الموسوعة القرآنيّة - ج ١٠

ابراهيم الأبياري

الموسوعة القرآنيّة - ج ١٠

المؤلف:

ابراهيم الأبياري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة سجل العرب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٥٩

(١٤)

سورة إبراهيم

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) :

(الر) ألف ، لام ، راء ، فى الابتداء بهذه الحروف تنبيه إلى إعجاز القرآن ، مع أنه مكون من حروف يتكلمون بها.

(كِتابٌ) هو كتاب ، يعنى السورة.

(بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) بتسهيله وتيسيره.

٢ ـ (اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ) :

(اللهِ) عطف بيان ، لقوله (الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) لأنه جرى مجرى الأسماء الأعلام لغلبته واختصاصه بالمعبود الذي تحق له العبادة.

٣ ـ (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) :

(الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ) مبتدأ.

(وَيَبْغُونَها عِوَجاً) ويطلبون زيفا واعوجاجا.

(أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) خبر المبتدأ.

٤ ـ (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) :

١٦١

(لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) أي ليفقهوا عنه ما يدعوهم اليه.

(فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) وهو كقوله (فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ).

(الْعَزِيزُ) الذي لا يغلب على مشيئته.

(الْحَكِيمُ) فلا يخذل الا أهل الخذلان.

٥ ـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) :

(أَنْ أَخْرِجْ) أي أخرج ، لأن الإرسال فيه معنى القول ، كأنه قيل : أرسلناه وقلنا له : أخرج.

(لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) يصبر على بلاء الله ويشكر نعماءه.

٦ ـ (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) :

(إِذْ أَنْجاكُمْ) إذ ، ظرف للنعمة بمعنى الانعام ، أي انعامه عليكم فى ذلك الوقت.

(بَلاءٌ) ابتلاء.

٧ ـ (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ) :

(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ) من جملة ما قاله موسى لقومه. وتأذن : أذن ، أي واذكروا حين تأذن ربكم.

٨ ـ (وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ) :

(حَمِيدٌ) مستوجب للحمد.

٩ ـ (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ

١٦٢

مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) :

(وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللهُ) أي انهم من الكثرة بحيث لا يعلم عددهم الا الله.

(فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ) فعضوها غيظا وضجرا بما جاءت به الرسل.

(إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ) أي هذا جوابنا لكم ليس عندنا غيره.

(مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ) من الايمان بالله.

(مُرِيبٍ) موقع فى الريبة ، أو ذى ريبة ، وهى قلق النفس وأن لا تطمئن الى الأمر.

١٠ ـ (قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) :

(أَفِي اللهِ شَكٌ) أدخلت همزة الإنكار على الظرف ، لأن الكلام ليس فى الشك ، انما هو فى المشكوك فيه ، وأنه لا يحتمل الشك لظهور الأدلة وشهادتها عليه.

(يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) أي يدعوكم الى الايمان ليغفر لكم ، أو يدعوكم لأجل المغفرة.

(وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) الى وقت قد سماه الله وبين مقداره.

(إِنْ أَنْتُمْ) ما أنتم.

(إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) لا فضل بيننا وبينكم ، أو لا فضل لكم علينا ، فلم تخصون بالنبوة دوننا.

(بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) بحجة بينة.

١١ ـ (قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى

١٦٣

مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) :

(إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) تسليم لقولهم ، وأنهم بشر مثلهم. يعنون أنهم مثلهم فى البشرية وحدها ، أما ما وراء ذلك فما كانوا مثلهم.

(وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) بالنبوة.

(إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) أي ان الإتيان بالآية التي اقترحتموها ليس إلينا ولا فى استطاعتنا ، وما هو الا أمر يتعلق بمشيئة الله.

(وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) أمر منهم للمؤمنين كافة بالتوكل.

١٢ ـ (وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) :

(وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ) أي : وأي عذر لنا فى أن لا نتوكل على الله.

(وَقَدْ هَدانا) وقد فعل بنا ما يوجب توكلنا عليه.

(فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) أي فليثبت المتوكلون على ما استحدثوا من توكلهم ، إذ التوكل الأول فى الآية السابقة لاستحداث التوكل.

١٣ ـ (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ) :

(لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) ليكونن أحد الأمرين لا محالة ، اما إخراجكم واما عودكم حالفين على ذلك.

(لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ) حكاية تقتضى إضمار القول أو اجراء الإيحاء مجرى القول لأنه ضرب منه.

١٤ ـ (وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ) :

١٦٤

(ذلِكَ) إشارة الى ما قضى به الله من إهلاك الظالمين واسكان المؤمنين لديارهم.

(لِمَنْ خافَ مَقامِي) موقفى ، وهو موقف الحساب ، لأنه موقف الله الذي يقف فيه عباده يوم القيامة.

١٥ ـ (وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) :

(وَاسْتَفْتَحُوا) واستنصروا الله على أعدائهم.

(وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) أي فنصروا وظفروا وأفلحوا ، وخاب كل جبار عنيد ، وهم قومهم.

١٦ ـ (مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ) :

(مِنْ وَرائِهِ) من بين يديه. وهذا وصف حاله فى الدنيا ، لأنه مرصد لجهنم ، فكأنها بين يديه وهو على شفيرها. أو وصف حاله فى الآخرة حين يبعث ويوقف.

(وَيُسْقى) عطف على محذوف ، تقديره : من ورائه جهنم يلقى فيها ما يلقى ويسقى من ماء صديد كأنه أشد عذابها فخصص بها. والصديد : ما يسيل من جلود أهل النار.

١٧ ـ (يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ) :

(يَتَجَرَّعُهُ) يتكلف جرعه.

(وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ) ولا يقارب أن يسيغه. ودخول (كاد) للمبالغة.

(وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ) كأن أسباب الموت وأصنافه كلها قد تألبت عليه وأحاطت به من جميع الجهات.

(مِنْ كُلِّ مَكانٍ) من جسده.

(وَمِنْ وَرائِهِ) ومن بين يديه.

(عَذابٌ غَلِيظٌ) أشد مما قبله وأغلظ.

١٦٥

١٨ ـ (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) :

(مَثَلُ) مبتدأ محذوف الخبر ، والتقدير : وفيما يقص عليك مثل. والمثل ، مستعار للصفة التي فيها غرابة.

(أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ) جملة مستأنفة على تقدير سؤال سائل يقول : كيف مثلهم ، فقيل : أعمالهم كرماد.

(فِي يَوْمٍ عاصِفٍ) جعل العصف لليوم ، وهو لما فيه.

(لا يَقْدِرُونَ) يوم القيامة.

(مِمَّا كَسَبُوا) من أعمالهم.

(عَلى شَيْءٍ) أي لا يرون له أثرا من ثواب ، كما لا يقدرون من الرماد المطير فى الريح على شىء.

(ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) إشارة الى بعد ضلالهم عن طريق الحق أو عن الثواب.

١٩ ـ (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) :

(إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) أي هو قادر على أن يعدم الناس ويخلق مكانهم خلقا آخر ، اعلاما منه باقتداره على اعدام الموجود وإيجاد المعدوم ، يقدر على الشيء وجنس ضده.

٢٠ ـ (وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) :

(وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) بمتعذر.

٢١ ـ (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ) :

(وَبَرَزُوا لِلَّهِ) يبرزون يوم القيامة. وجاء بلفظ الماضي لأن ما أخبر به عزوجل لصدقه كأنه قد كان ووجد.

١٦٦

(الضُّعَفاءُ) الأتباع والعوام.

(لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) السادة والكبراء.

(تَبَعاً) تابعين.

(مِنْ عَذابِ اللهِ) من النبيين.

(مِنْ شَيْءٍ) من للتبعيض.

(فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ) من باب التبكيت ، لأنهم قد علموا أنهم لا يقدرون على الإغناء عنهم.

(لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ) جواب المعتذرين عما كان منهم إليهم ، بأن الله لو هداهم الى الايمان لهدوهم ولم يضلوهم.

(سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا) مستويان علينا الجزع والصبر ، والهمزة وأم للتسوية.

(ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ) أي منجى ومهرب.

٢٢ ـ (وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) :

(لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ) لما قطع الأمر وفرغ منه ، وهو الحساب.

(إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِ) وهو البعث والجزاء على الأعمال توفى لكم بما وعدكم.

(وَوَعَدْتُكُمْ) خلاف ذلك.

(وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) من تسلط وقهر فأقسركم على الكفر والمعاصي وألجئكم إليها.

(إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ) الا دعائى إياكم الى الضلالة بوسوستي وتزيينى.

١٦٧

(فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) حيث اغتررتم بي وأطعتمونى إذ دعوتكم ، ولم تطيعوا ربكم إذ دعاكم.

(ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَ) الاصراخ : الاستغاثة ، أي لا ينجى بعضنا بعضا من عذاب الله ولا يغيثه.

(بِما أَشْرَكْتُمُونِ) ما ، مصدرية.

(مِنْ قَبْلُ) متعلقة بقوله (أَشْرَكْتُمُونِ) يعنى : كفرت اليوم باشراككم إياي من قبل هذا اليوم أي فى الدنيا.

٢٣ ـ (وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) :

(بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) متعلق بقوله (أُدْخِلَ) أي أدخلتهم الملائكة الجنة بإذن الله وأمره.

٢٤ ـ (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ) :

(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً) اعتمد مثلا ووضعه.

(كَلِمَةً طَيِّبَةً) نصب بمضمر ، أي : جعل كلمة طيبة.

(كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ) تفسير لقوله (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً).

(أَصْلُها ثابِتٌ) فى الأرض ضارب بفروعه فيها.

(فَرْعُها) أعلاها ورأسها.

٢٥ ـ (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) :

(تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ) تعطى ثمرها كل وقت وقته الله لاثمارها.

(بِإِذْنِ رَبِّها) بتيسير خالقها وتكوينه.

(لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) لأن فى ضرب الأمثال زيادة إفهام وتذكير وتصوير للمعانى.

١٦٨

٢٦ ـ (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ) :

(كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ) كمثل شجرة خبيثة ، أي صفتها كصفتها. والكلمة الخبيثة ، كلمة الشرك. وقيل كلمة قبيحة.

(اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ) استؤصلت.

(ما لَها مِنْ قَرارٍ) أي استقرار.

٢٧ ـ (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ) :

(بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ) الذي ثبت بالحجة والبرهان فى قلب صاحبه وتمكن فيه ، فاعتقده واطمأنت اليه نفسه.

(فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) أي انهم إذا فتنوا فى دينهم لم يزلوا.

(وَفِي الْآخِرَةِ) أي انهم إذا سئلوا عند تواقف الأشهاد عن معتقدهم ودينهم لم يتلعثموا ولم يبهتوا ، ولم تحيرهم أهوال الحشر.

(وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ) الذين لم يتمسكوا بحجة فى دينهم ، وانما اقتصروا على تقليد كبارهم وشيوخهم.

(وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ) أي ما توجبه الحكمة.

٢٨ ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ) :

(بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ) أي شكر نعمة الله.

(كُفْراً) وضعوا مكان شكرها الذي وجب عليهم كفرا ، فكأنهم غيروا الشكر الى الكفر وبدلوه تبديلا.

(وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ) ممن تابعهم على الكفر.

(دارَ الْبَوارِ) دار الهلاك.

١٦٩

٢٩ ـ (جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ) :

(جَهَنَّمَ) عطف بيان.

٣٠ ـ (وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ) :

(قُلْ تَمَتَّعُوا) وعيد لهم ، وهو تعليل لما هم فيه من ملاذ الدنيا إذ هو منقطع.

(فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ) أي مردكم ومرجعكم الى عذاب جهنم.

٣١ ـ (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ) :

(سِرًّا وَعَلانِيَةً) أي مسرين معلنين ، أو انفاق سر وانفاق علانية.

(لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ) أي لا انتفاع فيه بمبايعة ولا بمخالة.

٣٢ ـ (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ) :

(اللهُ) مبتدأ.

(الَّذِي خَلَقَ) خبر.

(مِنَ الثَّمَراتِ) بيان للرزق ، أي أخرج به رزقا هو ثمرات.

ويجوز أن يكون (مِنَ الثَّمَراتِ) مفعول (فَأَخْرَجَ) و (رِزْقاً) حال من المفعول.

(بِأَمْرِهِ) بقوله : كن.

٣٣ ـ (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) :

(دائِبَيْنِ) يدأبان فى سيرهما.

(وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) يتعاقبان خلقة لمعاشكم وسباتكم.

١٧٠

٣٤ ـ (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) :

(وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) أي آتاكم بعض جميع ما سألتموه ، نظرا لمصالحكم ، فالحرف :

(مِنْ) هنا ، للتبعيض.

(لا تُحْصُوها) لا تحصروها ولا تطيقوا عدها وبلوغ آخرها.

(لَظَلُومٌ) يظلم النعمة باغفال شكرها.

(كَفَّارٌ) شديد الكفران لها.

٣٥ ـ (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) :

(هَذَا الْبَلَدَ) يعنى البلد الحرام.

(آمِناً) ذا أمن.

(وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) ثبتنا وأدمنا على اجتناب عبادتها.

٣٦ ـ (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) :

(فَمَنْ تَبِعَنِي) على ملتى.

(فَإِنَّهُ مِنِّي) أي هو بعضى لفرط اختصاصه بي وملابسته لى.

(وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) نغفر له ما سلف منه من عصيانى.

٣٧ ـ (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) :

(مِنْ ذُرِّيَّتِي) بعض أولادى ، وهم إسماعيل ومن ولد منه.

(بِوادٍ) هو وادي مكة.

(غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) لا يكون فيه شىء من زرع قط.

١٧١

(لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ) أي ما أسكنتهم هذا الوادي الخلاء البلقع الا ليقيموا الصلاة عند بيتك المحرم ، ويعمروه ، بذكرك وعبادتك.

(أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ) أفئدة من أفئدة الناس.

(تَهْوِي إِلَيْهِمْ) تسرع إليهم.

(وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ) مع سكناهم واديا ما فيه شىء ، بأن تجلب إليهم من البلاد.

(لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) النعمة فى أن يرزقوا أنواع الثمرات حاضرة فى واد يباب.

٣٨ ـ (رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) :

(ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ) تعلم السر كما تعلم العلن علما لا تفاوت فيه.

٣٩ ـ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ) :

(عَلَى الْكِبَرِ) وأنا كبير.

٤٠ ـ (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ) :

(وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) وبعض ذريتى.

(وَتَقَبَّلْ دُعاءِ) عبادتى.

٤١ ـ (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ) :

(يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ) أي يوم يقوم للناس الحساب.

٤٢ ـ (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ) :

(وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً) أي لا تحسبنه يعاملهم معاملة الغافل عما يفعلون لكن معاملة الرقيب عليهم المحاسب لهم.

١٧٢

(تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ) أي أبصارهم لا تقر فى أماكنها من هول ما ترى.

٤٣ ـ (مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) :

(مُهْطِعِينَ) مسرعين الى الداعي.

(مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ) رافعيها.

(لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ) لا يرجع إليهم أن يطرفوا بعيونهم ، أي لا يطرفون ولكن عيونهم مفتوحة ممدودة من غير تحريك للأجفان.

(وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) صفر من الخير خاوية منه.

٤٤ ـ (وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ) :

(يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ) مفعول ثان لقوله (وَأَنْذِرِ) وهو يوم القيامة.

(أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) ردنا الى الدنيا وأمهلنا الى أمد وحدّ من الزمان قريب نتدارك ما فرطنا فيه.

(أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ) أي أقسمتم أنكم باقون فى الدنيا ولا تزالون بالموت والفناء.

٤٥ ـ (وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ) :

(وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي قروا فيها واطمأنوا.

(وَتَبَيَّنَ لَكُمْ) بالأخبار والمشاهدة.

(كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ) أهلكناهم وانتقمنا منهم.

(وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ) أي صفات ما فعلوا وفعل بهم.

١٧٣

٤٦ ـ (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ) :

(وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ) أي مكرهم العظيم الذي استفرغوا فيه جهدهم.

(وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ) أي ومكتوب عند الله مكرهم فهو مجازيهم عليه ، أو عند الله مكرهم الذي يمكرهم به ، وهو عذابهم الذي يستحقونه يأتيهم به من حيث لا يشعرون ولا يحتسبون.

(وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ) وان عظم مكرهم وتبالغ فى الشدة.

٤٧ ـ (فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ) :

(عَزِيزٌ) غالب.

(ذُو انتِقامٍ) لأوليائه من أعدائه.

٤٨ ـ (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) :

(يَوْمَ تُبَدَّلُ) انتصابه على البدل من قوله (يَوْمَ يَأْتِيهِمُ).

(السَّماواتُ) أي يوم تبدل هذه الأرض التي تعرفونها أرضا أخرى غير هذه المعروفة ، وكذلك السموات ، والتبديل : التغيير.

٤٩ ـ (وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ) :

(مُقَرَّنِينَ) قرن بعضهم مع بعض.

(فِي الْأَصْفادِ) فى القيود.

٥٠ ـ (سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ) :

(مِنْ قَطِرانٍ) القطران ما يتحلب من بعض الشجر وتهنأ به الإبل الجربى ، فيحرق الجرب بحره وحدته ، ومن شأنه أن يسرع فيه اشتعال النار.

١٧٤

(وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ) لأن الوجه أعز موضع فى ظاهر البدن وأشرفه.

٥١ ـ (لِيَجْزِيَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) :

(كُلَّ نَفْسٍ) من مجرمة ومطيعة.

٥٢ ـ (هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) :

(هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ) كناية فى التذكير والموعظة.

(وَلِيُنْذَرُوا) معطوف على محذوف ، أي لينصحوا ولينذروا.

(بِهِ) بهذا البلاغ.

(وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) لأنهم إذا خافوا ما أنذروا به دعتهم المخافة الى النظر حتى يتوصلوا الى التوحيد ، لأن الخشية أم الخير كله.

١٧٥

(١٥)

سورة الحجر

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ) :

(الر) ألف ، لام ، راء فى الابتداء بهذه الحروف تنبيه الى اعجاز القرآن ، مع أنه مكون من حروف يتكلمون بها.

(تِلْكَ) إشارة الى ما تضمنته السورة من الآيات.

(آياتُ الْكِتابِ) السورة.

(وَقُرْآنٍ مُبِينٍ) تنكير (قُرْآنٍ) للتفخيم.

أي الكتاب الجامع للكمال والغرابة فى البيان.

٢ ـ (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) :

(لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) حكاية ودادتهم ، وانما جىء بها على لفظ الغيبة لأنهم مخبر عنهم.

٣ ـ (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) :

(يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا) بدنياهم.

(وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ) ويشغلهم أملهم.

(فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) سوء صنيعهم.

٤ ـ (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) :

(وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) جملة واقعة صفة لقوله (قَرْيَةٍ).

(مَعْلُومٌ) مكتوب معلوم.

٥ ـ (ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ) :

(وَما يَسْتَأْخِرُونَ) عنه ، لأنه معلوم.

٦ ـ (وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) :

(يا أَيُّهَا) النداء منهم على وجه الاستهزاء.

١٧٦

٧ ـ (لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) :

(لَوْ ما) للتحضيض والمعنى : هلا تأتينا بالملائكة يشهدون بصدقك.

٨ ـ (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ) :

(إِلَّا بِالْحَقِ) الا تنزلا ملتبسا بالحكمة والمصلحة ولا حكمة فى أن تأتيكم الملائكة عيانا ، لأنكم حينئذ مصدقون عن اضطرار.

(إِذاً) جواب وجزاء ، لأنه جواب لهم وجزاء الشرط مقدر ، تقديره : ولو لا نزلنا الملائكة ما كانوا منتظرين وما أخرنا عذابهم.

٩ ـ (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) :

(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) رد لانكارهم واستهزائهم.

١٠ ـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ) :

(فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ) فى فرقهم وطوائفهم.

١١ ـ (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) :

(وَما يَأْتِيهِمْ) حكاية حال ماضية.

١٢ ـ (كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) :

(كَذلِكَ) أي الضلال والكفر والاستهزاء والشرك.

(نَسْلُكُهُ) نلقيه.

١٣ ـ (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) :

(لا يُؤْمِنُونَ) أي غير مؤمن به ، فى موضع نصب على الحال ، أو هو بيان لقوله (كَذلِكَ نَسْلُكُهُ).

(سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) طريقتهم التي سنها الله فى إهلاكهم حين كذبوا برسلهم ، وبالذكر المنزل عليهم.

١٤ ـ (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ) :

(يَعْرُجُونَ) يصعدون.

١٧٧

١٥ ـ (لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) :

(سُكِّرَتْ أَبْصارُنا) أي غشيها ضعف فلا يبصرون.

أي ان هؤلاء المشركين بلغ من غلوهم فى الفساد أن لو فتح لهم باب من أبواب السماء ، ويسر لهم معراج يصعدون فيه إليها ، ورأوا من العيان ما رأوا لقالوا : هو شىء نتخايله لا حقيقة له ، ولقالوا : قد سحرنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك.

١٦ ـ (وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ) :

(بُرُوجاً) منازل للكواكب.

(وَزَيَّنَّاها) يعنى السماء.

(لِلنَّاظِرِينَ) المعتبرين والمفكرين.

١٧ ـ (وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ) :

(رَجِيمٍ) مرجوم بالحجارة.

١٨ ـ (إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ) :

(اسْتَرَقَ السَّمْعَ) اختطت خطفا يسيرا.

(فَأَتْبَعَهُ) أدركه ولحقه.

(شِهابٌ مُبِينٌ) شهاب : كوكب مضىء. ومبين : ظاهر للمبصرين.

١٩ ـ (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) :

(مَدَدْناها) بسطناها.

(وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ) جبالا راسخة راسية ثابتة.

(مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) أي مقدر ومعلوم.

٢٠ ـ (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ) :

(وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ) من المطاعم والمشارب التي يعيشون بها.

(وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ) أي الدواب والأنعام.

١٧٨

٢١ ـ (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) :

(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ) أي : وان من شىء من أرزاق الخلق ومنافعه الا عندنا خزائنه.

(وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) أي ولكن لا ننزله الا على حسب مشيئة وعلى حسب حاجة الخلق اليه.

٢٢ ـ (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ) :

(لَواقِحَ) حوامل ، أو ملقحة.

(وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ) أي ليست خزائنه عندكم.

٢٣ ـ (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ) :

(وَنَحْنُ الْوارِثُونَ) الأرض وما عليها ولا يبقى شىء سوانا.

٢٤ ـ (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ) :

(الْمُسْتَقْدِمِينَ) أول الخلق.

(الْمُسْتَأْخِرِينَ) آخر الخلق.

٢٥ ـ (وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) :

(يَحْشُرُهُمْ) للحساب والجزاء.

٢٦ ـ (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) :

(مِنْ صَلْصالٍ) أي من طين يابس.

(مِنْ حَمَإٍ) الحمأ : الطين الأسود.

(مَسْنُونٍ) متغير.

٢٧ ـ (وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ) :

(مِنْ قَبْلُ) أي من قبل خلق آدم.

(مِنْ نارِ السَّمُومِ) نار لا دخان لها.

١٧٩

٢٨ ـ (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) :

(مِنْ صَلْصالٍ) من طين جاف.

(مِنْ حَمَإٍ) الحمأ : الطين الأسود.

(مَسْنُونٍ) متغير.

أي كان أولا ترابا ، ثم بل فصار طينا ، ثم ترك حتى أنتن فصار حمأ مسنونا ، ثم يبس فصار صلصالا.

٢٩ ـ (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) :

(وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) أحييته.

(فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) أي خروا له ساجدين.

٣٠ ـ (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) فعلوا ما أمروا به من السجود.

٣١ ـ (إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) :

(أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) لم يسجد معهم.

٣٢ ـ (قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) :

(ما لَكَ) أي ما المانع لك.

(أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) أي فى ألا تكون.

٣٣ ـ (قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) :

من تكبره وحسده ، وأنه خير منه ، إذ هو من نار ، والنار تأكل الطين.

٣٤ ـ (قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) :

(فَاخْرُجْ مِنْها) أي من السموات ، أو من جنة عدن ، أو من جملة الملائكة.

١٨٠