تفسير النسفي - ج ٤

عبدالله بن أحمد النسفي

تفسير النسفي - ج ٤

المؤلف:

عبدالله بن أحمد النسفي


المحقق: الشيخ مروان محمّد الشعار
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

(فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ (١٠٦) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ)(١٠٧)

الليلة الثالثة فهمّ بنحره ، فسمّي (١) يوم النحر (فَانْظُرْ ما ذا تَرى) من الرأي على وجه المشاورة لا من رؤية العين ، ولم يشاوره ليرجع إلى رأيه ومشورته ، ولكن ليعلم أيجزع أم يصبر. تري عليّ وحمزة أي ماذا تبصر (٢) من رأيك وتبديه (قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ) أي ما تؤمر به ، وقرىء به (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) على الذبح ، روي أنّ الذبيح قال لأبيه : يا أبت خذ بناصيتي واجلس بين كتفيّ حتى لا أوذيك إذا أصابتني الشفرة ، ولا تذبحني وأنت تنظر في وجهي عسى أن ترحمني ، واجعل وجهي إلى الأرض ، ويروى اذبحني وأنا ساجد واقرأ على أمي السلام ، وإن رأيت أن تردّ قميصي على أمي فافعل ، فإنه عسى أن يكون أسهل لها.

١٠٣ ـ (فَلَمَّا أَسْلَما) انقادا لأمر الله وخضعا ، وعن قتادة أسلم هذا ابنه وهذا نفسه (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) صرعه على جبينه ووضع السكين على حلقه فلم يعمل ، ثم وضع السكين على قفاه فانقلب السكين ، ونودي يا إبراهيم : قد صدقت الرؤيا ، روي أنّ ذلك المكان عند الصخرة التي بمنى ، وجواب لمّا محذوف تقديره فلما أسلما وتلّه للجبين.

١٠٤ ـ ١٠٥ ـ (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) أي حققت ما أمرناك به في المنام من تسليم الولد للذبح ، كان ما كان مما ينطق به الحال ولا يحيط به الوصف من استبشارهما وحمدهما لله وشكرهما على ما أنعم به عليهما من دفع البلاء العظيم بعد حلوله ، أو الجواب قبلنا منه وناديناه معطوف عليه (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) تعليل لتخويل ما خوّلهما من الفرج بعد الشدة.

١٠٦ ـ (إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ) الاختبار البيّن الذي يتميّز فيه المخلصون من غيرهم ، أو المحنة البينة.

١٠٧ ـ (وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ) هو ما يذبح ، وعن ابن عباس هو الكبش الذي قرّبه هابيل فقبل منه ، وكان يرعى في الجنة حتى فدي به إسماعيل ، وعنه : لو تمت تلك الذبيحة لصارت سنة وذبح الناس أبناءهم (عَظِيمٍ) ضخم الجثة سمين ، وهي السّنّة في الأضاحي.

__________________

(١) في (ظ) و (ز) فسمي اليوم يوم النحر.

(٢) في (ز) تصبر.

٤١

وروي أنه هرب من إبراهيم عند الجمرة فرماه بسبع حصيات حتى أخذه ، فبقيت سنة في الرمي. وروي أنه لمّا ذبحه قال جبريل : الله أكبر الله أكبر ، فقال الذبيح : لا إله إلا الله والله أكبر ، فقال إبراهيم : الله أكبر ولله الحمد ، فبقي سنة ، وقد استشهد أبو حنيفة رضي الله عنه بهذه الآية فيمن نذر ذبح ولده أنه يلزمه ذبح شاة.

والأظهر أنّ الذبيح إسماعيل ، وهو قول أبي بكر وابن عباس وابن عمر وجماعة من التابعين رضي الله عنهم لقوله عليه‌السلام : (أنا ابن الذبيحين) (١) فأحدهما جدّه إسماعيل والآخر أبوه عبد الله ، وذلك أنّ عبد المطلب نذر إن بلغ بنوه عشرة أن يذبح آخر ولده تقربا وكان عبد الله آخرا ، ففداه بمائة من الإبل ، ولأن قرني الكبش كانا منوطين في الكعبة في أيدي بني إسماعيل إلى أن احترق البيت في زمن الحجاج (٢) وابن الزبير ، وعن الأصمعي أنه قال سألت أبا عمرو بن العلاء (٣) عن الذبيح فقال : يا أصمعي أين عزب عنك عقلك ومتى كان إسحاق بمكة ، وإنما كان إسماعيل بمكة وهو الذي بنى البيت مع أبيه والمنحر بمكة.

وعن علي وابن مسعود والعباس وجماعة من التابعين رضي الله عنهم أنه إسحاق ويدلّ عليه كتاب يعقوب إلى يوسف عليهما‌السلام : من يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله (٤) ، وإنما قال (٥) وفديناه وإن كان الفادي إبراهيم عليه‌السلام ، والله تعالى هو المفتدى منه ، لأنه الآمر بالذبح ، لأنه تعالى وهب له الكبش ليفتدي به.

وههنا إشكال وهو أنه لا يخلو إما أن يكون ما أتى به إبراهيم عليه‌السلام من بطحه على شقّه وإمرار الشفرة على حلقه في حكم الذبح أم لا؟ فإن كان في حكم الذبح فما معنى الفداء؟ والفداء هو التخليص من الذبح ببدل ، وإن لم يكن فما معنى قوله قد صدقت الرؤيا ، وإنما كان يصدقها لو صح منه الذبح أصلا أو بدلا ولم يصح؟

والجواب أنه عليه‌السلام قد بذل وسعه وفعل ما يفعل الذابح ، ولكن الله تعالى جاء

__________________

(١) ذكره الطبري في قصة عن معاوية بن أبي سفيان موقوفا.

(٢) الحجاج بن يوسف بن الحكم الثقفي ، قائد ، داهية ، سفاك وأخباره كثيرة ، ولد عام ٤٠ ه‍ بالطائف ولاه عبد الملك بن مروان مكة والمدينة والطائف والعراق توفي عام ٩٥ ه‍ (الأعلام ٢ / ١٦٨).

(٣) أبو عمرو بن العلاء هو زبّان بن عمار التميمي المازني البصري ، أبو عمرو ويلقب أبوه بالعلاء من أئمة اللغة والأدب وأحد القراء السبعة ولد عام ٧٠ ه‍ وتوفي عام ١٥٤ ه‍ (الأعلام ٣ / ٤١).

(٤) قال الدارقطني : موضوع وضعه إسحاق بن وهب.

(٥) في (ز) قيل.

٤٢

(وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (١٠٨) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (١٠٩) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١١٠) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١١١) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ (١١٢) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ) (١١٣)

منع الشفرة أن تمضي فيه ، وهذا لا يقدح في فعل إبراهيم ، ووهب الله له الكبش ليقيم ذبحه مقام تلك الحقيقة في نفس إسماعيل بدلا منه ، وليس هذا بنسخ منه للحكم كما قال البعض بل ذلك الحكم كان ثابتا إلا أنّ المحل الذي أضيف إليه لم يحلّه الحكم على طريق الفداء دون النسخ ، وكان ذلك ابتلاء ليستقرّ حكم الأمر عند المخاطب في آخر الحال ، على أنّ المبتغى منه في حقّ الولد أن يصير قربانا بنسبة الحكم إليه مكرما بالفداء الحاصل لمعرّة الذبح مبتلى بالصبر والمجاهدة إلى حال المكاشفة ، وإنما النسخ بعد استقرار المراد بالأمر لا قبله وقد سمّي فداء في الكتاب لا نسخا.

١٠٨ ـ (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) ولا وقف عليه لأن :

١٠٩ ـ (سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ) مفعول وتركنا.

١١٠ ـ (كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) ولم يقل إنّا (١) هنا كما في غيره لأنه قد سبق في هذه القصة فاستخفّ بطرحه اكتفاء بذكره مرة عن ذكره ثانية.

١١١ ـ ١١٢ ـ (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ. وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا) حال مقدرة من إسحاق ، ولا بدّ من تقدير مضاف محذوف أي وبشرناه بوجود إسحاق نبيا ، أي بأن يوجد مقدرة نبوّته ، فالعامل في الحال الوجود لا فعل (٢) البشارة (مِنَ الصَّالِحِينَ) حال ثانية وورودها على سبيل الثناء ، لأنّ كلّ نبيّ لا بد وأن يكون من الصالحين.

١١٣ ـ (وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ) أي أفضنا عليهما بركات الدين والدنيا ، وقيل باركنا على إبراهيم في أولاده وعلى إسحاق بأن أخرجنا من صلبه ألف نبي أوّلهم يعقوب وآخرهم عيسى عليهم‌السلام (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ) مؤمن (وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ) كافر (مُبِينٌ) ظاهر ، أو محسن إلى الناس وظالم على نفسه بتعديه عن حدود الشرع ، وفيه تنبيه على أنّ الخبيث والطيب لا يجري أمرهما على العرق والعنصر ، فقد يلد البرّ الفاجر والفاجر البرّ ، وهذا مما يهدم أمر الطبائع والعناصر ، وعلى أنّ الظلم في

__________________

(١) في (ظ) و (ز) إنّا كذلك.

(٢) ليس في (ز) فعل.

٤٣

(وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (١١٤) وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (١١٥) وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (١١٦) وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ (١١٧) وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (١١٨) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ (١١٩) سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (١٢٠) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٢١) إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١٢٢) وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ (١٢٣) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (١٢٤) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ)(١٢٥)

أعقابهما لم يعد عليهما بعيب ولا نقيصة ، وأنّ المرء إنما يعاب بسوء فعله ويعاقب على ما اجترحت يداه لا على ما وجد من أصله وفرعه.

١١٤ ـ (وَلَقَدْ مَنَنَّا) أنعمنا (عَلى مُوسى وَهارُونَ) بالنبوة.

١١٥ ـ (وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما) بني إسرائيل (مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) من الغرق ، أو من سلطان فرعون وقومه وغشمهم.

١١٦ ـ (وَنَصَرْناهُمْ) أي موسى وهارون وقومهما (فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ) على فرعون وقومه.

١١٧ ـ (وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ) البليغ في بيانه وهو التوراة.

١١٨ ـ (وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) صراط أهل الإسلام وهي صراط الذين أنعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين.

١١٩ ـ ١٢٣ ـ (وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ. سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ. إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ. وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) هو إلياس بن ياسين من ولد هارون أخي موسى ، وقيل هو إدريس النبي عليه‌السلام ، وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه وإنّ إدريس في موضع إلياس.

١٢٤ ـ (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ) ألا تخافون الله.

١٢٥ ـ (أَتَدْعُونَ) أتعبدون (بَعْلاً) هو علم لصنم كان من ذهب ، وكان طوله عشرين ذراعا وله أربعة أوجه فتنوا به وعظّموه حتى أخدموا (١) أربعمائة سادن وجعلوهم أنبياء ، وكان موضعه يقال له بك فركّب وصار بعلبك وهو من بلاد الشأم (٢) ، وقيل

__________________

(١) في (ظ) و (ز) أخدموه.

(٢) زاد في (ظ) و (ز) وقيل في الياس والخضر أنهما حيان.

٤٤

(وَاللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (١٢٦) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٢٧) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (١٢٨) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (١٢٩) سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (١٣٠) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٣١) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١٣٢) وَإِنَّ لُوطًا لَّمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٣) إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٣٤) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (١٣٥) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (١٣٦) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (١٣٨) وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٩) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) (١٤٠)

إلياس موكل (١) بالفيافي كما وكّل الخضر بالبحار ، والحسن يقول : قد هلك إلياس والخضر ولا نقول كما يقول الناس إنهما حيّان (وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ) وتتركون عبادة الله الذي هو أحسن المقدّرين.

١٢٦ ـ (اللهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) بنصب الكلّ عراقي غير أبي بكر وأبي عمرو على البدل من أحسن ، وغيرهم بالرفع على الابتداء.

١٢٧ ـ (فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) في النار.

١٢٨ ـ (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) من قومه.

١٢٩ ـ ١٣٠ ـ (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ. سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) أي إلياس وقومه المؤمنين ، كقولهم الخبيبون يعني أبا خبيب عبد الله بن الزبير وقومه ، آل ياسين شامي ونافع ، لأن ياسين اسم أبي إلياس فأضيف إليه الآل.

١٣١ ـ ١٣٥ ـ (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ. وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ) في الباقين.

١٣٦ ـ (ثُمَّ دَمَّرْنَا) أهلكنا (الْآخَرِينَ).

١٣٧ ـ (وَإِنَّكُمْ) يا أهل مكة (لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ) داخلين في الصباح.

١٣٨ ـ (وَبِاللَّيْلِ) والوقف عليه مطلق (أَفَلا تَعْقِلُونَ) يعني تمرون على منازلهم في متاجركم إلى الشأم ليلا ونهارا فما فيكم عقول تعتبرون بها ، وإنما لم يختم قصة لوط ويونس بالسلام كما ختم قصة من قبلهما لأن الله تعالى قد سلّم على جميع المرسلين في آخر السورة ، فاكتفي بذلك عن ذكر كلّ واحد منفردا بالسلام.

١٣٩ ـ ١٤٠ ـ (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ أَبَقَ) الإباق : الهرب إلى حيث لا

__________________

(١) في (ظ) و (ز) وكل.

٤٥

(فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ (١٤١) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (١٤٢) فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤٤) فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ (١٤٥) وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ) (١٤٦)

يهتدي إليه الطّلّب ، فسمّي هربه من قومه بغير إذن ربّه إباقا مجازا (إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) المملوء ، وكان يونس عليه‌السلام وعد قومه العذاب ، فلما تأخر العذاب عنهم خرج كالمتشوّر (١) منهم ، فقصد البحر وركب السفينة ، فوقفت ، فقالوا : ههنا عبد آبق من سيده ، وفيما يزعم البحارون أنّ السفينة إذا كان فيها آبق لم تجر ، فاقترعوا ، فخرجت القرعة على يونس ، فقال أنا الآبق وزجّ بنفسه في الماء ، فذلك قوله :

١٤١ ـ (فَساهَمَ) فقارعهم مرة أو ثلاثا بالسهام ، والمساهمة : إلقاء السهام على جهة القرعة (فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) المغلوبين بالقرعة.

١٤٢ ـ (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ) فابتلعه (وَهُوَ مُلِيمٌ) داخل في الملامة.

١٤٣ ـ (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) من الذاكرين الله كثيرا بالتسبيح ، أو من القائلين : (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (٢) أو من المصلين قبل ذلك ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما : كل تسبيح في القرآن فهو صلاة (٣). ويقال إنّ العمل الصالح يرفع صاحبه إذا عثر.

١٤٤ ـ (لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) الظاهر لبثه حيّا إلى يوم البعث ، وعن قتادة : لكان بطن الحوت له قبرا إلى يوم القيامة ، وقد لبث في بطنه ثلاثة أيام ، أو سبعة ، أو أربعين يوما ، وعن الشعبي : التقمه ضحوة ولفظه عشية.

١٤٥ ـ (فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ) فألقيناه بالمكان الخالي الذي لا شجر فيه ولا بناء (٤) (وَهُوَ سَقِيمٌ) عليل مما ناله من التقام الحوت ، وروي أنه عاد بدنه كبدن الصبيّ حين يولد.

١٤٦ ـ (وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً) أي أنبتناها فوقه مظلة له كما يطنّب البيت على

__________________

(١) في (ظ) و (ز) كالمستور. المتشور : الخجل ، يقال شوّرت الرجل فتشوّر أي أخجلته فخجل.

(٢) الأنبياء ، ٢١ / ٨٧.

(٣) الطبري من رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(٤) في (ظ) و (ز) ولا نبات.

٤٦

(وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (١٤٧) فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (١٤٨) فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (١٤٩) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (١٥٠) أَلَا إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (١٥١) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (١٥٢) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ) (١٥٣)

الإنسان (مِنْ يَقْطِينٍ) الجمهور على أنه القرع ، وفائدته أنّ الذبّان (١) لا يجتمع عنده ، وأنه أسرع الأشجار نباتا وامتدادا وارتفاعا ، وقيل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنك لتحبّ القرع ، قال : (أجل هي شجرة أخي يونس) (٢).

١٤٧ ـ (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ) المراد به القوم الذين بعث إليهم قبل الالتقام ، فتكون قد مضمرة (أَوْ يَزِيدُونَ) في مرأى الناظر ، أي إذا رآها الرائي قال هي مائة ألف أو أكثر ، وقال الزّجّاج : قال غير واحد معناه بل يزيدون ، قال ذلك الفراء وأبو عبيدة ، ونقل عن ابن عباس كذلك.

١٤٨ ـ (فَآمَنُوا) به وبما أرسل به (فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) إلى منتهى آجالهم.

١٤٩ ـ (فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ) معطوف على مثله في أول السورة أي على فاستفتهم أهم أشدّ خلقا ، وإن تباعدت بينهما المسافة. أمر رسوله (٣) باستفتاء قريش عن وجه إنكار البعث أولا ، ثم ساق الكلام موصولا بعضه ببعض ، ثم أمره باستفتائهم عن وجه القسمة الضيزى التي قسموها حيث جعلوا لله تعالى الإناث ولأنفسهم الذكور في قولهم الملائكة بنات الله مع كراهتهم الشديدة لهنّ ووأدهم واستنكافهم من ذكرهنّ.

١٥٠ ـ (أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ) حاضرون ، تخصيص علمهم بالمشاهدة استهزاء بهم وتجهيل لهم لأنهم كما لم يعلموا ذلك مشاهدة لم يعلموه بخلق الله علمه في قلوبهم ، ولا بإخبار صادق ، ولا بطريق استدلال ونظر ، أو معناه أنهم يقولون ذلك عن طمأنينة نفس لإفراط جهلهم كأنهم شاهدوا خلقهم.

١٥١ ـ ١٥٢ ـ (أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ. وَلَدَ اللهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) في قولهم.

١٥٣ ـ (أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ) بفتح الهمزة للاستفهام ، وهو استفهام

__________________

(١) في (ظ) و (ز) الذباب.

(٢) قال ابن حجر : لم أجده.

(٣) في (ز) أمر رسول الله.

٤٧

(مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (١٥٤) أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (١٥٥) أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ (١٥٦) فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (١٥٧) وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٥٨) سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٥٩) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٠) فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (١٦١) مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (١٦٢) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ) (١٦٣)

توبيخ ، وحذفت همزة الوصل استغناء عنها بهمزة الاستفهام.

١٥٤ ـ (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) هذا الحكم الفاسد.

١٥٥ ـ (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) بالتخفيف حمزة وعليّ وحفص.

١٥٦ ـ (أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ) حجة نزلت عليكم من السماء بأنّ الملائكة بنات الله.

١٥٧ ـ (فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ) الذي أنزل عليكم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في دعواكم.

١٥٨ ـ (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ) بين الله (وَبَيْنَ الْجِنَّةِ) الملائكة لاستتارهم (نَسَباً) وهو زعمهم أنهم بناته ، أو قالوا إنّ الله تزوّج من الجنّ فولدت له الملائكة (وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) ولقد علمت الملائكة إنّ الذين قالوا هذا القول لمحضرون في النار.

١٥٩ ـ (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) نزّه نفسه عن الولد والصاحبة.

١٦٠ ـ (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) استثناء منقطع من المحضرين ، معناه ولكن المخلصين ناجون من النار ، وسبحان الله اعتراض بين الاستثناء وبين ما وقع منه ، ويجوز أن يقع الاستثناء من واو يصفون أي يصفه هؤلاء بذلك ولكن المخلصون برآء من أن يصفوه به.

١٦١ ـ (فَإِنَّكُمْ) يا أهل مكة (وَما تَعْبُدُونَ) ومعبوديكم.

١٦٢ ـ (ما أَنْتُمْ) وهم جميعا (عَلَيْهِ) على الله (بِفاتِنِينَ) بمضلّين.

١٦٣ ـ (إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ) بكسر اللام أي لستم تضلّون أحدا إلا أصحاب النار الذين سبق في علمه أنهم بسوء أعمالهم يستوجبون أن يصلوها ، يقال فتن فلان على فلان امرأته كما تقول أفسدها عليه ، وقال الحسن : فإنكم أيها القائلون بهذا القول والذي تعبدونه من الأصنام ما أنتم على عبادة الأوثان بمضلّين أحدا إلا من قدّر عليه أن يصلى الجحيم أي يدخل النار ، وقيل ما أنتم بمضلّين إلا من أوجبت عليه الضلال

٤٨

(وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ (١٦٤) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (١٦٥) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (١٦٦) وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (١٦٧) لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْرًا مِّنْ الْأَوَّلِينَ) (١٦٨)

في السابقة ، وما في ما أنتم نافية ، ومن في موضع نصب بفاتنين ، وقرأ الحسن صال الجحيم بضمّ اللام ووجهه أن يكون جمعا ، فحذفت النون للإضافة وحذفت الواو لالتقاء الساكنين هي واللام في الجحيم ، ومن موحد اللفظ مجموع المعنى ، فحمل هو على لفظه والصّالون على معناه.

١٦٤ ـ (وَما مِنَّا) أحد (إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) في العبادة لا يتجاوزه ، فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه.

١٦٥ ـ (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) نصفّ أقدامنا في الصلاة ، أو نصفّ حول العرش داعين للمؤمنين.

١٦٦ ـ (وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) المنزّهون ، أو المصلّون ، والوجه أن يكون هذا وما قبله من قوله سبحان الله عما يصفون من كلام الملائكة حتى يتصل بذكرهم في قوله ولقد علمت الجنّة ، كأنه قيل ولقد علم الملائكة وشهدوا أنّ المشركين مفترون عليهم في مناسبة ربّ العزة وقالوا سبحان الله فنزهوه عن ذلك ، واستثنوا عباد الله المخلصين وبرؤوهم منه ، وقالوا للكفرة فإذا صحّ ذلك فإنكم وآلهتكم لا تقدرون أن تفتنوا على الله أحدا من خلقه وتضلّوه إلّا من كان من أهل النار ، وكيف نكون مناسبين لربّ العزة وما نحن إلا عبيد أذلاء بين يديه ، لكلّ منا مقام معلوم من الطاعة لا يستطيع أن يزلّ عنه ظفرا خشوعا لعظمته ، ونحن الصافون أقدامنا لعبادته مسبّحين ممجّدين كما يجب على العباد لربّهم؟ وقيل هو من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعني وما من المسلمين أحد إلا له مقام معلوم يوم القيامة على قدر عمله من قوله تعالى : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) (١) ثم ذكر أعمالهم وأنهم الذين يصطفون في الصلاة ويسبّحون الله وينزهونه عما لا يجوز عليه.

١٦٧ ـ (وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ) أي مشركو قريش قبل مبعثه عليه‌السلام.

١٦٨ ـ (لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ) أي كتابا من كتب الأولين الذين نزل عليهم التوراة والإنجيل.

__________________

(١) الإسراء ، ١٧ / ٧٩.

٤٩

(لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٩) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (١٧٠) وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (١٧٣) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٤) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٥) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (١٧٦) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاء صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ) (١٧٧)

١٦٩ ـ (لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) لأخلصنا العبادة لله ولما كذّبنا كما كذّبوا ، ولما خالفنا كما خالفوا ، فجاءهم الذكر الذي هو سيد الأذكار والكتاب الذي هو معجز من بين الكتب.

١٧٠ ـ (فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) مغبة تكذيبهم وما يحلّ بهم من الانتقام ، وإن مخففة من الثقيلة ، واللام هي الفارقة ، وفي ذلك أنهم كانوا يقولونه مؤكدين للقول جادّين فيه ، فكم بين أول أمرهم وآخره.

١٧١ ـ (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ) الكلمة قوله :

١٧٢ ـ ١٧٣ ـ (إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ. وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ) وإنما سمّاها كلمة وهي كلمات لأنها لما انتظمت في معنى واحد كانت في حكم كلمة مفردة ، والمراد الموعد بعلوّهم على عدوّهم في مقام الحجاج وملاحم القتال في الدنيا وعلوّهم عليهم في الآخرة ، وعن الحسن : ما غلب نبيّ في حرب ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما : إن لم ينصروا في الدنيا نصروا في العقبى ، والحاصل أنّ قاعدة أمرهم وأساسه والغالب منه الظفر والنصرة وإن وقع في تضاعيف ذلك شوب من الابتلاء والمحنة ، والعبرة للغالب.

١٧٤ ـ (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) فأعرض عنهم (حَتَّى حِينٍ) إلى مدة يسيرة ، وهي المدة التي أمهلوا فيها ، أو إلى يوم بدر ، أو إلى فتح مكة.

١٧٥ ـ (وَأَبْصِرْهُمْ) أي أبصر ما ينالهم يومئذ (فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) ذلك ، وهو للوعيد لا للتبعيد ، أو انظر إليهم إذا عذّبوا فسوف يبصرون ما أنكروا ، أو أعلمهم فسوف يعلمون.

١٧٦ ـ (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ) قبل حينه.

١٧٧ ـ (فَإِذا نَزَلَ) العذاب (بِساحَتِهِمْ) بفنائهم (فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ) صباحهم واللام في المنذرين مبهم في جنس من أنذروا ، لأن ساء وبئس يقتضيان ذلك ، وقيل هو نزول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الفتح بمكة. مثّل العذاب (١) بهم بعد ما أنذروه فأنكروه بجيش

__________________

(١) في (ظ) و (ز) العذاب النازل.

٥٠

 

(وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٨) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٩) سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (١٨٢)

أنذر بهجومه قومه بعض نصّاحهم فلم يلتفتوا إلى إنذاره حتى أناخ بفنائهم بغتة فشنّ عليهم الغارة ، وكانت عادة مغاويرهم أن يغيروا صباحا فسميت الغارة صباحا وإن وقعت في وقت آخر.

١٧٨ ـ ١٧٩ ـ (وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ. وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) وإنما ثنى ليكون تسلية على تسلية وتأكيدا لوقوع الميعاد إلى تأكيد ، وفيه فائدة زائدة وهي إطلاق الفعلين معا عن التقييد بالمفعول وأنه يبصر وهم يبصرون ما لا يحيط به الذكر من صنوف المسرة وأنواع المساءة ، وقيل أريد بأحدهما عذاب الدنيا وبالآخر عذاب الآخرة.

١٨٠ ـ (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ) أضيف الربّ إلى العزة لاختصاصه بها ، كأنه قيل ذو العزة كما تقول صاحب صدق لاختصاصه بالصدق ، ويجوز أن يراد أنه ما من عزة لأحد إلّا وهو ربّها ومالكها كقوله : (تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ) (١) (عَمَّا يَصِفُونَ) من الولد والصاحبة والشريك.

١٨١ ـ (وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ) عمّ الرسل بالسلام بعد ما خصّ البعض في السورة لأنّ في تخصيص كلّ بالذكر تطويلا.

١٨٢ ـ (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) على هلاك الأعداء ونصرة الأنبياء. اشتملت السورة على ذكر ما قاله المشركون في الله ونسبوه إليه مما هو منزّه عنه ، وما عاناه المرسلون من جهتهم وما خولوه في العاقبة من النصرة عليهم ، فختمها بجوامع ذلك من تنزيه ذاته عما وصفه به المشركون ، والتسليم على المرسلين والحمد لله ربّ العالمين على ما قيض (٢) من حسن العواقب ، والمراد تعليم المؤمنين أن يقولوا ذلك ولا يخلّوا به ولا يغفلوا عن مضمّنات كتابه الكريم ومودعات قرآنه المجيد ، وعن علي رضي الله عنه : من أحبّ أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه إذا قام من مجلسه : سبحان ربّك ربّ العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين (٣).

__________________

(١) آل عمران ، ٣ / ٢٦.

(٢) في (ظ) و (ز) قيض لهم.

(٣) عبد الرزاق والثعلبي موقوفا.

٥١

سورة ص

مكية وهي ثمان وثمانون آية كوفي وتسع بصري وست مدني

بسم الله الرحمن الرجيم

(ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (٢) كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ) (٣)

١ ـ (ص) ذكر هذا الحرف من حروف المعجم على سبيل التحدي والتنبيه على الإعجاز ، ثم أتبعه القسم محذوف الجواب لدلالة التحدي عليه كأنه قال (وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) أي ذي الشرف إنه لكلام معجز ، ويجوز أن يكون ص خبر مبتدإ محذوف على أنها (١) اسم للسورة ، كأنه قال هذه ص أي هذه السورة التي أعجزت العرب والقرآن ذي الذكر ، كما تقول هذا حاتم والله تريد هذا هو المشهور بالسخاء والله ، وكذلك إذا أقسم بها كأنه قال أقسمت بص والقرآن ذي الذكر إنه لمعجز. ثم قال :

٢ ـ (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ) تكبّر عن الإذعان لذلك ، والاعتراف بالحقّ (وَشِقاقٍ) خلاف لله ولرسوله ، والتنكير في عزة وشقاق للدلالة على شدّتهما وتفاقمهما ، وقرىء في غرّة أي في غفلة عما يجب عليهم من النظر واتباع الحقّ.

٣ ـ (كَمْ أَهْلَكْنا) وعيد لذوي العزة والشقاق (مِنْ قَبْلِهِمْ) من قبل قومك (مِنْ قَرْنٍ) من أمة (فَنادَوْا) فدعوا واستغاثوا حين رأوا العذاب (وَلاتَ) هي لا المشبهة بليس زيدت عليها تاء التأنيث كما زيدت على ربّ وثم للتوكيد ، وتغيّر بذلك حكمها

__________________

(١) في (ز) أنه.

٥٢

(وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (٤) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (٥) وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ) (٦)

حيث لم تدخل إلّا على الأحيان ، ولم يبرز إلّا أحد مقتضييها إمّا الاسم أو الخبر وامتنع بروزهما جميعا ، وهذا مذهب الخليل وسيبويه ، وعند الأخفش أنها لا النافية للجنس زيدت عليها التاء وخصّت بنفي الأحيان ، وقوله (حِينَ مَناصٍ) منجى منصوب بها ، كأنك قلت ولا حين مناص لهم ، وعندهما أنّ النصب على تقدير ولات الحين حين مناص ، أي وليس الحين حين مناص.

٤ ـ ٥ ـ (وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ) من أن جاءهم (مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) رسول من أنفسهم (١) يعني استبعدوا أن يكون النبيّ من البشر (وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ. أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) ولم يقل وقالوا إظهارا للغضب عليهم ، ودلالة على أنّ هذا القول لا يجسر عليه إلا الكافرون المتوغلون في الكفر ، المنهمكون في الغي ، إذ لا كفر أبلغ من أن يسمّوا من صدّقه الله كاذبا ساحرا ، ويتعجبوا من التوحيد وهو الحقّ الأبلج ، ولا يتعجبوا من الشرك وهو باطل لجلج ، وروي أنّ عمر رضي الله عنه لما أسلم فرح به المؤمنون وشقّ على قريش فاجتمع خمسة وعشرون نفسا من صناديدهم ومشوا إلى أبي طالب وقالوا : أنت كبيرنا ، وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء ، يريدون الذين دخلوا في الإسلام ، وجئناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك ، فاستحضر أبو طالب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا ابن أخي هؤلاء قومك يسألونك السواء فلا تمل كلّ الميل على قومك. فقال عليه‌السلام : (ما ذا يسألونني؟) فقالوا : ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك ، فقال عليه‌السلام : (أتعطوني كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم؟). قالوا : نعم وعشرا ، أي نعطيكها وعشر كلمات معها ، فقال : (قولوا لا إله إلا الله) فقاموا ، وقالوا : أجعل الآلهة إلها واحدا ، أي أصيّر إنّ هذا لشيء عجاب (٢) ، أي بليغ في العجب ، وقيل العجيب ما له مثل والعجاب ما لا مثل له.

٦ ـ (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا) وانطلق أشراف قريش عن مجلس أبي طالب بعد ما بكّتهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالجواب العتيد قائلين بعضهم لبعض أن امشوا ، وأن

__________________

(١) زاد في (ز) ينذرهم.

(٢) قال ابن حجر : ذكره الثعلبي بغير سند ، وروى الترمذي والنسائي وابن حبان وأحمد وأبو يعلى والطبري وابن أبي حاتم وغيرهم عن ابن عباس وليس فيه أوله.

٥٣

(مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (٧) أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (٨) أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (٩) أَمْ لَهُم مُّلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ) (١٠)

بمعنى أي لأنّ المنطلقين عن مجلس التقاول لا بدّ لهم من أن يتكلموا ويتفاوضوا فيما جرى لهم ، فكان انطلاقهم مضمّنا (١) معنى القول (وَاصْبِرُوا عَلى) عبادة (آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا) الأمر (لَشَيْءٌ يُرادُ) أي يريده الله تعالى ويحكم بإمضائه فلا مردّ له ولا ينفع فيه إلا الصبر ، أو إنّ هذا الأمر لشيء من نوائب الدهر يراد بنا فلا انفكاك لنا منه.

٧ ـ (ما سَمِعْنا بِهذا) بالتوحيد (فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ) في ملة عيسى التي هي آخر الملل ، لأنّ النصارى مثلّثة غير موحّدة ، أو في ملة قريش التي أدركنا عليها آباءنا (إِنْ هذا) ما هذا (إِلَّا اخْتِلاقٌ) كذب اختلقه محمد من تلقاء نفسه.

٨ ـ (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) القرآن (مِنْ بَيْنِنا) أنكروا أن يختصّ بالشرف من بين أشرافهم ، وينزل عليه الكتاب من بينهم حسدا (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي) من القرآن (بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) بل لم يذوقوا عذابي بعد ، فإذا ذاقوا (٢) زال عنهم ما بهم من الشكّ والحسد حينئذ ، أي أنهم لا يصدّقون به إلا أن يمسّهم العذاب فيصدّقون حينئذ.

٩ ـ (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ) يعني ما هم بمالكي خزائن الرحمة حتى يصيبوا بها من شاءوا ، أو يصرفوها عمن شاءوا ، ويتخيّروا للنبوة بعض صناديدهم ، ويترفعوا بها عن محمد ، وإنما الذي يملك الرحمة وخزائنها العزيز القاهر على خلقه الوهاب الكثير المواهب المصيب بها مواقعها ، الذي يقسمها على ما تقتضيه حكمته ، ثم رشّح هذا المعنى فقال :

١٠ ـ (أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) حتى يتكلموا في الأمور الربانية والتدابير الإلهية التي يختصّ بها ربّ العزة ، والكبرياء ، ثم تهكّم بهم غاية التهكّم فقال : فإن كانوا يصلحون لتدبير الخلائق والتصرّف في قسمة الرحمة (فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ) فليصعدوا في المعارج والطرق التي يتوصّل بها إلى السماء حتى يدبّروا أمر العالم وملكوت الله وينزّلوا الوحي إلى من يختارون.

__________________

(١) في (ز) متضمنا.

(٢) في (ظ) أذاقوه وفي (ز) ذاقوه.

٥٤

(جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّنَ الْأَحْزَابِ (١١) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (١٢) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ أُوْلَئِكَ الْأَحْزَابُ (١٣) إِن كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ (١٤) وَمَا يَنظُرُ هَؤُلَاء إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ) (١٥)

ثم وعد نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم النصرة عليهم بقوله :

١١ ـ (جُنْدٌ) مبتدأ (ما) صلة مقوية للنكرة المبتدأة (هُنالِكَ) إشارة إلى بدر ومصارعهم ، أو إلى حيث وضعوا فيه أنفسهم من الانتداب لمثل ذلك القول العظيم ، من قولهم لمن ينتدب لأمر ليس من أهله لست هنالك ، خبر المبتدأ (مَهْزُومٌ) مكسور (مِنَ الْأَحْزابِ) متعلق بجند أو بمهزوم ، يريد ما هم إلا جند من الكفار المتحزّبين على رسول الله مهزوم عما قريب ، فلا تبال بما يقولون ولا تكترث لما به يهذون.

١٢ ـ (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ) قبل أهل مكّة (قَوْمُ نُوحٍ) نوحا (وَعادٌ) هودا (وَفِرْعَوْنُ) موسى (ذُو الْأَوْتادِ) قيل كانت له أوتاد وحبال يلعب بها بين يديه ، وقيل يوتد من يعذّب بأربعة أوتاد في يديه ورجليه.

١٣ ـ (وَثَمُودُ) وهم قوم صالح صالحا (وَقَوْمُ لُوطٍ) لوطا (وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ) الغيضة شعيبا (أُولئِكَ الْأَحْزابُ) أراد بهذه الإشارة الإعلام بأنّ الأحزاب الذين جعل الجند المهزوم منهم هم هم ، وأنهم الذين وجد منهم التكذيب.

١٤ ـ (إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ) ذكر تكذيبهم أولا في الجملة الخبرية على وجه الإبهام حيث لم يبين المكذّب ، ثم جاء بالجملة الاستثنائية فأوضحه فيها وبيّن المكذّب ، وهم الرسل ، وذكر أنّ كلّ واحد من الأحزاب كذّب جميع الرسل ، لأنّ في تكذيب الواحد منهم تكذيب الجميع لاتحاد دعوتهم ، وفي تكرير التكذيب وإيضاحه بعد إبهامه ، والتنويع في تكريره بالجملة الخبرية أولا وبالاستثنائية ثانيا ، وما في الاستثنائية من الوضع على وجه التوكيد ، أنواع من المبالغة المسجّلة عليهم باستحقاق أشدّ العقاب وأبلغه ، ثم قال (فَحَقَّ عِقابِ) أي فحق (١) لذلك أن أعاقبهم حقّ عقابهم. عذابي وعقابي في الحالين يعقوب.

١٥ ـ (وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ) وما ينتظر أهل مكة (٢) (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) أي النفخة

__________________

(١) في (ظ) و (ز) فوجب.

(٢) زاد في (ز) يجوز أن يكون إشارة إلى جميع الأحزاب.

٥٥

(وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (١٦) اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (١٧) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (١٨) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ) (١٩)

الأولى ، وهي الفزع الأكبر (ما لَها مِنْ فَواقٍ) وبالضم حمزة وعليّ أي ما لها من توقّف مقدار فواق ، وهو ما بين حلبتي الحالب ، أي إذا جاء وقتها لم تستأخر هذا القدر من الزمان ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما : ما لها من رجوع وترداد ، من أفاق المريض إذا رجع إلى الصحة ، وفواق الناقة ساعة يرجع الدرّ إلى ضرعها ، يريد أنها نفخة واحدة فحسب لا تثنّى ولا تردّد.

١٦ ـ (وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا) حظّنا من الجنة لأنه عليه‌السلام ذكر وعد الله المؤمنين الجنة ، فقالوا على سبيل الهزء عجّل لنا نصيبنا منها ، أو نصيبنا من العذاب الذي وعدته كقوله : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) (١) وأصل القطّ القسط من الشيء لأنه قطعة منه من قطّه إذا قطعه ، ويقال لصحيفة الجائزة قطّ لأنها قطعة من القرطاس (قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ).

١٧ ـ (اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) فيك وصن نفسك أن تزلّ فيما كلّفت من مصابرتهم وتحمّل أذاهم (وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ) وكرامته على الله كيف زلّ تلك الزّلة اليسيرة فلقي من عتاب الله ما لقي (ذَا الْأَيْدِ) ذا القوة في الدين ، وما يدلّ على أنّ الأيد القوة في الدين قوله (إِنَّهُ أَوَّابٌ) أي رجّاع إلى مرضاة الله تعالى ، وهو تعليل لذي الأيد ، روي أنه كان يصوم يوما ويفطر يوما ، وهو أشدّ الصوم ، ويقوم نصف الليل.

١٨ ـ (إِنَّا سَخَّرْنَا) ذلّلنا (الْجِبالَ مَعَهُ) قيل كان تسخيرها أنها تسير معه إذا أراد سيرها إلى حيث يريد (يُسَبِّحْنَ) في معنى مسبّحات على الحال ، واختار يسبّحن على مسبحات ليدلّ على حدوث التسبيح من الجبال شيئا بعد شيء وحالا بعد حال (بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ) أي في طرفي النهار ، والعشيّ وقت العصر إلى الليل ، والإشراق وقت الإشراق ، وهو حين تشرق الشمس أي تضيء ، وهو وقت الضحى ، وأما شروقها فطلوعها تقول شرقت الشمس ولمّا تشرق ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما : ما عرفت صلاة الضحى إلا بهذه الآية.

١٩ ـ (وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً) وسخّرنا الطير مجموعة من كلّ ناحية ، وعن ابن عباس

__________________

(١) الحج ، ٢٢ / ٤٧. العنكبوت ، ٢٩ / ٥٣.

٥٦

 

(وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (٢٠) وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (٢١) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاطِ) (٢٢)

رضي الله عنهما : كان إذا سبّح جاوبته الجبال بالتسبيح ، واجتمعت إليه الطير ، فسبحت ، فذلك حشرها (كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ) كلّ واحد من الجبال والطير لأجل داود أي لأجل تسبيحه مسبح ، لأنها كانت تسبّح لتسبيحه ، ووضع الأواب موضع المسبّح لأنّ الأواب وهو التواب الكثير الرجوع إلى الله وطلب مرضاته من عادته أن يكثر ذكر الله ويديم تسبيحه وتقديسه ، وقيل الضمير لله أي كلّ من داود والجبال والطير لله أواب أي مسبّح مرجّع للتسبيح.

٢٠ ـ (وَشَدَدْنا مُلْكَهُ) قويناه ، قيل كان يبيت حول محرابه ثلاثة وثلاثون ألف رجل يحرسونه (وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ) الزبور وعلم الشرائع ، وقيل : كلّ كلام وافق الحقّ فهو حكمة (وَفَصْلَ الْخِطابِ) علم القضاء وقطع الخصام ، والفصل بين الحقّ والباطل ، والفصل هو التمييز بين الشيئين ، وقيل للكلام البيّن فصل بمعنى المفصول ، كضرب الأمير ، وفصل الخطاب البيّن من الكلام الملخص الذي يتبينه من يخاطب به لا يلتبس عليه ، وجاز أن يكون الفصل بمعنى الفاصل كالصوم والزور ، والمراد بفصل الخطاب الفاصل من الخطاب الذي يفصل بين الصحيح والفاسد والحقّ والباطل ، وهو كلامه في القضايا والحكومات وتدابير الملك والمشورات. وعن علي رضي الله عنه : هو الحكم بالبينة على المدعي واليمين على المدعى عليه ، وهو من الفصل بين الحقّ والباطل ، وعن الشعبي : هو قوله أما بعد ، وهو أول من قال أما بعد ، فإنّ من تكلّم في الأمر الذي له شأن يفتتح بذكر الله وتحميده ، فإذا أراد أن يخرج إلى الغرض المسوق له فصل بينه وبين ذكر الله بقوله : أما بعد.

٢١ ـ (وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ) ظاهره الاستفهام ومعناه الدلالة على أنه من الأنباء العجيبة ، والخصم الخصماء ، وهو يقع على الواحد والجمع ، لأنه مصدر في الأصل تقول خصمه خصما ، وانتصاب (إِذْ) بمحذوف تقديره وهل أتاك نبأ تحاكم الخصم أو بالخصم لما فيه من معنى الفعل (تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) تصعّدوا سوره ونزلوا إليه ، والسور الحائط المرتفع ، والمحراب الغرفة أو المسجد أو صدر المسجد.

٢٢ ـ (إِذْ) بدل من الأولى (دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ) روي أنّ الله تعالى

٥٧

بعث إليه ملكين في صورة إنسانين ، فطلبا أن يدخلا عليه فوجداه في يوم عبادته ، فمنعهما الحرس ، فتسوّرا (١) عليه المحراب فلم يشعر إلّا وهما بين يديه جالسان ، ففزع منهما ، لأنهما دخلوا عليه المحراب في غير يوم القضاء ، ولأنهما (٢) نزلوا عليه من فوق وفي يوم الاحتجاب والحرس حوله لا يتركون من يدخل عليه (قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ) خبر مبتدإ محذوف أي نحن خصمان (بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ) تعدّى وظلم (فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ) ولا تجر من الشطط وهو مجاوزة الحدّ وتخطي الحقّ (وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ) وأرشدنا إلى وسط الطريق ومحجّته ، والمراد عين الحقّ ومحضه.

روي أنّ أهل زمان داود عليه‌السلام كان يسأل بعضهم بعضا أن ينزل له عن امرأته فيتزوجها إذا أعجبته ، وكان لهم عادة في المواساة بذلك ، وكان الأنصار يواسون المهاجرين بمثل ذلك ، فاتفق أنّ عين داود عليه‌السلام وقعت على امرأة (٣) أوريا ، فأحبها ، فسأله النزول له عنها ، فاستحى أن يردّه ففعل ، فتزوجها ، وهي أم سليمان ، فقيل له إنك مع عظم منزلتك وكثرة نسائك لم يكن ينبغي لك أن تسأل رجلا ليس له إلا امرأة واحدة النزول عنها لك بل كان الواجب عليك مغالبة هواك وقهر نفسك والصبر على ما امتحنت به.

وقيل خطبها أوريا ، ثم خطبها داود ، فآثره أهلها ، فكانت زلّته أن خطب على خطبة أخيه المؤمن مع كثرة نسائه.

وما يحكى أنه بعث مرة بعد مرة أوريا إلى غزوة البلقاء وأحبّ أن يقتل ليتزوجها فلا يليق من المتّسمين بالصلاح من أفنان المسلمين فضلا عن بعض أعلام الأنبياء.

وقال عليّ رضي الله عنه : من حدّثكم بحديث داود عليه‌السلام على ما يرويه القصّاص جلدته مائة وستين هو حدّ الفرية على الأنبياء (٤).

وروي أنه حدّث بذلك عمر بن عبد العزيز وعنده رجل من أهل الحقّ فكذّب المحدّث به وقال : إن كانت القصة على ما في كتاب الله فما ينبغي أن يلتمس خلافها وأعظم بأن يقال غير ذلك ، وإن كانت على ما ذكرت وكفّ الله عنها سترا على نبيّه فما

__________________

(١) في (ظ) و (ز) فتسوروا.

(٢) في جميع النسخ : منهم ... ولأنهم.

(٣) في (ز) فاتفق أن داود عليه‌السلام وقعت عينه على امرأة.

(٤) قال ابن حجر : لم أجده.

٥٨

 

(إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (٢٣) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ) (٢٤)

ينبغي إظهارها عليه ، فقال عمر : لسماعي هذا الكلام أحبّ إليّ مما طلعت عليه الشمس.

والذي يدلّ عليه المثل الذي ضربه الله بقصته عليه‌السلام ليس إلا طلبه إلى زوج المرأة أن ينزل له عنها فحسب ، وإنما جاءت على طريق التمثيل والتعريض دون التصريح لكونها أبلغ في التوبيخ من قبل أنّ التأمل إذا أدّاه إلى الشعور بالمعرّض به كان أوقع في نفسه وأشدّ تمكنا من قلبه وأعظم أثرا فيه مع مراعاة حسن الأدب بترك المجاهرة.

٢٣ ـ (إِنَّ هذا أَخِي) هو بدل من هذا ، أو خبر لإنّ ، والمراد أخوّة الدين ، أو أخوة الصداقة والألفة ، أو أخوة الشركة والخلطة لقوله وإنّ كثيرا من الخلطاء (لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ) ولي حفص ، والنعجة كناية عن المرأة ، ولما كان هذا تصويرا للمسألة وفرضا لها لا يمتنع أن يفرض الملائكة في أنفسهم ، كما تقول لي أربعون شاة ولك أربعون فخلطناها ، وما لكما من الأربعين أربعة ولا ربعها (فَقالَ أَكْفِلْنِيها) ملّكنيها ، وحقيقته اجعلني أكفلها كما أكفل ما تحت يدي ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما : اجعلها كفلي أي نصيبي (وَعَزَّنِي) وغلبني ، يقال عزّه يعزّه (فِي الْخِطابِ) في الخصومة ، أي أنه كان أقدر على الاحتجاج مني ، وأراد بالخطاب مخاطبة المحاجّ المجادل ، أو أراد خطبت المرأة وخطبها هو ، فخاطبني خطابا أي غالبني في الخطبة ، فغلبني حيث زوّجها دوني ، ووجه التمثيل أن مثّلت قصة أوريا مع داود بقصة رجل له نعجة واحدة ولخليطه تسع وتسعون ، فأراد صاحبه تتمة المائة فطمع في نعجة خليطه ، وأراده على الخروج من ملكها إليه ، وحاجّه في ذلك محاجة حريص على بلوغ مراده ، وإنما كان ذلك على وجه التحاكم إليه ليحكم بما حكم به من قوله :

٢٤ ـ (قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ) حتى يكون محجوجا بحكمه ، وهذا جواب قسم محذوف ، وفي ذلك استنكار لفعل خليطه ، والسؤال مصدر مضاف إلى المفعول ، وقد ضمّن معنى الإضافة فعدّي تعديتها ، كأنه قيل بإضافة نعجتك إلى نعاجه على وجه السؤال والطلب ، وإنما ظلّم الآخر بعد ما اعترف به خصمه ، ولكنه

٥٩

(فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (٢٥) يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) (٢٦)

لم يحك في القرآن لأنه معلوم.

ويروى أنه قال : أنا أريد أن آخذها منه وأكمل نعاجي مائة ، فقال داود : إن رمت ذلك ضربنا منك هذا وهذا ، وأشار إلى طرف الأنف والجبهة ، فقال : يا داود أنت أحقّ أن يضرب منك هذا وهذا ، وأنت فعلت كيت وكيت ، ثم نظر داود فلم ير أحدا فعرف ما وقع فيه (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ) الشركاء والأصحاب (لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) المستثنى منصوب ، وهو من الجنس ، والمستثنى منه بعضهم (وَقَلِيلٌ ما هُمْ) ما للإبهام ، وهم مبتدأ ، وقليل خبره (وَظَنَّ داوُدُ) أي علم وأيقن ، وإنما استعير له لأنّ الظنّ الغالب يداني العلم (أَنَّما فَتَنَّاهُ) ابتليناه (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ) لزلته (وَخَرَّ راكِعاً) أي سقط على وجهه ساجدا لله ، وفيه دليل على أنّ الركوع يقوم مقام السجود في الصلاة إذا نوي ، لأنّ المراد مجرد ما يصلح تواضعا عند هذه التلاوة ، والركوع في الصلاة يعمل هذا العمل بخلاف الركوع في غير الصلاة (وَأَنابَ) ورجع إلى الله بالتوبة.

وقيل إنه بقي ساجدا أربعين يوما وليلة لا يرفع رأسه إلا لصلاة مكتوبة ، أو ما لا بدّ منه ، ولا يرقأ دمعه حتى نبت العشب من دمعه ، ولم يشرب ماء إلا وثلثاه دمع.

٢٥ ـ (فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ) أي زلته (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى) لقربة (وَحُسْنَ مَآبٍ) مرجع ، وهو الجنة.

٢٦ ـ (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) أي استخلفناك على الملك في الأرض ، أو جعلناك خليفة ممن كان قبلك من الأنبياء القائمين بالحقّ ، وفيه دليل على أنّ حاله بعد التوبة بقيت على ما كانت عليه لم تتغير (فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ) أي بحكم الله إذ كنت خليفة (١) ، أو بالعدل (وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى) أي هوى النفس في قضائك (فَيُضِلَّكَ) الهوى (عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) دينه (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ) أي بنسيانهم يوم الحساب.

__________________

(١) في (ظ) و (ز) خليفته.

٦٠