تفسير الثمرات اليانعة - ج ٤

يوسف بن أحمد بن عثمان [ الفقيه يوسف ]

تفسير الثمرات اليانعة - ج ٤

المؤلف:

يوسف بن أحمد بن عثمان [ الفقيه يوسف ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة التراث الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

قوله تعالى

(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) [النور : ٥٦]

دلت على وجوب الصلاة والزكاة ، لكن الدلالة مجملة محتاجة إلى البيان.

قوله تعالى

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [النور : ٥٨]

النزول

روي أن مخلد بن عمرو وكان غلاما أنصاريا أرسله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقت الظهيرة إلى عمر ـ رضي الله عنه ـ ليدعوه ، فدخل عليه وهو نائم وقد انكشف عنه ثوبه ، فقال عمر : لوددت أن الله نهى آباءنا وأبناءنا وخدمنا أن يدخلوا علينا هذه الساعات إلّا بإذن ، ثم انطلق معه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوجده وقد أنزل الله عليه هذه الآية ، وهي إحدى الآيات المنزلة بسبب عمر.

وقيل : نزلت في أسماء بنت أبي مرثد ، وقد دخل عليها غلام لها كبير في وقت كرهت دخوله فأتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : إن خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حال نكرهها.

ثمرات الآية :

قد قضت بأن المماليك والذين لم يبلغوا الحلم من الأحرار يؤمرون

٤٦١

بالاستئذان في الأوقات الثلاثة ، ولا حرج عليهم في ترك الاستئذان في غيرها ، وإنما خص الله الأوقات الثلاثة ؛ لأنها وقت وضع الثياب :

فقبل الفجر : لأن ذلك وقت القيام من الفراش ، وطرح ما ينام فيه من الثياب ، ولبس ثياب اليقظة.

ووقت الظهيرة : لأنها وقت وضع الثياب للقائلة.

وبعد صلاة العشاء : لأنها وقت التجرد من ثياب اليقظة ، والدخول في ثياب النوم.

وسميت هذه الأوقات عورة : لأن الناس يختل سترهم فيها.

وأما ما عدا هذه الأوقات : فإن الله رخص لهم في ترك الاستئذان.

وبين تعالى سبب الرخصة وهو أنهم يطوفون عليكم ولكم حاجة إلى ذلك ، فلو لزم الاستئذان من هؤلاء في كل وقت كان في ذلك حرج.

واعلم أن ظاهر كلام الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ : أن هذا الأمر على سبيل الوجوب ، وأن المراد بالمماليك العموم ، سواء كانوا بالغين أم لا ، وذكر أهل التفسير خلافا فقال ابن عباس : أراد بالمماليك الرجال والنساء من العبيد.

وقال ابن عمر في الرجال من المماليك خاصة.

وقال أبو عبد الرحمن السلمي هو في الإماء خاصة.

وقال أبو علي ـ ورجحه الحاكم ـ : أراد الأطفال والمماليك.

وفي تفسير السخاوندي ، وقرئ (ليستأذنكم الذين لم يبلغوا الحلم مما ملكت أيمانكم) وهكذا حكى في التهذيب هذه القراءة : عن ابن عباس.

قال الحاكم : وهذه القراءة تطابق ما ذكرنا.

وأيضا اختلفوا هل هذا الأمر للوجوب كما هو ظاهر المذهب ـ أو

٤٦٢

للإرشاد كقوله تعالى : (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) [البقرة : ٢٨٢]؟ ـ والأمير محمد بن الهادي في كتابه الروضة قال : هذا في الأطفال من المماليك والإماء ؛ لأن البالغ من المماليك الذكور ممنوع في هذه الأوقات وغيرها ، وقال : هذا قول أئمتنا وأبي حنيفة.

وأحد قولي الشافعي (١) : للعبد النظر إلى مولاته.

ومن ثمرات الآية : تحريم النظر إلى العورة ولزوم أمر الصبيان بما يجب على البالغ.

قوله تعالى

(وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) [النور : ٥٩].

وقوله تعالى : (مِنْكُمُ) أي : من الأحرار.

وقوله تعالى : (كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ).

قال جار الله : يريد الذين بلغو الحلم من قبلهم وهم الرجال ، والذي ذكروا من قبلهم في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا) الآية.

والسنين : كالاحتلام. لكن قال الأئمة والشافعي : خمس عشر سنة.

وقال أبو حنيفة : ثماني عشر في الغلام ، وسبعة عشر في الجارية ، وكذلك الإنبات عندنا في المسلم والكافر ، وفيه الخلاف.

وعن علي عليه‌السلام أنه كان يعتبر ببلوغ خمسة أشبار ،

__________________

(١) يحقق لم ذكر هنا خلاف الشافعي لعله عطف على قوله أراد بالمماليك العموم تمت.

٤٦٣

وبه أخذ الفرزدق (١) في قوله :

ما زال مذ عقدت يداه إزاره

فسمى فأدرك خمسة الأشبار

واعلم أن العلماء قد اختلفوا في الاستئذان :

هل قد نسخ وجوبه أم لا؟

فالظاهر من المذهب ـ وقد رواه في (الروضة والغدير) عن الهادي ـ : بقاء الوجوب.

وعن ابن عباس : أنه لا يؤمن بها أكثر الناس أنه الإذن ، وإني لآمر جاريتي أن تستأذن علي ـ يعني امرأتي ـ ، وسأله عطاء أأستأذن على أختي؟ قال : نعم.

وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : عليكم أن تستأذنوا على آبائكم وأمهاتكم ، وأخواتكم.

وعن الشعبي : ليست بمنسوخة.

وعن سعيد بن جبير : والله ما هي منسوخة.

وقيل : إنها منسوخة.

قال في (الروضة والغدير) : ذهب أكثر العلماء إلا أنها منسوخة ، وأن هذا كان في أول الإسلام لعدم الستور ، وضيق الحال بالمهاجرين والأنصار.

__________________

(١) في قصيدة مطلعها :

لامدحن بني المهلب مدحة

غراء ظاهرة على الاشعار

والذي قبل البيت قوله :

شعثا مسومة على اكتافها

اسد هواصر للكماة ضوار

ما زال مذ عقدت يداه ازاره

فدنا فادرك خمسة الاشبار

تمت.

٤٦٤

ومن ثمرات الآية :

أن الاحتلام بلوغ ، وأن للبالغ أحكاما يخالف الصغير ، وهذا وفاق.

وأما الاحتلام في النساء فبلوغ أيضا عندنا لقوله عليه‌السلام : «النساء شقائق الرجال» (١).

وعن المنصور بالله : ليس ببلوغ في النساء.

وسائر أسباب البلوغ من السنين والإنبات كالاحتلام في وجوب الاستئذان وسائر الأحكام.

قوله تعالى

(وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [النور : ٦٠]

القواعد : العجائز ، سمين بذلك لقعودهن عن الحيض والولادة.

وقيل : لقعودهن عن الاستمتاع.

وقيل : لكثرة قعودهن من الكبر.

وقوله : (اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً) يعني لا يطمعن في النكاح.

وثمرة هذه الآية :

أن العجوز التي لا ترغب في النكاح لأجل الكبر حكمها يخالف حكم الشابة ، فلها أن تضع ثيابها.

واختلف ما أريد بالثياب فقيل : الرداء والخمار.

وقيل : الجلباب الذي فوق الخمار.

__________________

(١) الأولى : الاستدلال بعموم قوله تعالى : (وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ) تمت.

٤٦٥

وقوله تعالى : (غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ)

قيل : أراد غير قاصدات بالوضع إبداء محاسنها ، بل تضع الثياب للتخفف إذا احتاجت إلى ذلك.

وقيل : أراد تعالى غير مظهرات للزينة الخفية التي أرادها الله تعالى في قوله : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ).

إن قيل : قد فسر الظاهر في قوله تعالى : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها) أن الذي يظهر : الكحل ، والخاتم ، فإذا جوز كشف الوجه والكف للشابة مع عدم الشهوة فقد صارت كالعجوز في ما اختصت القواعد.

أما لو قلنا أراد بما ظهر من الزينة الثياب فقد ظهر الفرق ، وقد جعلوا للعجوز حكما يفارق الشواب ، وذلك بحضور الجمعة والجماعة ، والسفر مع غير محرم على حسب الخلاف.

وقوله تعالى : (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَ) وهذا بيان للأفضل ، وأنه خير من غيره ، ونظيره قوله تعالى : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [البقرة : ٢٣٧] (وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ) [البقرة : ٢٨٠].

قوله تعالى

(لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ

٤٦٦

تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [النور : ٦١]

النزول

وفي ذلك أقوال المفسرين :

الأول : عن سعيد بن المسيب ، والزهري ـ : أن الغزاة كانوا يخلفون في بيوتهم الزّمنى والعمي ، ويدفعون إليهم مفاتحهم فيتحرج هؤلاء من الأكل لمّا نزل قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) [البقرة : ١٨٨].

وقيل : نزلت في الحارث بن عمرو فإنه خرج مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للغزو وخلف مالك بن زيد على أهله فلما رجع وجده مجهودا فسأله عن حاله فقال : تحرجت أن آكل طعامك بغير إذنك ، فنزلت الآية رخصة لهم في الأكل.

وعن الحسن ، وابن زيد ، وأبي علي : أراد ليس عليهم حرج في ترك الجهاد (١) ، وتمم الكلام عند قوله (حرج) ، ويكون قوله (ولا على أنفسكم) استئناف وابتداء ، وتكون (على) على أصلها.

وقيل : كانوا يتحرجوا أن يؤاكلوا أعمى ؛ لأنه يأكل لا يدري ما يأكل والأعرج يتفسح في المكان ، فيخشي الآكل أنه يضيق عليه ، والمريض لا يستوفي فنزلت عن ابن عباس ، فيكون في الكلام حذف.

والمعنى : ليس في مؤاكلة هؤلاء حرج ، وذلك لأنهم تحرجوا عن مؤاكلتهم حين نزل قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) [البقرة : ١٨٨] وتكون على بمعنى في.

__________________

(١) وفيه ضعف لما فيه من عدم الملائمة يبنه وبين ما بعده تمت.

٤٦٧

وعن سعيد بن جبير ، والضحاك ، ومقسم : أن الأصحاء لا يؤاكلون هؤلاء ، ويقذرونهم.

وعن عكرمة : كانت الأنصار في أنفسها قزازة ، ولا يأكلون مع هؤلاء.

وقيل : كان هؤلاء يتوقون الأكل مع غيرهم خشية أن يكره الغير شيئا منهم ، فالأعمى يخشى أن يمد يده إلى شيء سبقت إليه عين البصير ، والأعرج يتفسح في المكان ، والمريض لا يخلو من رائحة تؤذي وأنف تذرى أو جرح يبض أي يسيل ، ذرى الأذن إذا سال ، والقزازة مدح ، والكزازة ذم ، في الضياء الكزازة : البخل وقلة الخير فنزلت.

والمعنى : ليس في مؤاكلة هؤلاء حرج إن كان التحريج من الأصحاء ، وإن كان التحريج من الأعلّاء ف (على) على أصلها.

وعن مجاهد : أنهم كانوا إذا لم يجدوا ما يطعمون الأعمى ، والأعرج ، والمريض حملوهم إلى بيوت من ذكر ليستقروهم ، أي : يطلبون منهم القرى للأعمى ونحوه ، فيتحرجوا أعني الأعمى ، والأعرج ، والمريض كونهم يأكلون من بيوت من ذكر ، فنزلت لدفع الحرج ، فتكون (على) على أصلها.

وأما قوله تعالى : (أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً)

فعن قتادة ، والضحاك ، وابن جريج : أنها نزلت في حي من كنانة كانوا يتحرجون أن يأكل الرجل وحده.

وقيل : هم بنو ليث ابن عمرو ، ولا يأكل وحده إلا عن ضرورة ، وربما قعد الواحد منتظرا نهاره إلى الليل.

وقيل : في قوم من الأنصار إذا نزل بهم الضيف لا يأكلون إلا معه.

وقيل : تحرجوا عن الاجتماع على الطعام لاختلاف الناس في الأكل ، وزيادة بعضهم على بعض.

٤٦٨

وقيل : تحرجوا عن مؤاكلة أقربائهم من الكفار والمنافقين لما نزل قوله تعالى : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ) [المجادلة : ٢٢] فرفع الحرج.

ثمرات الآية أحكام :

الأول : نفي الحرج عما طابت به النفس من المالك ، وجواز المخالطة في الأماكن على وجه تطيب به النفوس ، وإنما خص من ذكر لجري العادة بالتبسط بينهم.

الثاني : سقوط الجهاد عن المعذور ؛ لأنه قد فسر بذلك الحسن ، وأبو علي.

الثالث : أن توهم المنفر لا يحرم ولا يمنع ، وكذا قزازة الأنفس لا تحرم.

الرابع : جواز الأكل منفردا عن الضيف ، وجواز الاشتراك في الطعام ، وقد ورد عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «خير الطعام ما كثرت عليه الأيدي» وبالاجتماع تحصل البركة ، وقد قال الإمام يحيى بن حمزة : يجوز الاشتراك في طعام المزاود ، وليس من الربا في شيء ، وهذا إذا لم يحدث ما يخالف العادة ، ويستنكر من المسارعة في الأكل ، وإكبار اللقام ونحو ذلك ، وقد ورد ما يشير إلى هذا وهو أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن القران ، يعني : تقرن بين التمرتين في الأكل.

الخامس : جواز الأخذ بالظاهر ، وأنه لا يجب على الآكل العلم بأصل المأكول ؛ لأنه قد فسر قوله تعالى : (أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) أنهم كانوا إذا وجدوا في بيوتهم شيئا تحرجوا أن يأكلوا منه حتى يعلموا من أين اكتسب.

وقيل : أراد مال أهل بيوتكم ، وهم الأزواج.

٤٦٩

وقوله تعالى : (أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ) إلى آخره ، إنما خص هؤلاء لجري العادة بالرضاء فيما بينهم ، فلم يحتج ذلك إلى إذن.

وقيل : كان جائزا بغير إذن ولا رضاء ، ثم نسخ ، والأول الظاهر.

قال جار الله : ولم يعد الولد ؛ لأنه كالبعض فدخل في قوله تعالى : (مِنْ بُيُوتِكُمْ) وهو أولى بالدخول ممن ذكرت.

وفي الحديث : «إن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه ، وإن ولده من كسبه».

وقوله تعالى : (أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ)

القراءة الظاهرة : بفتح الميم واللام.

قيل : أراد الوكيل والمتولي : عن ابن عباس.

وقيل : ما ملكه الرجل في بيته : عن مجاهد.

وقيل : بيوت عبيدكم : عن الضحاك.

وقيل : ولي اليتيم إذا كان فقيرا يأكل بالمعروف.

وفي قراءة سعيد بن جبير : (ملكتم) مفاتحه ـ بضم الميم وكسر اللام مشددة ـ على ما لم يسم فاعله.

وقوله تعالى : (أَوْ صَدِيقِكُمْ)

قيل : يستوي الصديق من المسلم والمعاهد : عن الحسن ، وقتادة.

وقيل : الصديق في الدين لحصول الرضاء ، وهذه قاعدة المسألة ، وهو الاعتماد على طيب النفوس ، وأنه يجري مجرى الاستئذان الصريح.

قال جار الله : وربما سمج الاستئذان وثقل كمن قدم إليه الطعام فاستأذن صاحبه في الأكل منه ، وقد أفرد الحاكم بابا في السفينة للتبسط بين الإخوان.

٤٧٠

وفي الكشاف : ويحكى عن الحسن أنه دخل داره وإذا خلفه من أصدقائه وقد استلوا سلالا من تحت سريره ، وفيها الخبيص وأطايب الأطعمة وهم مكبون عليها يأكلون فتهللت أساير وجه سرورا وضحك وقال : هكذا وجدناهم ، هكذا وجدناهم ، يريد كبراء الصحابة.

وقوله تعالى : (فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ).

اختلف المفسرون في تفسير ذلك ففي الكشاف : المراد إذا دخلتم بيوتا من هذه البيوت المذكورة لتأكلوا فابدءوا بالسلام على أهلها الذين هم منكم دينا ، وهذا مروي عن الحسن ، أي : يسلم بعضكم على بعض.

وقيل : المراد إذا دخلتم بيتا ليس فيه أحد فيقول الداخل : السلام علينا وعلى عباد الله الصحالين ، وهذا مروي عن إبراهيم.

وقيل : المراد إذا دخلتم بيوتكم فسلموا على أهلكم وعيالكم : عن جابر ، وطاوس ، والزهري ، وقتادة ، والضحاك ، وابن عباس.

وقيل : المراد إذا دخلتم المساجد فسلموا على من فيها.

وقوله تعالى : (تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ).

قيل : أراد ثابتة بأمره ، ولأن التحية طلب السلامة والحياة من الله تعالى ، ووصفها بالبركة والطيب ؛ لأنه يرجى بها الخير ، وطيب الرزق.

وقيل : وصفها بذلك لحصول الأجر.

وفي الكشاف : وعن أنس بن مالك قال : خدمت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عشر سنين ، وروي تسع سنين فما قال لي لشيء فعلته : لم فعلته؟ ولا قال لي لشيء كسرته : لم كسرته؟ وكنت واقفا على رأسه أصب الماء على يديه فرفع رأسه فقال : «ألا أعملك ثلاث خصال تنتفع بها»؟

قلت : بلى بأبي وأمي يا رسول ، قال : «متى لقيت من أمتي أحدا فسلم عليه يطل عمرك ، وإذا دخلت بيتك فسلم عليهم يكثر خير بيتك ، وصل صلاة الضحى فإنها صلاة الأبرار الأوابين».

٤٧١

ومن ثمرات الآية : أن السّلام مأمور به :

قال الحاكم : منهم من أوجبه ، ومنهم من يقول : إنه سنة ، ويجب الرد على الكفاية ، وقد تقدم طرف من هذا عند قوله تعالى : (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ).

والظاهر من أقوال العلماء أن الابتداء سنة على الكفاية والرد فرض على الكفاية. وتكلمة هذا الحكم : أنه مشروع دخل على ناس ، أو كان البيت أو المسجد خاليا ، فيقول : السّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، ويؤخذ من حديث أنس مكارم الأخلاق ، والاحتمال للخادم فيما يكره ، واستحباب صلاة الضحى ، وقد ذكر الخلاف فيها.

قال الحاكم : وإذا كان في الدار كافر فمنهم من منع من ابتدائه السّلام ، وجوّز الرد ، ومنهم من منع منهما.

وعن الحسن أنه يجب رد السّلام ، ولا يقول : ورحمة الله وبركاته ، والظاهر من كلامات الفقهاء أنه لا يبتدأ بالسلام ، لقوله عليه‌السلام : «لا تبدءوهم بالسلام ، وأنه إذا ردّ عرّض فلا يقصد أن الله تعالى يسلمه من النار».

قوله تعالى

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ

٤٧٢

لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [النور : ٦٢ ـ ٦٤]

النزول

قيل : نزلت في حفر الخندق ، وكان المنافقون ينصرفون لواذا ، أي : مختفين عن رسول الله يريدون توهين أمره ، وتفريق جمعه ، وكان المؤمنون يستأذنون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الذهاب للحاجة ، ثم يرجعون رغبة في الخير.

وقيل : يتسللون عند الخطبة. وقيل : عن الجهاد.

ثمرات الآية : أنه يجب الاجتماع في الأمور المحتاجة إلى التشاور والتعاضد ؛ لأنه تعالى جعل عدم الذهاب تاليا للإيمان لله وبرسوله ، وأنه لا يجوز توهين الأمور المتعلقة بالمصالح ، وأنه يجوز الاستئذان لما يعرض من الحوائج ، ولهذا قال تعالى : (فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ) ولم يطلق الآخر ، وأن الاذن موكل إلى رأي الإمام في الأصلح ، فلا يجوز أن يأذن حيث لا مصلحة ، ولا يجوز استئذان الغير ، ومع المصلحة يجوز الإذن والاستئذان ، وأن الأفضل عدم الاستئذان ؛ لأنه تعالى قال : (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ) فعد ذلك كالذنب ، أو (استغفر لهم) لينجبر ما فاتهم من الأفضل وهو الجهاد والمصابرة ، وفي ذلك إشارة أنه لا يستغفر إلا للمؤمنين ، وقد قال الحسن : إن الرسول والإمام فيما يلزم من ذلك سواء ، وتدل الآية على لزوم الامتثال لأوامر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكذا الإمام لقوله تعالى : (الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ).

قال الحاكم : إن قيل : قد قال تعالى : (لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) [التوبة : ٤٤] (إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) [التوبة : ٤٥]؟

٤٧٣

أجاب بأن هناك لم يستأذنوا لترك الخروج مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستأذن المنافقون ، وهنا استأذن المؤمنون وهرب المنافقون.

وقيل : استئذان المؤمن هنا على الحقيقة ، واستئذان المنافق هناك بسوف وربما.

وعن قتادة قال : عوتب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سورة براءة بقوله : (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) [التوبة : ٤٣] ورخص في هذه الآية.

وقوله تعالى : (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً)

قيل : لا تسموه باسمه ، بل يا رسول الله ، يا نبي الله : وهذا مروي عن ابن عباس ، وقتادة ، والضحاك ، وعكرمة.

وقيل : ادعوه بالتواضع ، والخضوع ، وخفض الصوت عن مجاهد.

وقيل : يعني إذا دعاكم لأمر لزم بخلاف إذا دعاكم غيره : عن أبي مسلم.

وقيل : ـ المراد ـ إن دعاء الرسول لربه مجاب ، وليس كدعاء بعضكم لبعض ، كأن يسأل الفقير حاجة من الغني ، فقد يجيبه وقد لا يجيبه.

وقيل : المراد إذا دعاه لكم وعليكم ليس كدعاء بعضكم لبعض.

وقوله : (أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ) قال ابن عباس : قتل.

وعن عطاء : زلازل وأهوال.

وعن الصادق : يسلط عليهم سلطان جائر.

تم ما نقل من سورة النور بحمد الله وعونه ، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وسلّم تسليما.

٤٧٤

تفسير

سورة الفرقان

٤٧٥
٤٧٦

سورة الفرقان

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى

(وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) [الفرقان : ٧]

المعنى : يمشي في الأسواق لطلب المعاش ، وهلّا كان مستغنيا عن الأكل ، وطلب المعاش.

وثمرة ذلك :

جواز التجارة وجواز دخول الأسواق ، وكذلك قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) [الفرقان : ٢٠].

قيل : قد ورد من جهة السنة ذم السوق ، وكراهة الجلوس فيه ، وقد أفرد الحاكم لذلك بابا في السفينة ، وروى آثارا.

منها : ما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «شر المجالس الأسواق والطرق».

وروي أن إبليس قال : إلهي أين بيتي؟ قال : «الحمّام» ، قال : فأين مجلسي؟ قال : «الأسواق».؟

قلنا : لعل النهي يكون لمن لم يتحرز من شوائب الأسواق : وهي اللغو والكذب ، والحلف ، والخيانة ، والحسد ، والاشتغال عن الجمعة والجماعة ، وطلب العلم في بعض الأحوال ، وإيثار الحرام على الحلال.

٤٧٧

ودخول السوق ينقسم إلى الأحكام الخمسة :

يحظر : إن عرف من نفسه ارتكاب مأثم ، من غش ، أو خيانة ، أو كذب أو نحو ذلك ، أو فوّت به واجبا.

ويكره : إن أمن من ذلك ، وشغله عن شيء من أنواع الطاعات التي لا يأثم بتركها كالجماعة ، والصلاة أول الوقت ، حيث لا عذر له في التأخير.

ويجب : إن احتاج إلى الكسب على زوجاته وأطفاله ، وأبويه العاجزين ، ولا يتم إلا بدخول السوق ، ويجب عليه التحفظ من المآثم.

ويندب : إن دخل لينفق في القرب التي لا تجب ، أو لقضاء حاجة المسلم ، أو للاعتبار ، أو للدعاء المأثور.

قال في السفينة : كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا دخل السوق يقول : «اللهم إني أسألك من خير هذا السوق ، وأعوذ بك من الكفر والفسوق».

وفي الأذكار : كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا دخل السوق قال : «بسم الله ، اللهم إني أسألك من خير هذا السوق وخير ما فيها ، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها ، اللهم إني أعوذ بك أن أصيب فيها يمينا فاجرة ، أو صفقة خاسرة».

وروى الترمذي ، وغيره : عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من دخل السوق فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيى ويميت ، وهو حي لا يموت ، بيده الخير ، وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة ، ومحا عنه ألف ألف سيئة ، ورفع له ألف ألف درجة» وفي رواية : «وبنى الله له بيتا في الجنة».

وعن بعض رواة هذا الحديث أنه قال : قدمت خراسان فأتيت قتيبة

٤٧٨

ابن مسلم فقلت : أتيتك بهدية ، فحدثته الحديث ، فكان قتيبة بن مسلم يركب في موكبه حتى يأتي السوق فيقولها ، ثم ينصرف.

وأما المباح : فإذا خلا عن هذه الأمور ودخل للتكسب المباح.

قوله تعالى

(وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ)

قوله : أتصبرون استفهام ، والمراد : الاستدعاء إلى الصبر.

النزول

قيل نزلت في أبي جهل بن هشام ، والوليد بن عقبة ، والعاص بن وائل ، والنضر بن الحارث ؛ لأنهم لما رأوا أبا ذر ، وابن مسعود ، وعمار وبلال ، وصهيب أسلموا قالوا : إن أسلمنا ، وقد أسلم قبلنا هؤلاء ترفعوا علينا إذلالا بالمسافة (١) ففي ذلك افتتان بعضهم ببعض.

وقيل : إنه تعالى أبتلى المرسلين بالمرسل إليهم لمناصبتهم لهم بالعداوة وأقاويلهم الخارجة عن الإنصاف ، وأذاهم إياهم نظيره قوله تعالى في سورة آل عمران : (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [آل عمران : ١٨٦].

وقيل : ذلك تسلية له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عما عيّر به من الفقر حين قالوا : (أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ) [الفرقان : ٨].

وقيل : جعلناك فقيرا فتنة لهم ، إذ لو جعلناك غنيا لمالوا إليك لأجل الدنيا.

وقيل : ابتلى سبحانه الفقير بالغني ، ونحو ذلك لينظر في صبرهم.

__________________

(١) الذي في الكشاف إذلالا بالمسابقة وهو هكذا في بعض النسخ تمت.

٤٧٩

ثمرة ذلك :

أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يسقطان بالأذية ، وقد تقدم ما حكي عن أبي طالب : أنه يسقط كسر الطنبور إذا عرف أنه يقذف.

ويدل على أنه يستحب تسلية من أوذي في الله تعالى ؛ لأنه سلّى نبيه في مواضع من القرآن.

ويدل على أن الإخلاص لازم ، فلا يكون إسلامه وسائر طاعته لغرض دنيوي.

ويدل على عظيم مزية الصبر ، وأنه من عزم الأمور عند البلوى والامتحان فلا يسخط المبتلى بفقر أو مرض ، ولا ينظر من سلمه الله من ذلك إليه بعين الاحتقار.

قال في عين المعاني في قوله : (أَتَصْبِرُونَ) هو محذوف الجواب ؛ لأن المعنى أم لا تصبرون؟

وروي أن المزني أخرجته الفاقة فرأى خصيّا في مراكب ومواكب فخطر بباله شيء فسمع من يقرأ الآية (أتصبرون) فقال : بل يا ربنا نصبر ونحتسب.

قوله تعالى

(وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) [الفرقان : ٢٣]

المعنى : قصدنا. وقيل : قدم الملائكة وقت المحاسبة ، فأضافه إلى الله تعالى تفخيما لشأنهم. (فَجَعَلْناهُ هَباءً) : أي باطلا.

(مَنْثُوراً) : أي متفرقا ، والهباء : التراب الدقيق.

وقيل : ما يخرج من الكوة مع ضوء الشمس.

٤٨٠