تفسير الثمرات اليانعة - ج ٥

يوسف بن أحمد بن عثمان [ الفقيه يوسف ]

تفسير الثمرات اليانعة - ج ٥

المؤلف:

يوسف بن أحمد بن عثمان [ الفقيه يوسف ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة التراث الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

سورة الذاريات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى

(كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) [الذاريات : ١٧ ـ ١٩]

ثمرة هذا الكلام : أن الله سبحانه جعل هذه الصفات الثلاث من صفات المتقين ، وفي ذلك بعث عليها وحث ، وهى قيام الليل قيل : أراد بذلك صلاة الليل ، وكانت فرضا ، وقيل : هي التقرب إلى الله بعبادة الليل وإن لم يكن ذلك فرضا.

وقيل : كانوا لا ينامون حتى يصلوا العشاء ، عن محمد بن علي ، وقيل : ويصلون ما بين المغرب والعشاء ، عن أنس بن مالك ، وسالم.

وقيل : كانوا يديمون الصلاة إلى السحر ، عن الحسن ، ثم يعدون نفوسهم مقصرين ، فيستغفرون عن التقصير ، وقيل : يصلون بالسحر ، عن مجاهد.

وقيل : يطلبون من الله مغفرة الذنوب ، وفي هذا دلالة على أن للعبادة بالليل مزية ، ومن ثم قال المؤيد بالله : سنة المغرب آكد من سنة الظهر ؛ لأنها من صلاة الليل.

وقال : أبو طالب هي أفضل ؛ لأنه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ قضاها بعد العصر حين جاءه مال شغله تفريقه ، قيل : لا دلالة في هذا إنما تكون الدلالة لو اشتغل عن سنة المغرب ثم لم يقضها.

٢٦١

وقوله تعالى : (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌ) قيل : أراد الزكاة وقيل : ذلك يعم كل واجب مالي.

قوله تعالى : (لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) السائل ظاهر ، وفي ذلك دلالة على أن للسائل حقا يتأكد على غيره ، وفي الحديث عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «للسائل حق ولو جاء على فرس» ، وقد ذكره الله تعالى في مواضع.

وأما المحروم فقيل : هو الذي لا يسأل ، فيظن به الغنى ، وقيل : هو الذي لا يسأل ولم يبق له شيء.

وقيل : هو المصاب في زرعه وأشجاره ، وقيل : هو الذي يحرم المال ويتعفف عن السؤال ، وقيل : هي البهائم ؛ لأنها منعت القدرة عن السؤال.

قوله تعالى

(وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) [الذاريات : ٢٠ ، ٢١].

ثمرة ذلك : وجوب النظر والتفكر في إثبات الصانع.

قال الحاكم : في غير هذا الموضع النظر على الوجهين واجب ، ومندوب ، فالواجب التفكر في أدلة التوحيد ، وقد ذكر الله تعالى ذكر التفكر في غير موضع من كتابه وجاءت به السنة.

قال : صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «تفكروا في المخلوق ، ولا تفكروا في الخالق».

وقال : صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «تفكر ساعة خير من عبادة سنة» والمندوب غير ذلك.

قوله تعالى

(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ) [الذاريات : ٢٤ ـ ٢٦]

الثمرة من ذلك : أن السّلام كان من سنة الملائكة والأنبياء عليهم‌السلام ، كما هو من سنة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأن الرد ينبغي أن يكون أبلغ ؛ لأن

٢٦٢

قول إبراهيم (سَلامٌ) بالرفع ، وسلام الملائكة بالنصب ، والرفع أبلغ في المعني ؛ لأنه للدوام ، وأنه يجوز الاستخبار للضيف من هم؟ لأن قوله عليه‌السلام : (قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) ، المعنى فيه : أني لم أعرفكم ، فأخبروني من أنتم ، وقد جاء الأثر بذلك عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومنها : أنه ينبغي للمضيف أن يبادر إلى القرى خفية من الضيف ، لئلا يكفه ؛ لأن قوله : (فَراغَ إِلى أَهْلِهِ) أي : ذهب إليهم في خفية من ضيوفه ، وقد عد هذا من أدب المضيف.

ذكر معنى ذلك جار الله ، وأنه ينبغي أن يتولى خدمة ضيفه ، وقد فسر قوله تعالى في النجم (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) [النجم : ٣٧] بخدمة ضيفانه ، ويكره استخدام الضيف ؛ لأنه ينافي الإكرام.

ومنها : استحباب التسمية عند الأكل ، والحمد بعده ، والتحريض للضيف على الأكل ؛ لأن قول إبراهيم عليه‌السلام : (أَلا تَأْكُلُونَ) تحريضا لما امتنعوا من الأكل ، وقد روي أنهم أجابوه فقالوا : لا نأكله إلا بثمن ، فقال إبراهيم عليه‌السلام : كلوا وأدوا ثمنه ، قالوا : وما ثمنه؟ فقال : تسمون الله إذا أكلتم ، وتحمدونه إذا فرغتم ، فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا : بهذا اتخذك الله خليلا.

قوله تعالى

(وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ) [الذاريات : ٢٨ ، ٢٩]

قيل : المبشر به إسحاق صلّى الله عليه.

قال الزمخشري : وهو أكثر الأقاويل وهو الصحيح ؛ لأن هذه صفة سارة لا هاجر زوجة إبراهيم صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقال مجاهد : إنه إسماعيل.

وثمرتها : استحباب التبشير بالمسار الدينية.

٢٦٣

وقوله : (فَصَكَّتْ وَجْهَها) قيل : ضربت بأطراف أصابعها وجهها ، وقيل : جبهتها كما تفعله النساء تعجبا ، والصرة : الصيحة.

قيل : هي قولها : (يا ويلتا) ، وقيل : تأوهها.

فإن قيل : في هذا دلالة على جواز مثل هذا ؛ لأن إبراهيم والملائكة ـ صلوات الله عليهم ـ لم ينكروا عليها (١).

قوله تعالى

(فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٤ ، ٥٦]

قيل : لما نزلت فتول عنهم حزن رسول الله صلّى الله عليه واشتد ذلك على الصحابة ، ورأوا أن الوحي قد انقطع ، وان العذاب قد حضر ، فنزل (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ).

وثمرات ذلك : أن الآمر إذا بالغ في أمره وعرف أنه لا يؤثر التكرير جاز له الإعراض ووجب ؛ لأنه ربما يكون كثرة الدعاء مفسدة.

وفي عين المعاني نسخ (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) بآية السيف.

ومن ثمرات ذلك : وجوب التذكير لمن انتفع به.

وقوله تعالى : (إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) استدل أصحاب الشافعي أن التخلي أفضل من النكاح لمن لم يخف على نفسه ، ولا كان معه تعب.

وقال المنصور بالله والحنفية ، وصححه الأمير الحسين : إنه يندب لما ورد من الأخبار نحو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «تناكحوا تكثروا».

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أربع من المرسلين : الحياء ، والتعطر ، والنكاح ، والسواك».

__________________

(١) بياض في الأصول قدر سطر تمت.

٢٦٤

سورة الطور

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى

(فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ) [الطور : ٢٩]

المعنى : ما أنت بنعمة الله عليك كما وصفوا من قولهم : (بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ). وقيل : التاء للقسم.

وثمرتها : وجوب الدعاء إلى الله تعالى ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأنه لا يمنع من ذلك سماع الأذى من قولهم : (بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ) ، وقد تقدم ذلك.

قوله تعالى

(وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ) [الطور : ٤٨ ، ٤٩]

وثمرتها وجوب احتمال الصبر على الأذى في تأدية الرسالة ، ويأتي مثله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وقوله : (جَزاءُ) معناه : حيث نراك ونحفظك.

وقوله تعالى : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) قيل : المراد حين تقوم من مجلسك فقل : (سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، استغفرك وأتوب إليك) فإن هذا يكون كفارة لما في مجلسه ، وروي ذلك مرفوعا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكر هذا في عين المعاني.

٢٦٥

وقيل : حين تقوم من النوم ، وقيل : حين تقوم إلى الصلاة.

وقيل : حين تقوم من القائلة ، وأراد صلاة الظهر.

وقوله : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ) قيل : أراد صل له صلاة المغرب والعشاء ، وقيل : في أوقات الليل.

وقوله : (وَإِدْبارَ النُّجُومِ) قيل : أراد ركعتي الفجر عن علي ، وابن عباس ، وأنس بن مالك ، وجابر.

وقيل : صلاة الصبح المفروضة عن الضحاك.

وروي عن علي عليه‌السلام أنه سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن إدبار النجوم فقال : الركعتان قبل الغداة ، وعن إدبار السجود فقال : ركعتان بعد المغرب.

وقيل : أراد نزهه في جميع أحوالك ليلا ونهارا.

٢٦٦

سورة النجم

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى

(إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) [النجم : ٢٣]

يعني : ظنوا أن إلههم يشفع لهم.

وثمرتها أنه لا يجوز العمل بالظن في أصول الدين.

قوله تعالى

(فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا) [النجم : ٢٩]

قيل : المراد أعرض عن من أعرض عن ذكر الله ، وهو القرآن إعراض استخفاف منك بهم.

وفي الكشاف : أعرض عن دعوة من كان معرضا ، ولا تتهالك على إسلامه.

ثمرات ذلك : سقوط الأمر بالمعروف إذا عرف أنه لا يؤثر.

قال الحاكم : وفي قوله : (وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا) دلالة على بطلان قول من يقول : لا يحسن أن يراد بالطاعة الثواب.

قوله تعالى

(الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) [النجم : ٣٢]

الإثم : جنس عام ، والكبائر نوع منه ،

٢٦٧

والكبيرة عندنا على ما صحح : هي ما يزيد عقاب صاحبها على ثوابه.

وقيل : ما فعل عمدا.

والفواحش : ما فحش منها ، كأنه قال : والفواحش منها خاصة.

وقيل : ذلك للزنا.

وقوله : (إِلَّا اللَّمَمَ) اختلف المفسرون هل هذا الاستثناء متصل أو منقطع فقيل : إنه متصل وإن اللمم من الكبائر ، ولكن عفي عنه لأجل التوبة ، فجعل الكبيرة بعد التوبة من اللمم.

وعنه صلّى الله عليه : «لا كبيرة مع الاستغفار ، ولا صغيرة مع الإصرار» وهو مروي عن أبي هريرة ومجاهد ، والحسن وأبي صالح (١) ، وحكي ذلك عن ابن عباس.

وقيل : (اللَّمَمَ) ما دون الشرك ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص.

وقيل : الاستثناء منقطع بمعنى : لكن اختلفوا.

قال الحاكم : فالذي عليه مشايخنا أنه الصغائر ، وذلك قول أبي علي وأبي مسلم ، والقاضي ، لقوله تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) [النساء : ٣١].

وقيل : اللمم : ما سلف في الجاهلية ، وكان المشركون يقولون للمسلمين : إنهم كانوا معنا بالأمس ، فأنزل الله الآية ، عن زيد بن ثابت ، وزيد بن أسلم ، وروي نحوه عن ابن عباس.

وقيل : مقدمات الجماع كالقبلة ، والنظرة ، والغمزة ، عن ابن عباس وابن مسعود ، وأبي سعيد الخدري ، وحذيفة ، ومسروق ، والشعبي.

__________________

(١) صاحب هذه الكنية أربعة من التابعين. ذكره في جامع الأموال.

٢٦٨

وقيل : ما لم يذكر الله تعالى فيه حدّا ولا عذابا في الآخرة ، عن ابن الزبير ، وعكرمة ، وقتادة ، والضحاك ، ومقاتل ، والكلبي.

وقيل : حديث النفس من غير عزم ، عن سعيد بن المسيب ، ومحمد ابن الحنفية في عين المعاني.

وقيل : هي النظرة الأولى. وعن الحسن : وقعة تلتها توبة.

وعن الزجاج : همة تليها توبة ، والمعنى اقتراف يليه اعتراف ، يقال : ألممت به إذا زرته فانصرفت ، ومنه المام الحياء قال :

ألمّت فحيت ثم قامت فودعت

فلما تولت كادت النفس تذهب

تكملة لهذه الأقوال إذا قيل : إذا فسر اللمم بمقدمات الجماع فإن أريد مع التوبة فهي كالكبيرة مع التوبة ، وإن أريد مع عدم التوبة فهو يلزم من ذلك أن يباح ؛ لأنها مغفورة ، ولا خلاف في تحريمها ، وكذا ما قيل : إنه ما لم يذكر فيه حدا ولا عذابا ، وقد يقال : الآية واردة في قصة تيهان التمار وطلبه للامرأة وتوبته (١).

قوله تعالى : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) قيل : لا تزكوها بما ليس فيها ، عن أبي علي.

وقيل : لا تمدحوها على وجه الاستطالة والعجب ، أو الرياء عن أبي هاشم.

قال جار الله : أما لو ذكر طاعته مسرة وشكرا جاز ؛ لأن المسرة بالطاعة طاعة.

قيل : كان ناس يذكرون طاعتهم فيقولون : صمنا صلينا ، فنزلت فصارت تزكية النفس تنقسم ، إن كان لعجب أو استطالة أو رياء حظر ، وإن

__________________

(١) بياض في الأصول قدر سطر ونصف تقريبا.

٢٦٩

ذكر طاعته ليقتدى به أو ليزيل تهمة عن نفسه حسن ، وإن ذكر ذلك إظهارا لشكر نعمة الله فجوزه الزمخشري ، واختلف في ذلك أصحاب الشافعي.

قال في الأذكار (١) : ...

قوله تعالى

(وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) [النجم : ٣٧ ـ ٣٩]

القراءة الظاهرة (وَفَّى) بالتشديد ، وقرئ بالتخفيف.

قيل : هي قراءة سعيد بن جبير ،

وثمرة قوله : (وَفَّى) يظهر في تفسيرها ، قيل : اطلاقه يتناول كل وفاء وتوفية ، من ذلك تبليغ الرسالة ، والصبر على ذبح ولده ، وعلى نار نمرود ، وقيامه بأضيافه ، وخدمته إياهم بنفسه ، وأنه كان يخرج كل يوم فيمشي فرسخا يرتاد ضيفا ، فإن وافقه أكرمه وإلا نوى الصوم.

وعن الحسن : ما أمره بشيء إلا وفي به.

وعن عطاء بن السائب عهد أن لا يسأل مخلوقا ، فلما قذف في النار قال له جبريل وميكائيل : ألك حاجة؟ فقال : أما إليكما فلا.

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «وفى عمله كل يوم بأربعة ركعات في صدر النهار وهي صلاة الضحى».

وروي : «ألا أخبركم لم سمى الله خليله الذي وفّى كان يقول إذا أصبح أو أمسى : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ) [الروم : ١٧ ، ١٨].

وقيل : في مناسك الحج ، وقيل : غير ذلك.

__________________

(١) بياض ف (أ) قدر سطر تقريبا.

٢٧٠

وقوله : (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) قيل : كان بين نوح وإبراهيم ـ عليهما‌السلام ـ يؤخذ الرجل بجريرة غيره ، ويقتل بابنه وأبيه ، وعمه وخاله ، والزوج بامرأته ، والعبد بسيده ، فأول من خالفهم إبراهيم عليه‌السلام.

وثمرة ذلك ظاهرة في الأحكام الدنيوية ، وكذلك في أحكام الآخرة ، وما ورد أن العاقلة تحمل خاص ، وما ورد أن الميت يعذب ببكاء أهله متأول أنه إذا أوصى بفعل المنهي عنه.

وقوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى)

ظاهر الآية يقضي أن الإنسان لا ينفعه سعي غيره عموما ، لكن قد أخرج من العموم صور :

الأولى : الدعاء للميت والاستغفار له ، فإن ذلك يلحق ، وقد ادعى الحاكم الإجماع ، فكذا النواوي ، والإمام يحيى ، وعلل الدعاء أنه كالشفاعة ، وقد حكى الله تعالى استغفار الملائكة للمؤمنين.

الصورة الثانية : إذا أوصى إلى غيره لحقه ثواب ما فعل الموصى ؛ لأنه نائب عنه بأمره فقد صار له سعي (١).

قوله تعالى

(أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ وَأَنْتُمْ سامِدُونَ فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا) [النجم : ٥٩ ـ ٦٢]

في الكشاف : (أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ) وهو القرآن (تَعْجَبُونَ) إنكارا ، (وَتَضْحَكُونَ) استهزاء ، (وَلا تَبْكُونَ) والبكاء والخشوع حق عليكم ، وروي أنه صلّى الله عليه لم ير ضاحكا بعد نزولها.

__________________

(١) بياض في الأصول قدر ثلاثة أسطر أو أربعة اسطر ومن أول الصفحة التالية قدر ثلاثة أو أربعة أسطر أيضا.

٢٧١

وقوله : (وَأَنْتُمْ سامِدُونَ) قيل : لاهون ، وقيل : شامخون ، وقيل : هو غناؤهم حال قراءته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

قال في عين المعاني : سمع الآية أهل الصفة فبكوا وبكا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : «لا يدخل النار من بكى من خشية الله ، ولا يدخل الجنة من كان مصرا على معصية الله».

قال وفي الحديث : قال جبريل عليه‌السلام إنا نزن أعمال بني آدم كلها إلا البكاء ، وإن الله ليطفي بالدمعة بحورا من نيران جهنم.

قال وفي الحديث : «إن هذا القرآن نزل بحزن فإذا قرأتموه فابكوا ، فإن لم تبكوا فتباكوا» وفي هذا المعنى لأبي الطيب :

إذا سكبت الدموع على خدود

تبين من بكى ممن تباكى

وقد ظهرت ثمرات ذلك.

وقوله : (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا) قال في الحاكم عن أبي علي أراد الصلاة وغيرها من عباداته التي أمر بها.

وفي عين المعاني : قيل : اسجدوا في الصلاة ، والأصح أنه على الانفراد وهي سجدة التلاوة ، ويكون هذا حجة في وجوب سجود التلاوة ؛ لأن ظاهر الأمر يقتضى الوجوب ، وعندنا أنها سنة ؛ لأن في حديث زيد بن ثابت قال : عرضت النجم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم يسجد ، وفي حديث ابن عمر أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرأ بالنجم فسجد وسجد معه المسلمون إلا رجلين ، فلما سجد وترك ولم ينكر دل على عدم الوجوب ، وعلى أن السجود كان ندبا ، وفي حديث ابن عباس أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة.

قال في عين المعاني : والآية حجة على الشافعي ؛ لأنه قال : لا سجود في المفصل.

٢٧٢

سورة القمر

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

قوله تعالى

(فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) [القمر : ٦]

والمعنى : أعرض عنهم ، هذا تهديد ، والمعنى : أعرض عنهم اليوم فإنهم (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ) يطلبون شفاعتك فلا تشفع لهم ، ويوقف على (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) وتبتدئ ب (يَوْمَ).

وقيل : والمعنى فتول عنهم في ذلك اليوم فلا تشفع لهم فيوصل.

قوله تعالى

(فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ) [القمر : ١٩]

ومعناه : يوم عذاب ، والقراءة الظاهرة بإضافة اليوم ، وقرئ في يوم نحس بتنوين يوم ونحس ، مثل : (فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ) [فصلت : ١٦]

واختلف في قوله : (مُسْتَمِرٍّ) هل هو صفة للنحس أو ليوم أو للريح ، فإن جعله صفة للعذاب فقيل : المعنى مستمر بهم إلى نار جهنم ، وإن جعل صفة للريح ، فلأنها استمرت عليهم حتى أفزعتهم ، وإن جعل صفة لليوم فهذا يوهم أن آخر ربوع في الشهر مستمر شؤمه ؛ لأنه قد روى أن ذلك اليوم آخر يوم في الشهر ، لا يدور.

وقال الحاكم : فإن قيل قد ورد قوله تعالى : (فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ) وورد قوله : (سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً) فكيف الجمع بينهما وأجاب بأنه

٢٧٣

أريد باليوم الوقت ، والوقت قد يقصر وقد يطول ، فلا تدل الآية أن أخر ربوع مستمر شؤمه ، كما روي في الحديث : أخر ربوع ثقيل على محمد ، وعلى أمة محمد.

وإن قلنا : قد فسر اليوم بأنه أخر ربوع فلعل المراد ابتداء العذاب في هذا اليوم ، وقد تقدم أن اليوم لا تأثير له ، وأن من اعتقد تأثيره كفر ، وأما إذا لم يعتقد ولكن قال : إن الله تعالى يجري العادة بالمضرة فيه كما أجرى العادة بالمطر في أوقات مخصوصة فالمنصور بالله قال : يأثم إن عمل بذلك ولم يعتقد تأثيره.

قوله تعالى

(وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ) [القمر : ٢٨]

ثمرة ذلك صحة قسمة الماء بالأيام.

٢٧٤

سورة الرحمن

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى

(هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) [الرحمن : ٦٠]

قيل : المعنى هل جزاء الإحسان في العمل إلا الإحسان في الثواب.

وعن محمد بن الحنفية : هي مشتملة للبر والفاجر ، وقد استدل أهل المذهب بها في مواضع المجازاة فيدخل في هذا جواز قبول هدية من علم مصلحة دينية إذا لم يقصد المعلم العوض ، ويدخل في هذا جواز صرف الزكاة إلى من تقدم منه إحسان أو شفاعة إلى قادر إذا لم يكن الصرف ليفعل له في المستقبل ، وكذا من أضاف أهل الزكاة فصرفوا إليه زكاتهم ، لأجل كونه أضافهم لا لكونه يضيفهم في المستقبل ، وكذا من تزوج من غيره فأهدى إلى الولي هدية مشروطة ، وكذا من أحسن إليه كافر فكافأه جاز ذلك ، ولذلك أرسل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقميصه إلى ابن أبي ؛ لأنه كان كسا العباس قميصا ، وكذا من أقرض قرضا فقضي أكثر ولم يقصد أن القرض ليزاد له.

قوله تعالى

(فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) [الرحمن : ٦٨]

فسرت الفاكهة بما يستطرف ، وقد قال المؤيد بالله في حقيقتها : إنها اسم لكل ثمرة جرت العادة بأكلها على سبيل التنقل في غالب الأحوال ،

٢٧٥

فيدخل في هذا العنب ، والرمان ، والنخيل فيحنث بها من حلف لا أكل الفاكهة.

وعند أبي حنيفة هذه الأشياء ليست بفاكهة ، وفي سورة «عبس» عطف الفاكهة على العنب ،

أجبنا بوجهين : الأول : أن الأيمان غير مبنية على اللغة والقرآن ، إنما هي مبنية على العرف ، ولهذا قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا) وأبو حنيفة يقول : من حلف من اللحم لم يحنث بلحم السمك بل العبرة بالعرف ، وقال تعالى : (وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها) وأبو حنيفة زعم أن اللؤلؤ ليس من الحلية اعتبر العرف ، وقال تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) [هود : ٦] ومن حلف لا اشترى دابة لم يحنث بشرى شاة عند أبي حنيفة ، وما ذهبنا إليه هو قول الشافعي ، وأبو يوسف ، ومحمد.

الجواب الثاني : أن التقدير : فيهما فاكهة ، وفيهما نخل ، ورمان ، فأفرد النخل والرمان بيانا لفضلهما ، فكأنهما لما لهما من المزية جنسان آخران كما ورد قوله تعالى : (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) [البقرة : ٩٨] أو لأن النخل ثمره فاكهة وطعام ، والرمان فاكهة ودواء ، فلم يخلصا للتفكه ، هكذا قاله جار الله.

٢٧٦

سورة الواقعة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى

(وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) [الواقعة : ١٠ ، ١١]

بعضهم وقف على السابقون الأول ، ويكون الثاني خبرا عنه ، والمعنى : السابقون إلى الطاعة هم السابقون إلى الجنة.

وقيل : السابقون الثاني تأكيد للأول ، والخبر (أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) وصحح الوقف على الثاني.

قال جار ـ رحمه‌الله ـ : وليس بذاك ؛ لأن الثاني ذكر بيانا للأول ، ومعنى (السَّابِقُونَ) ما علمت صفتهم ؛ لأنه في مقابلة ما أصحاب اليمين ، وما أصحاب الشمال ، كقول أبي النجم : (وشعري شعري) أي : ما انتهى إليك المعنى. قيل : السابقون هم الذين صلوا إلى القبلتين عن ابن سيرين.

وقيل : الذين سبقوا إلى اتباع الأنبياء عن أبي علي. وقيل : طاعة الله ، وقيل : إلى الرواح إلى المساجد ، وأول من يخرج إلى الجهاد.

وقيل : السابقون إلى الهجرة عن ابن عباس ، وقيل : إلى الصلوات الخمس عن علي عليه‌السلام.

وقيل : إلى الإسلام عن عكرمة ، وقيل : إلى الجهاد عن الضحاك.

وقيل : إلى كل خير عن القرطبي.

وقيل : إلى التوبة وأعمال البر عن سعيد بن جبير.

٢٧٧

وقيل : السابقون إلى ما دعي إليه عن ابن كيسان ، وقواه الحاكم لعموم الكلام ، والمعنى هم السابقون إلى الجنة.

وثمرة ذلك الحث على البدار في الطاعات ، وفي هذا : صور :

الأولى : التعجيل بالصلوات ، فأما المغرب فقد أجمع العلماء أن تعجيلها أفضل.

قال الإمام يحيى : إلا قوم من الرافضة لا يلتفت إلى خلافهم ، فقالوا : تؤخر إلى اشتباك النجوم.

وأما سائر الصلوات فقال القاسم ، وخرج للهادي إن تعجيل الصلوات أفضل لأخبار كثيرة :

منها : (أفضل الأعمال الصلاة لأول وقتها) ، وهذا قول الناصر ، وفي حديث ابن مسعود سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أي الأعمال أفضل؟ فقال : «الصلاة لأول وقتها» وغير ذلك من الأخبار نحو ما روي أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلي إذا اشتد الحر ، وفي حديث خباب أنهم شكوا إلى رسول حر الرمضاء فلم يشكهم ، وقال : «صلوا إذا زالت الشمس».

وقال أبو حنيفة : ورواية عن مالك ، والشافعي : يؤخر الظهر في شدة الحر لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا اشتد الحر فابردوا بالصلاة».

وفي السنن عن جابر بن عبد الله قال : كنت أصلي الظهر مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخذ قبضة من الحصى لتبرد في كفي أضعها لجبهتي أسجد عليها لشدة الحر ، وفيها عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا اشتد الحر فابردوا بالصلاة».

وفيها عن ابن مسعود قال : كان قدر صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الشتاء بثلاث أقدام إلى خمسة أقدام ، وفي الصيف خمسة أقدام إلى تسعة أقدام ، فهذا سبب الخلاف ، وعموم الآية بالتعجيل.

وأما العصر فالتعجيل عندنا أفضل ، وهو قول الأكثر لعموم الأخبار ،

٢٧٨

ولأن ذلك من السباق إلى الخير والمسارعة ، وقد قال تعالى : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ) وقال تعالى : (يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) وعند أبي حنيفة الأفضل التأخير مهما صليت والشمس بيضاء نقية.

حجة أبي حنيفة ما روى أبو داود بالإسناد أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يؤخر العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية ، وأما العشاء فتعجيلها أفضل عندنا ، لما تقدم.

وقال أبو حنيفة : الأفضل تأخيرها إلى الثلث ، أو النصف ،

وقد قال المؤيد بالله : تأخيرها أفضل للخبر الوارد فيها.

قال في السنن عن النعمان بن بشير قال : أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة صلاة العشاء الآخرة كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصليها لسقوط القمر لثلاث ،

وفيه بالإسناد إلى عبد الله بن عمر قال : مكثنا ذات ليلة ننتظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لصلاة العشاء فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده فلا أدري أشيء شغله أم غير ذلك ، فقال حين خرج : «تنتظرون هذه الصلاة لو لا أن تثقل على أمتي لصليت بهم هذه الساعة» ثم أمر المؤذن فأقام الصلاة.

وفيها عن أبي سعيد الخدري أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يخرج فقد انتظروه حتى مضى نحو من شطر الليل فصلى بهم ، وكان من كلامه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة ، ولو لا ضعف الضعيف ، وسقم السقيم لأخرت هذه الصلاة إلى شطر الليل».

وأما صلاة الفجر فتعجيلها هو الأفضل عندنا.

قال في النهاية : وهو قول الشافعي ، ومالك ، وأحمد بن حنبل ، وأبي ثور وداود ، قالوا : الأفضل أن يتغلس بها لما تقدم ، ولأنه روي في سنن أبي داود بالإسناد إلى عائشة أنها قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليصلي الصبح فتنصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس.

٢٧٩

وقال أبو حنيفة : الأفضل تأخيرها إلى الأسفار ، وفي السنن عن رافع بن خديج قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أصبحوا بالصبح فإنه أعظم لأجوركم أو أعظم للأجر».

وفي النهاية أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «أسفروا بالصبح فكلما أسفرتم فهو أعظم للأجر» ، وجاءت أخبار منها : «مثل المهجر إلى الصلاة كمثل المهدي بدنة» إلى آخره.

الصورة الثانية : التبكير بالرواح إلى الجمعة ، وقد تظاهرت الأخبار باستحباب تأخير الرواح نحو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة» واختلف أهل الحديث ما أراد بالساعة الأولى؟ فقيل : أول ساعة بعد الفجر فتكون الساعات فلكية ؛ لأنه قد روي أن أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانوا يمشون إليها في الفوانيس يعني في الغلس.

وقيل : أراد بالساعة الأوقات من بعد الزوال.

الصورة الثالثة : تعجيل الزكاة وتعجيل الفطرة وقد نص المؤيد بالله على أن تعجيل الزكاة أفضل مع أن الناصر ، ومالك يقولان : إن التعجيل قبل كمال الحول لا يجزي.

وقال القاسم : إن عجل الفطرة في رمضان كان أفضل مع أن في ذلك خلافا ، واحتجوا بأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تعجل من عمه العباس فكان أفضل ؛ لأنه مسارعة إلى الخيرات ، ولم يقبلوا الاحتياط هو الأخذ بالإجماع أفضل ، وكلام القاضي جعفر يشير إلى أن الأخذ بالإجماع أفضل ، والآية عامة أن المسابق إلى الخير أفضل.

وقوله تعالى : (أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) يعني : من رحمة الله تعالى وكرامته.

قال في الكشاف والتهذيب : قيل الناس ثلاثة : رجل ابتكر الخير في حداثة سنة ثم داوم عليه حتى خرج من الدنيا فهذا السابق المقرب ، ورجل

٢٨٠