تفسير الثمرات اليانعة - ج ٥

يوسف بن أحمد بن عثمان [ الفقيه يوسف ]

تفسير الثمرات اليانعة - ج ٥

المؤلف:

يوسف بن أحمد بن عثمان [ الفقيه يوسف ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة التراث الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

قوله تعالى :

(أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى).

قيل : نزلت في أبي جهل ؛ لأنه نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الصلاة ،

وثمرتها : النهي عن منع الصلاة ، وكذلك كل طاعة ، ويلزم من ذلك وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وقوله تعالى : (كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ).

أراد بالسجود الصلاة ، وقوله : (وَاقْتَرِبْ) أي : تقرب إليه بالمواظبة على طاعته.

سورة القدر

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى :

(إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ).

ثمرة ذلك : بيان فضل هذه الليلة ، وسميت ليلة القدر لما قدر فيها من الأمور.

وقيل : لخطرها وشرفها على سائر الليالي ، وإنما ذكر ألف شهر ، قيل : لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكر رجلا من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر ، فاستقصر المسلمون أعمالهم ، فاعطوا ليلة من أحياها كان ذلك أبلغ حالا من ذلك.

وقيل : إن الرجل فيما مضى لا يسمى عابدا حتى يعبد الله ألف شهر ، فأعطوا ليلة من أحياها كان أحق أن يسمى عابدا.

والخلاف في بقائها وتعيينها ، وإبهامها مأخوذ من غير الآية الكريمة.

٥٢١

قال في (الروضة والغدير) : ويجوز أن تكون في سنة في ليلة ، وفي الثانية في غيرها ، فعلى هذا لو قال عبده حر ليلة القدر ، وكان ذلك في سادس وعشرين لم يعتق إلا في التاسع والعشرين من السنة الثانية لجواز أنها في السنة الأولى في الثالث والعشرين ، وفي السنة الثانية في التاسع والعشرين.

سورة لم يكن (البينة)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى :

(وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)

ثمرة ذلك : وجوب النية في العبادة ؛ لأن الإخلاص هو النية.

سورة الهاكم (التكاثر)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى : (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ)

ثمرة ذلك : النهي عن المكاثرة والمفاخرة بالأهل والمال ؛ لأن ذلك ورد على طريق الذم للذين تكاثروا فيما بينهم.

سورة العصر

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى : (وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ).

ثمرة ذلك : وجوب الأمر بالمعروف ، والحق هو الواجب.

وقيل : الإيمان والتوحيد ، وقيل : القرآن.

٥٢٢

سورة الهمزة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ).

النزول : قيل : إنها نزلت في مشرك بعينه كان يهمز الناس ويلمزهم ، أي يعيبهم عن ابن عباس.

وقيل : نزلت في الأخنس بن شريق وكان عادته الغيبة والوقيعة.

وقيل : في أمية بن خلف ، وقيل : في الوليد بن المغيرة ، واغتيابه لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغضه منه.

قال جار الله ـ رحمه‌الله ـ : ويجوز أن يكون السبب خاصا والوعيد عاما.

المعنى : (وَيْلٌ) كلمة وعيد ، وقيل : واد في جهنم (لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ). واختلف المفسرون فقيل : معناهما واحد ، وذلك للغيّاب والطعّان ، عن مقاتل ، وأبي علي ، وأبي مسلم ، قال الشاعر :

تدلي بود إذا لاقيتني ملقا

وإن أغيّب فأنت الهامز اللمزة

والصيغة لمن ضري بذلك ، وجعله عادة كاللّعنة والضّحكة ، وقيل : هما واحد ، للمشاء بالنميمة للفرق بين الأحبة ، الباغي للبرء بالمكاره عن ابن عباس.

وقيل : الهمزة : الطعان ، واللمزة : المغتاب ، عن ابن عباس ، وقيل : العكس عن سعيد بن جبير ، وقتادة ، وكذا بمعناه عن الحسن ، وعطاء ، وأبي العالية.

وقيل : الهمزة : الذي يهمز الناس بيده وبصره ، واللمزة : الذي يلمزهم بلسانه وعينه.

وقيل : الهمزة باللسان ، واللمزة بالعين ، عن سفيان ، وابن كيسان.

٥٢٣

قال في الكشاف : وقرئ (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) ـ بسكون الميم ـ وهو المسخرة ، الذي يأتي بالأوابد والأضاحيك فيضحك منه ويشتم.

قوله تعالى : (الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ)

قرئ (جمع) بالتخفيف والتشديد في السبع ، وعدده : القراءة الظاهرة بالتشديد ، وقرئ في الشاذ بالتخفيف ، ومعناه : أحصى عدده أو جمع ماله ، وقومه الذين ينصرونه ، من قولك : فلان ذو عدد وعدد ، إذا كان له عدد وافر من الأنصار ، وما يصلحهم.

وقيل : وعدّده بمعنى عدّه ، لكن فك الادغام ، وقيل : عدّده أي : جعله ذخرا له لنوائب الدهر. وقيل : جعله عتادا له عن مقاتل ، والمراد جمع مالا من غير حله ، ومنعه حقه.

وروي أنه كان للأخنس بن شريق أربعة آلاف دينار وقيل عشرة آلاف.

وعن الحسن ـ رضي الله عنه ـ : أنه عاد موسرا فقال : ما تقول في الورق (١) لم أفتد بها من لئيم ، ولا تفضلت على كريم ، قال : ولكن لما ذا؟ قال : لنبوة الزمان وجفوة السلطان ، ونوائب الدهر ، ومخافة الفقر ، قال : إذا تدعه لمن لا يحمدك ، وترد على من لا يعذرك.

وقوله تعالى : (يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ)

يعني : طول المال أمله ، ومناه الأماني البعيدة.

ثمرة ذلك : تحريم ما ذكر من الهمز واللمز وتجميع المال على وجه لا يحل ، ومنع حقه ، والمكاثرة به ، والمفاخرة بالقول ، وتحريم اعتياد التعجيب والتضحيك. وأما كون الهمز واللمز يقطع بكبره فإذا كان ذلك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان كفرا.

قال الإمام يحيى : وأما الأئمة والعلماء فيكون فسقا ، ولغيرهم لا يقطع بكبره ، وما وردت فيه الآية بالوعيد كان من الكفار ، وكان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فذلك ورد فيه الوعيد.

__________________

(١) في الكشاف ألوف تمت.

٥٢٤

سورة الفيل

بسم الله الرّحمن الرّحيم

والقصة الواردة فيه من ثمرات ذلك فضيلة بيت الله الحرام ، ولعبد المطلب أنه أنشد وهو آخذ بحلقة الباب :

يا رب لا أرجو لهم سواك

يا رب فامنع منهم حماك

إن عدو البيت من عاداك

امنعهم أن يخربوا فناك

سورة لإيلاف (قريش)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الذي صحح أنها سورة مستقلة ، وقال بعضهم : إن سورة الفيل وقريش سورة واحدة.

وروي أن في مصحف أبي لا فصل بينهما.

وروي أن عمر قرأ بهما في الثانية من المغرب ، وقرأ في الأولى بالتين.

قال الحاكم : هذا لا يدل على أنهما سورة.

وقوله تعالى

(فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) [قريش : ٣ ، ٤]

قيل : لا يغار عليهم ؛ لأن قلوب العرب جبلت على تعظيمه ، عن قتادة.

وقيل : كانوا في أسفارهم إذا قالوا نحن أهل حرم الله لا يتعرض لهم.

٥٢٥

وقيل : أمنهم من الجذام ، فلا يصيبهم ببلدهم.

وقيل : ذلك بدعاء إبراهيم صلّى الله عليه [وآله] وسلم.

قال جار الله : ومن بدع التفاسير أمنهم أن تكون الخلافة في غيرهم.

ثمرة ذلك : أن ينوي بالعبادة الشكر ، فإذا صلى نافلة نوى الشكر لله على نعمه.

قال في التهذيب : وعن أم هانئ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إن الله تعالى فضل قريشا لأني منهم ، والنبوة فيهم ، والحجابة فيهم ، والسقاية فيهم ، ونصرهم على الفيل ، وعبدوا الله عشر سنين لا يعبده غيرهم فأنزل الله فيهم سورة لم يشرك فيها أحدا غيرهم».

فيكون لهذا ثمرة وهي أن لقريش مزية على غيرهم ، وقد ورد الحديث عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «قدموا قريشا ولا تقدموها».

سورة أرأيت (الماعون)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى

(أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) [الماعون : ١ ـ ٣]

القراءة الظاهرة (يَدُعُ) ـ بضم الدال وتشديد العين ـ من الدع الذي هو الدفع ، وقرئ (يدع) ـ بفتح الدال ـ أي يترك.

النزول

قيل نزلت في أبي سفيان بن حرب فكان ينحر فأتاه يتيم فسأله فقرعه بعصاه فنزلت.

٥٢٦

وقيل : نزلت في العاص بن وائل السهمي ، وقيل : في الوليد بن المغيرة ، وقيل : في عمرو بن عائذ المخزومي ، وقيل : في هبيرة بن أبي وهب.

وثمرتها : قبح ظلم اليتيم ، وأنه أقبح من ظلم غيره ؛ لذلك خصه الله تعالى ، وإنما كان كذلك لضعفه وعدم ناصره ، وفي الحديث عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يقول الله تعالى : اشتد غضبي على من ظلم من لا يجد ناصرا غيري».

ومن ثمراتها : ذم من لا يطعم المسكين ولا يحظ على طعامه.

قوله تعالى

(فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) [الماعون : ٤ ـ ٧]

ثمرة ذلك : قبح السهو عن الصلاة ، والرياء ، ومنع الماعون.

أما السهو عن الصلاة فقيل ذلك وارد في المنافقين الذين يتركونها سرا ، ويصلونها جهرا ، ولا نية لهم ، وسماها صلاة ؛ لأن صورتها صورة الصلاة.

وقيل : لا يصلون ، وقيل : أراد لا يتمون أركانها ، بل ينقرونها نقرا ، وقيل : يتركونها حتى يخرج وقتها ، وصحح الحاكم أنها في المنافقين ؛ لأن أول الآية في المكذبين ، وقيل : في غير المنافقين.

قال الحاكم : والذم على سبب السهو الذي هو من فعل العبد ليتوجه الذم إليه ، لا على ما هو من فعل الله.

وروي عن أنس أنه قال : الحمد لله على أن لم يقل في صلاتهم ، وقد روي هذا عن عطاء ، يعني ولم يقل : في صلاتهم ؛ لأن السهو في الصلاة يقع ، وقد كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسهو في صلاته فضلا عن غيره ، ومن ثم أثبت الفقهاء باب سجود السهو. وأما الرياء فقد عد من الكبائر.

٥٢٧

قال جار الله : ولا يكون الإنسان مرائيا بإظهار الفريضة لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا غمة في فرائض الله ؛ لأنها شعائر الدين» وتاركها يستحق الذم ، فيظهرها لإزالة التهمة ، والمراد إذا نوى بها ما شرعت له ، لا إذا أراد بها الرياء.

وأما النوافل فإن أظهرها ليقتدى به كان جميلا ، وإن قصد أن يثنى عليه بالصلاح كان قبيحا ورياء.

وعن بعضهم أنه رأى رجلا سجد في المسجد سجدة شكرا وأطالها فقال : (ما أحسن هذا لو كانت في بيتك) ، وإنما قال ذلك ؛ لأنه توهم منه الرياء والسمعة.

قال جار الله : دلت على أن اجتناب الرياء صعب إلا على المرتاضين بالإخلاص ، ومن ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الرياء أخفى في أمتي ، من دبيب النملة السوداء ، في الليلة المظلمة ، على المسح الأسود».

وأما منع الماعون فقد توعد الله عليه ، فالذي صحح للمذهب ، وهو الظاهر من قول العلماء : أنه الزكاة ، وذكر ذلك عن علي عليه‌السلام وابن عمر ، وابن الحنفية ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، وأبي مسلم.

قال في التهذيب : وروي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «الماعون الزكاة أربع مرات» قال الراعي :

قوم على الإسلام لما يمنعوا

ما عونهم ويضيعوا التهليلا (١)

قال ذلك شكاية على عثمان من ولاته.

وعن ابن عباس ، وابن مسعود ـ رضي الله عنهما ـ وإبراهيم ، وسعيد بن جبير : [ما يتعاور في العادة من الفاس ، والقدر ، والمغرفة ، وقد ذكر المنصور بالله أن عارية هذا واجبة وذكر](٢) في رسالته المسماة ب

__________________

(١) البيت ساقط في (ب).

(٢) ما بين المعكوفين ساقط من (ب).

٥٢٨

(رسالة البيان والثبات إلى كافة البنات) أنه لا يجوز للمرأة أن تعير شيئا من غير إذن زوجها إلا أساود البيت ، وهي ما ذكرنا.

وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ : الماء ، والنار ، والملح.

قال في عين المعاني : وفي الحديث : «لا يحل منع الماء والملح والنار».

قال في الكاشف : وقد يكون منع هذه الأشياء محظورا في الشريعة إذا استعيرت عن اضطرار ، وقبيحا في المروءة في غير حال الضرورة.

قال الحاكم : الأولى أنه الحقوق الواجبة التي تجب بالشرع كالزكوات ، والنفقات ، وأما ما يحتاج إليه عند الضرورة فلا تحمل الآية عليه ، إلا أن يتخلق بالبخل حتى اعتاده في أموره حتى في العارية.

وقد قال في (الروضة والغدير) : إن منع الجيران من عارة ما جرت العادة به نحو الفاس ، والدلو ، والقدر ، والصحفة ، والمنع بما جرت العادة بهبة اليسير منه في بعض الحالات من الملح ، والماء ، واللبن المخيض ، لا يجوز ويلحق هذا بالواجب.

والضرورة أن يكون طالبه معدما في تلك الحال ، والوجه عموم الآية لجميع ذلك.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ومن منع الماعون من جاره إذا احتاج إليه منعه الله فضله ووكله إلى نفسه ، ولم يقبل عذره وهو من الهالكين».

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «البرمة ، والقدر من الماعون».

قال الأمير : وهذا نص على ما ذكرناه ، قال : فعلى هذا إذا احتاج جاره ومعه شيء من الزكاة سد خلة جاره منها ، ولم يجز له أن يعطيها أحدا مع حاجة جاره وفاقته ؛ لأن الله تعالى قد قال : (وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ) [النساء : ٣٦] وأوصى به حتى ظن أصحابه أنه يورثه.

٥٢٩

سورة الكوثر

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ).

قال في الكشاف : وفي قراءة النبي (إنا أنطيناك الكوثر) ، بالنون ، وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «وانطوا الثبجة» أي : اعطوا في الزكاة المتوسطة بين السمن والهزال ، والكوثر : المفرط في الكثرة ، قيل لأعرابية رجع ابنها من السفر : بم آب ابنك؟ قالت : آب بكوثر.

وقيل : هو نهر في الجنة ، وقد قال عليه‌السلام حين نزلت : «أتدرون ما الكوثر؟ إنه نهر في الجنة وعدنيه فيه ربي فيه خير كثير» وروي في صفته (أحلى من العسل ، وأشد بياضا من اللبن ، وأبرد من الثلج ، وألين من الزبد ، حافتاه الزبرجد ، وآنيته من فضة عدد نجوم السماء).

وروي : لا يضمأ من شرب منه أبدا ، أول وارديه فقراء المهاجرين ، الدنسو الثياب ، الشعث الرءوس ، الذين لا يروحون المنعمات ، ولا تفتح لهم أبواب السّدد ، يموت أحدهم وحاجته تلجلج في صدره ، لو أقسم على الله لأبره.

قوله تعالى : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ).

ثمرتها : أن الصلاة والنحر من ذكر الله ، واختلف ما أراد؟ فقيل : صلاة العيد ، ونحر الأضحية عن عكرمة ، وعطاء ، وقتادة ، وأبي علي.

وقيل : عام في الصلوات ، والنحر أن يجعله لله خلاف ما عليه المشركون من نحرهم للأوثان عن محمد بن كعب.

وقيل : صلاة الفجر بمزدلفة ، ونحر البدن بمنى ، عن سعيد بن جبير ، ومجاهد ، وقيل : صل وانحر : بمعنى اجعل اليمين على الشمال في الصلاة ، حد النحر عن علي ، وابن عباس ، وهذه المسألة قد اختلف فيها العلماء ، فمذهب عامة أهل البيت أن ذلك غير مشروع.

٥٣٠

وقال أبو حنيفة ، والشافعي ، والقاسم في مسائل عبد الله بن الحسن : إنه مشروع.

وقال أبو حنيفة : تحت السرة ، وقال الشافعي : فوق السرة وتحت الصدر ، وقال مالك : إنه مشروع في النفل إذا طال.

وسبب الخلاف أن الأئمة قالوا : المأمور به في الصلاة الخشوع ، لقوله : (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) وترك الوضع من الخشوع ، ومن قال : إنه سنة قال : قد ورد ذلك صريحا ونصا.

قال في سنن أبي داود : وعن ابن الزبير أنه قال : صف القدمين ووضع اليد على اليد من السنة.

وعن ابن مسعود أنه كان يصلي فوضع يده اليسرى على اليمنى فرآه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوضع يده اليمنى على اليسرى.

وعن علي ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : السنة وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة.

وروي بالاسناد عن علي عليه‌السلام كان يمسك شماله بيمينه على الرسغ فوق السرة.

قال أبو داود : وعن سعيد بن جبير فوق السرة ، وقال أبو مخلد : تحت السرة ، وكذا عن أبي هريرة.

وعن طاوس قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يضع يده اليمنى على يده اليسرى ، ثم يشد بهما على صدره وهو في الصلاة.

قال أهل المذهب : اختلاف الرواية فيما لا يجوز فيه التخيير يوجب إطراحها والرجوع إلى الأصل ، وهو أن الأفعال غير مشروعة ، وأن الفعل الكبير مفسد.

وقال أبو طالب : إذا فعل ذلك بطلت صلاته.

وجه قول مالك في النهاية : قد جاء في صفة صلاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث أبي حميد وضع اليمين على اليسار ، وجاءت آثار ثابتة لم ينقل فيها أنه كان

٥٣١

يضع الكف على الكف مع نقل صفة صلاته ، فقال قوم : الزيادة مقبولة ، وقال قوم : هذه الزيادة ليست مناسبة للصلاة ، وإنما هي من باب الاستعانة ، فلهذا أجازها الشافعي في النفل لا في الفرض.

وقيل : هو أن يقعد بين السجدتين حتى يبدو نحره عن عطاء.

وقيل : ارفع يديك بالدعاء إلى نحرك عن سلمان التيمي ،

وقيل : ارفع يديك إلى النحر عند افتتاح الصلاة.

وقد اختلف العلماء في هذه المسألة ، فقال الهادي ، وأحد الروايتين عن القاسم ومالك : ليس بمشروع.

وقال القاسم في الرواية الثانية : إنه مشروع للرجال دون النساء إلى شحمة الأذن ، أو إلى المنكبين.

وقال مالك في رواية : يخير.

وقال المؤيد بالله ، والناصر ، وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي وهو قول أكثر العلماء إنه مشروع للرجال والنساء ،

وسبب الخلاف أن الهادي عليه‌السلام ومن معه تمسكوا بقوله تعالى : (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) وبقوله عليه‌السلام : «اسكنوا في الصلاة» وذلك يقتضي ترك الرفع.

قالوا : ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس ، اسكنوا في الصلاة» لكن يقال : هذا ورد في رفع أيديهم عند السّلام ، وذلك لأن من تمام الخبر : «إنما يكفي أحدكم إذا سلم على أخيه أن يقول : السّلام عليكم ورحمة الله ، وأشار بأصبعه المسبحة يمينا وشمالا».

قال في النهاية : وفي حديث أبي هريرة أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له : «وكبر» ولم يأمر برفع يديه.

ومن أثبت ذلك قال : قد ثبت عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حديث ابن عمر وغيره أنه كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ، وفي سنن أبي داود بالإسناد إلى سالم عن

٥٣٢

أبيه قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى تحاذي منكبيه ، وإذا أراد أن يركع وبعد ما يرفع رأسه من الركوع.

وفي حديث ابن عمر أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا قام إلى الصلاة رفع يديه إلى حذو منكبيه ، ثم كبر وهما كذلك.

وفي حديث وائل بن حجر قال : صليت خلف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكان إذا كبر رفع يديه ، وروي هذا في السنن من طرق كثيرة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وفي الشرح : وروى زيد بن علي عن أبيه ، عن جده ، عن علي ـ صلوات الله عليهم ـ أنه كان يرفع يديه في التكبيرة الأولى إلى فروع أذنيه.

وعن ابن مسعود قال : صليت خلف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر ، وعمر فكانوا لا يرفعون إلا في تكبيرة الافتتاح.

قال الإمام يحيى : الرفع هيئة عند من أثبته ،

وفي النهاية عند الجمهور من المالكية أنه سنة ، وذهب داود وجماعة من أصحابنا إلى أن ذلك فرض.

قال الحاكم : الأولى أن يحمل على الصلاة ونحر الإبل ؛ لأنه المشهور الظاهر ؛ لأنه عطفه على الصلاة.

سورة يا أيها الكافرون (الكافرون)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ).

هذا خطاب لبعض الكفار ، فلا يقال : الكفر ملة واحدة ، كما قال أبو حنيفة وأحد قولي الشافعي بل ملل مختلفة عندنا ، وأحد قولي الشافعي لقوله تعالى في سورة البقرة : (وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى) [البقرة : ١١٣] الآية ، فلا تصح بينهم المناكحة والموارثة.

٥٣٣

قوله تعالى : (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) ثم قال : (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ) قيل : ذلك تأكيد ، وقيل : الأول وهو قوله : (ما أَعْبُدُ) في المستقبل ، وقوله : (وَلا أَنا عابِدٌ) يعني : فيما سلف.

وقيل : أراد بالأول معبودهم ، وهو أصنامهم ، وأراد بالثاني عبادتهم ، وما مصدرية.

وأما قوله تعالى : (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) فجاء ب (ما) فقيل : إنها بمعنى الذي ، وقيل : أراد الصفة ، كأنه قال : لا أعبد الباطل ، ولا أنتم تعبدون الحق ؛ لأن ما لما لا يعقل ، وقيل : إنها مصدرية.

قوله تعالى : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) قيل : هذا تهديد ، وقيل : لكم جزاء دينكم ، وقيل : منسوخ بآية السيف.

سورة النصر

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى :

(إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً).

ثمرة هذا : أن ظهور كلمة الإسلام والإيمان من أحسن نعمة يجب شكرها ، فلهذا أمر الله نبيه بالتسبيح والاستغفار.

قيل : أراد بالتسبيح التنزيه ، وقيل : أراد بالتسبيح الصلاة ، وروت أم هاني أنه لما فتح باب الكعبة صلى صلاة الضحى ثماني ركعات ، وفي ذلك دلالة على استحبابها ، وعلى استحباب صلاة النفل في الكعبة ، وإنما أمر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالاستغفار مع التسبيح ؛ لأن في ذلك جمعا بين الطاعات ، والاحتراز من المعصية.

٥٣٤

قيل : واستغفاره مما صدر منه من الصغائر ، وقيل : لأن الاستغفار من التواضع وهضم النفس ، فهو عبادة في نفسه.

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إني لأستغفر الله في اليوم والليلة مائة مرة» وإنما كان دخول الناس في الدين منّة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لسروره بذلك ، وبلوغه مقصده في تمام مراده ، ولأن ثوابه يكثر بكثرة أتباعه ، ولأنه يباهي يوم القيامة بكثرة أمته ، وقد كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكثر قبل موته أن يقول : «سبحانك اللهم وبحمدك ، استغفرك وأتوب إليك» والمراد بالفتح فتح مكة على ما هو الظاهر ، وقيل : المدائن وهو خفي.

ونزول الآية عدة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنصر ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صالح قريشا عشر سنين يوم الحديبية ، ودخل خزاعة في حلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ودخل بنو بكر في حلف قريش ، وكان بينهما شر في الجاهلية ، فوقع بين بني بكر وبني خزاعة قتال فأعان قريش بني بكر سرا ، وأصابوا منهم ، فخرج عمرو بن سالم الخزاعي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستنصره ، وأنشد أبياتا فيها :

إن قريشا أخلفوك الموعدا

ونقضوا ميثاقك المؤكدا

وقتلونا ركعا وسجدا

فانصر هداك الله نصر أعتدا

وادع عباد الله يأتوا مددا

فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : «اللهم عم العيون والأخبار» وفتح مكة عنوة.

قال الحاكم : وذلك إجماع أهل السير ، والفقهاء ، غير الشافعي فقال : فتحت صلحا ، ولما دخل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «يا أهل مكة ما تروني فاعل بكم ، قالوا : أخ كريم وابن أخ كريم ، قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء» فأعتقهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد كانوا له فيئا ، ولعل ذلك في النساء والصغار ؛ لأن البالغين من الذكور من كفار العرب الذين لا كتاب لهم لا يسبون ،

٥٣٥

وقد أخذ من القصة أحكام : الأول : أن الصلح للكفار المؤقت جائز ، حيث لا يكون للمسلمين قوة ،

ومنها : أنهم إذا نقضوا العهد تعديا ونكاية جاز غزوهم سرا ؛ لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج خفية وقال : «اللهم عم العيون والأخبار».

ومنها : أنه يجوز للإمام كما فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع أهل مكة.

ومنها : أنه يجوز دخولها لحرب من التجأ إليها من الكفار من غير إحرام ؛ لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل وعلى رأسه المغفر.

قال الإمام يحيى بن حمزة : وأما قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تحل لأحد قبلي ولا لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار» فالمراد له ولمن كان على صفته ، وكلام الإمام عليه‌السلام محتمل في دخول غير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

سورة تبت (المسد)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ما).

النزول : لما نزل قوله تعالى : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) [الشعراء : ٢١٤] رقا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصفاء وقال : «يا صباحاه» فاستجمع الناس إليه من كل أوب ، وقال : «يا بني عبد المطلب ، يا بني فهر إن أخبرتكم أن بسفح هذا الجبل خيلا أكنتم مصدقي؟» قالوا : نعم ، قال : «فإني نذير لكم بين يدي الساعة» فقال أبو لهب : تبا لك ، ألهذا دعوتنا ، فنزلت.

ولهذه ثمرة : وهي جواز تكنية الكفار إذا كان اسمه أخفى من الكنية ، فقد قيل : إنما كناه الله تعالى بأبي لهب وعدل عن اسمه ؛ لأن كنيته أشهر ، فأريد تقريعه بدعوة السوء ، ولأن اسمه عبد العزى فعدل عن ذكر الصنم ، ولأن مصيره لما كان إلى نار ذات لهب وافق حاله كنيته ، وكان جدير بأن يكنى بحالته التي يصير إليها ، كما يقال : أبو الشر للشرير ، وأبو الخير للخير.

٥٣٦

قال النواوي : وقد جاء في الحديث : «هذا قبر أبي رغال».

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عبد الله بن أبي : أبو حباب وتكرر في الحديث تكنية أبي طالب واسمه عبد مناف.

قال : وإذا لم يحصل ما ذكر لم ينبغ أن نكنيهم ؛ لأنا قد أمرنا بالإغلاظ عليهم ، فلا ينبغي أن ترقق لهم عبارة ، ولا تلين لهم قولا ، وقد كتب رسول الله إلى هرقل فقال : «من محمد بن عبد الله ورسوله إلى هرقل» فسماه باسمه ولم يكنه ، ولا لقبه بلقب ملوك الروم وهو قيصر.

وأما التكنية لغير الكافر فلا حرج ، وقد تكنى كثير من الصحابة ، كأبي الدرداء ، وأبي أمامة ، وأبي ليلى وغيرهم.

قال : والأدب أن لا يذكر الرجل كنيته في كتابه ولا في غيره إلا أن لا يعرف إلا بكنيته ، أو كانت الكنية أشهر من الاسم.

قال النحاس : إذا كانت الكنية أشهر تكنى على نظيره ، وتسمى لمن فوقه ، ثم يلحق المعروف أبا فلان أو بأبي فلان.

وأما التكني بأبي القاسم فقد جاء في البخاري ومسلم عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي».

قال في الأذكار : قال الشافعي لا يجوز لأحد أن يكنى بأبي القاسم ، سواء كان اسمه محمد أو غيره ، رواه عن الشافعي أبو بكر البيهقي ، وأبو محمد البغوي ، وأبو القاسم بن عساكر.

وقال مالك : يجوز التكني بأبي القاسم لمن اسمه محمد ولغيره ، ويجعل النهي خاصا بحياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى آله ؛ لأن سبب النهي تكني اليهود بأبي القاسم ومناداتهم يا أبا القاسم للإيذاء ، وقد زال ذلك.

المذهب الثالث : وصححه الرافعي لا يجوز لمن اسمه محمد ويجوز لغيره ، وقد رجح النواوي الجواز مطلقا ؛ لأن الناس لا يزالون يكنون بذلك في جميع الأعصار ، وفيهم الأئمة الأعلام ، وأهل الحل

٥٣٧

والعقد الذين يقتدى بهم ، ويكون في هذا تقوية لقول مالك ، ويكونون قد فهموا من النهي للاختصاص بحياته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومعنى (تَبَّتْ) أي : هلكت ، والمراد هلاك جملته ، وقيل : خلت ، وقيل : خسرت.

قال في عين المعاني : ولما قتل عثمان ـ رضي الله عنه ـ سمع هاتف يقول :

لقد خلوك فانصدعوا

فلا آبوا ولا رجعوا

ولم يوفوا بنذرهم

فتبا للذي صنعوا

قوله تعالى : (ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ)

قيل : أراد رأس المال وما كسب من الأرباح أو الماشية ، وما كسب من نسلها ، أو ماله الذي ورثه من أبيه ، والذي كسبه بنفسه.

وعن ابن عباس : ما كسب هو ولده ، وروي أن أولاده اقتتلوا فقام يحجز بينهم فدفعه أحدهم فوقع فقال : اخرجوا عني هذا الكسب الخبيث ، ومنه قوله عليه‌السلام : «إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه ، وإن ولده من كسبه».

قال الرازي : وهو قوله عليه‌السلام «أنت ومالك لأبيك» وهذا يستثمر منه صحة استيلاد الأب جارية ابنه ، وأنه لا يحد ولا يقتل بولده كما لا يقتل بعبده ، ولأنه كسبه ، وأنه يلحقه ما فعل ولده من القرب كما ذكره المنصور بالله ، وأنه يلزمه قبول هبة المال من ولده للحج به وهذا محتمل.

قوله تعالى : (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ)

هي أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان ، وكانت تحمل حزم الشوك إلى طريق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تنثرها بالليل.

وقيل : كانت تمشي بالنميمة وهو يقال للنمام : حامل الحطب ؛ لأنه يوقد العداوة ، ولهذا قال الشاعر :

٥٣٨

من البيض لم تصطد على ظهر لامة

ولم تمش بين الحي بالحطب الرطب

اللامة : الأمر الذي يلام عليه ، وشبه بالرطب لكثرة دخانه وهو زيادة في الشر.

سورة الإخلاص

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى :

(قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ).

النزول

قيل إن المشركين قالوا : أنسب لنا ربك؟ فأنزل الله تعالى هذه السورة.

وقيل : إن عامر بن الطفيل قال للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : صف لنا من تدعونا إليه أمن ذهب؟ أم من فضة؟ أم من حديد؟ أم من نحاس؟ فنزلت هذه السورة ، وفي أمر الله تعالى لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : (قُلْ) دلالة على أنه يجب رد القول الباطل بقول الحق.

سورة الفلق

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى :

(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)

معناه : امتنع واعتصم ، وفي ذلك دلالة على وجوب التعوذ بالله من

٥٣٩

كل شر ، وكذلك سورة الناس تدل على ذلك ، وقد كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعوذ الحسن والحسين فيقول : «أعيذكما بكلمات الله التامة ، من كل شيطان وهامة ، ومن كل عين لامة» وقال : يقول : «إن أباكما كان يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق» ورواه البخاري.

وقال العلماء : الهامة ـ بتشديد الميم ـ : كل ذات سم تقتل كالحية ، واللامة ـ بتشديد الميم ـ ما يصيب من العين.

قيل : فلما نزلت المعوذتان كان يعوذ بهما.

قوله تعالى :

(وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ)

يعني : السواحر التي يعقدن عقدا في خيوط وينفثن

قال الحاكم ـ رحمه‌الله ـ : ويوهم السحرة أنهم يمرضون ويصحون ، وجهال العوام يصدقونهم وذلك كفر ، فأمر الله تعالى بالتعوذ منهم ، وكذلك يوهمون بخدمة الجن لهم ، وأنهم يفعلون ما يريدون ، ويعلمون الغيب ، وهذا أيضا كفر.

قوله تعالى :

(وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ)

قيل : لأنه عند الحسد يبتغي الغوائل ، ويتمنى زوال النعمة ، ونزول الضرر بالمحسود ، فأما لو لم يضر بحسده بل أحب أن يكون له من الخير كما رأى مع غيره ، ولا يحب زوال ما بصاحبه ، فذلك غيرة ، ولا حرج فيه.

وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الغيرة من الإيمان».

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا حسد إلا في اثنتين ، رجل أتاه الله مالا ، وسلطه على إنفاقه في الحق ، ورجل أتاه الله الحكمة فهو يعمل بها ويقضي».

٥٤٠