تفسير الثمرات اليانعة - ج ٤

يوسف بن أحمد بن عثمان [ الفقيه يوسف ]

تفسير الثمرات اليانعة - ج ٤

المؤلف:

يوسف بن أحمد بن عثمان [ الفقيه يوسف ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة التراث الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

آل عمران : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) [آل عمران : ١٥٩] وقال تعالى في سورة حم عسق : (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) [الشورى : ٣٨] وفي فعلها نظر وتدبير ؛ لأن الحرب تحتاج إلى ذلك ، وقد جعل التدبير شرط في الإمام ، والأمير ، وهو أن يكون الأكثر من الرأي الإصابة.

قوله تعالى

(وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) [النمل : ٥٤]

إلى آخرها ، وقد تقدم ما يتعلق بذلك من الأحكام.

قال الحاكم : وتكرير هذه القصة ؛ لأن القرآن نزل في ثلاث وعشرين سنة ، ولأنها تتضمن من عجائب الفصاحة ما يدل على الإعجاز.

قوله تعالى

(قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى) [النمل : ٥٩]

قيل : هو متصل بما قبله فأمر بحمد الله على هلاك الكفار ، وأن يسلم على من اصطفاه ، وعصمه من الذنوب.

وقيل : إنه متصل بما بعده من الآيات الدالة على وحدانيته ، أمره أن يفتتح كلامه بحمد الله ، والتسليم على أنبيائه ، والمصطفين من عباده ، ثم يتلو عليهم ما يتلو بعد ذلك.

قال جار الله : وفيه تعليم حسن ، وتوقيف على أدب جميل ، وبعث على التيمن بالحمد والسّلام ، والتبرك بهما ، والاستظهار بهما على قبول ما يلقى ، وقد توارث العلماء والخطباء والوعاظ كابرا عن كابر هذا الأدب أمام كل علم ، وقبل كل خطبة ، وتبعهم المترسلون في كتبهم في الفتوح والتهاني ، والحوادث التي لها شأن.

٥٢١

قوله تعالى

(أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ) [النمل : ٦٢]

قيل : هو المجهود. وقيل : الذي لا قوة له.

وفي ذلك إشارة إلى أن لدعاء الضعيف حالة.

قال الزمخشري : وأراد من علم الله المصلحة في إجابته لا كل مضطر.

قوله تعالى

(قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ) [النمل : ٦٥]

قال الحاكم : دل على بطلان قول الإمامية أن الإمام يعلم الغيب ، وبطلان قول الكهنة والمنجمين.

قوله تعالى

(إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها) [النمل : ٩١]

أراد مكة ، وتحريمها بما ورد مبينا في غير هذا أنه لا ينفر صيدها ، ولا يعضد شجرها ، ولا يختلا خلاها ، ومن دخلها كان آمنا.

تم ما نقل من سورة النمل بحمد الله تعالى.

٥٢٢

تفسير

سورة القصص

٥٢٣
٥٢٤

سورة القصص

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى

(فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ) [القصص : ١٣]

في القصة أنه رد إليها ، وأجرى له النفقة.

قال في الكشاف : إنما أخذت الأجرة على إرضاع ولدها ، لا لكونها أجرة ولكن لأنها مال حربي فاستباحته ، تم كلامه.

وهذا يشبه قول الأئمة أنه يجوز أن يشترى أولاد الكفار منهم فيملكهم ، وليس ملكهم بالمعاوضة ، لكن بالاستباحة ، ويخالف قولهم : لا يباع جسد المقتول.

قوله تعالى

(وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ) [القصص : ١٥]

هذا دليل : على أنه يجوز دخول دار الحرب لحاجته.

قوله تعالى

(قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ) [القصص : ١٦]

هذا يدل : على أنه قد صدر منه ذنب ؛ لأنه قال : (ظَلَمْتُ نَفْسِي) ، وطلب المغفرة.

٥٢٥

وقد اختلف المفسرون :

فقيل : إن المقتول كان كافرا ، ولكن لم يعلم فتاب ؛ لأن ذلك يعلم سمعا.

وقيل : كان مؤمنا لكنه كان يمكنه الدفع عن المستنصر له ، ويخلصه بالرفق والقول الجميل.

وقيل : كان يمكن أن يضربه في غير مقتل فأخطأ بعدم التحرز من المقتل.

وقيل : كان مباح الدم ، فقيل : لكن قتله كان يؤدي إلى الخشية على موسى من القتل فأذنب لهذا.

وقيل : هو مذنب بقتله ، ولكنه وقع صغيرة.

وقال بعضهم : هو مباح الدم ، ولكن جعل ذلك ذنبا على نفسه من باب الانقطاع.

قوله تعالى

(فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) [القصص : ١٧]

هذا قسم على نفسه أن لا يعين مبطلا ، وجواب القسم محذوف تقديره : فبما أنعمت عليّ فلأتوبنّ ، فلا أكون ظهيرا للمجرمين.

ويحتمل أن يكون استعطافا كأنه قال : رب اعصمني بحق ما أنعمت عليّ من المغفرة.

وقيل : بالهداية.

وقيل : بالنجاة من فرعون.

وقيل : هو عام في جميع النعم ، ورجحه الحاكم ، (فَلَنْ أَكُونَ) إن عصمتني (ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) ظهيرا للمجرمين ، وأراد مظاهرة تؤدي إلى الإثم ، كمظاهرة الإسرائيلي.

٥٢٦

قال ابن عباس : لم يستثن ، ويقول إن شاء الله فابتلي مرة أخرى ، وهذا كقوله تعالى : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) [هود : ١١٣].

قال في الكشاف : وفي الحديث : «ينادي مناد يوم القيامة ، أين الظلمة وأشباه الظلمة ، وأعوان الظلمة حتى من لاق لهم دواة ، أو برى لهم قلما ، فيجمعون في تابوت من حديد ، فيرمى بهم في جهنم» ولعل ذلك لكون الباري لهم ونحوه راضيا ، وإنما وصف موسى الإسرائيلي بالغوي لأنه سبب قتل نفس لم يؤذن بقتلها.

قوله تعالى

(وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ) [القصص : ٢٢]

دليل : على أن الهجرة والفرار مشروع.

قوله تعالى

(قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقى لَهُما) [القصص : ٢٣ ، ٢٤]

ثمرة ذلك :

جواز : مكالمة الامرأة مع الأمان على النفس ، وقد كانت فاطمة ـ رضي الله عنها ـ تكلم الرجال (١) ، وعائشة تفتي.

قال في الأذكار : ويستحب تفخيم صوتها لأن لا يطمع فيها.

ومن ثمرة ذلك : أنه يحسن إعانة الضعيف.

__________________

(١) وهي مع ذلك معصومة ولا تفعل إلا الجائز ومناشدتها لأبي بكر مشهورة ولا يقال بالخصوص إذ التكليف عام في غير الأنبياء صلوات الله عليهم تمت.

٥٢٧

قوله تعالى

(إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) [القصص : ٢٤]

دل ذلك : أنه يستحب التلطف في الدعاء.

قوله تعالى

(فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا) [القصص : ٢٥]

ثمرة ذلك : أن الحياء له موقع في الدين ؛ لأنه أريد مدحها بذلك.

قال الحاكم : وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحياء نصف الإيمان»

قيل : وحياؤها أنها جاءت تستحي من موسى : عن أبي علي.

وقيل : مستترة بكم درعها : عن عمر.

وقيل : سترت وجهها بيدها : عن نوف (١).

وقيل : كانت تمشي عادلة عن الطريق.

قوله تعالى

(قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا) [القصص : ٢٥]

في الرواية أنه أنطلق معها وقال لها : أمشي خلفي ودليني على الطريق إن أخطأت فإنا بني يعقوب لا ننظر إلى أعجاز النساء.

ثمرة ذلك :

حسن المجازاة بالإحسان ، وأنه لا ينظر إلا ما يبعث الشهوة ؛ لأنه روي أنها مشت أمامه فالصقت الريح ثوبها بجسمها فأمرها تمشي خلفه.

__________________

(١) نوف البكالي ـ بكسر الباء ـ : تابعي تمت جامع الأصول.

٥٢٨

وفي القصة أنه لما وصل إلى شعيب ووضع الطعام بين يديه قال : أصب يا فتى فقال : ألم تعلم أنا لا نبيع ديننا بدنيانا ، وروي لا نبيع ديننا بطلاع الأرض ذهبا ، ولا نأخذ على المعروف ثمنا ، فقال شعيب : هذه عاداتنا إلى كل وارد مؤمن وكافر ، وكان موسى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يذق طعاما سبعة أيام ، وقد لصق بطنه بظهره ، وعرض بالدعاء بقوله : (لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) [القصص : ٢٤].

وثمرة ذلك :

جواز العمل بخبر المرأة وجواز المشي معها مع التحرز ، وأنه لا ينبغي أن يؤخذ على الطاعة عوض ، وهذا نظير قوله تعالى في سورة الليل : (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) [الليل : ١٩ ، ٢٠] وهذا يفصل فيه : فإن قصد بفعل الطاعة العوض لم تكن طاعة ولم يجز العوض ؛ حيث تكون عبادة ، وإن لم يقصد ذلك فأخذ الجزاء على ذلك جائز ، وقد قال تعالى : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) [الرحمن : ٦٠] وترك الأخذ تحرج وتشدد.

ومن هذا لو علّم لوجه الله تعالى قرآنا أو شيئا من سائر العلوم ، ثم أضاف التلميذ شيخه ، أو أحسن إليه جاز الأخذ ، والأفضل الترك ، فإن كان الإحسان لمحله من الفضل جاز ذلك ولا حرج على أحد ، وقد كان أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحضرون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعواتهم ، ويتبركون بحضوره موائدهم ، وهو معلم الخير.

قوله تعالى

(قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي

٥٢٩

ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) [القصص : ٢٦ ، ٢٧]

ثمرة هذه الجملة أحكام :

منها : جواز الإجارة وثبوتها في شريعتهم ، وهي ثابتة أيضا لقوله تعالى في سورة الطلاق : (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) [الطلاق : ٦] وغير ذلك ، والمسألة إجماعية ، وقد انقرض خلاف الكرابيسي ، والنهرواني ، وابن كيسان ؛ لأنهم قالوا : المنافع معدومة ، وبيع المعدوم لا يصح.

ومنها : أنه ينبغي في الإجارة طلب القوي الأمين ؛ لأنها نبهت شعيبا ـ عليه‌السلام ـ على هذا.

قيل في قوة موسى عليه‌السلام : أنه سقى الماشية بدلو واحد.

وقيل : رفع صخرة فوق البئر لا يرفعها إلا أربعون.

وأمانته : أنه غض بصره ، وأمرها أن تمشي خلفه : عن قتادة.

وقيل : قال لها : امشي خلفي فإن أخطأت الطريق فارمى قدامي حصاة حتى أنهج نهجها.

وقد قالوا : إذا ضعف الأجير عن العمل ، أو ظهرت منه خيانة جاز فسخ الإجارة لذلك.

ومنها : ثبوت النكاح في شريعة من قبلنا ، وجواز أن يسأل الولي غيره زواجه ابنته ونحوها.

ومنها : جواز أن يكون المهر منفعة حر.

وهذه مسألة خلاف بين العلماء :

فمذهب الأئمة والشافعي : جواز ذلك.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز.

٥٣٠

وقال مالك : يكره ، حكاه في النهاية.

وذكر لأصحاب مالك ثلاث أقوال : الجواز ، والمنع ، والكراهة.

حجة أهل المذهب : ظاهر قصة موسى وشعيب ، فإنه قال : (عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ) [القصص : ٢٧] ، وشرع من تقدم يلزمنا ما لم ينسخ.

قالوا : إن نازعنا في اللزوم فلا حجة ، وإن سلمنا فلا حجة ؛ لأنه قال : (أُرِيدُ) فلم يجعل هذا عقدا ، ولكن حكى ما يريد من النكاح والاستئجار ، وإنما زوجها بمهر معلوم ، ثم استأجر به ،

وأبو حنيفة يقول : لا بد أن يكون المهر مالا يسلم ، أو منفعة مال.

وقلنا : يجوز من طريق القياس ؛ لأن منفعة الحر إذا ملكت بعقد الإجارة بمال ملكت بأن يجعل عوضها البضع.

إن قيل : إن المنكوحة لا بد أن تكون معلومة ، وقوله : (إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ) في ذلك جهالة؟

أجاب جار الله ـ رحمه‌الله ـ بأن هذا لم يكن عقدا ولكنه مواعدة.

واختلفوا فقيل : زوجه الكبرى. وقيل : الصغرى ، وروي مرفوعا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «زوجه صغراهما ، وقضى أوفاهما».

ومن ثمرات الآية : جواز التكسب.

ومن ثمراتها : أن المهر للأب ، لكن هذا منسوخ ، وفي شريعتنا أنه للزوجة لقوله تعالى في سورة النساء : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً) [النساء : ٤] ذكر هذا في عين المعاني.

ومنها : جواز التعريض ؛ لأنه وكّل الزيادة إلى اختيار موسى ، وجعله متبرعا بها.

ومنها : حسن الترفق في المعاملة ، وعدم المشاقة.

قال جار الله : وهذه عادة الأنبياء صلّى الله عليهم.

٥٣١

ويروى كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «شريكي فكان خير شريك ، لا يداري ، ولا يشاري ، ولا يماري»

قوله : يداري : أي : يخادع من الدري.

وقوله يشاري أي : لا يلاحي من المشاراة.

وقوله لا يماري يعني : لا يجادل.

ومنها : جواز صفة النفس بالصفة المحمودة للمصلحة ؛ لأنه قد فسر قوله : من الصالحين يعني الوافين بالعهد ، المحسنين للصحبة ، المطيعين لله.

وقيل : فيما وعدت لك في أولاد الغنم ، وكان قد جعل له كل أبلق وبلقاء ، فولدت كلهن كذلك ، فوفى له.

ومنها : استحباب الاستثناء بمشيئة الله تعالى.

قوله تعالى

(وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً) [القصص : ٤١ ، ٤٢]

يعني يدعون إلى عمل النار.

وثمرة ذلك :

جواز تسميتهم بأئمة الظلال وأئمة الكفر ونحو ذلك ، وجواز لعن الكفار عموما ، واختلفوا في لعن الكافر المعين الذي لم يخبر الله تعالى بأنه من أهل النار ، فالظاهر جواز لعنه ، وهو مشروط في المعنى بأن يموت على كفره.

وقال الغزالي : لا يجوز لأنه لا يعلم بما يختم الله له.

ومعنى أتبعناهم لعنة ، قيل : المعنى أذقناهم لعنة إلى آخر الدهر.

وقيل : ذلك قوله تعالى : (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) [هود : ١٨].

٥٣٢

قوله تعالى

(إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [القصص : ٧٦ ، ٧٧] قيل : كان من قومه يعني : أنه ممن آمن به ، لا أنه من بني إسرائيل.

وقيل : أراد أنه من أهل نسبه ، قيل : ابن عمه ، وقيل : ابن أخته ، وكان أقرأ بني إسرائيل للتوراة ، ولكن ارتد كما ارتد السامري ، وكان يسمى المنور لحسن صورته ، ولكنه حسد موسى وهارون الأمر.

وقوله تعالى : (فَبَغى عَلَيْهِمْ) قيل : بالظلم ، وقيل : بالتكبر.

وقوله تعالى : (لا تَفْرَحْ) المراد بالفرح : شدة الإعجاب بما يلهيه عن أمر الآخرة ، وهو كقوله تعالى : (وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) [الحديد : ٢٣] وقول الشاعر :

ولست بمفراح إذا الدهر سرني

ولا جازعا من صرفه المتقلب

لأنه لا يفرح بالدنيا إلا من اطمأن إليها ، ورضي بها ، فأما من علم أنه مفارق لما هو فيه عن قريب ، فإن نفسه لا يكمل فرحها.

قال جار الله : وما أحسن ما قيل :

أشد الغم عندي في سرور

تيقن عنه صاحبه انتقالا

قوله تعالى : (وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ)

وذلك أنه إذا أوتي الغنى والثروة فعل فيه أصناف الواجب والمندوب ، ويجعله زادا إلى دار الآخرة.

٥٣٣

قوله تعالى : (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا)

فيه أقوال للمفسرين :

فقيل : بأن تأخذ ما يكفيك ويصلحك : وهذا مروي عن الحسن.

وقيل : ما أوتي من قوة وغنىّ فيقدمه للآخرة ، ويعمل أعمالها.

وقيل : ما قدمت فهو نصيبك.

فظهر من ثمرات الآية :

قبح الحسد ، وأنه يقود إلى الكفر ، وكذلك قبح التكبر والظلم ، والنهي عن الفرح الملهي ، ويدخل في ذلك الإفراط في الولائم المؤدي إلى المفاخرة ، والشغل عن أمر الدين ، ومن ذلك الإخلاص في الإنفاق ، ومن ذلك لزوم الاهتمام بما يكفيه من الحلال إذا فسر النصيب بما يكفيه ، ومن ذلك الحث على فعل المعروف ؛ لأنه قد فسر قوله تعالى : (وَأَحْسِنْ) أي : أحسن إلى الناس.

وقيل : أحسن في طلب الحلال.

وقيل : في طاعة الله تعالى.

ومنها : أن القرابة لا تنفع من غير عمل.

وهاهنا نكتة في كتب التفسير :

نذكر ما في الكشاف قال : كان قارون يؤذي موسى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كل وقت وهو يداريه للقرابة التي بينهما حتى نزلت الزكاة فصالحه عن كل ألف دينار على دينار ، وعن كل ألف درهم على درهم فحسبه فاستكثره فشحت به نفسه فجمع بني إسرائيل وقال : إن موسى أرادكم على كل شيء ، وهو يريد أن يأخذ أموالكم ، فقالوا : أنت كبيرنا وسيدنا فأمرنا بما شئت فقال : نبرطل فلانة البغي حتى ترميه بنفسها فيرفضه بنو إسرائيل ، فجعل لها ألف دينار.

٥٣٤

وقيل : طستا من ذهب مملوءة ذهبا. وقيل : حكمها.

فلما كان يوم عيد قام موسى فقال : يا بني إسرائيل من سرق قطعناه ، ومن افترى جلدناه ، ومن زنى وهو غير محصن جلدناه ، ومن أحصن رجمناه. فقال قارون : وإن كنت أنت؟

قال : وإن كنت أنا ، قال : فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة ، فأحضرت فناشدها موسى بالذي فلق البحر لموسى ، وأنزل التوراة أن تصدق فتداركها الله سبحانه فقالت : كذبوا ، بل جعل لي قارون جعلا على أن أقذفك بنفسي ، فخر موسى ساجدا يبكي وقال : يا رب إن كنت رسولك فاغضب لي ، فأوحى الله إليه أن مر الأرض بما شئت فإنها مطيعة لك فقال : يا بني إسرائيل إن الله بعثني إلى قارون ، كما بعثني إلى فرعون فمن كان معه فليلزم مكانه ، ومن كان معي فليعتزل ، فاعتزلوا جميعا غير رجلين ، ثم قال : يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى الركب ، ثم قال : خذيهم فأخذتهم إلى الأوساط ، ثم قال : خذيهم فأخذتهم إلى الأعناق ، وقارون وقومه يتضرعون إلى موسى عليه‌السلام وينشادونه بالله وبالرحم ، وموسى لا يلتفت إليهم لشدة غضبه ، ثم قال : خذيهم فانطبقت عليهم ، فأوحى الله إلى موسى عليه‌السلام : «ما أفظك استغاثوا بك مرارا فلم ترحمهم ، أما وعزتي لو إياي دعوا مرة واحدة لوجدوني قريبا مجيبا»

فأصبحت بنو إسرائيل يتناجون بينهم إنما دعا موسى على قارون ليستبد بداره وكنوزه ، فدعا الله حتى خسف بداره وأمواله.

قوله تعالى

(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [القصص : ٨٣]

اختلف المفسرون في العلو والفساد المذكورين هنا :

٥٣٥

فقيل : العلو : التكبر عن الانقياد لأمر الله. والفساد الإنفاق في وجوه الظلم.

وقيل : الفساد والإنفاق في السرف.

وقيل : الفساد المعاصي.

وقيل : الفساد أخذ المال بغير حق.

وقيل : الإصرار على المعصية.

وفي عين المعاني : العلو البغي.

وعن ابن جبير ، والحسن : عزا ، وسرفا.

وعن الضحاك : ظلما.

وعن ابن سلام : شركا.

وقيل : لا يجزعون من ذلها ، ويتنافسون في عزها.

قال في الكشاف : وعن علي عليه‌السلام إن الرجل لتعجبه أن تكون شراك نعله أحسن من شراك نعل صاحبه ، فيدخل تحتها.

وعن عمر بن عبد العزيز : أنه كان يرددها حتى قبض.

وعن الفضيل : أنه قرأها ثم قال : ذهبت الأماني هاهنا.

ويستثمر من هذه الآية الكريمة :

أن من أراد بنوع من الطاعة علو الدرجة دخل في هذا ، ولم يكن عمله مقبولا ، ويكون نظيرا لمن جاء فيهم الحديث عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله : «من تعلم العلم ليجاري به العلماء ، أو ليماري به السفهاء ، أو يصرف وجوه الناس إليه أدخله الله النار» ومثل هذا من طلب بالإمامة الكبرى أو الصغرى ، أو القضاء ، أو الخطبة في الجمع والأعياد المزيّة وارتفاع الدرجة ، وظهور الكلمة.

بل يدخل في هذا من قصد بالصف الأول لتكون له رتبة على غيره.

٥٣٦

وقد أفرد الحاكم في السفينة بابا في ذم علماء السوء ، وروى فيه آثارا كثيرة :

منها : ما رواه أنس بن مالك قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :

«رأيت ليلة أسري بي إلى السماء رجالا تقرض شفاههم بمقاريض من نار فقلت : يا جبريل من هؤلاء؟ فقال : هؤلاء الخطباء الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم ، وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون».

ويتفرع على هذا فرع وهو أن يقال : المسألة لها حكمان :

حكم يتعلق بالفاعل ، وما يقبل منه وما لا يقبل ، وذلك يرجع إلى نفسه وما يعرف من قصده.

والحكم الثاني : يتعلق بالتابع فإن صلحت نية المتبوع كان التابع والمتبوع ناجيين ، وإن لم تصلح نية المتبوع فهو في نفسه مخط ، وأما التابع فإن لم يعرف خطأ المتبوع فهو ناج.

وقد ذكر المؤيد بالله أن الإمام يكون هالكا إن لم يكن صالحا في الباطن ، ويكون أصحابه ناجيين ، فأما لو علموا بعدم صلاحه كان هالكا هو وأصحابه ، فإن لم يحصل لهم طريق إلى الخطأ إلّا بالظن الذي لم يمكن مدافعته ولا تأويله (١).

ومن هذا ما قاله الناصر ، والقاسم : أن الإمام الأعظم إذا وجد أفضل منه وجب عليه أن يسلم له حتى قال الناصر : إن لم يسلم فسق ؛ لأنه يكون عند ذلك طالبا للدنيا.

__________________

(١) بياض في الأصل تمت. وفي الحاشية يقال فرضهم البقاء على الأصل كيف والله تعالى يقول : (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) ويقول (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) لا يقال قد عمل بالظن في بعض المواضع لأنا نقول العمل بالظن في الفروع من المسائل العلمية كيف وهو يترتب على هذا الظن التفسيق وهو لا يجوز إلّا بقاطع والعجب من المصنف كيف توقف في هذه المسألة وبيض للجواب تمت.

٥٣٧

وقوله تعالى : (لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً).

قال جار الله ـ رحمه‌الله ـ : علق الموعود بالإرادة لا بنفس الفعل وهو ترك العلو ، والفساد ، بل بالإرادة ، وميل القلب ، فهذا يشبه قوله تعالى : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) [هود : ١١٣] تم كلامه.

وفي ذلك دلالة على أن إرادة الكبيرة كبيرة.

قوله تعالى

(فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ) [القصص : ٨٦]

هذا نهي عن معاونة الكفار ، ولا إشكال أن ذلك معصية إن أعان على ما يضر المسلمين ، أو على تقوية دينهم ، فيدخل في هذا المحالفة وبيع السلاح منهم ، وبيع العصير ونحو ذلك ، لكن إن قصد المعونة لهم فالتحريم جلي.

وإن قصد نفع نفسه :

فعن الأخوين ، والقاضي جعفر ، والأمير الحسين : يجوز ، وظاهر كلام الهادي المنع.

تم ما نقل من سورة القصص بحمد الله تعالى.

وصلى على سيدنا محمد وآله.

تم الجزء الرابع

ويليه : الجزء الخامس

وأوله : سورة العنكبوت

٥٣٨

فهرس

تفسير سورة يونس

(وءاخر دعواهم أن الحمد لله ربّ العلمين) [يونس : ١٠]......................... ٧

(هو الّذى يسيّركم فى البرّ والبحر) [يونس : ٢٢]................................. ٧

(قل من يرزقكم مّن السّمآء والأرض أمّن يملك السّمع والأبصر) [يونس : ٣١]...... ٧

(وما يتّبع أكثرهم إلّا ظنّا) [يونس : ٣٦]......................................... ٨

(أنتم بريئون ممّآ أعمل وأنا برىء مّمّا تعملون) [يونس : ٤١]...................... ٨

(يأيّها النّاس قد جآءتكم مّوعظة مّن رّبّكم وشفآء) [يونس : ٥٧ ، ٥٨]............. ٨

(قل أرءيتم مّآ أنزل الله لكم مّن رّزق) [يونس : ٥٩]............................... ٩

(فلمّا جآء السّحرة قال لهم مّوسى ألقوا مآ أنتم مّلقون) [يونس : ٨٠].............. ٩

(فماءامن لموسى إلّا ذرّيّة مّن قومه على خوف مّن فرعون) [يونس : ٨٣]........... ٩

(ربّنا لا تجعلنا فتنة لّلقوم الظّلمين) [يونس : ٨٥]............................... ١٠

(واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصّلوة) [يونس : ٨٧]............................ ١٠

(ربّنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا) [يونس : ٨٨]........... ١٠

(أفأنت تكره النّاس حتّى يكونوا مؤمنين) [يونس : ٩٩].......................... ١٢

تفسير سورة هود

(وأن استغفروا ربّكم ثمّ توبوا إليه يمتّعكم مّتعا حسنا) [هود : ٣]................. ١٥

(ولئن أذقنه نعمآء بعد ضرّآء مسّته) [هود : ١٠ ، ١١].......................... ١٥

(وما نراك اتّبعك إلّا الّذين هم أراذلنا) [هود : ٢٧]............................. ١٦

(ومآ أنا بطارد الّذينءامنوا إنّهم مّلقوا ربّهم) [هود : ٢٩]........................ ١٧

(ولا تخطبنى فى الّذين ظلموا إنّهم مّغرقون) [هود : ٣٧]........................ ١٧

٥٣٩

(وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرسهآ) [هود : ٤١]......................... ١٧

(ونادى نوح رّبّه فقال ربّ إنّ ابنى من أهلى) [هود : ٤٥]........................ ١٨

(ويقوم استغفروا ربّكم ثمّ توبوا إليه) [هود : ٥٢]............................... ١٨

(هو أنشأكم مّن الأرض واستعمركم فيها) [هود : ٦١]........................... ١٩

(فعقروها فقال تمتّعوا فى داركم ثلثة أيّام) [هود : ٦٥]........................... ١٩

(ولقد جآءت رسلنآ إبرهيم بالبشرى قالوا سلما قال سلم) [هود : ٦٩]............ ٢٠

(قالت يويلتىءألد وأنا عجوز وهذا بعلى شيخا) [هود : ٧٢ ـ ٧٦]................ ٢١

(قال يقوم هؤلاء بناتى هنّ أطهر لكم فاتّقوا الله) [هود : ٧٨].................... ٢٣

(فجعلنا عليها سافلها) [هود : ٧٤]........................................... ٢٥

(ولا تنقصوا المكيال والميزان) [هود : ٨٤]................................... ٢٥

(ويقوم أوفوا المكيال والميزان) [هود : ٨٥]................................... ٢٥

(فاستقم كمآ أمرت ومن تاب معك) [هود : ١١٢].............................. ٢٧

(ولا تركنوا إلى الّذين ظلموا فتمسّكم النّار) [هود : ١١٣]....................... ٢٨

(وأقم الصّلوة طرفى النّهار وزلفا مّن الّيل) [هود : ١١٤]........................ ٣٠

(فلو لا كان من القرون من قبلكم أولوا بقيّة ينهون عن الفساد) [هود : ١١٦]..... ٣٢

تفسير سورة يوسف

(إنّآ أنزلنه قرءانا عربيّا لّعلّكم تعقلون) [يوسف : ٢]............................. ٣٥

(يبنىّ لا تقصص رءياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا) [يوسف : ٥]............. ٣٦

(كمآ أتمّها على أبويك من قبل إبرهيم وإسحق) [يوسف : ٦].................... ٣٦

(إذ قالوا ليوسف وأخوه أحبّ إلى أبينا منّا ونحن عصبة) [يوسف : ٨]............ ٣٦

(اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم) [يوسف : ٩].............. ٣٨

(أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنّا له لحفظون) [يوسف : ١٢]................... ٣٨

(وجآءو أباهم عشآء يبكون قالوا يأبانآ إنّا ذهبنا نستبق) [يوسف : ١٦ ، ١٧]...... ٤٠

(معاذ الله إنّه ربّى أحسن مثواى إنّه لا يفلح الظّلمون) [يوسف : ٢٣]............. ٤٢

٥٤٠