تفسير الصراط المستقيم - ج ٢

آية الله السيّد حسين البروجردي

تفسير الصراط المستقيم - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيّد حسين البروجردي


المحقق: الشيخ غلامرضا بن علي أكبر مولانا البروجردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: پاسدار إسلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

لنفسه نفعا ولا ضرا ، ولا يستطيع موتا ، ولا حياة ، ولا نشورا ، بل الفضل كلّه بيد الله يؤتيه من يشاء ، فلا يلتفت إلى نفسه أصلا ، فضلا عن أفعاله ، وأحواله ، وطاعاته التي هي كلّها تقصير ، وقصور ، خالية من النّور والسرور ، فليتّهم نفسه في كلّ حال ، وليتدارك ما فات عنه من الفضائل وتزكية الأعمال ، وليتوسّل في كلّ ذلك إلى النبيّ محمّد وآله خير آل مستشفعا بهم صلوات الله عليهم إلى الله ذي العزّ والجلال ، وليكن بما ورد عنهم عليهم‌السلام في تفسير الآيات من الأخبار والآثار ، فإنّها مفاتيح كنوز الأسرار ، ولوامع الأنوار ، وليتّعظ بها قلبه بالانبساط والانزجار الذين هما ثمرة البشارة والإنذار.

ومن الوظائف : الترقّي بحسب تدرّج الأحوال إلى درجات الكمال والاستغراق في مقام التوجّه والإقبال للوصول إلى الأنس بمناجات ذي الجلال.

وقد يقال : إنّ درجات القرآن ثلاث :

أدناها : أن يقدّر العبد كأنّه يقرأ على الله تعالى واقفا بين يديه ، وهو ناظر اليه ، ومستمع منه ، فيكون حاله عند هذا التقدير الثناء والسؤال ، والتضرّع والابتهال.

وأوسطها : أن يشهد بقلبه كأنّه سبحانه يخاطبه بألطافه ، ويناجيه بانعامه وإحسانه ، وهو مقام الحياء والتعظيم له والإصغاء إليه والفهم منه.

وأعلاها : أن يرى في الكلام والمتكلّم الصّفات ، فلا ينظر الى قلبه ، ولا إلى قراءته ، ولا إلى تعلّق الإنعام به من حيث إنّه منعم عليه ، بل يقتصر همّه على المتكلّم ، ويوقف فكره عليه ويستغرق في مشاهدته.

وهذه درجة المقرّبين ، وعنه أخبر مولانا الصّادق عليه‌السلام حيث قال : «لقد

٤٨١

تجلّى الله تعالى لخلقه في كلامه ولكنّهم لا يصبرون» (١).

وعنه عليه‌السلام أيضا وقد سألوه عن حالة لحقته في الصلاة حتّى خرّ مغشيّا عليه ، فلمّا أفاق قيل له في ذلك ، فقال عليه‌السلام : «ما زلت أردّد هذه الآية على قلبي حتى سمعتها من المتكلّم بها ، فلم يثبت جسمي لمعاينة قدرته (٢).

ففي مثل هذه الدرجة تعظيم الحلاوة ، وبهذا الترقّى يكون العبد ممتثلا لقوله تعالى : (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ) (٣).

وبمشاهدة المتكلّم دون ما عداه يكون ممتثلا لقوله تعالى : (وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) (٤) ، فإنّ رؤية غير الله معه شرك خفيّ لا يخلص منه إلّا برؤيته وحده.

ثمّ إنّ المراد بالتجلّى المذكور في الخبر هو التجلّى الفعليّ بصفة التكلّم الّتي هي من صفات الأفعال ، فمن أدرك بظهوره له به فقد عرف نفسه ، ومن عرفها فقد فقدها : لأنّه لا يتجلّى له حينئذ إلّا الواجب الحقّ ، والقيّوم المطلق الذي بفيضه قامت السّماوات والأرض ، وحينئذ يندكّ بل إنيّته ولا يقدر على الاستقرار ، ولذا يخرّ مغشيّا عليه ، كما كان يعرض كثيرا للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وللأئمّة المعصومين عليهم‌السلام على ما هو معلوم من أحوالهم في آناء الليل وأطراف النّهار.

بل الغشوة العارضة له عند نزول الوحي والإلهام ، وسماع الكلام من الملك العلّام على ما مرّت الإشارة إليه ، والى ما قاله مولانا الصادق عليه‌السلام لمّا سئل عن

__________________

(١) بحار الأنوار ج ٩٢ ص ١٠٧.

(٢) مستدرك الوسائل ج ٤ ص ١٠٧ عن فلاح السائل ص ١٠٧.

(٣) الذاريات : ٥٠.

(٤) الذاريات : ٥١.

٤٨٢

تلك الغشية التي عرضت للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تارة ، هل كان عروضها عند هبوط جبريل عليه‌السلام؟ فقال عليه‌السلام : لا ، إنّ جبريل عليه‌السلام كان إذا أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يدخل عليه حتى يستأذنه ، فإذا دخل قعد بين يديه قعدة العبد ، وإنّما ذلك عند مخاطبة الله عزوجل إيّاه بغير ترجمان وواسطة (١).

أقول : وإليه الإشارة بقوله تعالى : (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) (٢).

بل ربما تعرّض له عليه‌السلام تلك الحالة بالسّماع من البشر المؤدّي إليها أحيانا ففي «المجمع» عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه سمع قارئا يقرأ : (إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً) (٣) الآيات فصعق عليه صلوات الله (٤).

لكنّه ينبغي أن يعلم أنّ هذه الدرجة ليست سهلة التناول لكلّ طالب ، فلا يصدّق بنيلها كلّ مدّع ، وإن ادّعاها بعض أرباب التكلّف من أهل التصوف ، بل ربما يشتعل في قلوبهم نيران محبّة المرد ، ومشاهدة الوجوه الحسان ، أو لغير ذلك من الرّياء ، وطلب الدّنيا ، واغترار النّاس ونحوها من أغراضهم الباطلة ، فيتغنّون بالقرآن ، ويتّخذونها من المزامير والملاهي ، ويرجعون به ترجيّع الملاعب اللاهي ، بل ربما يسمع منهم زفير وشهيق ، ويجتمع الزبد في أشداقهم كالصديد المغليّ على نار ذات الحريق.

__________________

(١) بحار الأنوار ج ١٨ ص ٢٦٠ عن كمال الدين ص ٥١.

(٢) سورة النمل : ٦.

(٣) المزمّل : ١٢.

(٤) مجمع البيان ج ١٠ ص ٣٨٠.

٤٨٣

وقد حذّرنا مولانا الصادق عليه‌السلام منهم بقوله : «إيّاكم ولحون (١) أهل الفسق وأهل الكبائر ، فإنّه سيجيء من بعدي أقوام يرجّعون القرآن ترجيع الغناء والنوح والرهبانيّة ، لا يجوز تراقيهم ، قلوبهم مقلوبة ، وقلوب من يعجبه شأنهم (٢).

وقد مرّ شرح الخبر.

وفي «الكافي» و «المجالس» للصدوق عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قلت : إنّ قوما إذا ذكروا شيئا من القرآن أو حدّثوا به صعق أحدهم حتى ترى أن أحدهم لو قطّعت يداه ورجلاه لم يشعر بذلك؟ فقال عليه‌السلام : سبحان الله ذاك من الشيطان ، ما بهذا أمروا (٣) ، إنّما هو اللّين ، والرقّة والدمعة ، والرجل (٤).

__________________

(١) لحن في قراءته اى طوب بها.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٦١٤ باب ترتيل القرآن ح ٣.

(٣) في الكافي : «ما بهذا نعتوا» وفسرّ بأنّ الله تعالى لم يصف المؤمنين في كتابه بتلك الأوصاف بل وصفهم باللين والرقّة والوجل.

(٤) الكافي ج ٢ ص ٦١٦ باب فيمن يظهر الغشية عند قراءة القرآن ح ١.

٤٨٤

الباب الثالث عشر

في أحكام القراءة

٤٨٥
٤٨٦

القرائة تتّصف بكل من الأحكام الخمسة عدى الإباحة لكونها عبادة ، فالواجب منها قد يكون بأصل الشرع كما في الصّلاة وفي خطبة الجمعة والعيدين ، وقد يكون لعارض كالإجارة ، والنذر ، وشبهه.

والمحرّم منها ما كان مشتملا على الغناء ، أو مؤذيا للمصلّين ، أو مفوّتا لعبادة واجبة ، أو بلسان مغصوب كلسان العبد مع منع مولاه ، أو الأجير مع منع مستأجره ، أو وجوب الإشتغال بغيرها ، أو كانت عزيمة في فريضة ، أو على وجه الإهانة والاستخفاف ، أو موجبة للضرر لترك تقيّة ، ونحوه ، أو القران بين السورتين ، والعزائم للجنب وأختيه ، كما أنّ قراءة غير العزائم للثلاثة مكروهة مطلقا ، أو ما زاد منه على سبع أو سبعين آية.

وروى أيضا : أنّه لا ينبغي قراءة القرآن من سبعة : الراكع ، والسّاجد ، وفي الكنيف ، وفي الحمّام ، والجنب ، والنفساء ، والحائض (١).

والمندوب ما عدا ذلك وربما يتأكّد استحباب القرائة في بعض الأمكنة كالبيوت ، والمساجد ، ومكّة المعظّمة.

ففي «الكافي» بالإسناد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «نورّوا بيوتكم بتلاوة القرآن ، ولا تتخذوها قبورا ، كه فعلت اليهود والنصارى ، صلّوا في الكنائس والبيع وعطّلوا بيوتهم ، فإنّ البيت إذا كثر فيه تلاوة القرآن كثر خيره واتّسع أهله وأضاء

__________________

(١) الخصال ج ٢ ص ٣٥٧ ح ٤٢.

٤٨٧

لأهل السماء ، كما تضيء نجوم السماء لأهل الدنيا» (١).

وفيه ، عن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : البيت الّذي يقرء فيه القرآن ، ويذكر الله عزوجل فيه تكثر بركته ، وتحضر الملائكة وتهجره الشياطين ، ويضيء لأهل السّماء كما تضيء الكواكب لأهل الأرض ، وإنّ البيت الّذي لا يقرأ فيه القرآن ، ولا يذكر الله عزوجل فيه تقلّ بركته ، وتهجره الملائكة ، وتحضره الشياطين (٢).

وفيه ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن أبيه في حديث قال عليه‌السلام : «كان يجمعنا فيأمرنا بالذّكر حتى تطلع الشمس ، ويأمر بالقرائة من كان يقرأ منّا ، ومن كان لا يقرأ منّا أمره بالذكر ، والبيت الّذي يقرأ فيه القرآن ، ويذكر الله عزوجل فيه تكثر بركته (٣).

وفيه ، عنه عليه‌السلام قال : «إنّ البيت إذا كان فيه المسلم يتلوا القرآن يتراءى لأهل السماء كما يتراءى لأهل الدّنيا الكوكب الدرّى في السّماء (٤).

وفي خبر آخر : «إنّ الدار إذا تلي فيها كتاب الله كان لها نور ساطع في السماء تعرف من بين الدور (٥).

وفي «عدّة الداعي» عن الرّضا عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : «اجعلوا لبيوتكم نصيبا من القرآن ، فإنّ البيت إذا قرئ فيه القرآن يسرّ على أهله ، وكثر خيره ، وكان سكّانه في زيادة ، وإذا لم يقرأ فيه القرآن ضيّق على

__________________

(١) بحار الأنوار ج ٩٢ ص ٢٠٠ ح ١٧ عن عدّة الداعي ص ٢١١.

(٢) وسائل الشيعة ج ٤ ص ٨٥ أبواب قراءة القرآن الباب (١٧) ح ٢ من أصول الكافي ص ٥٩٦.

(٣) الوسائل ج ٤ ص ٨٥٠ ح ٢ عن أصول الكافي ص ٥٣٠.

(٤) الوسائل ج ٤ ص ٨٤٩ وص ٨٥٠ ح ١ عن أصول الكافي ص ٥٩٦.

(٥) الوسائل ج ٤ ص ٨٥١ ح ٦ عن رجال الكشي ص ١٤٤ وفيه : (والدّار).

٤٨٨

أهله ، وقلّ خيره ، وكان سكّانه في نقصان (١).

وورد عنهم عليهم‌السلام : «إنّما بنيت المساجد للقرآن» (٢).

وعن أبى جعفر عليه‌السلام أنّه قال : «من ختم القرآن بمكّة من جمعة الى جمعة ، أو أقلّ من ذلك أو أكثر وختمه في يوم جمعة ، كتب الله له من الأجر والحسنات من أوّل جمعة كانت في الدنيا إلى آخر جمعة تكون فيها ، وإن ختمه في سائر الأيّام فكذلك (٣).

وربّما يتأكّد استحباب القرائة في بعض الأزمنة كشهر رمضان ، والليالي ، وفي الصباح والمساء ، وغيرها.

ففي «الكافي» عن أبى جعفر عليه‌السلام قال : «لكلّ شيء ربيع ، وربيع القرآن شهر رمضان (٤).

وفيه ، وفي «ثواب الإعمال» : «ما يمنع التاجر منكم المشغول في سوقه إذا رجع الى منزله أن لا ينام حتى يقرأ سورة من القرآن ، فيكتب له مكان كلّ آية يقرأها عشر حسنات ، وتمحى عنه عشر سيّئات (٥).

وفيهما ، و «المعاني» و «المجالس» عنه عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين ، ومن قرأ خمسين آية كتب من الذاكرين ، ومن قرأ مائة آية كتب من القانتين ، ومن قرأ مأتي آية كتب من

__________________

(١) الوسائل ج ٤ ص ٨٥٠ ح ٥ عن عدّة الداعي ص ٢١٢ وفيه : (تيسّر على اهله).

(٢) بحار الأنوار ج ٨٣ ص ٣٦٣ عن التهذيب ج ٣ ص ٣٥٩ وفيه : (إنّما نصبت المساجد).

(٣) وسائل الشيعة ج ٤ ص ٨٥٢ ح ١ عن أصول الكافي ص ٥٩٧.

(٤) الوسائل ج ٤ ص ٨٥٣ ح ٢ عن أصول الكافي ص ٦٠٦.

(٥) وسائل الشيعة ج ٤ ص ٨٥١ ح ١ عن أصول الكافي ص ٥٩٧ وثواب الأعمال ص ٥٧.

٤٨٩

الخاشعين ، ومن قرأ ثلاثمائة آية كتب من الفائزين ومن قرأ خمسمائة آية كتب من المجتهدين ، ومن قرأ ألف آية كتب له قنطار (١).

وفي «المجالس» : خمسون ألف قنطار ، والقنطار خمسة عشر ألف مثقال من ذهب ، والمثقال أربعة وعشرون قيراطا ، أصغرها مثل جبل أحد ، وأكبرها ما بين السماء والأرض (٢).

وروى الشيخ بالإسناد عن الرّضا عليه‌السلام قال : «ينبغي للرّجل إذا أصبح أن يقرأ بعد التعقيب خمسين آية (٣).

وفي «الأمالى» لابن الشيخ بالإسناد عن بكر بن عبد الله : أنّ عمر دخل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو موقوذ (٤) أو محموم ، فقال : يا رسول الله : ما أشدّ وعكك (٥) ، أو حمّاك؟! فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله له : ما منعني ذلك أن قرأت اللّيلة ثلاثين سورة منها السبع الطول ، فقال : يا رسول الله غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر ، وأنت تجتهد هذا الاجتهاد؟! فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أفلا أكون عبدا شكورا (٦).

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي مرّت إلى بعضها الإشارة.

ويستحبّ قراءة القرآن على كلّ حال وفي كل زمان.

ففي «الكافي» و «المحاسن» عن الصادق عليه‌السلام في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ج ٤ ص ٨٥٢ ح ٢ عن الكافي ص ٥٩٧.

(٢) الوسائل ج ٤ ص ٨٥٢ عن المجالس ص ٣٦.

(٣) الوسائل ج ٤ ص ٨٤٩ ح ٣ من التهذيب ج ١ ص ١٧٤.

(٤) الموقوذ : الشديد المرض.

(٥) الوعك (بفتح الواو وسكون العين المهملة) : ألم الحمّى.

(٦) وسائل الشيعة ج ٤ ص ٨٤٤ ح ١٩ عن أمالي ابن الشيخ ص ٢٥٧.

٤٩٠

قال : وعليك بقرائة القرآن على كل حال» (١).

وفي «عدّة الداعي» عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : قال الله تعالى : «من شغل بقرائة القرآن عن مسألتى أعطيته أفضل ثواب الشاكرين (٢).

وفي «المجالس» عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «عليكم بتلاوة القرآن ، فإنّ درجات الجنة على عدد آيات القرآن فاذا كان يوم القيامة يقال : لقارئ القرآن : اقرأ وارق ، فكلّما قرأ آية رقى درجة (٣).

وفي «المجمع» عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أفضل العبادة قراءة القرآن (٤).

وقد مرّ في الأبواب المتقدمة أخبار كثيرة تدلّ على ذلك فلاحظ.

ويستحبّ الحلّ والارتحال ، وفسرّ بفتح القرآن وختمه.

ففي «الكافي» عن الزهري قال : قلت لعليّ بن الحسين عليهما‌السلام : أيّ الأعمال أفضل؟ قال عليه‌السلام : الحالّ المرتحل ، قلت : وما الحالّ المرتحل؟ قال عليه‌السلام : فتح القرآن وختمه ، فكلّما جاء بأوله ارتحل بآخره (٥).

وعن الصادق عليه‌السلام في «معاني الاخبار» مثله ، إلّا وفيه : «كلّما حلّ في أوّله ارتحل في آخره» (٦).

وفي «ثواب الأعمال» عن الصّادق عليه‌السلام : أنّه قيل له : يا بن رسول الله أيّ

__________________

(١) وسائل الشيعة ج ٤ ص ٨٣٩ ح ١ عن روضة الكافي ص ١٦٢.

(٢) وسائل الشيعة ج ٤ ص ٨٤٤ ح ٢٠ عن عدّة الداعي ص ٢١١.

(٣) الوسائل ج ٤ ص ٨٤٢ ح ١٠ عن المجالس ص ٢١٦.

(٤) مجمع البيان ج ١ ص ١٥.

(٥) أصول الكافي ص ٥٩٤.

(٦) معاني الأخبار ص ٥٨.

٤٩١

الرّحال (١) خير؟ قال عليه‌السلام : الحالّ المرتحل ، قيل : يا بن رسول الله ، وما الحالّ المرتحل؟ قال عليه‌السلام : الفاتح الّذى يفتح القرآن ويختمه ، فله عند الله دعوة مستجابة (٢).

أقول : قال ابن الأثير في «النهاية» : سئل أيّ الأعمال أفضل؟ فقال : الحالّ المرتحل ، قيل : وما ذاك؟ قال : الخاتم المفتتح.

ثم قال : هو الذي يختم القرآن بتلاوته ، ثم يفتتح التلاوة من أوّله ، شبّهه بالمسافر يبلغ المنزل فيحلّ فيه ، ثم يفتتح سيره أى يبتدأ به ، وكذلك قرّاء مكّة إذا ختموا القرآن بالتلاوة ابتدأوا وقرءوا الفاتحة ، وخمس آيات من أوّل سورة البقرة الى قوله : (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ثمّ يقطعون القرائة ، ويسمّون فاعل ذلك الحالّ المرتحل ، أى إنّه ختم القرآن وابتدأ بأوّله ، ولم يفصل بينهما بزمان.

وقيل : أراد بالحالّ المرتحل الغازي الّذي لا يرجع عن غزو إلّا عقّبه بآخر (٣).

ومثله في «مجمع البحرين» باختصار.

وهذا الحكم مشهور بين العامّة أيضا فتوى ورواية ، سيّما بين قرّائهم.

ففي «التيسير» بعد حكاية التكبير عن ابن كثير ، قال : فاذا كبّر في آخر سورة الناس قرأ فاتحة الكتاب وخمس آيات من أوّل سورة البقرة على عدد

__________________

(١) في الوسائل ج ٤ ص ٨٤٣ : (أيّ الرجال خير).

(٢) وسائل الشيعة ج ٤ ص ٨٤٢ ح ٩ عن ثواب الأعمال ص ٥٧.

(٣) نهاية ابن الأثير ج ١ ص ٤٣٠ في حرف الحاء بعده اللّام.

٤٩٢

الكوفيّين الى قوله : (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (١) ثمّ دعا بدعاء الختمة ، وهذا يسمّى الحالّ المرتحل.

قال : وفي جميع ما قدّمناه أحاديث يرويها العلماء يؤيّد بعضهم بعضا تدلّ على صحّة ما فعله ابن كثير.

ومثله في «نظم الشاطبية» و «طيبة النشر» وفي «شرح الأخير» : إنّ قوله : «حلّا وارتحالا» إشارة إلى الحديث المرفوع : «أفضل الأعمال الى الله الحالّ المرتحل» الّذى إذا ختم القرآن عاد فيه ، ثمّ حكى فعل ابن كثير ، قال : وله في فعله هذا دلائل من آثار مرويّة وردت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأخبار مشهورة مستفيضة جاءت عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم.

الى غير ذلك من كلماتهم المتّفقة على هذا المعنى ، إلّا أنّ فيه عندي إشكالا لم أر من تنّبه عليه ، وهو أنّ ظاهر الخبرين المرويّين في «الكافي» (٢) و «ثواب الأعمال» (٣) من طرقنا هو أنّ الحالّ المرتحل هو الذي يفتح القرآن ويأخذ في قراءته ويستمرّ على ذلك مراعيا للترتيب حتّى يختمه ، والظّاهر أنّ المراد أنّ قراءته ليست غير منظّمة ، بحيث كلّما بدأ قرأ من موضع فربّما يتكرّر منه قراءة بعض الآيات ، وربّما لا يتّفق منه قراءة بعضها أصلا ، بل ينبغي أن يكون اهتمامه بالختمة التي بها عند الله تعالى دعوة مستجابة ، ولعلّ قوله في الخبر الأول : «فتح القرآن وختمه وكلّما جاء بأوّله ارتحل بآخره» صريح في ذلك ، وكذا الخبر الثاني ، فالحال هو المفتتح بالقرائة ، والمرتحل هو الفارغ عنه بالاختتام.

__________________

(١) البقرة : ٥.

(٢) أصول الكافي ص ٥٩٤.

(٣) ثواب الأعمال ص ٥٧.

٤٩٣

وأمّا ما رواه ابن الأثير في «النهاية» ، والمرفوع المتقدّم (١) عن «شرح طيبة النشر» فالمراد منهما ان لم يكن ذلك على تقدير صحّة الخبر هو الحثّ والترغيب على الاستكثار من القرائة والمواظبة عليها بحيث كلّما فرغ عن ختمة شرع في اخرى.

واين هذا ممّا قدّره ابن كثير واختلفه وافتراه على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم تبعه فيه بعض من تأخّر عنه على غرّة وغفلة ، مع أنّ الأخبار ساطعة الأنوار فيما ذكرناه من الحثّ على الانتظام والاستكثار.

ويؤيّد ما ذكرناه ما يحكى عن الزمخشري في «الفائق» أنّه قال بعد نقل الخبر : أراد بالحالّ المرتحل المواصل لتلاوة القرآن الّذى يختمه ثم يفتتحه ، شبّهه بالمسفار الذي لا يقدم على أهله فيحلّ إلّا أنشأ سفرا آخر فيرتحل.

بل قد تأمّل بعض العامّة في صحّة الخبر ، وفي كون المراد ذلك ، وفي كون التفسير عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ففي «إبراز المعاني في شرح حرز الأمانى» : أنّ طرق رواية هذا الخبر كلّها تنتهي الى صالح (٢) المرّى وهو وإن كان عبدا صالحا ، لكنّه ضعيف عند أهل الحديث.

قال البخاري في «تاريخه» : منكر الحديث ، وقال النسائي : متروك.

وعلى تقدير صحته فقد اختلف في تفسيره :

فقيل : المراد به ما ذكره القرّاء.

__________________

(١) المراد به : «أفضل الأعمال الحال المرتحل» رواه في كنز العمال ح ١٥ / ٩٥ ح ٤٣٦٤٩.

(٢) هو صالح بن بشير ، ابو بشر المرّى الواعظ البصري المتوفّى (١٧٣) ـ ميزان الاعتدال ج ٢ ص ٢٨٩.

٤٩٤

وقيل : هو إشارة الى تتابع الغزو وترك الإعراض عنه فلا يزال في حلّ وارتحال ، وهذا ظاهر اللفظ ، إذ هو حقيقة في ذلك ، وعلى ما أوّل به القرّاء يكون مجازا.

ثم قال : وقد رووا التفسير فيه مدرجا في الحديث ، ولعلّه من بعض رواته.

ثمّ حكى عن ابن قتيبة تفسير الخبر بالوجهين ، وساق الكلام في ترجيح الثاني ، وأنّ الخبر ضعيف ، فلا ينبغي أن تغتّر بقول مكّى إنّه صحيح ، وأنّ التفسير غير منسوب في كثير من طرق الخبر الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بل روى الأهوازى ، وغيره هذا الخبر بعينه ، ولم ينسب التفسير اليه.

إلى أن قال : ولو صحّ هذا الحديث والتفسير لكان معناه الحثّ على الاستكثار من قراءة القرآن والمواظبة عليها ، فكلّما فرغ من ختمة شرع في اخرى ، اى انّه لا يصرف عن القرآن بعد ختمه ، بل تكون القرآن دأبه وديدنه.

وفي رواية أخرى خرّجها الأهوازى في «الإيضاح» : الحالّ المرتحل الّذى إذا ختم القرآن رجع فيه ، ثمّ ذكر أنّ ابن كثير قد انفرد بهذا الفعل الذي هو التكبير ، وزيادة الحمد والآيات من البقرة الى (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (١).

بل عن ابن غلبون (٢) : أنّه من طريق البزّى وحده ، ولم يفعل هذا قنبل ولا غيره من القرّاء.

بل قد حكى عن أحمد بن حنبل نفيه رأسا. انتهى ملخّصا.

__________________

(١) البقرة : ٥.

(٢) هو ابو الحسن طاهر بن أبى التطّيب عبد المنعم بن عبيد الله بن غلبون الحلبي نزيل مصر والمتوفى بها سنة (٣٩٩) ـ تقريب النشر ص ١٢.

٤٩٥

وقد ظهر من جميع ما مرّ أنّ الظاهر من أخبار الباب هو ما مرّت إليه الإشارة من المعنيين المتقدمين.

نعم قد حكى من طريق العامّة عن أبي بن كعب : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا قرأ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) افتتح من الحمد ، ثمّ قرأ من البقرة إلى (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (١) ثمّ دعا بدعاء الختمة ، ثمّ قام.

بل المحكيّ عن الجزري أنّه صار العمل على هذا في أمصار المسلمين حتّى لا يكاد واحد يختم ختمة إلّا وشرع في اخرى ، سواء ختم ما شرع فيه أم لم يختمه ، نوى ختمه أو لم ينوه ، بل جعل ذلك عندهم من سنّة الختم ، ويسمّون من يفعل هذا الحالّ المرتحل ، أى الذي يحلّ في قراءة آخر الختمة وارتحل الى ختمة اخرى.

وعكس بعض أصحابنا هذا التفسير كالسخاوى ، وغيره ، فقالوا : الحالّ الّذي يحلّ في ختمة عند فراغه من اخرى ، قال : والأوّل أظهر ، وهو الّذي يدلّ عليه تفسير الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

أقول : قد سمعت أنّ الأوفق بل الظاهر من أخبار الأئمّة عليهم‌السلام الذين هم حملة الوحي وخزّان العلم هو المعنى الّذى مرت إليه الإشارة ، بل يعضده ما سمعت من الزمخشري وغيره.

وممّا ينبغي أن يعلم أنّه يجب تعلّم القرآن وتعليمه كفاية ، ويستحبّ عينا أما الأوّل : لحفظ الشريعة ، وبقاء المعجزة ، وتوقّف استنباط الأحكام عليه في الجملة ، مع أنّه من المصالح المهمّة الّتى يجب القيام عليها كفاية ، مضافا إلى

__________________

(١) البقرة : ٥.

٤٩٦

اطلاق الأوامر الّتى ظاهرها الوجوب ، والحمل على الوجوب الكفائي أقرب إلى الحقيقة من الحمل على الاستحباب.

هذا مضافا الى ظهور الإجماع عليه ، كالإجماع على الثاني الذي هو استحبابهما عينا ، مع أنّ الاخبار به مستفيضة.

ففي النبوي : «خياركم من تعلّم القرآن وعلّمه» (١).

وفي العلويّ : «تعلّموا القرآن فإنّه ربيع القلوب» (٢).

وعن أبي جعفر عليه‌السلام في خبر سعد المتقدم بتمامه : «تعلّموا القرآن» (٣).

وعن الصادق عليه‌السلام : «ينبغي للمؤمن أن لا يموت حتى يتعلّم القرآن أو يكون في تعليمه» (٤).

وفي «مجمع البيان» عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ما من رجل علّم ولده القرآن إلّا توجّ الله أبويه يوم القيامة بتاج الملك ، وكسيا حلّتين لم ير الناس مثلهما» (٥).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إذا قال المعلّم للصّبي : قل : بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال الصّبى : بسم الله الرحمن الرحيم ، كتب الله سبحانه براءة للصّبى ، وبرائة لأبويه ، وبراءة للمعلّم من النار (٦).

وفي «الكافي» عن الصادق عليه‌السلام : «قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «تعلّموا القرآن ،

__________________

(١) بحار الأنوار ج ٩٢ ص ١٨٦ ح ٢ عن أمالى الطوسي ج ١ ص ٣٦٧.

(٢) وسائل الشيعة ج ٤ ص ٨٢٥ ح ٧ عن نهج البلاغة.

(٣) الأصول من الكافي ج ٢ ص ٥٩٦.

(٤) الكافي ج ٢ ص ٦٠٧ ح ٣ ـ وعنه الوسائل ج ٤ ص ٨٢٤ ح ٤.

(٥) مجمع البيان ج ١ ص ٩ ـ وعنه الوسائل ج ٤ ص ٨٢٥ ح ٨.

(٦) المجمع ج ١ ص ١٨ ـ وعنه الوسائل ج ٤ ص ٨٢٦ ح ١٦.

٤٩٧

فإنّه يأتي يوم القيامة صاحبه في صورة شابّ جميل شاحب اللون ، فيقول له : أنا القرآن الذي كنت أسهرت ليلك ، وأظمأت هو أجرك ، وأجففت ريقك ، وأسبلت دمعك ... إلى أن قال : فأبشر ، فيؤتى بتاج فيوضع على رأسه ، ويعطى الأمان بيمينه ، والخلد في الجنان بيساره ، ويكسى حلّتين ، ثمّ يقال له : اقرأ وارق ، فكلّما قرأ آية صعد درجة ، ويكسى أبواه حلّتين إن كانا مؤمنين ، ثمّ يقال لهما : هذا لما علّمتما القرآن» (١).

الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي مرّت إليها الإشارة في الباب الثاني.

ومن الأمور التي ينبغي أن يعلم أيضا استحباب حفظ القرآن عن ظهر القلب كلّا أو بعضا ، ولو مع مقاساة الشدّة وتحمّل المشاقّ.

ففي «المجمع» عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «من قرأ القرآن حتّى يستظهره ويحفظه أدخله الله الجنّة ، وشفّعه في عشرة من أهل بيته كلّهم قد وجبت له النار» (٢).

وعنه عليه‌السلام قال : «حملة القرآن في الدنيا عرفاء أهل الجنّة يوم القيامة» (٣).

وفي «الكافي» عن الصّادق عليه‌السلام قال : «الحافظ للقرآن العامل به مع السفرة الكرام البررة» (٤).

وفيه ، وفي «ثواب الأعمال» عنه عليه‌السلام قال : «من شدّد عليه في القرآن كان له أجران ، ومن يسّر عليه كان مع الأوّلين» (٥).

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٦٠٣.

(٢) مجمع البيان ج ١ ص ١٦ ـ وعنه الوسائل ج ٤ ص ٨٢٦ ح ١٤.

(٣) مجمع البيان ج ١ ص ١٦.

(٤) الكافي ج ٢ ص ٦٠٣ ح ٢.

(٥) الكافي ج ٢ ص ٦٠٦ ح ٢ ـ ثواب الأعمال ص ١٢٥ ح ١ وعنهما الوسائل ج ٤ ص ٨٣٣ ح ٣.

٤٩٨

وفيهما ، عنه عليه‌السلام قال : «إنّ الّذى يعالج (١) القرآن ويحفظه بمشقّة منه وقلّة حفظه له أجران» (٢).

اعلم أنّه قد روى الشيخ أبو جعفر الطوسي في «مصباح المتهجد» : أنّه من أراد حفظ القرآن فليصلّ أربع ركعات ليلة الجمعة يقرأ في الاولى : فاتحة الكتاب وسورة يس ، وفي الثانية : الحمد ، والدخان ، وفي الثالثة : الحمد والم تنزيل (السجدة) ، وفي الرابعة : الحمد ، وتبارك الذي بيده الملك ، فاذا فرغ من التشهّد حمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله واستغفر للمؤمنين ، وقال : اللهمّ ارحمني بترك المعاصي أبدا ما أبقيتني ، وارحمني من أن أتكلّف طلب ما لا يعنيني ، وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عنّي ، أللهمّ يا بديع السماوات والأرض ، ذا الجلال والإكرام ، والعزّة التي لا ترام ، أسئلك يا الله ، يا رحمن ، بجلالك ونور وجهك أن تلزم قلبي حفظ كتابك كما علّمتنيه ، وارزقني أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عنّي وأسألك أن تنوّر بكتابك بصري ، وتطلق به لساني ، وتفرّج به قلبي ، وتشرح به صدري ، وتستعمل به بدني ، وتقوّيني على ذلك وتعينني عليه ، فإنّه لا يعينني على الخير غيرك ، ولا يوفّق له إلّا أنت (٣).

ومن الوظائف : أنّه بعد تعلّمه ، أو حفظه ، كلّا ، أو بعضا لا ينبغي تركه تركا يؤدّي إلى النسيان.

ففي «الكافي» بالإسناد عن يعقوب الأحمر ، قال : قلت : جعلت فداك إنّه أصابتنى هموم ، وأشياء لم يبق شيء من الخير إلّا وقد تفلّت منّى منه طائفة ،

__________________

(١) عالج الشيء : زواله.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٦٠٦ ح ١ ـ ثواب الأعمال ص ١٣٧.

(٣) مصباح المتهجد ص ١٨٤ وعنه البحار ج ٨٩ ص ٢٨٨ ح ٣.

٤٩٩

حتى القرآن لقد تفلّت منّى طائفة منه.

قال : ففزع عند ذلك حين ذكرت القرآن ، ثم قال عليه‌السلام : إنّ الرجل لينسى السورة من القرآن فتأتيه يوم القيامة حتى تشرف عليه من درجة من بعض الدّرجات فتقول : السلام عليك ، فيقول : وعليك السلام من أنت؟ فتقول : أنا سورة كذا وكذا ، ضيّعتني وتركتني ، أما لو تمسّكت بى بلغت بك هذه الدرجة ... الخبر (١).

وقد مرّ أيضا أنّ الأخبار الدالّة بظاهرها على حرمة الترك المؤدّي إلى النسيان كالمرويّ في «الفقيه» و «عقاب الأعمال» عن الصّادق عليه‌السلام ، عن آبائه عليهم‌السلام في حديث المناهي أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ألا ومن تعلّم القرآن ثمّ نسيه لقى الله يوم القيامة مغلولا يسلّط الله بكلّ آية منها حيّة تكون قرينة الى النار إلّا أن يغفر له (٢).

فلعلّه محمول على ترك العمل به ، أو على التّرك الناشئ من التهاون والاستخفاف به.

ويؤيّده أنّ في «عقاب الأعمال» : «ثمّ نسيه متعمّدا» ، على ما فسرّ في الأخبار.

ويؤيّده أيضا نفى الحرج عنه في قول الصادق عليه‌السلام لسعيد بن عبد الله الأعرج ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرّجل يقرأ القرآن ثمّ ينساه ، ثمّ يقرأه ثمّ

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٦٠٨ ح ٦ ـ منه الوسائل ج ٤ ص ٨٤٦ ح ٤.

(٢) من لا يحضره الفقيه ج ٤ ص ١٢ ـ عقاب الأعمال ص ٣٣٢.

٥٠٠