تفسير الثمرات اليانعة - ج ٤

يوسف بن أحمد بن عثمان [ الفقيه يوسف ]

تفسير الثمرات اليانعة - ج ٤

المؤلف:

يوسف بن أحمد بن عثمان [ الفقيه يوسف ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة التراث الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

وقيل : رأى في منامه أن ولد الحكم يتداولون منبره كما يتداول الصبيان الكرة.

وأما الشجرة فقيل : إنها شجرة الزقوم ، وهي قوله تعالى في سورة الدخان : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ) [الدخان : ٤٣ ، ٤٤] وهذا مروي عن ابن عباس ، والحسن ، وأبي مالك ، وسعيد بن جبير ، وإبراهيم ، ومجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، وابن زيد ، وأبي علي ، والأصم ، والمراد باللعن لآكلها ؛ لأن الشجرة لا ذنب لها فتلعن.

وقيل : وصفت باللعن ؛ لأنه الإبعاد من رحمة الله ، وهي في أصل الجحيم في أبعد مكان من الرحمة.

وقيل : العرب تقول لكل طعام كرهته صار ملعونا.

وقيل : الشجرة الملعونة في القرآن : بنو أمية.

وقرئ في الآحاد : (والشجرة) بالرفع ، أي والشجرة كذلك ، ـ أي فتنة ـ ؛ لأن المشركين قد سخروا ، وقالوا : كيف تنبت شجرة في النار وهي تحرق الحجارة ، وذلك لجهلهم بأنه تعالى قادر على ما يشاء إيجاده ، ولا تأثير لغيره ، ولهذا فإن النعامة تأكل النار ، وكذلك في بلاد الروم دويبة يقال لها السمندل (١) ، وقيل : السمندر يتّخذ من وبرها مناديل إذا اتسخت طرحت في النار فيذهب الوسخ ولم تؤثر فيها النار ، فثمرة ذلك :

أنه لا يوصف باللعن من لا ذنب له ، إلا مجازا بمعنى صاحبه ، أو إذا أريد المعنى اللغوي أي المكروه هذا ما فهم من كلام المفسرين ، وقد ذكر النواوي في الأذكار بابا في النهي عن اللعن ، وذكر فيه أخبارا :

__________________

(١) [قال في لسان العرب ج ١١ ص ٣٤٨] سمندل سمندل أبو سعيد السمندل طائر إذا انقطع نسله وهرم ألقى نفسه في الجمر فيعود إلى شبابه وقال غيره هو دابة يدخل النار فلا تحرقه تمت.

١٨١

منها : ما روى الترمذي ، وفي سنن أبي داود أنه قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه».

وحكى أبو جعفر النحاس عن بعض العلماء أنه قال : إذا لعن الإنسان شيئا لا يستحق اللعن فليبادر بقوله إلا أن لا يكون مستحقا للعن.

قوله تعالى

(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) [الإسراء : ٦١]

قد تقدم ما ذكر في السجود لآدم.

قوله تعالى

(وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ) [الإسراء : ٦٤]

قيل : مشاركة الأموال : ما كانوا يفعلونه من البحيرة ، والسائبة ، والوصيلة ، والحام.

وقيل : ما كسب من الحرام.

وقيل : هو الربا.

وأما الأولاد فقيل : أراد طلب الولد من غير حلّه ، ـ يعني من الزنا ـ ، وهذا مروي عن مجاهد ، والضحاك ، وابن عباس ، وقيل : الموءودة عن ابن عباس.

وقيل : هو من هوّدوه ، ونصّروه ، ومجّسوه : عن الحسن ، وقتادة ، وقيل : تسميتهم عبد شمس ، وعبد الحرث ونحو ذلك.

وقيل : الحمل على الحرف الذميمة ، والأعمال المحظورة.

وقيل : جميع هذه إذ لا تنافي.

وثمرة ذلك :

قبح ما ذكر.

١٨٢

قوله تعالى

(رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) [الإسراء : ٦٦]

ثمرة ذلك :

جواز ركوب البحر لطلب التجارة ، ووجوب الحج إذا لم يتمكن من السير في البر وتمكن من ركوب البحر ، وكذا يأتي مثله في الجهاد ، وأحد قولي الشافعي : لا يجب الحج بالمسير في البحر ؛ لأنه مظنة العطب.

وقد احتج المرتضى على وجوبه : بقوله تعالى في سورة يونس : (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) [يونس : ٢٢].

وجه الحجة : أن الله تعالى امتن علينا بالسير في البحر.

قوله تعالى

(وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) [الإسراء : ٧٠]

ثمرة ذلك : ما قيل في تفسير ذلك :

أما التكرمة فقيل : بكونه أنعم عليهم بصنوف من النعم ، ويدخل في ذلك حسن الصور يتفرع من هذا كراهة طلب الولد من النساء التي تكره صورهن كالزنجيات ونحوهن ؛ لأن على الأب التخير لولده المحاسن من حسن الاسم وغيره ، وقد قال عليه‌السلام : «تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس».

وقيل : في إكرامهم : كونه يأكل بيده وسائر الحيوانات بأفواهها عن ابن عباس.

قال في الكشاف : وعن الرشيد أنه أحظر طعاما فدعا بالملاعق

١٨٣

وعنده أبو يوسف فقال : جاء في تفسير جدك ابن عباس في تفسير قوله تعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) جعلنا لهم أصابع يأكلون بها ، فأحضر الملاعق فردها وأكل بأصابعه.

وقيل : الكتابة ؛ فيكون الخط ، والكتابة مما ينبغي تعلمه.

وقيل : في الإكرام بتسخيره سائر الحيوانات ، وقيل : لكون محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منهم.

وقيل : بالعقل. وقيل : بتعديل القامة ، وقيل : بجميع ذلك.

واستدل الشافعي على أن مني بني آدم طاهر ؛ لأنه ليس من التكرمة أن يخلقه من نجس ، وهذا محتمل ، وقد تقدم الكلام على هذه المسألة.

[و] قوله تعالى : (وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ).

ـ يعني ـ : بما سخر من الدواب التي تحمل ، والبحر بالسفن ، وفي ذلك دلالة على وجوب الجهاد ، والحج مع العجز عن المشي ، وإمكان ذلك بالركوب على الرواحل ، وفي السفن لكن شرط ذلك أن يمكنه القعود على الراحلة ، وفي السفينة لا لو كان مضطجعا ؛ لأن أحدا لا يعجز عن ذلك ، وقد اشترطت الصحة.

وقوله تعالى : (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ)

قيل : أراد اللذيذ من المطاعم ، وقيل : كسب الرجل بيده من الحلال ، ومن في قوله تعالى : (مِنَ الطَّيِّباتِ) للتبعيض (١).

__________________

(١) وهذا هو الذي تقدم في آخر النحل عن أبي مسلم في قوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً) تمت.

١٨٤

قوله تعالى

(وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ) [الإسراء : ٧٣ ـ ٧٥]

[سبب النزول]

قيل : سبب النزول أن قريشا قالوا له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا ندعك تستلم الحجر الأسود حتى تلمّ (١) بآلهتنا فحدث نفسه وقال : ما عليّ أن ألمّ بها والله يعلم أني لها كاره ، ويدعونني استلم الحجر الأسود فنزلت : عن سعيد بن جبير.

وقيل : قالوا له : كف عن سب آلهتنا ، وتسفيه أحلامنا ، واطرد هؤلاء العبيد حتى نجالسك ، فطمع في الإسلام فنزلت : عن الأصم.

وقيل : خلوا به ليلة يكلمونه ويسألونه فكاد يقاربهم فنزلت : عن قتادة.

وقيل : نزلت في وفد ثقيف قالوا : نبايعك على أن تعطينا ثلاثا : لا ننحني في الصلاة ، ولا يكسر أصنامنا غيرنا ، وتمتعنا بآلهتنا سنة ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود ، وأما كسر أصنامكم بأيديكم فذلك لكم ، وأما الطاعة للات فإني غير ممتعكم بها».

وروي أنهم قالوا : أجل لنا سنة حتى نهدي لآلهتنا ، فهمّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتأجيلهم فنزلت ، وأنكر ذلك الأصم.

__________________

(١) أي تلمس آلهتنا تمت.

١٨٥

وقيل : أرادوا منه طرد الفقراء عن مجلسه إذا حضروا ، فنهاه الله تعالى (١).

ثمرات الآية :

منها : أن حديث النفس لا يؤاخذ الإنسان به.

قال الحاكم : ولم يرد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا همّ ، ولا فعل ، بل ذلك كان منهم.

ومنها : أن لمس آلهة الكفار على وجه التعظيم قبيح.

قال الحاكم : ويوجب الكفر ، فأما لمسها لكسرها فحسن.

قال الحاكم : وقد روي أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمسها ، فإن صح ذلك كان لمسه لها لكسرها وإبطالها ، وأما لمسها لا للكسر ولا للتعظيم فجائز ، ذكره الحاكم ، ولكن يكون بعد البيان لئلا يكون مفسدة.

ويتعلق بهذا فرع : وهو أنه لا يجوز تعظيم شعائرهم نحو الكنائس ، والبيع ، بخلاف الكتب ، فإن لها حرمة ، ولهذا لما جيء بالتوراة قام لها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويأتي على هذا أنه يستحب القيام لمن يجاء إليه بالقرآن.

ومنها : أنه يستحب إيناس الفقراء والضعفاء ، ولا يجوز أن يستخف بهم ، ولا يستحقر حالهم ، ويظهر أن للأغنياء والرؤساء مزية عليهم.

ومنها : أن المعصية تعظم بحسب كثرة نعم الله تعالى ، لهذا قال تعالى : (إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ) والمعنى ضعف عذاب الدنيا ، وضعف عذاب الآخرة.

قال جار الله : ويجوز أن يراد بضعف الممات عذاب القبر ، وعذاب الآخرة.

__________________

(١) وقد تقدم هذا في تفسير قوله تعالى : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ) [الأنعام : ٥٢] الآية في سورة الأنعام.

١٨٦

ومنها : ما ذكر جار الله ـ رحمه‌الله ـ أن أدنى مداهنة للغواة خروج عن ولاية الله ، وسبب موجب لغضبه ونكاله ، وعلى المؤمن إذا تلاها استشعار الخشية ، وزيادة التصلب ، ولما نزلت كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين».

قوله تعالى

(أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً) [الإسراء : ٧٨ ـ ٨٠]

هذه الآية الكريمة لها ثمرات :

الأولى : وجوب الصلوات ، وأن لها أوقاتا مضروبة ، لذلك خصها بالذكر ، وقد تقدم في سورة النساء عند قوله تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) [الإسراء : ١٠٣] ولكن اختلف ما المراد بالدلوك فذهب طائفة من الصحابة : وهم ابن عباس في إحدى الروايتين ، وقول ابن عمر ، وجابر.

قال في الشفاء : وعمر ، وأبو هريرة.

وطائفة من التابعين : وهم عطاء ، وقتادة ، ومجاهد ، والحسن ، وطائفة من الأئمة وهم الهادي وأبو العباس ، وجعفر بن محمد ـ : أن المراد بذلك الزوال ـ.

وطائفة من الفقهاء وهم فقهاء الشافعية ، وصحح هذا لوجوه :

الأول : أنه قد روي مرفوعا.

الثاني : أن الزوال هو السابق.

١٨٧

الثالث : أنه إذا حمل على الزوال أفادت الآية دخول الصلوات الخمس في الآية ، وإذا حمل على الغروب خرج الظهر والعصر ، والواجب الحمل على ما كثرت فوائده ،

وذهب طائفة من الصحابة : وهم ابن مسعود ، ورواية عن ابن عباس ، وهو مروي عن علي عليه‌السلام ، وطائفة من التابعين : وهم الضحاك ، والسدي ، وإبراهيم ، ومقاتل : أنه الغروب ؛ ورجح بكون الصلاة تكره عند اصفرار الشمس على قول ، والدلوك قد ورد في اللغة للأمرين.

قال ثعلب : يقال : دلكت الشمس إذا زالت ؛ لأن الدلوك الميل ، ويقال : دلكت إذا غربت.

وقيل : هو مشتق من الدلك ؛ لما كان الناظر إلى الشمس عند زوالها أو عند غروبها يدلك عينه ،

وإذا حملنا ذلك على الزوال كان المعنى (أَقِمِ الصَّلاةَ) أي صلاة الظهر والعصر (الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ) ليدخل المغرب والعشاء ، وهذا دليل جملي ، والتفصيلي مأخوذ من جهة السنة ، وفي ذلك دلالة على أن الفرض يؤدى في الوقت المكروه.

أما العصر : فذلك إجماع ، وفي الحديث عنه صلّى الله عليه : «من أدرك ركعة من العصر فقد أدركها» والخطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمراد هو وغيره والإقامة : الإتيان بها كاملة.

قوله تعالى : (إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) قيل : أراد المغرب والعشاء ، عن الحسن ، والدلالة مجملة.

وقد قيل : الغسق : ظهور ظلمته : عن أبي علي.

وقيل : بدء الليل : عن ابن عباس ، وقتادة.

١٨٨

وقيل : الغروب : عن مجاهد.

وقوله تعالى : (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ).

قيل : أراد صلاة الفجر فعبر عنها بالقرآن ؛ لأنه جزء منها ، واستدل بذلك على وجوب القراءة ، خلاف الأصم ومن معه من نفاة الأذكار.

قيل : وخصها بالقرآن : لما كانت أكثر ما يطول فيه القراءة أو أكثر ما يجهر فيه بالقراءة ، لكثرة الناس.

وقوله تعالى : (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً).

قيل : تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار ، فتكتب هذه الصلاة بالديوانين جميعا : عن ابن عباس ، وقتادة ، وإبراهيم ، ومجاهد.

وروي : أن ملائكة الليل يقولون : ربنا فارقنا عبادك وهم يصلون ، وملائكة النهار يقولون : أتينا عبادك وهم يصلون.

وروي عن علي عليه‌السلام : أنها الصلاة الوسطى ، كقول الشافعي.

وقوله تعالى : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ).

أي : عبادة زائدة لك على الفرائض ، وهذا مما اختص به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دون أمته ، أن التهجد واجب عليه ، وسنة في حق أمته ، هكذا ذكر الزمخشري.

وقد اختلفوا فقيل : الآية تدل على وجوبها عليه ، وذلك مروي عن ابن عباس ،

وقيل : قوله : (نافِلَةً) تدل على أنها سنة في حقه ، وأن هذا ناسخ لوجوب قيام الليل ، وقد روي أنها سنة في حقه : عن قتادة ، والفراء ، وأبي علي.

وقيل : لم تلزمه قط ، وهذا اختيار القاضي.

والتهجد : هو القيام بعد النوم ، روي هذا عن علقمة ، والأسود ، وعليه أكثر المفسرين.

١٨٩

وقيل : هو ما يتنفل به في الليل ، والتهجد : ـ عبارة عن ـ النوم ، و ـ عن ـ ترك النوم ، ويكون المعنى بالتهجد : ترك الهجود كالتأثم والتحرج.

وقوله تعالى : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً).

لفظة عسى للترجي ، وفي حق الله للقطع ، والمعنى مقاما تحمد فيه.

وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ مقاما يحمده فيه الأولون والآخرون ، وإنما قيل : لواء الحمد ؛ لأن الناس يحمدون تحته النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويشرفه الله تعالى ، ويشفع فيشفع.

اللهم إنا نتضرع إليك بأسمائك الحسنى ، أن تصلي على محمد وآله ، وأن تبعثه المقام المحمود الذي وعدته ، وأن تجعلنا ممن شفعت فيه نبيك صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وقوله تعالى : (أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ).

في ذلك وجوه للمفسرين : قيل : يعني أدخلني القبر وأخرجني منه.

وقيل : أراد إدخاله المدينة عند ما هاجر إليها ، وإخراجه من مكة.

وقيل : إدخاله مكة ظاهرا عليها ، وذلك بالفتح ، وإخراجه منها بعد الفتح آمنا.

وقيل : إدخاله الغار وإخراجه منه ، وقيل : إدخاله القبر وإخراجه بالموت مؤديا لما كلف من التبليغ.

والمعنى بالصدق : أي إدخالا مرضيا ، وإخراجا مرضيا.

قوله تعالى

(وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ) [الإسراء : ١٠٦]

المعنى أنزلناه متفرقا في أوقات.

١٩٠

وقيل : فرقنا به بين الحق والباطل.

وقيل : (فَرَقْناهُ) ، أي سورا وآيات ليكون أقرب للحفظ.

وقوله تعالى : (عَلى مُكْثٍ).

قيل : يعني في أوقات متفرقة ، وقيل : للقراءة بتثبت ليتدبر معناه ، وقد جعل الحاكم هذا من أحكام الآية أنه يجب أن تكون قراءته على مكث وتأن ، ليصح التدبر.

قال : وقد روى علي بن موسى القمي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت قراءته بينة يتثبت فيها.

قوله تعالى

(إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً) [الإسراء : ١٠٧ ـ ١٠٩]

دل ذلك : على أن قراءة القرآن عبادة يستحب فيها الخضوع ، والتدبر ، والبكاء والسجود.

والمراد بأولي العلم قيل : من أهل الكتاب وغيرهم. وقيل : مؤمنو أهل الكتاب : كعبد الله بن سلام ، وغيره : عن ابن عباس ، فذكر الله تعالى ذلك على وجه المدح لهم.

ولقراءة القرآن آداب :

منها : أن يكون القارئ شأنه الخشوع ، والتدبر ، وقد بات جماعة من السلف يتلو الواحد منهم آية واحدة يكررها ليلة كاملة ، أو معظم ليلة يتدبرها ، وصعق جماعة منهم عند القراءة ، ومات جماعة منهم ، ويستحب البكاء ، والتباكي لمن لا يقدر على البكاء.

١٩١

وقد ذكر إبراهيم الخواص وهو من المعظمين عند الشافعية : دواء القلب خمسة أشياء : قراءة القرآن بتدبر ، وخلاء البطن ، وقيام الليل ، والتضرع عند السحر ، ومجالسة الصالحين.

قال أصحاب الشافعي : وهي من المصحف أولى.

قال النواوي : ليس على إطلاقه بل ما حصل به التدبر والتفكر فهو أفضل.

قال النواوي : وقد جاءت أخبار بأن الإسرار بالقراءة أفضل ، وأخبار بأن الجهر أفضل.

وطريقة الجمع أن الإسرار أفضل : لمن خاف الرياء ، والجهر أفضل : لمن لم يخف ؛ لأنه يتعدى نفعه إلى الغير ، ويوقظ قلب القارئ ويطرد عنه النوم ، وهذا ما لم يوقظ نائما أو يشغل مصليا.

ويستحب تحسين الصوت ما لم يزد حرفا بالتمطيط ، أو يخفي حرفا فإن ذلك حرام ، ويستحب تنظيف الفم بالسواك عند قراءة القرآن : هذه النكتة من الأذكار.

قوله تعالى

(قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) [الإسراء : ١١٠ ، ١١١]

النزول

قيل كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا صلى رفع صوته بالقرآن ، فمنعه المشركون وسبوا القرآن ، ومن جاء به فنزلت : عن سعيد بن جبير.

١٩٢

وقيل : كان يجهر بالقرآن بالمسجد ، فقال المشركون : لا تجهر فتؤذي آلهتنا فنهجوا ربك فنزلت.

وقيل : كان مختفيا في دار أرقم بن أبي أرقم فأسر بذلك كيلا يؤذيه الكفار إذا سمعوا صوته ، وحتى يسمعه من معه من المؤمنين ، حكاه الأصم.

وروي أن أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ كان يخافت بالقراءة ويقول : أنا أناجي ربي وقد علم حاجتي ، وكان عمر يجهر ويقول : أوقظ الوسنان ، وأدحر الشيطان ، وأرضي الرحمن ، فنزلت.

وقيل : نزلت في التشهد ، كان الأعرابي يجهر ويرفع صوته فنزلت : عن عائشة.

وأما قوله تعالى : (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) إلى آخره :

فقيل : قالت اليهود عزيز ابن الله ، وقالت النصارى المسيح بن الله ، فقالت الأعراب : لبيك لا شريك لك ، إلا شريكا هو لك. وقالت المجوس : لو لا أولياء الله لذل فنزلت.

قيل : في قوله تعالى : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها)

أي بدعائك : عن مجاهد وعطاء ، والنخعي ، ومكحول ، ورواية عن ابن عباس.

وقيل : بالقرآن في الصلاة : عن ابن عباس ، وقتادة.

وقيل : لا تجهر بالقراءة في جميع صلاتك ولا تخافت في جميعها ، بل اجهر بصلاة الليل وخافت بصلاة النهار : عن الهادي ، وأبي مسلم.

وقيل : لا تصل رياء ، ولا تدعها مخافة الناس : عن ابن عباس.

وقيل : لا تجهر جهرا يشغل من بقربك ، ولا تخافت حتى لا تسمع نفسك : عن أبي علي.

١٩٣

وللآية ثمرات :

منها : أنه يترك الحسن ؛ لخشية وقوع القبيح ، وهذا سبيل قوله تعالى في سورة الأنعام : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً) [الأنعام : ١٠٨].

ومنها : أن العدل في القراءة هو المشروع ، فلا يفعل كفعل الأعراب الذي نزلت الآية في شأنهم ، وقد يتعلق جماعة من المتمسكين برفع الصوت بالتهليل ونحوه ، والمتبع فيه ما جاء عن سيد البشر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ومنها : أن بعض الصلاة يجهر فيها ، وبعضها يخافت فيه على ما فسر بذلك ، لكن الدلالة المبيّنة من جهة السنة.

قال في الشفاء : مذهب الهادي ، والقاسم ، وأسباطهما الأوائل : أن صفة القرآن كالقراءة فيجعل الجهر في العشاءين ، والفجر ، والجمعة ، لا في العصرين.

قال الأمير في غير الشفاء : الجهر في الجمعة واجب وفاقا ؛ لأن ذلك معلوم منه عليه‌السلام.

وعند زيد ، والمؤيد بالله والفريقين : لا يجب الجهر والمخافتة.

وعن أبي هريرة عنه عليه‌السلام : «إذا رأيتم من يجهر في صلاة النهار فارموه بالبعر».

ومن جملة ما يجهر به : البسملة ، وذلك إجماع أهل البيت والشافعي ، لكن اختلفوا هل ذلك واجب أو سنة. وعند أبي حنيفة وأصحابه : يسر بها.

وقوله تعالى : (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) إلى آخره :

أمره تعالى بأن يصفه بصفاته الحسنى ، المبطلة لقول فرق الكفار.

وقوله تعالى : (وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً).

١٩٤

أي : وعظمه تعظيما ، بأن تعتقد عظمته وتثني عليه.

وقيل : أمره بالتكبير في الصلاة ، وقد احتج الهادي عليه‌السلام في ذكر هذا في التوجه ، زاد (وجهت وجهي) لأخبار وردت.

والمؤيد ، والشافعي قالا : ليس هذا وارد في التوجه ، ورويا أن في الحديث : أنه يتوجه بقوله : (وجهت وجهي) ، ولهذه الآية حالة في الفضل.

وعن قتادة كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعلمها أهله الصغير والكبير.

وفي عيون المعاني للسخاوندي : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سمى هذه الآية آية العز ، وكان إذا أفصح الغلام من بني عبد المطلب يعلمه إياها.

وعن عبد الحميد بن واصل : من قرأها كان له من الأجر ملء السماوات والأرض والجبال.

فيكون من ثمرات ذلك :

أنه يستحب تلقينها من أفصح من الأولاد ، اقتداء برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، تم ما نقل من سورة الإسراء.

١٩٥
١٩٦

تفسير

سورة الكهف

١٩٧
١٩٨

سورة الكهف

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى :

(فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) [الكهف : ٦]

القراءة الظاهرة : (إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا) ـ بكسر إن ـ وذلك للاستقبال. وقرئ : أن ـ بالفتح ـ أي أن لم يؤمنوا في الماضي ، والبخع : الإهلاك. والأسف : شدة الحزن والغضب.

وثمرة ذلك :

أنه لا يجب الحزن والجزع على عدم الإيمان من الغير ؛ لأن هذا ورد تسلية لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قوله تعالى :

(أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً) [الكهف : ٩]

الكهف : هو الغار الذي خرجوا إليه فارين بدينهم ؛ خشية أن يفتنوا.

وثمرة ذلك :

ثبوت الهجرة ؛ لسلامة الدين.

والرقيم قيل : هو اسم كلبهم.

١٩٩

وقيل : هو لوح من رصاص كتب فيه أسماؤهم ، وقيل : رقموا (١) حديثهم نقرا في الجبل ، وقيل : الوادي الذي فيه الكهف. وقيل : اسم قريتهم (٢).

قوله تعالى

(وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) [الكهف : ١٨]

قيل : الوصيد : الباب ، وقيل : عتبة الباب.

وثمرة ذلك :

جواز اقتناء الكلب الذي ينتفع به ، وهذا ثابت في شريعتنا ، وهو إجماع.

وإنما اختلفوا في بيعه : فقال القاسم عليه‌السلام : يجوز بيعه : وهو تحصيل أبي طالب ليحيى ، وحصل المؤيد ليحيى : أنه لا يجوز : وهو قول أصحاب الشافعي [والدليل] للجواز ، ما روي أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن ثمن الكلب إلا الكلب المعلم ، وللمنع قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ثمن الكلب حرام».

وأما إذا كان لا ينتفع به : فإنه لا يجوز بيعه وفاقا ولا اقتناؤه.

قوله تعالى

(فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً) [الكهف : ١٩ ، ٢٠]

__________________

(١) في الأصل رقم والصحيح ما أثبتناه نقلا عن الكشاف الجزء ٢ في تفسير الآية تمت.

(٢) وقيل : الجبل. وقيل : مكانهم بين غضبان وأيلة دون فلسطين. تمت الكشاف ج ٢ ص ٧٠٥.

٢٠٠