الموسوعة القرآنيّة - ج ١٠

ابراهيم الأبياري

الموسوعة القرآنيّة - ج ١٠

المؤلف:

ابراهيم الأبياري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة سجل العرب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٥٩

تصميما على النفاق وهذا ما يدل عليه قوله تعالى (لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ) أي لا يزال هدمه سبب شك ونفاق زائد على شكهم ونفاقهم.

(إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ) أي لا يزول رسم هذا النفاق عن قلوبهم ولا يضمحل أثره الا أن تقطع قلوبهم قطعا وتفرق أجزاء ، فحينئذ يسلون عنه.

١١١ ـ (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) :

(يُقاتِلُونَ) فيه معنى الأمر.

(وَعْداً) مصدر مؤكد.

(حَقًّا) أخبر بأن هذا الوعد الذي وعده للمجاهدين فى سبيله وعد ثابت قد أثبته فى التوراة والإنجيل كما أثبته فى القرآن.

(وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ) أي ان إخلاف الميعاد قبيح بالناس الذين يجوز عليهم القبيح فكيف بالغنى الذي لا يجوز عليه القبيح قط.

١١٢ ـ (التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) :

(التَّائِبُونَ) رفع على المدح ، أي هم التائبون ، يعنى المؤمنين المذكورين.

(الْعابِدُونَ) الذين عبدوا الله وحده وأخلصوا له العبادة.

(السَّائِحُونَ) الصائمون.

١١٣ ـ (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) :

٤١

(ما كانَ لِلنَّبِيِ) ما صح للنبى الاستغفار فى حكم الله وحكمته.

(مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) لأنهم ماتوا على الشرك.

١١٤ ـ (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) :

(إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ) أي وعدها إبراهيم أباه ، وهو قوله (لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ).

(فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) فلما تبين له من جهة الوحى أنه لن يؤمن وأنه يموت كافرا وانقطع رجاؤه عنه ، فقطع استغفاره.

(لَأَوَّاهٌ) الذي يكثر التأوه.

١١٥ ـ (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) :

أي وما كان من سنن الله أن يصف قوما من عباده بالضلال ، بعد أن أرشدهم الى الإسلام حتى يتبين لهم عن طريق الوحى الى رسوله ما يجب عليهم اجتنابه والله محيط علمه بكل شىء.

١١٦ ـ (إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) :

أي ان الله وحده مالك السموات والأرض وما فيهما ، وهو المتصرف فيهما بالاحياء والاماتة وليس لكم سوى الله من ولى يتولى أمركم ، ولا نصير ينصركم.

١١٧ ـ (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) :

(لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِ) من اذنه للمنافقين فى التخلف عنه.

٤٢

(وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) لما آووهم حين اشتد بهم القتال.

(فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ) فى وقتها. يعنى حالهم فى غزوة تبوك.

(مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ) عن الثبات.

١١٨ ـ (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) :

(الثَّلاثَةِ) كعب بن مالك ، ومرارة بن الربيع ، وهلال بن أمية.

(خُلِّفُوا) عن الغزو.

(بِما رَحُبَتْ) برحبها ، أي مع سعتها ، وهو مثل للحيرة فى أمرهم.

(وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ) أي قلوبهم.

(وَظَنُّوا) وعلموا.

(مِنَ اللهِ) من سخط الله.

(إِلَّا إِلَيْهِ) الى استغفاره.

(ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا) ثم رجع عليهم بالقبول والرحمة ليستقيموا على توبتهم ويثبتوا.

١١٩ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) :

(مَعَ الصَّادِقِينَ) وهم الذين صدقوا فى دين الله نية وقولا وعملا.

١٢٠ ـ (ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) :

(وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ) أمروا بأن يصحبوه على البأساء والضراء.

٤٣

(ذلِكَ) إشارة الى ما دل عليه قوله (ما كانَ) لهم (أَنْ يَتَخَلَّفُوا) من وجوب مشايعته. كأنه قيل : ذلك الوجوب بسبب أنهم لا يصيبهم شىء من عطش ولا تعب ولا مجاعة فى طريق الجهاد ، ولا يدوسون مكانا من أمكنة الكفار.

(يَغِيظُ الْكُفَّارَ) يغيظهم وطؤه.

(وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً) ولا يزرءونهم شيئا.

(إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ) استوجبوا به الثواب ونيل الزلفى عند الله.

١٢١ ـ (وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) :

(وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً) أي أرضا فى ذهابهم ومجيئهم.

(إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ) ذلك الانفاق وقطع الوادي.

(لِيَجْزِيَهُمُ) متعلق بقوله (كُتِبَ) أي أثبت فى صحائفهم لأجل الجزاء.

١٢٢ ـ (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) :

(لِيَنْفِرُوا) اللام لتأكيد النفي. والمعنى : أن نفير الكافة عن أوطانهم لطلب العلم غير صحيح ولا ممكن.

(فَلَوْ لا نَفَرَ) فحين لم يكن نفير الكافة ولم يكن مصلحة فهلا نفر.

(مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) أي من كل جماعة كثيرة جماعة قليلة منهم يكفونهم النفير.

(لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) ليتكلفوا الفقاهة فيه.

(وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ) وليجعلوا غرضهم ومرمى همتهم فى التفقه إنذار قومهم وإرشادهم والنصيحة لهم.

٤٤

(لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) إرادة أن يحذروا الله فيعملوا عملا صالحا.

١٢٣ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) :

(يَلُونَكُمْ) يقربون منكم.

(غِلْظَةً) شدة.

(مَعَ الْمُتَّقِينَ) ينصر من اتقاه.

١٢٤ ـ (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) :

(فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ) فمن المنافقين من يقول بعضهم لبعض.

(هذِهِ) أي السورة.

(إِيماناً) إنكارا واستهزاء بالمؤمنين.

(فَزادَتْهُمْ إِيماناً) لأنها أزيد لليقين والثبات.

١٢٥ ـ (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ) :

(فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) كفرا مضموما الى كفرهم.

١٢٦ ـ (أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ) :

(يُفْتَنُونَ) يبتلون بالمرض والقحط وغيرهما من بلاء الله.

(ثُمَّ لا يَتُوبُونَ) ثم لا ينتهون ولا يتوبون عن نفاقهم.

(وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ) ولا هم يعتبرون.

١٢٧ ـ (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) :

(نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ) تغامزوا بالعيون إنكارا للوحى وسخرية.

٤٥

(هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ) أي قائلين هل يراكم من أحد من المسلمين لننصرف فإنا لا نصبر على استماعه.

(صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) دعاء عليهم بالخذلان.

(بِأَنَّهُمْ) أي بسبب أنهم.

(قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) لا يتدبرون حتى يفقهوا.

١٢٨ ـ (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) :

(مِنْ أَنْفُسِكُمْ) من جنسكم ومن نسبكم عربى قرشى مثلكم.

(عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ) أي شاق عليه عنتكم ولقاؤكم المكروه ، فهو يخاف عليكم سوء العاقبة والوقوع فى العذاب.

(حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) حتى لا يخرج أحد منكم عن اتباعه.

(بِالْمُؤْمِنِينَ) منكم ومن غيركم.

١٢٩ ـ (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) :

(فَإِنْ تَوَلَّوْا) فان أعرضوا عن الايمان بك.

(حَسْبِيَ اللهُ) أي كافينى وناصرى.

٤٦

(١٠)

سورة يونس

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ) :

(الر) أي إن القرآن ، الذي عجزتم عن أن تأتوا بمثله ، من مثل هذه الحروف.

(تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ) إشارة الى ما تضمنته السورة من الآيات.

(الْحَكِيمِ) ذو الحكمة لاشتماله عليها ونطقه بها.

٢ ـ (أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن هذا لسحر مبين) :

(أَكانَ) الهمزة لانكار التعجب والتعجيب منه.

(أَنْ أَوْحَيْنا) اسم (كانَ).

(عَجَباً) خبر (كانَ).

ويصح أن تكون (كانَ) تامة ، و (أَنْ أَوْحَيْنا) بدلا من قوله (عَجَباً).

(أَنَّ لَهُمْ) الباء معه محذوفة.

(قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي سابقة وفضلا ومنزلة رفيعة.

(إِنَّ هذا) ان هذا الكتاب وما جاء به محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(لسحر مبين) دليل على عجزهم ، وان كانوا كاذبين فى تسميته سحرا.

٣ ـ (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) :

(يُدَبِّرُ) يقضى ويقدر على حسب مقتضى الحكمة.

٤٧

(الْأَمْرَ) أمر الخلق كله.

(ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) دليل على العزة والكبرياء.

(ذلِكُمُ) إشارة الى المعلوم بتلك العظمة.

(اللهُ رَبُّكُمْ) أي ذلكم العظيم الموصوف بما وصف به هو ربكم.

(فَاعْبُدُوهُ) وهو الذي يستحق منكم العبادة فاعبدوه وحده.

(أَفَلا تَذَكَّرُونَ) فإن أدنى التفكير والنظر ينبهكم على الخطأ فيما أنتم عليه.

٤ ـ (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) :

(إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) أي لا ترجعون فى العاقبة الا اليه.

(وَعْدَ اللهِ) مصدر مؤكد لقوله (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ).

(حَقًّا) مصدر مؤكد لقوله (وَعْدَ اللهِ).

(إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) استئناف معناه التعليل لوجوب المرجع اليه.

(بِالْقِسْطِ) بالعدل ، وهو متعلق بقوله (لِيَجْزِيَ). والمعنى : ليجزيهم بقسطه ويوفيهم أجورهم.

٥ ـ (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) :

(وَقَدَّرَهُ) أي وقدر القمر ، والمعنى : وقدر مسيره.

(مَنازِلَ) أي ذا منازل.

(وَالْحِسابَ) وحساب الأوقات من الشهور والأيام والليالى.

٤٨

(ذلِكَ) إشارة الى المذكور. أي ما خلقه الا ملتبسا بالحق ولم يخلقه عبثا.

٦ ـ (إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) :

خص المتقين لأنهم يحذرون العاقبة فيدعوهم الحذر الى النظر والتدبر.

٧ ـ (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ) :

(لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) لا يتوقعونه أصلا ، ولا يخطرونه ببالهم لغفلتهم.

(وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا) وآثروا القليل الفاني على الكثير الباقي.

(وَاطْمَأَنُّوا بِها) وسكنوا فيها سكون من لا يزعج عنها.

٨ ـ (أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) :

(بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) جزاء ما كسبوا من الكفر.

٩ ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) :

(يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) يسددهم بسبب ايمانهم لسلوك السبيل المؤدى الى الجنة.

١٠ ـ (دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) :

(دَعْواهُمْ) دعاؤهم.

(سُبْحانَكَ اللهُمَ) أي اللهم انا نسبحك.

٤٩

(وَآخِرُ دَعْواهُمْ) وخاتمة دعائهم الذي هو التسبيح أن يقولوا (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).

(وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) أن بعضهم يحيى بعضا بالسلام.

وقيل : هى تحية الملائكة ، اضافة للمصدر الى المفعول.

وقيل : تحية الله لهم.

(أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) أن ، هى المخففة من الثقيلة ، وأصله : أنه الحمد لله ، على أن الضمير للشأن.

١١ ـ (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) :

أي : ولو يعجل الله للناس الشر تعجيله لهم الخير ، فوضع (اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ) موضع تعجيله لهم الخير ، اشعارا بسرعة اجابته لهم واسعافه بطلبتهم ، حتى كأن استعجالهم بالخير تعجيل لهم.

(لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) لأميتوا وأهلكوا.

(فِي طُغْيانِهِمْ) أي فنمهلهم ونفيض عليهم النعمة مع طغيانهم إلزاما للحجة عليهم.

١٢ ـ (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) :

(لِجَنْبِهِ) فى موضع الحال.

(أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً) حالان معطوفان على الحال قبلهما.

والمعنى : أن المضرور لا يزال داعيا لا يفتر عن الدعاء حتى يزول عنه الضر ، فهو يدعونا فى حالاته كلها ، منبطحا عاجزا لنهوض ، أو قاعدا لا يقدر على القيام ، أو قائما لا يطيق المشي.

٥٠

(مَرَّ) أي مضى على طريقته الأولى قبل مس الضر ومس حال الجهد.

(كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا) كأنه لم يدعنا ، فخفف وحذف ضمير الشأن.

(كَذلِكَ) مثل ذلك التزيين.

(زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ) زين الشيطان بوسوسته.

(ما كانُوا يَعْمَلُونَ) من الاعراض عن الذكر واتباع الشهوات.

١٣ ـ (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) :

(لَمَّا) ظرف لقوله (أَهْلَكْنَا).

(وَجاءَتْهُمْ) الواو للحال. أي ظلموا بالتكذيب وقد جاءتهم رسلهم بالحجج والشواهد على صدقهم ، وهى المعجزات.

(وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) يجوز أن يكون عطفا على (ظَلَمُوا). ويجوز أن يكون اعتراضا واللام فى (لِيُؤْمِنُوا) لتأكيد النفي. يعنى : وما كانوا يؤمنون حقا ، تأكيد لنفى ايمانهم.

(كَذلِكَ) مثل ذلك الجزاء ، يعنى : الإهلاك.

(نَجْزِي) كل مجرم.

١٤ ـ (ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) :

(ثُمَّ جَعَلْناكُمْ) الخطاب للذين بعث إليهم محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم. أي استخلفناكم فى الأرض بعد القرون التي أهلكنا.

(لِنَنْظُرَ) أي لنعلم العلم المحقق الذي هو العلم بالشيء موجودا. شبه بنظر الناظر المعاين فى تحققه.

(كَيْفَ) فى محل النصب بالفعل (تَعْمَلُونَ) لا ينتظر ، لأن معنى الاستفهام فيه يحجب أن يتقدم عليه عامله.

٥١

١٥ ـ (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) :

(ما يَكُونُ لِي) ما ينبغى لى وما يحل.

(أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي) من قبل نفسى ، أي من غير أن يأمرنى بذلك ربى.

(إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) لا آتى ولا أذر شيئا نحو ذلك الا متبعا لوحى الله وأوامره.

(إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي) بالتبديل والنسخ من عند نفسى (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ).

١٦ ـ (قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) :

(لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ) يعنى أن تلاوته ليست الا بمشيئة الله وإحداثه أمرا عجيبا خارجا عن العادات ، وهو أن يخرج رجل أمي لم يتعلم ولم يستمع ولم يشاهد العلماء ساعة من عمره ، ولا نشأ فى بلد فيه علماء ، فيقرأ عليهم كتابا فصيحا ، يبهر كل كلام فصيح ، وقد بلغ بين ظهرانيكم أربعين سنة تطلعون على أحواله ، ولا يخفى عليكم شىء من أسراره ، وما سمعتم منه حرفا من ذلك ، ولا عرفه به أحد من أقرب الناس منه وألصقهم به.

(وَلا أَدْراكُمْ بِهِ) وعلى أعلمكم به على لسانى.

(فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً) يعنى : قد أقمت فيما بينكم يافعا وكهلا ، فلم تعرفونى متعاطيا شيئا من نحوه فتتهمونى باختراعه.

(أَفَلا تَعْقِلُونَ) فتعلموا أنه ليس الا من الله لا من مثلى.

٥٢

وهذا جواب عما دسوه تحت قولهم : ائت بقرآن غير هذا ، من اضافة الافتراء اليه.

١٧ ـ (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ) :

(مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) يعنى افتراء المشركين على الله فى قولهم : انه ذو شريك وذو ولد.

وأن يكون المراد تفادى ما أضافوه اليه من الافتراء.

١٨ ـ (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) :

(ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ) الأوثان التي هى جماد لا تقدر على نفع ولا ضر.

(هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) يعنى ما جرى على ألسنة بعضهم : إذا كان يوم القيامة شفعت لى اللات والعزى.

(أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ) أتخبرونه بكونهم شفعاء عنده وهو إنباء بما ليس بالمعلوم لله ، وإذا لم يكن معلوما له ، وهو العالم المحيط بجميع المعلومات ، لم يكن شيئا ، لأن الشيء ما يعلم ويخبر عنه ، فكان خبرا ليس له مخبر عنه.

(فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) تأكيد لنفيه ، لأن ما لم يوجد فيهما فهو منتف معدوم.

(عَمَّا يُشْرِكُونَ) ما ، موصولة ، أو مصدرية ، أي عن الشركاء الذين يشركونهم به ، أو عن إشراكهم.

١٩ ـ (وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) :

٥٣

(وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً) حنفاء متفقين على ملة واحدة من غير أن يختلفوا بينهم وذلك فى عهد آدم الى أن قتل قابيل هابيل.

(وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) وهو تأخير الحكم بينهم الى يوم القيامة.

(لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) عاجلا فيما اختلفوا فيه.

٢٠ ـ (وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) :

(لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) أرادوا آية من الآيات التي كانوا يقترحونها.

(فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ) أي هو المختص بعلم الغيب المستأثر به لا علم لى ولا لأحد به. يعنى أن الصارف عن إنزال الآيات المقترحة أمر مغيب لا يعلمه الا هو.

(فَانْتَظِرُوا) نزول ما اقترحتموه.

(إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) لما يفعل الله بكم لعنادكم وجحودكم الآيات.

٢١ ـ (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ) :

(مَسَّتْهُمْ) خالطتهم حتى أحسوا بسوء أثرها فيهم.

(قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً) أي ان الله تعالى دبر عقابكم وهو موقعه بكم قبل أن تدبروا كيف تعملون فى اطفاء نور الإسلام.

(إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ) اعلام بأن ما تظنونه خافيا مطويا لا يخفى على الله ، وهو منتقم منكم.

٢٢ ـ (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ

٥٤

وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) :

(وَجَرَيْنَ) للفلك.

(جاءَتْها) جاءت الريح الطيبة ، أي تلقتها. وقيل : الضمير للفلك.

(مِنْ كُلِّ مَكانٍ) من جميع أمكنة الموج.

(أُحِيطَ بِهِمْ) أي أهلكوا.

(مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) من غير اشراك ، لأنهم لا يدعون حينئذ غيره.

(لَئِنْ أَنْجَيْتَنا) على إرادة القول ، أو لأن (دعوا) من جملة القول.

٢٣ ـ (فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) :

(يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ) يفسدون فيها ويعبثون.

(مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) بالنصب فى موضع المصدر المؤكد ، كأنه قيل : تتمتعون متاع الحياة الدنيا.

وقرئ : متاع ، بالرفع ، على : هو متاع الحياة الدنيا ، بعد تمام الكلام.

وقيل : هو خبر للمبتدإ الذي هو (بَغْيُكُمْ) ، و (عَلى أَنْفُسِكُمْ) صلته. وإذا نصبت فقوله (عَلى أَنْفُسِكُمْ) خبر غير صلة.

٢٤ ـ (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) :

٥٥

(فَاخْتَلَطَ بِهِ) فاشتبك بسببه حتى خالط بعضه بعضا.

(أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ) على التمثيل بالعروس إذا أخذت الثياب الناضرة من كل لون فاكتستها وتزينت بغيرها من ألوان الزين.

(قادِرُونَ عَلَيْها) متمكنون من منفعتها محصلون لثمرتها.

(أَتاها أَمْرُنا) ضرب زرعها ببعض العاهات بعد أمنهم واستيقانهم أنه قد سلم.

(فَجَعَلْناها) فجعلنا زرعها.

(حَصِيداً) شبيها بما يحصد من الزرع فى قطعه واستئصاله.

(كَأَنْ لَمْ تَغْنَ) كأن لم يغن زرعها ، أي لم يثبت.

٢٥ ـ (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) :

(دارِ السَّلامِ) الجنة.

٢٦ ـ (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) :

(الْحُسْنى) المثوبة الحسنى.

(وَزِيادَةٌ) وما يزيد على المثوبة ، وهى التفضل.

(وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ) لا يغشاها.

(قَتَرٌ) غبرة فيها سواد.

(وَلا ذِلَّةٌ) ولا أثر هوان وكسوف بال.

٢٧ ـ (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).

(مُظْلِماً) حال من (اللَّيْلِ).

٥٦

٢٨ ـ (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) :

(مَكانَكُمْ) الزموا مكانكم لا تبرحوا حتى تنظروا ما يفعل بكم.

(أَنْتُمْ) أكد به الضمير فى (مَكانَكُمْ) لسده مسد قوله : الزموا.

(وَشُرَكاؤُكُمْ) عطف عليه.

(فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ) ففرقنا بينهم وقطعنا أقرانهم ، والوصل التي كانت بينهم فى الدنيا.

(ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) انما كنتم تعبدون الشياطين ، حيث أمروكم أن تتخذوا لله أندادا فأطعتموه.

٢٩ ـ (فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ) :

(إِنْ) هى المخففة من الثقيلة.

(لَغافِلِينَ) اللام هى الفارقة بينها وبين (ان) النافية.

٣٠ ـ (هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) :

(هُنالِكَ) فى ذلك المقام وفى ذلك الموقف ، أو فى ذلك الوقت ، على استعارة اسم المكان للزمان.

(تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ) تختبر وتذوق.

(ما أَسْلَفَتْ) من العمل فتعرف كيف هو : أقبيح أم حسن.

(مَوْلاهُمُ الْحَقِ) ربهم الصادق ربوبيته.

(وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) وضاع عنهم ما كانوا يدعون أنهم شركاء لله.

٣١ ـ (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) :

٥٧

(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) أي يرزقكم منهما جميعا ، لم يقتصر برزقكم على جهة واحدة ليفيض عليكم نعمته ويوسع رحمته.

(أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ) من يستطيع خلقهما وتسويتهما على الحد الذي سويا عليه.

(أَفَلا تَتَّقُونَ) أفلا تتقون أنفسكم ولا تحذرون عليها عقابه فيما أنتم بصدده من الضلال.

٣٢ ـ (فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) :

(فَذلِكُمُ) إشارة الى من هذه قدرته وأفعاله.

(رَبُّكُمُ الْحَقُ) الثابت ربوبيته ثباتا لا ريب فيه لمن حقق النظر.

(فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ) يعنى أن الحق والضلالة لا واسطة بينهما ، فمن تخطى الحق وقع فى الضلال.

(فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) عن الحق الى الضلال.

٣٣ ـ (كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) :

(كَذلِكَ) مثل ذلك الحق.

(حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) أي كما حق وثبت أن الحق بعده الضلال ، أو كما حق أنهم مصروفون عن الحق فكذلك حقت كلمة ربك.

(عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا) أي تمردوا فى كفرهم وخرجوا الى الحد الأقصى.

(أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) بدل من (الكلمة) أي حق عليهم انتفاء الايمان ، وعلم الله منهم ذلك.

٣٤ ـ (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) :

٥٨

(قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) وضعت إعادة الخلق لظهور برهانها موضع ما ان دفعه دافع كان مكابرا رادا للظاهر البين الذي لا مدخل للشبهة فيه دلالة على أنهم فى انكارهم لها منكرون أمرا مسلما معترفا بصحته عند العقلاء.

(قُلِ اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) أمر الله نبيه بأن ينوب عنهم فى الجواب ، يعنى أنه لا يدعهم لجاجهم ومكابرتهم أن ينطقوا بكلمة الحق فكلم عنهم.

٣٥ ـ (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) :

(مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِ) يقال : هداه الى الحق ، وللحق فجمع بين اللغتين.

(أَمَّنْ لا يَهِدِّي) أي : أم من لا يهتدى ، أو لا يهدى غيره.

(فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) بالباطل ، حيث تزعمون أنهم أنداد الله.

٣٦ ـ (وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ) :

(وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ) فى إقرارهم بالله.

(إِلَّا ظَنًّا) لأنه قول غير مستند الى برهان عندهم.

(إِنَّ الظَّنَ) فى معرفة الله.

(لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِ) وهو العلم.

(إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ) وعيد من اتباع الظن.

٣٧ ـ (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) :

٥٩

(أَنْ يُفْتَرى) افتراء.

(وَلكِنْ) كان.

(تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) ما تقدمه من الكتب المنزلة ، فهو عيار عليها وشاهد لصحتها.

(وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ) وتبيين ما كتب وفرض من الأحكام والشرائع.

(لا رَيْبَ فِيهِ) داخل فى حيز الاستدراك ، كأنه قال : ولكن كان تصديقا وتفصيلا منه لا ريب فى ذلك.

(مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) متعلق بتصديق وتفصيل ، أو يكون (لا رَيْبَ فِيهِ) اعتراضا.

٣٨ ـ (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) :

(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) بل أيقولون اختلقه ، على أن الهمزة تقرير لإلزام الحجة عليهم ، أو انكار لقولهم واستبعاد ، والمعنيان متقاربان.

(قُلْ) ان كان الأمر كما تزعمون.

(فَأْتُوا) أنتم على وجه الافتراء.

(بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) فأنتم مثلى فى العربية والفصاحة. وبسورة مثله ، أي شبيهة به فى البلاغة والفصاحة وحسن النظم.

وقرئ : بسورة مثله ، على الاضافة ، أي بسورة كتاب مثله.

(وَادْعُوا) من دون الله.

(مَنِ اسْتَطَعْتُمْ) من خلقه للاستعانة بهم على الإتيان بمثله.

(إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أنه افتراء.

٣٩ ـ (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) :

٦٠