تفسير الصراط المستقيم - ج ٢

آية الله السيّد حسين البروجردي

تفسير الصراط المستقيم - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيّد حسين البروجردي


المحقق: الشيخ غلامرضا بن علي أكبر مولانا البروجردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: پاسدار إسلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

وعنه عليه‌السلام في الرّجل تكون به العلّة فيكتب له القرآن فيعلّق عليه أو يكتب له فيغسله ويشربه ، قال : لا بأس به كلّه (١).

وعنه عليه‌السلام : «لا بأس بالتعويذ أن يكون على الصبيّ والمرأة» (٢).

وعن الحلبي ، قال : سألت جعفر بن محمّد عليهما‌السلام هل نعلّق شيئا من القرآن والرّقى على صبياننا؟ فقال عليه‌السلام : نعم إذا كان في أديم تلبسه الحائض ، وإذا لم تكن في أديم لم تلبسه المرأة (٣).

وسئل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن التعويذ يعلّق على الصبيان ، فقال عليه‌السلام : علّقوا ما شئتم إذا كان فيه ذكر الله تعالى (٤).

وعن محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام : أيتعوّذ بشيء من هذه الرقى؟ قال عليه‌السلام : لا ، إلّا من القرآن ، إنّ عليّا عليه‌السلام كان يقول : إنّ كثيرا من الرقى والتمائم من الإشراك (٥).

وعن الصادق عليه‌السلام : «إنّ كثيرا من التمائم شرك» (٦).

أقول : وذلك لما فيه من التوسّل بغير الله ، ولو بالأرقام والخطوط واللّغات التي لا معرفة بها لعامّة الناس ، وقد بقي كثير منها عند ضعفة الناس ، وغثائهم وعوامّهم ونسوانهم ، بل عند الأحبار ، والرهبان ، والقسّيسين ، وغيرهم ممّن يرجع إليهم ضعفة الناس في ذلك ، فإنّ منهم من كان يفزع في مهمّات أموره الى صور الكواكب وهياكلها ، ومنهم من يستمدّ من روحانيّاتها وقويها ، والملائكة

__________________

(١) البحار ج ٩٥ ص ٥ ح ٦ عن طبّ الائمّة ص ٤٩.

(٢) البحار ج ٩٥ ص ٥ ح ٧ عن طبّ الائمّة ص ٤٩.

(٣) بحار الأنوار ج ٩٥ ص ٥ ح ٨ عن طبّ الأئمّة ص ٤٩.

(٤) البحار ج ٩٤ ص ١٩٢ ح ٢ عن قرب الاسناد ص ٥٢.

(٥) البحار ج ٩٥ ص ٥ ح ٣ عن طبّ الائمّة ص ٤٨.

(٦) البحار ج ٩٥ ص ٥ ح ٤ عن طبّ الائمّة ص ٤٩.

٥٢١

الموكّلين بها.

ومنهم من يستمدّ من النور والظلمة.

ومنهم من يرجع الى الأرواح الظلمانيّة ، والقوى الناسوتيّة.

ومنهم من يرى التأثير في قوى الحروف والألفاظ والأشكال والأعداد ، وتمزيج القوى السالفة بالصور العالية.

وعبدة الأصنام كانوا يرجعون الى أصنامهم ويتقربون بها.

وبالجملة كان الناس في الجاهليّة على فرق شتّى في الإلحاد والكفر والشرك وقد بقيت عندهم كثير من الآداب والعادات والرسوم الّتى تنتهي إليها عند التأمّل فلا تغفل.

قال ابن الأثير في «النهاية» : قد تكرّر ذكر الرقية ، والرقا ، والرّقى ، والاسترقاء في الحديث ، والرقية : العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة كالحمّى ، والصرع ، وغير ذلك من الآفات ، وقد جاء في بعض الأحاديث جوازها ، وفي بعضها النهى عنها ، والأحاديث في القسمين كثيرة.

ووجه الجمع بينهما ، أنّ الرقى يكره منها ما كان بغير اللّسان العربي ، وبغير أسماء الله وصفاته وكلامه في كتبه المنزلة ، وأن يعتقد أنّ الرقيات نافعة لا محالة فيتّكل عليها ، وإيّاها أراد بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما توكّل من استرقى» (١).

ولا يكره منها ما كان في خلاف ذلك كالتعوّذ بالقرآن وأسماء الله تعالى والرقى المرويّة. ولذا قال صلى‌الله‌عليه‌وآله للذي رقى بالقرآن وأخذ عليه أجرا : «من أخذ برقية باطل فقد أخذت برقية حقّ» (٢).

وكقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث جابر : «اعرضوها عليّ فعرضناها ، فقال (ص) : «لا

__________________

(١) الإتحاف ج ٩ ص ٣٨٩.

(٢) مصنّف ابن أبي شيبة ج ٧ ص ٤١٢.

٥٢٢

بأس بها إنّما هي مواثيق» (١).

كأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله خاف أن يقع فيها شيء ممّا كانوا يتلفّظون به ويعتقدونه من الشرك في الجاهليّة ، وما كان بغير اللسان العربي ممّا لا يعرف له ترجمة ، ولا يمكن الوقوف عليه فلا يجوز استعماله.

وأمّا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا رقية إلّا من عين أو حمة (٢)» (٣) فمعناه لا رقية أولى وأنفع ، كما قيل : لا فتى الّا عليّ عليه‌السلام.

وقد أمر صلى‌الله‌عليه‌وآله غير واحد من أصحابه بالرقية ، وسمع بجماعة يرقون فلم ينكر عليهم.

وأمّا الحديث الآخر في صفة أهل الجنّة الذين يدخلونها بغير حساب : «الذين لا يسترقون ولا يكتوون ، وعلى ربّهم يتوكّلون» (٤).

فهذا من صفة الأولياء المعرضين عن أسباب الدنيا الذين لا يلتفتون إلى شيء من علائقها ، وتلك درجة لا يبلغها إلّا الخواصّ ، وأمّا العوامّ فمرخصّ لهم في التداوى والمعالجات (٥).

أقول : وذلك بأنّ يكون الاعتماد فيها على الله سبحانه الذي جعل فيها تلك الآثار ، كالاصطلاء بالنار ، ثمّ بأن يرى الآثار منه سبحانه من دون الوسائط وإن كان الإفاضة منه سبحانه عند دعاء العبد ، أو توسّله بتلك الأمور ، بل بالدعاء أيضا من جهة محض العبوديّة والذلّة ، وإظهار الانقياد والطاعة ، مع أنّ الإغماض الكلّي عن المقاصد أو عن التوسّل إليها بمثل هذه الأمور ، ثمّ بعدها مراتب أخر

__________________

(١) مجمع الزوائد ج ٥ ص ١١١.

(٢) سنن أبى داود ح ٣٨٨٤ ـ وسنن الترمذي ح ٢٠٥٧.

(٣) مجمع الزوائد ج ١٠ ص ٤٠٦.

(٤) نهاية ابن الأثير ج ٢ ص ٢٥٤ ـ ٢٥٥.

(٥) نهاية ابن الأثير ج ٢ ص ٢٥٤ ـ ٢٥٥.

٥٢٣

سنشير إليها في تفسير الآيات المتعلّقة بالدعاء إنشاء الله تعالى.

وكيف كان فقد ورد في كثير من الأخبار الاستشفاء والاسترقاء بكثير من الآيات.

ففي «الكافي» عن الأصبغ بن نباته عن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : والّذى بعث محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله بالحقّ ، وأكرم أهل بيته ما من شيء يطلبونه (١) من حرز ، أو غرق ، أو سوق ، أو إفلات دابّة من صاحبها ، أو ضالّة ، أو آبق الّا وهو في القرآن ، فمن أراد ذلك فليسئلني منه.

قال : فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين أخبرنى عمّا يؤمن من الحرق والغرق فقال عليه‌السلام : اقرأ هذه الآيات : (إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) (٢) (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٣) ، فمن قرأها فقد أمن الحرق والغرق ، قال : فقرأها رجل ، فاضطرمت النار في بيوت جيرانه ، وبيته وسطها ، فلم يصبه شيء.

ثم قال إليه آخر ، فقال : يا أمير المؤمنين إنّ دابّتى استصعبت عليّ ، وأنا منها على وجل ، فقال : اقرأ في اذنها اليمنى : (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (٤) فقرأها فذلّت له دابّته.

وقام إليه رجل آخر ، فقال : يا أمير المؤمنين إنّ أرضى أرض مسبعة ، وإنّ السّباع تغشى منزلي ولا تجوز حتى تأخذ فريستها (٥) ، فقال : اقرأ : (لَقَدْ جاءَكُمْ

__________________

(١) في المصدر : تطلبونه.

(٢) سورة الأعراف : ١٩٦.

(٣) سورة الزمر : ٦٧.

(٤) آل عمران : ٨٣.

(٥) الفريسة (بفتح الفاء) ما تفترسه وتصتاده السبع.

٥٢٤

رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (١) (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) (٢) فقرأهما الرّجل فاجتنبته السباع.

ثمّ قام اليه آخر ، فقال : يا أمير المؤمنين إنّ في بطني ماء أصفر (٣) ، فهل من شفاء؟ فقال : نعم بلا درهم ولا دينار ، ولكن أكتب على بطنك : آية الكرسي. وتغسلها وتشربها وتجعلها ذخيرة في بطنك ، فتبرأ بإذن الله عزوجل ، ففعل الرّجل ، فبرئ بإذن الله.

ثم قام إليه آخر ، فقال : يا أمير المؤمنين أخبرنى عن الضالّة ، فقال : اقرأ يس في ركعتين ، وقل : يا هادي الضالّة ردّ عليّ ضالّتي ، ففعل ، فردّ الله عزوجل عليه ضالّته.

ثمّ قام إليه آخر ، فقال : يا أمير المؤمنين أخبرنى عن الآبق ، فقال : اقرأ : (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) فقالها الرّجل فرجع إليه الآبق.

ثم قام إليه الآخر فقال : يا أمير المؤمنين أخبرنى عن السّرق ، فإنّه لا يزال قد يسرق لي الشيء بعد الشيء ، ليلا ، فقال عليه‌السلام : اقرأ إذا أويت إلى فراشك : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ

__________________

(١) التوبة : ١٢٨.

(٢) التوبة : ١٢٩.

(٣) هي الصغراء التي تدفع من المثانة ممزوجة بالبول.

٥٢٥

تَكْبِيراً) (١).

ثم قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من يأت بأرض قفر فقرأ هذه الآية : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (٢) حرسته الملائكة وتباعدت عنه الشياطين.

قال : فمضى الرّجل ، فاذا هو بقرية خراب فبات فيها ، فلم يقرأ هذه الآية فتغشّاه الشيطان ، فإذا هو أخذ بخطمه (٣) ، فقال له صاحبه : أنظره واستيقظ الرجل ، فقرأ الآية ، فقال الشيطان لصاحبه ، أرغم الله أنفك أحرسه الآن حتى يصبح ، فلمّا أصبح رجع إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فأخبره ، وقال له : رأيت في كلامك الشفاء والصدق ، ومضى بعد طلوع الشمس فاذا هو بأثر شعر الشيطان مجتمعا في الأرض (٤).

قسّم ابن فهد في «عدّة الداعي» هذا الباب من القرآن الى ثلاثة أقسام : الاستشفاء ، والاستكفاء ، وما يتعلّق بإجابة الدعاء.

وروى في الأوّل عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنّه شك اليه رجل وجعا في صدره ، فقال (ص) : استشف بالقرآن فإنّ الله عزوجل يقول : (وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ) (٥). (٦)

__________________

(١) الإسراء : ١١٠ ـ ١١١.

(٢) الأعراف : ٥٤.

(٣) الخطم بفتح الخاء : أنف الإنسان ، منقار الطائر.

(٤) أصول الكافي ج ٢ من الطبع الحديث ص ٦٢٤ ـ ٦٢٦.

(٥) سورة يونس : ٥٧.

(٦) عدّة الداعي ص ٢٧٤ ـ الكافي ج ٢ ص ٦٠٠.

٥٢٦

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : «شفاء أمّتي في ثلاث آيات من كتاب الله عزوجل ، أو لعقة (١) من عسل ، أو شرطه حجّام» (٢).

وعن الباقر عليه‌السلام : «من لم يبرأه الحمد لم يبرأه شيء» (٣).

وعن أبي الحسن عليه‌السلام : «من قرأ آية الكرسي على مريض ، أو محموم ، كانت عليه الحمّى بردا وسلاما ، ومن كتبها في مهد مرتضع عند منامه لم يخف الفالج ، ومن قرأها دبر كلّ صلاة لم يضرّه ذو حمة» .. ، ومن قرأها عند كل فرض حفظه الله من كلّ خصم له» (٤).

وفي القسم الثاني روى عن أبي إبراهيم عليه‌السلام قال : «من استكفى بآية من القرآن من المشرق الى المغرب كفى إذا كان له يقين» (٥).

وعنه عليه‌السلام : «يا مفضّل احتجز من الناس كلّهم ببسم الله الرحمن الرحيم ، وب قل هو الله أحد ، اقرأها عن يمينك ، وعن شمالك ، ومن بين يديك ، ومن خلفك ، ومن فوقك ، ومن تحتك ، وإذا دخلت على سلطان جائر حين تنظر اليه فاقرأها ثلاث مرّات ، واعقد بيدك اليسرى ثمّ لا تفارقها حتّى تخرج من عنده (٦).

ثمّ ذكر للحفظ من السرّاق : يقرأ حين يأوى إلى فراشه : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) (٧) إلى آخر السورة ثمّ يقول : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى

__________________

(١) اللعقة (بضم اللام وسكون العين) : ما يؤخذ بالملعقة أو بالأصبع.

(٢) عدة الداعي ص ٢٧٤ وعنه البحار ج ٩٢ ص ١٧٦ ح ٥.

(٣) الكافي ج ٢ ص ٦٢٦ وعنه الوسائل ج ٤ ص ٨٧٤ ح ٣.

(٤) عدة الداعي ص ٢٧٤.

(٥) عدة الداعي ص ٢٧٥ وعنه البحار ج ٩٢ ص ١٧٦ ح ٢.

(٦) عدة الداعي ص ٢٧٥ وعنه البحار ج ٩٢ ص ٣٥١ ح ٢٢.

(٧) الإسراء : ١١٠ ـ ١١١.

٥٢٧

سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) (١).

وعنهم عليه‌السلام : «من قرأ هاتين الآيتين حين يأخذ مضجعه لم يزل في حفظ الله تعالى من كلّ شيطان مريد وجبّار عنيد الى أن يصبح» (٢).

وأنّ قراءة (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) على ما يدخّر ويخبأ حرز له» (٣).

وأنّ قراءة آية السخرة وهي (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ...) الى آخرها (٤) حرز عن الشياطين كما في الخبر المتقدّم (٥).

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من قرأ أربع آيات من أوّل سورة البقرة ، وآية الكرسي وآيتين بعدها ، وثلاث آيات من آخر السورة لم ير في نفسه وماله شيئا يكرهه ، ولا يقربه شيطان ، ولا ينسى القراءة» (٦).

وعن الصادق عليه‌السلام : «من دخل على سلطان يخافه فقرأ عند ما قابله : «كهيعص» ويضمّ بيده اليمنى كلّما قرأ حرفا ضمّ أصبعا ، ثمّ يقرأ : «حمعسق» ويضمّ أصابع يده اليسرى كذلك ، ثمّ يقرأ : (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً) (٧) ويفتحها في وجهه كفى شرّه» (٨).

وعن أبي الحسن عليه‌السلام : «إذا خفت أمرا فاقرأ مائة آيد من القرآن من حيث

__________________

(١) البقرة : ٧.

(٢) عدّة الداعي ص ٢٧٥ ح ٣ وعنه البحار ج ٩٢ ص ٢٨٢ ح ٣.

(٣) عدّة الداعي ص ٢٧٥ ح ٤ وعنه البحار ج ٩٢ ص ٣٢٩ ح ٩.

(٤) الأعراف : ٥٤.

(٥) العدّة ص ٢٧٥ وعنه البحار ج ٩٢ ص ٢٧٦ ح ٢.

(٦) الكافي ج ٢ ص ٦٢١ ح ٥ ـ العدّة ص ٢٧٦ ح ٦.

(٧) طه : ١١١.

(٨) عدّة الداعي ص ٢٧٦ ح ٧ وعنه البحار ج ٩٢ ص ٢٨٤ ح ٢.

٥٢٨

شئت ، ثم قل : أللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، وادفع عنّي البلاء ، ثلاث مرّات» (١).

وعن الرّضا عن أبيه عن مولانا الصّادق عليهم‌السلام للاحتجاب عن الأعداء والكفّار ، ولسلامة النفس والمال : ثلاث آيات : آية في النحل : (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) (٢).

وآية في الكهف : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً) (٣).

وآية في الجاثية : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (٤).

قال الكسروي (٥) : فعلّمتها رجلا من أهل همدان كانت الديلم أسرته فمكث فيهم عشر سنين ، ثم ذكر الثلاث الآيات ، قال : فجعلت أمرّ على محالّهم وعلى مراصدهم فلا يرونى ، ولا يقولون شيئا ، حتى إذا خرجت الى أرض الإسلام.

قال أبو المنذر : وعلّمتها قوما خرجوا في سفينة من الكوفة الى بغداد ، وخرج معهم سبع سفن ، فقطع على ستّ وسلمت السفينة التي قرئ فيها هذه الآيات.

__________________

(١) عدّة الداعي ص ٢٧٦ ح ٨.

(٢) النحل : ٥٧.

(٣) الكهف : ١٠٨.

(٤) الجاثية : ٢٣.

(٥) هو أبو عمران موسى بن عمران الكسروي.

٥٢٩

وروى أيضا أنّ الرجل المسئول عنه هذه الآيات هو الخضر عليه‌السلام (١).

ولحلّ المربوط يكتب في رقعة ويعلّق عليه : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً. لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً) (٢) ، ثمّ يكتب سورة النصر ثمّ يكتب : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٣) (ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٤) (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا) (الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) (٥) (قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي) (٦) (وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً) (٧) كذلك حلّلت فلان بن فلانة عن فلانة بنت فلانة (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) (٨). (٩)

وفي القسم الثالث : أى ما يتعلّق بإجابة الدعاء ، ما يأتى في فضائل الحمد.

وفي بعض الروايات : أنّ الدعاء بعد قراءة الجحد عشر مرّات عند طلوع

__________________

(١) عدة الداعي ص ٢٧٧ ح ٩.

(٢) الفتح : ١ ـ ٢.

(٣) الروم : ٢١.

(٤) المائدة : ٢٣.

(٥) القمر : ١١ ـ ١٢.

(٦) طه : ٢٥ ـ ٢٨.

(٧) الكهف : ٩٩.

(٨) التوبة : ٢٨ ـ ٢٩.

(٩) عدّة الداعي ص ٢٧٧.

٥٣٠

الشمس من يوم الجمعة مستجاب (١).

وأنّ من قرأ ماية آية من أيّ آي القرآن شاء ، ثم قال : يا الله ، سبع مرّات ، فلو دعاها على صخرة لفلقها الله تعالى (٢).

ثمّ روى ابن فهد في خواصّ القرآن المتفرقّة عن الصّادق عليه‌السلام : «ما من عبد يقرأ آخر الكهف (٣) إلّا تيقّظ في الساعة الّتى يريد» (٤).

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من قرأ هذه الآية : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ...) الآية وسطع له نور الى المسجد الحرام ، حشو ذلك النور ملائكة يستغفرون له حتى يصبح» (٥).

أقول : خواصّ الآيات القرآنيّة ومنافعها المأثورة عن النبيّ والائمّة عليهم الصلاة والسلام فضلا عن غيرها ممّا ذكره المجرّبون كثيرة جدّا منفردة بتصانيف جمّة ولعلّنا نشير الى كثير ممّا وجدنا منه من الأخبار في مطاوى هذا التفسير مع الإشارة الى خواصّ السورة وغيرها إنشاء الله تعالى.

الأمر الثاني ممّا ينبغي التنبيه عليه : أنّه لأيّ علّة يخالف خطّ القرآن لغيره في القواعد والرسوم.

لا يخفى أنّ الأصل في كلّ كلمة في أيّ لغة من اللّغات أن تكتب بصورة لفظها على تقدير الابتداء بها والوقوف عليها ، إلّا أنّ كثيرا من الكلمات في الخطّ العربي ليست جارية على الأصل الذي هو متابعة اللّفظ ، وقد يحذف من الكتابة ما يثبت في اللفظ ، كالألف من (الله) و (الرحمن) ، واللام في مفردات الموصولة

__________________

(١) العدّة ص ٢٧٨ ح ٢ وعنه البحار ج ٨٩ ص ٣٦١.

(٢) العدّة ص ٢٧ ح ٣ ـ والبحار ج ٩٢ ص ١٧٦ عن المكارم ص ٣٩٠.

(٣) في الكافي بعد كلمة (الكهف) : عند النوم.

(٤) الكافي ج ٢ ص ٦٣٢ ص ٢١ ـ العدّة ص ٢٨٠ ح ١٢.

(٥) الفقيه ج ١ ص ٤٧٠ ح ١٣٥٥ ـ العدّة ص ٢٨٢ ح ١٩.

٥٣١

دون تثنيتها.

وقد يثبت في الكتابة ما ليس في اللّفظ كالالف بعد واو الجمع المتطرّفة ، والواو في (عمرو) وأولئك) و (أولو الألباب).

وربما وصلوا حرفا بحرف نحو بما ، وممّا.

وربّما أبدلوا حرفا من حرف مع إبقاء صورة الأصل كلام التعريف المبدلة عند الحروف المعدودة.

وربما يكتب الكلمة بالواو والياء ، ويكون اللفظ بالألف ، كالصّلاة والزكاة ، فيقرأ في التلفظ : الصلاة والزكاة ، وكذا (حتّى) ، و (إلى) ، و (على) ، و (متى) ، و (موسى) ، و (عيسى) و (يحيى).

الى غير ذلك ممّا تعرّض له المتصدّون لذلك في علم الخطّ الذي لا يهمّنا التعرّض له ، وإنّما المقصود في المقام : أنّه لمّا عمّت البليّة على أمّة خير البريّة ، وكان ما كان ممّا لست أذكره ، جلس مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام في بيته مشتغلا بجمع القرآن وتأليفه بوصيّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فلمّا جمعه كما انزل ولم يكن يعلم ذلك غيره أتى به إلى الناس فقال لهم : هذا كتاب الله انزل ، فقال بعضهم : لا حاجة لنا إليك ولا الى قرآنك ، وكان القرآن عندهم يومئذ متفرّقا في الأكتاف والأخشاب والألواح ، وكان عند بعضهم السّورة والسّورتان أو أقل أو أكثر ، إلى أن أمروا زيد بن ثابت بجمعه ، وكتب عثمان في أيّام خلافته نسخا منه بخطّه الذي يخالف رسم الخطّ والقواعد العربية ، مثل كتابة الألف بعدوا والمفردة ، وعدمها بعدوا والجمع ، ومثل كتابة التاء من كلمة واحدة كرحمة ، ونعمة ، مدوّرة في بعض المواضع ، ومطولّة في بعضها ، وكتابة اللّام الجارّة ، و (إن) مشدّدة أو مخفّفة ، و (عن) وغيرها موصولة بما بعدها ومفصولة عنها الى غير ذلك ممّا أفردوه بالتصنيف.

بل قد روت العامّة أنّ عثمان لمّا علم أنّ فيما كتبه من القرآن لحنا كثيرا قال :

٥٣٢

أرى فيه شيئا من لحن ستقيمه العرب بألسنتها (١).

فوا عجبا هل كان هذا اللّحن من الله ، أو من رسوله ، أو أنّ الخليفة لم يعلم كيفيّة الكتابة والقراءة فأخطأ فيهما ، والتمس من العرب إقامتها بألسنتها ، ومن هنا اختلفت كلماتهم في الجواب عن الخبر ، فردّه بعضهم (٢) بالضعف وعدم الثبوت.

وأوّله آخرون بأنّ المراد اشتمال القرآن على الإشارات والرموز الّتى سيطّلع عليها الآخرون.

وقال ثالث : إنّ معنى الخبر : أرى فيه مواضع من الرسم الاصطلاحي في صورة خطّ يخالف اللفظ لو قرأت لكان لحنا.

والكلّ كما ترى.

وذكروا أيضا : أنّه كتب عثمان مصحفا لنفسه ، ونسخ منه أربعة نسخ وسيّرها إلى الكوفة والبصرة والشام ، وأبقى مصحفا منها بالمدينة وهو المعتبر عندهم بالمدني العام ، ويعبّرون عن النسخة الاولى بالمصحف الإمام.

وقيل : سيّر نسخة خامسة إلى مكّة ، وسادسة إلى البحرين ، وسابعة إلى اليمن.

وكان المصاحف خالية عن النقط ، والتشديد ، والإعراب ، وكانت هذه المصاحف أيضا مختلفة ، كما عن الجزري الشافعي ، وغيرهم من علمائهم ، وصرّح به بعض فضلائهم في شرح أرجوزة مؤلفة في اختلاف الرسم وذكروا الاختلافات الواقعة بين المصاحف مع التنبيه على ما في مصحف إمامهم.

__________________

(١) كنز العمّال ج ٢ ص ٥٨٦.

(٢) قال ابن الأنبارى : حديث عثمان لا يصحّ لأنّه غير متصل ، ومحال أن يؤخّر عثمان شيئا ليصلحه من بعده ـ تفسير ابن تيمية ج ٥ ص ٢٠٧.

٥٣٣

واختلفوا أيضا في أنّ المصحف الإمام هل كان موجودا عندهم أم لا ، فحكوا عن أبي عبيدة القاسم بن سلّام في كتابه المؤلّف في القرآن : أنّ بعض الأمراء أخرج لي من خزانته مصحف عثمان المرسوم بخطّه لعلوّ منزلتي ورتبتي عنده ، وكان ذلك المصحف في حجره حين أصيب ، ورأيت آثار الدم في مواضع منه.

الأمر الثالث : في سجدات القرآن ، وهي خمس عشرة :

منها أربع عزائم يجب فيها السجود إجماعا من الإماميّة بل وغيرهم من الامّة ، ونصّا مستفيضا من الأئمّة عليهم‌السلام ، وهو بين آمر بالسجدة عندها ، ومشتمل على إطلاق العزيمة الظاهرة ، بل الصريحة في الواجب عليها.

ففي خبر أبى بصير عن الصادق عليه‌السلام : «إذا قرئ شيء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد» (١).

وفي صحيح أبي عبيدة الحذّاء : «إذا قرأ أحدكم السجدة من العزائم فليقل في سجوده : «سجدت لك تعبّدا ورقّا لا مستكبرا عن عبادتك ولا مستنكفا ولا متعظّما ، بل أنا عبد ذليل خائف مستجير» (٢).

وفي صحيح داود بن سرحان عنه عليه‌السلام : «إنّ العزائم الأربع : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) و (وَالنَّجْمِ) ، وتنزيل السجدة ، وحم ، السجدة» (٣).

وفي «مجمع البيان» عن ابن سنان ، عنه عليه‌السلام قال : «العزائم : الم تنزيل ، وحم السجدة ، والنجم إذا هوى ، وإقرا باسم ربك ، وما عداها في جميع القران مسنون

__________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٢١٩.

(٢) الكافي ج ٣ ص ٣٢٨.

(٣) بحار الأنوار ج ٩٢ ص ٤٠ ح ١ عن الخصال ج ١ ص ١٢٠.

٥٣٤

وليس بمفروض» (١).

الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الظاهرة في وجوبها للأربع الّتى لا ينبغي التأمّل معها في أصل الحكم سيّما بعد الإجماع عليه بل الضرورة.

فلا ينبغي الإصغاء الى وسوسة بعض المتأخرين في ثبوت أصل الحكم لضعف الدليل دلالة ، ولا الى تكلّف من استدلّ له بصيغة الأمر الظاهرة في الوجوب فيما عدى (الم) منها ، أمّا فيها فبحصر المؤمن بآياته بمن إذا ذكرها سجد ، المقتضى لسلب الإيمان عند عدم السجود.

إذا التصدّي لمثل هذا الاستدلال فضلا عن الإطناب فيه بالقيل والقال بعد ظهور الحال لا يليق بالمحصلين فضلا عن أهل الكمال.

ومحلّ السجود في الجميع بعد إتمام الآية ، حتى في حم السجدة ، إجماعا منّا (٢) ، وتوهّم الخلاف فيها في غير محلّه على ما تسمعه في محلّه إنشاء الله.

وأما غير العزائم فإحدى عشر :

١ ـ الأعراف عند قوله تعالى : (وَلَهُ يَسْجُدُونَ) آية : ٢٠٦.

٢ ـ الرعد عند قوله تعالى : (وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) : ١٥.

٣ ـ النحل عند قوله تعالى : (وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) : ٥٠.

٤ ـ الإسراء عند قوله تعالى : (وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً) : ١٠٩.

٥ ـ مريم عند قوله تعالى : (خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا) : ٥٨.

٦ ـ الحجّ عند قوله تعالى : (يَفْعَلُ ما يَشاءُ) : ١٨.

٧ ـ الحجّ عند قوله تعالى : (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ) : ٧٧.

__________________

(١) مجمع البيان ج ١٠ ص ٥١٦ وعنه البحار ج ٨٥ ص ١٦٩.

(٢) قال المحقّق في المعتبر : قال الشيخ في الخلاف : موضع السجدة في حم السجدة عند قوله : «واسجدوا لله» وقال في «المبسوط» : «ان كنتم إياه تعبدون» والأول أولى.

٥٣٥

٨ ـ الفرقان عند قوله تعالى : (وَزادَهُمْ نُفُوراً) : ٦٠.

٩ ـ النمل عند قوله تعالى : (رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) : ٢٦.

١٠ ـ ص عند قوله تعالى : (وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ) : ٢٤.

١١ ـ الانشقاق عند قوله تعالى : (وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ) : ٢٢.

وهذا التفصيل وإن خلت عنها خصوص الأخبار ، إلّا أنّك قد سمعت فيما رواه الطبرسي : «إنّ ما عداها (اى الأربع العزائم) في جميع القرآن مسنون» (١).

وعن مستطرفات «السرائر» : كان عليّ بن الحسين عليهما‌السلام يعجبه أن يسجد في كلّ سورة فيها سجدة» (٢).

وعن «العلل» بالإسناد عن أبي جعفر عليه‌السلام : «إنّ أبي عليه‌السلام ما ذكر لله تعالى نعمة عليه إلّا سجد ، ولا قرأ آية من كتاب الله عزوجل فيها سجدة إلّا سجد ... الى أن قال : فسمّي السجّاد لذلك (٣).

الى غير ذلك من الفحاوى والظواهر ، فضلا عن الإطلاقات والعمومات ، سيّما مع ما قرّر في محلّه من التسامح في أدلّة السنن والكراهة.

ولعلّه لما سمعت ذهب ابن بابويه الى استحباب السجدة في كل آية فيها سجدة حتّى في مثل (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي) (٤).

وتبعه في ذلك كاشف الغطاء ، وليس ببعيد عندي ، لما سمعت من عموم المعتبرة المتقدّمة ، وغيرها.

__________________

(١) مجمع البيان ج ١٠ ص ٥١٦.

(٢) السرائر ص ٤٩٦ وعنه البحار ج ٨٥ ص ١٧٠.

(٣) علل الشرائع ج ١ ص ٢٢٢ وعنه البحار ج ٨٥ ص ١٧١.

(٤) آل عمران : ٤٣.

٥٣٦

وحملها على السجدات المعروفة لا شاهد عليه ، مضافا إلى أنّه مردود بظاهر العموم ، فالأقرب استحبابها في سورة التوبة : (الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ) : ١١٢.

وفي سورة البقرة : (وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) : ١٢٥.

وفي سورة الحجّ : (وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) : ٢٦.

وفي الزمر : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً) : ٩.

إلى غير ذلك من المواضع.

وأمّا أحكام سجدة التلاوة وكيفيّتها فهي بتفاصيلها وأدلّتها مذكورة في الفقه.

الأمر الرابع : في الاستخارة بالقرآن وغيره.

الإستخارة على ما في «القاموس» و «النهاية» و «المصباح» طلب الخير من الله تعالى ، من باب الاستفعال ، من خار الله تعالى في الأمر يخير خيرة ، بسكون الياء ، وخيرا ، وخيرة كعنب وعنبة : جعل له فيه الخير ، أو هداه إليه بالإلهام من عنده ، أو إرشاد من غيره ، والخيرة بسكون الياء وتحريكها اسم من الإختيار أيضا.

وما يقال من أنّ الإستخارة هي الدعاء فكأن المراد أنّه طلب الخيرة بالتوسّل إلى الله تعالى بالدعاء والصلاة وغيرهما.

والأخبار على الحثّ والترغيب اليه وكراهة تركه كثيرة جدّا :

فعن الصادق عليه‌السلام : أنّه قال : «ما أبالى إذا استخرت الله على أيّ طرفىّ وقعت ، قال : وكان أبي يعلّمني الإستخارة كما يعلّمني السورة من القرآن (١).

__________________

(١) فتح الأبواب ص ١٤٨ ـ بحار الأنوار ج ٨٨ ص ٢٢٣ وفيه بعد ذكر الحديث : قوله : (على ايّ طرفيّ) أى طرفي الراحة والبلاء ، أو الحياة والموت ، أو الأمر الذي أتردد فيه.

٥٣٧

وعنه عليه‌السلام ، قال : ما استخار الله عبد مؤمن إلّا خار له وإن وقع ما يكره (١).

وعنه عليه‌السلام : «من دخل في أمر بغير استخارة ، ثم ابتلي لم يؤجر» (٢).

وعنه عليه‌السلام : قال : قال الله عزوجل : «إنّ من شقاء عبدي أن يعمل الأعمال : لا يستخيرني» (٣).

بل ورد عنهم عليه‌السلام : «أنّ من استخار الله مرّة واحدة ، وهو راض بما صنع الله به ، خار الله له حتما» (٤).

وورد أنّه ينبغي أن يكون الإستخارة وترا ، كما في النبوي : «من استخار فليوتر» (٥). (٦)

وينبغي أيضا أن تكون خيرة في عافية كما عن الصادق عليه‌السلام : أنّه قال : «ولتكن استخارتك في عافية فإنّه ربما خير للرجل في قطع يده ، وموت ولده ، وذهاب ماله» (٧).

الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة المأثورة فيها بمعانيها المختلفة :

منها : طلب الخيرة من الله تعالى بمعنى أن يسأل الله تعالى في دعاءه أن يجعل الخير ، والبركة ، والتوفيق له في الأمر الّذى يريده.

ومنها : أن يسأل الله تعالى تيسر ما يريده من الأمر بعد تعيينه.

ومنها : أن يطلب العزم على ما فيه الخيرة عند الترديد في الأمر.

__________________

(١) فتح الأبواب ص ١٤٩ وفيه : وإن وقع فيما يكره ـ بحار الأنوار ج ٨٨ ص ٢٢٤.

(٢) فتح الأبواب ص ١٣٥ ـ البحار ج ٨٨ ص ٢٢٣.

(٣) فتح الأبواب ص ١٣٢ ـ بحار الأنوار ج ٨٨ ص ٢٢٢ عن المقنعة وفتح الأبواب.

(٤) المحاسن ص ٥٩٨ ـ فتح الأبواب ص ٢٥٧ وفيه : وهو راض به.

(٥) أوتر الشيء : جعله وترا اى فردا.

(٦) المحاسن ص ٥٩٩ ـ بحار الأنوار ج ٨٨ ص ٢٦٢ عن المحاسن.

(٧) فتح الأبواب ص ٢٣٢ ـ الكافي ج ٣ ص ٤٧٢ ـ تهذيب الأحكام ج ٣ ص ١٨١.

٥٣٨

ومنها : أن يطلب تعرّف ما فيه الخيرة.

وفي كلّ منها كيفيّات وآداب ، ووظائف كثيرة من الغسل والصلاة والدعاء وغير ذلك ، مذكورة في كتب الأخبار والأدعية والفقه.

وللاستخارة بمعنى الأخير (اى طلب تعرّف ما فيه الخير) وجوه كثيرة من الاستخارة بالمصحف ، وذات الرقاع الستّ ، والرقعتين المشتملتين على (لا) و (نعم) ، أو (افعل) و (لا تفعل) في بندقتين ، والقبض على السبحة مطلقا ، أو خصوص الحسينيّة ، أو القبض على الكفّ من الحصى ، أو الحبوب أو غيرها ، ولكلّ منها طرق مذكورة في مواضعها إلّا أنّ المقصود بالذكر في المقام هو الإستخارة بالمصحف الّتى ورد فيها عن الصادق عليه‌السلام في خبر اليسع (١) القمى : «افتح المصحف فانظر الى الأوّل ما ترى فيه فخذ به إنشاء الله تعالى (٢).

وضعفه سندا مدفوع باشتهار العمل به بين الإماميّة ، وإمكان الاعتضاد بالعمومات المتقدّمة ، مع أنّه ربما يشاهد في كثير من الاستخارات سيّما بالمصحف الشريف شبه الإلهام ، بل انّه عندي جزء من أجزاء النبوّة التي اختصّ بها سيّد الأنام ، أو بقيّة ممّا تركه آل محمّد وعلي عليهم‌السلام فإنّي رأيت كثيرا المطابقة التامّة بين مفاد الآية فوق الصفحة مع الأمر الّذي أستخير له ، بل لو شئت لقلت : إنّ بعض محبّيهم عليهم‌السلام كثيرا ما يطلب منه الاستخارة من غير اطّلاع له على المقصد ،

__________________

(١) هو اليسع بن عبد الله القمى روى عن الصادق عليه‌السلام ، وروى الحسن بن الجهم ، وهو على ما صرّح به غير واحد من أرباب التراجم مجهول ، انظر معجم رجال الحديث ج ٢٠ رقم (١٣٧٠٢).

(٢) التهذيب ج ١ ص ٣٤٠ ورواه المجلسي قدس‌سره في بحار الأنوار ج ٨٨ ص ٢٤٣ عن كتاب الغايات ... عن أبى على اليسع بن عبد الله القمى عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : انظر إذا قمت الى الصلاة فإنّ الشيطان أبعد ، يكون من الإنسان إذا قام الى الصلاة أيّ شيء يقع في قلبك فخذ به ، وافتح المصحف فانظر الى أوّل ما ترى فيه فخذ به ان شاء الله.

٥٣٩

ولكن بالتأمّل في آية الاستخارة فقط يحصل له العلم بالمقصد وبعاقبة الأمر فيكون مطابقا لما في ضمير السائل من السؤال ، ولما ينتهى الأمر إليه في المآل.

فلا يلتفت الى ما عن الحلي من الاقتصار في الإستخارة على ذات الصلاة والدعاء ، ثم فعل ما يقع في القلب ، ولا يلتفت إلى التشديد في الإنكار على الاستخارة بغيرها ، من الرقاع ، والبنادق ، والقرعة ، بل المصحف أيضا.

نظرا إلى ما أغنانا ظهور الأمر عن التعرّض له والتصدّى للجواب عنه.

كما لا يصغي الى ما ربما يستشكل في خصوص الإستخارة بالمصحف للمرويّ في «الكافي» عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «لا تتفأل بالقرآن» (١).

إذ فيه مع ضعفه في نفسه ، وعدم مقاومته لما مرّ عموما وخصوصا أنّه ربما ينفى التعارض بينهما رأسا بظهور الفرق بين التفأل والإستخارة كما صرّح به غير واحد من الأجلّة.

حيث إنّ المراد بالتفأل هو استكشاف الأمور المستقبلة واستبانة الأمر فيها وجودا وعدما ، وإن لم يتعلّق بأفعال المكلّفين ولم يدخل تحت قدرتهم كشفاء المريض ، وموته ، ووجدان الضّالّة وعدمه ، وقدوم المسافر ، وحصول الغناء ، والتوفيق للحجّ ، ونحوها ممّا يؤول الى استعجال تعرّف ما في الغيب الّذى ورد النهى عنه وعن الحكم به لغير أهله.

ولكن المراد بالاستخارة طلب معرفة الرّشد في الأمر الّذى يراد فعله أو تركه مع الترديد وعدم الجزم ، استشارة منه سبحانه كما ورد : «تشاور ربّك» (٢).

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٦٢٩ ـ وبحار الأنوار ج ٨٨ ص ٢٤٤ عن الكافي.

(٢) مكارم الأخلاق ص ٣٦٧ وفيه : قال الصادق عليه‌السلام : إذا أردت أمرا فلا تشاور فيه أحدا حتى تشاور ربّك ، قال : وكيف أشاور ربّي؟ قال : تقول : أستخير الله ، مائة مرّة ثم تشاور الناس فإنّ الله يجرى لك الخيرة على لسان من أحبّ.

٥٤٠