تفسير الصراط المستقيم - ج ٢

آية الله السيّد حسين البروجردي

تفسير الصراط المستقيم - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيّد حسين البروجردي


المحقق: الشيخ غلامرضا بن علي أكبر مولانا البروجردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: پاسدار إسلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

الكفر.

فالآيات المتضمّنة لفروع الإيمان وأحكامه ووعده وجزائه ، وجميع الطّاعات والعبادات ، والفرائض والسنن ، والقصص المتعلّقة بأهل الإيمان من الأنبياء والمرسلين ، والملائكة والشهداء والصالحين والصّديقين ، والمستضعفين كلّها نزلت في شيعتهم.

والآيات المتضمّنة للكفر والنّفاق والشّرك ، ومتابعة الأهواء والفحشاء ، والظّلم ، والنّواهى المتعلّقة بها ، والوعيد والتهديد على ذلك ، والسجّين ، والظلمة ، والقسوة ، والقصص المتعلّقة بالكفّار ، والفرق كلّها ، ممّا نزلت في أعدائهم ، ولذا قالوا : «إنّ آيات القرآن نزلت أثلاثا : فثلث فينا ، وثلث في شيعتنا ، وثلث في أعدائنا».

بل وإليه يئول ما ورد من أنّها نزلت أرباعا : ربع فينا ، وربع في أعدائنا ، وربع فرائض وأحكام ، وربع حلال وحرام.

فإنّ الأخيرين يؤولان إلى الأوّلين على ما سمعت من التقريب.

ثالثها : أنّهم عليهم‌السلام أصل كلّ خير وبرّ وشرف وإحسان ، ومنهم ينشعب جميع الخيرات والذّوات السعيدة الصّالحة حتّى علييّن وما خلق منه من طين المؤمنين والملائكة والجنان ، والأفعال الحسنة والأقوال الصالحة الصّادقة ، والهيئات والأشكال المليحة ، والروائح والألوان الطيّبة ، وغير ذلك ممّا يتعلّق بالتكوينيّات ، وكذا التشريعيّات في العبادات ، والطاعات المفترضة والمندوبة ، ولذا قالوا : «نحن أصل كلّ خير وبرّ ، ومن فروعنا كلّ برّ ، ومن البرّ التوحيد ،

٢٢١

والصّلاة والصّيام ... الى آخر ما مرّ (١).

وفي أخبار طينة الأنبياء والمؤمنين إشارات إلى ذلك ، مثل ما ورد «أنّ جميع الأنبياء والملائكة والمؤمنين ، بل الجنّة والسماوات والحجب ، والسرادقات ، والأعمال الصّالحة كلّها خلقت من فاضل أشعّة أنوارهم عليهم‌السلام ، وأنّ قلوب شيعتهم خلقت من فاضل طينة أبدانهم عليهم‌السلام ، وأنّ شيعته منهم لأنّهم خلقوا من شعاع طينتهم (٢).

ونظير ذلك كلّه في جانب الشرور والمفاسد والقبايح من طينة خبال وسجّين ، والنار ، وما خلق منها من الذّوات والكينونات ، والصفات والملكات ، والأفعال ، والخطرات ، والأقوال ، والأشكال والهيئات الى غير ذلك من الفروع ، وفروع الفروع ، وهلّم جرّا.

فالقرآن كلّه بهذا الإعتبار إنّما نزل فيهم وفي أعدائهم بعد ملاحظة الأصول والفروع.

بل الكون الكبير وعالم التكوين منقسم الى نور وظلمة ، وخير وشرّ ، وحسن وقبح ، واستقامة وانحراف ، إلى غير ذلك من الأضداد ، فهم أصل الخير وفرعه ، ومعدنه ومأواه ومنتهاه ، كما أنّ أعدائهم أصل الشرّ وفرعه ... إلخ.

ولذا وقع التّعبير عنه بجملة من فروعهم تلويحا وتكنية للمؤمنين ، وسترا وتقيّة عن المخالفين ، فيعبّر عنهم بالصلاة ، والزكاة ، والحجّ ، والكعبة ، وغيرها ، حسبما سمعت في الأخبار المتقدمة ، وغيرها ، كما أنّه يعبّر عن أعدائهم بالجبت ،

__________________

(١) بحار الأنوار ج ٢٤ ص ٣٠٣ عن كنز الفوائد ص ٢ ـ ٣.

(٢) البحار ج ٢٥ ص ١ إلى ص ٣٣.

٢٢٢

والطاغوت ، والشيطان ، والخمر ، والميسر ، والرّجس ، وغير ذلك.

قال مولانا الصادق عليه‌السلام فيما كتبه في جواب المفضّل على ما رواه في «البصائر» في خبر طويل :

«إنّ الله تبارك وتعالى أحلّ حلالا وحرّم حراما إلى يوم القيامة ، فمعرفة الرّسل وولايتهم وطاعتهم هو الحلال ، فالمحلّل ما حلّلوا ، والمحرّم ما حرّموا ، وهم أصله ، ومنهم الفروع الحلال ، وذلك سعيهم ، ومن فروعهم أمرهم شيعتهم ، وأهل ولايتهم بالحلال وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم شهر رمضان ، وحجّ البيت والعمرة ، وتعظيم حرمات الله ومشاعره. وتعظيم البيت الحرام ، والمسجد الحرام ، والشهر الحرام ، والطهور والاغتسال من الجنابة ، ومكارم الأخلاق ومحاسنها ، وجميع البرّ ، ثمّ ذكر بعد ذلك فقال في كتابه : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (١).

فعدوّهم هم الحرام المحرّم ، وأوليائهم الداخلون في أمرهم الى يوم القيامة ، فهم الفواحش وما ظهر منها وما بطن والخمر والميسر ، والزنا والرّبا ، والدم ، ولحم الخنزير ، فهم الحرام المحرّم ، وأصل كلّ حرام ، وهم الشرّ وأصل كلّ شر ، ومنهم فروع الشرّ كلّه ، ومن تلك الفروع الحرام ، واستحلالهم إيّاها ، ومن فروعهم تكذيب الأنبياء ، وجحود الأوصياء وركوب الفواحش : الزنا ، والسرقة ، وشرب الخمر والمسكر ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الربا ، والخدعة ، والخيانة ، وركوب المحارم كلّها ، وانتهاك المعاصي.

__________________

(١) سورة النحل : ٩٠.

٢٢٣

وإنّما أمر الله بالعدل ، والإحسان ، وإيتاء ذي القربى يعنى مودّة ذي القربى وابتغاء طاعتهم ، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ، وهم أعداء الأنبياء وأوصياء الأنبياء ، وهم المنهيّ من مودّتهم وطاعتهم ، يعظكم بهذه لعلّكم تذكّرون.

وأخبرك أنّي لو قلت لك : إنّ الفاحشة ، والخمر ، والميسر ، والزّنا ، والميتة ، والدّم ، ولحم الخنزير هو رجل ، وأنا أعلم أنّ الله قد حرّم هذا الأصل وحرّم فرعه ونهى عنه ، وجعل ولايته كمن عبد من دون الله وثنا وشركا ، ومن دعا الى عبادة نفسه فهو كفرعون إذ قال : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) (١) فهذا كلّه على وجه إن شئت قلت : هو رجل وهو الى جهنّم ومن شايعه على ذلك فإنّهم مثل قول الله :

(إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ) (٢) لصدقت ، ثمّ إنّي لو قلت : إنّه فلان ذلك كلّه لصدقت : إنّ فلانا هو المعبود المتعدّي حدود الله الّتي نهي أن يتعدّى.

ثمّ إنّي أخبرك إنّ الدين وأصل الدين هو رجل ، وذلك الرجل هو اليقين ، وهو الإيمان ، وهو إمام أمّته وأهل زمانه ، فمن عرفه عرف الله ودينه ، ومن أنكره أنكره الله ودينه ، ومن جهله جهل الله ودينه ، ولا يعرف الله ودينه وحدوده وشرائعه بغير ذلك الإمام ، كذلك جرى بأنّ معرفة الرجال دين الله (٣).

والمعرفة على وجهين : معرفة ثابتة على بصيرة يعرف بها دين الله ، ويوصل بها الى معرفة الله ، فهذه المعرفة الباطنة الثابتة الموجبة حقّها المستوجب

__________________

(١) النازعات : ٢٤.

(٢) البقرة : ١٧٣.

(٣) في نسخة : «فذلك معنى أنّ معرفة الرّجال دين الله».

٢٢٤

أهلها عليها الشكر لله الّتى منّ عليهم بها منّ من الله يمنّ به على من يشاء ، مع المعرفة الظاهرة ، فأهل المعرفة في الظاهر الذين علموا أمرنا بالحقّ على غير علم لا يلحق بأهل المعرفة في الباطن عن بصيرتهم ، ولا يصلوا بتلك المعرفة المقصرة إلى حقّ معرفة الله كما قال في كتابه : (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (١).

فمن شهد شهادة الحقّ لا يعقد عليه قلبه ولا يبصر ما يتكلّم به لا يثاب عليه مثل ثواب من عقد قلبه وثبت على بصيرة ، وكذلك من تكلّم بجور لا يعقد عليه قلبه لا يعاقب عليه عقوبة من عقد عليه قلبه وثبت ، فقد عرفت كيف كان حال رجال أهل المعرفة في الظاهر والإقرار بالحقّ على غير علم في قديم الدّهر وحديثه إلى أن انتهى الأمر إلى نبيّ الله ، وبعده إلى من صاروا؟

إلى من انتهت إلى معرفتهم ، وإنّما عرفوا بمعرفة أعمالهم ودينهم الّذي دان الله به المحسن بإحسانه والمسيء بإسائته ، وقد يقال : إنّ من دخل في هذا الأمر بغير يقين ولا بصيرة خرج منه كما دخل فيه ، رزقنا الله وإيّاك معرفة ثابتة على بصيرة.

وأخبرك أنّى لو قلت : إنّ الصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان ، والحجّ والعمرة ، والمسجد الحرام ، والبيت الحرام ، والمشعر الحرام ، والطهور ، والاغتسال من الجنابة ، وكل فريضة كان ذلك هو النبي الّذى جاء به من عند ربّه لصدقت ، لأنّ ذلك كلّه إنّما يعرف بالنبيّ ، ولو لا معرفة ذلك النبيّ والإيمان به والتسليم له ما عرف ذلك ، فذلك منّ الله على من يمنّ عليه ، ولو لا ذلك لم نعرف

__________________

(١) الزخرف : ٨٦.

٢٢٥

شيئا من هذا ، فهذا كلّه ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأصله وفرعه ، وهو دعاني إليه ، ودلّني عليه ، وعرّفنيه ، وأمرنى به ، وأوجب عليّ له الطاعة فيما أمرني به لا يسعني جهله ، وكيف يسعني جهل من هو فيما بيني وبين الله ، وكيف يستقيم لي لو لا أنّي أصف أنّ ديني هو الّذى أتانى به ذلك النبيّ ، أن أصف أنّ الدين غيره؟ وكيف لا يكون ذلك معرفة الرّجل ، وإنّما هو الّذى جاء به من عند الله ... إلى أن قال : فالله تبارك وتعالى إنّما أحبّ أن يعرف بالرّجال ، وأن يطاع بطاعتهم ، فجعلهم سبيله ، ووجهه الذي يؤتى منه ، لا يقبل الله من العباد غير ذلك ، لا يسئل عمّا يفعل وهم يسألون ، فقال فيما أوجب من محبّته لذلك :

(مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) (١).

فمن قال لك : إنّ هذه الفرائض كلّها إنّما هي رجل ، وهو يعرف حدّ ما يتكلّم به فقد صدق ، ومن قال على الصفة الّتى ذكرت بغير الطاعة فلا يغني التمسّك بالأصل بترك الفرع ، كما لا تغني شهادة أن لا إله إلّا الله بترك شهادة أنّ محمّدا رسول الله. ولم يبعث الله نبيّا قطّ إلّا بالبرّ والعدل ، والمكارم ، ومحاسن الأخلاق ، والنهى عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، فالباطن منه ولاية أهل الباطل ، والظاهر منه فروعهم ، ولم يبعث الله نبيّا قطّ يدعو الى معرفة ليس معها طاعة في أمر أو نهى ، فإنّما يقبل الله من العباد العمل بالفرائض الّتى افترضها الله على حدودها مع معرفة من جاءهم به من عنده ودعاهم إليه ... الخبر بطوله (٢).

__________________

(١) النساء : ٨٠.

(٢) بحار الأنوار ج ٤ ص ٢٨٦ ـ ص ٢٩٨ نقلا عن البصائر ص ١٥٤.

٢٢٦

رابعها : ما نبّه عليه بعض (١) الأعلام في هذا المقام. وهو أنّ أحكام الله سبحانه إنّما تجري على الحقائق الكلّية والمقامات النوعيّة دون خصائص الأفراد والآحاد ، فحيثما خوطب قوم بخطاب أو نسب إليهم فعل دخل في ذلك الخطاب وذلك الفعل عند العلماء وأولى الألباب كلّ من كان من سنخ أولئك القوم وطينتهم ، فصفوة الله تعالى حيثما خوطبوا بمكرمة أو نسبوا إلى أنفسهم مكرمة يشمل ذلك كلّ من كان من سنخهم وطينتهم من الأنبياء والأولياء ، وكلّ من كان من المقرّبين إلّا مكرمة خصّوا بها دون غيرهم ، وكذلك إذا خوطبت شيعتهم بخير أو نسب إليهم خير أو خوطب أعدائهم بسوء ، ونسب إليهم سوء يدخل في الأوّل كلّ من كان من سنخ شيعتهم وطينة محبّيهم ، وفي الثاني كلّ من كان من سنخ أعدائهم وطينة مبغضيهم من الأوّلين والآخرين ، وذلك لأنّ كلّ من أحبّه الله ورسوله أحبّه كلّ مؤمن من ابتداء الخلق إلى انتهائه ، وكلّ من أبغضه الله ورسوله أبغضه كلّ مؤمن ، كذلك هو يبغض كلّ من أحبّه الله تعالى ورسوله ، فكلّ مؤمن في العالم قديما أو حديثا إلى يوم القيامة فهو من شيعتهم ومحبّيهم ، وكلّ جاحد في العالم قديما أو حديثا الى يوم القيامة فهو من مخالفيهم ومبغضيهم.

وقد وردت الإشارة الى ذلك في كلام الصادق عليه‌السلام في حديث المفضّل بن عمر ، وهو الّذى رواه الصدوق طاب ثراه في كتاب «علل الشرائع» باسناده الى المفضّل بن عمر قال : قلت لأبى عبد الله عليه‌السلام : بما صار عليّ أبى طالب عليه‌السلام قسيم الجنّة والنّار؟ قال : لأنّ حبّه إيمان وبغضه كفر ، وإنّما خلقت الجنّة لأهل الإيمان

__________________

(١) هو الشيخ الأجلّ العالم الربّانى والفاضل الصمداني محمد محسن الفيض الكاشاني المتوفّى سنة (١٠٩١ ه‍) ومرقده معروف في كاشان موئل للزائرين والعاكفين وما نبّه عليه في «تفسير الصافي» المقدمة الثالثة.

٢٢٧

وخلقت النّار لأهل الكفر ، فهو عليه‌السلام قسيم الجنّة والنّار لهذه العلّة ، والجنّة لا يدخلها إلّا أهل محبّته ، والنار لا يدخلها إلّا أهل بغضه ، قال المفضّل : يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فالأنبياء والأوصياء هل كانوا يحبّونه وأعداؤهم يبغضونه؟ فقال : نعم ، قلت : فكيف ذلك؟ قال : أما علمت أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال يوم خيبر : لاعطينّ الرّاية غدا رجلا يحبّ الله تعالى ورسوله ويحبّه الله ورسوله ، ما يرجع حتّى يفتح الله على يده؟ قلت : بلى ، قال : أما علمت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا أوتي بالطير المشويّ قال : أللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معى هذا الطير ، وعنى به عليّا؟ قلت : بلى ، قال : يجوز أن الا يحبّ أنبياء الله ورسله وأوصيائهم عليهم‌السلام رجلا يحبه الله ورسوله ، ويحبّ الله ورسوله؟ فقلت : لا ، قال : فهل يجوز أن يكون المؤمنون من أممهم لا يحبّون حبيب الله وحبيب رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنبيائه؟ قلت : لا ، قال : فقد ثبت أنّ جميع أنبياء الله ورسله وجميع المؤمنين كانوا لعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام محبّين ، وثبت أنّ المخالفين لهم كانوا له ولجميع أهل محبّته مبغضين ، قلت : نعم ، قال : فلا يدخل الجنّة إلّا من أحبّه من الأوّلين والآخرين ، فهو إذن قسيم الجنّة والنّار ، قال المفضّل : فقلت له : يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فرجّت عنّي فرّج الله عنك فزدني ممّا علّمك الله تعالى ، فقال : سل يا مفضّل ، فقلت : أسأل يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام يدخل محبّه الجنّة ومبغضه النار أو رضوان ومالك؟ فقال : يا مفضّل أما علمت أنّ الله تبارك وتعالى بعث رسوله وهو روح الى الأنبياء عليهم‌السلام وهم أرواح قبل خلق الخلق بألفى عام؟ قلت : بلى قال : أما علمت أنّه دعاهم إلى توحيد الله وطاعته ، واتّباع أمره ، ووعدهم الجنّة على ذلك ، وأوعد من خالف ما أجابوا إليه وأنكره النار؟ فقلت : بلى ، قال عليه‌السلام : أفليس النبي ضامنا لما وعد وأوعد عن ربّه عزوجل؟ قلت : بلى ، قال عليه‌السلام : أو ليس على بن أبي طالب عليه‌السلام خليفته وإمام أمّته؟ قلت : بلى ، قال عليه‌السلام : أو ليس رضوان ومالك من جملة

٢٢٨

الملائكة المستغفرين لشيعته الناجين بمحبّته؟ قلت : بلى ، قال عليه‌السلام : فعليّ بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه إذن قسيم الجنّة والنّار عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورضوان ومالك صادران عن أمره بأمر الله تبارك وتعالى ، يا مفضّل خذ هذا فإنّه من مخزون العلم ومكنونه لا تخرجه إلّا إلى أهله (١).

أقول : أنّ مجرّد السنخيّة والنوعيّة وإن أفاد شمول الخطابات وعموم الأحكام بعد مساعدة ما يدلّ على عموم الموضوع تنزيلا أو تأويلا إلّا أنّه لا يقضى باختصاص القرآن بهم وبشيعتهم وأعدائهم إلّا مع ملاحظة الأصالة التبعيّة حسبما سمعت فيما استفدناه من الأخبار ، وإلّا فكلّ الناس في ذلك شرع سوء ، فأين الإختصاص ، وعلى كلّ حال فالأخبار متواترة على نزول القرآن فيهم وفي شيعتهم وفي أعدائهم ، بل هذا الأمر كان مشهورا عند المؤالف والمخالف.

ففي الاحتجاج عن سليم بن قيس قال : قدم معاوية بن أبي سفيان حاجّا في خلافته فاستقبله أهل المدينة ، فنظر فإذا الّذين استقبلوه ما منهم قرشي فلمّا نزل قال : ما فعلت الأنصار وما بالهم لم يستقبلوني؟

فقيل لهم : إنّهم محتاجون ليس لهم دوابّ ، فقال معاوية : وأين نواضحهم؟ فقال قيس (٢) بن سعد بن عبادة ، وكان سيّد الأنصار وابن سيّدها : أفنوها يوم بدر وأحد وما بعدهما من مشاهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين ضربوك وأباك على الإسلام

__________________

(١) تفسير الصافي ج ١ ص ١٥ المقدمة الثالثة عن علل الشرائع ص ٦٥ ـ بحار الأنوار ج ٣٩ ص ١٩٤ عن العلل.

(٢) قيس بن سعد بن عبادة بن دليم الأنصارى الخزرجي المدني صحابيّ من دهاة العرب وأجوادهم ، كان بين يدي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بمنزلة الشرطي من الأمير ، وكان من أطول الناس وأجملهم ، هرب من معاوية سنة (٥٨) ، وسكن تفليس فمات بها سنة (٦٠) ، الاعلام ج ٦ / ٥٦.

٢٢٩

حتى ظهر أمر الله وهم كارهون.

ثمّ إنّ معاوية مرّ بحلقة من قريش فلمّا رأوه قاموا غير عبد الله ابن عبّاس ، فقال له : يا بن عبّاس ما منعك من القيام كما قام أصحابك إلّا لموجدة أنّي قاتلتكم بصفّين فلا تجد من ذلك يا ابن عبّاس فإنّ ابن عمّى عثمان قتل مظلوما ، قال ابن عبّاس : فعمر بن الخطّاب قد قتل مظلوما ، قال : إنّ عمر قتله كافر ، قال ابن عبّاس : فمن قتل عثمان؟ قال : قتله المسلمون ، قال : فذلك أدحض لحجّتك.

قال : فإنّا قد كتبنا في الآفاق ننهى عن ذكر مناقب عليّ وأهل بيته فكفّ لسانك ، فقال : يا معاوية أتنهانا عن قراءة القرآن؟ قال : لا ، قال : أفتنهانا عن تأويله؟ قال : نعم ، قال : فنقرأ ولا نسأل عمّا عنى الله به ، ثمّ قال : فأيّهما أوجب علينا قراءته أو العمل به؟ قال : العمل به ، قال : كيف العمل به ولا نعلم ما عنى الله؟ قال : سل عن ذلك من يتأوّله على غير ما تتأوّله أنت وأهل بيتك ، قال : إنّما أنزل القرآن على أهل بيتي أسأل عنه آل أبي سفيان؟ يا معاوية أتنهانا أن نعبد الله تعالى بالقرآن بما فيه من حلال وحرام فإن لم تسأل الامّة عن ذلك حتى تعلم تهلك وتختلف ، قال : اقرءوا القرآن وتأوّلوه ولا ترووا شيئا ممّا أنزل الله فيكم وارووا ما سوى ذلك ، قال : فإنّ الله تعالى يقول في القرآن : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) (١) قال : يا ابن عبّاس اربع (٢) على نفسك وكفّ لسانك ، وإن كنت لا بدّ فاعلا فليكن ذلك سرّا لا يسمعه أحد علانية ، ثمّ رجع إلى بيته ، فبعث إليه بمائة ألف درهم ، ونادى منادي معاوية : أن برئت الذمّة ممّن يروى حديثا من مناقب عليّ وفضل أهل

__________________

(١) التوبة : ٣٢.

(٢) اربع عليك أو على نفسك أو على ضلعك : اى توقّف.

٢٣٠

بيته عليهم‌السلام ... الخبر بطوله (١).

ورواه سليم بن قيس في كتابه بوجه أبسط ، وفيه : أنّه قال ابن عبّاس : إنّما أنزل القرآن على أهل بيتي فأسأل عنه آل أبي سفيان ، وآل أبي معيط ، واليهود ، والنصارى ، والمجوس ، قال : فقد عدلتني بهؤلاء ، قال : لعمري ما أعدلك بهم إلّا إذا نهيت الأمّة أن يعبدوا الله بالقرآن بما فيه من أمر أو نهى ، أو حلال أو حرام ، أو ناسخ أو منسوخ ، أو عامّ أو خاصّ ، أو محكم أو متشابه ، وإن لم تسأل الأمّة عن ذلك هلكوا واختلفوا وتاهوا (٢).

خامسها : أنّ لمولانا أمير المؤمنين وذريّته المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين في كتاب الله أسماء شريفة وألقابها منيفة كما أشير إلى بعض منها في الأخبار المتقدّمة.

وفي «المناقب» مسندا عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : وخطب أمير المؤمنين علي بن أبى طالب عليه‌السلام بالكوفة عند منصرفه من النهروان ، وبلغه أنّ معاوية يسبه ويعيبه ويقتل أصحابه فقام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذكر ما أنعم الله تعالى على نبيّه وعليه ، ثمّ قال : لو لا آية في كتاب الله تعالى ما ذكرت ما أنا ذاكره في مقامي هذا ، يقول الله عزوجل : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (٣) اللهمّ لك الحمد على نعمك الّتى لا تحصى ، وفضلك الّذي لا ينسى ، يا أيّها النّاس إنّه بلغني ما بلغني ، وإنّي قد أراني قد اقترب أجلى ، وكأنّي بكم وقد جهلتم أمرى ، وإنّي تارك فيكم ما تركه رسول الله : كتاب الله وعترتي ، وهي عترة الهادي النّجاة : خاتم الأنبياء ، وسيّد النجباء ، والنبيّ

__________________

(١) الإحتجاج للطبرسي ج ٢ ص ١٥ ط النجف الأشرف.

(٢) الإحتجاج للطبرسي ج ٢ ص ١٥ ط النجف الأشرف.

(٣) الضحى : ١١.

٢٣١

المصطفى ، يا أيها النّاس لعلّكم لا تسمعون قائلا يقول مثل قولي بعدي إلّا مفتر ، أنا أخو رسول الله ، وابن عمّه ، وسيف نقمته ، وعماد نصرته وبأسه وشدّته ، أنا رحى جهنّم الدائرة ، وأضراسها الطاحنة ، أنا مؤتم البنين والبنات ، أنا قابض الأرواح ، وبأس الله الّذى لا يردّه عن القوم المجرمين ، أنا مجدّل الأبطال ، وقاتل الفرسان ، ومبيد من كفر بالرحمن ، وصهر خير الأنام ، أنا سيّد الأوصياء ، ووصيّ خير الأنبياء ، أنا باب مدينة العلم ، وخازن علم رسول الله ووارثه ، أنا زوج البتول سيّدة نساء العالمين ، فاطمة التقيّة النقيّة الزكيّة البرّة المهديّة حبيبة حبيب الله ، وخير بناته وسلالته ، وريحانة رسول الله ، سبطاه خير الأسباط ، وولداي خير الأولاد ، هل أحد ينكر ما أقول؟

أين مسلموا أهل الكتاب؟ أنا اسمى في الإنجيل أليا ، وفي التوراة بريّا ، وفي الزّبور أديّ ، وعند الهند كبكر ، وعند الروم بطريا وعند الفرس جبتر ، وعند الترك بثير ، وعند الزنج حيتر ، وعند الكهنة بوىء ، وعند الحبشة بثريك ، وعند أمّي حيدرة ، وعند ظئرى (١) الميمون ، وعند العرب عليّ ، وعند الأرمن فريق وعند أبي ظهير ، ألا وإنّي مخصوص في القرآن بأسماء احذروا أن تغلبوا عليها فتضلّوا في دينكم ، يقول الله عزوجل : «إنّ الله مع الصادقين» (٢).

وأنا المؤذّن في الدّنيا والآخرة ، قال الله عزوجل : (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (٣) أنا ذلك المؤذّن ، وقال : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ

__________________

(١) الظئر (بكسر الظاء) : العاطفة على ولد غيرها ـ المرضعة لولد غيرها.

(٢) ليست هذه الجملة بعينها في القرآن ولكن مفادها يستفاد من سورة البقرة الآية (١٧٧) والآية (١٩٤).

(٣) الأعراف : ٤٣.

٢٣٢

وَرَسُولِهِ) (١).

وأنا المحسن يقول الله عزوجل : (إِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (٢) وأنا ذو القلب يقول الله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) (٣) وأنا الذّاكر يقول الله : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ) (٤).

ونحن أصحاب الأعراف : أنا وعمّى ، وأخي ، وابن عمّى ، والله فالق الحبّ والنوى لا يلج النار لنا محبّ ، ولا يدخل الجنّة لنا مبغض ، يقول الله عزوجل : (وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ) (٥).

وأنا الصّهر ، يقول الله عزوجل : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً) (٦).

وأنا الاذن الواعية ، يقول الله عزوجل : (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) (٧).

وانا السلم لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، يقول الله عزوجل : (وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ) (٨).

ومن ولدي مهديّ هذه الامّة ، ألا وقد جعلت محنتكم ، ببغضي يعرف المنافقون ، وبمحنتى امتحن الله المؤمنين ، هذا عهد النبي الامّي : «ألا إنّه لا يحبّك

__________________

(١) التوبة : ٣.

(٢) العنكبوت : ٦٩.

(٣) ق : ٣٦.

(٤) آل عمران : ١٨٨.

(٥) الأعراف : ٤٤.

(٦) الفرقان : ٥٦.

(٧) الحاقّة : ١٢.

(٨) الزمر : ٣٠.

٢٣٣

إلّا مؤمن ولا يبغضك إلّا منافق» ، وأنا صاحب لواء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الدّنيا والآخرة ، ورسول الله فرطي ، وأنا فرط شيعتي ، والله لا عطش محبّى ، ولا خاف وليّي ، أنا وليّ المؤمنين ، والله وليّي ، حسب محبّى أن يحبّوا ما أحبّ الله ، وحسب مبغضي أن يبغضوا ما أحب الله ، ألا وإنّه بلغني أنّ معاوية سبّنى ولعنني ، أللهمّ اشدد وطأتك عليه وأنزل اللّعنة على المستحقّ ، آمين ربّ العالمين ، ربّ إسماعيل ، وباعث إبراهيم إنّك حميد مجيد».

ثمّ نزل عليه‌السلام عن أعواده فما عاد إليها حتّى قتله ابن ملجم لعنه الله.

قال جابر (١) : سنأتي على تأويل ما ذكرنا من أسمائه :

أمّا قوله : انا اسمى في الإنجيل «أليا» فهو عليّ بلسان العرب.

وفي التوراة «برىء» قال : بريء من الشرك.

وعند الكهنة «بويء» هو من تبوّء مكانا ، وبوّأ غيره مكانا ، وهو الّذى يبوّء الحقّ منازله ، ويبطل الباطل ويفسده.

وفي الزبور «أدىّ» وهو السّبع الّذي يدقّ العظم ويفرس اللحم.

وعند الهند «كبكر» قال : يقرءون في كتب عندهم فيها ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذكر فيها أن ناصره «كبكر» وهو الّذي إذا أراد شيئا لجّ فيه ولم يفارقه حتّى يبلغه.

وعند الرّوم «بطريسا» قال : مختلس الأرواح.

__________________

(١) هو جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي أبو عبد الله التابعي ، واسع الرواية غزير العلم ، وتوفّى بالكوفة سنة (١٢٨ ه‍) ـ الأعلام ج ٢ / ٩٣.

٢٣٤

وعند الفرس «حبتر» وهو البازي الّذي يصطاد.

وعند الترك «بثير» قال : هو النمر الّذي إذا وضع مخلبه في شيء هتكه.

وعند الزنج «حيتر» قال : وهو الّذي يقطع الأوصال.

وعند الحبشة «بثريك» قال : هو المدمّر على كلّ شيء ، أتى عليه.

وعند أمّى «حيدرة» قال : هو الحازم الرأى ، الخبير النقّاب (١) النظّار في دقائق الأشياء.

وعند ظئرى «ميمون» ، قال جابر : أخبرنى محمّد بن على عليهما‌السلام قال : كانت ظئر علي عليه‌السلام الّتى أرضعته امرأة من بنى هلال ، خلفته في خبائها (٢) ، ومعه أخ له من الرضاعة ، وكان أكبر منه سنّا بسنة إلّا أياما ، وكان عند الخباء قليب ، فمرّ الصبيّ نحو القليب ونكس رأسه فيه فحبا (٣) عليّ عليه‌السلام خلفه ، فتعلّقت رجله بطنب الخيمة ، فجرّ الحبل حتّى أتى على أخيه ، فتعلّق بإحدى رجليه بيده وإحدى يديه بفيه ، فجاءته أمّه وأدركته فنادت يا للححيّ يا للححيّ من غلام ميمون أمسك على ولدي ، فأخذوا الطفل من عند رأس القليب ، وهم يعجبون من قوّته على صباه ولتعلّق رجله بالطنب ولجرّه الطفل حتّى أدركوه فسمّته أمّه ميمونا أى مباركا فكان الغلام في بني هلال يعرف بمعلّق ميمون وولده إلى اليوم.

وعند الأزمن «فريق» قال : الفريق : الجسور الّذي يهابه النّاس.

وعند أبي «ظهير» قال : كان أبوه يجمع ولده وولد إخوته ثمّ يأمرهم

__________________

(١) النقّاب : النافذ في الأمور والذي يبالغ في البحث عنها.

(٢) الخباء (بكسر الخاء) ما يعمل من وبر أو صوف أو شعر للمسكن.

(٣) حبا : الولد : زحف على يديه وبطنه.

٢٣٥

بالصّراع وذلك خلق في العرب. وكان عليّ عليه‌السلام يحسر عن ساعدين له غليظين قصيرين وهو طفل ، ثمّ يصارع كبار إخوته وصغارهم وكبار بنى عمّه وصغارهم فيصرعهم ، فيقول أبوه : ظهر عليّ فسمّى ظهيرا.

وعند العرب عليّ ، قال جابر : اختلف الناس من أهل المعرفة لم سمّي عليّ عليّا ، فقالت طائفة : لم يسمّ أحد من ولد آدم قبله بهذا الاسم في العرب ولا في العجم ، إلّا أن يكون الرجل من العرب يقول : ابني هذا عليّ يريد من العلوّ لا أنّه اسمه ، وإنّما تسمّى الناس به بعده وفي وقته.

وقالت طائفة : سمّى عليّ عليّا لعلوّه على كلّ من بارزه.

وقالت طائفة : سمّي عليّ عليّا لأنّ داره في الجنان تعلو حتّى تحاذي منازل الأنبياء ، وليس نبيّ تعلو منزلته منزلة عليّ.

وقالت طائفّة : سمّي عليّ عليّا لأنّه علا ظهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بقدميه طاعة الله عزوجل. ولم يعل أحد على ظهر نبيّ غيره عند حطّ الأصنام من سطح الكعبة.

وقالت طائفة : سمّى عليّ عليّا لأنّه زوّج في أعلى السماوات. ولم يزوّج أحد من خلق الله عزوجل في ذلك الموضع غيره.

وقالت طائفة : إنّما سمّي عليّ عليّا لأنّه كان أعلى الناس علما بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١)

__________________

(١) معاني الأخبار ص ٥٨ ـ ٦٣ ـ بحار الأنوار ج ٣٥ ص ٤٥ ـ ص ٤٨ عن المعاني ، والمؤلّف نقله عن المناقب والظاهر أنّ مراده «المناقب» لابن شهر آشوب ، ولكن ما وجدته فيه ، نعم الأسماء المذكورة موجودة في القصيدة المذهبّة لأبى محمّد طلحة بن عبيد الله العوني المصري المتوفّى حدود (٣٥٠) ه مع تفاوت يسير ونقل بعضها في «المناقب» وأذكر القصيدة تيمنّا وتبرّكا :

وسائل عن العليّ الشانى

هل نصّ فيه الله بالقرآن

٢٣٦

__________________

بأنّه الوصيّ دون ثان

لأحمد المطهّر العدناني

فاذكر لنا نصّا به جليّا

أجبت يكفى (خمّ) بالخصوص

من آية التبليغ بالمخصوص

وجملة الأخبار والنصوص

غير الذي انتاشت يد اللصوص

وكتّمته ترتضي أميّا

أما سمعت يا بعيد الذهن

ما قاله أحمد كالمهنّى

أنت كهارون لموسى منّي

إذ قال موسى لأخيه اخلفني

فاسألهم لم خالفوا الوصيّا

أما سمعت خبر المباهلة

أما علمت أنّها مفاضلة

بين الورى فهل رأى من عادلة

في الفضل عند ربّه وقابله

ولم يكن قربّه نجيّا

أمّا سمعت أنّا أوصاه

وكان ذا فقر كما تراه

فخصّ بالدين الذي يرعاه

فإن عداه وهو ما عداه

غادر دينا لم يكن مرعيّا

فقال : هل من آية تدلّ

على عليّ الطهر لا تعلّ

بحيث فيها الطهر يستقلّ

تدنيه للفضل فيقصي كلّ

ويغتدي من دونه مقصيّا

وآل إبراهيم فازوا إلّا

إذ شرّف الآباء والأنسالا

إنّا وهبنا لهم إفضالا

لسان صدق منهم عليّا

لسان صدق منهم عليّا

فكان إبراهيم ربانيّا

ثمّ رسولا منذرا رضيّا

ثمّ خليلا صفوة صفيّا

ثمّ إماما هاديا مهديّا

وكان عند ربّه مرضيّا

فعندها قال : «ومن ذريّتى»

قال له : لا لن ينال رحمتي

وعهدي الظّالم من بريتي

أبت لملكى ذاك وحدانيّتى

 سبحانه لا زال وحدانيّا

٢٣٧

__________________

بأنّه الوصيّ دون ثان

لأحمد المطهّر العدناني

بأنّه الوصيّ دون ثان

لأحمد المطهّر العدناني

لم يتقول أبدا فريا

أجبت يكفى (خمّ) بالخصوص

من آية التبليغ بالمخصوص

وجملة الأخبار والنصوص

غير الذي انتاشت يد اللصوص

ولم يكن حاشا له غويا

أما سمعت يا بعيد الذهن

ما قاله أحمد كالمهنّى

أنت كهارون لموسى منّي

إذ قال موسى لأخيه اخلفني

وحزنه الذي له تهيا

أما سمعت خبر المباهلة

أما علمت أنّها مفاضلة

بين الورى فهل رأى من عادلة

في الفضل عند ربّه وقابله

إذ كان ذا ترتيبه مقضيا

أمّا سمعت أنّا أوصاه

وكان ذا فقر كما تراه

فخصّ بالدين الذي يرعاه

فإن عداه وهو ما عداه

إذ كان كل يتمنى شيئا

فقال : هل من آية تدلّ

على عليّ الطهر لا تعلّ

بحيث فيها الطهر يستقلّ

تدنيه للفضل فيقصي كلّ

فقد تأتي حريهم مليا

وآل إبراهيم فازوا إلّا

إذ شرّف الآباء والأنسالا

إنّا وهبنا لهم إفضالا

لسان صدق منهم عليّا

وأخذ الإتحدار والرقيا

فكان إبراهيم ربانيّا

ثمّ رسولا منذرا رضيّا

ثمّ خليلا صفوة صفيّا

ثمّ إماما هاديا مهديّا

ففي الرعاة حكم الرعبا

فعندها قال : «ومن ذريّتى»

قال له : لا لن ينال رحمتي

وعهدي الظّالم من بريتي

أبت لملكى ذاك وحدانيّتى

٢٣٨

__________________

غر أبا موسى الأشعريا

بأنّه الوصيّ دون ثان

لأحمد المطهّر العدناني

بأنّه الوصيّ دون ثان

لأحمد المطهّر العدناني

يا عمرو قم أنت اخلع اشاميا

أجبت يكفى (خمّ) بالخصوص

من آية التبليغ بالمخصوص

وجملة الأخبار والنصوص

غير الذي انتاشت يد اللصوص

فاتخذوه مذهبا عمريا

أما سمعت يا بعيد الذهن

ما قاله أحمد كالمهنّى

أنت كهارون لموسى منّي

إذ قال موسى لأخيه اخلفني

وما يكون في الحشا مطويا

أما سمعت خبر المباهلة

أما علمت أنّها مفاضلة

بين الورى فهل رأى من عادلة

في الفضل عند ربّه وقابله

وحيا قديم الفضل عد عليا

أمّا سمعت أنّا أوصاه

وكان ذا فقر كما تراه

فخصّ بالدين الذي يرعاه

فإن عداه وهو ما عداه

من كل عيب في اللورى بريا

فقال : هل من آية تدلّ

على عليّ الطهر لا تعلّ

بحيث فيها الطهر يستقلّ

تدنيه للفضل فيقصي كلّ

ليورد الحق لهم يويا

وآل إبراهيم فازوا إلّا

إذ شرّف الآباء والأنسالا

إنّا وهبنا لهم إفضالا

لسان صدق منهم عليّا

وكان يدعي عندهم اتيا

فكان إبراهيم ربانيّا

ثمّ رسولا منذرا رضيّا

ثمّ خليلا صفوة صفيّا

ثمّ إماما هاديا مهديّا

ليث الوغا اعنى به أريا

فعندها قال : «ومن ذريّتى»

قال له : لا لن ينال رحمتي

٢٣٩

__________________

بأنّه الوصيّ دون ثان

لأحمد المطهّر العدناني

وكنكر كان له سميا

أجبت يكفى (خمّ) بالخصوص

من آية التبليغ بالمخصوص

وجملة الأخبار والنصوص

غير الذي انتاشت يد اللصوص

ومن يكن ذا يدع بطر سيا

أما سمعت يا بعيد الذهن

ما قاله أحمد كالمهنّى

أنت كهارون لموسى منّي

إذ قال موسى لأخيه اخلفني

كما دعوه عندهم باريا

أما سمعت خبر المباهلة

أما علمت أنّها مفاضلة

بين الورى فهل رأى من عادلة

في الفضل عند ربّه وقابله

اذا عرفت المنطق التركيا

أمّا سمعت أنّا أوصاه

وكان ذا فقر كما تراه

فخصّ بالدين الذي يرعاه

فإن عداه وهو ما عداه

فاسئل به من يعرف الحبشيا

فقال : هل من آية تدلّ

على عليّ الطهر لا تعلّ

بحيث فيها الطهر يستقلّ

تدنيه للفضل فيقصي كلّ

فان اردت فاسال الزنجيا

وآل إبراهيم فازوا إلّا

إذ شرّف الآباء والأنسالا

إنّا وهبنا لهم إفضالا

لسان صدق منهم عليّا

تحقيقة من كان أرمنيا

فكان إبراهيم ربانيّا

ثمّ رسولا منذرا رضيّا

ثمّ خليلا صفوة صفيّا

ثمّ إماما هاديا مهديّا

ولدته مطهر قدسيا

فعندها قال : «ومن ذريّتى»

قال له : لا لن ينال رحمتي

ثمّ خليلا صفوة صفيّا

ثمّ إماما هاديا مهديّا

وكان عبلا فتلا قويا

٢٤٠