر لطلبه اليسر حتى يدخل ، إنه لن يغلب عسر يسرين.

قال المفسرون : ويعنى قوله : «لن يغلب عسر يسرين» أن الله تعالى كرّر العسر بلفظ المعرفة واليسر بلفظ النكرة ، ومن عادة العرب إذا ذكرت اسما معرّفا ، ثم أعادته (٢) كان الثاني هو الأول ، وإذا ذكرت نكرة ثم أعادته مثله صار اثنين ، وإذا عادته معرفة فالثاني هو الأول ، كقولك : إذا كسبت درهما أنفقت درهما ، فالثاني غير الأول ، وإذا قلت إذا كسبت درهما فأنفق الدرهم ، [فالثاني هو الأول ، فالعسر في الآية مكرر بلفظ التعريف ، فكان عسرا واحدا ، واليسر مكرر بلفظ النكرة ، فكانا يسرين ، كأنه قال : فإن مع العسر يسرا ، إن مع ذلك العسر يسرا آخر](٣).

__________________

[٢٣٦٥] ـ ضعيف. أخرجه عبد الرزاق في «التفسير» ٣٦٤٧ والحاكم ٢ / ٥٢٨ والطبري ٣٧٥٣٣ ـ ٣٧٥٣٦ والواحدي في «الوسيط» ٤ / ٥١٧ ـ ٥١٨ كلهم عن الحسن مرسلا.

ـ وهذا ضعيف ، وله علتان : الأولى الإرسال. والثانية : أن مراسيل الحسن واهية لأنه يحدث عن كل أحد.

ـ وأخرجه الطبري ٣٧٥٣٧ عن قتادة مرسلا ، وبصيغة التمريض ، وعامة مراسل قتادة في «التفسير» إنما مصدرها الحسن البصري ، وعلى هذا فهو لا يشهد لما قبله ، والله أعلم. والوقف فيه على ابن مسعود وابن عباس وغيرهما أشبه والله أعلم.

ـ وأخرجه عبد الرزاق في «تفسيره» ٣٦٤٨ والطبري ٣٧٥٣٨ و ٣٧٥٣٩ والبيهقي في «الشعب» ١٠٠١١ عن ابن مسعود موقوفا.

ـ وانظر «الكشاف» للزمخشري ١٣١٦ و «فتح القدير» للشوكاني ٢٧٥٩ بتخريجي ، والله الموفق.

(١) في المطبوع «رفعه».

(٢) في المطبوع «عادته».

(٣) سقط من المخطوط (أ)

٢٧٥

قال أبو علي الحسين بن يحيى بن نصر الجرجاني صاحب النظم تكلم الناس في قوله : «لن يغلب عسر يسرين» ، فلم يحصل منه غير قولهم : إن العسر معرفة واليسر نكرة. فوجب أن يكون عسر واحد ويسران ، وهذا قول مدخول ، إذا قال الرجل : إن مع الفارس سيفا إن مع الفارس سيفا ، فهذا لا يوجب أن يكون الفارس واحد والسيف اثنان ، فمجاز قوله : لن يغلب عسر يسرين أن الله بعث نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو مقل مخف ، فكانت قريش تعيره بذلك ، حتى قالوا : إن كان بك طلب الغنى جمعنا لك مالا حتى تكون كأيسر أهل مكة ، فاغتم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لذلك ، فظن أن قومه إنما يكذبونه لفقره ، فعدّد الله نعمه عليه في هذه السورة ، ووعده الغنى يسليه بذلك عما خامره من الغم ، فقال : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) (٥) ، مجازه : لا يحزنك ما يقولون فإن مع العسر يسرا في الدنيا عاجلا ، ثم أنجزه ما وعده ، وفتح عليه القرى العربية ووسع عليه ذات يده ، حتى كان يعطي المئين من الإبل ويهب الهبات السنية ، ثم ابتدأ فضلا آخر من أمر الآخرة ، فقال : إن مع العسر يسرا ، والدليل على ابتدائه تعريه من الفاء والواو وهذا وعد لجميع المؤمنين ، ومجازه : إن مع العسر يسرا أي إن مع العسر في الدنيا للمؤمن يسرا في الآخرة ، فربما اجتمع له اليسران يسر الدنيا وهو ما ذكره في الآية [الأولى ويسر الآخرة ، وهو ما ذكره في الآية](١) الثانية فقوله عليه‌السلام : «لن يغلب عسر يسرين» أي : لن يغلب عسر الدنيا اليسر الذي وعده للمؤمنين في الدنيا واليسر الذي وعدهم في الآخرة ، وإنما يغلب أحدهما هو يسر الدنيا ، وأما يسر الآخرة فدائم غير زائل أي لا يجمعهما في الغلبة.

[٢٣٦٦] كقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «شهرا (٢) عيد لا ينقصان» أي لا يجتمعان في النقصان.

(فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (٨))

(فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ) (٧) ، أي فاتعب ، والنصب : التعب ، قال ابن عباس وقتادة والضحاك ومقاتل والكلبي : فإذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربك في الدعاء ، وارغب إليه في المسألة يعطك. وروى عبد الوهّاب بن مجاهد عن أبيه قال : إذا صليت فاجتهد في الدعاء والمسألة. وقال ابن مسعود : إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل.

وقال الشعبي : إذا فرغت من التشهد فادع لدنياك وآخرتك. وقال الحسن وزيد بن أسلم : إذا فرغت من جهاد عدوك فانصب في عبادة ربك. وقال منصور عن مجاهد : إذا فرغت من أمر الدنيا فانصب في عبادة ربك وصل. وقال حيان عن الكلبي : إذا فرغت من تبليغ الرسالة فانصب ، أي : استغفر لذنبك وللمؤمنين.

(وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ) (٨) ، قال عطاء تضرع إليه راهبا من النار راغبا في الجنة. وقيل : فارغب إليه في جميع أحوالك. قال الزجاج : أي اجعل رغبتك إلى الله وحده.

__________________

[٢٣٦٦] ـ صحيح. أخرجه البخاري ١٩١٢ ومسلم ١٠٨٩ وأبو داود ٢٣٢٣ والترمذي ٦٩٢ ابن ماجه ١٦٥٩ وأحمد ٥ / ٣٨ و ٤٧ و ٤٨ والطيالسي ٨٦٣ والطحاوي ٢ / ٥٨ وابن حبان ٣٢٥ والبيهقي ٤ / ٢٥٠ من طرق عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه مرفوعا.

ـ ولعله تقدم في أبحاث الصيام أو الحج ، والله أعلم.

(١) زيادة عن ط.

(٢) تصحف في المطبوع «شهر».

٢٧٦

سورة التين

مكية [وهي ثمان آيات](١)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (١) وَطُورِ سِينِينَ (٢) وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (٣) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤) ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (٥))

(وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) (١) ، قال ابن عباس والحسن ومجاهد وإبراهيم وعطاء بن أبي رباح ومقاتل والكلبي : هو تينكم هذا الذي تأكلونه وزيتونكم هذا الذي تعصرون منه الزيت. قيل : خص التين بالقسم لأنها فاكهة مخلصة (٢) لا عجم فيها ، شبيهة بفواكه الجنة. وخصص الزيتون لكثرة منافعه ، والزيتون شجرة مباركة جاء بها الحديث وهو ثمر ودهن يصلح للاصطباغ والاصطباح. وقال عكرمة : هما جبلان. قال قتادة : التين الجبل الذي عليه دمشق والزيتون الجبل الذي عليه بيت المقدس لأنهما ينبتان التين والزيتون. وقال الضحاك : وقال محمد بن كعب : التين مسجد أصحاب الكهف والزيتون مسجد إيليا.

(وَطُورِ سِينِينَ) (٢) ، يعني الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه‌السلام وذكرنا معناه عند قوله :

(وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ) [المؤمنون : ٢٠].

(وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) (٣) ، أي الآمن ، يعني مكة يأمن فيه الناس في الجاهلية والإسلام ، هذه كلها أقسام والمقسم عليه قوله :

(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (٤) ، أعدل قامة وأحسن صورة ، وذلك أنه خلق كل حيوان منكبا على وجهه إلا الإنسان خلقه مديد القامة يتناول مأكوله بيده مزينا بالعقل والتمييز.

(ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ) (٥) ، يريد إلى الهرم وأرذل العمر ، فينقص عقله ويضعف بدنه ، والسافلون هم الضعفاء والزمنى والأطفال ، فالشيخ الكبير [أسفل](٣) من هؤلاء جميعا ، وأسفل سافلين نكرة تعم الجنس ، كما تقول : فلان أكرم قائم [وإذا عرفت قلت : أكرم القائمين](٤). وفي مصحف عبد الله «أسفل السافلين» وقال الحسن وقتادة ومجاهد : يعني ثم رددناه إلى النار ، يعني إلى أسفل السافلين ، لأن جهنم بعضها أسفل من بعض. قال أبو العالية : يعني إلى النار في شر صورة في صورة خنزير.

__________________

(١) زيد في المطبوع.

(٢) في المطبوع «مختصة».

(٣) سقط من المطبوع.

(٤) زيادة عن ط.

٢٧٧

(إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٦) فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (٧) أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ (٨))

ثم استثنى فقال : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) ، فإنهم لا يردون إلى النار. ومن قال بالقول الأول قال : رددناه أسفل سافلين ، فزالت عقولهم وانقطعت أعمالهم ، فلا يكتب لهم حسنة (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) ، فإنه يكتب لهم بعد الهرم ، والخرف ، مثل الذي كانوا يعملون في حال الشباب والصحة. وقال ابن عباس : هم نفر ردوا إلى أرذل العمر على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأنزل الله تعالى عذرهم ، فأخبر (١) أن لهم أجرهم الذي عملوا قبل أن تذهب عقولهم. قال عكرمة : لم يضر هذا الشيخ كبره إذ ختم الله له بأحسن ما كان يعمل.

وروى عاصم الأحول عن عكرمة عن ابن عباس قال : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) قال : إلا الذين آمنوا قرءوا القرآن ، وقال : من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر. (فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) ، غير مقطوع لأنه يكتب له كصالح ما كان يعمل. قال الضحاك : أجر بغير عمل ، ثم قال : إلزاما للحجة.

(فَما يُكَذِّبُكَ) ، أيها الإنسان ، (بَعْدُ) ، أي بعد هذه الحجة والبرهان ، (بِالدِّينِ) ، بالحساب والجزاء والمعنى ، أن لا تتفكر في صورتك وشبابك وهرمك فتعتبر وتقول إن الذي فعل ذلك قادر على أن يبعثني ويحاسبني ، فما الذي يكذبك بالمجازاة بعد هذه الحجج.

(أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) (٨) ، بأقضى القاضين ، قال مقاتل : يحكم بينك وبين أهل التكذيب يا محمد.

[٢٣٦٧] وروينا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من قرأ والتين والزيتون فانتهى إلى آخرها : أليس الله بأحكم الحاكمين ، فليقل : بلى وأنا على ذلك من الشاهدين».

[٢٣٦٨] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل أنا أبو الوليد ثنا شعبة عن عدي قال : سمعت البراء قال : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان في سفر فقرأ

__________________

[٢٣٦٧] ـ تقدم في سورة القيامة عند آية : ٤٠.

[٢٣٦٨] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ أبو الوليد هو هشام بن عبد الملك الطيالسي ، شعبة هو ابن الحجاج ، عدي هو ابن ثابت.

ـ وهو في «شرح السنة» ٥٩٩ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٧٦٧ عن أبي الوليد بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٤٩٥٢ ومسلم ٤٦٤ وأبو داود ١٢٢١ والنسائي ٢ / ١٧٣ وأحمد ٤ / ٢٨٤ والطيالسي ٧٣٣ وعبد الرزاق ٢٧٠٦ وابن حبان ١٨٣٨ وأبو عوانة ٢ / ١٥٥ والبيهقي ٢ / ٢٩٣ من طرق عن شعبة به.

ـ وأخرجه مسلم ٤٦٤ ح ١٧٦ والترمذي ٣١٠ والنسائي ٢ / ١٧٣ وابن ماجه ٨٣٤ ومالك ١ / ٧٩ ـ ٨٠ والشافعي ١ / ٨٠ والحميدي ٧٢٦ وأحمد ٤ / ٢٨٦ وابن خزيمة ٥٢٢ والبيهقي ٢ / ٣٩٣ من طرق عن يحيى بن سعيد عن عدي بن ثابت به.

ـ وأخرجه البخاري ٧٦٩ و ٧٥٤٦ ومسلم ٤٦٤ ح ١٧٧ وابن ماجه ٨٣٥ وأحمد ٤ / ٣٠٢ و ٣٠٤ وأبو عوانة ٢ / ١٥٥ وابن خزيمة ٥٢٢ من طرق عن مسعر بن كدام عن عدي بن ثابت به.

(١) في المخطوط «فأخبرهم».

٢٧٨

في العشاء في إحدى الركعتين بالتين والزيتون.

سورة العلق

مكية [وهي تسع عشرة آية](١)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١))

(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (١) ، أكثر المفسرين : على أن هذه أول سورة نزلت من القرآن ، وأول ما نزل خمس آيات من أولها إلى قوله : (ما لَمْ يَعْلَمْ).

[٢٣٦٩] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا يحيى بن بكير ثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت : أول ما بدئ به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم ، وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه الخلاء ، فكان يخلو بغار حراء ، فيتحنث فيه ، وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ، ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة ، فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق ، وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال : اقرأ ، فقال : ما أنا بقارئ ، قال : فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني ، فقال : اقرأ ، فقلت : ما أنا بقارئ ، قال : فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني ، فقال : اقرأ ، فقلت : ما أنا بقارئ ، فأخذني فغطني الثالثة ، ثم أرسلني ، فقال : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) (٣) فرجع بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يرجف فؤاده ، فدخل على خديجة بنت

__________________

[٢٣٦٩] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري.

ـ يحيى هو ابن عبد الله ، وينسب إلى جده ، الليث هو ابن سعد ، عقيل هو ابن خالد ، ابن شهاب هو الزهري اسمه محمد ابن مسلم ، عروة هو ابن الزبير.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٦٢٩ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٣ و ٤٩٥٣ و ٦٩٨٢ عن يحيى بن بكير بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الواحدي في «الوسيط» ٤ / ٥٢٧ ـ ٥٢٨ من طريق يحيى بن بكير بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٣٣٩٢ ومسلم ١٦٠ ح ١٥٤ والطيالسي ١٤٦٧ والطبري ٣٧٦٦٤ وأبو عوانة ١ / ١١٠ و ١١٣ من طرق عن الزهري به.

ـ وأخرجه البخاري ٤٩٥٦ و ٦٩٨٢ ومسلم ١٦٠ ح ٢٥٣ وأحمد ٦ / ٢٣٢ ـ ٢٣٣ وابن حبان ٣٣ وأبو عوانة ١ / ١١٣ والبيهقي في «الدلائل» ٢ / ١٣٥ ـ ١٣٦ وأبو نعيم في «الدلائل» ١ / ٢٧٥ ـ ٢٧٧ من طرق عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري به وهو في «مصنف عبد الرزاق» برقم ٩٧١٩.

(١) زيد في المطبوع.

٢٧٩

خويلد ، فقال : زملوني زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع ، فقال لخديجة ما لي؟ وأخبرها الخبر ، وقال : لقد خشيت على نفسي ، فقالت خديجة : كلا والله ما يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق ، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة ، وكان امرأ تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العربي ، فيكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب ، وكان شيخا كبيرا قد عمي ، فقالت له خديجة : يا ابن عم اسمع من ابن أخيك ما يقول ، فقال له ورقة : يا ابن أخي ما ذا ترى ، فأخبره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خبر ما رأى ، فقال له ورقة : هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى ، يا ليتني فيها جذعا ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أو مخرجي هم؟ قال : نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي ، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ، ثم لم ينشب ورقة إلى أن توفي ، وفتر الوحي.

[٢٣٧٠] وروى محمد بن إسماعيل هذا الحديث في موضع آخر من كتابه عن يحيى بن بكير بهذا الإسناد ، وقال : حدثني عبد الله بن محمد ثنا عبد الرزاق أنا معمر قال الزهري فأخبرني عروة عن عائشة وذكر الحديث ، وقال : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (١) حتى بلغ (ما لَمْ يَعْلَمْ) وزاد في آخره فقال (١) : وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فيما بلغنا حزنا غدا منه مرارا كي (٢) يتردى من رءوس شواهق الجبال ، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي نفسه منه ، تبدّى له جبريل فقال : يا محمد إنك رسول الله حقا ، فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه فيرجع ، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك ، فإذا أوفى بذروة جبل تبدّى له جبريل ، فقال له مثل ذلك.

[٢٣٧١] أخبرنا أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أنا عبد الله بن حامد الوراق أنا مكي بن عبدان أنا عبد الرحمن بن بشر ثنا سفيان عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : أول سورة نزلت قوله عزوجل : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ).

قال أبو عبيدة مجازه : اقرأ اسم ربك يعني أن الباء زائدة ، والمعنى : اذكر اسمه ، أمر أن يبتدئ القراءة باسم الله تأديبا ، (الَّذِي خَلَقَ) قال الكلبي : يعني الخلائق ثم فسره فقال :

(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (٥) كَلاَّ إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (٧) إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى (٨) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (٩) عَبْداً إِذا صَلَّى (١٠))

__________________

[٢٣٧٠] ـ هذه الرواية عند البخاري برقم : ٦٩٨٢.

[٢٣٧١] ـ صحيح. إسناده ضعيف ، فيه عنعنة ابن إسحاق ، وهو مدلس ، لكن للحديث شواهد وطرق ، منها المتقدم.

ـ وأخرجه الطبري ٣٧٦٦٨ والواحدي في «الوسط» ٤ / ٥٢٨ من طريق عبد الرحمن بن بشر بهذا الإسناد.

ـ وصححه الحاكم على شرط مسلم! ووافقه الذهبي! مع أن مسلما روى لابن إسحاق متابعة.

ـ وأخرجه الحاكم ٢ / ٥٢٩ من طريق الحميدي عن سفيان عن الزهري به ، وقال الحاكم : لم يسمعه ابن عيينة من الزهري.

ـ قلت : ذكر الحاكم هذه الطريق قبل الطريق المتقدمة ، لذا ذكر الواسطة بين سفيان والزهري ، وهو محمد بن إسحاق.

(١) قوله ، وقال : هو مدرج من كلام الزهري ، فهو مرسل ، ومراسيل الزهري واهية ، وهي زيادة منكرة لا تصح.

ـ وتقدم تخريجه.

(٢) في المطبوع «حتى».

٢٨٠