تفسير الثمرات اليانعة - ج ٥

يوسف بن أحمد بن عثمان [ الفقيه يوسف ]

تفسير الثمرات اليانعة - ج ٥

المؤلف:

يوسف بن أحمد بن عثمان [ الفقيه يوسف ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة التراث الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

وقيل : ذات غبار وتراب ، شعرا :

قد اغتدي قبل طلوع الشمس

للصيد في يوم قليل النحس

في عين المعاني ـ وقيل : متتابعات ، وكانت من الأربعاء في آخر شوال سبع ليال وثمانية أيام ، وذكر في سورة الحاقة قيل : من الأربعاء ، وقيل : من الجمعة ، وقيل : من الأحد.

قيل : الريح هي الدبور ، وذكر تعالى هاهنا : (أَيَّامٍ) ، وفي الحاقة : (لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ) [الحاقة : ٧] ، وفي سورة القمر : (فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ) [القمر : ١٩] قيل : أراد باليوم الوقت.

قوله تعالى

(وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ) [فصلت. ٢٢ ، ٢٣]

النزول

روي عن ابن مسعود قال : إني لمستتر بأستار الكعبة إذ جاء ثلاثة نفر فتحدثوا فقال أحدهم : أترون الله يسمع ما نقول ، وقال الآخر : إذا رفعنا أصواتنا يسمع ، وإذا خفضنا لم يسمع ، وقال الثالث : إن كان يسمع إذا رفعنا أصواتنا يسمع إذا أخفينا ، فذكرت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه فنزلت.

ولهذه الآية ثمرات :

الأولى : ما ذكر جار الله ـ رحمه‌الله ـ أن في هذا تنبيها أن من حق المؤمن أن لا يذهب عنه ولا يزول عن ذهنه أن عليه من الله عينا كالئة ، ورقيبا مهيمنا حتى يكون في أوقات خلواته أهيب ، وأحسن احتشاما ، وأوفر تحفظا وتصونا منه مع الملأ ، ولا يبسط في سره مراقبة من التشبه بهؤلاء الظالمين.

١٦١

الثمرة الثانية : أن الظن في باب التوحيد مذموم.

فإن قيل : فقد ورد في حسن الظن بالله : «أنا عند عبدي حيث ظنه بي» فجوابه أن ذلك يثنى على العلم بالله.

قوله تعالى

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) [فصلت : ٢٦]

النزول

قيل : كان بعض المشركين يوصي البعض فيقول : إذا سمعتم محمدا يقرأ فعارضوه بالشعر ، والزجر.

وقيل : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا قام يصلي عارضه رجلان عن يمينه ورجلان عن شماله يغلطونه بالشعر ، والمكاء والصفير.

وثمرة ذلك : أنه يقبح معارضة الحق بالباطل.

قوله تعالى

(إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) [فصلت : ٣٠]

هذا بعث على الاستقامة ، وترغيب عظيم ، وللمفسرين في تفسيرها أقوال :

الأول : عن الحسن ، وقتادة ، وابن زيد ، وأبي علي : استمروا على الدين ، واثبتوا على اعتقاد التوحيد والعدل ، وعلى طاعته ، واجتناب معصيته.

١٦٢

وقال أبو مسلم : استقاموا على ما توجبه الربوبية.

وعن عمر : استقاموا على الطاعة ولم يروغوا روغان الثعلب.

وعن أبي بكر : لم يشركوا به.

وفي الحديث عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «لعن الله اليهود قالوا : ربنا الله ، ثم لم يستقيموا ، وقالوا : عزير ابن الله ، ولعن الله النصارى قالوا : ربنا الله ، ثم لم يستقيموا ، قالوا : المسيح بن الله ، ولعن الله المشركين ، قالوا : ربنا الله ، ثم لم يستقيموا ، قالوا : الملائكة بنات الله ، ورحم الله أمتي قالوا : ربنا الله ، ثم استقاموا ، ولم يشركوا به».

وعن ابن عباس : استقاموا على أداء فرائضه.

وعن مجاهد وعكرمة : استقاموا على شهادة لا إله الله حتى لحقوا بالله.

وعن الربيع : أعرضوا عما سوى الله.

وقيل : استقاموا فعلا كما استقاموا قولا.

وقيل : استقاموا إسرارا كما استقاموا إقرارا ، ولبعضهم : استقاموا بالوفاء على ترك الجفاء ، تنزل الملائكة بالرضاء ألا تخافوا من العناء ، ولا تحزنوا من الفناء ، وأبشروا بالبقاء.

ولبعضهم : لا تخافوا يا أهل الاستقامة ولا تحزنوا فلكم الكرامة ، وابشروا بدار السلامة.

ولبعضهم : لا تخافوا يا أهل الإيمان ، ولا تحزنوا وأنتم أهل الفرقان ، وابشروا بدار الرضوان.

قيل : وبشرى المؤمنين في ثلاثة مواضع : عند الموت ، وعند القبر ، وعن البعث.

١٦٣

قوله تعالى

(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)

وعن ابن عباس : هو الرسول صلّى الله عليه دعا إلى الإسلام ، وعمل صالحا فيما بينه وبين الله ، وجعل الإسلام نحلة له.

وعنه : أنهم أصحاب رسول الله ، وعن ابن زيد ، والسدي كالأول أنه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وقيل : جميع الأئمة والدعاة إلى الحق عن مقاتل ، وجماعة من المفسرين.

وقيل : هم المؤذنون عن عائشة ، وعكرمة.

وقوله : (وَعَمِلَ صالِحاً) صلى ركعتين بين الأذان والإقامة.

وعن عائشة : ما كنا نشك أن هذه الآية في المؤذنين.

وقوله : (وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ليس المراد أنه قال هذا القول ، وإنما المراد به جعل الإسلام مذهبه كما تقول : هذا قول أبي حنيفة ، أي مذهبه.

وفي التهذيب : يقول : أنا على دين محمد ، وملة إبراهيم ، ولست ممن يأمر بالبر ، وينسى نفسه ؛ لأنه إذا كان كذلك كان أقرب إلى القبول ، وفي ذلك دلالة على جواز قول الإنسان : إني مسلم ، ولا يستثني ، وفيها دلالة على أن الدعاء إلى الدين من أعظم الطاعات.

قوله تعالى

(وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [فصلت : ٣٤ ، ٣٥]

١٦٤

في تفسير ذلك وجوه :

قيل : يعني ملة الإسلام وملة الكفر.

وقيل : قول الداعي إلى الحق ، والداعي إلى الضلال ، وقيل : أراد الأعمال الحسنة ، والأعمال القبيحة.

وقيل : الدعاء بالرفق ، ولهذا قال تعالى : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وقيل : الإحسان والإساءة متفاوتان فخذ بالحسنة التي هي أحسن من أختها ، وإذا اعترضك حسنتان فالحسنة أن تعفو عن المسيء ، والتي هي أحسن أن تحسن إليه مكان إساءته ، مثل أن يذمك فتمدحه ، ويقتل ولدك فتفتدي ولده من عدوه ، وفي هذا قول بعضهم :

تجني عليّ وأحنوا صافحا أبدا

لا شيء أحسن من حان على جان

وقيل : إنها نزلت في أبي سفيان بن حرب وكان عدوا مؤذيا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصار وليا مصافيا ؛ لأن ذلك يصير العدو كأنه ولي حميم ، أي مواليا قريبا.

وثمرتها : البعث والترغيب ، والإحسان إلى المسيء ، وهذا مثل ما ورد في الحديث في قوله : «أن تصل من قطعك ، وتعطي من حرمك».

ومن ثمراتها أنه يجب البداية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالرفق ولين القول.

وقوله : (وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا)

أي ما يلقى هذه الخليقة والسجية التي هي مقابلة الإساءة بالإحسان إلا أهل الصبر ، وإلا رجل وفق لحظ عظيم من الخير.

وعن ابن عباس (التي هي أحسن) الصبر عند الغضب ، والحلم عند الجهل ، والعفو عند الإساءة ، وفسر الحظ بالثواب.

وعن الحسن الجنة.

١٦٥

وقوله تعالى

(وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [فصلت : ٣٦]

والمعنى : إن نزغك من الشيطان نزغ ، أي : وسوسة أو غضب يصدك عن العفو (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) ، أي فاعتصم بالله من شره ، وإذا أمر الرسول بالاستعاذة فغيره أولى بذلك.

وقيل : الخطاب عام وفي هذه الآية حث على مقابلة الإساءة بالإحسان من وجوه :

منها قوله تعالى : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ).

الثاني : قوله تعالى : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).

الثالث : (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ).

الرابع : قوله : (حَمِيمٌ).

الخامس : قوله : (وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا).

السادس : قوله : (إِلَّا ذُو حَظٍّ).

السابع : قوله : (عَظِيمٍ).

الثامن : قوله : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ).

قوله تعالى :

(لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)

قيل : كان قوم من العرب يسجدون لهما فنهوا عن ذلك.

وقيل : هم المجوس والصابئون فنهى الله تعالى عن ذلك ، وأمر بأن

١٦٦

يكون السجود له ، وهاهنا سجدة تلاوة في الكشاف عند الشافعي ، وهي رواية مسروق عن عبد الله ، السجود عند قوله : (تَعْبُدُونَ) وعند أبي حنيفة : عند لفظ (يَسْأَمُونَ).

قال في مهذب الشافعي : في الآية دلالة على صلاة الكسوف ؛ لأنه لا صلاة تعلق بالشمس ولا بالقمر ، إلا الصلاة لكسوفهما ، والمأخذ محتمل غير بين.

قوله تعالى

(إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا)

دلت على قبح الإلحاد.

قيل : هو التكذيب ، وقيل : الميل بالتأويل إلى غير الحق ، وقيل : بالمكاء والصفير.

قوله تعالى

(أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ) [فصلت : ٤٠]

قيل : نزلت في أبي جهل. وقوله : (أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً) في عثمان ، وقيل : في عمار.

قوله تعالى

(لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ) [فصلت : ٤٩]

المعنى : لا يمل من طلب الخير ، وهو السعة ، والصحة ، وفي ذلك إشارة إلى ذم الحرص.

وقوله تعالى : (وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ) يعني : يقل صبره ،

١٦٧

ويستشعر اليأس والقنوط ، وفي ذلك إشارة إلى ذم الجزع واليأس من الفرج ، وقد جاء في الحديث عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «انتظار الفرج بالصبر عبادة».

قوله تعالى

(سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) [فصلت : ٥٣]

ثمرة ذلك وجوب التفكر ، وأن ذلك طريق إلى معرفة الله.

١٦٨

سورة الشورى (حمعسق)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى

(وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) [الشورى : ٥]

في هذا وجهان ذكرهما في الكشاف :

الأول : أنه على العموم ، فيدخل فيه الكافر ، ويكون المراد بالاستغفار طلب الحلم عن المعاجلة بالعذاب ، والإهلاك ، ويكون المعنى : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) [الرعد : ٦] ، والمراد : الحلم عنهم بعدم المعاجلة ، كما في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) [فاطر : ٤١]

الوجه الثاني : أن المراد هنا الخصوص ، وهو أن الاستغفار للمؤمنين ، ولهذا قال في سورة المؤمن : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) [غافر : ٧] وقوله تعالى : (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ) [غافر : ٧].

وأما الكفار فلا يجوز الاستغفار من الملائكة لهم ، وقد قال تعالى في سورة البقرة : (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ) [البقرة : ١٦١] فلا يصح أن يكونوا لاعنين مستغفرين.

وثمرة هذه الآية وجوب استحباب الاستغفار للمؤمنين ، وجواز الدعاء للكافرين بعدم المعاجلة ، والحلم عنهم ليتوبوا.

١٦٩

وأما جواز لعنهم فيؤخذ من قوله تعالى في سورة آل عمران : (أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ) [آل عمران : ٨٧]

قوله تعالى

(وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) [الشورى : ٦]

يعني : حافظ لأعمالهم ، بل هو الله تعالى ، فلا يكون منسوخا.

وقيل : معناه مسلط تجبرهم على الإسلام ، فيكون منسوخا بآية السيف.

وقيل : معناه لست بمطالب بأعمالهم.

قوله تعالى

(قُرْآناً عَرَبِيًّا) [الشورى : ٧]

دل على أن القراءة بالفارسية لا تجزى بها الصلاة ، وقد تقدم الخلاف.

قوله تعالى

(أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) [الشورى : ٩]

الهمزة للإنكار ، أي : لا ينبغي أن تتخذ غيره.

وقيل : للتعجب ، والمراد هنا بالولي الآلهة.

قوله تعالى

(أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [الشورى : ١٣]

هذا متضمن للأمر بالإقامة ، وللنهي عن التفرق ، وهذا بيان ما شرع ، وما وصى به الأنبياء ، والمراد بإقامة الدين ما يكون به المرء مسلما من توحيد الله وطاعته ، والإيمان برسله وكتبه ، ويوم الجزاء ، والمراد بالتفرق

١٧٠

لا يضلل بعضهم بعضا ، بل يجتمعون على النظر في الدليل ، ولم يرد تعالى الشرائع التي من مصالح الأمم ، فإنها مختلفة. قال تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) [المائدة : ٤٨].

وثمرة الآية : وجوب النظر والمنع من التقليد في أصول الدين.

قوله تعالى

(وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ) [الشورى : ١٥]

أي بجميع الكتب المنزلة.

قال في عين المعاني : وهذا ليس بإيمان بمجهول بل بمعلوم جملة وإن لم يعرف تفصيله.

فإن قيل : هل يرد هذا إلى البيان مثل أن يصلي صلاة العيد ، وينوي على الوجه الذي يريده الله تعالى.

قلنا : هذا ليس بنظير ؛ لأن الإرادة من الله تعالى مختلفة بحسب اختلاف المذاهب ، فالله تعالى يريد من الحنفي في الوتر أن يريد بها الوجوب ، ومن الشافعي أن يريد بها المسنون ، وهكذا غيره ، ولكن لهذا نظير وذلك النية المجملة نحو : أن ينوي المصلي ما يصلي أمامه ، حيث التبس عليه هل ظهر أم جمعه (١) ، وسائر الصور ، وكذا إذا قال : اللهم إني آذنتك بكل ما تريده وما يريده رسولك مني ، فإن التبس على رجل هل الوقت باق أو فائت ، ونوى أن يصلي على الوجه الذي يريده الله منه ، وقصده هل أداء أو قضاء احتمل أن يصح ، وهذا جلي على أصل الهدوية ، أن النية المجملة تصح ، وينوي في صلاة رباعية أنه يصليها عن التي عليه في معلوم الله.

__________________

(١) فقط عند المؤيد بالله عليه‌السلام.

١٧١

وأما المؤيد بالله فقد قال : لا تصح النية المجملة فيما لو فاتته صلاة من خمس فيحتمل أنه لا تصح هاهنا.

قوله تعالى

(وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) [الشورى : ١٥]

قيل : المراد في الدعاء إلى الإسلام ، وقيل : إذا تحاكموا إليه فلا يختلف الحكم بينهم في وجوب العدل بين الشريف والدني ، والقريب والبعيد.

قال في التهذيب : وقيل : ثلاث من كن فيه فاز : العدل في الرضاء والغضب ، والقصد في الغنى والفقر ، والخشية في السر والعلانية ، وثلاث من كن فيه هلك : شح مطاع ، وهوى متبع ، وإعجاب المرء بنفسه ، وأربع من أعطيهن فقد أعطي خير الدنيا والآخرة : لسان ذاكر ، وقلب شاكر ، وبدن صابر ، وزوجة مرضية.

قوله تعالى

(لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) [الشورى : ١٥]

أي لنا جزاء أعمالنا ، وأنتم كذلك.

قوله تعالى

(لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ) [الشورى : ١٥]

قيل : المعنى قد ظهر الحق فانقطعت حجتكم ، وهذا الظاهر ، وقد نسخ ذلك بآية السيف.

قوله تعالى

(وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ) [الشورى : ١٦]

١٧٢

النزول

قيل : نزلت في اليهود والنصارى قالوا : كتابنا قبل كتابكم ، ونبينا قبل نبيكم ، ونحن خير منكم ، وأولى بالحق ، روي ذلك عن مجاهد.

وقيل : نزلت في المشركين وأنهم قالوا : إن مات محمد رجع هؤلاء عن دينهم ، فنزلت.

والمعنى : والذين يحاجون ، أي : يجادلون (فِي اللهِ) ، يعني : في دينه (بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ) ، أي بعد ما ظهرت المعجزة ، وأجابه الناس.

وقيل : بعد ما استجاب الله لنبيه دعاءه في ظهور الحق.

وثمرتها : قبح المجادلة والمحاجة بالباطل.

قوله تعالى

(اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ) [الشورى : ١٧]

المراد : وأنزل الميزان.

قيل : وأراد به العدل عن ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، وأبي مسلم ، وأراد : أنزل العدل في كتبه.

وقيل : أراد أنزل آلة الميزان ، فإنه قد روي أن آدم صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنزلت له آلة الصنع.

وقيل : الميزان محمد ، والإنزال هو إنزال ما يوجب اتباعه.

وقيل : الإنزال بمعنى الخلق.

قوله تعالى

(قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) [الشورى : ٢٣]

النزول

روي أنه اجتمع المشركون في مجمع لهم فقال بعضهم لبعض :

١٧٣

أترون محمدا يسأل على ما يتعاطاه أجرا ، فنزلت ، ورجحه الحاكم ؛ لأن السورة مكية.

وروي أن الأنصار قالوا : فعلنا وفعلنا ، فقال العباس أو ابن العباس : لنا الفضل عليكم ، فبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأتاهم في مجالسهم فقال : «يا معشر الأنصار ألم تكونوا أذلة فأعزكم الله بي؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله بي؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : أفلا تجيبوني؟ قالوا : ما تقول يا رسول الله : قال : ألا تقولون : ألم يخرجك قومك فآويناك ، أولم يكذبوك فصدقناك ، أو لم يخذلوك فنصرناك» قال : فما زال يقول حتى جثوا على الركب فقالوا : أموالنا وما في أيدينا لله ولرسوله ، فنزلت الآية.

وقيل : أتت الأنصار رسول الله بمال جمعوه ، وقالوا : يا رسول الله قد هدانا الله بك ، وأنت ابن أختنا ؛ لأن أم عبد المطلب من الأنصار وتغزوك نوائب وما لك سعة ، فاستعن بهذا على ما ينوبك ، فرده فنزلت.

قال الحاكم : والأول أشبه ؛ لأن الصورة مكية ، إذا ثبت هذا ففي معنى ذلك ثلاثة أوجه :

الأول : أن المراد إلا المودة بالتقرب إلى الله والعمل الصالح ، قواه الحسن ، وأبو علي.

الثاني : أن المراد إلا أن تودوني للقرابة التي بيني وبينكم فلا تودوني ، والمعنى : إلا أن تودوني في حق القربى ، كما يقال : أحب في الله ، أي لأجله فتكون الثمرة من هذا المعنى أن للقريب حقا يجب رعايته ، والأخبار متظاهرة بذلك ، وقد أفرد الحاكم في السفينة بابا في صلة الرحم.

الثالث : فهو الأظهر أن المراد إلا أن تودوني في قرابتي ، وقد جاء

١٧٤

بفي فكأنه جعل القرابة مكانا للمودة ، وطرفا لها ، وقوى هذا الحاكم مع إيمانهم لا مع عدم الإيمان ، فإن مودتهم لا تجوز ، ولذلك نزلت «تبت» في أبي لهب.

قال في الكشاف : وروي أنها لما نزلت قيل : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال : «علي وفاطمة وأبناؤهما».

وشكا علي إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حسد الناس له فقال : «أما ترضى أن تكون رابع أربعة ، أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن ، والحسين ، وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا ، وذرياتنا خلف أزواجنا».

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي ، وآذاني في عترتي ، ومن اصطنع صنيعة إلى أحد من ولد عبد المطلب ولم يجازه عليها ، فأنا أجازيه عليها غدا إذا لقيني يوم القيامة».

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من مات على حب آل محمد مات شهيدا ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفورا له ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائبا ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمنا مستكمل الإيمان ، ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة ، ثم منكر ونكير ، ألا ومن مات على حب آل محمد يزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها ، ألا ومن مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابان إلى الجنة ، ألا ومن مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة ، ألا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله ، ألا ومن مات على بغض آل محمد مات كافرا ، ألا ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة»

فتكون الثمرة الظاهرة موادة قرابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد

١٧٥

جعل لهم مزايا ، منها أن غيرهم لا يكون كفؤا لهم ، ومنها الإمامة ، ومنها تقديم يتاماهم ، ومساكينهم ، وابن سبيلهم في الخمس على غيرهم ، واختلف هل ذلك وجوب أو استحباب؟

ومنها تقديمهم في إمامة الجماعة ، ويدخل في ذلك تقديمهم في الكلام والطريق.

قال في التهذيب : قيل هم ولد عبد المطلب ، وقيل : من تحرم عليه الصدقة ، وقيل : خمسة بطون ، آل عباس ، وآل علي ، وآل جعفر ، وآل عقيل ، وولد الحارث بن عبد المطلب ، عن الهادي عليه‌السلام ، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وهم ولد عبد المطلب ، إلا أولاد أبي لهب ، وقد يستدل بهذه الآية ، وبقوله : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) [آل عمران : ٣١] على أن تقليد أهل البيت أولى ، والاستدلال فيه نظر ، وإن كان دليل المسألة من طريق آخر.

وقد حكي في لعن الفاسق الهاشمي خلاف بين أبي علي ، وأبي هاشم ، فمن منع قال في ذلك إجلال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن جوز قال :

حكمه كغيره.

وأما قول من زعم أن ولد فاطمة لا يدخل النار فقد أخطأ.

وقيل : ما رواه اختلاف.

وأما أبو مسلم فقد فسر الآية بالمودة بما يقرب إلى الله ، لأن قريب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن كان مؤمنا فموالاته واجبة كغيرة ، وإن كان فاسقا فمعاداته لازمة كغيرة ، ولهذا قال عقيب ذلك : (وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً).

قلنا : أراد المؤمن من قرابته ، ولكن له مزية وزيادة لقربه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولما ورد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولما ورد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تأكيد مودتهم.

١٧٦

قوله تعالى

(وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً) [الشورى : ٢٣]

روي عن السدي : أن الحسنة حب آل الرسول ، وأنها نزلت في أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ لمودته فيهم.

قال جار الله : والظاهر العموم إلا أنها لما وردت عقيب ذلك تناولت المودة تناولا أوليا ، وكان ذلك كالتابع ، وزيادة الحسنى المضاعفة.

وقيل : الثناء ، في الدنيا.

قوله تعالى

(وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ) [الشورى : ٢٥]

قال الحاكم : دلت على قبول التوبة من كل ذنب ، خلاف ما يقوله بعضهم أن القاتل لا توبة له ، والتوبة واجبة وهي الرجوع والإقلاع ، لكن ذلك لا يتم إلا بالندم على ما صدر في الماضي من فعل قبيح أو ترك واجب ، والعزم في المستقبل على أنه لا يعود إلى شيء مما تاب منه.

قال في الكشاف : وروى جابر أن أعرابيا دخل مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : اللهم إني استغفرك وأتوب إليك وكبر ، ولما فرغ من صلاته قال له علي ـ رضوان الله عليه ـ : يا هذا إن سرعة اللسان بالاستغفار توبة الكاذبين ، وتوبتك هذه تحتاج إلى التوبة ، فقال : يا أمير المؤمنين وما التوبة؟ قال : اسم يقع على ستة معان ، على الماضي من الذنوب الندامة ، ولتضييع الفرائض الإعادة ، ورد المظالم ، وإذابة النفس في الطاعة كما ربيتها في المعصية ، وإذاقة النفس مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية ، والبكاء بدل كل ضحك ضحكته ، فلعل ما ذكر من إذابة النفس والبكاء على سبيل التحرج ، وأن الخائف والنادم ينبغي أن يكون كذلك كما ورد في بكاء داود صلى‌الله‌عليه‌وسلم وغيره.

١٧٧

قال في عين المعاني : لله أفرح بتوبة العبد من المضل الواجد ، ومن العقيم الوالد ، ومن الظمآن الوارد ، فمن تاب إلى الله أنسا الله حافظيه وبقاع الأرض خطاياه.

قوله تعالى

(أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا) [الشورى : ٣٤]

لا يقال في هذا حجة للشافعي أنه لا يجب الحج بالسفر في البحر ؛ لأنه مظنة العطب ؛ لأنه قال : (وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ).

قوله تعالى

(وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) [الشورى : ٣٥]

ثمرتها : تحريم الجدال بالباطل كما تقدم ، وقد يبلغ الجدال بالباطل الكفر والفسق ، ودون ذلك ، فالأول المجادلة فيما يصح به الإيمان ، والثاني المجادلة التي فيها بغي على الإمام ، وتخذيل عن إعانته تمردا لا بطرا في الصحة ، والثالث غير ذلك.

قوله تعالى

(وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) [الشورى : ٣٦ ـ ٣٩]

فذكر الله لهم تسع صفات :

الأولى : التوكل.

قال الحاكم : يفوضون أمورهم إليه معتقدين أنها تجرى من جهته إلى آخر الدهر.

١٧٨

الصفة الثانية : أنهم يجتنبون كبائر الإثم.

قال الحاكم : قيل : الكبيرة ما فيها الوعيد ، قال : وليس بصحيح ؛ لأن الصغيرة يتناولها الوعيد ، والصغيرة لا تعلم إلا في حق الأنبياء ، وقيل : الصغيرة ما فعلها سهوا أو نسيانا ، قال : والذي صححه مشايخنا أن الكبيرة ما زاد عقابها على ثواب صاحبها ، وقد تعلم بعض الكبائر.

وعن ابن عباس : كبير الإثم الشرك ، وهذه قراءة حمزة والكسائي.

الثالثة : قوله : (وَالْفَواحِشَ) قيل : يطلق على كل قبيح.

وعن السدي : على الزاني ، وعن مقاتل : ما أوجب الحد.

والرابعة : قوله تعالى : (وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) معناه : يتجاوزون وهذا في حق العباد.

وأما حق الله تعالى كالحدود فليس لأحد العفو عنه ، وهذه الخلة الرابعة فعلها فضل لا واجب.

الخلة الخامسة : قوله تعالى : (وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ) أي : أجابوه فيما دعاهم إليه من الدين ، وقيل : إلى الهجرة ، وقيل : نزلت في الأنصار لما أجابوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما دعاهم إليه ، ونزل قوله : (وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) في أبي بكر ؛ لأنه تصدق بجميع ماله فلامه على ذلك أناس فحلم عنهم.

وقيل : في عمر شتم بمكة فحلم.

وقيل : في الأنصار كانوا يتحلمون ويتحملون.

السادسة : قوله تعالى : (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) قيل : يعني : أتموا الصلوات الخمس بشرائطها في أوقاتها.

السابعة : قوله تعالى : (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) أي : لا يعملون إلا بمشاورة أهل الدين ، وكان الأنصار قبل مقدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة إذا كان بينهم أمر اجتمعوا وتشاوروا ، فأثنى الله عليهم.

١٧٩

وعن الحسن ـ رضي الله عنه ـ : ما تشاور قوم إلا هدوا لأرشد أمرهم ، وفي هذا حبّ التشاور ، وقد بوّب لذلك أبواب ، وقد يجب في أحوال.

وفي عين المعاني : لما سمعوا بظهوره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اجتمعوا في دار أبي أيوب ، واجتمع رأيهم على الإيمان.

وقيل : هو عام فيما لا وحي فيه.

الثامنة : قوله تعالى : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) يعني : في أمور القرب ، وهاهنا جاء بمن وهي للتبعيض يعني : ينفقون بعض ما معهم ، فأما جميعه فقد يختلف الحال ، تارة يكون الإيثار أفضل إذا وثق بالصبر ، وتارة ترك الاستغراق أفضل إذا لم يثق بالصبر.

التاسعة : قوله تعالى : (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) في ذلك وجهان :

الأول : أن المراد يتناصرون ، كقوله تعالى : (يتخاصمون) (١)(يَخْتَصِمُونَ) [ص : ٦٩] والمعنى : ينصرون المبغي عليه.

وثمرة : هذا وجوب النهي عن المنكر ؛ لأن نصرة المبغي عليه إزالة منكر.

والثاني : أن المراد ينتصرون لنفوسهم من الباغي ، لكن في هذا وجوه :

الأول : أن هذا في حق الله وما تقدم من قوله : (وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) في حق العباد.

__________________

(١) لا يوجد في القرآن (يتخاصمون) إلا إذا كانت قراءة لغير حفص ، وأما (يَخْتَصِمُونَ) فقد وردت في آل عمران ٤٤ ، والشعراء ٩٦ ، والنمل ٤٥ ، وص ٦٩.

١٨٠