تفسير الصراط المستقيم - ج ٢

آية الله السيّد حسين البروجردي

تفسير الصراط المستقيم - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيّد حسين البروجردي


المحقق: الشيخ غلامرضا بن علي أكبر مولانا البروجردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: پاسدار إسلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

وروى الترمذي أيضا أنّه قال رسول الله : ما رآني في الدنيا على الحقيقة التي خلقني الله عليها غير علي بن أبي طالب عليه‌السلام. (١)

بل قد ورد في أخبار كثيرة أنّ كلّ علم حقّ عند كلّ أحد فهو منهم عليهم‌السلام.

ففي «مجالس المفيد» عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : أما إنّه ليس عند أحد من الناس حقّ ولا صواب إلّا شيء أخذوه منّا أهل البيت. ولا أحد من الناس يقضي بحقّ ولا عدل إلّا ومفتاح ذلك القضاء وبابه وأوّله أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، فإذا اشتبهت عليهم الأمور كان الخطأ من قبلهم إذا أخطئوا ، والصواب من قبل علي بن أبي طالب عليه‌السلام إذا أصابوا. (٢)

وفي «البصائر» و «رجال الكشي» عن أبي مريم (٣) قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام لسلمة بن كهيل (٤) ، والحكم بن عتيبة (٥) : شرّقا وغرّبا لن تجدا علما صحيحا إلّا شيئا خرج من عندنا أهل البيت. (٦).

وفيهما عن أبي بصير قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن شهادة ولد الزنا تجوز؟

__________________

(١) لم أجد له مصدرا.

(٢) أمالي المفيد ص ٥٦ و ٥٧.

(٣) هو : عبد الغفّار بن القاسم بن قيس بن فهد أبو مريم الأنصاري ، روى عن الصادقين عليهما‌السلام ، وثّقه النجاشي وقال : له كتاب ـ معجم رجال الحديث ج ١ ص ٥٥.

(٤) هو : سلمة بن كهيل بن الحصين أبو يحيى الحضرمي الكوفي التابعي ، كان من البترية ، وهم الذين دعوا إلى ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام ثمّ خلطوها بولاية الشيخين ، وبغض عثمان وطلحة والزبير وعائشة ـ معجم رجال الحديث ج ٧ ص ٢٠٨.

(٥) الحكم بن عتيبة أبو محمد الكوفي الكندي البتري توفّي سنة (١١٤) أو (١١٥) وردت في ذمّه روايات كثيرة ـ معجم رجال الحديث ج ٦ ص ١٧٤.

(٦) بصائر الدرجات ص ١٠ ، الكافي ج ١ ص ٣٩٩.

٢٠١

قال عليه‌السلام : لا ، فقلت : إنّ الحكم بن عتيبة يزعم أنّها تجوز ، فقال عليه‌السلام : اللهمّ لا تغفر ذنبه ، ما قال الله للحكم : (إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) (١) فليذهب الحكم يمينا وشمالا ، فو الله لا يؤخذ العلم إلّا من أهل بيت نزل عليهم جبرئيل عليه‌السلام. (٢)

وفي «البصائر» عنه عليه‌السلام : كلّما لم يخرج من هذا البيت فهو باطل. (٣)

وفيه عن زرارة قال : كنت عند أبي عبد الله جعفر عليه‌السلام فقال لي رجل من أهل الكوفة : سله عن قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : «سلوني عمّا شئتم ولا تسألوني عن شيء إلّا أنبأتكم به» ، قال : فسألته ، فقال عليه‌السلام : إنّه ليس أحد عنده شيء إلّا خرج من عند أمير المؤمنين عليه‌السلام فليذهب الناس حيث شاؤا فو الله ليأتينّ الأمر هاهنا ، وأشار بيده إلى صدره. (٤)

قال المجلسي رحمه‌الله : ليأتينّ (بفتح الياء ورفع الأمر) أي يأتي العلم وما يتعلّق بأمر الخلق ويهبط إلى صدورنا ، ويحتمل نصب الأمر فيكون ضمير الفاعل راجعا إلى كلّ أحد من الناس ، أو كلّ من أراد اتضاح الأمر له.

أقول : ولعلّ الأقرب الأوّل ، وذلك أنّك قد سمعت في غير موضع من هذا التفسير أنّ الله تعالى جعلهم أبوابه ، وسبله وصراطه في الأمور التكوينيّة والتشريعيّة ، فلا يصل إلى أحد من الخلق شيء من الفيوض الإلهيّة ، والمواهب

__________________

(١) الزخرف : ٤٤.

(٢) بصائر الدرجات ص ٩ ، رجال الكشي ص ١٣٧ ، الكافي ج ١ ص ٤٠٠ وج ٧ ص ٣٦٥.

(٣) بصائر الدرجات ص ٣٨ ح ٥ ، الوسائل ج ١٨ ص ٥٠ ح ٣٤ عن البصائر.

(٤) بصائر الدرجات ص ١٢ ح ١ ، الوسائل ج ١٨ ص ٤٦ ح ٢١ ، ولكن فيه مكان (ليأتين الأمر هاهنا وأشار بيده إلى صدره) : ليس الأمر إلّا من هاهنا وأشار بيده إلى بيته ، بحار الأنوار ج ٤٠ / ١٣٦ وفيه : ليأتينهم الأمر هاهنا وأشار إلى المدينة».

٢٠٢

الرحمانيّة إلّا بوساطتهم وشفاعتهم ، فبهم بدأ الله ، وبهم يختم ، ومن جملة فيوضه سبحانه ، بل من أعظمها العلوم والمعارف الحقيقيّة التي خصّهم الله سبحانه بمعرفتها ، فهم عيبة علمه ، وخزنة وحيه.

ففي «البصائر» : عن الصادق عليه‌السلام يقول : «نحن ولاة أمر الله ، وخزنة علم الله ، وعيبة وحي الله». (١)

وفيه ، عنه عليه‌السلام : يا بن أبي يعفور (٢) إنّ الله واحد متوحّد بالوحدانيّة ، متفرّد بأمره ، فخلق خلقا فقدّرهم لذلك (٣) الأمر ، فنحن هم ، يا ابن أبي يعفور فنحن حجج الله في عباده ، وخزّانه على علمه ، والقائمون بذلك. (٤)

وعن أبي جعفر عليه‌السلام قال : والله إنّا لخزّان الله في سمائه وأرضه ، لا على ذهب ولا على فضّة إلّا على علمه. (٥)

__________________

(١) بصائر الدرجات ص ٣٠ ، بحار الأنوار ج ٢٦ ص ١٠٦ ح ٩ عن البصائر.

(٢) هو : عبد الله بن أبي يعفور واقد أبو محمد العبدي من خواصّ أصحاب الصادق عليه‌السلام توفّي في حياة الإمام عليه‌السلام سنة الطاعون. معجم رجال الحديث ج ١٠ ص ٩٦.

(٣) في البحار : فقدّرهم بذلك الأمر. وقال المجلسي قدس سرّه في بيانه : بذلك الأمر أي الإمامة ، أو بذلك العلم ، فالباء للسببيّة.

(٤) بصائر الدرجات ص ٢٩ ، الكافي ج ١ ص ١٩٣ ح ٥ ، بحار الأنوار ج ٢٦ ص ١٠٦ ح ٨.

(٥) بصائر الدرجات ص ٢٩ ، الكافي ج ١ ص ١٩٢ ح ٢ ، بحار الأنوار ج ٢٦ ص ١٠٥ ح ١ عن البصائر.

٢٠٣
٢٠٤

الباب التاسع

في أنّ جلّ القرآن نزل في أهل البيت

وشيعتهم وفي أعدائهم

٢٠٥
٢٠٦

روى الشيخ الجليل ثقة الإسلام الكليني (١) ، ومحمّد بن مسعود العياشي (٢) ، وفرات (٣) بن إبراهيم ، بأسانيدهم عن أصبغ (٤) بن نباتة قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : نزل القرآن أرباعا : ربع فينا ، وربع في عدوّنا ، وربع سنن وأمثال ، وربع فرائض وأحكام ، ولنا كرائم القرآن (٥).

قال في «تأويل الآيات» : وروت الخاصّة والعامّة عن ابن عبّاس أيضا مثله (٦) وفيه عن ابن نباتة عنه عليه‌السلام قال : القرآن أربعة أرباع : ربع فينا ، وربع في أعدائنا ، وربع فرائض وأحكام ، وربع حلال وحرام ، ولنا كرائم

__________________

(١) هو محمد بن يعقوب بن إسحاق ابو جعفر الكليني مصنّف «الكافي» في عشرين سنة ، توفّى سنة (٣٢٨) أو (٣٢٩) وقبره في بغداد مزار معروف. طبقات الشيعة ج ١ / ٣١٤.

(٢) هو : محمّد بن مسعود بن محمد بن عيّاش أبو النضر السلمي السمرقندي المعروف بالعيّاشى ، كان عاميا ثم تبصّر ، وكان حديث السنّ ، وبعد سمع الاصحاب بالعراق وروى عن علي بن الحسن بن عليّ بن فضّال الّذي يروى عن أخيه أحمد الذي توفى سنة (٢٦٠) ـ طبقات الشيعة ج ١ ص ٣٠٥.

(٣) فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي ، روى عن عبيد بن كثير المتوفى (٢٩٤) وروى عنه الصدوق المتوفى (٣٨١) بواسطة واحدة كثيرا في الأمالى ـ طبقات الشيعة ج ١ ص ٢١٦.

(٤) الأصبغ بن نباتة المجاشعي من خاصّة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وعمّر بعده ، وروى عنه عهد الأشتر الذي عهده اليه أمير المؤمنين عليه‌السلام لمّا ولّاه مصر ـ معجم رجال الحديث ٣ ص ٢١٩.

(٥) الكافي ج ٢ ص ٦٢٨ ـ تفسير الفرات ص ٢ ـ شواهد التنزيل ج ١ ص ٤٣ ح ٥٨ ـ بحار الأنوار ج ٢٤ ص ٣٠٥ ح ١ عن الكنز والفرات.

(٦) بحار الأنوار ج ٢٤ ص ٣٠٥ عن الكنز ح ١.

٢٠٧

القرآن (١).

قلت : والكرائم نفائس الشيء وخياره جمع الكريمة ، والتاء للمبالغة كما في «النهاية الاثيريّة» قال : ومنه حديث الزكاة : «وأنق كرائم أموالهم» أى نفائسها الّتي يتعلّق بها نفس مالكها ويختصّها لها حيث هي جامعة للكمال الممكن في حقّها.

والمراد أنّ كلّ ما في القرآن من خير ، وبرّ ، وشرف فهو لهم ، وفيهم ، وفي شيعهم ، كما في الزيارة الجامعة الكبيرة : «إن ذكر الخير كنتم أوّله ، وأصله ، ومعدنه ، ومأواه ، ومنتهاه».

عن مولانا الصادق عليه‌السلام قال : ما من آية في القرآن أوّلها (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إلّا وعليّ بن أبى طالب عليه‌السلام أميرها وقائدها ، وشريفها وأوّلها ، وما من آية تسوق إلى الجنّة إلّا وهي في النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والأئمة عليهم‌السلام ، وأشياعهم ، وأتباعهم ، وما من آية تسوق الى النار إلّا وهي في أعدائهم والمخالفين لهم ، وإن كانت الآيات في ذكر الأوّلين فما كان منها في خير فهو جار في أهل الخير ، وما كان منها من شرّ فهو جار في أهل الشرّ (٢).

وعن أبى جعفر عليه‌السلام قال : يا خيثمة (٣) إنّ القرآن نزلت أثلاثا : فثلث فينا ، وثلث في عدوّنا ، وثلث فرائض وأحكام (٤).

__________________

(١) البحار ج ٢٤ ص ٣٠٥ ح ٢ عن تفسير الفرات.

(٢) بحار الأنوار ج ٢٤ ص ٣١٦ ح ٢٠ عن عقائد الصدوق ص ١٠٤.

(٣) الظاهر أنّه خيثمة بن عبد الرحمن الجعفي الكوفي أبو عبد الله وكان من أصحاب الباقر عليه‌السلام ـ انظر معجم رجال الحديث ج ٧ ص ٨٢.

(٤) بحار الأنوار ج ٢٤ باب جوامع تأويل ما نزل فيهم ٤ ح ٤٦ عن الفرات.

٢٠٨

وروى ابن المغازلي عن ابن عبّاس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : القرآن أربعة أرباع : فربع فينا أهل البيت خاصّة ، وربع حلال ، وربع حرام ، وربع فرائض وأحكام ، والله أنزل فينا كرائم القرآن (١).

وروى العيّاشى مثله بالإسناد عن أبي جعفر عليه‌السلام (٢).

وروى عن أصبغ بن نباتة عن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : نزل القرآن أثلاثا : ثلث فينا وفي عدوّنا ، وثلث سنن وأمثال ، وثلث فرائض وأحكام (٣).

وفي «تفسير العياشي» عن خيثمة قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «القرآن نزل أثلاثا : ثلث فينا وفي أحبّائنا ، وثلث في أعدائنا وعدوّ من كان قبلنا ، وثلث سنّة ومثل ، ولو أنّ الآية إذا نزلت في قوم ثم مات أولئك القوم ماتت الآية لما بقي من القرآن شيء ، ولكنّ القرآن يجرى أوّله على آخره ما دامت السماوات والأرض ، ولكلّ قوم آية يتلونها هم منها من خير أو شرّ» (٤).

وفي «كشف الغمّة» عن ابن مردويه (٥) ، عن ابن عبّاس قال : «ما في القرآن آية إلّا وعليّ رأسها وقائدها» (٦).

قال : وروي عن عليّ عليه‌السلام قال : «نزل القرآن أرباعا : فربع فينا ، وربع في

__________________

(١) المناقب لابن المغازلي ص ٣٢٨.

(٢) بحار الأنوار ج ٩٢ باب أنواع آيات القرآن ص ١١٤ ح ١ عن تفسير العياشي ج ١ ص ٩ مع تفاوت يسير.

(٣) تفسير العياشي ج ١ ص ٩.

(٤) تفسير العياشي ج ١ ص ١٠.

(٥) هو أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني المتوفّى (٣٥٢) ، الكنى والألقاب ج ١ ص ٤٠٦.

(٦) كشف الغمّة ص ٩١ ـ بحار الأنوار ج ٣٦ ص ١١٦ من كشف الغمّة.

٢٠٩

عدوّنا ، وربع سير وأمثال .. وربع فرائض وأحكام» (١).

وفيه عن ابن عبّاس : «ما نزلت «يا أيّها الذين آمنوا» إلّا وعليّ أميرها وشريفها» (٢).

وعنه في خبر آخر : «إلّا كان عليّ رأسها وأميرها» (٣).

وعن حذيفة (٤) : «إلّا كان عليّ لبّها ولبابها» (٥).

وفي «غيبة النعماني» (٦) : عن العبد الصّالح عليه‌السلام في قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) (٧) أنّه قال : «إنّ القرآن له ظاهر وباطن ، فجميع ما حرّم الله في القرآن فهو حرام على ظاهره كما هو في الظاهر ، والباطن من ذلك أئمّة الجور ، وجميع ما أحلّ الله في الكتاب فهو حلال ، وهو الظاهر ، والباطن من ذلك أئمّة الهدى» (٨).

وفي «تفسير فرات» عن ابن عبّاس قال : أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيدي ويد أمير المؤمنين على بن أبي طالب عليه‌السلام ، فعلا بنا على ثبير ، ثمّ صلّى ركعات ، ثمّ رفع

__________________

(١) المصدر نفسه ص ٩١.

(٢) كشف الغمّة ص ٩١ البحار ج ٣٦ ص ١١٧ عن كشف الغمّة.

(٣) المصدر نفسه ص ٩١ البحار ج ٣٦ ص ١١٧ عن كشف الغمّة.

(٤) هو حذيفة بن اليمان أبو عبد الله العبسي كان صاحب سرّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في المنافقين ، توفّى بالمدائن سنة (٣٦) ه ـ الاعلام للزركلى ج ٢ ص ١٨٠.

(٥) كشف الغمّة ص ٩٢ ـ البحار ج ٣٦ ص ١١٧ عن الكشف.

(٦) النعماني : محمد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب كان تلميذا للكليني المتوفّى (٣٢٩) وكان حيّا في سنة (٣٤٢) ه وتوفى بالشام ـ الذريعة ج ١٦ ص ٧٩.

(٧) الأعراف : ٣٣.

(٨) غيبة النعماني ص ٦٤ وفيه : «ائمّة الهدى الحقّ».

٢١٠

يده الى السّماء فقال : أللهمّ إنّ موسى بن عمران عليه الصلاة والسّلام سألك ، وأنا محمّد نبيّك أسألك أن تشرح لي صدري وتيسّر لي أمرى ، وتحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي ، واجعل لي وزيرا من أهلى عليّ بن أبي طالب أخى أشدد به أزرى ، وأشركه في أمرى ، قال : فقال ابن عبّاس : سمعت مناديا ينادى : يا أحمد قد أوتيت ما سألت ، قال : فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لأمير المؤمنين عليه‌السلام : يا أبا الحسن ارفع يدك إلى السّماء فادع ربّك وسله يعطك ، فرفع يده إلى السماء وهو يقول : اللهمّ اجعل لي عندك عهدا ، واجعل لي عندك ودّا ، فأنزل الله على نبيّه : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) (١). فتلاها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على أصحابه ، فتعجّبوا من ذلك عجبا شديدا ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : بما تعجبون؟ إنّ القرآن أربعة أرباع : ربع فينا أهل البيت خاصّة ، وربع في أعدائنا ، وربع حلال وحرام ، وربع فرائض وأحكام ، وإنّ الله أنزل في علي بن أبي طالب عليه‌السلام كرائم القرآن» (٢).

وفي «البصائر» عن أبي الحجاز (٣) قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ختم مائة ألف نبىّ وأربعة وعشرين ألف نبيّ ، وختمت أنا مائة ألف وصيّ وأربعة وعشرين ألف وصيّ ، وكلّفت ما تكلّف الأوصياء قبلي ، والله المستعان ، وإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال في مرضه : لست أخاف عليك أن تضلّ بعد الهدى ، ولكن أخاف عليك فسّاق قريش وعاديتهم ، حسبنا الله ونعم الوكيل على أنّ ثلثي القرآن فينا وفي شيعتنا ، فما كان من خير فلنا ولشيعتنا ، والثلث أشركنا

__________________

(١) مريم : ٩٦.

(٢) تفسير فرات ص ٨٩ ـ بحار الأنوار ج ٣٥ عن الروضة ص ١٦ وتفسير فرات.

(٣) لم أظفر على ترجمته.

٢١١

فيه النّاس ، فما كان من شرّ فلعدوّنا» (١).

وفي «الخصال» عن ابن أبي ليلى (٢) قال : «نزلت في عليّ ثمانون آية صفوا في كتاب الله ما شركه فيها أحد من هذه الأمّة (٣).

وفيه بالإسناد عن مجاهد مثله ، إلّا أنّ فيه : «سبعون» (٤).

قلت : ولعلّ المراد الآيات المختصّة به دون غيره كما يومى إليه قوله : «صفوا» أو أنّه ذكر هذا العدد بناء على ما اطلع عليه.

وعن ابن شهر آشوب قال : روى جماعة من الثقات عن الأعمش ، عن عباية الأسدي عن عليّ عليه‌السلام ، والليث (٥) ، عن مجاهد ، والسدي عن أبي مالك (٦) ، وابن أبي ليلى ، عن داود (٧) بن على ، عن أبيه ، وابن جريح ، عن عطاء ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، كلّهم عن ابن عبّاس ، وروى العوّام (٨) ابن حوشب عن مجاهد ،

__________________

(١) بصائر الدرجات ص ١٢٠.

(٢) هو عبد الرحمن بن أبى ليلى الأنصارى من أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ شهد معه ، عربيّ كوفّي ، ضربه الحجّاج حتّى اسودّ كتفاه على سبّ عليّ عليه‌السلام ـ جامع الرواة ص ٤٤٣ رقم ٣٦٥٢.

(٣) الخصال ج ٢ ص ٥٩٢ أبواب الثمانين ح ١.

(٤) الخصال ج ٢ ص ٥٨١ أبواب السبعين ح ٢.

(٥) هو الليثي بن أبى سليم الكوفي القرشي كان من العلماء ويقال : كان من أوعية العلم ، توفي سنة (١٤٣) ه ـ الميزان للذهبى ج ٣ ص ٤٢٠.

(٦) ابو مالك روى روايات كثيرة عن ابن عباس وروى عنه السدّى إسماعيل بن عبد الرحمن المتوفى (١٢٨ ه‍) ذكره ابن أبى حاتم في «الجرح والتعديل» ج ٩ ص ٤٣٥ رقم ٢١٧٣ وقال : سئل أبو زرعة عنه فقال : كوفى ثقة لا أعرف اسمه.

(٧) هو داود بن على بن عبد الله بن عباس ، عمّ المنصور الدوانيقي ، قد ولى الكوفة في دولة السفّاح ، ثم المدينة ، مات سنة (١٣٣ ه‍) ـ ميزان الاعتدال ج ٢ ص ١٣.

(٨) العوّام بن حوشب بن يزيد الشيباني أبو عيسى الواسطي توفى سنة (١٤٨ ه‍) ـ سير أعلام النبلاء ج ٤

٢١٢

وروى الأعمش عن زيد بن وهب (١). عن حذيفة كلّهم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «ما انزل الله تعالى في القرآن آية فيها (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إلّا وعليّ أميرها وشريفها» (٢).

وفي رواية حذيفة : «إلّا كان لعلي بن أبى طالب عليه‌السلام لبّها (٣) ولبابها» (٤).

وفي رواية : «إلّا عليّ رأسها وأميرها» (٥).

وفي رواية يوسف (٦) بن موسى القطّان ، ووكيع (٧) بن الجرّاح : «أميرها وشريفها لأنّه أوّل المؤمنين ايمانا (٨).

وفي رواية إبراهيم (٩) الثقفي ، وأحمد بن حنبل ، وابن بطّة (١٠) العكبري ،

__________________

ص ٣٥٤.

(١) هو زيد بن وهب الجهني أبو سليمان الكوفي المتوفى سنة (٩٦) ـ سير أعلام النبلاء ج ٤ ص ١٩٩.

(٢) مناقب آل أبي طالب ج ١ ص ٥٤٦ ـ بحار الأنوار ج ٣٧ ص ٣٣٣.

(٣) اللبّ واللباب (بضم اللام) في اللغة بمعنى واحد وهو المختار الخالص من كل شيء ولعلّ معنى الحديث أنّ المصداق الأتمّ الخالص المختار من المؤمنين هو أمير المؤمنين عليه‌السلام.

(٤) المناقب ج ١ ص ٥٤٦ ـ شواهد الحسكاني ج ١ ص ٤٨.

(٥) المصدر نفسه.

(٦) يوسف بن موسى بن راشد القطّان أبو يعقوب الكوفي نزيل بغداد ، توفّى سنة (٢٥٣) من سنّ عالية ـ سير أعلام النبلاء ج ١٢ ص ٢٢٢.

(٧) وكيع بن الجرّاح بن مليح الرؤاسى الحافظ ولد بالكوفة سنة (١٢٩) وتوفّي بفيد راجعا من الحجّ سنة (١٩٧) ـ الاعلام ج ٩ ص ١٣٥.

(٨) المناقب لابن شهر آشوب ج ١ ص ٥٤٦ ـ بحار الأنوار ج ٣٧ ص ٣٣٣.

(٩) هو إبراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي الكوفي المتوفي سنة (٢٨٣ ه‍) ـ الاعلام ج ١ ص ٥٦.

(١٠) هو عبيد الله بن محمّد بن محمد بن حمدان بن بطّة العكبري الحنبلي المتوفى (٣٨٧) ـ الاعلام ج ١ ص ٣٥٤.

٢١٣

عن عكرمة ، عن ابن عبّاس : «إلّا عليّ رأسها وشريفها وأميرها» (١).

وفي «صحيفة الرضا عليه‌السلام» (٢) : «ليس في القرآن (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إلّا في حقّنا ، ولا في التوراة (يا أَيُّهَا النَّاسُ) إلّا فينا» (٣).

وفي تفسير مجاهد قال : ما كان في القرآن «يا أيّها الذين آمنوا» فإنّ لعليّ عليه‌السلام سابقة هذه الآية ، لأنّه سبقهم الى الإسلام ، فسمّاه الله تعالى في تسع (٤) وثمانين موضعا أمير المؤمنين وسيّد المخاطبين الى يوم الدين (٥).

وروى المنقري (٦) باسناده الى عمرو (٧) ، أخى بريدة الأسلمي ، وروى يوسف ابن كليب المسعودي باسناده عن أبى داود ، عن أخى بريدة ، وروى عبّاد

__________________

(١) المناقب ج ١ ص ٥٤٦.

(٢) صحيفة الرضا : ويعبّر عنها بمسند الرضا ، والرضويات ، وصحيفة أهل البيت أيضا وقد أحصى بعض الأصحاب أحاديثها فوجدوها (٢٤٠) حديثا وهي منسوبة الى الإمام الرضا عليه‌السلام ، مروية بأسانيد متعددة ينتهى جميعها الى ابى القاسم عبد الله بن احمد بن عامر بن سليمان بن صالح بن وهب ، عن أبيه احمد بن عامر عن الرضا عليه‌السلام في سنة (١٩٤) ، انظر الذريعة ج ١٥ ص ١٧ رقم ٩٢.

(٣) المناقب لابن شهر آشوب ج ١ ص ٥٤٦ ـ بحار الأنوار ج ٣٧ ص ٣٣٣.

(٤) هذه الموارد (١١) موردا في سورة البقرة ، و (٧) موارد في آل عمران ، و (٩) موارد في سورة النساء ، و (١٦) موردا في المائدة ، و (٦) موارد في الأنفال ، و (٦) موارد في التوبة ، و (١) في الحجّ ، و (٣) موارد في سورة النور ، و (٧) موارد في الأحزاب ، و (٢) في سورة محمّد ، و (٥) موارد في الحجرات ، و (١) في سورة الحديد ، و (٣) في المجادلة ، و (١) في سورة الم ، و (٣) موارد في المتمحثة ، و (٣) في الصفّ ، و (١) في الجمعة ، و (١) في سورة المنافقين ، و (١) في التغابن ، و (٢) في سورة التحريم.

(٥) المناقب ج ١ ص ٥٤٦ ـ البحار ج ٣٧ ص ٣٣٣.

(٦) هو : سليمان بن داود بن بشر بن زياد أبو أيّوب المنقري البصري المعروف بالشاذكونى الحافظ المتوفى (٢٣٤) ه ـ سير أعلام النبلاء ج ١٠ ص ٦٧٧.

(٧) هو عمرو بن حصيب أخو بريدة بن حصيب الأسلمي كما في أمالي الشيخ ص ١٨١.

٢١٤

ابن (١) يعقوب الأسدى ، باسناده عن أبى داود (٢) السبيعي ، عن أخى بريدة ، أنّه دخل أبو بكر على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : اذهب وسلّم على أمير المؤمنين ، فقال : يا رسول الله وأنت حىّ؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : وأنا حىّ ، ثم جاء عمر فقال له مثل ذلك.

وفي رواية السبيعي : أنّه قال عمر : ومن أمير المؤمنين؟ قال : علي بن ابى طالب قال : عن أمر الله وأمر رسوله؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم (٣).

وروى الشيخ أبو جعفر الطوسي قدس‌سره باسناده الى الفضل (٤) بن شاذان عن داود (٥) بن كثير. قال : قلت لأبى عبد الله عليه‌السلام : أنتم الصلاة في كتاب الله عزوجل ، وأنتم الزكاة ، وأنتم الحجّ؟

فقال عليه‌السلام : يا داود نحن الصّلاة في كتاب الله عزوجل ، ونحن الزّكاة ، ونحن الصيام ، ونحن الحجّ ، ونحن الشّهر الحرام ، ونحن البلد الحرام ، ونحن كعبة الله ، ونحن قبلة الله ، ونحن وجه الله ، قال الله تعالى : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) (٦) ونحن الآيات ، ونحن البيّنات.

__________________

(١) هو أبو سعيد عبّاد بن يعقوب الأسدى الرواجني الكوفي المتوفى سنة (٢٥٠) ه ـ التاريخ الكبير للبخاري ج ٦ ص ٤٤ رقم ١٦٤٥.

(٢) هو نفيع بن الحارث أبو داود النخعي الكوفي ويقال له السبيعي لأنّهم مواليه ، وكان أعمى من قبيلة همدان تابعيّا ـ تهذيب التهذيب ج ١ ص ٤٧٠.

(٣) المناقب لابن شهر آشوب ج ١ ص ٥٤٩ ـ أمالى الشيخ ص ١٨١ وص ١٨٢ والبحار ج ٣٧ ص ٢٩١ عن الأمالى وص ٣٣٤ عن المناقب.

(٤) الفضل بن شاذان بن الخليل أبو محمد الأزدى النيسابوري المتوفّى (٢٦٠ ه‍) الاعلام ج ٥ ص ٣٥٥.

(٥) داود بن كثير أبى خالد الرقّى أبو سليمان المتوفّى بعد وفاة الرّضا عليه‌السلام بقليل حدود سنة (٢٠٣ ه‍) ـ معجم رجال الحديث ج ٧ ص ١٢٢.

(٦) البقرة : ١١٥.

٢١٥

وعدوّنا في كتاب الله عزوجل : الفحشاء والمنكر والبغي ، والخمر ، والميسر والانتصاب والأزلام ، والأصنام والأوثان ، والجبت والطاغوت ، والميتة والدم ولحم الخنزير.

يا داود إنّ الله خلقنا فأكرم خلقنا ، وفضّلنا ، وجعلنا أمناءه ، وحفظته ، وخزّانه على ما في السماوات وما في الأرض ، وجعل لنا أضدادا وأعداء ، فسمّانا في كتابه ، وكنى عن أسمائنا بأحسن الأسماء وأحبّها إليه ، وسمّى أضدادنا وأعدائنا في كتابه ، وكنّى عن أسمائهم وضرب لهم الأمثال في كتابه في أبغض الأسماء إليه وإلى عبادة المتّقين (١).

وعن الفضل بن شاذان بالإسناد عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : نحن أصل كلّ خير ، ومن فروعنا كلّ برّ ، ومن البرّ التوحيد ، والصلاة ، والصيام ، وكظم الغيظ عن المسيء ، ورحمة الفقير ، وتعاهد الجار ، والإقرار بالفضل لأهله.

وعدوّنا أصل كلّ شرّ ، ومن فروعهم كلّ قبيح وفاحشة ، فمنهم الكذب والنميمة ، والبخل ، والقطيعة ، وأكل الرّبا ، وأكل مال اليتيم بغير حقّه ، وتعدّى الحدود الّتى أمر الله عزوجل ، وركوب الفواحش ما ظهر منها وما بطن من الزّنا والسّرقة ، وكلّ ما وافق ذلك من القبيح ، وكذب من قال : إنّه معنا وهو متعلّق بفرع غيرنا (٢).

وفي «رجال الكشي» بالإسناد عن بشير (٣) الدهّان ، قال : كتب أبو

__________________

(١) بحار الأنوار ج ٢٤ ص ٣٠٣ ح ١٤ عن كنز الفوائد ص ٢ ـ ٣.

(٢) البحار ج ٢٤ ص ٣٠٣ ح ١٥ عن الكنز.

(٣) بشير الدهّان الكوفي من أصحاب الصادق والكاظم عليهما‌السلام ، وقيل : (يسير) بالياء التحتانية والسين المهملة ، وقع في اسناد جملة من الروايات تبلغ ثمانية عشر موردا. معجم رجال الحديث ج ٣

٢١٦

عبد الله عليه‌السلام إلى أبي (١) الخطّاب بلغني أنّك تزعم أنّ الزّنا رجل ، وأنّ الخمر رجل ، وأنّ الصّلاة رجل ، والصيام رجل ، وأنّ الفواحش رجل ، وليس هو كما تقول ، إنّا أصل الحقّ ، وفروع الحقّ طاعة الله ، وعدوّنا أصل الشّرّ ، وفروعهم الفواحش ، وكيف يطاع من لا يعرف ، وكيف يعرف من لا يطاع (٢).

إلى غير ذلك من الأخبار المتواترة الّتى سيمرّ عليك كثير منها في تضاعيف هذا التفسير إن شاء الله تعالى.

وجملة الكلام أنّه يستفاد من ملاحظة الأخبار أمور :

أحدها : أنّ كلّ آية في القرآن فيها (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فالخطاب فيها متوجّه إلى أهل البيت عليهم‌السلام بالأوليّة والأولويّة والأصالة ، وهم أميرها وشريفها ورأسها ولبّها ولبابها ، وذلك بسبب سبقتهم إلى الإيمان بالله سبحانه في عالم الأنوار وفي الظلّة الخضراء.

كما عن الثّمالى عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه قال : إنّ الله سبحانه تفردّ في وحدانيّته ، ثمّ تكلّم بكلمة فصارت نورا ، ثمّ خلق من ذلك النور محمّدا وعليّا وعترته عليهم‌السلام ، ثمّ تكلّم بكلمة فصارت روحا وأسكنها في ذلك النور وأسكنه في أبداننا ، فنحن روح الله وكلمته ، احتجب بنا عن خلقه ، فما زلنا في ظلّ خضراء مسبّحين نسبّحه ونقدّسه حيث لا شمس ولا قمر ، ولا عين تطرف ، ثمّ خلق

__________________

ص ٣٣١ رقم ١٨٠٦.

(١) ابو الخطّاب محمّد بن أبى زينب الأسدى الكوفي البزّاز البرّاد ، كان مستقيما ثم انحرف وصار من الغلاة فترك أصحابنا ما رواه بعد انحرافه ـ معجم رجال الحديث ج ١٤ ص ٢٤٣.

(٢) بحار الأنوار ج ٢٤ ص ٢٩٩ عن رجال الكشي ص ١٨٨.

٢١٧

شيعتنا ، وإنّما سمّوا شيعة لأنّهم خلقوا من شعاع نورنا (١).

وعنه ، قال : دخلت حبابة (٢) الوالبيّة على أبي جعفر عليه‌السلام فقالت : أخبرني يا بن رسول الله أيّ شيء كنتم في الأظلّة؟ فقال عليه‌السلام : كنّا بين يدي الله قبل خلق خلقه ، فلمّا خلق الخلق سبحنا فسبّحوا ، وهلّلنا فهلّلوا ، وكبّرنا فكبّروا ، وذلك قوله عزوجل : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً) (٣) الطريقة حبّ عليّ صلوات الله عليه ، والماء الغدق الماء الفرات ، وهو ولاية آل محمّد عليهم‌السلام. (٤).

وفي خبر المفضّل : كنّا أنوارا حول العرش نسبّح الله ونقدّسه حتّى خلق الله سبحانه الملائكة فقال لهم : سبّحوا ، فقالوا : يا ربّنا لا علم لنا ، فقال لنا : سبّحوا فسبّحنا ، فسبّحت الملائكة بتسبيحنا ، ألا إنّا خلقنا من نور الله ، وخلق شيعتنا من دون ذلك النور ... الخبر (٥).

وأيضا لسبقهم إلى الإيمان به سبحانه في عالم الميثاق والذرّ الأوّل ، كما ورد أنّ أوّل من بادر إلى الإجابة هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ثمّ الأئمّة من ذرّيته صلوات الله عليهم أجمعين ، ولسبقتهم إلى الإيمان به في هذا العالم الناسوتي في الدّولة الكاملة الختمية المصطفوية كماليا شرفيّا ، إذ لا يدانى

__________________

(١) بحار الأنوار ج ٢٥ ص ٢٣ ح ٣٩ عن مشارق الأنوار للبرسي ص ٤٢.

(٢) هي صاحبة الحصاة التي طبع فيها أمير المؤمنين عليه‌السلام بخاتمه وأتت بها الى الأئمّة بعده واحدا بعد واحد وهم يطبعوهن فيها إلى أن انتهت الى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام فطبع فيها وعاشت بعد ذلك تسعة أشهر ـ سفينة البحار ج ٢ ص ٣٠ طبع الجديد.

(٣) سورة الجنّ : ١٦.

(٤) بحار الأنوار ج ٢٥ ص ٢٤ ح ٤٠ عن مشارق الأنوار للبرسي ص ٤٠.

(٥) البحار ج ٢٥ ص ٢١.

٢١٨

ايمانهم إيمان أحد من المخلوقين ، آتاهم الله ما لم يؤت أحدا من العالمين ، وسبقا حدوثيا زمانيّا كما اتّفقت عليه روايات الفريقين من أنّه عليه‌السلام أوّل من آمن برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في العالم الناسوت إيمانا ظاهريّا بعد ما آمن به في جميع العوالم الكليّة والنشآت الغيبيّة ، ولذا قال عليه‌السلام :

سبقتكم إلى الإسلام طرّا

غلاما ما بلغت أو ان حلمي (١)

وقد قيل في هذا أيضا :

ما كنت أحسب هذا الأمر منصرفا

عن هاشم ثمّ منها عن أبى الحسن

أليس أوّل من صلّى لقبلتكم

وأعلم الناس بالآداب والسنن

وبالجملة فهؤلاء الأنوار صلوات الله عليهم هم السّابقون بالإيمان في جميع العوالم بمراتب السبق وأقسامه الستّة (٢).

__________________

(١) قال ابن حجر الهيثمي : لما وصل الى عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام فخر من معاوية قال عليه‌السلام لغلامه : اكتب إليه ، ثمّ أملى عليه :

محمّد النبي أخي وصهري

وحمزة سيّد الشهداء عمّى

وجعفر الذي يمسى ويضحى

يطير مع الملائكة ابن أمّي

وبنت محمد سكنى وعرسي

منوط لحمها بدمى ولحمى

وسبطا أحمد ولداي منها

فأيّكم له سهم كسهمي

سبقتكم الى الإسلام طرّا

غلاما ما بلغت أو ان حلمي

الصواعق المحرقة ص ١٣٠ ط القاهرة ـ

(٢) السبق على المشهور ينقسم الى ستّة أقسام : الزّماني ، والرّتبى ، والشّرفى ، والطبعي ، والعلّى ، والماهوى ، وزاد عليها صدر المتألهين قسما سابعا ، وهو السبق بالحقيقة ، والمحقّق الداماد قسما ثامنا وهو السبق الدهري ، قال الفيلسوف المتأله السبزواري في منظومته :

السبق منه ما زمانيا كشف

والسبق بالرتبة ثم بالشرف

والسبق بالطبع وبالعليّة

ثمّ الّذى يقال بالماهيّة

٢١٩

ولذا قال مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام في قوله تعالى : (السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) (١) : إنّها فّي نزلت (٢).

وقال مولانا الصادق عليه‌السلام : نحن السابقون ، ونحن الآخرون (٣).

بل يستفاد من أخبار متواترة أنّ كلّ من آمن بالله ووحّده وعبده في جميع العوالم فإنّما هو بوساطتهم ، ولذا قالوا : «بنا عرف الله وبنا عبد الله» (٤).

وفي أخبار كثيرة : «نحن الأعراف الّذين لا يعرف الله إلّا بسبيل معرفتنا» (٥).

وفي «الجامعة الكبيرة» : «بكم علّمنا الله معالم ديننا ، وأصلح ما كان فسد من دنيانا».

ثانيها : أنّ القرآن كلّه إنّما نزل فيهم وفي شيعتهم ، وفي أعدائهم.

وذلك أنّ من الآيات ما نزلت بخصوصها فيهم ، ومنها ما نزلت في غيرهم ، سواء أكان في شأن أشخاص خصوصا أو عموما ، والقصص والأمثال ، أم كان في الفرائض والسنن والأحكام ، وكلّ ذلك ينقسم إلى فروع الإيمان وفروع

__________________

والسبق بالذّات هو اللذ كان عمّ

بذي الثّلاثة الأخير انقسم

بالذّات إن شيء بدا وبالعرض

لاثنين سبق بالحقيقة انتهض

والسبق فكيّا يجي طوليّا

سمّى دهريّا وسرمديّا

(١) الواقعة : ١٠ ـ ١١.

(٢) في البحار ج ٢٤ ص ٨ ح ٢٢ عن عليّ عليه‌السلام قال : «إنّي أسبق السابقين إلى الله وإلى رسوله ... إلخ.

(٣) بحار الأنوار ج ٢٤ ص ٤ ح ١١ عن مناقب آل أبى طالب ج ٣ / ٤٠٣.

(٤) البحار ج ٢٥ ص ٢٠ ح ٣١.

(٥) البحار ج ٢٤ ص ٢٤٩ ح ٢ عن الاحتجاج ص ١٢١.

٢٢٠