تفسير الصراط المستقيم - ج ٢

آية الله السيّد حسين البروجردي

تفسير الصراط المستقيم - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيّد حسين البروجردي


المحقق: الشيخ غلامرضا بن علي أكبر مولانا البروجردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: پاسدار إسلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

يصدق عليه ذلك عرفا ، حسبما سمعت وأمّا مع التمهّر فيها ، وجريان اللّسان بها من غير كلفة ومشقّة ، فلا شبهة في أولويّة مراعاتها ، سيّما مع الالتفات إلى عدّ كثير منهم الإخلال بها من اللحن الخفي ، مضافا الى قاعدة التسامح ، مع أنّ الإخلال ببعض الصفات ربما يمنع من الإفصاح بمادة الحرف وإن حصل الامتياز في الجملة.

وبالجملة الصفات الّتى لها ضدّ خمس قد أشير إليها مجتمعة والى أضدادها بالترتيب في كلام الجزري :

صفاتها جهر (١) ، ورخو (٢) ، مستفل (٣)

منفتح (٤) ، مصمتة ، والضدّ قل

مهموسها (فحثّه شخص سكت)

شديدها لفظ (أجد قط بكت)

وبين رخو والشديد (لن عمر)

وسبع علو (خصّ ضغط قظ) حصر

و (صاد ضاد طاء ظاء) مطبقة

و (فرّ من لبّ) الحروف مذلقة (٥)

__________________

(١) الجهر هو عدم جريان النفس عند النطق بالحرف وهي (١٩) حرفا وضدّه الهمس وهو جريان النفس عند النطق بالحرف لضعف الاعتماد على المخرج وعدد حروفه (١٠) حروف.

(٢) الرخو والرخاوة : إرخاء الصوت وجريانه عند النطق بالحرف وحروفها (١٥) حرفا ، وضدّها الشدّة وهو امتناع جرى الصوت عند النطق بالحرف لكمال الاعتماد على المخرج وحروفها (٨) كما في البيت.

(٣) الاستفال هو الانخفاض وهو انحطاط اللسان الى قاع الضم عند النطق بالحرف وحروفه (٢١) حرفا وضدّه الاستعلاء اى الارتفاع اللسان عند التكلم بالحرف الى الحنك الأعلى وحروفه (٧) أحرف كما في البيت.

(٤) الانفتاح الافتراق بين اللسان والحنك الأعلى وخروج النفس من بينهما عند النطق وحروفه (٢٤) حرفا وضدّه الاطباق وهو التصاق اللسان على الحنك الأعلى وحروفه (٤) كما في البيت.

(٥) طيبة النشر للجزرى في ضمن اتحاف البررة في المتون العشرة ص ١٧٢.

٤٠١

وأمّا ما لم يذكروا لها ضدّا من الصّفات الّتى تتّصف بها أحرف خاصة ، فهي ستّ قد أشير إليها في هذه الأبيات :

صفيرها (١) صاد ، وزاى ، سين

فلقلة (٢) (قطب جد) واللين (٣)

واو ، وياء سكنا وانفتحا

قبلهما والانحراف (٤) صحّحا

في اللام والراء بتكرير جعل

وللتفشى (٥) الشين ضادا استطل (٦) (٧)

وأمّا التغليظ في اللام والتفخيم في الراء ، والترقيق فيهما في بعض المواضع وفي حروف الاستفالة ، وفي الهمزة في بعض المواضع ، وبالباء في البسملة ، وغيرها ، وإظهار الإطباق في مثل (أَحَطْتُ) (٨) ، و (بَسَطْتَ) (٩) بعد الإدغام ، والغنّة في النون والميم المشدّدتين فلا دليل على اعتبارها.

نعم ، يلزم التحرّز من الإدغام في مثل قوله تعالى : (فَسَبِّحْهُ) (١٠) وقوله

__________________

(١) كل صوت يمتدّ ولا يغلظ وهو خال من الحروف يسمّى صفيرا ، وحروف الصفير : «الصاد ، والزاى ، والسين» تخرج من رأس اللسان وبين أسنان مقدّم الفم أى الثنايا.

(٢) القلقلة : تحريك الصوت ، وحروفها خمسة مذكورة في البيت ، تحصل من اجتماع صفتي الجهر والشدّة ، وتلك الحروف تسمّى أيضا المضغوطة.

(٣) اللين ضدّ الخشونة ، والواو والياء إذا كانتا ساكنتين ، وما قبلهما مفتوحا تسميّان حرفي اللين.

(٤) الانحراف هو الميل وسميّت اللام والرّاء المنحرفة لأنّ اللسان حين التلفّظ باللام يميل الى اللثة والأسنان ، وحين التلفظ بالراء يميل قليلا إلى الحنك الأعلى.

(٥) التّفشى : الانتشار وتفخيم الحرف عند النطق به وحرفه الشين.

(٦) الاستطالة : طلب الطول واحرفها الضاد لأنّها في حال السكون. يطول التلفظ بها.

(٧) اتحاف البررة في المتون العشرة ـ المقدّمة في علم التجويد لابن الجزري ص ٣٧٤.

(٨) النمل : ٢٢.

(٩) المائدة : ٢٨.

(١٠) ق : ٤٠ ـ الطور : ٤٩.

٤٠٢

تعالى : (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ) (١) وقوله تعالى : (قالُوا وَهُمْ) (٢) بل يلزم إظهار الحاء في الأوّلين ، والواو في الثالث كيلا يسبق النطق بها مشدّدة.

كما يلزم إظهار الياء المكسور ما قبلها ، نحو (فِي يَوْمٍ) (٣) وإظهار الغين في قوله : (لا تُزِغْ قُلُوبَنا) (٤) واللام الساكنة في قوله : (قُلْ نَعَمْ) (٥) وإن كانا متجانسين عند بعضهم ، إلى غير ذلك ممّا هو جار على مقتضى الأصل ، مضافا إلى اتفاقهم عليه ظاهرا كما نبّهوا عليه ، وصرّح به الجزري ، وغيره.

وأمّا سائر ما يعدّ من معاني الترتيل ممّا مرّت إليه الإشارة فستسمع الكلام في كلّ منها في موضعه إنشاء الله تعالى.

تذنيب : في حفظ الوقوف ومعناه : حفظ الوقوف الّذي به فسرّ به الترتيل في العلوي المرسل في جملة من كتب الجماعة المشتهر بين العامّة حكايته عنه عليه‌السلام ، كما أنّهم حكوه عن ابن عبّاس أيضا.

وفسّر مرّة كما من كشف اللثام ، بأن لا يهذّ هذّ الشعر ، ولا ينثر نثر الرمل ، قيل : ويؤيّده روايتهما في تفسيره بذلك عن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام.

أقول : ومجرّد ذلك لا يقضى بالاتّحاد ، سيّما مع عدم ظهور المعنى وكون الخبر مصدّرا بتبيين الحروف ، أو أدائها حسبما مرّ ، وظهور أولوية التأسيس على التأكيد.

__________________

(١) الزخرف : ٨٩.

(٢) الشعراء : ٩٦.

(٣) السجدة : ٥.

(٤) آل عمران : ٨.

(٥) الصافات : ١٨.

٤٠٣

وفسّر اخرى بالمحافظة على تحقيق الوقف في موارده بحفظ حدوده ، وذلك بأن لا يقف على آخر الكلمة أو الآية بإظهار الحركة ، وذلك لأنّه لا يجوز الوقف بالحركة ، كما أنّه لا يجوز الوصل بالسكون لمخالفتهما لطريقة أهل اللّسان وظهور الاتّفاق على بطلان القراءة في الصلاة بهما ، وقد صرّح كثير من أهل اللّسان بأنّ لغة العرب أن لا يوقف على متحرّك.

ونقل شيخنا التقى المجلسي رحمة الله عليه : اتفاق القرّاء وأهل العربية على عدم جوازهما ، ولذا جعله من الترتيل الواجب.

ومن هنا يظهر ضعف ما في «كشف الغطاء» من نفى البأس عن الوقف على المتحرّك ، ووصل الساكن.

إذ قد سمعت أنّه مما اتفق على فساده أهل العربيّة ، بل يمكن الاستدلال له أيضا بما ورد من أن «الأذان والاقامة مجزومان» (١).

قال الصدوق : وفي خبر آخر : «موقوفان» (٢).

وذلك أنّه عبّر عن الوقف بالجزم وترك الحركة.

نعم عن الشهيد الثاني في «الروض» أنّه لو فرض ترك الوقف أصلا سكن أواخر الفصول أيضا ، وإن كان ذلك في أثناء الكلام ، ترجيحا لفضيلة ترك الإعراب على المشهور من حال الدّرج.

وفيه تأمّل واضح ، نعم يمكن حمله على السّكت الّذى ينبغي إخراجه عن حكم الوصل ، وإلحاقه بالوقف.

__________________

(١) الفقيه ج ١ ص ٩١.

(٢) الفقيه ج ١ ص ٩١.

٤٠٤

وذلك أنّ هاهنا أمورا ثلاثة : الوقف ، والقطع ، والسكت.

والوقف عندهم عبارة عن قطع الصّوت عن الكلمة زمانا يتنفّس فيه عادة بنيّة استءناف القراءة عليه ، فإن لم يكن هنا نيّة استيناف القراءة فهو القطع ، ولذا شرطوا فيه أن لا يكون إلّا على رأس آية ، وإن لم يكن الشرط في محلّه.

وأمّا السكت فهو قطع الصوت زمنا هو دون زمن الوقف عادة من غير أن يتنفّس.

قال في «شرح طيبة النشر» : وقد اختلفت عباراتهم في التأدية ممّا يدل على طول زمن السكت وقصره ، والمشافهة حاكمة عليه بحقه.

ويستفاد منه أنّ هذا من اصطلاح متأخّريهم ، وأنّه كان المتقدّمون يطلقون كلّا منها على الآخر.

وثالثة فسّر حفظ الوقوف بالمحافظة على شرائط الوقف ، ومراعاة الرّسم ، بأن يوقف على ما حذف لفظا بالإثبات كالألف من قوله : (وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ) (١) ، والياء من قوله : (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ) (٢) والواو من قوله : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ) (٣) ، وكذا إبدال التنوين ألفا في مواضعه كقوله تعالى : (خَوْفاً وَطَمَعاً) (٤).

وذلك لأنّهم وقفوا في آخر الكلمة على وجوه تسعة : الأوّل : السكون على

__________________

(١) النمل : ١٥.

(٢) البقرة : ٢٦٩.

(٣) الانعام : ١٠٨.

(٤) الأعراف : ٥٦.

٤٠٥

ما مرّ.

والثاني : الروم (بفتح الراء) بمعنى القصد ، وهو النطق ببعض حركة الموقوف عليه ، وربّما حدّوه بالتلفّظ بثلث الحركة وترك الثلثين ، والاختلاس عكسه ، يعنى التلفّظ بثلثي الحركة وترك الثلث ، ولذا لم يعدّوه من أقسام الوقف.

والثالث : الإشمام وهو الإشارة إلى الحركة بضمّ الشفتين بعد الإسكان ، ولذا قالوا : إنّ الروم لا يدركه الأصمّ ، والإشمام لا يدركه الأعمى.

والرابع : الإبدال وهو بالألف في الاسم المنصوب المنوّن غير المؤنّث كقوله : (أحدا) ، وبالهاء في (الرّحمة) و (رحمة) معرّفة ، ومجرّدة وبالألف في مثل (يشاء) فتسقط أحدهما ، وهو متروك عندنا ، وإن حكوه عن حمزة وهشام ، كما حكى عنهما أيضا النقل.

والخامس : النقل في مثل (قُرُوءٍ) (١) و (النَّسِيءُ) (٢) حيث ينقل حركة الهمزة الى الواو أولياء ، وتقلب الهمزة واوا في (قُرُوءٍ) وياء في (النَّسِيءُ) ثمّ تدغم الواوان في الأوّل ، والياء ان في الثاني ، وهو أيضا متروك عندنا.

السادس : الإدغام كما عرفت في (قُرُوءٍ) و (النَّسِيءُ).

السابع : الحذف لبعض الياءات التي ربّما تثبت في الوصل على بعض القراءات كقوله : (إِلَى الدَّاعِ) (٣) وقوله : (فَهُوَ الْمُهْتَدِ) (٤).

__________________

(١) البقرة : ٢٢٨.

(٢) التوبة : ٣٧.

(٣) القمر : ٨.

(٤) الإسراء : ٩٧.

٤٠٦

والثامن : الإثبات لياءات الزوائد المخذوفة في الوصل نحو (والٍ) (١) و (واقٍ) (٢).

والتاسع : إلحاق هاء السكت في نحو (فبمه) و (ممّه).

ولا يخفى عليك أن كثيرا من هذه الأقسام تصنّعات ، وتكلّفات واستحسانات لم يقم عليها شاهد ، فضلا عن حجّة ، بل الظاهر أنّه لا يجوز الوقف بمثل النقل والإدغام وغيرهما ممّا يوجب تغييرا في الحرف أو الحركة من غير شهادة به من أهل اللّسان ، ولعلّه لا عبرة بقراءة واحد من القرّاء ، أو لحن طائفة من العرب لم يعلم نزول القرآن بلغتهم.

ورابعة فسّر حفظ الوقوف بمراعاة الإثنين من الأربعة المشهورة كما في «شرح النفليّة» للشهيد الثاني تبعا للأوّل فيها ، قال بعد إرسال الخبر : وليس المراد مطلق الوقف ، بل الوقف التامّ ، وهو الّذى لا يكون للكلام قبله تعلّق بما بعده لا لفظا ولا معنى ، والحسن وهو الذي يكون له تعلّق من جهة اللفظ دون المعنى.

قال : ومن ذلك يعرف وجه الوصف بالتمام والحسن ، فإنّ الوقف على الحسن حسن في نفسه مفيد ، لحسن النظم ، وسهولة الضم ، لكن لا يحسن الابتداء بما بعده للتعلّق اللفظي فهو دون التامّ ، وهذا كلّه مع التمكّن واليسر ، وأمّا عند فراغ النفس فيحسن الوقف مطلقا ، سواء كان أحدهما أو غيرهما من الأنواع المرخصّة والممنوعة ... الى أن قال :

وفي الفاتحة أربعة وقوف توامّ : على البسلمة ، ومالك يوم الدين

__________________

(١) الرّعد : ١١.

(٢) الرّعد : ٣٤.

٤٠٧

ونستعين ، وآخرها ، وعشرة حسنة : على «بسم الله» ، وعلى «الرحمن» وعلى «الحمد لله» وعلى «ربّ العالمين» وعلى «الرحمن» وعلى «الرحيم» وعلى «إيّاك نعبد» وعلى «المستقيم» وعلى «أنعمت عليهم» وعلى «غير المغضوب عليهم».

أقول : والقسمان الباقيان هما الكافي والقبيح.

ووجه الحصر على ما في «شرح طيبة النشر» : أنّ الكلام إمّا تامّ أولا ، والتامّ إمّا لا يكون له تعلّق بما بعده لا لفظا ولا معنى ، أو يكون له تعلق ، فالأوّل هو التام فيوقف عليه ، ويبتدأ بما بعده.

والثّاني لا يخلو إمّا يكون تعلّقه من جهة اللفظ فهو الحسن الذي يجوز الوقف عليه لتمامه ولا يجوز الابتداء بما بعده لتعلّقه بما قبله لفظا ، إلّا أن يكون رأس آية فإنّه يجوز عند الأكثر ، كما هو المحكىّ (١) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وإمّا يكون تعلّقه بما بعده من جهة المعنى وهو الوقف الكافي كالتمام يجوز أن يوقف عليه ويبتدأ بما بعده.

وأمّا إذا لم يكن الكلام تامّا فالوقف قبيح ، لا يجوز الوقف عليه ولا الابتداء بما بعده.

أقول : وظاهره كصريح غيره اختيار الكافي على الحسن ، لكنّ الخطب سهل بعد عدم الدّليل على شيء من ذلك سوى الاستحسان الّذى لا عبرة به عندنا.

__________________

(١) النشر في القراآت العشر ج ١ ص ٢٢٦ روى عن أم سلمة أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا قرأ قطع قراءته آية آية ...

٤٠٨

ورجوعه مطلقا الى الترتيل والتزيين المأمور بهما غير معلوم وإلّا فلا بأس به.

مضافا إلى حدوث هذا الاصطلاح منهم بحيث لا يصلح حمل العلويّ وغيره عليه ، فإنّه منسوب إلى أبى عمرو (١) ، صاحب «التيسير».

كما يحكى عن رجل آخر معروف بالسجاوندي (٢) اصطلاح آخر في الوقف ، فإنّه قسمّه الى خمسة أقسام :

الوقف اللازم ، وهو الّذى يحصل بتركه في المعنى شناعة مثل قوله تعالى : (وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ) (٣) ، فلو وصلت بما بعدها يكون قوله : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ) (٤) صفة الأصحاب النار ، وهو شنيع ومحال.

٢ ـ الوقف المطلق ، وهو الذي يحسن الابتداء بما بعده ، والوقف عليه لعدم ثبوت الاتّصال ، كقوله تعالى : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ، لأنّه ثمّ ذكر الأوصاف ، و (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) ابتداء تضرّع.

٣ ـ الوقف الجائز ، وهو الّذى حصل دليل الوقف ودليل الوصل فيه ، كقوله تعالى حكاية عن بلقيس : (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ

__________________

(١) هو أبو عمرو بن عثمان بن سعيد الداني الأندلسي المتوفى (٤٤٤) ومن مصنفاته «التيسير».

(٢) هو أبو عبد الله محمد بن طيفور السجاوندى الغزنوي المتوفى (٥٤٤) أو (٥٦٠) ومن مصنفاته «الإيضاح في الوقف والابتداء» ـ البرهان في معلوم القرآن للزركشى ج ١ ص ٤٩٦.

(٣) غافر : ٦.

(٤) غافر : ٧.

٤٠٩

أَهْلِها أَذِلَّةً) (١) والوقف عليها جائز ، لأنّ قوله تعالى : (وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) (٢) يمكن أن يكون قول بلقيس فينبغي الوصل ، ويمكن أن يكون قوله تعالى توقيعا لقول بلقيس فينبغي الوقف.

٤ ـ الوقف المجوّز ، وهو الذي لكلّ من الوقف والوصل فيه وجه ، لكنّ الوصل أظهر وأقوى كقوله تعالى : (وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) (٣).

٥ ـ الوقف المرخّص ، هو ما بين كلامين تعلّق أحدهما بالآخر ، وكلّ واحد منهما تامّ مستقلّ في إفادة المعنى كقوله تعالى : (جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً) (٤) ، لأنّ قوله : (وَأَنْزَلَ) عطف على (جعل) وكلاهما صلة (الّذي) ، ولكن كل واحد منهما يفيد معنى تامّا لو انقطع النفس عليه :

وهذا كلّه استحسانات ، بل تصرّف في الأحكام الشرعيّة بدون إذن صاحب الشريعة ، وذلك لأنّهم يثبتون بذلك رجحانا وجوبيّا ، أو ندبيّا وكلاهما من الأحكام الشرعيّة التي يجب فيها التوقيف ، لا الأخذ بالاستحسانات والظنون.

بل لا يخفى أنّ فيها شوب التشريع الذي يحرم معه الفعل ، ولو مع اشتماله على جهة الحسن الذي لا يصلح دليلا للحكم ، وهل هذا إلّا مثل قول (آمين) الذي هو استجابة لما تضمّنه الحمد من الدعاء.

قال السيّد نعمة الله طاب ثراه في جملة كلام ذكره في «الأنوار» : قد بقي

__________________

(١) النمل : ٣٤.

(٢) النمل : ٣٤.

(٣) البقرة : ٧.

(٤) البقرة : ٢٢.

٤١٠

القرآن حتى وقع في أيدي القرّاء فتصرّفوا فيه بالمدّ ، والإدغام ، والتقاء الساكنين ، وغيرها تصرّفا نفرت الطّباع منه ، وحكم العقل بأنّه ما تزل هكذا.

ثمّ قال : ظهر رجل اسمه سجاوندى ، أو نسبة الى بلدة فكتب هذه الرموز على كلمات القرآن ، وعلّمه بعلامات أكثرها لا يوافق لا تفاسير الخاصّة ، ولا تفاسير العامّة ، والظّاهر أنّ هذا إذا مضت عليه مدّة عديدة يدّعى أيضا فيه التواتر ، وأنّه جزء القرآن فيجب كتابته واستعماله (١).

أقول : وكأنّ فيه تعريضا على بعض أصحابنا حيث توهّموا تواتر السّبع أو العشر ، وكذا تواتر المدّ ، وغيره من الكيفيّات حسبما مرّت اليه الاشارة وتأتى إنشاء الله تعالى.

وبالجملة فلا وجه للاعتماد على شيء من تلك الوجوه والكيفيّات سيّما مع جعلهم بعض الأقسام منه واجبا ، وبعضها حراما ، من دون الاستناد الى آية أو رواية ، أو حجّة شرعيّة ، أو دلالة عقليّة.

كما يحكى عن بعضهم : أنّ الوقوف الواجبة ثلاثة وثمانون وقفا ، منها الوقف على لفظ الجلالة في قوله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) (٢).

وعن الإمام أبي منصور (٣) أنّه جعل الوقف الحرام ثمانية وخمسين وقفا ومن وقف على واحد منها متعمّدا فقد كفر ، وجعل منها الوقف على (صِراطَ الَّذِينَ) (٤) ، وعلى (مُلْكِ سُلَيْمانَ) (٥).

__________________

(١) الأنوار النعمانية ج ٢ ص ٣٦٢ ط تبريز.

(٢) آل عمران : ٧.

(٣) ابو منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي المتوفّى (٤٢٩) ـ الاعلام ج ٤ ص ١٧٣.

(٤) الفاتحة : ٧.

(٥) البقرة : ١٠٢.

٤١١

وقد ذكر بعضهم مضافا الى ما مرّ وقوفا أربعة آخر :

الوقف اللّازم الذي يجب الوقف عليه ، وعدّوا منه قوله تعالى : (وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) (١) لأنّه لو وصل بقوله : (يُخادِعُونَ اللهَ) (٢) لصارت الجملة صفة لقوله : (بِمُؤْمِنِينَ) (٣).

ومنه قوله تعالى : (إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) (٤) ، إذ لو وصل لصار (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) (٥) صفة للظالمين ، وخطره ظاهر ، بل هو كلام مبتدأ من الله تعالى ، الى غير ذلك ممّا عدّوه منه.

ووقف المعانقة ، ويسمّى المراقبة ، وهما وقفان متقاربان ، إذا وقفت على الأوّل ينبغي وصل الثاني بما بعده ، وإذا وقفت على الثاني ينبغي وصل الأوّل بما قبله ليحسن ذلك الوقف.

وهو في القرآن ثمانية عشر موضعا متفّقا عليها ، منها في البقرة في ثلاثة مواضع : (لا رَيْبَ فِيهِ) (٦) و (عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) (٧).

وفي ستة عشر موضعا مختلفا فيها.

__________________

(١) البقرة : ٨.

(٢) البقرة : ٩.

(٣) البقرة : ٨.

(٤) البقرة : ١٤٥.

(٥) البقرة : ١٤٦.

(٦) البقرة : ٢.

(٧) البقرة : ٩٦.

٤١٢

ووقف الغفران الّذي رووا فيه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من ضمن أن يقف عشرة في القرآن ضمنت له الجنّة».

وهو في المائدة : (لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ) (١).

وفي الأنعام : (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ) (٢).

وفي السجدة : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً) (٣).

وفيها أيضا : (لا يَسْتَوُونَ) (٤).

وفي يس : (وَآثارَهُمْ) (٥).

وفيها أيضا : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ) (٦).

وفيها أيضا : (مِنْ مَرْقَدِنا) (٧).

وفيها أيضا : (وَأَنِ اعْبُدُونِي) (٨).

وفيها أيضا : (مِثْلَهُمْ) (٩).

وفي سورة الملك : (وَيَقْبِضْنَ) (١٠).

ووقف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، رووا منه صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنّه اختار الوقف في سبعة عشر موضعا (١١) :

__________________

(١) المائدة : ٥١.

(٢) الانعام : ٣٦.

(٣) السجدة : ١٨.

(٤) السجدة : ١٨.

(٥) يس : ١٣.

(٦) يس : ٢٠.

(٧) يس : ٥٢.

(٨) يس : ٦١.

(٩) يس : ٨١.

(١٠) الملك : ١٩.

(١١) قال الحصرى في «معالم الاهتداء في الوقف والابتداء» : مسمّى الوقف في غيره المواضع وقف السنّة

٤١٣

ففي البقرة قوله تعالى : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) (١) ، و (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ) (٢).

وفي آل عمران : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) (٣).

وفي سورة المائدة : (مِنَ النَّادِمِينَ) (٤) و (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) (٥) و (فَقَدْ عَلِمْتَهُ) (٦) ، وفي رواية : (ما لَيْسَ لِي بِحَقٍ) (٧).

وفي سورة يونس : (أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ) (٨) و (إِي وَرَبِّي) (٩).

وفي رواية : (أَحَقٌّ ، هُوَ) (١٠) ، وفي رواية : (إِنَّهُ لَحَقٌ) (١١).

وفي سورة يوسف : (أَدْعُوا إِلَى اللهِ) (١٢).

وفي سورة الرعد : (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ) (١٣).

وفي سورة النحل : (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها) (١٤).

__________________

ووقف جبريل ووقف الابتداء ، ولم أعثر على اثر صحيح أو ضعيف يدلّ على أنّ الوقف في جميع غيره المواضع من السنّة.

(١) البقرة : ١٤٨.

(٢) البقرة : ١٩٧.

(٣) المائدة : ١١٦.

(٤) المائدة : ١٣١.

(٥) المائدة : ٤٨.

(٦) المائدة : ١٦١.

(٧) المائدة : ١١٦.

(٨) يونس : ٢.

(٩) يونس : ٥٣.

(١٠) يونس : ٥٣.

(١١) يونس : ٥٣.

(١٢) يوسف : ١٠٨.

(١٣) الرعد : ١٨.

(١٤) النمل : ٥.

٤١٤

وفي سورة لقمان : (لا تُشْرِكْ بِاللهِ) (١).

وفي سورة المؤمن : (أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ) (٢).

وفي سورة الحشر : (لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) (٣).

وفي سورة النازعات : (فَحَشَرَ) (٤).

وفي سورة القدر : (مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (٥).

وفي سورة النصر : (وَاسْتَغْفِرْهُ) (٦).

وعن بعضهم أيضا في أواخر البقرة : (غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (٧).

وفي سورة القدر : (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) (٨).

ولا يخفى عليك أنّه لم يثبت الرواية بشيء منهما ، لكونهما عاميّين ، وبعض أصحابنا أخذهما عنهم.

وأمّا لزوم الوقف ووجوبه في المواضع التي ذكروها فمن المقطوع انتفاء الوجوب فيها كانتفاء الحرمة فيما حكموا بها فيه ، ولذا صرّح بعضهم بأنّهم لم يقصدوا ما يتراءى من ظاهر كلامهم.

قال الجزري في «طيبة النشر» :

وليس في القرآن من وقف وجب

ولا حرام غير ما له سبب

__________________

(١) لقمان : ١٣.

(٢) المؤمن : ٦.

(٣) الحشر : ٢.

(٤) النازعات : ٢٣.

(٥) القدر : ٣.

(٦) النصر : ٣.

(٧) البقرة : ٢٦٧.

(٨) القدر : ٤.

٤١٥

وفسّر ما له السبب بما أريد به تغيير المعنى.

وقال بعض شرّاحه من أفاضل المتأخرين : إنّه وقع في كلام كثير ممّن ألّف في الوقوف قولهم : الوقف على هذا واجب أو لازم ، أو حرام ، أو لا يحلّ ، ونحو ذلك من الألفاظ الدالّة على الوجوب والتحريم ، ولا يريدون بذلك المقرّر عند الفقهاء ممّا يثاب على فعله ويعاقب على تركه ، أو يعاقب على فعله ويثاب على تركه ، بل المراد أنّه ينبغي للقارىء أن يقف عليه لنكتة ، أو لمعنى يستفاد من الوقف ، أو يتوهّم من الوصل تغيير المعنى المقصود ، أو نحو ذلك ، أو لا ينبغي الوقف عليه أو الابتداء بما بعده لما يتوهّم من تغيير المعنى وبشاعة اللفظ ، ونحو ذلك.

فمن الأوّل : قوله تعالى : (وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) (١).

قال السخاوي : الوقف عليه واجب ، لئلا يتوهّم أنّ ما بعده وهو (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ) من قولهم ، بل هو من قول الله تعالى ، ويؤكّد هذا التوهم كسر (إنّ) فإنّها تكسر بعد القول.

ومن الثاني : الوقف على (الموتى) في قوله تعالى : (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ) (٢) فإنّه إنّ وقفنا على (الموتى) يتوهّم أنّ الموتى يستجيبون مع الذين يسمعون ، وليس كذلك وإنّما المعنى أنّ الموتى لا يستجيبون بل يبعثهم الله تعالى.

وكذلك الوقف على (لا يستحيي) في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا

__________________

(١) يونس : ٦٥.

(٢) الانعام : ٣٦.

٤١٦

يَسْتَحْيِي) (١) ، والوقف على (لا يهدى) في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (٢) ، كلّ ذلك لا يجوز ، فإن قصد أحد ذلك عمدا مع الالتفات ، والعياذ بالله تغيّر المعنى المراد الى غيره كان حراما معاقبا عليه بهذا السبب.

بقي الكلام في أنّ مراعاة تلك الوقوف ، مع القطع بعدم وجوبها ، هل هي مندوبة أم لا؟ ، ذهب الشهيدان ، والمجلسيّان ، والبهبهاني ، وغيرهم إلى الأوّل ، وقد سمعت آنفا تمام الكلام بما يستدلّ به للوجهين.

نعم ، ربما يستشكل في تفسير الوقوف الواردة في الخبر بالأربعة المشهورة المتقدّمة فعلا وتركا ، بأنّ هذه الوقوف إنّما وضعوها على حسب ما فهموه من التفاسير ، والمعاني التي هي أبعد شيء من عقول الرجال ، بل قد ورد : انّ معاني القرآن لا يفهمها إلّا أهل البيت عليهم‌السلام الذين نزل في بيوتهم القرآن ، ويشهد له أنّا نرى كثيرا من الآيات كتبوا فيها نوعا من الوقف ، بناء على ما فهموه ، ووردت الأخبار المستفيضة بخلاف ذلك المعنى الّذى فهموا ، كما أنّهم كتبوا الوقف اللازم في قوله سبحانه : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) (٣) على آخر كلمة الجلالة ، لزعمهم أنّ الرّاسخين في العلم لا يعلمون تأويل المتشابهات ، وقد وردت الأخبار المستفيضة في أنّ الراسخين في العلم هم الائمّة عليهم‌السلام وهم يعلمون تأويلها ، مع أنّ المتأخّرين من مفسّرى العامّة والخاصّة رجّحوا في كثير من الآيات تفاسير لا توافق ما اصطلحوا عليه في الوقف.

نعم ، ربما يجاب عن الأشكال بأنّ المراد المحافظة على معنى الوقف التامّ

__________________

(١) البقرة : ٢٦.

(٢) المائدة : ٥١.

(٣) آل عمران : ٧.

٤١٧

والحسن ، لا خصوص ما تخيّلوه.

وأنّ ما ورد من اختصاص علم القرآن بهم لا ينافي إتباع الظاهر لنا فيما لم يرد فيه نصّ منهم.

أقول : وعلى هذا فيسقط التوقيف على خصوص ما عيّنوه مصداقا لتلك الأقسام في الفاتحة وغيرها على ما زعموه.

مضافا الى أنّه لا دليل على حسن المحافظة على تلك المعاني أيضا ، ولو في غير ما عيّنوه من المصاديق.

سيّما مع ملاحظة عموم البلوى بها للناس عند القراءة في الصلاة وغيرها ، وعدم ورود نصّ في ذلك عن الأئمّة عليهم‌السلام ، مع شيوع علم القراءة في تلك الأزمنة بين العامّة ، مع أنّه كان بين رواتهم من الإماميّة أهل الديانة والعبادة ، والتقوى ، ولم يعهد من أحد منهم السؤال عن كيفيّة الوقف موارده ، كما لم يقع عنهم السؤال قطّ ممّا زخرفوا بقرائتهم البتراء مثل أقسام المدّ ، والإمالة ، والاختلاس ، والإشمام ، والروم ، وغير ذلك ممّا ملئوا بها كتب القراءة ، وصرفوا فيها أعمارهم ، وهذا كلّه دليل على عدم المطلوبيّة بوجه ، بل مطلوبيّة ترك التعرّض والالتفات إليه رأسا ، بل لعلّ في بعض الأخبار إشعارا عليه أيضا.

مثل ما أرسله في «مجمع البيان» عن أمّ سلمة : «كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقطع قراءته آية آية» (١).

فإنّ ظاهره الذي من المقطوع إرادته أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقف على الآيات ، مع أنّ مقتضى ما ذكروه أنّ المدار على ملاحظة المعاني ، فربما يحسن الوقف على

__________________

(١) مجمع البيان ج ١٠ ص ٣٧٨ في تفسير الترتيل من سورة المزمّل.

٤١٨

بعض الآية ، وربما يحسن الوصل بين الإثنين عندهم.

وما رواه عليّ بن جعفر في الصحيح عن أخيه موسى عليه‌السلام ، عن الرجل يقرأ الفاتحة ، وسورة اخرى في النفس الواحد ، قال عليه‌السلام : إن شاء قرأ في نفس واحد ، وإن شاء في غيره (١).

إلّا أنّ الظاهر منه إرادة مجرّد الجواز ، وإن كان الأظهر كراهة قراءة سورة واحدة بنفس واحد فضلا عن السّورتين ، وذلك لا للإخلال بالوقف ، بل لمنافاته للترتيل المأمور به في الكتاب والسنّة.

ولنا قال مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد الأمر بالترتيل بما مرّ : «ولكن اقرعوا به قلوبكم القاسية ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة» (٢).

وقال مولانا أبو عبد الله عليه‌السلام في خبري محمّد بن الفضيل ، ومحمد بن يحيى : «يكره أن يقرأ قل هو الله أحد في نفس واحد» (٣).

وقال عليه‌السلام في الترتيل : «هو أن تتمكّث فيه وتحسّن به صوتك» (٤).

ومن إسحاق بن عمّار ، عن جعفر الصادق ، عن أبيه عليهما‌السلام : «أنّ رجلين من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اختلفا في صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فكتبا إلى أبيّ بن كعب : كم كانت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من سكتة؟ قال : سكتتان : إذا فرغ من امّ القرآن ، وإذا فرغ من السورة (٥).

__________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٢٢٠ ـ قرب الاسناد ص ٩٣.

(٢) الأصول من الكافي ص ٥٩٨.

(٣) أصول الكافي ص ٥٩٩ ـ وفروع الكافي ج ١ ص ٨٦.

(٤) مجمع البيان ج ١٠ ص ٣٧٨ وعنه البحار ج ٩٢ ص ١٩١.

(٥) مجمع البيان ج ١٠ ص ١٧٨.

٤١٩

ولعلّ المراد من السكتة غير الوقف ، بل هو وقف معه سكوت ما ، كيلا يكون قراءتهما بنفس واحد.

بل قد ورد في رواية (١) حمّاد تقدير السكتة بعد السورة بنفس ، مع أنّك قد سمعت كراهة قراءة التوحيد بنفس واحد ، ولعلّ ثبوتها في الحمد أظهر.

ولذا حكى المولى البهبهاني عن بعضهم أنّه قال : والأولى أن لا يقرأ مقدار سورة التوحيد من غيرها أيضا بنفس واحد ، ثمّ قال : ولعلّه كذلك ، بل لعلّ الأقل منها أيضا كذلك لاستحباب الترتيل.

أقول : ومع كلّ ذلك فلعلّ الأظهر أنّ مراعاة الوقف في مواضعة الّتى هي مقاطع الكلام من الترتيل المندوب اليه ، ومثل هذا الترتيل يحسن مراعاته ولو في المناجاة والأدعية ، وفي الكلمات العرفيّة ، بل وكذا في الخطب والأشعار ، فإنّ في كلّ كلام مواضع للفصل والوصل يعرفها أهل العرف ، وأرباب دراية المعنى ، بحيث يعرفون بالوجدان حسن الفصل في مواضع منها ، والوصل في غيرها كما يقضى به التأمّل في مخاطباتهم العرفيّة.

وفي كلام الأردبيلى في «مجمع الفائدة» ما يؤذن بدعوى الإجماع على أولويته في مواضعه.

بل ولعلّ إليه إشعارا فيما رواه الكليني قدس‌سره في «الكافي» ، من حفص ، قال : «ما رأيت أحدا أشدّ خوفا على نفسه من موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، ولا أرجى للناس منه ، وكانت قراءته حزنا ، فإذا قرأ فكأنّه يخاطب إنسانا» (٢).

بل ومن هنا عدّ غير واحد من أصحابنا من الترتيل : أو الوقف المستحبّ

__________________

(١) بحار الأنوار ج ٨٤ ص ١٨٩.

(٢) أصول الكافي ص ٥٩٤.

٤٢٠