الموسوعة القرآنيّة - ج ١٠

ابراهيم الأبياري

الموسوعة القرآنيّة - ج ١٠

المؤلف:

ابراهيم الأبياري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة سجل العرب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٥٩

(فَإِنْ فَعَلْتَ) أي : فان دعوت من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك ، فكنى عنه بالفعل ايجازا.

(فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ) إذا ، جزاء للشرط وجواب لسؤال مقدر ، كأن سائلا سأل عن تبعة عبادة الأوثان.

(مِنَ الظَّالِمِينَ) جعل من الظالمين ، لأنه لا ظلم أعظم من الشرك.

١٠٧ ـ (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) :

(وَإِنْ يَمْسَسْكَ) الخطاب للنبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ) فلن يكشفه عنك الا هو.

(وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ) وان يقدر لك الخير.

(فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ) فلن يمنعه عنك أحد.

١٠٨ ـ (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) :

(قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُ) فلم يبق لكم عذر ولا على الله حجة.

(فَمَنِ اهْتَدى) فمن اختار الهدى واتباع الحق.

(فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) فما نفع باختياره الا نفسه.

(وَمَنْ ضَلَ) ومن آثر الضلال.

(فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) فما ضر الا نفسه. واللام ، وعلى ، ولا على معنى النفع والضر.

(وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) بحفيظ موكول الى أمركم وحملكم على ما أريد ، انما أنا بشير ونذير.

١٠٩ ـ (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) :

(حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ) لك بالنصرة عليهم.

٨١

(١١)

سورة هود

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) :

(الر) إشارة الى أن القرآن معجز ، مع أنه مكون من الحروف التي ينطقون بها.

(كِتابٌ) خبر مبتدأ محذوف.

(أُحْكِمَتْ آياتُهُ) نظمت نظما رصينا محكما لا يقع فيه نقض ولا خلل. وهى صفة لقوله (كِتابٌ).

(ثُمَّ فُصِّلَتْ) كما تفصل القلائد بالفرائد ، من دلائل التوحيد ، والأحكام ، والمواعظ والقصص. أو جعلت فصولا ، سورة وسورة ، وآية آية ، وفرقت فى التنزيل ، ولم تنزل جملة واحدة. أو فصل فيها ما يحتاج اليه العباد ، أي بين ولخص.

أو فرقت بين الحق والباطل.

(مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) صفة ثانية لقوله (كِتابٌ).

ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر.

ويجوز أن يكون صلة لقوله (أُحْكِمَتْ) ، و (فُصِّلَتْ) أي من عنده أحكامها وتفصيلها.

٢ ـ (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ) :

(أَلَّا تَعْبُدُوا) مفعول له ، على معنى : لئلا تعبدوا.

أو تكون (أن) مفسرة ، لأن فى تفصيل الآيات معنى القول ، كأنه قيل : قال : لا تعبدوا الا الله ، أو أمركم أن لا تعبدوا الا الله.

٣ ـ (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى

٨٢

أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) :

(وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا) أي أمركم بالتوحيد والاستغفار.

ويجوز أن يكون كلاما مبتدأ منقطعا عما قبله على لسان النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إغراء منه على اختصاص الله بالعبادة ، ويدل عليه قوله قبل (انى لكم بشير نذير).

(ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) أي ثم ارجعوا اليه بالطاعة.

(يُمَتِّعْكُمْ) يطول نفعكم فى الدنيا.

(مَتاعاً حَسَناً) بمنافع حسنة مرضية من عيشة واسعة ، ونعمة متتابعة.

(إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) الى أن يتوفاكم.

(وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) ويعط فى الآخرة من كان له فضل فى العمل وزيادة فيه جزاء فضله لا يبخس منه.

(وَإِنْ تَوَلَّوْا) وان تتولوا.

(عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) هو يوم القيامة ، وصفه بالكبر كما وصفه بالعظم والثقل.

٤ ـ (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) :

بيان لعذاب اليوم الكبير بأن مرجعهم الى من هو قادر على كل شىء ، فكان قادرا على أشد ما أراد من عذابهم لا يعجزه.

٥ ـ (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) :

(يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ) يزورون عن الحق وينحرفون عنه ، لأن من أقبل

٨٣

على الشيء استقبله بصدره ومن ازور وانحرف ثنى عنه صدره وطوى عنه كشحه.

(لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ) أي ويريدون ليستخفوا من الله ، فلا يطلع رسوله والمؤمنون على ازورارهم.

(أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ) ويزيدون الاستخفاء حين يستغشون ثيابهم أيضا كراهة لاستماع كلام الله تعالى.

(يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) أي انه لا تفاوت فى علمه بين أسرارهم واعلانهم ، فلا وجه لتوصلهم الى ما يريدون من الاستخفاء ، والله مطلع على ثنيهم صدورهم واستغشائهم ثيابهم ، ونفاقهم غير نافق عنده.

٦ ـ (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ) :

(عَلَى اللهِ رِزْقُها) تفضل من الله تعالى.

(مُسْتَقَرَّها) مكانها من الأرض ومسكنها.

(وَمُسْتَوْدَعَها) حيث كانت مودعة قبل الاستقرار ، من صلب أو رحم أو بيضة.

(كُلٌ) كل واحد من الدواب ورزقها ومستقرها ومستودعها.

(فِي كِتابٍ مُبِينٍ) أي ذكرها مكتوب فى كتاب مبين.

٧ ـ (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) :

(وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) أي ما كان تحته خلق قبل خلق السموات والأرض ، وارتفاعه فوقها ، الا الماء.

(لِيَبْلُوَكُمْ) متعلق بقوله (خَلَقَ) أي خلقهن لحكمة بالغة ، وهى أن يجعلها مساكن لعباده ، وينعم عليهم فيها بفنون النعم ، ويكلفهم الطاعات

٨٤

واجتناب المعاصي ، فمن شكر وأطاع أثابه ، ومن كفر وعصى عاقبه. ولما أشبه هذا اختبار المختبر قال : ليبلوكم. يريد : ليفعل بكم ما يفعل المبتلى لأحوالكم كيف تعملون.

(أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) أي ليبلوكم أيكم أحسن عقلا وأورع عن محارم الله وأسرع فى طاعة الله.

(إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) أي ان السحر أمر باطل ، وان بطلانه كبطلان السحر تشبيها له.

٨ ـ (وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) :

(إِلى أُمَّةٍ) الى جماعة من الأوقات.

(ما يَحْبِسُهُ) ما يمنعه من النزول ، استعجالا له على وجه التكذيب والاستهزاء.

(يَوْمَ يَأْتِيهِمْ) منصوب بخبر (لَيْسَ) ويستدل به على من يستجيز تقديم خبر (ليس) على (ليس) وذلك أنه إذا جاز تقديم معمول خبرها عليها ، كان ذلك دليلا على جواز تقديم خبرها ، إذ المعمول تابع للعامل ، فلا يقع الا حيث يقع العامل.

(وَحاقَ بِهِمْ) وأحاط بهم.

(ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) العذاب الذي كانوا به يستعجلون ، وإنما وضع (يَسْتَهْزِؤُنَ) موضع (يستعجلون) ، لأن استعجالهم كان على جهة الاستهزاء.

٩ ـ (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ) :

(الْإِنْسانَ) للجنس.

(رَحْمَةً) نعمة من صحة وأمن وجدة.

٨٥

(ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ) ثم سلبنا تلك النعمة.

(إِنَّهُ لَيَؤُسٌ) شديد اليأس من أن تعود اليه مثل تلك النعمة المسلوبة.

(كَفُورٌ) عظيم الكفران لما سلف له من التقلب فى نعمة الله.

١٠ ـ (وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ) :

(ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي) أي المصائب التي أساءتنى.

(إِنَّهُ لَفَرِحٌ) أشر بطر.

(فَخُورٌ) على الناس بما أذاقه الله من نعمائه ، قد شغله الفرح والفخر عن الشكر.

١١ ـ (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) :

(إِلَّا الَّذِينَ) آمنوا ، فان عادتهم ان نالتهم رحمة أن يشكروا ، وان زالت عنهم نعمة أن يصبروا.

١٢ ـ (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) :

(فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ) أي لعلك تترك أن تلقيه إليهم وتبلغه إياهم مخافة ردهم له وتهاونهم به.

(وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) بأن تتلوه عليهم.

(أَنْ يَقُولُوا) مخافة أن يقولوا.

(لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ) أي هلا أنزل عليه ما اقترحنا نحن من الكنز والملائكة ولم ينزل عليه ما لا نريده ولا نقترحه.

(إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ) أي ليس عليك الا أن تنذرهم بما أوحى إليك وتبلغهم ما أمرت بتبليغه ولا عليك ردوا أو تهاونوا أو اقترحوا.

٨٦

(وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) بحفظ ما يقولون ، فتوكل عليه ، وكل أمرك اليه ، غير ملتفت الى استكبارهم ولا مبال بسفههم واستهزائهم.

١٣ ـ (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) :

(أَمْ) منقطعة.

(افْتَراهُ) الضمير يعود الى (ما يُوحى إِلَيْكَ) فى الآية السابقة.

(بِعَشْرِ سُوَرٍ) تحداهم أولا بعشر سور ، ثم بسورة واحدة.

(مِثْلِهِ) أي : أمثاله ، ذهابا الى مماثلة كل واحدة منها له.

(مُفْتَرَياتٍ) صفة لعشر سور.

١٤ ـ (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) :

(فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) أي : فان لم يستجيبوا لك وللمؤمنين.

(فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ) أي أنزل ملتبسا بما لا يعلمه الا الله من نظم معجز للخلق ، واخبار بغيوب لا سبيل لهم اليه.

(وَ) اعلموا عند ذلك.

(أَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) الله وحده ، وأن توحيده واجب والإشراك به ظلم عظيم.

(فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) مبايعون بالإسلام بعد هذه الحجة القاطعة.

١٥ ـ (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ) :

(نُوَفِّ إِلَيْهِمْ) نوصل إليهم أجور أعمالهم وافية كاملة من غير بخس فى الدنيا ، وهو ما يرزقون فيها من الصحة والرزق.

٨٧

١٦ ـ (أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) :

(وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها) وحبط فى الآخرة ما صنعوه ، أو صنيعهم. يعنى لم يكن لهم ثواب ، لأنهم لم يريدوا به الآخرة ، انما أرادوا به الدنيا ، وقد وفى إليهم ما أرادوا.

(وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي كان عملهم فى نفسه باطلا ، لأنه لم يعمل لوجه صحيح والعمل الباطل لا ثواب له.

وقرئ : وباطلا ، بالنصب ، على أن تكون (ما) إبهامية ، وينتصب بالفعل (يَعْمَلُونَ) ، ومعناه : وباطلا أي باطل كانوا يعملون. أو أن تكون بمعنى المصدر على : وبطل بطلانا ما كانوا يعملون.

١٧ ـ (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) :

(أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ) فمن كان على بينة من ربه ، كغيره ممن يريد الحياة الدنيا وزينتها.

(مِنْ رَبِّهِ) أي على برهان من الله وبيان أن دين الإسلام حق ، وهو دليل العقل.

(وَيَتْلُوهُ) ويتبع ذلك البرهان.

(شاهِدٌ) أي شاهد يشهد بصحته ، وهو القرآن.

(مِنْهُ) من الله ، أو شاهد من القرآن.

(وَمِنْ قَبْلِهِ) من قبل القرآن.

(كِتابُ مُوسى) وهو التوراة.

(إِماماً) كتابا مؤتما به فى الدين قدوة فيه.

(وَرَحْمَةً) ونعمة عظيمة على المنزل إليهم.

٨٨

(أُولئِكَ) أي من كان على بينة.

(يُؤْمِنُونَ بِهِ) يؤمنون بالقرآن.

(مِنَ الْأَحْزابِ) يعنى أهل مكة ومن ضامهم من المتحزبين على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(فِي مِرْيَةٍ) فى شك.

(مِنْهُ) من القرآن ، أو من الموعد.

١٨ ـ (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) :

(يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ) يحبسون فى الموقف وتعرض أعمالهم.

(وَيَقُولُ الْأَشْهادُ) ويشهد عليهم الأشهاد من الملائكة والنبيين بأنهم الكذابون على الله بأنه اتخذ ولدا وشريكا.

(ألا لعنة الله على الكاذبين) ويقال : ألا لعنة الله على الكاذبين.

١٩ ـ (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) :

(وَيَبْغُونَها عِوَجاً) أي يعدلون بالناس عنها الى المعاصي والشرك.

٢٠ ـ (أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ) :

(أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) أي ما كانوا يعجزون الله فى الدنيا أن يعاقبهم لو أراد عقابهم ، وما كان لهم من يتولاهم فينصرهم منه ويمنعهم من عقابه.

(ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ) أي إنهم لفرط تصامهم عن استماع الحق وكراهتهم له ، كأنهم لا يستطيعون السمع.

٨٩

٢١ ـ (أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) :

(خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) اشتروا عبادة الآلهة بعبادة الله.

(وَضَلَّ عَنْهُمْ) بطل عنهم وضاع ما اشتروه.

(ما كانُوا يَفْتَرُونَ) من الآلهة وشفاعتها.

٢٢ ـ (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) :

(لا جَرَمَ) لا صد ولا منع عن أنهم.

(هُمُ الْأَخْسَرُونَ) لا ترى أحدا أبين خسرانا منهم.

٢٣ ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) :

(وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ) واطمأنوا اليه وانقطعوا الى عبادته بالخشوع والتواضع.

٢٤ ـ (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ) :

(كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِ) أي فريق الكافرين.

(وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ) أي فريق المؤمنين.

وهو من الطباق ، وفيه معنيان :

أن يشبه الفريق تشبيهين اثنين.

وأن يشبه الذي جمع بين العمى والصمم ، أو الذي جمع بين البصر والسمع ، على أن تكون الواو فى (وَالْأَصَمِ) وفى (وَالسَّمِيعِ) لعطف الصفة على الصفة.

(هَلْ يَسْتَوِيانِ) يعنى الفريقين.

(مَثَلاً) تشبيها.

٢٥ ـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) :

٩٠

أي أرسلنا نوحا بأنى لكم نذير ، والمعنى : أرسلناه ملتبسا بهذا الكلام ، وهو قوله (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ).

٢٦ ـ (أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ) :

(أَنْ لا تَعْبُدُوا) بدل من (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي أرسلناه بأن لا تعبدوا إلا الله.

أو تكون (أَنْ) مفسرة متعلقة بقوله (أَرْسَلْنا) أو بقوله (نَذِيرٌ).

(يَوْمٍ أَلِيمٍ) وصف اليوم بقوله (أَلِيمٍ) من الاسناد المجازى لوقوع الألم فيه.

٢٧ ـ (فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) :

(الْمَلَأُ) الأشراف.

(ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا) تعريض بأنهم أحق منه بالنبوة وأن الله لو أراد أن يجعلها فى أحد من البشر لجعلها فيهم.

(مِنْ فَضْلٍ) من زيادة شرف علينا تؤهلكم للنبوة.

(بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) فيما تدعونه.

٢٨ ـ (قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ) :

(أَرَأَيْتُمْ) أخبرونى.

(إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ) على برهان.

(مِنْ رَبِّي) وشاهد منه يشهد بصحة دعواى.

(وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ) بإيتاء البينة على أن البينة فى نفسها هى الرحمة.

ويجوز أن يريد بالبينة : المعجزة ، وبالرحمة : النبوة.

٩١

(فَعُمِّيَتْ) فخفيت.

وعلى الوجه الأول فى تفسير البينة والرحمة فالسياق ظاهر.

وأما على الوجه الثاني فحقه أن قال : فعميتا ، والوجه أن يقدر :

فعميت ، بعد البينة ، وأن يكون حذفه للاقتصار على ذكره مرة.

(أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ) أي : أنكرهكم على قبولها ونقسركم على الاهتداء بها ، وأنتم تكرهونها ولا تختارونها.

٢٩ ـ (وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) :

(لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) الضمير فى قوله (عَلَيْهِ) راجع الى قوله (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) الآيتان : ٢٥ ، ٢٦.

(إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) أي انهم يلاقون الله فيعاقب من طردهم ، أو انهم مصدقون بلقاء ربهم موقنون به عالمون أنهم ملاقوه لا محالة.

(قَوْماً تَجْهَلُونَ) تتسافهون على المؤمنين وتدعونهم أراذل. أو تجهلون بلقاء ربكم ، أو تجهلون أنهم خير منكم.

٣٠ ـ (وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) :

(مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ) من يمنعنى من انتقامه.

(إِنْ طَرَدْتُهُمْ) وكانوا يسألونه أن يطردهم ليؤمنوا به ، أنفة من أن يكونوا معهم على سواء.

٣١ ـ (وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) :

(وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) معطوف على (عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) أي لا أقول عندى خزائن الله ولا أقول : أنا أعلم الغيب.

٩٢

والمعنى : لا أقول لكم عندى خزائن الله فأدعى فضلا عليكم فى الغنى حتى تجحدوا فضلى بقولكم (وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) ولا أدعى علم الغيب حتى تنسبونى الى الكذب والافتراء ، أو حتى أطلع على ما فى نفوس أتباعى وضمائر قلوبهم.

(وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ) حتى تقولوا لى : ما أنت إلا بشر مثلنا.

(وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ) ولا أحكم على من استرذلتم من المؤمنين لفقرهم.

(لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً) ان الله لن يؤتيهم خيرا فى الدنيا والآخرة لهوانهم عليه كما تقولون ، مساعدة لكم ونزولا على هواكم.

(إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) ان قلت شيئا من ذلك.

٣٢ ـ (قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) :

(جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا) أردت جدالنا وشرعت فيه فأكثرته.

(فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) من العذاب المعجل.

٣٣ ـ (قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) :

(إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ) أي ليس الإتيان بالعذاب إلى انما هو إلى من كفرتم به وعصيتموه.

(إِنْ شاءَ) أي إن اقتضت حكمته أن يعجله لكم.

٣٤ ـ (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) :

(وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ) أي إنكم إذا كنتم من التصميم على الكفر بالمنزلة التي لا تنفعكم نصائح الله كيف ينفعكم نصحى.

٩٣

(أَنْ يُغْوِيَكُمْ) أي : أن يهلككم.

٣٥ ـ (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) :

(فَعَلَيَّ إِجْرامِي) أي عقاب إجرامى أي افترائي.

(وَأَنَا بَرِيءٌ) أي لم يثبت ذلك وأنا برىء منه.

(مِمَّا تُجْرِمُونَ) من إجرامكم فى إسناد الافتراء إلى فلا وجه لإعراضكم ومعاداتكم.

٣٦ ـ (وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) :

(لَنْ يُؤْمِنَ) اقناط من إيمانهم وأنه كالمحال الذي لا تعلق به لمتوقع.

(إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) الا من قد وجد منه ما كان يتوقع من إيمانه وقد للتوقع وقد أصابت محزها.

(فَلا تَبْتَئِسْ) فلا تحزن حزن يائس مستكين.

والمعنى فلا تحزن بما فعلوه من تكذيبك وإيذائك ومعاداتك فقد حان وقت الانتقام لك منهم.

٣٧ ـ (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) :

(بِأَعْيُنِنا) فى موضع الحال. والمعنى : اصنعها محفوظا كأن الله معه أعينا تكلؤه أن يزيغ فى صنعته عن الصواب ، وأن يحول بينه وبين عمله أحد من أعدائه.

(وَوَحْيِنا) وأنا نوحى إليك ونلهمك كيف تصنع.

(وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا) ولا تدعنى فى شأن قومك واستدفاع العذاب عنهم بشفاعتك.

٩٤

(إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) انهم محكوم عليهم بالاغراق.

٣٨ ـ (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ) :

(وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ) حكاية حال ماضية.

(سَخِرُوا مِنْهُ) ومن عمله السفينة.

(فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ) يعنى فى المستقبل.

(كَما تَسْخَرُونَ) منا الساعة.

٣٩ ـ (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ) :

(مَنْ يَأْتِيهِ) فى محل نصب والناصب (تَعْلَمُونَ) أي فسوف تعلمون الذي يأتيه عذاب يخزيه.

(وَيَحِلُّ عَلَيْهِ) حلول الدين والحق اللازم لا انفكاك عنه.

(عَذابٌ مُقِيمٌ) وهو عذاب الآخرة.

٤٠ ـ (حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) :

(حَتَّى) هى التي يبتدأ بعدها الكلام ، دخلت على الجملة من الشرط والجزاء.

(التَّنُّورُ) وجه الأرض.

(زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) يعنى ذكرا وأنثى.

(وَأَهْلَكَ) عطف على (اثْنَيْنِ).

(إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) أنه من أهل النار من أهله.

٩٥

(وَمَنْ آمَنَ) عطف على (وَأَهْلَكَ) يعنى : وأحمل أهلك والمؤمنين من غيرهم.

٤١ ـ (وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) :

(بِسْمِ اللهِ) حال من الواو فى (ارْكَبُوا) أي : اركبوا فيها مسمين الله ، أو قائلين : بسم الله.

(مَجْراها وَمُرْساها) وقت إجرائها ووقت ارسائها ، اما لأن المجرى والمرسى للوقت ، واما لأنهما مصدر ان كالاجراء والارساء ، حذف منهما الوقت المضاف.

وانتصابهما فى (بِسْمِ اللهِ) من معنى الفعل ، أو بما فيه من إرادة القول.

(إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) لو لا مغفرته لذنوبكم ورحمته إياكم لما نجاكم.

٤٢ ـ (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ) :

(وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ) متعلق بمحذوف دل عليه (ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ) كأنه قيل : فركبوا فيها يقولون (بِسْمِ اللهِ) وهى تجرى بهم ، أي :

تجرى وهم فيها.

(فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ) يريد موج الطوفان ، شبه كل موجة منه بالجبل فى تراكمها وارتفاعها.

٤٣ ـ (قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ ، قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) :

(لا عاصِمَ) لا مانع. أو لا معصوم ، أو لا ذا عصمة.

٩٦

(إِلَّا مَنْ رَحِمَ) أي الا من رحمه‌الله ، أي لكن من يرحمه‌الله فهو يعصمه.

٤٤ ـ (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) :

(وَقِيلَ يا أَرْضُ) أي ان هذه الأجرام العظام منقادة لتكوينه فيها ما يشاء غير ممتنعة عليه ، كأنها عقلاء مميزون.

(وَيا سَماءُ أَقْلِعِي) أمسكى.

(غِيضَ الْماءُ) أي نقص.

(وَقُضِيَ الْأَمْرُ) وأنجز ما وعد الله نوحا من هلاك قومه.

(وَاسْتَوَتْ) واستقرت السفينة.

(عَلَى الْجُودِيِ) وهو جبل بالموصل.

(وَقِيلَ بُعْداً) أي هلاكا.

٤٥ ـ (وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) :

(إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) أي بعض أهلى ، لأنه كان ابنه من صلبه ، أو كان ربيبا له فهو بعض أهله.

(وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُ) وأن كل وعد تعده فهو الحق الثابت الذي لا شك فى إنجازه والوفاء به وقد وعدتنى أن تنجى أهلى ، فما بال ولدي.

(وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) أي أعلم الحكام وأعدلهم.

٤٦ ـ (قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) :

(إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) تعليل لانتفاء كونه من أهله.

وقيل : أي ابنك ذو عمل غير صالح ، فحذف المضاف.

٩٧

وقيل : الضمير لنداء نوح ، أي ان نداءك هذا عمل غير صالح وليس بذاك.

وقرئ : انه عمل ـ على الفعلية ـ غير صالح ، من الكفر والتكذيب.

٤٧ ـ (قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ) :

(أَنْ أَسْئَلَكَ) من أن أطلب منك فى المستقبل ما لا علم لى بصحته ، تأدبا بأدبك واتعاظا بموعظتك.

(وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي) ما فرط منى من ذلك.

(وَتَرْحَمْنِي) بالتوبة على.

(أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ) أعمالا.

٤٨ ـ (قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ) :

(بِسَلامٍ مِنَّا) مسلما محفوظا من جهتنا. أو مسلما عليك مكرما.

(وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ) ومباركا عليك.

(وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ) يحتمل أن تكون (من) للبيان ، فيراد : الأمم الذين كانوا معه فى السفينة ، لأنهم كانوا جماعات. أو قيل لهم أمم ، لأن الأمم تتثعب منهم وأن تكون لابداء الغاية ، أي على أمم ممن معك ، وهى الأمم الى آخر الدهر.

(وَأُمَمٌ) رفع بالابتداء.

(سَنُمَتِّعُهُمْ) صفة ، والخبر محذوف ، تقديره : وممن معك سنمتعهم ، وانما حذف لأن قوله (مِمَّنْ مَعَكَ) يدل عليه.

٤٩ ـ (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) :

٩٨

(تِلْكَ) إشارة الى قصة نوح عليه‌السلام ، ومحلها الرفع على الابتداء ، والجمل بعدها أخبار.

(وَلا قَوْمُكَ) أي : ان قومك الذين أنت منهم على كثرتهم ووفور عددهم إذا لم يكن ذلك شأنهم ، ولا سمعوه ولا عرفوه ، فكيف برجل منهم.

(مِنْ قَبْلِ هذا) أي من قبل ايحائى إليك واخبارك بها ، أو من قبل هذا العلم الذي كسبته بالوحى ، أو من قبل هذا الوقت.

(فَاصْبِرْ) على تبليغ الرسالة وأذى قومك ، كما صبر نوح ، وتوقع فى العاقبة لك ولمن كذبك نحو ما قيض لنوح ولقومه.

(إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) فى الفوز والنصر والغلبة للمتقين.

٥٠ ـ (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ) :

(أَخاهُمْ) واحدا منهم ، وانتصابه للعطف على (نوحا).

(هُوداً) عطف بيان.

(غَيْرُهُ) بالرفع ، صفة على محل الجار والمجرور.

وقرئ : غيره ، بالجر ، صفة على اللفظ.

(إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ) تفترون على الله الكذب باتخاذكم الأوثان له شركاء.

٥١ ـ (يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ) :

(أَفَلا تَعْقِلُونَ) إذ تردون النصيحة ممن لا يطلب عليها أجرا الا من الله وهو ثواب الآخرة.

٥٢ ـ (وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) :

٩٩

(اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) آمنوا به.

(ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) من عبادة غيره ، لأن التوبة لا تصلح الا بعد الايمان.

(مِدْراراً) كثيرة الدر.

(وَلا تَتَوَلَّوْا) ولا تعرضوا عنى وعما أدعوكم اليه وأرغبكم فيه.

(مُجْرِمِينَ) مصرين على اجرامكم وآثامكم.

٥٣ ـ (قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) :

(عَنْ قَوْلِكَ) حال من الضمير فى (بِتارِكِي آلِهَتِنا) ، كأنه قيل : وما نترك آلهتنا صادرين عن قولك.

(وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) وما يصح من أمثالنا أن يصدقوا مثلك فيما يدعوهم اليه إقناطا له من الاجابة.

٥٤ ـ (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) :

(اعْتَراكَ) مفعول (نَقُولُ) ، و (إِلَّا) لغو. والمعنى : ما نقول الا قولنا اعتراك بعض آلهتنا بسوء.

(بِسُوءٍ) أي خبلك ومسك بجنون لسبك إياها وصدك عنها وعداوتك لها.

٥٥ ـ (مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ) :

(مِنْ دُونِهِ) من اشراككم آلهة من دونه أو مما تشركونه من آلهة من دونه ، أي أنتم تجعلونها شركاء له ، ولم يجعلها هو شركاء ، ولم ينزل بذلك سلطانا.

(فَكِيدُونِي جَمِيعاً) أنتم وآلهتكم.

١٠٠