تفسير النسفي - ج ٤

عبدالله بن أحمد النسفي

تفسير النسفي - ج ٤

المؤلف:

عبدالله بن أحمد النسفي


المحقق: الشيخ مروان محمّد الشعار
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (٩) وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ (١٠) وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (١١)

الإسلام؟ وهو العزّ الذي لا ذلّ معه والغنى الذي لا فقر معه ، وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما أن رجلا قال له : إنّ الناس يزعمون أنّ فيك تيها. قال : ليس بتيه ولكنه عزة وتلا هذه الآية (وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ).

٩ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ) لا تشغلكم (أَمْوالُكُمْ) والتصرف فيها والسعي في تدبير أمرها بالنماء وطلب النّتاج (وَلا أَوْلادُكُمْ) وسروركم بهم وشفقتكم عليهم والقيام بمؤنهم (عَنْ ذِكْرِ اللهِ) أي عن الصلوات الخمس ، أو عن القرآن (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) يريد الشغل بالدنيا عن الدين ، وقيل : من يشتغل بتثمير أمواله عن تدبير أحواله وبمرضاة أولاده عن إصلاح معاده (فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) في تجارتهم حيث باعوا الباقي بالفاني.

١٠ ـ (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ) من للتبعيض ، والمراد بالإنفاق الواجب (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) أي من قبل أن يرى دلائل الموت ويعاين ما ييأس معه من الإمهال ويتعذر عليه الإنفاق (فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي) هلّا أخرت موتي (إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) إلى زمان قليل (فَأَصَّدَّقَ) فأتصدّق ، وهو جواب لو لا (وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) من المؤمنين ، والآية في المؤمنين ، وقيل في المنافقين ، وأكون أبو عمرو بالنصب عطفا على اللفظ ، والجزم على موضع فأصّدّق كأنه قيل إن أخرتني أصّدّق وأكن.

١١ ـ (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً) عن الموت (إِذا جاءَ أَجَلُها) المكتوب في اللوح المحفوظ (وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) يعملون حماد ويحيى ، والمعنى أنكم إذا علمتم أنّ تأخير الموت عن وقته مما لا سبيل إليه وأنه هاجم لا محالة ، وأنّ الله عليم بأعمالكم ، فمجاز عليها من منع واجب وغيره لم يبق إلا المسارعة إلى الخروج عن عهدة الواجبات والاستعداد للقاء الله (١).

__________________

(١) في (ظ) و (ز) عن عهدة الواجب والاستعداد للقاء الله تعالى ، وزاد في (ز) والله أعلم بالصواب.

٣٨١

سورة التغابن

ثماني عشرة آية مختلف فيها

بسم الله الرحمن الرحيم

(يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (٢)

١ ـ (يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) قدّم الظرفان ليدلّ بتقديمهما على اختصاص الملك والحمد بالله عزوجل ، وذلك لأن الملك على الحقيقة له ، لأنه مبدىء كلّ شيء والقائم به وكذا الحمد ، لأنّ أصول النّعم وفروعها منه ، وأما ملك غيره فتسليط منه واسترعاء ، وحمد غيره اعتداد بأن نعمة الله جرت على يده.

٢ ـ (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) أي فمنكم آت بالكفر وفاعل له ، ومنكم آت بالإيمان وفاعل له ، ويدلّ عليه (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) أي عالم وبصير بكفركم وإيمانكم اللذين هما من عملكم ، والمعنى هو الذي تفضّل عليكم بأصل النّعم الذي هو الخلق والإيجاد عن العدم ، وكان يجب أن تكونوا بأجمعكم شاكرين ، فما بالكم تفرقتم أمما؟ فمنكم كافر ومنكم مؤمن. وقدّم الكفر لأنه الأغلب عليهم والأكثر فيهم ، وهو ردّ لقول من يقول بالمنزلة بين المنزلتين ، وقيل هو الذي خلقكم فمنكم كافر بالخلق وهم الدهرية (١) ، ومنكم مؤمن به.

__________________

(١) الدهرية : هم منكرو الخالق والبعث والإعادة وقالوا بالطبع المحيي والدهر المفني وهم الذين أخبر عنهم القرآن المجيد : (وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا) الجاثية ٤٥ / ٢٤ (الملل والنحل ـ الباب السادس ـ الفصل الأول).

٣٨٢

(خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣) يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٤) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٥) ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوا وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ(٦) زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (٧)

٣ ـ (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) بالحكمة البالغة وهو أن جعلها مقارّ المكلّفين ليعملوا فيجازيهم (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) أي جعلكم أحسن الحيوان كلّه وأبهاه ، بدليل أنّ الإنسان لا يتمنى أن تكون صورته على خلاف ما يرى من سائر الصور ، ومن حسن صورته أنه خلق منتصبا غير منكب ، ومن كان دميما مشوه الصورة سمج الخلقة فلا سماجة ثمّ ، ولكن الحسن على طبقات فلانحطاطها عما فوقها لا تستملح ولكنها غير خارجة عن حدّ الحسن. وقالت الحكماء : شيئان لا غاية لهما ، الجمال والبيان (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) فأحسنوا سرائركم كما أحسن صوركم.

٤ ـ (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) نبه بعلمه ما في السماوات والأرض ، ثم بعلمه بما يسرّه العباد ويعلنونه ، ثم بعلمه بذات الصدور أنّ شيئا من الكليات والجزئيات غير خاف عليه فحقّه أن يتّقى ويحذر ولا يجترأ على شيء مما يخالف رضاه ، وتكرير العلم في معنى تكرير الوعيد ، وكلّ ما ذكره بعد قوله فمنكم كافر ومنكم مؤمن في معنى الوعيد على الكفر وإنكار أن يعصى الخالق ولا تشكر نعمته.

٥ ـ (أَلَمْ يَأْتِكُمْ) الخطاب لكفار مكة (نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ) يعني قوم نوح وهود وصالح ولوط (فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ) أي ذاقوا وبال كفرهم في الدنيا (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في العقبى.

٦ ـ (ذلِكَ) إشارة إلى ما ذكر من الوبال الذي ذاقوه في الدنيا وما أعدّ لهم من العذاب في الآخرة (بِأَنَّهُ) بأنّ الشأن والحديث (كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) بالمعجزات (فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا) أنكروا الرسالة للبشر ولم ينكروا العبادة للحجر (فَكَفَرُوا) بالرسل (وَتَوَلَّوْا) عن الإيمان (وَاسْتَغْنَى اللهُ) أطلق ليتناول كلّ شيء ، ومن جملته إيمانهم وطاعتهم (وَاللهُ غَنِيٌ) عن خلقه (حَمِيدٌ) على صنعه.

٧ ـ (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي أهل مكة ، والزعم ادعاء العلم ويتعدى تعدي العلم

٣٨٣

(فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٨) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٩) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٠) مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (١١)

(أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا) أن مع ما في حيزه قائم مقام المفعولين وتقديره أنهم لن يبعثوا (قُلْ بَلى) هو إثبات لما بعد لن وهو البعث (وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَ) أكّد الإخبار باليمين ، فإن قلت : ما معنى اليمين على شيء أنكروه؟ قلت : هو جائز لأنّ التهديد به أعظم موقعا في القلب ، فكأنه قيل لهم ما تنكرونه كائن لا محالة (ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ) البعث (عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) هيّن.

٨ ـ (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا) يعني القرآن ، لأنه يبيّن حقيقة كلّ شيء فيهتدى به كما بالنور (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) فراقبوا أموركم.

٩ ـ ١٠ ـ (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ) انتصب الظرف بقوله لتنبّؤون أو بإضمار اذكر (لِيَوْمِ الْجَمْعِ) ليوم يجمع فيه الأولون والآخرون (ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ) وهو مستعار من تغابن القوم في التجارة ، وهو أن يغبن بعضهم بعضا لنزول السعداء منازل الأشقياء التي كانوا ينزلونها لو كانوا سعداء ، ونزول الأشقياء منازل السعداء التي كانوا ينزلونها لو كانوا أشقياء ، كما ورد في الحديث (١) ، ومعنى ذلك يوم التغابن ، وقد يتغابن الناس في غير ذلك اليوم استعظام له ، وأنّ تغابنه هو التغابن في الحقيقة لا التغابن في أمور الدنيا (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً) صفة للمصدر أي عملا صالحا (يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ) وبالنون فيهما مدني وشامي (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).

١١ ـ (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ) شدة ومرض وموت أهل ، أو شيء يقتضي همّا (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) بعلمه وتقديره ومشيئته ، كأنه أذن للمصيبة أن تصيبه (وَمَنْ يُؤْمِنْ

__________________

(١) ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة (ما من عبد أدخل النار إلا رأى مقعده في الجنة لو أحسن ليزداد حسرة) وفي المتفق عليه من حديث أنس في قصة المؤمن ، فيقال له : انظر إلى مقعدك من النار أبدلك الله به مقعدا من الجنة ، قال نبي الله : فيراهما جميعا.

٣٨٤

وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (١٢) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٣) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (١٤) إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (١٥)

(بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) للاسترجاع عند المصيبة حتى يقول : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) (١) أو يشرحه للازدياد من الطاعة والخير ، أو : (يهد قلبه حتى يعلم أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه) (٢) وعن مجاهد : إن ابتلي صبر وإن أعطي شكر وإن ظلم غفر (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).

١٢ ـ (وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) عن طاعة الله وطاعة رسوله (فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) أي فعليه التبليغ وقد فعل.

١٣ ـ (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) بعث لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على التوكّل عليه حتى ينصره على من كذّبه وتولى عنه.

١٤ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ) أي إنّ من الأزواج أزواجا يعادين بعولتهن ويخاصمنهم ، ومن الأولاد أولادا يعادون آباءهم ويعقّونهم (فَاحْذَرُوهُمْ) الضمير للعدو ، أو للأزواج والأولاد جميعا ، أي لمّا علمتم أنّ هؤلاء لا يخلون من عدوّ فكونوا منهم على حذر ولا تأمنوا غوائلهم وشرّهم (وَإِنْ تَعْفُوا) عنهم إذا اطلعتم منهم على عداوة ولم تقابلوهم بمثلها (وَتَصْفَحُوا) تعرضوا عن التوبيخ (وَتَغْفِرُوا) بستر (٣) ذنوبهم (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يغفر لكم ذنوبكم ويكفر عنكم (٤) ، قيل : إنّ ناسا أرادوا الهجرة عن مكّة فثبّطهم أزواجهم وأولادهم ، وقالوا : تنطلقون وتضيعوننا ، فرقّوا لهم ووقفوا ، فلما هاجروا بعد ذلك ورأوا الذين سبقوهم قد فقهوا في الدين أرادوا أن يعاقبوا أزواجهم وأولادهم فزيّن لهم العفو (٥).

١٥ ـ (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) بلاء ومحنة لأنهم يوقعون في الإثم والعقوبة ولا بلاء أعظم منهما (وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) أي في الآخرة وذلك أعظم

__________________

(١) البقرة ، ٢ / ١٥٦.

(٢) الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(٣) في (ظ) و (ز) تستروا.

(٤) في (ز) عنكم سيئاتكم.

(٥) الطبري عن ابن عباس بألفاظ متقاربة.

٣٨٥

(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٦) إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (١٧) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١٨)

من منفعتكم بأموالكم وأولادكم ، ولم يدخل فيه من كما في العداوة لأنّ الكلّ لا يخلو عن الفتنة وشغل القلب ، وقد يخلو بعضهم عن العداوة.

١٦ ـ (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) جهدكم ووسعكم ، قيل هو تفسير لقوله : (حَقَّ تُقاتِهِ) (١) (وَاسْمَعُوا) ما توعظون به (وَأَطِيعُوا) فيما تؤمرون به وتنهون عنه (وَأَنْفِقُوا) في الوجوه التي وجبت عليكم النفقة فيها (خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ) أي إنفاقا خيرا لأنفسكم. وقال الكسائي : يكن الإنفاق خيرا لأنفسكم ، والأصحّ أنّ تقديره ائتوا خيرا لأنفسكم وافعلوا ما هو خير لها ، وهو تأكيد للحثّ على امتثال هذه الأوامر وبيان ، لأن هذه الأمور خير لأنفسكم من الأموال والأولاد وما أنتم عاكفون عليه من حبّ الشهوات وزخارف الدنيا (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ) أي البخل بالزكاة والصدقة الواجبة (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

١٧ ـ (إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) بنية وإخلاص ، وذكر القرض تلطف في الاستدعاء (يُضاعِفْهُ لَكُمْ) يكتب لكم بالواحدة عشرا أو سبعمائة إلى ما شاء من الزيادة (وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ شَكُورٌ) يقبل القليل ويعطي الجزيل (حَلِيمٌ) يقيل الجليل من ذنب البخيل ، أو يضعّف الصدقة لدافعها ولا يعجّل العقوبة لمانعها.

١٨ ـ (عالِمُ الْغَيْبِ) أي يعلم ما استتر من سرائر القلوب (وَالشَّهادَةِ) أي ما انتشر من ظواهر الخطوب (الْعَزِيزُ) المعز بإظهار السيوب (٢) (الْحَكِيمُ) في الإخبار عن الغيوب (٣).

__________________

(١) آل عمران ، ٣ / ١٠٢.

(٢) السيوب : أي المعز بإظهار العطاء والكنوز المدفونة. والسيوب : الركاز (القاموس ١ / ٨٤).

(٣) زاد في (ظ) و (ز) والله أعلم.

٣٨٦

سورة الطلاق

مدنية وهي اثنتا عشرة آية

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) (١)

١ ـ (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) خصّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالنداء وعمّ بالخطاب لأنّ النبي إمام أمته وقدوتهم ، كما يقال لرئيس القوم : يا فلان افعلوا كذا إظهارا لتقدمه ، واعتبارا لترؤسه ، وأنه قدوة قومه ، فكان هو وحده في حكم كلّهم وسادّا مسدّ جيعهم ، وقيل التقدير يا أيها النبي والمؤمنون ، ومعنى إذا طلقتم النساء إذا أردتم تطليقهنّ وهممتم به على تنزيل المقبل على الأمر المشارف له منزلة الشارع فيه كقوله عليه‌السلام : (من قتل قتيلا فله سلبه) (١) ومنه : كان الماشي إلى الصلاة والمنتظر لها في حكم المصلي ، (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) فطلقوهنّ مستقبلات لعدتهنّ ، وفي قراءة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قبل عدتهنّ ، وإذا طلّقت المرأة في الطّهر المتقدم للقرء الأول من أقرائها فقد طلّقت مستقبلة لعدتها ، والمراد أن تطلق المدخول بهنّ من المعتدات بالحيض في طهر لم يجامعن (٢) فيه ، ثم يخلّين حتى تنقضي عدتهن ، وهذا أحسن الطلاق (وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) واضبطوها بالحفظ وأكملوها ثلاثة أقراء مستقبلات

__________________

(١) متفق عليه من حديث أبي قتادة وقد تقدم في أوائل سورة البقرة ٢ / ٢.

(٢) في (ز) يجامعهن.

٣٨٧

(فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا) (٢)

كوامل لا نقصان فيهنّ ، وخوطب الأزواج لغفلة النساء (وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَ) حتى تنقضي عدتهنّ (مِنْ بُيُوتِهِنَ) من مساكنهن التي يسكنّها قبل العدة ، وهي بيوت الأزواج ، وأضيفت إليهنّ لاختصاصها بهن من حيث السكنى ، وفيه دليل على أنّ السكنى واجبة ، وأنّ الحنث بدخول دار يسكنها فلان بغير ملك ثابت فيما إذا حلف لا يدخل داره ، ومعنى الإخراج أن لا يخرجهنّ البعولة غضبا عليهنّ وكراهة لمساكنتهنّ ، أو لحاجة لهم إلى المساكن ، وأن لا يأذنوا لهنّ في الخروج إذا طلبن ذلك إيذانا بأنّ إذنهم لا أثر له في رفع الحظر (وَلا يَخْرُجْنَ) بأنفسهن إن أردن ذلك (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) قيل هي الزنا ، أي إلا أن يزنين فيخرجن لإقامة الحدّ عليهن ، وقيل خروجها قبل انقضاء العدة فاحشة في نفسه (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ) أي الأحكام المذكورة (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي) أيها المخاطب (لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) بأن يقلّب قلبه من بغضها إلى محبتها ، ومن الرغبة عنها إلى الرغبة فيها ، ومن عزيمة الطلاق إلى الندم عليه فيراجعها ، والمعنى فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة ولا تخرجوهن من بيوتهنّ لعلكم تندمون فتراجعون.

٢ ـ (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَ) قاربن آخر العدة (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) أي فأنتم بالخيار إن شئتم ، فالرّجعة والإمساك بالمعروف والإحسان ، وإن شئتم فترك الرجعة والمفارقة واتقاء الضّرار ، وهو أن يراجعها في آخر عدتها ثم يطلّقها تطويلا للعدة عليها وتعذيبا لها (وَأَشْهِدُوا) يعني عند الرجعة والفرقة جميعا ، وهذا الإشهاد مندوب إليه لئلا يقع بينهما التجاحد (ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) من المسلمين (وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ) لوجهه خالصا ، وذلك أن يقيموها لا للمشهود له ولا للمشهود عليه ولا لغرض من الأغراض سوى إقامة الحقّ ودفع الظلم (١) (ذلِكُمْ) الحثّ على إقامة الشهادة لوجه الله ولأجل القيام بالقسط (يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) أي إنما ينتفع به هؤلاء (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) هذه جملة اعتراضية مؤكدة لما سبق من إجراء أمر الطلاق على السّنّة ، والمعنى ومن يتق الله فطلّق للسّنّة ولم يضارّ

__________________

(١) في (ظ) و (ز) الضرر.

٣٨٨

(وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (٣) وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) (٤)

المعتدة ولم يخرجها من مسكنها واحتاط فأشهد يجعل الله له مخرجا مما في شأن الأزواج من الغموم والوقوع في المضايق ويفرّج عنه ويعطيه (١) الخلاص.

٣ ـ (وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) من وجه لا يخطر بباله ولا يحتسبه ، ويجوز أن يجاء بها على سبيل الاستطراد عند ذكر قوله : ذلكم يوعظ به. أي ومن يتق الله يجعل له مخرجا ومخلصا من غموم الدنيا والآخرة. وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قرأها فقال : (مخرجا من شبهات الدنيا ومن غمرات الموت ومن شدائد يوم القيامة) (٢). وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (إني لأعلم آية لو أخذ الناس بها لكفتهم ومن يتّق الله) فما زال يقرؤها ويعيدها (٣) ، وروي أن عوف بن مالك أسر المشركون ابنا له فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : أسر ابني وشكا إليه الفاقة فقال : (ما أمسى عند آل محمد إلا مدّ فاتق الله واصبر وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم) فعاد إلى بيته وقال لامرأته إنّ رسول الله أمرني وإياك أن نستكثر من قول لا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم ، فقالت : نعم ما أمرنا به ، فجعلا يقولان ذلك فبينما هو في بيته إذ قرع ابنه الباب ومعه مائة من الإبل تغفّل عنها العدو فاستاقها (٤) ، فنزلت هذه الآية (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) يكل أمره إليه عن طمع غيره وتدبير نفسه (فَهُوَ حَسْبُهُ) كافيه في الدارين (إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ) حفص ، أي منفذ أمره ، غيره بالغ أمره أي يبلغ ما يريد لا يفوته مراد ولا يعجزه مطلوب (قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) تقديرا وتوقيتا ، وهذا بيان لوجوب التوكل على الله وتفويض الأمر إليه ، لأنه إذا علم أنّ كلّ شيء من الرزق ونحوه لا يكون إلا بتقديره وتوقيته لم يبق إلا التسليم للقدر والتوكل.

٤ ـ (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ) روي أنّ ناسا قالوا : قد عرفنا عدة

__________________

(١) في (ز) ويعطه.

(٢) رواه الثعلبي والواحدي بسندهما عن ابن عباس مرفوعا ، ورواه أبو نعيم في الحلية موقوفا على قتادة في ترجمته.

(٣) أحمد في الزهد وابن ماجه وابن حبان والحاكم عن أبي ذر مرفوعا.

(٤) الثعلبي من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، وروى البيهقي في الدلائل عن ابن مسعود نحوه.

٣٨٩

(ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (٥) أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى) (٦)

ذوات الأقراء فما عدة اللائي لم يحضن؟ فنزلت (إِنِ ارْتَبْتُمْ) أي أشكل عليكم حكمهن وجهلتم كيف يعتددن (فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ) أي فهذا حكمهن ، وقيل إن ارتبتم في دم البالغات مبلغ اليأس وقد قدروه بستين سنة وبخمس وخمسين أهو دم حيض أو استحاضة فعدتهن ثلاثة أشهر ، وإذا كانت عدة المرتاب بها فغير المرتاب بها أولى بذلك (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) هنّ الصغائر ، وتقديره واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر ، فحذفت الجملة لدلالة المذكور عليها (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَ) عدتهن (أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) والنصّ يتناول المطلقات والمتوفى عنهن أزواجهن. وعن علي وابن عباس رضي الله عنهم : عدة الحامل المتوفى عنها زوجها أبعد الأجلين (١) (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) ييسر له من أمره ويحلل من عقده بسبب التقوى.

٥ ـ (ذلِكَ أَمْرُ اللهِ) أي ما علم من حكم هؤلاء المعتدات (أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ) من اللوح المحفوظ (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ) في العمل بما أنزله من هذه الأحكام وحافظ على الحقوق الواجبة عليه (يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً). ثم بيّن التقوى في قوله ومن يتق الله كأنه قيل كيف نعمل بالتقوى في شأن المعتدات؟ فقيل :

٦ ـ (أَسْكِنُوهُنَ) وكذا وكذا (مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ) هي من التبعيضية ، مبعّضها محذوف أي أسكنوهن مكانا من حيث سكنتم ، أي بعض مكان سكناكم (مِنْ وُجْدِكُمْ) هو عطف بيان لقوله من حيث سكنتم وتفسير له ، كأنه قيل أسكنوهن مكانا من مسكنكم مما تطيقونه ، والوجد : الوسع والطاقة ، وقرىء بالحركات الثلاث ، والمشهور الضمّ ، والنفقة والسكنى واجبتان لكلّ مطلقة ، وعند مالك والشافعي لا نفقة للمبتوتة لحديث فاطمة بنت قيس أنّ زوجها أبتّ طلاقها ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (لا سكنى لك ولا نفقة) (٢) وعن عمر رضي الله عنه : لا ندع كتاب ربّنا وسنة نبينا بقول امرأة لعلها نسيت أو شبّه لها ، سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : (لها السكنى والنفقة) (٣) (وَلا

__________________

(١) رواه البخاري في صحيحه.

(٢) مسلم من طرق عنها.

(٣) مسلم وأبو داود والنسائي من طريق الأسود.

٣٩٠

لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (٧) وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا (٨) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا) (٩)

(تُضآرُّوهُنَ) ولا تستعملوا معهن الضرار (لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَ) في المسكن ببعض الأسباب من إنزال من لا يوافقهن ، أو يشغل مكانهنّ ، أو غير ذلك حتى تضطروهن إلى الخروج (وَإِنْ كُنَ) أي المطلقات (أُولاتِ حَمْلٍ) ذوات أحمال (فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) وفائدة اشتراط الحمل أنّ مدة الحمل ربما تطول فيظنّ ظان النفقة تسقط إذا مضى مقدار عدة الحامل فنفى ذلك الوهم (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ) يعني هؤلاء المطلقات إن أرضعن لكم ولدا من غيرهن (١) ، أو منهن بعد انقطاع عصمة الزوجية (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) فحكمهن في ذلك حكم الأظار ، ولا يجوز الاستئجار إذا كان الولد منهن ما لم تبن خلافا للشافعي رحمه‌الله (وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ) أي تشاوروا على التراضي في الأجرة ، أو ليأمر بعضكم بعضا ، والخطاب للآباء والأمهات (بِمَعْرُوفٍ) بما يليق بالسنة ويحسن في المروءة فلا يماكس (٢) الأب ولا تعاسر الأمّ ، لأنه ولدهما ، وهما شريكان فيه ، وفي وجوب الإشفاق عليه (وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ) تضايقتم فلم ترض الأمّ بما ترضع به الأجنبية ولم يزد الأب على ذلك (فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى) فستوجد ، ولا تعوز مرضعة غير الأم ترضعه ، وفيه طرف من معاتبة الأم على المعاسرة ، وقوله له أي للأب أي سيجد الأب غير معاسرة ترضع له ولده إن عاسرته أمه.

٧ ـ (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ) أي لينفق كلّ واحد من الموسر والمعسر ما بلغه وسعه ، يريد ما أمر به من الإنفاق على المطلقات والمرضعات ، ومعنى قدر عليه رزقه ضيّق ، أي رزقه الله على قدر قوته (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) أعطاها من الرزق (سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) بعد ضيق في المعيشة سعة ، وهذا وعد لذي العسر باليسر.

٨ ـ (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ) من أهل قرية (عَتَتْ) أي عصت (عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ) أعرضت عنه على وجه العتوّ والعناد (فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً) بالاستقصاء والمناقشة (وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً) نكرا مدني وأبو بكر ، منكرا عظيما.

٩ ـ (فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً) أي خسارا وهلاكا ، والمراد حساب

__________________

(١) في (ظ) و (ز) ظئرهن.

(٢) يماكس : أي يبخل.

٣٩١

(أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (١٠) رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (١١) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) (١٢)

الآخرة وعذابها ، وما يذوقون فيها من الوبال ويلقون من الخسر ، وجيء به على لفظ الماضي لأن المنتظر من وعد الله ووعيده ملقي في الحقيقة وما هو كائن فكان ، قد :

١٠ ـ (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً) تكرير للوعيد وبيان لكونه مترقبا ، كأنه قال أعدّ الله لهم هذا العذاب (فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا) فليكن لكم ذلك يا أولي الألباب من المؤمنين لطفا في تقوى الله وحذر عقابه ، ويجوز أن يراد إحصاء السيئات واستقصاؤها عليهم في الدنيا وإثباتها في صحائف الحفظة وما أصيبوا به من العذاب في العاجل ، وأن يكون عتت وما عطف عليه صفة للقرية وأعدّ الله لهم جوابا لكأين (قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً) أي القرآن.

١١ ـ وانتصب (رَسُولاً) بفعل مضمر تقديره أرسل رسولا ، أو بدل من ذكرا كأنه في نفسه ذكرا ، وعلى تقدير حذف المضاف ، أي قد أنزل الله إليكم ذا ذكر رسولا ، أو أريد بالذكر الشرف كقوله : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) (١) أي ذا شرف ومجد عند الله ، وبالرسول جبريل أو محمد عليهما‌السلام (يَتْلُوا) أي الرسول ، أو الله عزوجل (عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ) الله (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي ليحصّل لهم ما هم عليه الساعة من الإيمان والعمل الصالح ، أو ليخرج الذين علم منهم (٢) أنهم يؤمنون (مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) من ظلمات الكفر أو الجهل إلى نور الإيمان أو العلم (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ) وبالنون مدني وشامي (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) وحّد وجمع حملا على لفظ من ومعناه (قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً) فيه معنى التعجب والتعظيم لما رزق المؤمن (٣) من الثواب.

١٢ ـ (اللهُ الَّذِي خَلَقَ) مبتدأ وخبر (سَبْعَ سَماواتٍ) أجمع المفسرون على أنّ

__________________

(١) الزخرف ، ٤٣ / ٤٤.

(٢) ليس في (ظ) و (ز) منهم.

(٣) في (ظ) و (ز) المؤمنين.

٣٩٢

السماوات سبع (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ) بالنصب عطفا على سبع سماوات ، قيل : ما في القرآن آية تدلّ على أن الأرضين سبع إلا هذه الآية ، وبين كلّ سماءين مسيرة خمسمائة عام وغلظ كلّ سماء كذلك والأرضون مثل السماوات ، وقيل الأرض واحدة إلا أنّ الأقاليم سبعة (يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَ) أي يجري أمر الله وحكمه بينهنّ وملكه ينفذ فيهنّ (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) اللام يتعلق بخلق (وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) هو تمييز ، أو مصدر من غير لفظ الأول أي قد علم كلّ شيء علما (١).

__________________

(١) زاد في (ز) وهو علام الغيوب.

٣٩٣

سورة التحريم

مدنية وهي اثنتا عشرة آية

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)(١)

١ ـ (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ) روي أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خلا بمارية في يوم عائشة رضي الله عنها ، وعلمت بذلك حفصة ، فقال لها : (اكتمي عليّ وقد حرمت مارية على نفسي ، وأبشرك أنّ أبا بكر وعمر يملكان بعدي أمر أمتي ، فأخبرت به عائشة وكانتا مصادقتين) (١) ، وقيل خلا بها في يوم حفصة ، فأرضاها بذلك واستكتمها ، فلم تكتم (٢) ، فطلّقها ، واعتزل نساءه ، ومكث تسعا وعشرين ليلة في بيت مارية ، فنزل جبريل عليه‌السلام وقال : راجعها فإنها صوّامة قوّامة وإنها لمن نسائك في الجنة (٣). وروي أنه شرب عسلا في بيت زينب بنت جحش فتواطأت عائشة وحفصة وقالتا له : إنا نشم منك ريح المغافير (٤) ، وكان يكره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم التفل (٥) فحرّم العسل (٦) ، فمعناه لم تحرّم ما أحلّ الله لك من ملك اليمين أو من العسل (تَبْتَغِي

__________________

(١) ابن مردويه في التفسير عن الطبراني في عشرة النساء بسنده عن أبي هريرة.

(٢) ابن إسحاق.

(٣) الحاكم بغير ذكر سببه.

(٤) ريح المغافير : شيء ينضحه النبات.

(٥) التفل : تغير الرائحة.

(٦) متفق عليه من حديث عمر بدون قوله : يكره التفل. وعندهما : وكان يشتد عليه أن يوجد منه الريح.

٣٩٤

قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٢) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (٣) إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ) (٤)

(مَرْضاتَ أَزْواجِكَ) تفسير لتحرّم ، أو حال ، أو استئناف ، وكان هذا زلّة منه ، لأنه ليس لأحد أن يحرّم ما أحلّ الله (وَاللهُ غَفُورٌ) قد غفر لك ما زللت فيه (رَحِيمٌ) قد رحمك فلم يؤاخذك به.

٢ ـ (قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ) من قدّر الله لكم ما تحللون به أيمانكم وهي الكفارة ، أو قد شرع لكم تحليلها بالكفارة ، أو شرع الله لكم الاستثناء في أيمانكم من قولك حلّل فلان في يمينه إذا استثنى فيها ، وذلك أن يقول إن شاء الله عقيبها حتى لا يحنث ، وتحريم الحلال يمين عندنا ، وعن مقاتل أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعتق رقبة في تحريم مارية. وعن الحسن أنه لم يكفّر لأنه كان مغفورا له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر وإنما هو تعليم للمؤمنين (وَاللهُ مَوْلاكُمْ) سيدكم ومتولي أموركم ، وقيل مولاكم أولى بكم من أنفسكم ، فكانت نصيحته أنفع لكم من نصائحكم لأنفسكم (١) (وَهُوَ الْعَلِيمُ) بما يصلحكم فيشرعه لكم (الْحَكِيمُ) فيما أحلّ وحرّم.

٣ ـ (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ) يعني حفصة (حَدِيثاً) حديث مارية وإمامة الشيخين (فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ) أفشته إلى عائشة رضي الله عنها (وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ) وأطلع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على إفشائها الحديث على لسان جبريل عليه‌السلام (عَرَّفَ بَعْضَهُ) أعلم ببعض الحديث (وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ) فلم يخبر به تكرما. قال سفيان : ما زال التغافل من فعل الكرام ، عرف بالتخفيف عليّ أي جازى عليه من قولك للمسيء لأعرفنّ لك ذلك ، وقيل المعروف حديث الإمامة والمعرض عنه حديث مارية ، وروي أنه قال لها : (ألم أقل لك اكتمي عليّ؟) قالت : والذي بعثك بالحق ما ملكت نفسي فرحا بالكرامة التي خصّ الله بها أباها (فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ) نبأ النبي حفصة بما أفشت من السرّ إلى عائشة (قالَتْ) حفصة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ) بالسرائر (الْخَبِيرُ) بالضمائر.

٤ ـ (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ) خطاب لحفصة وعائشة على طريقة الالتفات ليكون أبلغ

__________________

(١) في (ظ) و (ز) أنفسكم.

٣٩٥

(عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (٥) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)(٦)

في معاتبتهما ، وجواب الشرط محذوف والتقدير إن تتوبا إلى الله فهو الواجب ، ودلّ على المحذوف (فَقَدْ صَغَتْ) مالت (قُلُوبُكُما) عن الواجب في مخالصة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من حبّ ما يحبّه وكراهة ما يكرهه (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ) بالتخفيف كوفي ، وإن تعاونا عليه بما يسوءه من الإفراط في الغيرة وإفشاء سره (فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ) وليّه وناصره ، وزيادة هو إيذان بأنه يتولى ذلك بذاته (وَجِبْرِيلُ) أيضا وليه (وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) ومن صلح من المؤمنين ، أي كلّ من آمن وعمل صالحا ، وقيل من برىء من النفاق ، وقيل الصحابة ، وقيل واحد أريد به الجمع كقولك لا يفعل هذا الصالح من الناس تريد الجنس ، وقيل أصله صالحو المؤمنين فحذفت الواو من الخطّ موافقة للفظ (وَالْمَلائِكَةُ) على تكاثر عددهم (بَعْدَ ذلِكَ) بعد نصرة الله وجبريل وصالحي المؤمنين (ظَهِيرٌ) فوج مظاهر له ، فما يبلغ تظاهر امرأتين على من هؤلاء ظهراؤه؟

ولما كانت مظاهرة الملائكة من جملة نصرة الله قال بعد ذلك تعظيما لنصرتهم ومظاهرتهم :

٥ ـ (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ) يبدّله مدني وأبو عمرو ، فالتشديد للكثرة (أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَ) فإن قلت : كيف تكون المبدّلات خيرا منهن ولم يكن على وجه الأرض نساء خير من أمهات المؤمنين؟ قلت : إذا طلّقهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لإيذائهن إياه لم يبقين على تلك الصفة ، وكان غيرهنّ من الموصوفات بهذه الأوصاف خيرا منهن (مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ) مقرّات مخلصات (قانِتاتٍ) مطيعات ، فالقنوت هو القيام بطاعة الله وطاعة الله في طاعة رسوله (تائِباتٍ) من الذنوب أو راجعات إلى الله وإلى أمر رسوله (عابِداتٍ) لله (سائِحاتٍ) مهاجرات أو صائمات ، وقيل للصائم سائح لأن السائح لا زاد معه فلا يزال ممسكا إلى أن يجد ما يطعمه ، فشبّه به الصائم في إمساكه إلى أن يجيء وقت إفطاره (ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) إنما وسّط العاطف بين الثيبات والأبكار دون سائر الصفات لأنهما صفتان متنافيتان بخلاف سائر الصفات.

٦ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ) بترك المعاصي وفعل الطاعات (وَأَهْلِيكُمْ) بأن تأخذوهم بما تأخذون به أنفسكم (ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) نوعا من النار لا تتّقد إلا بالناس والحجارة كما يتّقد غيرها من النيران بالحطب (عَلَيْها)

٣٩٦

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (٧) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٨)

يلي أمرها وتعذيب أهلها (مَلائِكَةٌ) يعني الزبانية التسعة عشر وأعوانهم (غِلاظٌ شِدادٌ) في أجرامهم غلظة وشدة ، أو غلاظ الأقوال شداد الأفعال (لا يَعْصُونَ اللهَ) في موضع الرفع على النعت (ما أَمَرَهُمْ) في محلّ النصب على البدل ، أي لا يعصون ما أمر الله أي أمره كقوله : (أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) (١) أو لا يعصونه فيما أمرهم (وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) وليست الجملتان في معنى واحد إذ معنى الأولى أنهم يتقبّلون أوامره ويلتزمونها ، ومعنى الثانية أنهم يؤدّون ما يؤمرون به لا يتثاقلون عنه ولا يتوانون فيه.

٧ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) في الدنيا ، أي يقال لهم ذلك عند دخولهم النار لا تعتذروا لأنه لا عذر لكم ، أو لأنه لا ينفعكم الاعتذار.

٨ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً) صادقة عن الأخفش رحمه‌الله ، وقيل خالصة يقال عسل ناصح إذا خلص من الشمع ، وقيل نصوحا من نصاحة الثوب أي توبة ترفو خروقك في دينك وترمّ خللك ، ويجوز أن يراد توبة تنصح الناس أي تدعوهم إلى مثلها لظهور أثرها في صاحبها واستعماله الجدّ والعزيمة في العمل على مقتضياتها ، وبضم النون حماد ويحيى ، وهو مصدر أي ذات نصوح أو تنصح نصوحا ، وجاء مرفوعا : (إن التوبة النصوح أن يتوب ثم لا يعود إلى الذنب إلى أن يعود اللبن في الضرع) (٢) وعن حذيفة : بحسب الرجل من الشرّ أن يتوب عن الذنب ثم يعود فيه. وعن ابن عباس رضي الله عنهما : هي الاستغفار باللسان والندم بالجنان والإقلاع بالإركان (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) هذا على ما جرت به عادة الملوك من الإجابة بعسى ولعلّ ووقوع ذلك منهم موقع القطع والبتّ (وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) ونصب (يَوْمَ) بيدخلكم (لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ

__________________

(١) طه ، ٢٠ / ٩٣.

(٢) كنز العمال ، ١٠٢٨٣ ، ١٠٣٠٢ ، ١٠٣٠٤.

٣٩٧

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ(٩) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (١٠) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (١١)

(آمَنُوا مَعَهُ) فيه تعريض بمن أخزاهم الله من أهل الكفر (نُورُهُمْ) مبتدأ (يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) في موضع الخبر (يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا) يقولون ذلك إذا انطفأ نور المنافقين (وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

٩ ـ (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ) بالسيف (وَالْمُنافِقِينَ) بالقول الغليظ والوعد البليغ ، وقيل بإقامة الحدود عليهم (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) على الفريقين فيما تجاهدهما به من القتال والمحاجّة باللسان (وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).

١٠ ـ (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) مثّل الله عزوجل حال الكفار في أنهم يعاقبون على كفرهم وعداوتهم للمؤمنين بلا محاباة ، ولا ينفعهم مع عداوتهم لهم ما كان بينهم وبينهم من النسب والمصاهرة ، وإن كان المؤمن الذي يتصل به الكافر نبيا بحال امرأة نوح وامرأة لوط لما نافقتا وخانتا الرسولين بإفشاء أسرارهما ، لم يغن الرسولان عنهما أي عن المرأتين بحقّ ما بينهما وبينهما من الزواج إغناء ما من عذاب الله ، وقيل لهما عند موتهما ، أو يوم القيامة : ادخلا النار مع سائر الداخلين الذين لا وصلة بينهم وبين الأنبياء ، أو مع داخليها من إخوانكما من قوم نوح وقوم لوط.

١١ ـ (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ) هي آسية بنت مزاحم آمنت بموسى فعذّبها فرعون بالأوتاد الأربعة (إِذْ قالَتْ) وهي تعذّب (رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ) فكأنها أرادت الدرجة العالية لأنه تعالى منزّه عن المكان فعبّرت عنها بقولها عندك (وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ) أي من عمل فرعون أو من نفس فرعون الخبيثة وخصوصا من عمله ، وهو الكفر والظلم والتعذيب بغير جرم (وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) من القبط كلّهم ، وفيه دليل على أنّ الاستعاذة بالله والالتجاء إليه ومسألة الخلاص منه عند المحن والنوازل من سير الصالحين.

٣٩٨

(وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ) (١٢)

١٢ ـ (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها) من الرجال (فَنَفَخْنا) فنفخ جبريل بأمرنا (فِيهِ) في الفرج (مِنْ رُوحِنا) المخلوقة لنا (وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها) أي بصحفه التي أنزلها على إدريس وغيره (وَكُتُبِهِ) بصري وحفص ، يعني الكتب الأربعة (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) لما كان القنوت صفة تشمل من قنت من القبيلين غلب ذكوره على إناثه ، ومن للتبعيض ، ويجوز أن يكون لابتداء الغاية على أنها ولدت من القانتين لأنها من أعقاب هارون أخ موسى عليهما‌السلام. ومثّل حال المؤمنين في أن وصلة الكافرين لا تضرّهم ولا تنقص شيئا من ثوابهم وزلفاهم عند الله بحال امرأة فرعون ومنزلتها عند الله مع كونها زوجة أعدى أعداء الله ، ومريم ابنة عمران وما أوتيت من كرامة الدنيا والآخرة والاصطفاء على نساء العالمين مع أنّ قومها كانوا كفارا. وفي طيّ هذين التمثيلين تعريض بأمّيّ المؤمنين المذكورتين في أول السورة وما فرط منهما من التظاهر على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما كرهه ، وتحذير لهما على أغلظ وجه ، وإشارة إلى أنّ من حقهما أن تكونا في الإخلاص كهاتين المؤمنتين وأن لا يتّكلا على أنهما زوجا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

٣٩٩

سورة الملك

مكية وهي ثلاثون آية (١)

وتسمى الواقية والمنجية لأنها تقي قارئها من عذاب القبر ، وجاء

مرفوعا : (من قرأها في ليلة فقد أكثر وأطنب (٢)) (٣)

بسم الله الرحمن الرحيم

(تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) (٢)

١ ـ (تَبارَكَ) تعالى وتعاظم عن صفات المخلوقين (الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) أي في (٤) تصرفه الملك والاستيلاء على كلّ موجود ، وهو مالك الملك يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من المقدورات ، أو من الإنعام والانتقام (قَدِيرٌ) قادر على الكمال.

٢ ـ (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ) خبر مبتدأ محذوف ، أو بدل من الذي قبله (وَالْحَياةَ) أي ما يصحّ بوجوده الإحساس والموت ضدّه ، ومعنى خلق الموت والحياة إيجاد ذلك المصحح وإعدامه ، والمعنى خلق موتكم وحياتكم أيها المكلّفون (لِيَبْلُوَكُمْ) ليمتحنكم بأمره ونهيه فيما بين الموت ، الذي يعمّ الأمير والأسير ، والحياة التي لا تفي بعليل ولا

__________________

(١) ليس في (ظ) تفسير العنوان.

(٢) في (أ) و (ز) أطيب.

(٣) الحاكم وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي في التلخيص.

(٤) في (ظ) و (ز) بتصرفه.

٤٠٠