تفسير الثمرات اليانعة - ج ٤

يوسف بن أحمد بن عثمان [ الفقيه يوسف ]

تفسير الثمرات اليانعة - ج ٤

المؤلف:

يوسف بن أحمد بن عثمان [ الفقيه يوسف ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة التراث الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

(كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) [فصلت : ٣] وقوله تعالى في سورة الشورى : (أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا) [الشورى : ٧].

وعند أبي حنيفة : تصح قراءته بالفارسية أحسن العربية أم لا.

وعند صاحبيه ، والمنصور بالله : يجوز بالفارسية إن لم يحسن العربية.

وشبهة أبي حنيفة : قوله تعالى في سورة الأنعام : (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) [الأنعام : ١٩] قال : أراد من بلغه القرآن ، والعجمي لا يكون منذرا بلغة العربي.

قلنا : روي عن ابن عباس أن المراد ومن بلغه فأنا نذيره ، لا أن المراد أن الإنذار يكون بالقرآن.

٢٤١
٢٤٢

تفسير

سورة طه

٢٤٣
٢٤٤

سورة طه

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى

(طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى) [طه : ١ ـ ٣]

النزول

قال في الكشاف : روي أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلى بالليل حتى اسمغدت (١) قدماه ـ أي ورمتا ـ فقال له جبريل : ابق على نفسك فإن لها عليك حقا.

وعن المغيرة بن شعبة كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلي حتى ورمت قدماه ، فقيل : أليس قد غفر لك؟ فقال : «أفلا أكون عبدا شكورا».

وقيل : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه كانوا يربطون الحبال في صدورهم بالليل في الصلاة حتى نسخ ذلك بالفرض ، وأنزل الله هذه الآية عن مجاهد.

وقيل : كان يصلي ويقف على إحدى رجليه فنزلت.

وقيل : لما قال أبو جهل وغيره عند [ما] رأوا شدة عبادته هو شقي نزلت.

__________________

(١) لسان العرب ج : ٣ ص : ٢٢٠.

المسمغد الشديد القبض حتى تنتفخ الأنامل المسمغد الوارم بالغين معجمة يقال اسمغدت أنامله إذا تورمت اسمغد الرجل أي امتلأ غضبا وفي الحديث أنه صلى حتى اسمغدت رجلاه أي تورمتا وانتفختا تمت.

٢٤٥

وفي معنى طه وجوه :

قيل : اسم للسورة ، وقيل : بيان أن القرآن مركب من هذه الحروف ، وقد عجزوا أن يأتوا بمثله.

وقيل : اكتفى بالحرف عن الكلمة ، وأن الطاء بمعنى الطاهر ، والهاء بمعنى الهادي.

وقيل : إن ذلك أمر ـ أي ط الأرض ـ ، وقيل : إنها في لغة عك (١) قيل يا رجل.

قيل : والمراد القسم ، فيكون جواب (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ) وإذا جعل اسما للسورة كان قوله : (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ) كلاما مبتدأ.

ثمرة ذلك : على قول من قال : أراد شقاء الدنيا بمعنى بعدها ، وأنه يحزن على عدم قبولهم. أنه لا يلزم الإنسان الغم لعدم إيمان غيره ، ويكون هذا نظير قوله تعالى في سورة الكهف : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ) [الكهف : ٦]

وإن أريد لتشقى ـ أي لتتعب بطول قيام الليل ـ : ففي ذلك نسخ لوجوب التهجد.

وإن أريد لتتعب من القيام على إحدى رجليك : ففي ذلك نهي عن القيام على أحدهما.

وقيل : أراد بالشقاء في الآخرة فيكون معناه : لتشقى به في الآخرة ، بل لتسعد إذا بلّغته ، وعليك بما فيه.

__________________

(١) اسم قبيلة تمت.

٢٤٦

وذكر أبو مسلم وجهين :

الأول : لا تؤاخذ بفعل ولا تلام ، فإذا بلغت فما عليك تبعة من فعلهم ونحو ذلك : (وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) [الإسراء : ٥٤].

والثاني : ما عليك أن تحزن عليهم.

قال الحاكم : ويدل على وجوب التفكر لقوله : (إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى) وخص من يخشى لأنهم المنتفعون بذلك ، وإلّا فهو تذكرة للجميع.

قوله تعالى

(وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) [طه : ٧]

المعنى وإن تجهر أو لا تجهر فاكتفى بقوله (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى). لدلالة الكلام عليه بسم الله الرحمن الرحيم.

قال جار الله : وهو يحتمل أن يكون نهيا عن الجهر ، ويكون كقوله تعالى : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ) [الأعراف : ٢٠٥].

والمعنى : أن الله تعالى غني عن جهرك ؛ لأنه يعلم السر.

وإما أن يكون تعليما للعباد أن الجهر ليس لإسماع الله تعالى ، وإنما هو لغرض آخر.

وعن ابن عباس ، والحسن : السر : ما حدّث به غيره في خفية ، والذي هو أخفى : ما أضمره في نفسه ، ولم يحدّث به غيره.

وقيل : السر : ما يحدث به نفسه ، وأخفى : ما يريد أن يحدث به نفسه في المستقبل.

وقيل : (السِّرَّ :) العمل الذي يسره (وَأَخْفى :) الوسوسة : عن مجاهد.

وقيل : (السِّرَّ) إسرار الخلق ، (وَأَخْفى) سره الذي لا يعلمه أحد.

٢٤٧

قوله تعالى

(فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) [طه : ١٢]

إنما أمر بخلع نعليه لوجوه :

الأول : ما أفاده الظاهر أن ذلك لحرمة المكان ، فجعل ذلك علة للخلع.

قال جار الله : روي أنه خلعهما وألقاهما من وراء الوادي ؛ فيكون ذلك احتراما للبقعة ، وتعظيما لها ، وتشريفا لقدسها.

وقيل : أمر بخلع نعليه ؛ ليباشر بقدميه الأرض ؛ فتصيبه بركة الوادي : عن الحسن ، وابن جريج ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير.

وقيل : أمر بخلع نعليه ؛ لأن الحفوة تواضع لله عزوجل ؛ ومن ثم طاف السلف بالكعبة حافين.

قال جار الله : ومنهم من استعظم دخول المسجد بنعليه وكان إذا ندر منه الدخول منتعلا تصدق.

وقيل : كانا من جلد حمار ميت : عن كعب ، وعكرمة ، ويحتمل أن يكون هذا جائزا في شرعهم قبل ذلك ، ويحتمل أن يكونا مدبوغين ، ويحتمل أن يكون لبسهما لضرورة : ذكر الاحتمالات الحاكم.

وعن أبي مسلم : كان موسى عليه‌السلام يلبسهما اتقاء من الأنجاس ، وخوفا من الحرشان ، فأعلم بالأمن والطهارة.

وقيل : أمر بالخلع ؛ لأن من بلغ المقصد خلع نعليه فأمر بالخلع ليقف.

وهاهنا بحث : في الأماكن الشريفة كما أمر موسى عليه‌السلام بخلع

٢٤٨

نعليه لشرف ذلك المكان أولا؟ لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يدخل بنعليه المسجد ، وكذلك يقال ما تعبدنا في العبادة هل يستحب خلع النعل.

وهو أن يقال : ما تعبدنا في مثل هذا هل يستحب خلع النعل ؛ لأن ذلك من التواضع ، ولهذا قد روي أن عليا عليه‌السلام كان يمشي حافيا إذا عاد مريضا أو شيع جنازة ، وفي الجمعة والعيدين ، أو لا يستحب ذلك ؛ لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلى تارة حافيا وتارة منتعلا ، رواه في سنن أبي داود ، وقال عليه‌السلام : «صلوا في نعالكم وخالفوا اليهود».

وفي السنن عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا أخفافهم».

فقد قال في الانتصار : يستحب أن يصلى في النعل لهذا الحديث ، كذلك يقال : هل يستحب التواضع للإمام والعالم بالمشي بين يديه حافيا أو لا؟ هذا يحتاج إلى تحقيق وبحث ، وقد روى أبو جعفر أن الناصر عليه‌السلام كان يمنع الناس من تقبيل قدميه لئلا يتشبه بالظلمة.

قوله تعالى

(وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) [طه : ١٤]

قيل : معناه لتذكرني فيها بما يشرع فيها من الذكر.

وقيل : لتذكرني دون غيري فلا تقصد أمرا آخر فتكون مرائيا.

وقيل : معناه لوقت ذكري لقوله تعالى في سورة النساء : (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) [النساء : ١٠٣].

وقيل : معناه إذا نسيت الصلاة ثم ذكرتها فأنت ذاكر لي بذكرها ، أو بحذف المضاف أي لذكر صلواتي ، وعليه الحديث عنه عليه‌السلام : «من نام عن صلاة أو نسيها فوقتها حين يذكرها».

٢٤٩

فصار ثمرة ذلك :

لزوم الذكر في الصلاة ؛ لكن الدلالة مجملة ، وتحريم الإشراك في الصلاة ، ولزومها إذا نسيها ثم ذكرها ، هذا على حسب التفسير المذكور.

قوله تعالى

(لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى) [طه : ١٥]

دل ذلك على أن أحدا لا يؤاخذ بذنب غيره ، ولا يثاب بفعل غيره ، وعليه قوله تعالى في سورة النجم : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) [النجم : ٣٩].

وما ورد في الحديث : «إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه» فيه تأويلان :

الأول : أن المراد إذا أوصى أن يبكى عليه كما كانت الجاهلية تفعل ، ولهذا فإن عبد المطلب قال لبناته : أبكينني فأنا أسمع ،

وقال طرفة بن العبد :

إذا مت فانعيني بما أنا أهله

وشقّي عليّ الجيب يا أم معبد

والتأويل الثاني : أن المراد ببكاء أهله عليه ، أي لما كانوا يقولون : إنه كان يفعل في حال الحياة من الظلم والقتل ، ويدل على ذلك أنه لا يلحق الإنسان فعل غيره ، فلا يثاب بما فعله غيره من غير وصية ، وسيأتي زيادة إن شاء الله تعالى عند قوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) [النجم : ٣٩].

أما التبرع بدين الآدمي : فقد ورد الحديث أنه يلحق ، ولهذا قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خبر أبي قتادة لما ضمن بدين على ميت ، وأخبر الرسول عليه‌السلام أنه قد قضاه قال : «الآن بردت عليه مضجعه». وروي جلدته.

٢٥٠

قوله تعالى

(قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي) [طه : ٢٥ ـ ٣٠].

ثمرة هذه الجملة :

أن كل مأمور بأمر يحسن منه أن يسأل ما يستعين به على أدائه.

وهذه أمور تعين على الأمور المتعلقة بالأنبياء ، والأئمة والقضاة والولاة.

أولها : شرح الصدر ، وهو يتضمن ألّا تشغله الصحة والغم فيشغل ذلك قلبه ، ويمنعه عن أداء ما أمر به. والشجاعة : فلا يكون جبانا فيكون جبنه مانعا له من إنفاذ الأمور.

ثانيها : تيسير الأمر فلا يكون ما دخل فيه شاقا عليه ، وفي حديث أبي ذر أنه لما طلب الإمارة قال له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنك ضعيف وإنها أمانة» فينبغي أن لا يكون صاحب الولاية كثير العلل ؛ لأن ذلك يمنع من المقصود.

الثالث : حل العقدة من لسانه ؛ لأنه كان في لسانه عقدة ، والبيان يتعلق باللسان ، ولأنه يتعلق به التنفير.

قيل : كانت العقدة خلقة فحلها الله تعالى معجزة له.

وقيل : كانت بسبب الجمرة التي وضعها على لسانه ، وذلك لأنه أخذ بلحية فرعون فنتفها فهم بقتله ، فقالت آسية : إنه صبي لا يعقل ، وعلامته أن تقرب من التمرة والجمرة فيأخذ الجمرة فقربا منه فأخذ الجمرة : عن سعيد بن جبير ، ومجاهد ، والسدي.

وقيل : إن جبريل عليه‌السلام حول يده من التمرة إلى الجمرة ، واختلف هل بقي شيء من العقدة؟ فعن الحسن : حلت لقوله تعالى : (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) وصححه الحاكم.

٢٥١

وقيل : بقي بعضها عن أبي يعلى لقوله تعالى : (وَلا يَكادُ يُبِينُ) [الزخرف : ٥٢] وقوله تعالى : (وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً) [الزخرف : ٣٤].

قال جار الله : وفي تنكير العقدة أنه طلب حل بعضها ، وكان في لسان الحسين بن علي رتة فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ورثها من عمه موسى» لأن موسى عليه‌السلام أخ للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في النبوة والإيمان ، وفي ذلك دلالة على أن النقص في اللسان الذي لا يمنع من البيان والتفهيم لا يبطل الإمامة والقضاء.

وروي أن يده حرقت وأن فرعون اجتهد في علاجها فلم يبرأ فلما دعاه قال : إلى أي رب دعوتني؟

قال : إلى الذي أبرأ يدي وقد عجزت عنها.

وعن بعضهم : إنما لم تبرأ يده لئلا يدخلها مع فرعون في قصعة واحدة ، فتنعقد بينهما حرمة المؤاكلة.

والرابع : مما سأل موسى عليه‌السلام الوزير ؛ لأنه يستعين به ، ومن هذا يؤخذ استحباب ذلك لمن ولي أمرا.

والخامس : أن طلبه لهارون لما اختص به من صفات الإيمان ، فيكون من ثمرات ذلك أن يكون الوزير مؤمنا.

قال الحاكم : لأن في صحبة المؤمن لطفا.

قوله تعالى

(فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) [طه : ٤٤]

قيل : القول اللين نحو قوله تعالى : (هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى) [النازعات : ١٨ ، ١٩].

٢٥٢

وقيل : وعداه شبابا لا هرم بعده ، وملكا لا ينزع منه إلا بالموت ، وأن تبقى له لذة المطعم والمشرب والمنكح إلى حين موته.

وروي أنه لما سمع ذلك أراد أن يؤمن فمنعه هامان.

وقيل : كنياه وهو من ذوي الكنى الثلاث ، أبو العباس ، وأبو الوليد ، وأبو مرة ، وإنما أمر بالقول اللين ليكون أقرب إلى القبول.

وقيل : مجازاة له على تربيته لموسى ، ولما ثبت له من مثل حق الأبوة.

الثمرة حكمان :

الأول : أنه يبدأ بالقول اللين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأن لا يخشى الآمر الناهي أولا خشية أن يدعوه ذلك إلى الزيادة في المنكر ؛ ولأنه إذا أثمر القول اللين فالمجاوزة عليه تعد.

الحكم الثاني : حسن المكافأة بالصنيع ، ولو كان المبتدئ به كافرا.

قوله تعالى : (وَفِيها نُعِيدُكُمْ) أي في الأرض.

ثمرة ذلك :

إثبات الدفن وهو شريعة مجمع عليها.

قوله تعالى

(إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى قالَ بَلْ أَلْقُوا) [طه : ٦٥ ، ٦٦]

قيل : إنما قدمهم في أن يلقوا لوجهين :

الأول : أن يكون مقابلة أدب بأدب ؛ لأنهم أظهروا النصفة بالتخيير وذلك أدب وحسن تواضع.

والثاني : أن سلطان المعجزة بإبطال ما يبغون من المكايدة أظهر.

فتكون الثمرة : حسن المقابلة للأدب بالأدب ، والاختيار لما به يظهر الحق.

٢٥٣

قوله تعالى

(فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) [طه : ٧١]

الثمرة : أن الصبر على القتل ونحوه من أنواع العذاب على الدخول في الإسلام أفضل ، وإن جاز النطق بكلمة الكفر.

وروي أنهم لما سجدوا لله أراهم الله تعالى منازلهم في الجنة ، وهذا قد ذكره قاضي القضاة ، وغيره من المعتزلة ، وأهل المذهب.

قوله تعالى

(وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ) [طه : ٧٣]

قيل : أجبرهم على تعلم السحر.

وقيل : على فعله ، وقيل : حشرهم وجمعهم لمعارضة موسى بالسحر كرها ، وظاهر الكلام أنهم طلبوا المغفرة على الخطايا ، وعلى ما أكرهوا عليه من عمل السحر.

فإن قيل : الإكراه تزول معه المعصية إذا كان مجحفا ولعله يقال : عدوا ذلك على نفوسهم ذنبا على سبيل التحرج ، والله أعلم.

قوله تعالى

(كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ) [طه : ٨١]

هذا أمر إباحة وقوله : (وَلا تَطْغَوْا فِيهِ) قيل : بأن تسرفوا بالتبذير ، وتستعينوا بذلك على المعصية ، أو تمنعوا حق الله ، أو تحرّموا الحلال.

قوله تعالى

(وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) [طه : ٨٤]

٢٥٤

استدل بهذا على حسن المبادرة إلى الطاعات ، ويدخل في ذلك تعجيل الصلوات.

قيل : وليس قوله تعالى : (وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ) [طه : ٨٣] نهي له عن التقدم ، وقيل : هذا عتاب له ؛ لأنه تعالى وقت لهم وقتا فخالف بالتقدم ، ظنا واجتهادا منه أن في ذلك رضاء له تعالى.

قوله تعالى

(قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) [طه : ٩٢ ـ ٩٤]

المعنى : قيل أراد بالاتباع اللحوق به ، وترك الإقامة بين ظهرانيهم ، فيكون في ذلك دليل على وجوب الهجرة من الكفار.

وقيل : الاتباع أريد به المجاهدة لهم ، والملازمة لطريقة موسى عليه‌السلام ، إن قيل : هذا كان من هارون مخالفة وعصيانا لأمر موسى؟

قلنا : في ذلك وجوه :

الأول : أن موسى عليه‌السلام أمره أن يلحق به إن رآه صلاحا ، فرأى هارون الإقامة أصلح ، وهذا يدل على أن للنبي أن يجتهد.

الثاني : أن الخطاب وإن توجه إليه فالمقصود غيره.

الثالث : أن ذلك كان ذنبا من هارون ، وقوله تعالى : (يَا بْنَ أُمَ) قيل : كان أخاه لأمه ، وقيل : بل لأبيه وأمه ، لكن ذكر الأم استعطافا واسترقاقا.

وقوله تعالى

(لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي) [طه : ٩٤]

٢٥٥

هذا فيه وجوه :

الأول : أن موسى عليه‌السلام لما اشتد به الغضب لعصيانهم أخذته الدهشة في اللزم برأس أخيه ولحيته ، وكان هذا ذنبا من موسى.

الثاني : أنه لم يفعل ذلك على وجه الإهانة ، فإن النبي لا تجوز إهانته ، ولكن أخذ بهما مبالغة في تأديبه ، والغضب في أمر الله يقتضي تأديبه ، وإن كان موسى هو الأصغر.

وقيل : أجراه مجرى نفسه ، وفعل كما يفعل المتأسف في القبض على لحية نفسه ، ورأس نفسه.

وقيل : أجراه مجرى نفسه ، وفعل كما يفعل المتأسف في القبض على لحية نفسه ، ورأس نفسه.

وقيل : كانت العادة جارية في ذلك الزمان بالقبض على اللحية والرأس ، كما أن العادة في زماننا بالقبض على اليد والمعانقة.

وقوله تعالى : (لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي) المعنى : لئلا يوهم على الخطأ وتحصل شماتة الأعداء.

قال الحاكم : وقوله تعالى : (ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ) أن الواجب عند ظهور الفتنة البدار إلى التلافي بما أمكن ؛ ولهذا بادر أبو بكر يوم السقيفة إلى التلافي بتعجيل البيعة ، وإقامة الإمام خشية الردة ، وأيضا قد حاول الأنصار بيعة سعد.

قوله تعالى

(مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً) [طه : ١٠٠]

ثمرة ذلك :

تحريم الإعراض عن القرآن.

٢٥٦

قال الحاكم : والإعراض عنه ترك الإيمان والعمل بما فيه ، والوزر الإثم.

قوله تعالى

(وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) [طه : ١١٣]

ثمرته : أن القرآن بالفارسية لا تصح بها الصلاة كما تقدم ، وقد سبق ذكر الخلاف.

قوله تعالى

(وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) [طه : ١١٥]

هذا فيه بحث ، وهو أن يقال : إذا كان ناسيا لم يستحق ملامة ؛ لأن الناسي لا ذنب عليه؟

جواب ذلك أن في هذا أقوالا للمفسرين :

الأول : ذكره في الكشاف أن النسيان ضد الذكر ، لكنه لم يستوثق أمر الوصية بعقد القلب وضبط النفس حتى تولد النسيان ، فتكون الملامة على عدم المحافظة التي تولد منها النسيان.

الثاني : أنه أراد بالنسيان الترك مع العلم.

قال أبو هاشم : ويكون ذلك صغيرة ، وهي جائزة في حق الأنبياء مع العلم إذا لم يكن فيها تنفير.

وقال أبو علي : لا تجوز مع معرفة القبح.

وقيل : النهي للجنس ، فظن آدم أنه للعين.

٢٥٧

قوله تعالى

(فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) [طه : ١٢١]

ثمرة هذه الجملة :

تحريم هذه الشجرة على آدم ، وفيها أقوال : هل هي الحنطة ، أو الكرمة ، أو التينة؟ لكن التحريم في حقه ، وإباحتها ظاهر في شريعتنا.

ودل قوله : (وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ).

أن سترة العورة واجب ، لكن قيل وجوبه عقلا ، وقيل شرعا كما في شريعتنا.

قوله تعالى

(وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى) [طه : ١٣٠]

هذا أمر بالتسبيح ، وفيه إجمال.

وقد اختلف المفسرون فقيل : أراد بالتسبيح الصلاة ، وقيل : بل تسبيح غير الصلاة.

ثم اختلف في ذكر هذه الأوقات ، فقيل : أراد بها الاستمرار ، وأنه لا يكون للتسبيح حد ينقطع فيه.

وقيل : بل عنى بها أوقاتا معينة ، فقوله : (قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) يريد به الفجر

(وَقَبْلَ غُرُوبِها) قيل : العصر ، وقيل : الظهر والعصر

٢٥٨

(وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ) قيل : أراد به المغرب والعشاء

(وَأَطْرافَ النَّهارِ) قيل : أراد به صلاة التطوع ، وقيل : أراد به الظهر ، وبقوله : (وَقَبْلَ غُرُوبِها) أراد به العصر ، وقيل : غير ذلك. ودلالة الآية مجملة.

وقوله تعالى : (لَعَلَّكَ تَرْضى) جعل التسبيح لأجل الرضاء.

قال الحاكم : دلت أن العبادات تفعل لمكان الثواب ، وقد ذكر أهل الفقه خلافا إذا صلى وأراد بصلاته دخول الجنة أو السلامة من النار.

وقال المنصور بالله ـ وصحح : تصح هذه النية.

وعن بعض المعتزلة : لا تصح ؛ لأنه أراد بها وجها لم تجب لأجله.

قوله تعالى

(وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً) [طه : ١٣١ ، ١٣٢]

النزول

قيل : نزل برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضيف ولم يكن عنده شيء ، فأرسل مولاه أبا رافع إلى يهودي ليستقرضه وقال له قل : يقول لك رسول الله : أقرضني إلى رجب ، فقال : لا والله لا أقرضه إلا برهن ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إني لأمين في السماء ، وإني لأمين في الأرض ، احمل إليه درعي» فنزلت.

ثمرة الآية :

الحث على الزهد في الدنيا ، والقناعة بقليلها ؛ لأن المعنى : لا ينظر إليها نظر رغبة.

٢٥٩

وقيل : نظر تأسف على ما فات ، بل اهتم أنت وأهلك بالإقبال على عبادة الله ، واستعينوا بالصلاة على خصاصتكم.

قال جار الله : وفي معنى هذه قول الناس : من كان في عمل الله كان الله في عمله.

وروي أن عروة بن الزبير كان إذا رأى ما عند السلاطين دخل بيته وقرأ : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) الآية ، ثم ينادي الصلاة الصلاة.

وعن بكر بن عبد الله المزني أنه كان إذا أصاب أهله خصاصة قال : قوموا فصلوا بهذا أمرنا الله ورسوله ، ثم يتلو هذه الآية.

وهذا تأديب من الله تعالى لعباده.

ويأتي من هذا من دعي إلى ضيافة في دور الدهاقين المزخرفة بأنواع الفرش ، واتخاذ آلة الزينة ، وعرف أنه يتأسف على فائت الدنيا ، أو ينظر إليها نظر راغب ، أو يستقل نعمة الله عليه ، فإن ذلك عذر في عدم الإجابة.

وصلى الله على محمد وآله.

٢٦٠