تفسير الثمرات اليانعة - ج ٥

يوسف بن أحمد بن عثمان [ الفقيه يوسف ]

تفسير الثمرات اليانعة - ج ٥

المؤلف:

يوسف بن أحمد بن عثمان [ الفقيه يوسف ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة التراث الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

سورة الملائكة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى

(يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ) [فاطر : ٣]

هذا أمر بذكر النعمة.

قال جار الله : ليس المراد ذكرها باللسان فقط ، ولكن به وبالقلب ، وحفظها عن الكفران ، وشكرها بمعرفة حقها ، والاعتراف بها ، وبطاعة موليها.

قوله تعالى

(فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) [فاطر : ٦]

هذا أمر من الله تعالى بمعاداة الشيطان.

قال الحاكم : وليس المراد بالمعاداة اللعن ، وإنما المراد مخالفته فيما أراد.

قوله تعالى

(فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) [فاطر : ٨]

معناه لا يغمك كفرهم ، كقوله تعالى : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا) [الكهف : ٦].

وثمرة ذلك : أنه لا يجب الاهتمام بعصيان العاصي ، فإن مضرته على نفسه.

١٠١

قال الحاكم : وهذا تأديب من الله تعالى لعله يريد أنه أمر إرشاد ورخصة.

قوله تعالى

(إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ)

المعنى (إِلَيْهِ) ، أي : إلى موضع القبول ، والصعود عبارة عن القبول ، والرفع عبارة عن التعظيم ، عن أبي مسلم.

وكل ما اتصف بالكمال وصلح بالقبول وصف بالرفعة والصعود.

يقال : صعد أمر فلان وعلا كعبه ، وارتفع شأنه ، ولما كان الكلام عرضا لا يصح إضافة الفعل إليه حمل على المجاز ، فقيل : يصعد محل الكلم وهو ما كتب فيه.

وقيل : يصعد الملكان والكلم محفوظ.

وقوله تعالى : (وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) في ذلك ثلاثة أوجه :

الأول : أن المراد أن العمل الصالح يرفعه الله ، وهو على ما تقدم من رفع محله ، وأن المراد القبول.

والثاني : أن المراد أن العمل هو الرافع للكلم الطيب ؛ إذ لو كان كلاما من غير عمل صالح لم يعتد به ، وهذا مروي عن الحسن ، وأبي علي ، والخبر يفيد هذا المعنى ، وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا قول إلا بعمل ، ولا قول ولا عمل إلا بنية ، ولا قول ولا عمل ولا نية إلا بإصابة السنة» (١) وقد قرئ والعمل الصالح يرفعه بالنصب على أنه مفعول ، والرافع الكلم ، وفي هذا المعنى قول بعضهم :

__________________

(١) أخرجه المؤيد بالله في شرح التجريد وأبو طالب في أماليه والمرشد بالله في أماليه.

١٠٢

لا ترض من رجل حلاوة قوله

حتى يزين ما يقول فعال

فإذا وزنت فعاله بمقاله

فتوازنا فأخال ذاك جمال

وقال آخر : ويروى لعلي عليه‌السلام :

لا خير في ود امرئ متملق

حلو اللسان وقلبه متلهب

يعطيك من طرف اللسان حلاوة

ويروغ عنك كما يروغ الثعلب

ومن كلام ابن المقفع : قول بلا عمل كثريد بلا دسم ، وسحاب بلا مطر ، وقوس بلا وتر.

الثالث : أن الرافع هو الكلم الطيب ، والمرفوع هو العمل ؛ لأنه لا يقبل عمل إلا من موحد ، واختلف ما أريد بالكلم الطيب ، فقيل : هو كل ذكر من أذكار الطاعات ، فيدخل القرآن والعلوم ، وجاء في الحديث أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو قول الرجل : «سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، إذا قالها العبد عرج بها الملائكة إلى السماء فجيء بها وجه الرحمن فإذا لم يكن له عمل صالح لم يقبل منه».

وعن الحسن وقتادة : الكلام الطيب ذكر الله تعالى ، والعمل الصالح أداء فرائضه.

وقيل : العمل الصالح الإخلاص ، والكلم الطيب التوحيد ، وقد يقال : في الكلم الطيب ما يتجرد حقا للحق ، ولا يكون فيه خطأ للعبد.

ثمرة ذلك الحث على ما ذكر من الذكر ، والإخلاص ، وأن أحدهما لا يكفي.

قوله تعالى

(وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) [فاطر : ١٢]

١٠٣

قيل : اللحم لحم السمك وهو من العذب والمالح ، والحلية اللؤلؤ والمرجان ، وذلك من المالح.

وقيل : بل من العذب ، وقيل : في المالح عيون عذبة يمتزج به منها اللؤلؤ ، والمواخر : هن الشواق للماء.

وثمرة ذلك : جواز أكل لحم السمك ، لكن للعلماء فيه اختلاف ما يجوز منه وما لا يجوز ، وقد تقدم جواز لباس الحلية من البحر ، وملكها ، والمراد تلبسها نساؤكم.

ومن ثمراتها جواز التجارة والسفر بها في البحر ، وكذلك ركوب السفن للغوص للحلية في مغاصاته ؛ لأنه قد فسر قوله تعالى : (لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) بالأمرين.

قوله تعالى

(وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [فاطر : ١٨]

المعنى لا تؤاخذ بذنب غيرها.

وأما قوله تعالى : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ).

قال جار الله ـ رحمه‌الله ـ : هذه في الذين أضلوا غيرهم ، فالحمل هو لأوزارهم على إضلال غيرهم ، لكن هي دلالة على أن أطفال المشركين لا يعذبون بذنوب آبائهم ، وأن مقالة المجبرة في هذا باطلة ، وقد يستدل بعموم الآية على أن ذلك في أحكام الدنيا والآخرة ، وأن الذي ورد في الحديث : «العاقلة» خاص بالسنة.

قوله تعالى

(إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً) [فاطر : ٢٩]

١٠٤

ثمرة ذلك : الترغيب في تلاوة القرآن ، وإقام الصلاة.

قيل : هو أداؤها في أوقاتها بشرائطها وصفاتها.

وقوله تعالى : (سِرًّا وَعَلانِيَةً) وقيل : السر للنفل ، والعلانية للفرض ، وقيل : المعنى يستوي عندهم السر والعلانية ، ليبعدهم من الربا بخلاف المنافقين.

قال في الكشاف : في قوله تعالى : (يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ) يداومون على تلاوته.

وعن الكلبي : يأخذون بما فيه.

وقيل : يعلمون ما فيه ، ويعملون به.

وعن السدي هم أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وعن عطاء : هم المؤمنون.

قوله تعالى

(يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً) [فاطر : ٣٣]

في ذلك دلالة على أن اللؤلؤ حلية ، فلو حلف لا لبست امرأته حلية حنث إن لبسته ، وهذا مذهبنا.

وقال أبو حنيفة : إذا انفرد فليس بحلية ، إلا أن يرصع بالذهب أو الفضة ، واستضعفه المؤيد بالله.

١٠٥

سورة يس

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى

(ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ) [يس : ٦]

يعني المتأخرين ، وهو نظير قوله تعالى : (ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ) وفي هذا دلالة على خلو الزمان عن نبي وإمام ، فيبطل قول الإمامية هكذا في التهذيب.

وقيل : إن ما مصدرية فيكون المعنى كنذارة آبائهم.

قوله تعالى

(وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) [يس : ١٠]

ثمرة ذلك : لزوم الإنذار ، وإن علم أنهم لا يؤمنون ، وهذا في حق الأنبياء ـ صلوات الله عليهم ـ.

وأما في حقنا فقد تقدم أنه إذا علم أن الأمر والنهي لا يؤثران فإنه لا يجب. واختلف هل يحسن.

قوله تعالى : (وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ) المعنى ما قدموا من الأعمال الصالحة والسيئة ، والآثار ما تقدم سببه من جهتهم من أثر حسن كعلم علموه ، أو كتاب صنفوه ، أو بناء بنوه من مسجد ، أو قنطرة ، أو من عمل سيئ فعلوا سببه كوظيفة وظفها بعض الظلمة على المسلمين ، أو

١٠٦

نحو ذلك ، ونظير ذلك قوله تعالى في سورة القيامة : (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ) أي : قدم من أعماله ، وأخر من آثاره.

وقيل : الآثار هي آثار المشائين إلى المساجد.

وعن جابر أردنا النقلة إلى المسجد ، والبقاع حوله خالية ، فبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأتانا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ديارنا وقال : «يا بني سلمة بلغني أنكم تريدون النقلة إلى المسجد» فقلنا : نعم بعد علينا المسجد ، والبقاع حوله خالية ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «عليكم دياركم ، فإنها تكتب آثاركم» فما وددنا حضرة المسجد.

وعن عمر بن عبد العزيز : لو كان الله مغفلا شيئا لأغفل هذه الآثار التي تعفيها الرياح ، هكذا في الكشاف ، ومعناه في التهذيب قال : وقيل : ما خلفوا من الأموال.

وثمرة ذلك : الحث على فعل أسباب الخير ، والتحذير من أسباب القبائح ، وعلى هذا ما جاء في الأثر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من سن سنة حسنة كان له أجرها ، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ، ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة» ويدخل في ذلك من أوصى بنوع من أنواع البر فله ثواب ما فعله الموصي ؛ لأنه قد صار مسببا له بالوصية ، ومن أوصى بمعصية فعليه الوزر إن فعلت ؛ لأنه صار مسببا لها وعلى هذا ما ورد في الحديث عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه» ويؤول على أن المراد بذلك إذا أوصاهم بالنياحة.

وكذلك من ثمراتها : الحث على كثرة الخطى إلى المساجد ، وقد قيل : إنها نزلت في ذلك ، وقد جاء في ذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ألا أخبركم بما يمحو الله به السيئات ، ويضاعف به الحسنات ، ويرفع به الدرجات ، اسباغ الوضوء في السبرات ، وكثرة الخطى إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة».

ويأتي مثل ذلك كثرة الخطى لطلب العلم ، وقد عمل بذلك بعض

١٠٧

الفضلاء العاملين ، وهو حي القاضي العالم العابد محمد بن حمزة ـ رحمه‌الله ـ فإنه أراد سماع كتاب التذكرة فأراد المسموع عليه أن يقصده إلى مسجده أو ، إلى مسجد يقرب منه ، فكره ذلك وقال : أحب أن يكون لي أثر في طلب العلم ، وكان يأتي من مسجده بصرحة السود إلى مسجد النزاري ، وذلك بصعدة ـ حرسها الله بالصالحين ـ اللهم اجعلنا من الراغبين في ثوابك ، الخاشين لعقابك.

قوله تعالى

(إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ) [يس : ١٤]

قيل : هما رسولان لعيسى صلّى الله عليه ، والثالث شمعون ، وكان ملك أنطاكية لما حبسهما جاء شمعون فخالط حاشية الملك حتى اتصل به وخالطه ، فلما أنس به نصحه ، فآمن وكان يدخل معهم إلى آلهتهم ويتعبد لله ، ويوهم أنه منهم ، وفي هذا دلالة على جواز كتمان الإيمان والإيهام بأنه على الكفر ، كما قلنا في رسول أهل الكهف.

وقيل : هم رسل الله تعالى ، وصححه الحاكم لأنه الحقيقة.

قال : وفي ذلك دلالة على جواز نبيين وأنبياء في وقت واحد ، فإن قيل : فيلزم مثل هذا في الأئمة؟

قلنا : من جوز ذلك فلا سؤال ، ومن منع قال : منع الخبر ، وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما».

قوله تعالى

(وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى) [يس : ٢٠]

وهو حبيب بن إسرائيل النجار ، وهو ممن آمن برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولما سمع بالرسل وكان يعبد الله في غار خرج إليهم وقال : (يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) فقتله قومه.

١٠٨

قيل : وطئوه بأرجلهم حتى خرج قصبه من دبره.

وقيل : رجموه وهو يقول : اللهم اهد قومي ، وقبره في سوق أنطاكية.

وقيل : قلبوه من سور المدنية ، وقيل : رموه.

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الأئمة ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين بن أبي طالب ، وصاحب يس ، ومؤمن آل فرعون».

قال في الكشاف : وكان ينحت الأصنام يعني : ينحتها لا للعبادة ، وكان ذلك جائز في تلك الشريعة لا في شريعتنا ، وكان يجمع كسبه فإذا أمسى أطعم نصفه وتصدق بنصفه ، وثمرة ذلك أن الأفضل احتمال القتل والتعذيب ، ولا ينطق بكلمة الكفر.

قوله تعالى

(فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) [يس : ٧٦]

هذا مثل قوله تعالى : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) [فاطر : ٨] وهذه السورة الكريمة قد تظاهرت الأخبار بفضلها منها ما رواه الزمخشري عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قرأ عنده إذا نزل به ملك الموت سورة يس ، نزل عليه بعدد كل حرف منها عشرة أملاك يقومون بين يديه صفوفا ، فيصلون عليه ، ويستغفرون له ويشهدون غسله ، ويتبعون جنازته ، ويصلون عليه ويشهدون دفنه ، وأيما مسلم قرأ يس وهو في سكرات الموت لم يقبض ملك الموت روحه حتى يجيء رضوان خازن الجنة يشربه من شراب الجنة وهو على فراشه فيقبض ملك الموت روحه وهو ريان ، ويمكث في قبره وهو ريان ، ولا يحتاج إلى حوض من حياض الأنبياء حتى يدخل الجنة وهو ريان» وهكذا رواه الحاكم ، وإن وقع الخلاف في اللفظ فيتأكد أسباب ما ورد ، وأورد به الخبر من قراءة الحاضرين للمريض ، وقراءة المريض لهذه السورة.

١٠٩

سورة الصافات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى

(إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ) [الصافات : ٥١ ، ٥٢]

في ذلك تحذير من قرين السوء وقد أفرد في ذلك أصول منطوية على أخبار وآثار تقضي بالزجر عن مقاربة قرناء السوء.

قوله تعالى

(إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ) [الصافات : ٦٩]

ثمرة ذلك : أنه لا يجوز التقليد في أصول الدين ، وقد تقدم ذلك.

قوله تعالى

(إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الصافات : ٨٤]

قيل : سليم من آفات القلوب ، فتدخل فيه السلامة من الغل والغش ، وأن لا يتعلق قلبه بغير الله ، ولما كان مخلصا له ضرب مجيئه مثلا ، وقد جعل لسلامة القلب موقعا من الدين ، وجاء في الحديث عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ليس الإيمان كثرة الصلاة ولا كثرة الصوم ، وإنما الإيمان سلامة في الصدور ، وسخاء في النفوس ، ورحمة للعالمين».

قوله تعالى

(فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ) [الصافات : ٨٨ ، ٨٩]

١١٠

في معنى ذلك أقوال للمفسرين :

الأول : أن المعنى نظر إلى الكواكب ، وقد قيل : إنه نظر ابتداء في النجوم لما جن عليه الليل فرأى كوكبا ، فلما أفل ورأى صفة الحدوث علم أنه ليس بإله ، فقال : (إِنِّي سَقِيمٌ) ، أي : لست على يقين من الأمر ، وشفاء من العلم ، وكان ذلك ابتداء حال التكليف ، فلما استدل وعلم الحق قال : (أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) ورجح هذا الحاكم ؛ لأن ذلك حقيقة الكلام ، ولأنه لم يرو أنه كان منجما فيقال : نظر في علم النجوم ، ولأن المنجم يظن فيما يقول والنبي يقطع.

وقيل : نظر في علم النجوم ، أو في كتابها ، أو في أحكامها.

وعن بعض الملوك أنه سئل عن مشتهاه فقال : حبيب انظر إليه ، ومحتاج انظر له ، وكتاب انظر فيه ، فأوهمهم أنه استدل بأمارات في علم النجوم على أنه سقيم ، فقال : (إِنِّي سَقِيمٌ) أي مشارف للسقم وهو الطاعون ، وكان أغلب الأسقام عليهم ، وكانوا يخافون العدوى.

قال ذلك لينفروا منه ، فهربوا إلى عيدهم ، وتركوه في بيت الأصنام ، وليس معه أحد ، ففعل ما فعل من رأيه.

وقيل : نظر إلى النجوم راميا بنظره إلى السماء ، يتفكر في نفسه كيف يحال.

قال في عين المعاني : وقيل معنى (فِي النُّجُومِ) أي : فيما ينجم من رأيه. وقيل نظر راميا ببصره إلى السماء يتفكر في نفسه كيف يحتال. هكذا ذكر في الكشاف.

وقيل : النجوم النبات في الأرض ، وقيل : أراهم أنه ينظر لاعتقادهم في النجوم.

قال : وقيل : علم النجوم كان مستقرا إلى أن دخل على عيسى عليه

١١١

السّلام لقتله ، فقال : من أين علمتم مكاني؟ قالوا : بالنجوم ، فقال : الله توههم في علمها.

وقوله : (إِنِّي سَقِيمٌ) ، قيل : قال ذلك لينفروا عنه خوف العدوى فيكسر أصنامهم.

وقيل : قال ذلك لما دعوه إلى الخروج إلى آلهتهم ليتقربوا إليها في يوم عيدهم ، وهذا مروي عن ابن عباس.

وقوله تعالى

(فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ) [الصافات : ٩٠]

قيل : خوف العدوى ، وقيل : لما اعتقدوا صحة قوله في أنه سقيم تولوا عنه مهرعين إلى عيدهم.

وقيل : لما دعاهم إلى التوحيد تولوا عنه مدبرين ، أي : معرضين عنه عن أبي مسلم.

واختلف المفسرون في قوله : «إني سقيم» فقيل : إنه كذب ، وإنه يجوز الكذب في المكيدة في الحرب ، والتقية وإرضاء الزوج والصلح بين المتخاصمين والمتهاجرين.

وروي أنه كذب ثلاث كذبات. هذه.

وقوله : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ) وقوله : لسارة : أختي قال الحاكم : وهذا باطل لأن ذلك لا يجوز على الأنبياء ؛ لأنه يرفع الثقة بقولهم.

وقيل : إن إبراهيم صلّى الله عليه [وآله] عرّض وورّى.

قال الزمخشري : لأن الكذب حرام ، إلا إذا عرّض ، وإن إبراهيم عليه‌السلام عرّض وأراد أن من في عنقه الموت سقيم.

١١٢

ومنه المثل : كفى بالسلامة داء ، وهذا خبر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد قال : لبيد :

فدعوت ربي بالسلامة جاهدا

ليصحني فإذا السلامة دائي

ومات رجل فجاءه فالفت إليه الناس وقالوا : مات وهو صحيح فقال : أعرابي أصحيح من الموت في عنقه!

وقيل : أراد إني سقيم النفس لكفرهم.

وقيل : إنه كان سقيما لعلة عرضت معه ، وكان يحمّ في وقت طلوع نجم ، فلما رآه طالعا قال : إني سقيم لما عرف أنه نجم في تلك الساعة.

قال الحاكم : والصحيح أنه كان سقيما.

وثمرة الآية جواز المحاجة في الدين ، والتورية في الكلام ، والكذب لمصلحة على الخلاف المذكور ، ووجوب النظر والاستدلال.

قوله تعالى :

(فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ) [الصافات : ٩١ ـ ٩٣]

المعنى : ذهب إليها في خفية. وقوله : (آلِهَتِهِمْ) أي : على زعمهم كقوله تعالى : (أَيْنَ شُرَكائِيَ) وقوله : (ضَرْباً بِالْيَمِينِ) أي : بالقوة ، وقيل :

باليد اليمنى ؛ لأنه أقوى.

وقيل : بالقسم المتقدم وهو قوله تعالى : (لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ).

وثمرة ذلك : وجوب كسر الأصنام ، وتحريم صنعتها ، ويأتي مثل ذلك آلة الملاهي ، وما يستعمل لشرب الخمور.

وقال أبو حنيفة في آلة الملاهي تحلل ولا تكسر ، وما ذهبنا إليه وهو قول أبي يوسف ، ومحمد ، والشافعي قياسا على كسر الأصنام فإنه

١١٣

إجماع ، وقد حكى الله تعالى ما فعله إبراهيم عليه‌السلام من قوله : (فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ) وقوله : (فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً) أي قطعا.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «بعثت لكسر المزامير والمعازف».

قوله تعالى :

(وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ) [الصافات : ٩٩ ـ ١٠١]

قيل : معنى (إِلى رَبِّي) ، أي : إلى الموضع الذي أمرني بالمهاجرة إليه من أرض الشام ، كما قال : (إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي).

وقيل : أول من هاجر إبراهيم عليه‌السلام ، وهذا دليل جملي على وجوب الهجرة فهذه ثمرة.

وقوله : (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) ثمرتها : جواز تمني الولد الصالح واستحبابه.

وقوله تعالى : (فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ) ثمرتها : استحباب التبشير بالمسار.

قوله تعالى

(إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى) [الصافات : ١٠٢]

ثمرة ذلك : أنه ينبغي توطين النفس على الصبر على البلاوي إن نزلت ليتهون الصبر ويقل الجزع ؛ لأن مشاورته في أمر قد حتمه الله تعالى لذلك.

قوله تعالى

(وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) [الصافات : ١٠٧]

اعلم أن هذه الآية الكريمة تتعلق بها مباحث أصولية وفقهية.

١١٤

أما ما يتعلق بالأصول فيقال : بما ذا أمر الله تعالى إبراهيم عليه‌السلام أهل بالذبح أو بمقدماته؟ أولم يؤمر بشيء؟ ولكن رأى في المنام أنه يذبحه ولم يكن أمرا.

قلنا : في ذلك خلاف فالذي ذكره الزمخشري ، وأبو الحسين ، وكثير من المفسرين أنه أمر بالمقدمات ، وأنه امتثل ، وذلك بإضجاعه وإجراء السكين على حلقه ، وقد امتثل إبراهيم عليه‌السلام ولكن الله تعالى جعل صفيحة من حديد بين أوراده وبين السكين ، أو انقلب حد السكين على حلقه ، وأن الفداء إنما كان من وقوع حقيقة الذبح في نفس إبراهيم ؛ لأنه إذا أمر بما ذكر من المقدمات حصل الظن بأنه يؤمر بالذبح والعادة في منامات الأنبياء الوقوع.

وقيل : بل أمر بالذبح وأنه امتثل ، ولكن كان كلما قطع شيئا وصله الله من حينه فلا يكون من نسخ الشيء قبل وقته ؛ لأنه لا يجوز على قول الأكثر لئلا يكون بدأ ، وذلك لا يجوز على الله تعالى.

وقيل : رؤياه أنه يذبح لا أنه أمر بالذبح ، وقول ولده : (يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ) يعني : في المستقبل ، لا أنه قد أمر ، وقد كثر الحوض في هذه المسالة ، وفي تأويل الآية ، فلما قالت المعتزلة وبعض الشافعية وأصحاب أبي حنيفة ، واختاره الإمام الناطق والإمام المنصور ، وبنى عليه الشيخ الحسن : إنه لا يصح نسخ الحكم قبل تقضي وقته ؛ لأنه إذا أمره بأن يصلي وقت العصر ثم نهاه في أول اليوم ، فقد توارد أمر ونهي على شيء واحد ، فيكون حسنا قبيحا ، وذلك لا يصح في الحكمة ، والبداء لا يجوز على الله ، والأمر المشروط بشرط ممن يعلم العواقب ، لا يصح (١).

احتاجوا إلى تأويل هذه الآية ؛ بأنه لا نسخ فيها ، ومن جوز وهم

__________________

(١) هذا جواب قوله : قلنا : لما قالت المعتزلة.

١١٥

الغزالي ، والرازي ، وابن الحاجب ، والباقلاني ، والجويني وغيرهم جعلوها حجة لهم ، وقالوا : قد أمر بالذبح ، ونسخ الأمر قبل وقته ؛ لأنه لم يقصر وبادر قالوا : والآية فيها دلالة قاطعة وشنعوا على المعتزلة في قولهم : إن إبراهيم صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يؤمر بالذبح لكن ظن أنه مأمور به حتى قال في شرح البرهان نسبتهم الأنبياء إلى الغلط كفر صراح ، وقالوا قد أمر بالذبح ، ولهذا قال ابنه : (افْعَلْ ما تُؤْمَرُ) ، وقال تعالى : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ) ومقدمات الذبح ليس ببلاء مبين ، وقال تعالى : (وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) ولو فعل ما أمر به فعل حاجة إلى الفداء ، ولا يصح أن يؤمر على أصل المعتزلة بالذبح وهو ممنوع منه بانقلاب السكين ونحوه ؛ لأنه تكليف ما لا يطاق ولا بأنه التحم ؛ لأنه كان لا يحتاج إلى الفداء ، أو لأن إجماع المفسرين بأن ولده أنجاه الله من الذبح ، واستيفاء كلامهم في الكتب الأصولية ، وسنذكر ما يتعلق بها من الثمرات الفقهية ، لكنا نذكر نكتة مما في كتب التفسير لتعلقها بالآية.

قال في الكشاف : قيل : إن الملائكة حين بشرته بغلام حليم قال : هو إذا ذبيح الله ، فلما ولد وبلغ حد السعي معه قيل له : أوف بنذرك ، قيل بلغ أن يسعى معه في أشغاله ، وقيل : في طاعة الله ، وقيل : القدر الذي يقدر فيه على السعي.

وقيل : كان ابن ثلاث عشر سنة.

قيل : أتي في المنام فقيل له : اذبح ابنك ، ورؤيا الأنبياء وحي فذكر إبراهيم تأويل الرؤيا.

قيل : رأى ليلة التروية ، قائلا يقول له : إن الله يأمرك بذبح ابنك هذا فلما أصبح روّى في ذلك إلى الرواح أمن الله هذا الحلم أم من الشيطان ، ومن ثمّ سمي يوم التروية ، فلما أمسى رأى مثل ذلك فعرف أنه من الله فمن ذلك سمي بوم عرفة ، ثم رأى مثله في الليلة الثالثة فهم بنحره فسمي يوم النحر.

١١٦

وحكي في قصة الذبح أن إبراهيم لما أراد ذبحه قال : يا بني خذ الحبل والمدية وانطلق بنا إلى الشعب نحتطب ، فلما توسط شعب ثبير أخبره بما أمر ، فقال له : اشدد رباطي لا أضطرب ، واكفف عني ثيابك لا ينتضح عليها شيء من دمي فينقص أجري وتراه أمي فتحزن ، واشحذ شفرتك وأسرع إمرارها على حلقي حتى تجيز علي ليكون أهون ، فإن الموت شديد ، واقرأ على أمي سلامي ، وإن رأيت أن ترد على أمي قميصي فافعل فإنه عسى أن يكون أسهل لها.

قال إبراهيم : نعم العون أنت على أمر الله ، ثم أقبل عليه يقبله وهما يبكيان ، ثم وضع السكين على حلقه فلم تعمل ؛ لأنّ الله ضرب صفيحة نحاس على حلقه فقال : كبني على وجهي فإنك إذا نظرت في وجهي رحمتني وأدركتك رقة تحول بينك وبين أمر الله ، فقعد ووقع السكين على قفاها فانقلب فنودي (يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) فنظر فإذا جبريل معه كبش أقرن أملح ، فكبر جبريل ، والكبش ، وإبراهيم ، وابنه ، وأتى المنحر من منى فذبحه ، وروي أنه هرب من إبراهيم عند الجمرة فرماه بسبع حصيات حتى أخذه فبقيت سنة في المرمى ، وروي أنه رمى الشيطان حين تعرض له بالوسوسة عند ذبح ولده.

وروي أنه لما ذبح كبشا قال جبريل : الله أكبر فقال الذبيح : لا إله إلا الله ، فقال إبراهيم : الله أكبر ولله الحمد ، فبقي سنة.

واختلف في الذبيح هل هو إسحاق أو إسماعيل؟

قال في التهذيب : قيل هو إسحاق وهذا مروي عن علي ، وعمر ، وابن مسعود وابن عباس ، والعباس بن عبد المطلب وكعب الأحبار ، وقتادة ، وسعد بن جبير ، ومسروق ، وعكرمة ، وعطاء ، ومقاتل والزهري والسدي ، وأبي علي.

وقيل : إسماعيل ، وهذا مروي عن ابن عباس؟ ، وابن عمر ، ومحمد

١١٧

ابن كعب القرظي ، وسعيد بن المسيب ، والحسن ، والشعبي ، ومجاهد ، والربيع بن أنس ، والكلبي ، وصححه القاضي ، حجة هذا القول قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا ابن الذبيحين».

وقال له أعرابي : يا ابن الذبيحين فتبسم فسئل عن ذلك فقال : «إن عبد المطلب لما حفر زمزم نذر إن سهل الله له ليذبحن أحد ولده فخرج السهم على عبد الله فمنعه أخواله وقالوا : افد ابنك بمائة من الإبل ، ففداه بمائة من الإبل.

والثاني : إسماعيل ، وفي كلام الله تعالى لموسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لم يحبني أحد حب إبراهيم قط ، ولا خيّر بيني وبين شيء قط إلا اختارني».

وأما إسماعيل فإنه جاد بنفسه ، ولأن الله تعالى لما أتم قصة الذبيح فقال : (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ).

روي أن عمر بن عبد العزيز أرسل إلى يهودي قد أسلم فسأله فقال : إن اليهود لتعلم أنه إسماعيل ، ولكنهم يحسدونكم معشر العرب ، ويدل عليه أن قرني الكبش كان منوطين في الكعبة في أيدي بني إسماعيل إلى أن خربت الكعبة.

وعن الأصمعي قال : سألت أبا عمر بن العلاء فقال : يا أصمعي أين عزب عنك عقلك ، ومتى كان إسحاق بمكة؟ وإنما كان إسماعيل بمكة وهو الذي بنى البيت مع أبيه ، والمنحر بمكة ، وقد وصف الله إسماعيل بالصبر دون إسحاق في قوله تعالى : (وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ) وهو صبره على بذل نفسه ، ووصفه الله تعالى بصدق الوعد في قوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا) لأنه وعد أباه من نفسه بالصبر على الذبح فوفى به ، ولأن يعقوب من ولد إسحاق ، شعر :

١١٨

إن الذبيح هديت إسماعيل

نطق الكتاب بذاك والتنزيل

شرف به خص الإله نبينا

وأتى به التفسير والتأويل

وحجة من قال : إنه إسحاق قوله تعالى : (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ) وقد أجيب بأن المراد بنبوّة إسحاق ، وفي كتاب يعقوب إلى يوسف عليه‌السلام من يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله ، والذي في التوراة أنه إسحاق ، والمذبح في جبال الشام ، عن السدي.

وقيل : ببيت المقدس عن عطاء ، ومقاتل ، وإذا قلنا : إن الذبيح إسماعيل فالمذبح بمنى ، عن ابن عباس ، ومقاتل.

وقوله تعالى : (فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ)

قيل : الجواب محذوف وتقديره كان ما لا يحيط به الوصف من استبشارهما وشكرهما أو أبى السكين.

وقيل : الواو زائدة في قوله (وَنادَيْناهُ).

وقوله تعالى : (وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) عن ابن عباس ، هو الكبش الذي قرّبه هابيل ، فقبل منه كان يرعى في الجنة حتى فدي به إسماعيل ، وهذا قول ابن عباس : إن الفداء كان بكبش ، وهو مروي عن مجاهد ، وسعيد بن جبير.

وقيل : إنه رعى في الجنة أربعين خريفا.

وعن الحسن : وعل هبط عليه من ثبير

وقيل : إنه من نسل ما قربه هابيل ، وقيل : أحياه الله.

وفي عين المعاني : المذبح بمكة في المقام.

وقيل : بمنى.

وقال ابن جريج : على ميلين من بيت المقدس ، ومن الفروع الفقهية لو نذر رجل يذبح نفسه أو ولده أو ذبح أخيه أو مكاتبة أو أم ولده ففي

١١٩

حكم ذلك خلاف بين العلماء ، فالمذهب أنه يجب عليه ذبح كبش بمكة إن قال : بمكة ، أو بمنى إن قال : بمنى وهو قول مسروق ، ويحيى بن أبي زائدة.

وقال أبو حنيفة وزيد بن علي : يجب ذلك في الوالد خاصة ، حكاه في الكافي وقال : صاحباه لا شيء عليه ، وروي هذا في الكافي عن الناصر والشافعي ، ومالك ، وصححه ، والذي في النهاية عن مالك يفديه بذبح كبش.

وقال إبراهيم وعطاء : فيمن حلف أن يذبح نفسه بنحر بدنة.

وعن علي عليه‌السلام ديته وقد روي عن ابن عباس ، وابن عمر يجب عليه نحر جزور.

وروي أن رجلا سأل ابن عباس فيمن نذر بذبح ابنه ، فقال : يفديه بكبش ، وتلا هذه الآية (وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ).

وفي النهاية عن الليث أنه يحج.

وقال بعضهم ينحر مائة من الإبل وهو مقتضى ما روي عن علي عليه‌السلام أن عليه ديته ، وسبب هذا الاختلاف أن أهل المذهب تعلقوا بأمرين :

الأول : أن الله تعالى أمر إبراهيم عليه‌السلام أن يفدي ابنه بكبش ، وشرع من تقدمنا يلزمنا ما لم ينسخ.

وروى أن ابن عباس تلا الآية حين سأله السائل ، وأمره بذبح كبش ، وذلك إشارة إلى الاستدلال بها.

والثاني : أنه قد روي الفداء عن عدة من الصحابة وهم علي عليه‌السلام ، وابن عباس ، وابن عمر ، فلم يجعلوه هدرا ، وأجمع بعدهم أنه لا تلزمه الزيادة على الكبش ، فدل أن الأمر بما زاد على الكبش على سبيل

١٢٠