تفسير الثمرات اليانعة - ج ٤

يوسف بن أحمد بن عثمان [ الفقيه يوسف ]

تفسير الثمرات اليانعة - ج ٤

المؤلف:

يوسف بن أحمد بن عثمان [ الفقيه يوسف ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة التراث الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

قال جار الله : ويروى أن امرأة حاكمت إلى شريح فبكت فقال له الشعبي : يا أبا أمية أما تراها تبكي ، فقال : قد جاء إخوة يوسف يبكون وهم ظلمة ، ولا ينبغي لأحد أن يقضي إلا بما أمر الله.

الثانية : أن المسابقة على الأقدام جائزة ، وكذا في الرمي ، وقد جاء في التفسير ننتضل (١).

قوله تعالى

(فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ) [يوسف : ١٨]

قال جار الله : جاء في الحديث المرفوع أنه الذي لا شكوى فيه ، ومعناه : لا شكوى فيه إلى الخلق ، ولهذا قال : (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ).

وقيل : لا أعايشكم على كآبة الوجه ، بل أكون لكم كما كنت ، وقيل : سقط حاجبا يعقوب على عينيه ، وكان يرفعهما بعصاته ، فقيل له : ما هذا؟ فقال : طول الزمان ، وكثرة الأحزان ، فأوحى الله إليه : يا يعقوب أتشكوني ، فقال : يا رب خطيئة فاغفرها لي ، وقد أخذ من ذلك أن من بلي بحزن أو مصيبة فعليه التأدب ، والاقتداء بالصبر ، والاغتفار ، وعدم الشكوى والرجوع إلى الله.

قوله تعالى

(وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ) [يوسف : ٢٠]

قيل : (وَشَرَوْهُ) يعنى : باعوه ، واختلف من البائع له؟

__________________

(١) (قال في الكشاف ج ٢ / ٤٥١) أي نتسابق ، والافتعال والتفاعل كالانتضال والتناضل والارتماء والترامي ، وغير ذلك والمعنى نتسابق في العدو أو في الرمي وجاء في التفسير : نتنضل تمت.

٤١

فعن ابن عباس ، ومجاهد ، وأبي علي : البائع له إخوته قالوا : هذا عبد لنا.

وعن قتادة : السيارة.

وقيل : (وَشَرَوْهُ) ـ يعني ـ السيارة من الذين أخذوه من الجب ، وسكت يوسف عن بيان أمره للخشية.

وقوله : (بِثَمَنٍ بَخْسٍ) قيل : ناقص ، عن ابن عباس ، وقتادة ، والسدي.

قيل : عشرون درهما ، وقيل : أكثر ، وقيل : حرام ؛ لأن ثمن الحر حرام ، وهذا عن الضحاك ، ومقاتل ، والسدي ، والأصم.

ظهر من هذا حكمان :

الأول : أنه يجوز السكوت عن الإنكار إذا خاف منكرا آخر ؛ لأن يوسف عليه‌السلام سكت خشية القتل.

الثاني : أن اللقيط حر ، وأن ثمن الحر حرام ، هذا ذكره بعضهم.

وجه الاستدلال : أنهم باعوه بثمن حقير ، لكونه لقيطا ، وهو لا يملك إذ لو ملك استوفوا ثمنه ، ورد هذا الاستدلال بأن فعلهم ليس بشريعة.

وأما الآن فلا شبهة أن ظاهر اللقيط الحرية ، كما أن ظاهره الإسلام.

قوله تعالى

(مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [يوسف : ٢٣]

٤٢

المعنى (إِنَّهُ رَبِّي) أي : سيدي ومالكي ، ـ يعني قطفير ـ ، (أَحْسَنَ مَثْوايَ) حين قال لك أكرمي مثواه ، المثوى موضع الإقامة.

ثمرات ذلك ثلاث :

الأول : أن الواجب عند الدعاء إلى المعصية الاستعاذة بالله من ذلك ليعصمه الله منها ، ويدخل فيه دعاء الشيطان ، ودعاء شياطين الإنس ، ودعاء هوى النفس ، ذكر ذلك الحاكم.

الثانية : ذكرها أيضا أن المتصور بصورة السيد يسمى ربا.

الثالثة : أنه يجوز أن يترك القبيح لغرضين وهما : قبحه. والثاني :

رعاية حق غيره ، هذه مقالة أكثر المفسرين ، وإليه ذهب مجاهد ، وابن إسحاق ، والسدي ، والأصم ، وأبو علي.

وقال الزجاج : المراد : الله ربي أحسن مثواي وجعلني نبيا ، فلا أعصيه.

وقال أبو مسلم : يجوز كلا الأمرين ، فعلى هذه الفائدة يجوز ترك القبيح لقبحه ، ولخشية العار أو الفقر أو الخوف ونحو ذلك ، ولا يقال :

التشريك يخرجه عن كونه تاركا للقبيح ، وأنه لا يثاب ، ويدل على لزوم حسن المكافأة بالجميل ، وأن من أخل بالمكافأة على الجميل كان ظالما.

قوله تعالى

(وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها) [يوسف : ٢٤]

المعنى همت بمخالطته وهم بمخالطتها ، فأما همها : فذلك على سبيل العزم والرضاء.

وأما همه : فاختلف المفسرون في ذلك :

٤٣

فعامة العلماء العدلية : يفسرون همه على وجه لا يكون خطيئة وعزما على الفاحشة ، ويذكرون ما روي أنه قعد بين شعبها الأربع ، وحل سراويله ؛ لأنه لو كان كذلك لنعى الله عليه خطيئته ، وظهرت توبته كما نعيت على آدم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زلته ، وعلى داود ، وعلى نوح ، وعلى أيوب ، وعلى ذي النون ، وذكرت توبتهم واستغفارهم ، كيف وقد أثنى الله عليه وسماه مخلصا ، فعلمنا بالقطع أنه ثبت نفسه في ذلك المقام ، فيكون المعنى : (بِهِ وَهَمَ) أي : شارف الهم ، وقارب ، أو كان همه حديث نفس ؛ لأنه قد يعبر بالهم عن ذلك ، ولهذا قال :

هممت ولم أفعل وكدت وليتني

تركت على عثمان تبكي حلائله

وقيل : هم بزواجتها ، وقيل : هم بضربها إلى غير ذلك ، حتى نظر في برهان الله المأخوذ على المكلفين.

قال جار الله : ومن حق القارئ أن يقف على قوله : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) به ثم يبتدى ، (وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) ؛ ليكون فرقا بين الهمين ، ويخرج الهم الثاني من دخوله في القسم ، فعلى هذا التأويل لا يكون قد وقعت منه معصية.

وقيل : (وَهَمَّ بِها) وحل سراويله إلى غير ذلك (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ).

قيل : كفّ بلا عضد ، ولا معصم ، مكتوب عليها : (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ) [الانفطار : ١٠ ـ ١١].

وقيل : سمع صوتا يقول : إياك وإياها.

وقيل : مثل له يعقوب غاضبا عاضا على أنملته إلى غير ذلك ، وأنكر هذا الزمخشري وغيره كما سبق.

٤٤

قوله تعالى

(فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) [يوسف : ٢٨]

قال في التهذيب : استدل إسماعيل بن إسحاق أنه يحكم بالعلامة كما حكم مالك في اللقطة.

قال القاضي : إنما يحكم بها في نفي التهمة ، وهذا أجلى ؛ لأن المقصود نفي التهمة وليس ذلك بشرع.

وأما مسألة اللقطة فمذهب الأئمة ، وأكثر الفقهاء : لا يجب الرد بالعلامة ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «البينة على المدعي».

وقال أحمد ، ورواية عن مالك : يجب.

قال أبو مضر : تجب باطنا إذا ظن صدق المدعي لا ظاهرا ، وقيل : لا تجب لا ظاهرا ولا باطنا ؛ لأنه يخشى التضمين.

وأما الجواز فجوزه المؤيد بالله ، والأكثر ؛ لأن غلبة الظن قد عمل بها في الدلائل وغيره ، وظاهر كلام الهادي أنه لا يجوز الرد بالعلامة ؛ لأن العلامة ليست ببينة ، ويقوي قول المؤيد بالله بعادة المسلمين من غير مناكر وبالقياس على الشراء من الدلال وقد ذكرت مسائل من هذا القبيل ، مثل أن يأتي رجل إلى غيره ، ويدعي أنه وارث لمن أودع وديعة مع من جاء إليه ، فإنه يجوز له أن يسلمها أو يدعي الرسالة لصاحب الوديعة بقبضها وظن المودع صدقه ، فإنه يجوز أن يسلمها.

قوله تعالى

(وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) [يوسف : ٢٤]

٤٥

المعنى أن يوسف عليه‌السلام قال للذي ظن أنه ناج منهما ، يعني : من الفتيين اللذين حبسا معه ، فهو صاحب شراب الملك ، واسم الملك الريان ابن الوليد قال له يوسف : (أَنْ رَأى بُرْهانَ) أي : عند سيدك ، أي : صفني بصفتي ، وقص عليه قصتي لعله يرحمني من هذه الورطة ، والظن بمعنى العلم عند أكثر المفسرين ، واختاره أبو علي.

وعن قتادة ، أراد الظن الذي هو خلاف اليقين ؛ لأن عبارة الرؤيا ظن ، وصحح الحاكم الأول.

وقيل : الظن راجع إلى الناجي من السجن ، وهو الساقي.

قوله تعالى

(فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) [يوسف : ٤٢]

قيل : المعنى أن الساقي نسي ما استوصاه يوسف ، وهو أن يذكره عند ملك مصر وهو ربه ، والمعنى ذكره لربه ، ولهذا قال تعالى : (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ).

وقيل : المعنى (فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ) أي : أنسى يوسف ذكر الله تعالى حتى فزع إلى المخلوق ، فاستعان به وهذا مروي عن ابن عباس ، والأصم والحسن ، والأول مروي عن الحسن ، وأبي علي ، وأبي مسلم ، وأبي إسحاق.

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «رحم الله يوسف لو لا كلمته ما لبث في السجن طول ما لبث».

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «عجبت من أخي يوسف كيف استعان بمخلوق».

وروي أن جبريل أتاه وقال : يا يوسف يقول لك ربك : ما استحيت أن استعنت بالآدميين لألبثنك في السجن بضع سنين ، فقال يوسف : وهو في ذلك عني راض؟ قال : نعم. قال : لا أبالي.

٤٦

وفي هذه تنبيه وهو أن يقال : لما أنكر على يوسف الاستعانة بغير الله في كشف ما به ، وقد قال تعالى : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى).

وقال تعالى في حكايته عن عيسى عليه‌السلام : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ.)

وفي الحديث عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه المسلم».

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من فرّج عن مؤمن كربة ، فرّج الله عنه كربة من كرب الآخرة».

وعن عائشة أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يأخذه النوم ليلة من الليالي ، وكان يطلب من يحرسه حتى جاء سعد بن أبي وقاص فسمعت غطيطه ، وهل ذلك إلا مثل التداوي بالأدوية ، والتقوي بالأطعمة والأشربة ، وإن كان ذلك لكفر الملك فلا خلاف بجواز الاستعانة بالكافر لدفع الظلم ، والغرق والحرق ، ونحو ذلك ، هذا كلام الزمخشري.

وقد أجيب عن هذا بوجوه :

الأول : أن الله سبحانه لما اصطفى الأنبياء على خليقته اصطفى لهم أحسن الأمور ، والأولى لهم أن من ابتلي ببلاء إلا يكل أمره إلا إلى الله خصوصا إذا كان المستعان كافرا ؛ لئلا يشمت به الكفار ، ويقولوا : لو كان معه ربه يعينه لما استعان بنا.

وعن الحسن : أنه كان يبكي إذا قرأها ويقول : نحن إذا نزل بنا أمر فزعنا إلى الناس.

وإنما عجب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأن يوسف ترك عادته في الصبر والتوكل على الله ، والالتجاء إليه دون غيره.

قال الحاكم : ويحتمل أنه فعل ذلك من غير إذن ، ويحتمل أنه كان متعبدا بأن لا يشكو إلى غيره ، فحصل من هذا أن التوكل والالتجاء إلى الله أفضل ، وتجوز الاستعانة ، وقد تجب في حال.

٤٧

قوله تعالى

(فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ) [يوسف : ٥٠]

المعنى أن يوسف صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد ظهور براءته لئلا يتسلق الحاسدون إلى تقبيح أمره بطول سجنه ، ويجعلوه سلما إلى حط منزلته ، وقوله تعالى : (ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ) أي : إلى سيدك ، وهو ملك مصر ، وقوله : (إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ). المعنى : أن الله عالم بكيدهن : عن أبي علي.

وعن أبي مسلم : (إِنَّ رَبِّي) ـ يعني ـ العزيز.

قال الحاكم : والأول الوجه.

ولهذا ثمرات :

الأولى : أن الاجتهاد في نفي التهمة مشروع ، وعليه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقف في مواقف التهم».

ومنه ما روي أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال للمارين به في معتكفه وعنده بعض نسائه :

(هي فلانة) اتّقاء للتهمة.

وفي كلام يوسف عليه‌السلام في قوله : (فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ) ولم يقل : سله عن أن يفتش عن شأنهن دلالة على حسن قضاء الغرض بما هو الأقرب إلى تأديته ؛ لأن السؤال مما يهيج إلى البحث ، وهذا دليل على أنه ينبغي حسن السؤال في طلب العلم.

الثانية : جواز التسمية بالرب للسيد ، ومن يلي الأمر على القائل.

قوله تعالى

(قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) [يوسف : ٥٥]

لهذه الجملة ثمرات :

٤٨

الأولى : جواز طلب الولاية من الظلمة والكفرة على ما أفاده الظاهر ؛ لأن هذا الملك كان كافرا ، وطلب منه يوسف صلّى الله عليه الولاية ، وهذا هو تخريج المؤيد بالله للهادي عليه‌السلام ، وهو قول أحمد بن عيسى ، وكثير من الفقهاء ، أخذا بهذا الظاهر ، وبما جرى من عادة العلماء في كثير من الأمصار ، ولأن الضرورة داعية إلى ذلك مع عدم الإمام.

والذي حصله أبو العباس للمذهب ـ وهو قول مشايخ المعتزلة ـ أن ذلك لا يجوز ، حتى قال أبو علي : إن التولية من جهتهم فسق ، واحتجوا على هذا بقوله تعالى : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) [هود : ١١٣] وهذا ركون.

وذكر في هذه الآية وجوه :

الأول : أن يوسف صلّى الله عليه يصرّف عن نفسه ، وأن ملك مصر خلّى له الأمر ، ولهذا قال تعالى : (يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ) بالياء مضافا إلى يوسف ، وهي قراءة الأكثر.

وقراءة ابن كثير : (حيث نشاء) بالنون مضافا إلى الله تعالى.

ويروى أن الملك توّجه بتاجه وختّمه بخاتمه وروّاه بسيفه ، ووضع له سريرا من ذهب مكللا بالدر والياقوت.

وروي أنه قال له : أما السرير فأشد به ملكك ، وأما الخاتم فأدبّر به أمرك ، وأما التاج فليس من لباسي ولباس آبائي.

قال : فقد وضعته إجلالا لك ، وإقرارا بفضلك.

الوجه الثاني : ذكره مجاهد أنه كان قد أسلم.

الثالث : أنه إذا لم يتمكن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا باستئذان الظلمة والكفرة فإن الاستئذان لهم جائز بل واجب.

الرابع : أن هذا كان جائزا عقلا قبل ورود السمع.

٤٩

إذا ثبت هذا فالتولية من جهتهم على وجوه :

الأول : أن يظهر أنهم على حق في تصرفاتهم فهذا لا يجوز ، ولعل ذاك وفاق ، وهكذا إذا كان لا يتمكن من التولية منهم إلا بمعاونتهم على المحظور أو بتكثير سوادهم.

الثاني : أن يكون ذلك خاليا عن هذا ، وكان ما طلب التولية فيه قطعيا فهذا جائز بل واجب.

الثالث : أن يكون الأمر خلافيا ، ولكن أراد المتولي أن يقطع الخلاف بالتولية حيث يكون قاضيا أو أراد التصرف بالولاية في مال اليتيم ونحو ذلك.

فإن قلنا : إن لمن صلح لشيء فعلي جاز له التصرف بما معه من الولاية لا أنه استفاد ذلك بتولية الظالم ، لكنه يكون عاصيا بطلب الولاية ، ومن جوز التولية منهم أباح له ذلك واستفاد التصرف ، وصحة الحكم بتوليتهم هذا حكم.

قال جار الله : وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رحم الله أخي يوسف لو لم يقل : (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ) لاستعمله من ساعته ، لكنه أخر ذلك سنة».

الحكم الثاني : جواز تزكية النفس إذا كان يترتب عليه مصلحة ؛ لأن يوسف عليه‌السلام قال : (إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) ، وإنما الممنوع أن يقول ذلك على وجه الافتخار والتطاول ، وقد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا سيد ولد آدم ولا فخر».

الحكم الثالث : أن المتولي للأمور لا بد أن يكون أمينا ، فتولية الخائن لا تجوز ، ولا بد أن يكون عليما فيما يتصرف فيه ، فإن كان عاملا عرف من الفقه ما يأخذ منه وقدر المأخوذ ، وكذلك يعرف في كل ولاية ما يتصرف فيه.

وقد فسر قول يوسف : (إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) بأن لا أصرف المال إلا في موضعه.

٥٠

وقوله (عَلِيمٌ :) أي : عليم بوجوه التدبير فيها.

وقيل : كاتب ، وقيل : عالم بالحساب.

وهاهنا فرع : وهو في تولية من يعتاد السهو والغفلة ، وقد قال في الانتصار : إن كان ذلك غالبا لم يجز توليته القضاء ، وإن كان نادرا جاز ، وكذا يأتي في غيره ، وكذا يأتي في إمام الصلاة : أنه إذا كثر نسيانه وغلب لم يجز له أن يؤم ؛ لأنه يدخل في ضمانة لا يقوم بحفظها ، وإن كان نادرا جاز.

وأما تولية من لا يكتب للقضاء ونحو ذلك من الولايات العظيمة فللشافعي قولان :

أحدهما : الجواز ، واختاره صاحب النهاية ؛ لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أميا.

والثاني : ـ واختاره الإمام يحيى ـ أنه لا يجوز ، وأن كون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أميا معجزة له فهو مخصوص بذلك من حيث إنه مع كونه أميا جاء بما يعجز عنه كل فصيح.

قوله تعالى

(فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) [يوسف : ٥٨]

وقوله تعالى :

(ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ) [يوسف : ٥٩]

قيل : إنما لم يعرفهم بنفسه وإنما طلب أخاه ، ولا معاملة بينهما لمصلحة علمها الله فيسقط السؤال.

وقيل : إنما أنكروه لطول الزمان.

وقيل : كان وراء حجاب ، وقيل : تهيأ بهيئة الملوك وكان لابسا للحرير وعلى رأسه التاج ، وفي عنقه طوق من ذهب ، وهذا قد نسخ في شريعتنا : أعني لباس الحرير والذهب للذكور.

٥١

قوله تعالى

(قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ) [يوسف : ٦٦]

وإنما طلب الموثق لما سبق من فعلهم بيوسف ، ولهذا قال : (هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ).

واختلف ما هو الموثق الذي طلب منهم : ـ

فقيل : يسلمون له كفيلا.

وقيل : يحلفون له بالله.

وقيل : يحلفون بخاتم النبيين وسيد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، عن ابن عباس.

وقد أخذ من ذلك ثمرات :

منها أنه يلزم التبعد من أسباب التهمة ؛ لأنه إنما طلب الكفيل لما سبق منهم.

ومنها : جواز الكفالة بالبدن ، وهذا مذهب الأئمة ، وأبي حنيفة ، ولأصحاب الشافعي وجه : أنها لا تصح.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الزعيم غارم» عمومه صحتها.

وروي أن رجلا تكفل لرجل بنفس آخر فحبسه علي عليه‌السلام حتى جاء به.

وعن عبد الله بن مسعود أنه استشار الصحابة في أصحاب عبد الله بن النواحة فأشاروا باستتابتهم ، وتكفيل عشائرهم عليهم ، ففعل ذلك وكان قد قتل عبد الله بن النواحة لما أذن أن مسيلمة رسول الله.

وفي هذه الحكاية فائدة وهي : أن من عرف منه مضارة الغير فطلب المتعدى عليه من الحاكم أن يضمن له بقلة الاعتراض كان للحاكم ذلك ، وهذا قد يفعله القضاة تصنعا.

٥٢

ومنها : جواز التخليف على فعل ما يجب في المستقبل ، كأن يحلف المدين ليسلم ما عليه في المستقبل ، وقد حكي هذا في مجموع علي خليل عن الهادي عليه‌السلام قال : وعند المؤيد بالله أنه لا يحلف على الأمور المستقبلة ، وفي سورة الممتحنة في قوله تعالى : (إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ ...) إلى آخر الآية دلالة على الجواز.

قوله تعالى

(وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) [يوسف : ٦٧]

اختلف المفسرون ما الوجه في كون يعقوب نهاهم عن الدخول من باب واحد؟ فعن ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي ، والأصم ، وأبي مسلم : أنه خاف عليهم العين ؛ لأنهم كانوا ذوي هيبة وكمال ، وقد اشتهر إكرام الملك لهم ، وكانوا مظنة إلى أن تطمح إليهم الأنظار.

وقيل : خاف عليهم حسد الناس ، وأن يرفع إلى الملك قوتهم وبطشهم فيقتلهم أو يحسبهم.

وقيل : خاف عليهم الغوائل إذا كانوا مجتمعين ، فرأى أن التفرق أسلم ، وهذان مرويان عن أبي علي ؛ لأنه أنكر العين.

وعن النخعي : أمرهم بالتفرق ليصل ابنه بنيامين إلى يوسف.

ولهذه الجملة ثمرة : وهي استحباب البعد عن مضار العباد ، والحذر منها.

فأما فعل الله تعالى : فلا يغني الحذر منه ، ولهذا قيل : لا ينفع الحذر إذا جاء القدر.

٥٣

وقال يعقوب عليه‌السلام : (وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ). ولهذه الفائدة تكميل وهي بيان ما قيل في العين.

واعلم أنه قد اختلف العلماء في ذلك

قال في التهذيب : إن أبا علي أنكر الضرر بالعين ، وهو مروي عن جماعة من المتكلمين ، ومنهم من جوز ذلك ، وهو الذي صححه الحاكم ، والأمير الحسين وغيره لأخبار وردت منها قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (العين حق) وهذا الخبر رواه في البخاري ، ومسلم.

وفي صحيح مسلم ، عن ابن عباس عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «العين حق ، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين ، وإذا استغسلتم فاغسلوا».

قال النواوي : قالت العلماء الاستغسال أن يقال للعائن وهو الصائب بعينه الناظر بها استحسانا اغسل داخلة إزارك مما يلي الجلد بماء ثم يصب على العين.

وفي كتاب الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يتعوذ من الجان ، ومن عين الإنسان ، حتى نزلت المعوذتان فأخذ بهما وترك ما سواهما.

وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعوذ الحسنين فيقول : «أعيذكما بكلمات الله التامة ، من كل شيطان وهامة ، ومن كل عين لامة».

ويقول : «إن أباكما إبراهيم كان يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق».

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه كان إذا خاف أن يصيب شيئا بعينه قال : «اللهم بارك فيه ولا تضره».

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من رأى شيئا فأعجبه فقال : ما شاء الله ولا قوة إلا بالله لم يضره».

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا رأى أحدكم ما يعجبه في نفسه أو ماله فليتبرك عليه فإن العين حق».

٥٤

وعن القاضي حسين من أصحاب الشافعي قال : نظر بعض الأنبياء صلوات الله عليهم إلى قومه يوما فاستكثرهم وأعجبوه ، فمات منهم من ساعته سبعون ألفا ، فأوحى الله إليه أنك عنتهم ، ولو أنك إذا عنتهم حصنتهم لم يهلكوا. قال : وبأي شيء أحصنهم ، فأوحى الله إليه أن يقول : حصنتكم بالحي القيوم الذي لا يموت أبدا ، ورفعت عنكم السوء بلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وكان القاضي حسين إذا نظر إلى أصحابه وأعجبه سمتهم حصّنهم بهذا.

واختلف من أثبت المضرة الحاصلة بالعين على ثلاثة أقوال رواها الحاكم :

فمنهم من قال : يخرج من عين العائن شعاع يتصل بمن رآه فيؤثر فيه تأثير السم ، وضعفه الحاكم ، قال : لأنه لو كان كذلك لما اختص ببعض الأشياء دون بعض ، ولأن الجواهر متماثلة فلا تؤثر بعضها في بعض.

ومنهم من قال : هو فعل العائن ، قال : وهذا لا يصح ؛ لأن الجسم لا يفعل في جسم آخر شيئا إلا بمماسة يعني أو ما في حكمها من الاعتمادات ، ولأنه لو كان فعله وقف على اختياره.

ومنهم من قال : إنه فعل الله تعالى أجرى العادة بذلك لضرب من المصلحة ، وصحح هذا الحاكم ، وهو الذي ذكره الزمخشري ، والأمير الحسين ، وهو قول القاضي ، وأبي هاشم ، ذكره عنهما في التهذيب ، وقد انطوى ما ذكرنا على ماهية العين والخلاف في ذلك ، وما ينبغي للعائن أن يفعله ويقوله ، ونفي الكلام في الضمان.

وقد قال بعض المفرعين للمذهب : أنه يضمن ويقاد لأنه مباشر ، وهذا محتمل لأنه كالسحر.

٥٥

وقد قال في (شرح الإبانة) : أنه لا يضمن الساحر عندنا ، وأبي حنيفة ، ويضمن عند الشافعي.

ولا يقال : فلم وجب الضمان والقود إذا قتل بالسم أو بالإحراق مع أن الإحراق ومضرة السم فعل الله ، لأن المضرة بالسم والإحراق معلومة.

قوله تعالى

(ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) [يوسف : ٧٠]

هاهنا سؤال وهو أن يقال : احتباسه لأخيه بغير حق لا يستباح في الظاهر ، مع ما في ذلك من حزنه وحزن أبيه ، وحزن إخوته ، وتسريقهم وليسوا بسارقين ، وإدخال التهمة عليهم ، والقول بأنهم سارقون ظاهره الكذب؟

جواب ذلك : أن يقال : أما حبس أخيه فعن أبي علي : كان بموطأة بينهما ، ورضاء منه ، وحبسه بسبب لا يمكن أقل للحزن مع يعقوب من حبسه بغير سبب باطل.

وقيل : يجوز مع الغم المذكور ؛ لأن فيه دفع غموم كثيرة ، وفعل الأقل لدفع الأكثر جائز ، أو كان فعل ذلك بوحي ، ولهذا قال تعالى : (كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ) يعني علمناه إياه وأوحينا إليه به.

وأما إيراث التهمة عليهم ـ فبعد معرفة نبوتهم ـ تزول التهمة ، وأما النطق بما ظاهره الكذب ففي ذلك وجوه :

الأول : أن هذا من قول الأعوان لا من قول يوسف ، وإنما قالوا ذلك تهمة منهم.

وقيل : في ذلك تورية بأن المراد لسارقون يوسف من أبيه في سبب أخذكم له.

٥٦

وقيل : يستخرج من هذا جواز التوصل إلى الحسن بما صورته صورة القبيح ، وللأئمة مسائل من هذا القبيل بعضها يدل على الجواز ، نحو ما ذكر في شراء أولاد الكفار منهم ، ومسائل تخالف نحو ما ذكرنا في بيع رءوس الكفار منهم ، وقد يشبه هذا بدباغ جلد الميتة ، وبتخليل الخمر ، فإنه توصل إلى تحليل المحظور عند من جوز ذلك في التشبيه ، فهذا نظر لأنه توصل بمباح إلى مباح.

قوله تعالى

(وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ) [يوسف : ٧٢]

هذا استدل به أصحاب الشافعي ، والإمام يحيى : على جواز الجعالة نحو : (من رد عليّ ضالتي فله كذا) ، وجعلوا الغرض كالمعلوم لازما فلم يجعلوا القبول شرط ، ولا كون الأخير معلوما ، وجعلوها جائزة غير لازمة.

قالوا : وحديث الرقية فيه دلالة عليها ، وأهل المذهب أدخلوها في الإجازة الفاسدة ؛ لأن الوفاء غير لازم هنا.

قوله تعالى

(وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) [يوسف : ٧٢]

من كلام المنادي ، وكان زعيمهم فكنى به عنهم.

والمراد : وأنا زعيم بالجعل الذي جعل عوضا على مجيء الصاع ، ويكون هذا دليلا على صحة الكفالة بالمال ، لكن إن كان المال ثابتا أو ثبت بسببه فذلك جلي.

وأما إذا ضمن بمال يجب في الحال ويجب بعد ذلك ، كأن يقول : ما أقرضت فلان أو مانعت منه ، فأنا به ضامن : فالمذهب جوازه.

٥٧

وعند الناصر ، والشافعي ، واختاره الإمام يحيى ، وهو مروي عن الهادي في الفنون : أنه لا يصح.

وأما لو ضمن ضمانا مطلقا لرجل لا شيء له عليه فهذا فيه اختلاف بين المفرعين هل يصح لعموم الخبر ، وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الزعيم غارم» وللآية أو لا يلزم ؛ لأن الآية جاءت فيما يلزم على أحد التفسيرين ، والزعيم عادة : إنما يكون فيمن تحمل بحق مستحق لشخص على آخر ،

واختلف أيضا في ضمانة المرأة ذات الزوج ، فمذهب الأئمة والفريقين صحة ضمانتها بغير إذن زوجها.

وقال مالك : إنما تصح بإذن الزوج وفي الآية والخبر دلالة على أن رضاء المكفول له غير شرط.

وعن أبي حنيفة ، ومحمد ، وبعض أصحاب الشافعي : رضاؤه شرط.

قوله تعالى

(قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ) [يوسف : ٧٥]

هذا فتوى من إخوة يوسف أن جزاء الصاع أخذ سارقه ؛ لأنه في شريعة آل يعقوب كان جزاء السارق استرقاقه سنة ، وكان أهل مصر شريعتهم أن يغرم السارق مثلي ما أخذ ، وجاءت شريعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقطع.

قوله تعالى

(قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) [يوسف : ٧٧] أرادوا يوسف.

قيل : أضافوا السرق إليه ؛ لأنه أخذ صنما لجده أبي أمه فكسره وألقاه بين الجيف في الطريق.

٥٨

وقيل : دخل الكنيسة فأخذ منها تمثالا صغيرا من ذهب كانوا يعبدونه فدفنه.

وقيل : كان في المنزل عناق (١) ، أو دجاجة ، أو بيضة فأعطى ذلك ، وقيل : كان لإبراهيم عليه‌السلام منطقة يتوارثها أكابر ولده ، فورثها إسحاق ثم وقعت في يد ابنته ، وكانت أكبر أولاده ، فحضنت يوسف وهي عمته بعد وفاة أمه ، وكانت لا تصبر عنه ، فلما شب أراد يعقوب انتزاعه فحزمت المنطقة تحت ثياب يوسف ، ثم قالت : فقدت منطقة إسحاق فوجدت مع يوسف فطلبت أخذه فخلاه يعقوب عندها حتى ماتت.

وقيل : كان ذلك كذبا.

وفي ذكر هذه النكتة بيان براءة يوسف صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قوله تعالى

(قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ قالَ مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ) [يوسف : ٧٨ ، ٧٩]

الفقه من هذه الجملة : أن للكبير حقا يتوسل به ؛ لذلك توسلوا بكبر يعقوب ، وقد ورد في صلاة الاستسقاء أنه ينبغي أن يخرج بالشيوخ وأنه لا يؤخذ أحد بجرم غيره إلا ما ورد في العقل فإنه مخصوص بحديث الغرّة وحديث القسامة.

__________________

(١) عتاق الطير هي الجوارح منها. والعناق الأنثى من ولد المعز جمعه عنوق تمت من العين بتصرف.

٥٩

قوله تعالى

(يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا) [يوسف : ٨١]

القراءة الظاهرة : (سَرَقَ).

قال الحاكم : وفي ذلك دلالة على أنه يجوز الإخبار بظاهرة الحال ، والمراد من غير اعتقاد القطع.

وقوله تعالى : (إِلَّا بِما عَلِمْنا) يعني من كون الصاع وجد في رحاله لا على نفس السرق.

وقرئ في الآحاد (أن ابنك سرّق وما شهدنا إلا بما علمنا) من التسريق.

قوله تعالى

(قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) [يوسف : ٨٣]

قيل : معنى (سَوَّلَتْ) أي : سهلت. عن أبي علي.

وقيل : زينت ، عن قتادة ، والأصم.

وفي هذا سؤال وهو أن يقال : لم قال لهم يعقوب ذلك ولم يحصل منهم قبيح في مسيرهم ببنيامين؟

جواب ذلك من وجوه :

الأول : أنه قال ذلك مقالة متهم غير قاطع ، وكان سبب التهمة ما سبق منهم مع يوسف.

وقيل : أراد بالتسويل في أثناء الأمر ، وأنهم طلبوا مسيره لزيادة كيل

٦٠